العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (253) إلى الآية (254) ]

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}

قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله: بروح القدس.
فقرأ ابن كثير وحده: وأيّدناه بروح القدس [البقرة/ 87، 253] مسكّنة الدّال وكذلك في جميع القرآن.
وقرأ الباقون: القدس مضمومة القاف والدّال.
[قال أبو عليّ]: قوله: وأيّدناه بروح القدس أيّدناه: فعّلناه، من الأيد والآد، وهو القوة، ومثل الأيد والآد في
[الحجة للقراء السبعة: 2/148]
بنائهما على فعل وفعل: العيب والعاب، والذّيم والذام، وجاء في أكثر الاستعمال على فعّلناه لتصحّ العين الثانية لسكون الأولى، وعلى هذا قوله: إذ أيّدتك بروح القدس [المائدة/ 110] ومن قال آيدناه صحّح العين، لأنه إذا صحّت في مثل: أجود، وأطيب، لزم تصحيحها في آيدناه لما كان يلزم من توالي الإعلالين. فمن التصحيح قوله:
ناو كرأس الفدن المؤيد ونظير هذا في كراهتهم توالي الإعلالين، ورفضهم ما يؤدي إليه قولهم: يودّ وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة [الأنفال/ 7] فبنوا الماضي على فعل، ليلزمه في المضارعة يفعل. ولو كان الماضي فعل لكان المضارع مثل: يعد. فيلزم اجتماع إعلالين.
فأمّا روح القدس، فقال قتادة والسّدّيّ، والرّبيع والضّحّاك في روح القدس أنّه جبريل- وقال بعض المفسرين:
روح القدس: الإنجيل، أيّد الله عيسى به روحا، كما جعل القرآن روحا في قوله: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/149]
[الشورى/ 52] والقدس والقدس التخفيف والتّثقيل فيه حسنان... وكذلك ما كان مثله نحو: العنق والعنق والطنب والطنب. والحلم والحلم.
وحكى أبو الحسن عن عيسى اطّراد الأمرين فيهما. ومما يدلّ على حسن التثقيل جمعهم ما كان على فعلة على فعلات.
نحو غرفة وغرفات- وركبة وركبات وهذا الأكثر في الاستعمال.
ومنهم من كره الضمّتين- فأسكن العين أو أبدل منها الفتحة نحو: ركبات. وكذلك من أسكن العين منه، والضمّ أكثر كما كان ظلمات أكثر. وأسكن أبو عمرو خطوات وحرّك القدس لأن الحركات في الجمع أكثر منها في الفعل، فأسكن لتوالي الحركات واجتماع الأمثال، ولا يلزمه على هذا الإسكان في الظلمات.
وأما القدس في اللغة فإن أبا عبيدة وغيره قالوا في قوله: ونقدّس لك [البقرة/ 30] التّقديس: التطهير. وقال غيره: إن ابن عباس كان يقول: المقدس: الطاهر، وقال الرّاجز:
الحمد لله العليّ القادس قال: وقالوا: قدّس عليه الأنبياء، أي: برّكوا.
وقال رؤبة:
دعوت ربّ القوّة القدّوسا
[الحجة للقراء السبعة: 2/150]
قال: والمقدّس: المعظّم. وقال: قدّس عليه، أي:
برّك.
قال أبو عليّ: فكأنّ معنى نقدّس لك. ننزّهك عن السوء. فلا ننسبه إليك. ولا ما لا يليق بالعدل. وهذا الوصف في المعنى كقول أمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذّموم
قال أبو عمر: سألت أبا مالك عن قوله: ما تغنّثك.
قال لا تعلّق بك. فاللام فيها على حدها في قوله:
ردف لكم [النمل/ 72] ألا ترى أن المعنى تعظيمه وتنزيهه.
وليس المعنى أنه ينزّه شيء من أجله. ومثل ذلك في المعنى قولهم: سبحان الله، إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى، فلم يصرف في قوله:
سبحان من علقمة الفاخر
[الحجة للقراء السبعة: 2/151]
وروح القدس: جبريل كأنّه منسوب إلى الطّهارة، وذلك أنّه ممّن لا يقترف ذنبا، ولا يأتي مأثما، كما قد يكون ذلك من غيره.
وقولنا في صفة الله تعالى: القدّوس: أي: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل.
فأمّا قولهم: بيت المقدس وقول الراجز:
الحمد لله العليّ القادس فيدلّ على أنّ الفعل قد استعمل من التقديس بحذف الزيادة، أو قدّر ذلك التقدير. فإذا كان كذلك لم يخل المقدس من أن يكون مصدرا أو مكانا. فإن كان مصدرا كان كقوله:
إليّ مرجعكم [لقمان/ 15] ونحوه من المصادر التي جاءت على هذا المثال. وإن كان مكانا فالمعنى فيه: بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة، وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاء: أن طهّرا بيتي للطّائفين [البقرة/ 125] وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، وكما جاء: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30] كذلك وصف بخلاف الرّجس إذا أخلي منها، ومما لا يليق بمواضع النّسك، وإن قدّرت «المقدس» المكان لا المصدر كان المعنى: بيت مكان الطّهارة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/152]
فأمّا ما حكاه قطرب: من أنّهم يقولون قدّس عليه الأنبياء. أي: برّكوا عليه فليس يخلو هذا المقدّس عليه من أن يكون موضع منسك، أو يكون إنسانا. فإن كان موضع نسك، فهو كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم ربّ اجعل هذا البلد آمناً [إبراهيم/ 35]، فكذلك يجوز أن يكون تبريك الأنبياء دعاء منهم له بالتّطهير. وإن كان إنسيّا فهو كقوله: واجعله ربّ رضيًّا [مريم/ 6] وكما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من دعائه للحسن والحسين، وهذا يؤول إلى ذلك المعنى، وكذلك من قال: المقدّس: المعظّم، إنما هو تفسير على المعنى، وكثيرا ما يفعل المفسّرون من غير أهل اللغة، ذلك لمّا رأوا ذلك لا يفعلون إلا بشيء يراد تعظيمه وتبرئته من غير الطّهارة. فسّروه بالمعظّم على هذا المعنى. والأصل: كأنّه التطهير الذي فسّره أبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 2/153] (م)

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ... (254).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ها هنا وفي إبراهيم: (لا بيع فيه ولا خلال) وفي الطور: (لا لغو فيها ولا تأثيم) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين.
قال أبو منصور: من قرأ (لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة) بالنصب فهو على التبرئة، ومن رفع ونوّن فهي لغة جيدة إذا تكررت (لا)، وإذا لم تتكرر فالاختيار النصب.
ومعنى الرفع: الابتداء وخبره). [معاني القراءات وعللها: 1/216]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ [البقرة/ 254].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ بالنصب في كل ذلك بلا تنوين، وفي سورة إبراهيم: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [الآية/ 31] مثله أيضاً، وفي الطور: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الآية/ 23] مثله.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: كلّ ذلك بالرّفع والتنوين.
قال أبو علي: خصّ البيع في قوله: لا بيعٌ فيه لما في المبايعة من المعاوضة، فيظنّ أن ذلك كالفداء في النجاة ممّا أوعدوا به، فصار ذلك في المعنى كقوله تعالى: وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها [الأنعام/ 70]، وكقوله: فاليوم لا يؤخذ منكم فديةٌ [الحديد/ 15]، وقوله إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم
[المائدة/ 36]، ونحو ذلك من الآي التي تعلم أنّه لا فداء لعذاب ذلك اليوم، ولا مانع منه، وكذلك قوله: لا خلّةٌ
[الحجة للقراء السبعة: 2/354]
لأن الخليل قد ينتفع بخلّة خليله، كما أنّ المشفوع له قد ينتفع عند شفاعة الشافع له، فأعلم سبحانه أن ذلك كلّه لا ينفع في ذلك اليوم، قال تعالى: ما للظّالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع [غافر/ 18].
فأما قوله: لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ [إبراهيم/ 31] فإنّ قوله: خلالٌ يحتمل أمرين: يجوز أن يكون جعل الخلّة كالأسماء، كما جعل غيرها من المصادر كذلك، فكسّر تكسيرها، وجعل كقولهم: برمة وبرام، وجفرة وجفار، وعلبة وعلاب، ويجوز أن يكون مصدر: خاللته مخالّة وخلالًا.
أنشد أبو عبيدة:
ويخبرهم مكان النّون منّي... وما أعطيته عرق الخلال
وأما قوله تعالى: لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ [الطور/ 23] فإن
[الحجة للقراء السبعة: 2/355]
أبا عبيدة قال: اللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، وأنشد للعجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم قال: وتقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت تلقى، قال: ولغا الطّير: أصواتها. وأنشد غيره:
باكرته قبل أن تلغى عصافره... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي
قال أبو علي: فكأنّ اللّغو واللّغا مثل الدّلو والدلا، والعيب والعاب، ونحو ذلك مما يجيء على فعل وفعل، واللغو: التكلم بما لا ينبغي، والخوض فيما نهي عنه. قال تعالى: وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين [القصص/ 55]، أي: لا نبتغي مجاراتهم ولا الخوض معهم فيما يخوضون فيه، فالمضاف محذوف، وقال تعالى:
والّذين هم عن اللّغو معرضون [المؤمنون/ 3]، فأما قوله سبحانه: وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً [الفرقان/ 72] فيجوز أن يكون المعنى: إذا مرّوا بأهل اللغو، أو: ذوي اللغو، مرّوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/356]
كراماً، فلم يجاورهم فيه، واجتنبوهم، فلم يخوضوا معهم.
ويجوز أن يكون مثل قولك: مرّت بي آية كذا، ومررت بسورة كذا، أي: تلوتها وقرأتها. أي: إذا أتوا على ذكر ما يستفحش ذكره كنّوا عنه ولم يصرّحوا. وأحسب بعض المفسّرين إلى هذا التأويل ذهب فيه.
وليس هذا في كلّ حال، ولكن في بعض دون بعض، فإذا كان الحال حالًا يقتضي التبيين، فالتصريح أولى، كما روي من التصريح في قصة ماعز، وكما
روي: «من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا»
وكما روي عن أبي بكر رضي الله عنه، أو غيره من الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض ببظر اللات.
وقد يستعمل اللغو في موضع آخر، وهو أن لا يعتدّ بالشيء، فمما يكون على هذا قوله تعالى: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم [المائدة/ 89] فهذا يحمل على ما وضعت فيه الكفّارة، نحو: لا والله، وبلى والله.
ومن ذلك قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/357]
ويلغى دونها المرئيّ لغوا... كما ألغيت في الدّية الحوارا
ألا ترى أن الدّية لا يؤخذ فيها الحوار، فصار لا اعتداد به فيها؛ فأما التأثيم فقالوا: أثم يأثم. إذا ركب مأثما، فإذا حملته على ذلك قلت: أثّمته تأثيما، وفي التنزيل: إنّا إذاً لمن الآثمين [المائدة/ 106] وفيه: ويلٌ لكلّ أفّاكٍ أثيمٍ [الجاثية/ 7] وقال تعالى: منّاعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ [القلم/ 12]؛ فيجوز أن يكون: آثم وأثيم، مثل: عالم وعليم وشاهد وشهيد، ويجوز أن يكون: أثيم من آثم، مثل:
قريح وطبيب، ومذيل وسميح، فمعنى لا تأثيم: ليس فيها ما يحمل على الإثم؛ فأما من فتح بلا تنوين، فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم؟ [ومن رفع جعله جواب: أفيها لغو أو تأثيم؟].
وقد ذكرنا صدراً من القول على النفي فيما تقدم.
والمعنيان يتقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدلّ على ذلك قول أمية:
فلا لغو ولا تأثيم فيها... وما فاهوا به لهم مقيم
[الحجة للقراء السبعة: 2/358]
ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو- وإن كان قد رفعه- ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينوّنه.
فإن جعلت قوله: (فيها) خبراً أضمرت للأول خبراً وإن جعلته صفة. أضمرت لكلّ واحد من الاسمين خبراً). [الحجة للقراء السبعة: 2/359]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}
قرأ ابن كثير وابو عمرو {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} نصب بغير تنوين على النّفي والتبرئة
وقرأ الباقون بالرّفع والتنوين
اعلم أن لا إذا وقعت على نكرة جعلت هي والاسم الّذي بعدها كاسم واحد وبني ذلك على الفتح فإذا كررت جاز الرّفع والنّصب وإذا لم تكرر فالوجه فيه الفتح قال الله جلّ وعز {لا ريب فيه} من رفع جعله جوابا لقول القائل هل فيه بيع هل فيه خلة ومن نصب جعله جوابا لقول القائل هل من بيع فيه هل من خلة
[حجة القراءات: 141]
فجوابه لا بيع فيه ولا خلة لأن من لما كانت عاملة جعلت لا عاملة ولما كانت جواب هل لم تعملها إذ كانت هل غير عاملة وقد تقدم الكلام فيه عند قوله {فلا رفث ولا فسوق} ). [حجة القراءات: 142]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (165- قوله: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} قرأ ذلك ابن كثير وأبو عمرو بالفتح من غير تنوين، وقرأ الباقون بالرفع والتنوين، ومثله: {لا بيع فيه ولا خلال} في «إبراهيم 31» و{لا لغوٌ فيها ولا تأثيم} في «الطور 23».
166- وحجة من فتح أنه أراد النفي العام المستغرق لجميع الوجوه من ذلك الصنف، فبنى «لا» مع ما بعدها على الفتح، وكأنه جواب لمن قال: هل فيه من بيع، هل فيها من لغو، فسأل سؤالًا عامًا، وغير الاسم بدخول «من» عليه، فأجيب جوابًا عامًا بالنفي، وغير الاسم بالبناء، و«لا» مع الاسم المبني معها في موضع رفع بالابتداء والخبر «فيه».
167- وحجة من رفع أنه جعل «لا» بمنزلة «ليس» وجعل الجواب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/305]
غير عام، وكأنه جواب من قال: هل فيه بيع، هل فيها لغو، فلم يغير السؤال عن رفعه، فأتى الجواب غير مغير عن رفعه، والمرفوع مبتدأ، أو اسم «ليس» و«فيه» الخبر والاختيار الرفع لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/306]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (88- {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [آية/ 254]:-
بالفتح في كلهن، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن كل واحدٍ من هذه الأسماء الثلاثة بني مع لا على الفتح إرادة النفي العام؛ لأنهم جعلوه جواب: هل فيه من بيع أو خلة أو شفاعة؟، فقيل لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، يعنون انتفاء جنس هذه الأشياء، فالنفي عام للجنس، كما أن السؤال كان عامًا للجنس.
وقرأ الباقون بالرفع فيهن كلهن؛ لأنهم جعلوه جواب: أفيه بيع أو خلة أو شفاعة؟ فجوابه لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بالرفع على الابتداء، كما كان المسؤول عنه مرفوعًا بالابتداء، ولم يجعلوا النفي في هذه الأسماء نفيًا عامًا في اللفظ، وإن كان معلومًا أن النفي في القراءتين أريد به العموم والكثرة، ألا ترى أنك إذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أردت من نفي الحول ما أردته من نفي القوة). [الموضح: 337]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:47 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[ الآية (255) ]

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (اللّه لا إله إلّا هو... (255).
وقف يعقوب: (اللّه لا إله إلّا هوه) بالهاء. وكذلك: (نعمّا هيه)،
[معاني القراءات وعللها: 1/216]
و (كأنّه هوه)، و(فلا كاشف له إلّا هوه).
ويقف على: (عم يتساءلون) عمّه، ونحو ذلك في القرآن كله.
يقول هذه هاء الاستراحة.
والباقون من القراء يقفون على هذه الحروف بغير هاء.
قال أبو منصور: أما ما اختاره يعقوب من الوقف على هذه الحروف بالهاء فهو من كلام العرب الجيد، غير أني أختار المرور عليها، وأن لا يتعمد الوقوف عليها، لأن الهاءات لم تثبت في المصاحف فأخأف أن تكون زيادة في التنزيل، وإن اضطر الواقف إلى الوقوف عليها وقف بغير هاء اتباعا للقراء الذين قرأوا بالسنة). [معاني القراءات وعللها: 1/217]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن الزهري والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنهم: [ولا يَوُودُه حِفْظَهُمَا] بلا همز، ولم يُقَل: كيف قالوا؟
قال ابن مجاهد: من لم يهمز قال: [يَوُودُه] فخلف الهمزة بواو ساكنة، فجمع بينها وبين الواو، فيجتمع ساكنان، فإن شاء ضمها فقال: [يَوُودُه]، ومن ترك الهمز أصلًا قال: [يَوْدُه].
قال أبو الفتح: خلَّط ابن مجاهد في هذا التفسير تخليطًا ظاهرًا غير لائق بمن يُعتد إمامًا في روايته، وإن كان مضعوفًا في فقاهته؛ وذلك أن قوله تعالى: {يَؤُودُهُ} لك فيه التحقيق والتخفيف، فمن حقَّق أخلصها همزة، قال: {يَؤُودُهُ} كيعوده، ومن خفَّف جعل الهمزة بين بين؛ أي: بين الهمزة والواو؛ لأنها مضمومة، فجرى مجرى قولك في تخفيف لَؤم: لَوُم، وفي مئونة: موُونة، ولا يخلصها واوًا لأنها مضمومة، فقوله: بلا همز؛ أي: يخففها، كذا أُحسِن الظن بهؤلاء المشيخة.
[المحتسب: 1/130]
فأما ترك الهمز أصلًا فشاذ، وينبغي لمن هو دونهم أن يصان عن أن يُظن ذلك به، فقول ابن مجاهد: إنه يخلف من الهمزة واو ساكنة فيجتمع ساكنان شديد الاضطراب؛ وذلك أنه قد سبق أن سبيل هذا أن يُخفِّف ولا يبدل، وإذا كان مخفِّفًا فالواو متحركة لا ساكنة، فلا ساكنين هناك أصلًا.
نعم، ثم لما قال: إنه يجتمع ساكنان لم يذكر ماذا يُعْمَل فيهما؟ قال: وإن شاء ضمها فقال: [يَوُودُه]، وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل عليه؛ ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يُضم الواو؛ بل الضمة على الهمزة، إلا أنها مخففة فقربت بذلك من الواو لضعفها مع ضمها.
وقوله فيما بعد: ومَن ترك الهمز أصلًا قال: [يَوْدُه] يؤكد ما كنا قدمناه من أن قوله: لا يهمز، إنما يريد به التخفيف لا يريد البدل والحذف، ولولا ذلك لم يَقل: ومن ترك الهمز أصلًا، فقوله: "أصلًا" يدل على أنه لا يريد التخفيف الذي كان قدَّمه.
وبعد، فمن ترك الهمزة أصلًا؛ أي: حذفها ألبتة كما يحذفها من قولهم: لاب لك؛ أي: لا أب لك، ومن قولهم: وَيَلُمِّه، وأصلها: ويلٌ لأُمه، ومن قولهم: ناس وأصلها أناس، والله في أحد قولي سيبويه الذي أصله فيه إله، وغير ذلك، فإنه إذا هو حذفها بقيت بعدها الواو التي هي عين الفعل ساكنة فصارت: [يَوْدُه] ومثاله على هذا اللفظ يَعلُه، وأصل هذا كله يَأْودُه كيعوده، يَفعُله كيقتله ونعبده، ثم نقلت الضمة من الواو التي هي عين الفعل إلى الهمزة التي هي فاء فعله، كما نقلت في يعود من الواو إلى العين فصارت [يئوده] كيعوده، ووزنه الآن يفْعُله، هكذا محصول لفظه، فإذا هو حذف الهمزة ألبتة -وهي فاء الفعل- بقي يَوْدُه في ومن يعلُه، والفاء على ما مضى محذوفة، وعلى أن هذا الحذف لا يُقْدِم أحدٌ عليه قياسًا لنكارته وضيق العذر في اقتباسه، اللهم أن يسمع شيء منه فيودَّى على ما فيه، ويُشرح حديثه بواجب مثله، ولا يحمل سواه على مثل حاله). [المحتسب: 1/131]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (89- {الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَهْ} [آية/ 255]:-
بالهاء في حال الوقف، قرأها يعقوب وحده، وكذلك {أَحَقٌّ هُوَهْ}
[الموضح: 237]
و {لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَهْ} ونحوها في الوقف.
وذلك لأن هذه هاء الوقف ألحقت الواو ههنا حرصًا على بيان حركتها في حال الوقف، ولئلا يزيله الوقف بالسكون، كما ألحقت في: أغزه وارمه كذلك، إلا أن القراء يكرهون ذلك؛ لأن الهاء ليست في المصحف، وهو الإمام، فكرهوا مخالفته). [الموضح: 338]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:48 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (256) إلى الآية (257) ]

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}

قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}

قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه جويرية بن بشير، قال: سمعت الحسن قرأها: [أولياؤهم الطَّواغيت].
قال أبو الفتح: ينبغي أن يُفهم هذا الموضع؛ فإن فيه صنعة؛ وذلك أن الطاغوت وزنها في الأصل فَعَلُوت، وهي مصدر بمنزلة الرغَبوت والرهَبوت والرحَموت، وقد يقال فيها: الرَّغَبُوتَى والرهبوتى والرحموتى، ويدل على أنها في الأصل مصدر وقوع الطاغوت على الواحد والجماعة
[المحتسب: 1/131]
يلفظ واحد، فجرى لذلك مجرى قوم عدل ورضًا، ورجل عَدلٌ ورضا، ورجلان عدل ورضا، فأما أصلها فهو طغيُوت؛ لأنها من الياء، ويدل على ذلك قوله عز وجل: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون}، هذا أقوى اللغة فيها؛ لأن التنزيل ورد به.
وروينا عن قطرب وغيره فيها الواو، طغا يطغو طُغُوًّا، وقد يجوز على هذا أن يكون أصله: طَغَوُوت، كفَعَلُوت من غَزَوتُ: غَزَوُوت، وأنا آنس بالواو في هذه اللفظة لما أذكره لك بعد. ثم إن اللام قدمت إلى موضع العين، فصارت بعد القلب طَيَغُوت أو طَوَغُوت، فلما تحركت الياء أو الواو وانفتح ما قبلها قلبت في اللفظ ألفًا؛ فصارت طاغوت كما ترى. ووزنها الآن بعد القلب فَلَعُوت، ومثالها من ضربت: ضَرَبُوت، ومن قتلت قتلوت، هذا إلى هنا بلا خلاف.
وإذا جمع فصار طواغيت احتاج إلى نظر؛ فأما على أن يكون من طغوت فلا سؤال فيه؛ وذلك أن الألف على هذا كانت بدلًا من لام طغوت، فلما احتاج إلى تحريك الألف المنقلبة عنها ردها إلى أصلها وهو الواو، فقال: طواغيت، ووزنها الآن فلاعيت، ولو جاءت على واجب أصلها لكان طغاويت أو طغاييت، كقولك في ملكوت لو كسرتها: ملاكيت، ولو قلبت الواحد على حد قلب الطاغوت لقلت: مكلوت، وإن جمعت على هذا -أعني مقلوبًا- قلت: مكاليت، هذا على أن لام طاغوت واو، ماض منقاد على ما تراه.
لكن مَن ذهب إلى أن لام طاغوت ياء وجب عليه أن يجيب عن قلب الألف من طاغوت واوًا في قولهم: طواغيت، وكان قياسه على الطغيان أن يكون طياغيت.
والجواب: أن طاغوتًا وإن كان من ط غ ى فإنه بعد نقله وقلبه قد صار كأنه فاعول، فلما كسر قلبت ألفه واوًا كما تقلب في نحو تكسير عاقول وعواقيل، وراقود ورواقيد، وهذا الشبه اللفظي كثير عنهم فاشٍ متعالَم بينهم؛ ألا تراهم قالوا: مررت بمالِكَ فأمالوا لشبهها بأَلف مالكٍ، وقالوا: طلبتا وعتَتا، فأمالوا لشبه آخره بألف سكرى وبشرى؟ فكذلك شبهوا ألف طاغوت بألف جاموس وعاقول.
وحكى يونس في تحقير الناب نويب؛ وذلك أنه حمل الألف هنا إذا كانت عينًا على أحكام ما يكثر؛ وهو قلب العين عن الواو في غالب الأمر، وهو: باب ودار وساق ونار، فقال:
[المحتسب: 1/132]
نُوَيب، وإن كان من الياء حملا على الباب الأكثر، وهو قولك في مال: مُويل، وفي ساق: سُويقة، وفي دار: دُوبرة.
وروينا عن قطرب في كتابه الكبير: طغى يطْغَى ويطغو، وطَغَيتُ وطغِيتُ وطَغوت طُغْيانًا وطُغْوَانًا وطَغْوًا وطُغُوًّا وطَغْوَى، فاعلم.
وألقى علينا أبو علي بحلب سنة ست وأربعين الكلام في طغيان، واعتزم في اللام الياء، فقال له فتى كان هناك من أهل مَنْبِج: فقد قالوا الطَّغوى، فقال أبو علي: خذ الآن إليك، هذا تصريفي، ينكر عليه احتجاجه بذلك؛ أي: ألا تعلم أن طَغْوَى اسم، وأن فَعلى إذا كانت اسمًا وكانت لامها ياء فإنها تقلب إلى الواو، نحو: التقوى والبقوى والفتوى والرَّعْوى والثَّنْوى والعوَّى. وبعد، فإن كانت طغوى من طغوت فواوه أصلية كواو العدوى والدعوى، وإن كانت من طغيت فإنها بدل من الواو كالفتوى وبابها.
وأما الطواغي فجمع طاغية، قال الله سبحانه: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} فهو يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أُهلكوا بطغيانهم، كقولك: أُهلكوا بالبلية الطاغية؛ أي: التي لا قِبَل لهم بها.
والآخر: أن يكون أُهلكوا بطغيانهم؛ أي: بكفرهم.
ومثل الطاغية وكونها مصدرًا على فاعلة قوله: [لا يُسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةٌ] أي: لغو، وتكسير اللاغية لواغ، كعافية وعواف، وعاقبة وعواقب، ومثل الطاغوت الحانوت، وهي فَعَلوت من حنوت؛ وذلك أن الحانوت يشتمل على من فيه، فكأنه يحنو عليه، فهي من الواو، وقُلبت لامها إلى موضع العين فصار حَوَنوت، ثم قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت حانوت.
[المحتسب: 1/133]
وقول علقمة:
حَانيَّةٌ حُومُ
منسوب إلى حانيَة فاعلة من هذا اللفظ والمعنى، ألا ترى إلى قول عُمارة:
وكيف لنا بالشرب فيها وما لنا ... دوانيق عند الحانَوِيِّ ولا نقد
فأما الحانة فمحذوفة من الحانية، ومثالها فاعة، ومثلها البالة من قولهم: ما باليت بهم بالة، أصلها: بالية فاعلة من هذا الموضع، ثم حذفت اللام تخفيفًا، وإلى مثل ذلك ذهب الكسائي في "آية" أنها محذوفة من فاعلة: آيِية). [المحتسب: 1/134]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (258) إلى الآية (260) ]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ربّي الّذي يحيي ويميت... (258).
أسكن الياء حمزة. وحركها الباقون.
وقوله جلّ وعزّ: (قال أنا أحيي وأميت... (258).
قرأ نافع وحده بإثبات الألف من (أنا) إذا لقيتها الهمزة مفتوحة أو مضمومة في اثني عشر موضعا في البقرة، وموضع في الأنعام، وموضع في الأعراف، وموضعين في يوسف، وموضعين في الكهف،
[معاني القراءات وعللها: 1/217]
وموضعين في النمل، وموضع في المؤمن، وموضع في الزخرف، وموضع في الممتحنة.
فإذا لقيت ألف (أنا) همزة مكسورة حذفها كقوله في الأعراف: (إن أنا إلا نذير وبشير)، وفي الشعراء (إن أنا إلا نذير مبين)، وفي الأحقاف: (وما أنا إلا نذير مبين)، فإنه حذف الألف في هذه المواضع.
والباقون من القراء يطرحون ألف (أنا) في القرآن كله.
ولم يختلفوا في طرحها إذا لم يلقها همزة.
قال أبو منصور: في (أنا) ثلاث لغات: (أنا) بإثبات الألف، كقولك:
[معاني القراءات وعللها: 1/218]
(عنا)، وليست بالجيدة.
و (أن فعلت) ممالة النون إلى الفتح، وهي اللغة الجيدة، و(إن) مخففة الحركة، وهي رديئة). [معاني القراءات وعللها: 1/219]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {أنا أحيي} و{أحيي وأميت} [258]
روى قالون، عن نافع: {أنا أحيي وأميت} بإثبات الألف لفظا وكذلك في كل ما استقبله ألف شديدة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/91]
وقرأ الباقون {أنا حيي} بحذف الألف في كل القرآن في الدرج، واتفقوا جميعًا على إثباتها في الوقف، فمن أثبتها في الدرج؛ أتى بالكلمة على أصلها؛ لأن الألف في {أنا} بأزاء التاء في أنت، وقال:
أنا ليث العشيرة فاعرفوني = حميدًا قد تسنمت السناما
فنصب «ليثًا» «وحميدًا» على المدح، وفي {أنا} لغات أربع؛ آنا فعلت، وأنا فعلت، وأنْ فعلت، وأنه فعلت، ومثله {لكنا هو الله ربي}، روى عن نافع وابن عامر {لكنا هو} بالألف في الدرج.
قرأ الباقون {لكن هو الله ربي} بغير ألف، قال: واتفقوا على إثباتها في الوقف، لأنها في المصحف كتبت كذلك، إلا ما حدثني ابن مجاهد، وقال وهيب وابن الرومي، عن أبي عمرو أنه قرأ: {لكنه هو الله ربي} بالهاء وأدغم الهاء في الهاء.
قال: وحدثني إسماعيل قال: حدثني المازني في قوله {لكنا هو الله ربي} قال: الأصل: لكن أنا هو الله ربي فنقلوا فتحة الهمزة إلى النون وأسقطوا الهمزة،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/92]
وأدغموا النون في النون بعد أن أسكنوها، فالتشديد من جلل ذلك، قال الشاعر:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب = وتقلينني لكن إياك لا أقلي
أراد: لكن أنا.
وحدثنا ابن مجاهد، قال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق عن وهيب قال: في حرف أُبَيِّ بن كعب {لكن أنا هو الله ربي} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: كلّهم قرأ: أنا أحيي [البقرة/ 258] يطرحون الألف التي بعد النون، من أنا إذا وصلوا في كل القرآن، غير نافع، فإنّ ورشا وأبا بكر بن أبي أويس وقالون رووا: إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن مثل: أنا أحيي وأنا أخوك، [يوسف/ 69] إلّا في قوله: إن أنا إلّا نذيرٌ مبينٌ [الشعراء/ 15] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القرّاء، وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، ولم يختلفوا في حذفها، إذا لم تلقها همزة إلا في قوله: لكنّا هو اللّه ربّي [الكهف/ 38] ويأتي في موضعه إن شاء الله.
[قال أبو علي]: القول في أنا أنّه ضمير المتكلم، والاسم: الهمزة والنون، فأما الألف فإنّما تلحقها في الوقف،
[الحجة للقراء السبعة: 2/359]
كما تلحق الهاء له في نحو: مسلمونه، فكما أنّ الهاء التي تلحق للوقف، إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء؛ سقطت، كذلك هذه الألف تسقط في الوصل، والألف في قولهم: أنا، مثل التي في: حيّهلا، في أنها للوقف. فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء، سقطت، لأن ما يتصل به يقوم مقامه. مثل همزة الوصل في الابتداء، في نحو: ابن واسم وانطلاق، واستخراج. فكما أنّ هذه الهمزة إذا اتّصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت، ولم تثبت، لأن ما يتّصل به يتوصّل به إلى النطق بما بعد الهمزة، فلا تثبت الهمزة لذلك؛ كذلك الألف في أنا والهاء إذا اتصلت الكلم التي هما فيها بشيء، سقطتا ولم يجز إثباتهما، كما لم تثبت به همزة الوصل، لأن الهمزة في هذا الطّرف، مثل الألف والهاء في هذا الطرف.
وقد يجرون الوقف مجرى الوصل في ضرورة الشعر، فيثبتون فيه ما حكمه أن يثبت في الوقف. وليس ذلك مما ينبغي أن يؤخذ به في التنزيل، لأنهم إنما يفعلون ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/360]
لتصحيح وزن، أو إقامة قافية، وذانك لا يكونان في التنزيل، فمن ذلك قوله:
ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا لما كان يقف على الأضخمّ بالتشديد، ليعلم أن الحرف في الوصل يتحرك، أطلق الحرف، وأثبت التشديد الذي كان حكمه أن يحذف. ولهذا وجه في القياس وهو: أن الحرف الذي للإطلاق لمّا لم يلزم، لأنّ في الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام، فيقول:
أقلّي اللّوم عاذل والعتاب
[الحجة للقراء السبعة: 2/361]
واسأل بمصقلة البكري ما فعل فكذلك يلزم أن يقول: الأضخمّ على هذا فلا يطلق فإذا كان ذلك وجهاً في الإنشاد؛ علمت أن الحرف الذي للإطلاق غير لازم، فإذا لم يلزم لم يعتدّ به، وإذا لم يعتدّ به، كان الحرف المشدّد كأنّه موقوف عليه في الحكم، ومثل ذلك:
لقد خشيت أن أرى جدبّا ومثله:
ببازل وجناء أو عيهلّ ومثله:
تعرّض المهرة في الطّولّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/362]
ومثله:
مثل الحريق وافق القصبّا فهذا النحو قد يجيء في الشعر على هذا. وليس هذا كوقف حمزة في مرضات من مرضات اللّه [البقرة/ 207] لأنّ الوقف على التاء لغة حكاها عن أبي الخطّاب، فقد استعمل في الكلام والشعر، وهذا الذي أثبت حرف الإطلاق مع التشديد إنما هو في الشعر دون الكلام، فليس قول القائل:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت مثل: عيهلّ، والقصبّا، ويمكن أن يكون قوله:
هم القائلون الخير والآمرونه وقوله:
ولم يرتفق والناس محتضرونه
[الحجة للقراء السبعة: 2/363]
الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في «مسلمونه» و «صالحونه» فألحق الهاء حرف اللين، كما ألحقوا الحرف المشدّد حرف الإطلاق، وأجروا غير القافية مجرى القافية، كما أجروا قوله:
لمّا رأت ماء السّلا مشروبا وإن لم يكن مصرّعاً مجرى المصرّع. ولا يجوز شيء من ذلك في غير الشعر.
وأمّا ما روي عن نافع من إثباته الألف في أنا إذا كانت بعد الألف همزة، فإنّي لا أعلم بين الهمزة وغيرها من الحروف فصلًا، ولا شيئاً يجب من أجله إثبات الألف التي حكمها أن تثبت في الوقف، بل لا ينبغي أن تثبت الألف التي حكمها أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/364]
تلحق في الوقف، وتسقط في الوصل قبل الهمزة، كما لا تثبت قبل غيرها من الحروف في شيء من المواضع. وقد جاءت ألف إنّا مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك:
قول الأعشى:
فكيف أنا وانتحالي القواف... ي بعد المشيب كفى ذاك عارا
وقول الآخر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني... حميد قد تذرّيت السّناما
ومن زعم أن الهمزة في إنّا أصلها ألف ساكنة، ألحقت أولًا، فلما ابتدئ بها قلبت همزة، فالهمزة على هذا مبدلة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/365]
ألف؛ فإنّ قائل هذا القول جاهل بمقاييس النحويين، وبمذاهب العرب في نحوه.
أما جهله بمقاييس النحويين فإنهم لا يجيزون الابتداء بالساكن، فلذلك قال الخليل: لو لفظت بدال «قد» لجلبت همزة الوصل فقلت: إد، وقال أبو عثمان: لو لم تحذف الواو من عدة ونحوها، للزمك أن تجتلب الهمزة للوصل، فقلت:
إيعدة.
وأما موضع الجهل بمذاهب العرب التي عليها قاس النحويون: فهو أنهم لم يبتدءوا بساكن في شيء من كلامهم، فإذا أدى إلى ذلك قياس اجتلبوا همزة الوصل. ويبيّن ذلك أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، لأن في تخفيفها تقريباً من الساكن، فكما لم يبتدءوا بالساكن، كذلك لم يبتدءوا بما كان مقرّباً منه. ومما يبيّن ذلك أنّهم إذا توالى حرفان متحرّكان [في أول بيت]، حذفوا للجزم المتحرك الأول حتى يصير فعولن:
عولن، وقد توالى في «متفا» من «متفاعلن» ثلاث متحركات فلم يخرموه، لما كان الثاني من «متفا» قد يسكن للزّحاف، فإذا سكن للزحاف لزمه أن يبتدئ بساكن، فإذا كانوا قد رفضوا ما يؤدي إلى الابتداء بالساكن، فأن يرفضوا الابتداء بالساكن نفسه أولى، وإذا كان الأمر على ما وصفنا، تبيّنت أنّ الذي قال ذلك جهل ما ذكرنا من مقاييس النحويين، ومذاهب العرب فيها أو تجاهل، وتبينت أيضاً أنه ليس في الحروف التي يبتدأ بها
[الحجة للقراء السبعة: 2/366]
حرف مبدل للابتداء به، وأن الحروف التي يبتدأ بها على ضربين: متحرك وساكن، فإن كان متحركاً ابتدئ به ولم يغيّر من أجل الابتداء به، وإن كان ساكناً، اجتلبت له همزة الوصل في اسم كان، أو فعل، أو حرف، وقد كان من حكم مثل هذا الرأي أن لا يتشاغل به لسقوطه وخروجه من قول الناس). [الحجة للقراء السبعة: 2/367]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن السَّمَيفَع: [فبَهَتَ الذي كَفَرَ] بفتح الباء والهاء والتاء، وكذلك قرأ أيضًا نُعيم بن ميسرة، وقرأنة أبو حيوة شريح بن يزيد: [فبَهُتَ] بفتح الباء وضم الهاء، والقراءة العامة: {فَبُهِتَ}.
قال أبو الفتح: زاد أبو الحسن الأخفش قراءة أخرى لا يحضرني الآن ذكر قارئها، لم يسندها أبو الحسن: [فبَهِتَ] بوزن عَلِمَ، فتلك أربع قراءات.
فأما [بُهِتَ] قراءة الجماعة، فلا نظر فيها.
وأما [بَهِتَ] فبمنزلة خَرِق وفرِق وبرِق.
وأما [بَهُتَ] فأقوى معنى من بَهِتَ؛ وذلك أن فعُل تأتي للمبالغة كقولهم: قَضُو الرجل إذا جاد قضاؤه، وفقُه إذا قوي في فقهه، وشعُر إذا جاد شعره. وروينا عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: أن العرب تقول:
[المحتسب: 1/134]
ضرُبت اليد: إذا جاد ضربها، وكذلك بَهُت: إذا تناهى في الْخَرَق والبَرَق والحيرة والدَّهَش.
وأما [بَهَتَ] فقد يمكن أن يكون من معنى ما قبله، إلا أنه جاء على فَعَل كذَهَل ونَكَل وعجز وكَلَّ ولَغَب، فيكون على هذا غير متعدٍّ كهذه الأفعال.
وقد يمكن أن يكون متعديًا ويكون مفعوله محذوفًا؛ أي: فبَهَتَ الذي كفر إبراهيم عليه السلام.
فإن قيل: فكيف يجوز على هذا أن يجتمع معنى القراءتين؟ ألا ترى أن بُهِتَ قد عُرف منه أنه كان مبهوتًا لا باهتًا، وأنت على هذا القول تجعله الباهت لا المبهوت.
قيل: قد يمكن أن يكون معنى قوله: بَهت أي رام أن يبهَت إبراهيم عليه السلام، إلا أنه لم يستوِ له ذلك، وكانت الغلبة فيه لإبراهيم عليه السلام.
وجاز أن يقول: بَهَتَ، وإنما كانت منه الإرادة، كما قال جل وعز: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي: إذا أردتم القيام إليها، كقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: إذا أردت قراءته، فاكتفى بالمسبب الذي هو القيام، والقراءة من السبب الذي هو الإرادة.
وقد أفردنا لهذا الموضع بابًا في كتابنا الخصائص.
ويجوز جوازًا حسنًا أن يكون فاعل [بَهَتَ] إبراهيم؛ أي: فبَهَت إبراهيمُ الكافرَ؛ ليلتقي معنى هذه القراءة مع معنى الأخرى التي هي: {فبُهِتَ الذي كفر}، وعليه قطع أبو الحسن.
فإن قيل: فما معنى هذا التطاول والإبعاد في اللفظ، ولم يقل: {بُهِتَ} وإبراهيم عليه السلام هو الباهت؟
قيل: إن الفعل إذا بُني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل؛ بل ليعلم أن الفعل قد وقع به، فيكون المعنى هذا لا ذكر الفاعل، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، وهذا مع قوله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}، وقال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق}، فالغرض في نحو هذا المعروف الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو الإخبار عن وقوع الفعل به حسب، وليس الغرض فيه ذكر من أوقعه به، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/135]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أنا أحيي وأميت}
قرأ نافع {أنا أحيي} و{أنا آتيك} بإثبات الألف من أنا في الوصل وحجته إجماعهم على الوقف بالألف في أنا فأجرى الوصل مجرى الوقف
وقرأ الباقون {أنا أحيي} بغير ألف في الوصل وحجتهم أن الألف بعد النّون إنّما زادوا للوقف فإذا أدرجوا القراءة زالت العلّة فطرحوها لزوال السّبب الّذي أدخلوها من اجله وهي بمنزلة هاء الوقف تدخل لبيان الحركة في الوقف). [حجة القراءات: 142]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (168- قوله: {أنا أحيي} «258» قرأه نافع بإثبات الألف في الوصل، إذا أتى بعد «أنا» همزة مفتوحة أو مضمومة، وذلك اثنا عشر موضعًا في القرآن، وقرأ الباقون بغير ألف، ولا اختلاف في الوقف أنه بالألف، وكلهم حذف الألف، إذا لم يأت بعدها همزة، وكذلك إن أتت بعد «أنا» همزة مكسورة، وقد ذكرنا ما روي عن قالون في إثبات الألف في «أنا» في الوصل مع الهمزة المكسورة، وبالحذف قرأت له، فأما الوقف فلابد من الألف لجميعهم في «أنا» على أي حال كانت.
169- وحجة من أثبت الألف معه الهمزة المضمومة والمفتوحة، وهو نافع، أنه لما تمكن له مد الألف للهمزة، كره أن يحذف الألف، ويحذف مدتها، فأثبتها في الموضع الذي يصحب الألف فيه المد، وحذفها في الموضع الذي لا تصحب الألف فيه المد نحو: {أنا ومن اتبعني} «يوسف 108» والألف زائدة عند البصريين، والاسم المضمر عندهم الهمزة والنون، وزيدت الألف للتقوية، وقيل: زيدت للوقف لتظهر حركة النون، والاسم عند الكوفيين «أنا» بكماله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/306]
فنافع في إثبات الألف على قولهم على الأصل، وإنما حذف الألف من حذفها استخفافًا، ولأن الفتحة تدل عليها، ولابد من إثباتها في الوقف، وقد كان يلزم نافعًا إثبات الألف، إذ أتت بعدها همزة مكسورة، كما روي عن قالون، لأنه موضع يمكن فيه المد، وتحذف فيه الألف ومدتها، ولكن لما قل ذلك في القرآن، فلم يقع منه إلا ثلاثة مواضع، أجراه مجرى ما ليس بعده همزة لقلته، فحذف الألف في الوصل، وما روي عن قالون، من إثبات الألف، هو جار على العلة في المفتوحة والمضمومة.
170- وحجة من حذف الألف في الوصل، في جميع الباب كله، أن الألف إنما جيء بها لبيان حركة النون، كهاء السكت؛ لأن الاسم لما قلت حروفه، اختل في الوقف، لزوال حركة النون، فجاء بالألف في الوقف، لتبقى حركة النون على حالها، ولا حاجة إلى الألف في الوصل؛ لأن النون فيه متحركة، والاسم هو الهمزة والنون، والألف زائدة كهاء السكت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/307]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (90- {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [آية: 258]:-
بإثبات الألف بعد النون، قرأها نافع ش- و- ن-، وكذلك في جميع القرآن، إذا لقيت همزةً مفتوحة أو مضمومة، فإذا كانت مكسورة فلا تثبت الألف.
ووجه ذلك أن هذه الكلمة هي ضمير المتكلم، والاسم منها هو الهمزة والنون فحسب، فأما الألف التي بعد النون فإنما ألحقت حالة الوقف ليوقف عليها، وليبقى آخر الاسم على حركته، كما ألحقت هاء الوقف حيث ألحقت لذلك فهي تجري مجراها، فينبغي أن تسقط هذه الألف في الوصل، كما تسقط الهاء في الوصل، إلا أن نافعًا أراد أن يجري الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيف جدًا؛ لأن مثل ذلك إنما يأتي في ضرورة الشعر، نحو قول الأعشى:-
17- فكيف أنا وانتحالي القوافـ = ـي بعد المشيب كفى ذاك عارا
[الموضح: 338]
وليس هذا مما يحسن الأخذ به في القرآن.
وإثبات نافع هذه الألف مع الهمزة المفتوحة والمضمومة دون المكسورة هو لإرادة الأخذ بالوجهين، ولأن الهمزة بعد الألف أبين، وامتناعه عنها عند كسر الهمزة لاستثقال الكسرة فيها بعد الألف والفتحة.
وقرأ الباقون {أَنَ} بغير ألف، وكذلك يل- عن نافع.
وذلك أن هذا هو الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام، وهو أن لا يلحق {أَنَا} الألف في حال الوصل، لما تقدم من أنها أداة وقف تلحق في حال الوقف دون الوصل كالهاء). [الموضح: 339]

قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لبثت... (259)، و: (لبثتم).
أظهر الثاء في (لبثت) و(لبثتم) ابن كثير ونافع وعاصم حيث وقعت.
وأدغمه الباقون، إلا أن يعقوب أظهرها في حرفين في سورة المؤمنين، عند قوله: (قال كم لبثتم)، و(قال إن لبثتم).
قال أبو منصور: من أدغم فقرأ (لبتّم) فلقرب مخرجي التاء والثاء.
ومن أظهر الثاء فلأنه أشبع وأتم، وأنا أختار الإظهار.
قوله جلّ وعزّ: (لم يتسنّه... (259).
قرأ حمزة ويعقوب بحذف الهاء من (يتسنّه) في الوصل، وكذلك
[معاني القراءات وعللها: 1/219]
(فبهداهم اقتده)، و(ما أغنى عنّي ماليه (28) هلك عنّي سلطانيه (29)
و(ما أدراك ما هيه (10).
وزاد يعقوب على حمزة حذف الهاء من قوله: (كتابيه) و: (حسابيه) وأثبتها حمزة.
وحذت الكسائي الهاء من (يتسنّه) ومن (اقتده)، في الوصل، وأثبت الهاء في الوصل والوقف، أي في غيرهما، ولم يختلفوا في أن الهاء ثابتة في الوقف، والباقون يصلون بالهاء ويقفون على الهاء.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (لم يتسنّه): قرأها أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بإثبات الهاء إن وصلوا وإن قطعوا، وكذلك قوله: (اقتده) وما أشبهه في القرآن.
ووافقهم أبو عمرو إلا في الأنعام، فإنه كان يحذف الهاء منه في الوصل، ويثبتها في الوقف، وكان الكسائي يحذف الهاء من (يتسنّه)، و(اقتده)، في الوصل، ويثبتها في
[معاني القراءات وعللها: 1/220]
الوقف ولا يفعل ذلك في سائر هاءات الوقف في القرآن، وكان عاصم يثبتها في الوقف في القرآن كله، ويحذفها في الوصل، مثل قوله: (يا ليتني لم أوت كتابيه)، و(ما أدراك ما هيه).
وكان الأعمش وحمزة يفعلان ذلك أيضًا في قوله: (لم يتسنّه)، وفي: (فبهداهم اقتده)، وفي حرفين من الحاقة: (ماليه) و(سلطانيه) وأما ما سواها فإنهما كانا يثبتان الهاء في الوصل والقطع.
قال أبو العباس: ونحن نذهب إلى أن هذه الهاءات هاءات وقف، والوجه فيها كلها أن تحذف في الموصل والممر، وتثبت في الموقف، فهذا الوجه
[معاني القراءات وعللها: 1/221]
في العربية، وقد تصل العرب على مثال الوقف، فيكون الوصل كالقطع، وهذا من ذلك، فاعلم.
وقوله جلّ وعزّ: (كيف ننشزها... (259).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (ننشرها) بالراء، وقرأ الباقون: (ننشزها) بالزاي.
وروى عبد الوهاب بن عطاء عن أبان عن عاصم: (كيف ننشرها) بفتح النون وضم الشين، وهي قراءة الحسن.
قال أبو منصور: من قرأ (ننشزها) بالزاي فالمعنى: نجعلها بعد بلاها وهمودها ناشزةً، تنشز بعضها إلى بعض، أي: ترتفع، مأخوذ من نشز، والنشز هو: ما ارتفع من الأرض.
ومن قرأ: (ننشرها) بالراء فمعناه: نحييها، يقال: أنشر الله الموتى، أي: أحياهم فنشروا، أي: حيوا، ومن
[معاني القراءات وعللها: 1/222]
قرأ (ننشرها) فهو مأخوذ من النشر بعد الطي.
والقراءة (ننشرها) أو (ننشزها) بضم النون الأولى فيهما، وأما (ننشرها) فهي شاذة، لا أرى القراءة بها.
وقوله عزّ وجلّ: (قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (259).
قرأ حمزة والكسائي: (قال اعلم) بالأمر.
وقرأ الباقون: (أعلم) بقطع الألف وضم الميم.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قراءة عبد الله: (قيل اعلم) على الأمر.
وكذلك قرأ حمزة والكسائي، اعتبرا قراءة عبد الله، وأما أبو جعفر وشيبة وعاصم ونافع وأبو عمرو فإنهم قرأوا: (قال أعلم)، قال: واختارها أبو عمرو على أنه من مقالة الذي أحياه الله.
وقال أحمد ابن يحيى: وأنا أختاره؛ لأنه مفسر في حديثه أنه لما رأى ما صنع به وبحماره قال عند ذلك: (أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ) قال أبو العباس: ونحن
[معاني القراءات وعللها: 1/223]
نذهب به إلى الجزم؛ لأن من قرأ به أكثر، على أنه قيل لإبراهيم: و(اعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/224]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {كم لبثت}
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم بإظهار الثاء عند التاء على أصل الكلمة.
وقرأها الباقون بالإدغام لقرب الثاء من التاء، وقد مرت علله في قوله تعالى: {ثم اتخذتم العجل} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {قال أعلم أن الله}
قرأ حمزة والكسائي: {قال أعلم}، فإاذ وقفا على «قال» ابتدأ «اِعْلم» بالكسر.
وقرأ الباقون {قال أعلم} بقطع الألف، وهو ألف المخبر عن نفسه، وهو فعل مستقبل ويبتدئ كما يصل، وهو الاختيار؛ لأنه من كلام الرجل أخبر عن نفسه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {لم يتسنه}.
قرأ حمزة: {لم يتسن} بغير هاء، و{فبهدايهم اقتد} {وما أغنى
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
عني مالي} {وسلطاني} {وما أدريك ما هي} كل ذلك بغير هاء في الوصل، وبإثباتها في الوقف، ولم يختلف القراء في الوقف أنها بالهاء.
وقرأ الكسائي بحذف هاتين منها {يتسن} و{اقتد}.
وقرأ الباقون بالهاء في الوصل والوقف، فمن وقف عليها بالهاء وهو الاختيار قال: هذه هاءُ السكت، أُتي بها ليبين بها حركة ما قبلها ولا يجوز حركتها. فأما من روى عن ابن عامر {فبهدايهم اقتدهى} فقد أخطأ. وتُحذف في الوصل؛ لأن الكلام الذي بعده صار عوضًا منها، وهو اختيار أبي العباس المبرد.
وأما من أثبت الهاء وصل أو قطع فإنه يتبع المصحف.
وحدثني أحمد بن عبدان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: الاختيار أن يتعمد الرجل للوقف على الهاء؛ ليجتمع له في ذلك موافقة المصحف واللغة الجيدة. فأما الكسائي فإنه أثبت مواضع، وحذف هنالك ليعلم أن اللغتين جائزتان. ومعنى {لم يتسنه} أي: لم يأت عليه السنون ولو كانت من الآسن: وهو المتغير لكان لم يتأسن. والسنون يجتذبها أصلان الواو والهاء، يقال: اكتريت غلامي مساناة ومسانهة، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/94]
ليست بسنهاء ولا رجبية = ولكن عرايا في السنين الجوانح
فيجوز أن تكون الهاء في {لم يتسنه} لام الفعل وسكونها علامة الجزم ويجوز أن يريد لم يتسنَّن، فتبدل إحدى النونات ألفا فيصير يتسنَّى ثم يسقط الألف للجزم، فهذا أصل ثالث، فتقول: على هذا اكتريت غلامي مسانة، وتقول: على هذه الأصول الثلاثة، إذا صغَّرت السنة: سُنية وسُنيهة وسُنينة، فأما تصغير السن فسنينةٌ لا غير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/95]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {كيف ننشزها} [259]
قرأ أهل الكوفة وابن عامر بالزاي وضم النون.
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا شبابة قال: قرأ أبو عمرو: {كيف ننشزها} بفتح النون، ننشز فعل لازم، والمتعدي منه أنشز، نحو: جلس زيد وأجلسه غيره.
وقرأ الباقون: (كيف ننشرها) بالراء وضم النون، وجعله أبو عمرو من
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/96]
قولهم: نزحت البئر نزحت البئر نُزحت البئر، وفغر فاهُ وفُغرفوه، وقال الفراء: {كيف ننشزها} الاختيار بالزاي؛ لأن العظام ما بليت، ولو كان بالية لقرأتها بالراء {ننشرها}.
فحجة من قرأ بالراء {ثم إذا شاء أنشره} {إليه النشور} وتقول العرب: نشر الميت وأنشره الله، قال الشاعر:
* يا عجبًا للميت الناشر *
ومن قرأ بالزاي فحجته ما حدثنا أحمد بن عبدان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: حدثنا حجاج، عن هارون: عن شعيب بن الحجاب، عن أبي العالية عن زيد بن ثابت: {كيف ننشرها} قال: إنما هي زاي فزوها قال أبو عبيد: معناه أشبع إعجامها.
قال أبو عبد الله: أي صيرها زايًا لا راءً؛ لأن العرب تقول: لما كان على ثلاثة أحرف، صودت صادًا، وكوفت كافًا وزويت زايًا، ولو أرادوا راء لقالوا ربيها بالياء كما قالوا: أيبتها من الياء، فتأمل ذلك فإنه لطيفٌ جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/97]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدغام الثّاء في التاء من قوله تعالى: كم لبثت [البقرة/ 259] ولبثتم.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في كلّ القرآن ذلك بإظهار الثاء.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ بالإدغام.
قال أبو علي: من بيّن لبثت ولم يدغم، فلتباين المخرجين، وذلك أنّ الظاء والذال والثاء من حيّز، والطاء والتاء والدال من حيّز، فلمّا تباين المخرجان، واختلف الحيّزان لم يدغم.
ومن أدغم أجراهما مجرى المثلين، من حيث اتفق الحرفان في أنّهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتّفقا في الهمس، ورأى الذي بينهما من الاختلاف في المخرج خلافاً يسيراً فأدغم، وأجراهما مجرى المثلين. ويقوّي ذلك وقوع نحو هذا حرفي رويّ في قصيدة واحدة، فجرى عندهم في ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/367]
مجرى المثلين. ويقوّي ذلك اتفاقهم في ستّ في الإدغام. ألا ترى أن الدّال ألزمت الإدغام في مقاربها، وإن اختلفا في الجهر والهمس، ولما ألزمت الدال الإدغام في مقاربها، فصارت الكلمة بذلك على صورة لا يكون في كلامهم مثلها، إلّا أن يكون صوتا، أبدلت من السين التاء، وأدغمت الدال في التاء فصار ستّا، فبحسب إلزامهم الإدغام في هذه الكلمة مع اختلاف الحرفين في الجهر والهمس يحسن الإدغام في:
لبثت ولبثتم. ويقوّي الإدغام فيه أيضاً أنّ التاء ضمير فاعل، وضمير الفاعل يجري مجرى الحرف من الكلمة، يدلّ على ذلك وقوع الإعراب بعد ضمير الفاعل في: يقومان، ونحوها، وسكون اللّام في نحو: فعلت، فضارع بذلك الحرفين المتصلين، وإذا صار بمنزلة المتصلين من حيث ذكرنا، لزم الإدغام كما لزم في ستّ، وكما أدغم من أسكن العين في وتد فقال: ودّ.
اختلفوا في إثبات الهاء في الوصل من قوله عزّ وجلّ:
لم يتسنّه [البقرة/ 259] واقتده [الأنعام/ 90] وما أغنى عنّي ماليه [الحاقة/ 28]
[الحجة للقراء السبعة: 2/368]
وسلطانيه [الحاقة/ 29] وما أدراك ما هيه [القارعة/ 10]، وإسقاطها في الوصل ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل. وكان حمزة يحذفهنّ في الوصل. وكان الكسائيّ يحذف الهاء في الوصل من قوله:
يتسنّه واقتده ويثبتها في الوصل في الباقي.
وكلّهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في كتابيه [الحاقة/ 19 - 25] وحسابيه [الحاقة/ 20 - 26] أنّها بالهاء في الوقف.
قال أبو عليّ: السنة تستعمل على ضربين: أحدهما:
يراد به الحول والعام والآخر: يراد به الجدب، خلاف الخصب.
فمما أريد به الجدب قوله تعالى: ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات [الأعراف/ 130] ومنه ما يروى من
قوله: «اللهمّ سنين كسنيّ يوسف»
وقول عمر: إنّا
[الحجة للقراء السبعة: 2/369]
لا نقطع في عرق ولا في عام السّنة» فلا يخلو عام السنة من أن يريد به الحول أو الجدب، فلا يكون الأول لأنّه يلزم أن يكون التقدير: عام العام، ولا يكون عام العام، كما لا يكون حول الحول، فإذا لم يستقم هذا، ثبت الوجه الآخر. ومن ذلك قول أوس:
على دبر الشّهر الحرام بأرضنا... وما حولها جدب سنون تلمّع
فقوله: تلمّع، معناه: لا خصب فيها ولا نبات، كقولهم:
السنة الشهباء، كأنها وصفت بالشّهب الذي هو البياض، كما وصف خلافها لريّ النبات فيها بالسّواد، وعلى ذلك جاء في وصف الجنتين: مدهامّتان [الرحمن/ 64] وقال ذو الرّمة في وصف روضة:
[الحجة للقراء السبعة: 2/370]
حوّاء قرحاء أشراطيّة وكفت... فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم
فأمّا قوله تعالى: والّذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى [الأعلى/ 4 - 5] فإنّ قوله: أحوى يحتمل ضربين:
يجوز أن يكون أحوى وصفاً للمرعى كأنّه: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: كالأسود من الرّي لشدة الخضرة فجعله غثاء بعد. ويجوز أن يكون أحوى صفة للغثاء، وذلك أنّ الرّطب إذا جفّ ويبس اسودّ بعد، كما قال:
إذا الصّبا أجلت يبيس الغرقد... وطال حبس بالدّرين الأسود
ومما يراد به الجدب قول حاتم:
وإنّا نهين المال من غير ضنّة... ولا يشتكينا في السنين ضريرها
أي: لا يشتكينا الفقير في المحل، لأنّا نسعفه ونكفيه.
وإذا ثبت أنّ السنة والسنين الجدوب فيجوز أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/371]
لم يتسنّه: لم تذهب طراءته، فيكون قد غيّره الجدب، فشعّثه وأذهب غضارته. ولمّا كانت السنة يعنى بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتقّ من الجدب، فقيل: أسنتوا: إذا أصابتهم السّنة فأجدبوا قال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
وقد اشتق من السّنة للجدب من كلتا اللغتين اللتين فيها:
فأسنتوا من الواو، وقوله:
ليست بسنهاء من الهاء. فأمّا قوله:
تأكل أزمان الهزال والسّني
[الحجة للقراء السبعة: 2/372]
فلا يصلح أن يقدر فيه أنّه ترخيم، لأنّ الترخيم إنّما يستقيم أن يجوز في غير النداء منه ما كان يجوز منه في النداء، فأمّا إذا لم يجز أن تكون الكلمة مرخمة في نفس النداء فأن لا يجوز ترخيمها في غير النداء أجدر. وإنما أراد بالسني: جمع فعلة على فعول، مثل: مأنة ومئون. وكسر الفاء كما كسر في عصيّ، وخفف للقافية كما خفّف الآخر:
كنهور كان من اعقاب السّمي وإنّما السّميّ كعنوق، كما أنّ سماء كعناق.
ويدلّ على صحة هذا قول أبي النجم:
قامت تناجيني ابنة العجليّ... في ساعة مكروهة النّجيّ
يكفيك ما موّت في السّنيّ فالتخفيف والحذف الذي جاء في السنيّ للقافية، تمّم في بيت أبي النجم. والسنيّ في قول أبي النجم معناه: الجدب، كأنّه: ما موّت في الجدوب. وقالوا: سنون، وسنين، [وجاء سنين] كثيراً في الشعر.
[الحجة للقراء السبعة: 2/373]
وقد أنشدنا في كتابنا في «شرح الأبيات المشكلة الإعراب من الشعر» في ذلك صدرا فمن ذلك: قول الشاعر:
دعاني من نجد فإنّ سنينه... لعبن بنا شيباً وشيّبننا مردا
فأمّا قوله تعالى: لم يتسنّه [البقرة/ 259] فيحتمل ضربين: أحدهما: أن تكون الهاء لاماً فيمن قال: سنهاء، فأسكنت للجزم، والآخر: أن يكون من السنة فيمن قال:
أسنتوا، وسنوات، أو يكون من المسنون الذي يراد به التّغيّر كأنّه كان لم يتسنّن، ثم قلب على حد القلب في لم يتظنّن.
ويحكى أنّ أبا عمرو الشيباني إلى هذا كان يذهب في هذا الحرف.
فالهاء في يتسنّه على هذين القولين تكون للوقف، فينبغي أن تلحق في الوقف، وتسقط في الدّرج.
فأمّا قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل فإنّ ذلك مستقيم
[الحجة للقراء السبعة: 2/374]
في قياس العربية في يتسنّه، وذلك أنّهم يجعلون اللام في السنة الهاء، فإذا وقفوا وقفوا على اللام، وإذا وصلوا كان بمنزلة: لم ينقه زيد، ولم يجبه عمرو.
فأما قوله تعالى: اقتده [الأنعام/ 90] فإنه أيضاً يستقيم، وذلك أنّه يجوز أن تكون الهاء كناية عن المصدر، ولا تكون التي تلحق للوقف. ولكن لما ذكر الفعل دلّ على مصدره، فأضمره كما أضمر في قوله: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم [آل عمران/ 180].
وقال الشاعر:
فجال على وحشيّه وتخاله... على ظهره سبّاً جديداً يمانيا
وقال آخر:
هذا سراقة للقرآن يدرسه... والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب
فالهاء في يدرسه للمصدر، ألا ترى أنّها لا تخلو من أن تكون للمصدر أو للمفعول به، فلا يجوز أن تكون للمفعول به، لأنّه قد تعدّى إليه الفعل باللّام، فلا يكون أن يتعدى إليه مرة ثانية، فإذا لم يجز ذلك علمت أنّه للمصدر، وكذلك قراءة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/375]
قرأ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها [البقرة/ 148] إذا تعدى الفعل باللّام إلى المفعول. لم يتعدّ إليه مرة أخرى، فكذلك قوله: فبهداهم اقتده [الأنعام/ 90] يكون: اقتد الاقتداء، فيضمر لدلالة الفعل عليه. وأمّا إجماعهم في: ما أغنى عنّي ماليه [الحاقة/ 28] وسلطانيه [الحاقة/ 29] وما أدراك ما هيه [القارعة/ 10] فالإسقاط للهاء في الدرج أوجه في قياس العربية.
ووجه الإثبات أنّ ما كان من ذلك فاصلة أو مشبها للفاصلة في أنّه كلام تام يشبّه بالقافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف، كما يفعل ذلك في القافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف.
وقول حمزة في ذلك أسدّ، وذلك أنه يحذف ذلك كلّه في الوصل، وحجته: أن من الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام فيقول:
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل و:
أقلي اللوم عاذل والعتاب فإذا كانوا قد أجروا القوافي مجرى الكلام؛ فالكلام الذي ليس بموزون، أن لا يشبّه بالقوافي أولى.
[الحجة للقراء السبعة: 2/376]
والكسائي قد وافق حمزة في حذف الهاء من قوله:
يتسنّه واقتده، وأثبت الهاء في الوصل في الباقي، وحجته في إثباته الهاء فيما أثبت مما حذف فيه حمزة الهاء، أنه أخذ بالأمرين، فشبّه البعض بالقوافي، فأثبت الهاء فيه في الوصل كما تثبت في القوافي، ولم يشبّه البعض، وكلا الأمرين سائغ.
قال أحمد بن موسى: ولم يختلفوا في كتابيه وحسابيه أنّها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون لهذا التشبيه، أو لأنّهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه، ألا ترى أنّ تاءات التأنيث أو عامّتها قد أثبتت في المصحف هاءات، لأنّ الكتابة على أنّ كلّ حرف منفصل من الآخر وموقوف عليه.
فلو كان ذلك للخط، لوجب أن تجعل تاءات التأنيث في الدّرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله:
إخواناً على سررٍ متقابلين [الحجر/ 47] أن يكون في الدرج بالألف، لأنّ الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا، علمت أنّ الكتابة ليست معتبرة في الوقف على هذه الهاءات.
وإذا لم تكن معتبرة، علمت أنّه للتشبيه بالقوافي. ولإثبات هذه الهاءات في الوصل وجيه في القياس، وذلك أنّ سيبويه حكى في العدد أنّهم يقولون: ثلاثة أربعة، فقد أجروا
[الحجة للقراء السبعة: 2/377]
الوصل في هذا مجرى الوقف، ألا ترى أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف في إلقائه حركة الهمزة على التاء التي للتأنيث، وإبقائها هاء كما تكون في الوقف. ولم يقلبها تاء كما يقول في الوصل: هذه ثلاثتك، فيجيء بالتاء؟ فكذلك قوله: كتابيه وعلى هذا المسلك يحمل تبيين أبي عمرو النون في: ياسين والقرآن [يس/ 1 - 2] لما كانت هذه الحروف التي للتهجي موضوعة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك، وصلها وهو ينوي الوقف عليها، ولولا أنّ نيّته الوقف لم يجز تبيين النون.
ألّا ترى أنّ أبا عثمان يقول: إن تبيين النون عند حروف الفم لحن؟ فعلى هذا إثبات الهاء، وهذا أيضاً ينبغي أن يكون محمولًا على ما رواه سيبويه من قولهم: ثلاثة أربعة، وترك القياس على هذا أولى من القياس عليه، لقلة ذلك، وخروجه مع قلته على القياس. وإذا جاء الشيء خارجاً عن قياس الجمهور والكثرة في جنس، لم ينبغ أن يجاوز به ذلك الجنس. وحروف التهجي، وأسماء العدد كالقبيل الواحد، لمجيئهما جميعاً مبنيّين، على الوقف وليس غيرهما كذلك.
وسيبويه لا يعتدّ بهذه الشواذ ولا يقيس عليها. ومن رأى مخالفته جاوز بذلك باب العدد والتهجي.
[الحجة للقراء السبعة: 2/378]
اختلفوا في: الراء والزاي من قوله تعالى: كيف ننشزها [البقرة/ 259] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
ننشرها بضم النون الأولى وبالراء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ننشزها بالزاي. وروى أبان عن عاصم كيف ننشرها: بفتح النون الأولى وضم الشين. حدثني عبيد الله بن علي عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم مثله. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم كيف ننشرها بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء مثل قراءة الحسن.
قال أبو علي: من قال: كيف ننشرها، فالمعنى فيه: كيف نحييها، وقالوا: أنشر الله الميّت فنشر، وفي التنزيل: ثمّ إذا شاء أنشره [عبس/ 22] وقال الأعشى:
يا عجبا للميّت الناشر وقد وصفت العظام بالإحياء قال تعالى: من يحي العظام وهي رميمٌ قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّةٍ [يس/ 78 - 79]
[الحجة للقراء السبعة: 2/379]
وكذلك في قوله تعالى: كيف ننشرها وقد استعمل النشر في الإحياء في قوله تعالى: وإليه النّشور [الملك/ 15] وقال تعالى: وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57] فنشر: مصدر في موضع الحال من الريح، تقديره: ناشرة، من نشر الميت فهو ناشر.
قال أبو زيد: أنشر الله الريح إنشاراً: إذا بعثها، وقد أرسلها نشراً بعد الموت. فتفسير أبي زيد له بقوله: بعثها، إنّما هو لأنّ البعث قد استعمل في الإحياء من نحو قوله: ثمّ بعثناكم من بعد موتكم [البقرة/ 56] وقال تعالى وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه [الأنعام/ 60] وقال: اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى [الزمر/ 42] فجاء في هذا المعنى الإرسال، كما جاء البعث في قوله: ثمّ يبعثكم فيه فالمعنى واحد. ومما جاء فيه وصف الريح بالحياة، قول الشاعر:
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت... له ريدة يحيي المياه نسيمها
[الحجة للقراء السبعة: 2/380]
وقالوا: ريح ريدة، ورادة، وريدانة، وكما وصفت بالحياة كذلك وصفت بالموت في قول الآخر:
إنّي لأرجو أن تموت الرّيح... فأقعد اليوم وأستريح
فكما وصفت بالنشر كذلك وصفت بالإحياء، فالنشر والحياة والبعث والإرسال تقارب في هذا المعنى.
فأما ما روي عن عاصم من قوله: كيف ننشرها بفتح النون الأولى، وضم الشين، وبالراء مثل قراءة الحسن، فإنّه يكون من: نشر الميّت، ونشرته أنا، مثل: حسرت الدابّة، وحسرتها أنا، وغاض الماء، وغضته، قال:
كم قد حسرنا من علاة عنس أو يكون جعل الموت فيها طيّا لها، والإحياء نشراً. فهو على هذا مثل: نشرت الثوب.
وأمّا من قرأ: ننشزها بالزاي فالنشز: الارتفاع، وقالوا لما ارتفع من الأرض: نشز قال:
ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه... إذا ما علا نشزاً حصان مجلّل
[الحجة للقراء السبعة: 2/381]
يريد: شرفا من الأرض، ومكاناً مرتفعاً. فتقدير ننشزها نرفع بعضها إلى بعض للإحياء، ومن هذا: النشوز من المرأة، إنّما هو أن تنبو عن الزوج في العشرة فلا تلائمه. وفي التنزيل:
وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً [النساء/ 128].
وقال الأعشى:
......... فأصبحت... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا
وقال أبو الحسن: نشز وأنشزته، ويدلّك على ما قال، قوله عزّ وجلّ: وإذا قيل انشزوا فانشزوا [المجادلة/ 11].
اختلفوا في قطع الألف ووصلها، وضمّ الميم وإسكانها من قوله عزّ وجلّ: قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ [البقرة/ 259].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
قال أعلم أنّ اللّه مقطوعة الألف مضمومة الميم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/382]
وقرأ حمزة والكسائي: قال أعلم أنّ اللّه موصولة الألف ساكنة الميم.
قال أبو علي: أما من قرأه على لفظ الخبر، فإنّه لمّا شاهد ما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته، أخبر عما تبيّنه وتيقّنه مما لم يكن تبيّنه هذا التبيين الّذي لا يجوز أن يعترض عليه فيه إشكال، ولا يخطر على باله شبهة ولا ارتياب، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ أي: أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قبل.
ومن قال: أعلم على لفظ الأمر، فالمعنى: يؤول إلى الخبر، وذاك أنّه لما تبيّن له ما تبيّن من الوجه الذي ليس لشبهة عليه منه طريق، نزّل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب سواها فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ وهذا مما تفعله العرب، ينزّل أحدهم نفسه منزلة الأجنبيّ فيخاطبها كما تخاطبه قال:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/383]
فجعل عزمه على وروده الشرب له لجهد العطش، وعلى تركه الورود مرة لخوف الرامي وترصّد القانص نفسين له.
ومن ذلك قول الأعشى:
أرمي بها البيد إذا هجّرت... وأنت بين القرو والعاصر
فقال: أنت، وهو يريد نفسه، فنزّل نفسه منزلة سواه في مخاطبته لها مخاطبة الأجنبيّ.
ومثل ذلك قوله:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل... وهل تطيق وداعاً أيّها الرّجل
فقال: ودّع، فخاطب نفسه كما يخاطب غيره، ولم يقل:
لأودّع، وعلى هذا قال: أيّها الرجل، وهو يعني نفسه. وقال:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداً فكذلك قوله لنفسه أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
[الحجة للقراء السبعة: 2/384]
[البقرة/ 259] نزّله منزلة الأجنبيّ المنفصل منه، لتنبهه على ما تبيّن له ممّا كان أشكل عليه.
قال أبو الحسن: وهو أجود في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 2/385]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}
قرأ حمزة والكسائيّ (لم يتسن) بحذف الهاء في الوصل أي لم تغيره السنون والهاء زائدة للوقف وحجتهما أن العرب تقول في جمع السّنة سنوات وفي تصغيرها سنية تقول
[حجة القراءات: 142]
سانيت مساناة فالهاء زيدت لبيان الحركة في حال الوقف فإذا وصل القارئ قراءته اتّصلت النّون بما بعدها فاستغنى عن الهمز حينئذٍ فطرحها لزوال السّبب الّذي أدخلها من أجله وكان في الأصل لم يتسنى فحذفت الألف للجزم وكان الفراء يقول لم يتسنه لم يتغيّر من قوله {من حمإ مسنون} وكان الأصل لم يتسنن ثمّ قلبت النّون الأخيرة ياء استثقالا لثلاث نونات متواليات كما قالوا تظنيت وأصله الظّن فصارت يتسنى ثمّ يدخل الجزم على الفعل فتسقط الياء فتصير لم يتسن ثمّ زادوا الهاء للوقف فإذا أدرجوا القراءة حذفوا لأن العلّة زالت
وقرأ الباقون لم يتسنه بإثبات الهاء في الوصل أي لم تأت عليه السنون فالهاء لام الفعل وسكونها علامة جزم الفعل وحجتهم أن العرب تقول مسانهة ماسنهة وفي التصغير سنيهة فلهذا أثبتوا الهاء في الوصل لأنّها لام الفعل قال الشّاعر
فليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح
[حجة القراءات: 143]
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (ننشرها) بالراء أي كيف نحييها وحجتهم قوله قبلها {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} والزّاي يعني بها كيف نرفعها من الأرض إلى الجسد والقائل لم يكن في شكّ في رفع العظام إنّما شكه في إحياء الموتى فقيل له انظر كيف ننشر العظام فنحييها تقول أنشر الله الموتي فنشروا
وقرأ الباقون {كيف ننشزها} بالزاي أي نرفعها وحجتهم قوله {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} وذلك أن العظام إنّما توصف بتأليفها وجمع بعضها إلى بعض إذ كانت العظام نفسها لا توصف بالحياة لا يقال قد حيّ العظم وإنّما يوصف بالإحياء صاحبها وحجّة أخرى قوله {ثمّ نكسوها لحمًا} دلّ على أنّها قبل أن يكسوها اللّحم غير أحياء لأن العظم لا يكون حيا وليس عليه لحم فلمّا قال {ثمّ نكسوها لحمًا} علم بذلك أنه لم يحيها قبل أن يكسوها اللّحم
قرأ حمزة والكسائيّ {قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} جزما على الأمر من الله وحجتهما قراءة ابن مسعود (قيل اعلم أن الله على كل شيء قدير) وكان ابن عبّاس يقرؤها أيضا {قال أعلم} ويقول أهو خير أم إبراهيم إذ قيل له {واعلم أن الله عزيز حكيم} وحجّة أخرى وهي أن التوقفة بين ذلك وسائر ما تقدمه إذ كان جرى ذلك كله بالأمر فقيل {فانظر إلى طعامك} وانظر إلى حمارك {وانظر إلى العظام} وكذلك أيضا قوله {أعلم أن الله} إذ كان في سياق ذلك
[حجة القراءات: 144]
قال الزّجاج ومن قرأ {قال أعلم} فتأويله أنه يقبل على نفسه فيقول اعلم أيها الإنسان أن الله على كل شيء قدير
وقرأ الباقون {قال أعلم} رفعا على الخبر عن نفس المتكلّم وحجتهم ما روي في التّفسير قالوا لما عاين من قدرة الله ما عاين قال {أعلم أن الله على كل شيء قدير} قالوا فلا وجه لأن يأمر بأن الله على كل شيء قدير وقد عاين وشاهد ما كان يستفهم عنه وقال الزّجاج ليس تأويل قوله {أعلم أن الله على كل شيء قدير} أنه ليس يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله إنّي قد علمت ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة). [حجة القراءات: 145]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (171- قوله: {يتسنه} ونحوه، قرأه حمزة بحذف الهاء في الوصل «من يتسنه» و«اقتده» في الأنعام و{ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه} و{ما أدراك ما هيه} خمسة مواضع ووافقه الكسائي على الحذف في «يتسنه، واقتده» وقرأ ذلك الباقون بالهاء في الوصل، ولا اختلاف في الوقف في ذلك أنه بالهاء، لثباتها في الخط.
172- وحجة من حذف الهاء في الوصل أن الهاء، إنما جيء بها للوقف، لبيان حركة ما قبلها، ولذلك سميت هاء السكت، فلما كانت، إنما يُؤتى بها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/307]
في الوقف؛ لبيان الحركة التي هي في ياء الإضافة، استغنى عنها في الوصل، لأن الحركة في الياء ثابتة، فهي مثل ألف الوصل، التي جيء بها للابتداء، فإذا لم يبتدأ بها، واتصل الكلام، استغني عنها، وهي مثل ألف «أنا» على مذهب البصريين، وهذا المذهب عليه أكثر النحويين.
173- وحجة من أثبتها أنه وصل الكلام، ونيته الوقف عليها، لكنه لم يسترح بالوقف عليها، بل وصل، ونيته الوقف، كما يُفعل ذلك في القوافي، يوصل البيت بما بعده من الأبيات، ولا تحذف الصلة التي للوقف، فيقول:
أقلي اللوم عاذل والعتابا = وقولي إن أصبت لقد أصابا
وأيضًا فإن «يتسنه» تحتمل أن تكون الهاء فيه أصلية، وسكونها للجزم، فلابد من إثباتها في الوصل، ولا يجوز حذفها على هذا، وذلك أن «السنة» تستعمل على ضربين: أحدهما أن يراد بها الحول والعام، والثاني يُراد بها الجدب، ومنه قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} «الأعراف 130» أي: بالجدوب، ألا ترى أن بعده: {ونقصٍ من الثمرات} وذلك يكون بالجدب، ومنه قول النبي عليه السلام، «سنين كسني يوسف» فيكون «يتسنه» لمن أثبت الهاء في الوصل، مشتقًا «من سانهت» من «السنة» وأصلها «سنهه، فيستنه» ينفعل من «سانهت»، فالهاء لام الفعل، وسكونها للجزم، ولا يجوز حذف الهاء على هذا ألبتة، فيكون المعنى: وانظر إلى طعامك وشرابك لم تذهب طراوته وغضارته بالجدب، والضرب الثاني أن تكون السنة بمعنى العام والحول، ويكون المعنى لم يتغير من قولهم: من ماء مسنون، أي متغير، ومن قولهم: سن اللحم إذا تغير ريحه،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/308]
فيكون المعنى: وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير ريحه، فيكون أصل «يتسنه» «يتسنن» على «يتفعل» أيضًا، ثم أبدلوا من النون الأخيرة ياء، لاجتماع ثلاث نونات، وقلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، كما قالوا: تقضيت في تقضضت، فأبدلوا من الضاد ياء، ومنه قوله: {يتمطى} «القيامة 33» أصله «يتمطط» ثم أبدلوا من الطاء الأخيرة ياء؛ لاجتماع ثلاث طاءات، وقُلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومنه قوله تعالى: {وقد خاب من دساها} «الشمس 10» أصله «دسسها» ثم أبدل من السين الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث سينات، وقلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما أبدلت من النون ياء، وقبلتها ألفًا حذفت الألف للجزم فبقي «يتسن» فالفتحة تدل على الألف المحذوفة، فلما كان الوقف يذهب بالفتحة، ولا يبقى دليل على الألف أتى بهاء السكت، لبيان الفتحة، التي على النون، والاختيار الوقف على الهاء، لأنه أصل العربية إلا أن تقدر أن الهاء أصلية في «يتسنه»، فيكون الاختيار إثباتها؛ لأنها لام الفعل، فتثبت في الوصل والوقف، وقد قيل إنه مشتق من «أسن الماء» إذا تغير ويلزم من قال هذا أن يقرأ «يتأسن» بالهمز، ولا يقرأ بذلك أحد، وقد قيل: إن من قول: {من حمأ مسنون} «الحجر 26» وهو قول الشيباني وقال أبو إسحاق: معنى «مسنون» مصبوب، فلا يحسن أن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/309]
يكون «يتسنه» منه، إذ لا معنى له فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/310]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (174- قوله: {ننشزها} قرأه الكوفيون وابن عامر بالزاي، وقرأه الباقون بالراء.
175- وحجة من قرأ بالزاي أنه حمله على معنى الرفع من «النَّشز» وهو المرتفع من الأرض، أي: وانظر إلى العظام كيف نرفع بعضها على بعض في التركيب للإحياء لأن «النشز» الارتفاع يقال: لما ارتفع من الأرش نشز، ومنه المرأة النشوز، وهي المرتفعة عن موافقة زوجها، ومنه قوله: {وإذا قيل انشزوا} «المجادلة 11» أي: ارتفعوا وانضموا، وأيضًا فإن القراءة بالزاي بمعنى الإحياء، والعظام لا تحيا على الانفراد، حتى يُضم بعضها إلى بعض، فالزاي أولى بذلك المعنى؛ إذ هي بمعنى الانضمام دون الإحياء، فالموصوف بالإحياء هو الرجل، دون العظام على انفرادها، لا يقال: هذا عظم حي، فإنما المعنى: وانظر إلى العظام كيف نرفعها من أماكنها من الأرض إلى جسم صاحبها للإحياء، فأما قوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} «يس 78، 79» فإنما وصفت العظام بالإحياء على إرادة صاحبها؛ لأن إحياء العظام على الانفراد، لا تقوم منه حياة إنسان، فإنما المراد حياة صاحب العظام، والعظام إنما تحيا بحياة صاحبها، وهذه الآية نزلت في مشرك أتى النبي صلى الله عليه وسلم برمة، وهي العظم البالي ففته في يده ثم قال: يا محمد أتزعم أن الله يحيي هذا؟ فقال له النبي: إن الله يحييها ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار، ففي ذلك نزل: {وضر لنا مثلًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/310]
ونسي خلقه} الآية، فإنما أراد المشرك: هل يحيي الله الإنسان، الذي هي الرمة منه؟ ودليل ذلك جواب النبي له بأن قال: ثم يميتك ثم يحييك، أي يحيي صاحب هذه الرمة كما يحييك بعد موتك، وبالزاي قرأ أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وأبو عبد الرحمن السلمي وأبة العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى.
176- وحجة من قرأ بالراء أنه جعله من النشوز، وهو الإحياء فالمعنى: وانظر إلى عظام حمارك، التي قد ابيضت من مرور الزمان عليها، كيف نحييها، وقد أجمعوا على قوله: {ثم إذا شاء أنشره} «عبس 22» فالنشور الإحياء، يقال: نُشر الميت أي حيي، وأنشره الله أي أحياه، فالمعنى أن الله يعجبه من إحيائه الموتى بعد فنائها، وقد كان قارب أن يكون على شك من ذلك إذا قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأراه اله قدرته على ذلك في نفسه، فأماته مائة عام ثم أحياه، فأراه وجود ما شك فيه في نفسه، ولم يكن شك في رفع العظام عند الإحياء، فيريه رفعها، إما شك في الإحياء، فالراء أولى به، وهو الاختيار لهذا المعنى، ولأن الأكثر عليه، وهي قراءة مجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والأعرج وابن محيصن والجحدري والأعمش وابن يعمر، وإلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/311]
ذلك رجع الحسن، وقد روي أن الله جل ذكره أحيا بعضه ثم أراه كيف أحيا باقي جسده). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/312]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (177- قوله: {قال أعلم} قرأه حمزة والكسائي بوصل الألف والجزم، وقرأه الباقون بقطع الألف والرفع.
178- وحجة من قرأ بالقطع أنه أخبر عن نفسه، عندما عاين من قدرة الله في إحيائه الموتى، فتيقن ذلك بالمشاهدة، فأقر أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير، أي: أعلم أن هذا الضرب من العلم، الذي لم أكن أعلمه معاينة، وبه قرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن أبي إسحاق وعيسى وابن محيصن.
179- وحجة من قرأ بوصل الألف أنه جعلها أمرًا، معناه الخبر، وذلك أنه لما عاين الإحياء وتيقن أنزل نفسه منزلة غيره، فخاطبها، كما يخاطب غيره، فقال: اعلم يا نفس هذا العلم اليقين، الذي لم تكوني تعلمينه معاينة، وجاء بلفظ التذكير؛ لأنه هو المراد بذلك، ويبعد أن يكون ذلك أ مرًا من الله جل ذكره له بالعلم، لأنه قد أظهر إليه قدرة وأراه أمرًا تيقن صحته، وأقر بالقدرة، فلا معنى لأن يأمره الله بعلم ذلك، بل هو يأمر نفسه بذلك، وهو جائز حسن، وفي حرف عبد الله ما يدل على أنه أمر من الله له بالعلم، على معنى: «الزم هذا العلم لما عاينت وتيقنت» وذلك أن في حرفه: {قيل اعلم}، وأيضًا فإنه موافق لما قبله من الأمر، في قوله: «انظر إلى طعامك، وانظر إلى حمارك، وانظر إلى العظام» فكذلك: «اعلم أن الله» وقد كان ابن عباس يقرؤها: «قيل اعلم»، ويقول: أهو خير أم إبراهيم، إذ قيل له: {واعلم أن الله عزيز حكيم} «البقرة 260» فهذا يبين أن «قال اعلم» أمر من الله له بالعلم اليقين، لما عاين من الإحياء وبه قرأ ابن عباس وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن والقراءة بالقطع هي الاختيار؛ لأنه على ظاهر الكلام، لما تبين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/312]
له ما كان على شك فيه أخبر عن نفسه بالعلم اليقين، وأيضًا فإنه قد أجمع عليه الحرميان وعاصم وابن عامر وأبو عمرو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (91- {لَبِثْتَ} [آية/ 259] و{لَبِثْتُمْ} حيث وقع.
قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بإدغام الثاء في التاء.
[الموضح: 339]
وذلك لأنهما اتفقا من حيث إن كليهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتفقا أيضًا من حيث إنهما جميعًا مهموسان، فأجراهما هؤلاء مجرى المثلين، فأدغموا أحدهما في الآخر.
وقرأ الباقون بالإظهار.
وذلك لأن المخرجين متباينان، فإن الثاء والذال والظاء من حيز واحدٍ، والتاء والدال والطاء من حيز آخر، فلتباين المخرجين واختلاف الحيزين تركوا الإدغام). [الموضح: 340]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (92- {لَمْ يَتَسَنَّه} [آية/ 259] و{اقْتَدِهْ} و{مَالِيَهْ} و{سُلْطَانِيَهْ} و{مَا هِيَهْ}:-
قرأ حمزة ويعقوب بإسقاط الهاء في الوصل، وإثباتها في الوقف في جميع ذلك، وزاد يعقوب حذف الهاء في الوصل في جميع ما في الحاقة من أمثال ذلك، وهي ستة، ووافقهما الكسائي في حرفين: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} و{اقْتَدِهْ} فحسب.
ووجه ذلك أن هذه الهاءات هاءات وقف على ما سبق في غير موضع، فثبت في الوقف وتسقط في الوصل.
[الموضح: 340]
والهاء في {لَمْ يَتَسَنَّهْ} في هذه القراءات هاء وقف مثل الهاءات الأخر، وليست من أصل الكلمة؛ لأن أصل الكلمة عند هؤلاء من السنة التي جمعها سنوات، والفعل منها أسنتوا، فحرف اللين يسقط من آخر الكلمة للجزم، كان أصل الكلمة يتسنى، فتسقط الألف للجزم، فيبقى: لم يتسن، ثم تلحق الهاء للوقف.
ويجوز أن يكون أصل الكلمة: يتسنن بنونين من قولهم: حمأ مسنون، ثم قلب النون الأخيرة حرف العلة فبقي: يتسنى، كما قيل: يتظنى في يتظنن، فجزمت الكلمة فبقيت: لم يتسن بحذف الألف، ثم ألحقت هاء الوقف على ما ذكرنا.
وقرأ الباقون والكسائي في غير الحرفين بالهاء في الوصل والوقف.
أما إثبات الهاء حالة الوصل في {لَمْ يَتَسَنَّه} وفي {اقْتَدِهْ} فمستقيم، إذا جعل {يتسنَّمه} من قولهم سانهت وسنه الشيء إذا تغير، فيكون الهاء من أصل الكلمة، ولا يكون للوقف، وكذلك {اقتدِهْ} إذا جعل الهاء فيه كناية عن المصدر، كأنه قال: اقتد الاقتداء، ولا يكون أيضًا للوقف.
وأما {مالِيهْ} و{سْلْطانيَهْ} و{ماهِيَهْ} فوجه إثباتهم الهاء فيها في الوصل، وإن كان ضعيفًا، أن هذه المواضع إما أن تكون فواصل أو في حكم الفواصل لتمام الكلام، فهي مثل القوافي في أنها مواضع وقوفٍ، فيجري الوصل فيها مجرى الوقف، فلهذا ألحق الهاء في هذه المواضع، وإن كانت في حال الوصل، على إجراء الوصل مجرى الوقف.
والقراءة الأولى أوجه في القياس.
[الموضح: 341]
وأما الكسائي في إثبات الهاء في البعض وحذفها من البعض، فإنه أراد الأخذ بالوجهين). [الموضح: 342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (93- {نُنْشِرُها} [آية/ 259]:-
بالراء وضم النون، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
ومعنى ذلك: نحييها، من قولهم: أنشر الله الميت فنشر هو، قال الله تعالى {ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.
وقرأ الباقون {نُنْشِزُها} بالزاي وضم النون أيضًا.
على أنه من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، أي يجعل بعضها ناشزة إلى بعض عند الإحياء، أي مرتفعة.
وروى أبان عن عاصم {نَنْشُرُها} بالراء وفتح النون.
وهو من قولهم: نشر الله الميت فنشر، أو من النشر ضد الطي، أي ننشرها بالإحياء بعد الطي، وهذه رواية شاذة). [الموضح: 342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (94- {قَالَ اعْلَمْ} [آية/ 259]:-
بوصل الألف وجزم الميم على الأمر، قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 342]
ووجه ذلك أنه نزل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب الغير فقال {أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وذلك أنه لما علم العلم الذي لا طريق للشبهة عليه، قال لنفسه اعلم هذا الضرب من العلم، وهذا يؤول معناه إلى معنى الخبر، كأنه يحقق عند نفسه هذا العلم.
وقيل: بل هو من خطاب الملك له.
وقرأ الباقون {أَعْلَمُ} بقطع الألف وضم الميم على الخبر.
وذلك أنه لما عاين ما عاين من إحياء الله تعالى إياه بعد موته، أخبر عما تبينه قبل ذلك هذا التبين الذي لا سبيل للشك فيه، فأخبر عن نفسه فقال: {أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} علمًا لا تتطرق إليه شبهة). [الموضح: 343]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فصرهنّ إليك... (260).
قرأ حمزة ويعقوب: (فصرهنّ إليك) بكسر الصاد.
وقرأ البا قون: (فصرهنّ) بالضم.
قال أبو منصور: من قرأ (فصرهنّ) فمعناه: أملهن إليك، يقال: صرت الشيء أصوره، أي: أملته، ومنه قول لبيد.
[معاني القراءات وعللها: 1/224]
من فقد مولى تصور الحيّ جفنته... أوزرء مالٍ ورزء المال يجتبر
ومن قرأ (فصرهنّ) بكسر الصاد فإن الفراء قال: معناه: قطعهن، قال: وهو مقلوب من صرى يصري، إذا قطع.
وأنشد:
تعرّب آبابي فهلّا صراهم... عن الموت أن لم يذهبوا وجدودي
قال: ومثله عثيت وعثت.
قال أبو منصور: والذي عندي في معنى (صرهنّ) و(صرهنّ) أن معناهما واحد، يقال: صاره يصوره، ويصيره بالواو والياء، إذا ماله، لغتان معروفتان.
وأنشد الكسائي:
وفرع يصير الجيد وخفٍ كأنه... على الليت قنوان الكروم الدوالح.
[معاني القراءات وعللها: 1/225]
قال: يصير: يميل). [معاني القراءات وعللها: 1/226]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {فصرهن إليك} [260]
قرأ حمزة وحده: {فصرهن إليك} بكسر الصاد.
وقرأ الباقون (فصرهن) بالضم، وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول: صار
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/97]
يصور: إذا مال، قال الشاعر:
يصور عبوقها أحوى زنيم = له ظاب كما صخب الغريم
الظاب والظام: الصوت جميعًا، وهما السلف أيضا ويقال: الضيرن. الضيزن أيضا -: اسم صمن. والضيزن: الذي يتزوج بامرأة أبيه. فهذا يدل على ذوات الواو و{صرهن} من صار يصير أي: قطعهن إليك {صرهن} صمهن وأملهن إليك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/98]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ: فصرهنّ إليك [البقرة/ 260] فقرأ حمزة وحده:
فصرهنّ بكسر الصاد.
وقرأ الباقون: فصرهنّ بضم الصاد.
قال أبو عليّ: «صرت» يقع على إمالة الشيء، يقال صرته، أصوره: إذا أملته إليك، وعلى قطعه، يقال: صرته أي:
قطعته فمن الإمالة قول الشاعر:
على أنّني في كلّ سير أسيره... وفي نظري من نحو أرضك أصور
فقالوا: الأصور: المائل العنق. ومن الإمالة قوله:
يصور عنوقها أحوى زنيم... له ظاب كما صخب الغريم
[الحجة للقراء السبعة: 2/389]
فهذا لا يكون إلّا من الإمالة وكذلك قول الآخر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/390]
وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ومن القطع قول ذي الرّمّة:
صرنا به الحكم وعيّا الحكما قال أبو عبيدة: فصلنا به الحكم. ومنه قول الخنساء:
لظلّت الشّمّ منها وهي تنصار أي: تصدّع وتفلّق. قال أبو عبيدة، ويقال: انصارّوا:
فذهبوا.
قال: وصرهن من الصّور وهو القطع.
قال أبو الحسن: وقالوا في هذا المعنى، يعني القطع:
صار يصير، وقد حكاه غيره،
[الحجة للقراء السبعة: 2/391]
قال الشاعر:
وفرع يصير الجيد وحف كأنّه... على اللّيث قنوان الكروم الدّوالح
فمعنى هذا يميل الجيد من كثرته. ومثل هذا قول الآخر:
وقامت ترائيك مغدودنا... إذا ما ما تنوء به آدها
فقد ثبت أنّ الميل والقطع، يقال في كلّ واحد منهما.
صار يصير.
فقول حمزة: فصرهنّ إليك، يكون من القطع، ويكون من الميل، كما أنّ قول من ضمّ يحتمل الأمرين، فمن قال:
فصرهنّ إليك فأراد بقوله صرهنّ: أملهنّ، حذف من الكلام، المعنى: أملهنّ فقطعهنّ، ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً [البقرة/ 260]، فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها، كما حذف من قوله تعالى: فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] المعنى: فضرب فانفلق، وكقوله: فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ [البقرة/ 196] أي: فحلق، ففدية، وكذلك قوله عز وجل: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم [النمل/ 28]،
[الحجة للقراء السبعة: 2/392]
فالقه اليهم ثم تول عنهم) [النمل/ 28] قالت يا أيّها الملأ [النمل/ 29] فحذف: فذهب فألقى الكتاب، لدلالة الكلام عليه.
ومن قدّر: فصرهنّ أو فصرهنّ، أنّه بمعنى: قطّعهنّ، لم يحتج إلى إضمار، كما أنّه لو قال: خذ أربعة من الطير، فقطعهنّ، ثم اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا؛ لم يحتج إلى إضمار،
كما احتاج في الوجه الأول.
وأما قوله: إليك فإنّه على ما أذكره لك.
فمن جعل فصرهنّ أو فصرهنّ بمعنى: قطّعهن، كان إليك متعلقاً ب فخذ، كأنّه قال: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهنّ ثم اجعل على... [على كلّ جبل منهنّ جزءاً].
ومن جعل فصرهنّ أو فصرهنّ بمعنى: أملهنّ، احتمل إليك ضربين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بخذ، وأن يكون بصرهن، أو بصرهن، وقياس قول سيبويه: أن يكون متعلقاً بقطعهنّ، لأنّه إليه أقرب، واستغنيت بذكر إليك عن تعدية الفعل الأول، كما تقول: ضربت وقتلت زيداً وإن علقته بالأول وحذفت المفعول من الفعل الثاني، فهو كقول جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 2/393]
كنقا الكثيب تهيّلت أعطافه... والريح تجبر متنه وتهيل). [الحجة للقراء السبعة: 2/394]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [فَصِرَّهُنَّ] مكسورة الصاد مشددة الراء وهي متفوحة، وقراءة عكرمة: [فَصَرِّهُنَّ إليك] بفتح الصاد، وقال: قَطِّعهُن، وعن عكرمة أيضًا: [فَصُرّهُنَّ] ضم الصاد وشدد الراء، ولم يقل مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، قال: وهو يحتمل الثلاثة، كمُدُّ ومُدَّ ومُدِّ.
قال أبو الفتح: أما [فَصِرَّهُنَّ] بكسر الصاد وتشديد الراء فغريب؛ وذلك أن يفْعِل في المضاعف المتعدي شاذ قليل، وإنما بابه فيه يفْعُل، كصَبَّ الماء يَصُبُّه، وشد الحبل يشده، وفرَّ الدابة يفرها، ثم إنه قد مر بي مع هذا مِن يفْعِل في المتعدي حروف صالحة؛ وهي: ثم الحديث يَنُمه ويَنِمه، وعلَّه بالماء يعُلَّه ويعِلَّه، وهَرَّ الحرب يهُرُّها ويهِرُّها، وغَذَّ العِرقُ الدم يغُذه ويغِذه. وقالوا: حبَّه ويحِبُّه بالكسر لا غير، وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن أن بعضهم قرأ: [لن يَضِرُّوا الله شيئًا] بكسر الضاد في أحرف سوى هذه، ولمجيء المتعدي من هذا مضمومًا -وبابه وقياسه الكسر- نَظَرٌ ليس هذا موضعه، فيكون صِرَّهُن من هذا الباب على صَرَّه يصِرُّه.
وأما [صُرَّهن] بضم الصاد فعلى الباب؛ أعني: ضم عين يفعُل في مضاعف المتعدي، والوجه ضم الراء لضمة الهاء من بعدها، والفتح والكسر من بعد.
وأما [فصَرِّهُنَّ] فهذا فَعِّلْهُنَّ من صَرَّى يُصَرِّي: إذا حَبس وقَطع. قال:
رُب غلام قد صرَى في فقرته ... ماء الشباب عنفوانَ سَنْبته
[المحتسب: 1/136]
أي: حبسه وقطعه، ومنه الشاة المصراة؛ أي: المحبوسة اللبن المقطوعته في ضرعها عن الخروج.
وماء صَرًى وصِرًى: إذا طال حبسه في موضعه، ومنه الصراء للملاح؛ وذلك أنه يمسك السفينة ويحفظها ويصريها عما يدعو إلى هلاكها). [المحتسب: 1/137]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر والزهري: [جُزًّا].
قال أبو الفتح: أصله الهمز جزءًا، ثم خففت همزته على قولك في تخفيف الخبء: الخبُ، ثم إنك إذا خففت نحو ذلك ووقفت عليه كان لك فيه السكون على العبرة، وإن شئت الإشمام الجزُ، وإن شئت روم الحركة الجزُ، وإن شئت التشديد على خالدّ وهو يجعلّ، فيقول على هذا: الْجُزَّ، ثم إنه وصل على وقفه، فقال: جُزًّا.
ومثله مما أجرى في الوصل مجراه في الوقف من التشديد، ما أنشدناه أبو علي وقرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد ين يحيى:
ببازلٍ وجناء أبو عيهَلِّ ... كأن مهواها على الكلْكَلِّ
يريد: العيهل والكَلْكَل.
وفيها ما قرأته على أبي بكر دون أبي علي:
تعرَّضتْ لي بمجاز حِلِّ ... تعرُّضَ الْمُهْرةِ في الطِّوَلِ
وفيها:
ومُقلتان جوْنَتَا الْمَكْحَلِّ
وقد كان ينبغي إذ كان إنما شدد عوضًا من الإطلاق أن إذا أطلق عاد إلى التخفيف، إلا أن العرب قد تجري الوصل مجرى الوقف تارة، الوقف مجرى الأصل، فعلى هذا وجه القراءة المذكورة [جُزًّا]، فاعرفه). [المحتسب: 1/137]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثمّ اجعل على كل جبل منهنّ جزءا}
قرأ حمزة {فصرهن إليك} بكسر الصّاد أي قطعهن وشققهن ومزقهن وفي الكلام تقديم وتأخير يكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن فيكون إليك من صلة خذ
وقرأ الباقون {فصرهن} بضم الصّاد أي أملهن واجمعهن وقال الكسائي وجههن إليك قال والعرب تقول صر وجهك إليّ أي أقبل عليّ واجعل وجهك إليّ وكان أبو عمرو يقول ضمهن إليك ومن وجه قوله {فصرهن إليك} إلى هذا التّأويل كان في الكلام عنده متروك ويكون معناه فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثمّ قطعهن ثمّ اجعل على كل جبل
قرأ أبو بكر (جزؤا) بضم الزّاي وقرأ الباقون بإسكان الزّاي وهما لغتان معروفتان). [حجة القراءات: 145]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (180- قوله: {فصرهن} قرأه حمزة بكسر الصاد، وضمها الباقون.
181- وحجة من كسر أنها لغة معروفة، يقال: صاره إذا أماله، وصاره إذا قطعه، يقال: صرت الشيء أملته، وصرته قطعته، يقال: صار يصير، ويصار يصور.
182- وحجة من ضم الصاد أنه أتى به على لغة من قال: صار يصور، على معنى أملهن، وعلى معنى: قطعهن، فإذا جعلته بمعنى: أملهن، كان التقدير أملهن إليك فقطعهن، وإذا جعلته بمعنى: قطعهن، كان التقدير: فخذ أربعة من الطير إليك فقطعهن، فكل واحد من الكسر والضم في الصاد لغة في الميل والتقطيع، فالقراءتان بمعنى، وقد قيل: إن الكسر بمعنى «قطعهن» والضم بمعنى «أملهن وضمهن» وبالضم قرأ علي بن أبي طالب والحسن وأبو عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة، وبالكسر قرأ ابن عباس وشيبة وعلقمة وابن جبير وأبو جعفر وقتادة وابن وثاب وطلحة والأعمش، واختلف عن ابن عباس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (95- {فَصِرْهُنَّ} [آية/ 260]:-
بكسر الصاد، قرأها حمزة ويعقوب يس-.
الباقون {فَصُرْهُنّ} بضم الصاد.
فمن قرأ بكسر الصاد جعله من صار يصير، ومن قرأها بالضم جعلها من صار يصور، وكل واحدٍ منهما قد جاء بمعنى أمال وقطع جميعًا). [الموضح: 343]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:52 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (261) إلى الآية (264) ]

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}


قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}

قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن المسيِّب والزهري: [كمثل صَفَوانٍ عليه ترابٌ] بفتح الفاء.
[المحتسب: 1/137]
قال أبو الفتح: أكثر ما جاء فعلان في الأوصاف والمصادر؛ فالأوصاف كقولهم: رجل شَقَذَان للخفيف، وقالوا: أكذب من الأَخيذ الصَّبَحَان بفتح الباء كما ترى، وقد رُوي الصبْحان بتسكينها، ويومٌ صَخَدان ولَهَبَان لشدة الحر، وعير فَلَتان، ورجل صَمَيان: ماض منجرد.
وأما المصادر فنحو الوهجان والنَّزَوَان والغَلَيَان والغثيان والقفزان والنقران. والمعنى -في الوصف والمصدر جميعًا من هذا المثال- الحركة والخفة والإسراع، وهو في الأسماء غير الصفات والمصادر قليل، غير أنهم قد قالوا: الوَرَشان والكَرَوَان والشبهان لضرب من النبت، وقيل: الشَّبُهان بضم الباء، وقالوا: العنَبان للتيس من الظباء النشيط، فإذا كان كذلك كان الصفَوان أيضًا مما جاء من غير الأوصاف والمصادر على فعَلان). [المحتسب: 1/138]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:53 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (265) إلى الآية (266)]
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}

قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كمثل جنّةٍ بربوةٍ... (265).
قرأ ابن عامر وعاصم: (بربوةٍ) و(إلى ربوةٍ) في سورة المؤمنين بفتح الراء.
وقرأ الباقون بضم الراء.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس فيها ثلاث لغات: ربوة، وربوة، وربوة.
والاختيار ربوة؛ لأنها أكثر في اللغة.
قال: والفتح لغة تميم.
قال أبو منصور: ربوة لغة، ولا تجوز القراءة بها.
وقوله جلّ وعزّ: (فآتت أكلها ضعفين... (265).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فآتت أكلها) خفيفة، وكذلك كل ما أضيف إلى مؤنث فهو خفيف.
قال أبو بكر: وافترقوا فيما أضيف إلى مذكر نحو: (أكله)، وما أضيف إلى اسم ظاهر، كقوله: (أكلٍ خمطٍ) فقرأ أبو عمرو بتثقيلها حيث وقع، وثقل أيضًا ما لم يضف،
[معاني القراءات وعللها: 1/226]
نحو: (الأكلٍ).
وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف ذلك كله.
وقرأ الباقون بتثقيل ذلك كله ما استثنوا شيئا.
قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/227]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {كمثل جنة بربوة} [265]
قرأ عاصم وابن عامر {بربوة} بالفتح.
وقرأ الباقون بالضم، وكذلك اختلافهم في قوله تعالى: {ربوة ذات قرار ومعين} جاء في التفسير: أنها دمشق.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/98]
وقرأ ابن عباس: (ربوة) بالكسر وفيها سبع لغات ربوة، ورُبوة، ورَبوة، ورِباوة، ورُباوة، ورَباوة، وربا، قال الشاعر:
* وكنا بالرباوة قاطنيا *
والربوة: ما ارتفع من الأرض، وقرأ الأشعث العقيلي {كمثل جنة بربوة} أنشدنا محمد بن القاسم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/99]
ويبيت منزل عرضة برباوة = بين النخيل إلى بقيع الغرقد
فأما الزبية بالزاي والباء: فحفرة تحفر للأسد في المكان المرتفع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/100]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- قوله تعالى: {فآتت أكلها ضعفين} [265]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (أُكْلُهَا) بالتخفيف وكذلك إذا أضيف إلى مكنى، وكذلك إذا انفرد نحو {أُكْل خَمْطٍ}.
وفارقهم أبو عمرو في ذلك. فمن خفف كره توالي الضمتين فخفف كما يقال: السُّحْقُ والسُّحُقُ، والرُّعْبُ والرُّعُبُ.
وأما أبو عمرو فإنه خفف لما اتصل بالمكنى وصار مع الاسم كالشيء الواحد فأسكن كما قال: {يخادعون الله وهو خادعهم} و{أسلحتكم وأمتعتكم}.
وقرأ الباقون بالتثقيل على أصل الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/100]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم الراء وفتحها من قوله تعالى: بربوةٍ [البقرة/ 265] فقرأ عاصم وابن عامر: بربوةٍ بفتح الراء. وفي المؤمنين مثله.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي:
بربوةٍ بضم الراء وفي المؤمنين مثله.
قال أبو عليّ: قال أبو عبيدة: الرّبوة: الارتفاع عن المسيل، وقال أبو الحسن: ربوة. وقال بعضهم: بربوة، وربوة، ورباوة، ورباوة، كلّ من لغات العرب، وهو كلّه في الرابية، وفعله: ربا يربو.
قال أبو الحسن: والذي نختار: ربوة، بضم الراء وحذف الألف.
قال أبو عليّ: يقوّي هذا الاختيار أنّ جمعه ربى، ولا
[الحجة للقراء السبعة: 2/385]
يكاد يسمع غيره، وإذا كان فعله: ربا يربو إذا ارتفع؛ فالرابية؛ والرّبوة، إنّما هو لارتفاع أجزائها عن صفحة المكان التي هي بها.
ومنه الرّبا، وهو على ضربين:
أحدهما متوعّد عليه محرّم بقوله [عز اسمه]: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا [البقرة/ 278] وذلك أن يأخذ المكيل أو الموزون اللّذين هما من جنس واحد بأكثر من مثله في بيع أو غيره.
والآخر: مكروه غير محرم، فالمكروه أن تهدي شيئاً أو تهبه، فتستثيب أكثر منه، فمن ذلك قوله تعالى: وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال النّاس فلا يربوا عند اللّه
[الروم/ 39] كأنّ المعنى: لا يربو لكم عند الله، أي: لا يكون في باب إيجابه للثواب لكم ما يكون من إيجابه إذا أخلصتم لله، وأردتم التقرّب إليه، ألّا تراه قال: وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه اللّه، فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39].
فأمّا ما في قوله: وما آتيتم من رباً، فيحتمل تقديرين: يجوز أن يكون للجزاء، ويجوز أن يكون صلة، فإن قدّرتها جزاء، كانت في موضع نصب بآتيتم، وقوله: فلا يربوا عند اللّه
[الحجة للقراء السبعة: 2/386]
في موضع جزم بأنّه جواب للجزاء. ويقوي هذا الوجه قوله: وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه اللّه. ألّا ترى أنّه لو كان مبتدأ لعاد عليه ذكره؟ ولو جعلتها موصولة لم يكن لآتيتم موضع من الإعراب، وكان موضع ما رفعاً بالابتداء، وآتيتم صلة، والعائد إلى الموصول: الذكر المحذوف من آتيتم.
وقوله: فلا يربوا في موضع رفع بأنّه خبر الابتداء، والفاء دخلت في الخبر على حدّ ما دخلت في قوله تعالى:
وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النحل/ 53] وكذلك قوله:
وما آتيتم من زكاةٍ [الروم/ 39] تكون الهاء العائدة المحذوفة راجعة إلى الموصول، وموضع فأولئك: رفع بأنّه خبر المبتدأ، وقال: وما آتيتم من زكاةٍ ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون، فانتقل الخطاب بعد المخاطبة إلى الغيبة، كما جاء: حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [يونس/ 22] والفاء دخلت على خبر المبتدأ لذكر الفعل في الصلة، والجملة في موضع خبر المبتدأ الذي هو: وما آتيتم من زكاةٍ وتقدّر راجعاً محذوفاً، والتقدير: فأنتم المضعفون به، التقدير:
فأنتم ذوو الضعف بما آتيتم من زكاة، فحذفت العائد على حدّ ما حذفته من قولك: السمن منوان بدرهم، وقال تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/387]
ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور [الشوري/ 43] ومثل هذه الآية في المعنى قوله جلّ وعزّ:
ولا تمنن تستكثر [المدثر/ 6] حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمّل: قال حدّثنا إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاء قال:
سمعت عكرمة يقول: «ولا تمنن تستكثر» قال: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه». فأمّا رفع تستكثر فعلى ضربين: أحدهما:
أن تحكي به حالًا آتية، كما كان قوله: وإنّ ربّك ليحكم بينهم [النحل/ 124]
[الحجة للقراء السبعة: 2/388]
كذلك، والآخر: أن تقدّر ما يقوله النحويون في قوله: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً، أي مقدّراً الصيد، فكذلك يكون هنا مقدراً الاستكثار. وليس للجزم اتجاه في تستكثر، ألّا ترى أنّ المعنى: ليس على أن لا تمنن تستكثر، إنّما المعنى على ما تقدّم). [الحجة للقراء السبعة: 2/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( اختلفوا في ضمّ الكاف وإسكانها من الأكل: فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع أكلها [البقرة/ 265] خفيفة ساكنة الكاف وكذلك كلّ مضاف إلى مؤنث، وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أكله أو غير مضاف إلى مكني مثل أكلٍ خمطٍ [سبأ/ 16] والأكل [الرعد/ 4] فثقّله أبو عمرو وخفّفاه.
وقرأها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أكلها، والأكل، وأكله مثقّلا كلّه.
قال أبو علي: الأكل مصدر أكلت أكلا، وأكلة، فأمّا الأكل: فهو المأكول، يدل على ذلك قوله تعالى: تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها [إبراهيم/ 25]، إنّما هو ما يؤكل منها، ومن ذلك قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/394]
جندك الطارف التليد من السّا... دات أهل القباب والآكال
فالآكال: جمع أكل، مثل عنق وأعناق [قال أبو علي] الأكل في المعنى مثل الطّعمة، تقول: جعلته أكلا له، كما تقول: جعلته طعمة له، والطّعمة ما يطعم.
وقوله: فآتت أكلها ضعفين [البقرة/ 265] فيه دلالة على أنّ الأكل: المأكول.
وقال أبو الحسن: الأكل ما يؤكل، والأكل: الفعل الذي يكون منك، [تقول: أكلته ] أكلا، وأكلت أكلة واحدة، قال الشاعر:
ما أكلة إن نلتها بغنيمة... ولا جوعة إن جعتها بغرام
ففتح الألف من الفعل، ويدلّك على ذلك، ولا جوعة، وإن شئت ضممت الأكلة، وعنيت الطّعام. انتهى كلام أبي الحسن.
وقال أبو زيد: يقال إنّه لذو أكل، إذا كان له حظّ ورزق من الدنيا). [الحجة للقراء السبعة: 2/395]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كمثل جنّة بربوةٍ أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين}
قرأ ابن عامر وعاصم {بربوةٍ} بفتح الرّاء وهي لغة بني تميم وقرأ الباقون {بربوةٍ} بضم الرّاء وهي لغة قريش
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {أكلها} بسكون الكاف وحجتهم أنهم استثقلوا الضمات في اسم واحد فأسكنوا الحرف الثّاني
وقرأ الباقون بضم الكاف على أصل الكلمة وقالوا لا ضرورة تدعو إلى إسكان حرف يستحق الرّفع وحجتهم إجماعهم على قوله {هذا نزلهم} وقد اجتمعت في كلمة ثلاث ضمات). [حجة القراءات: 146]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (183- قوله: {بربوة} قرأ عاصم وابن عامر بفتح الراء ومثله في «قد أفلح» وضمها الباقون، وهما لغتان مشهورتان.
184- قوله: «أُكُلها، وأكُله» قرأ ذلك الحرميان بالإسكان، حيث
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/313]
وقع، وقرأ الباقون بالضم في الجميع غير أن أبا عمرو أسكن ما أضيف إلى مؤنث، نحو «أكلها» وضم ما أضيف إلى مُذكر، ولم يُضف إلى شيء، والضم هو الأصل، والإسكان على التخفيف، فهما لغتان، فأما علة أبي عمرو، في قراءته، فإنه لما كان المؤنث ثقيلًا أسكن استخفافًا، لئلا يجتمع على الاسم ثقل التأنيث وثقل الضم، وأتى بما ليس فيه ثقل على الأصل بالضم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/314]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (96- {بِرَبْوَةٍ} [آية/ 265]:-
بفتح الراء، قرأها ابن عامر وعاصم، وكذلك في المؤمنين.
[الموضح: 343]
وقرأ الباقون {بِرُبْوَةٍ} مضمومة الراء.
وهما لغتان، وهي ما ارتفع من المسيل). [الموضح: 344]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (97- {أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [آية/ 265]:-
بإسكان الكاف، قرأها وأمثالها ابن كثير (ونافع) في جميع القرآن، ووافقهما أبو عمرو فيما كان مضافًا إلى مؤنث، وحرك الباقي.
وقرأ الباقون ما كان من ذلك بالتحريك في جميع القرآن.
والأكل والأكل بالإسكان والتحريك لغتان، والمحرك منهما هو الأصل، والمسكن مخفف من المحرك، والمعنى هو الشيء المأكول، فأما الأكل بالفتح فمصدر أكل أكلا). [الموضح: 344]

قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:54 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (267) إلى الآية (271)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري ومسلم بن جندب: [ولا تُيمِّموا الخبيث] بضم التاء وكسر الميم.
قال أبو الفتح: فيها لغات: أمَمْتُ الشيء ويممْتُه وأَمَّمْتُه ويَمَّمْتُه وتَيمَّمْتُه، وكله قَصَدتُه.
قال الأعشى:
تؤمُّ سنانا وكم دونه ... من الأرض مُحْدَوْدِبا غارُها
وقال الآخر:
يمْمتُ بها أبا صخر بن عمرو
[المحتسب: 1/138]
وقال:
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عَرْمضُها طام
الأَمُّ: القصد، ومثله الأَمْتُ، ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد، والإمام أيضًا: خيط البنَّاء؛ لأنه يمده ويعتمد بالبناء عليه، والأُمَّة: الطريقة لأنها متعمدة، قال الله سبحانه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على طريقة مقصودة). [المحتسب: 1/139]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [إلا أن تَغْمُضُوا فيه] بفتح التاء من غمض، ورُوي أيضًا: [تُغَمِّضُوا فيه] مشددة الميم، وقرأ قتادة: [إلا أن تُغْمَضُوا فيه] بضم التاء وفتح الميم.
قال أبو الفتح: أما قراءة العامة؛ وهي: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} فوجهها أن تأتوا غامضًا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه، فأغمض على هذا: أتى غامضًا من الأمر، كقولهم: أعمن الرجل: أتى عَمان، وأعرق: أتى العراق، وأنجد: أتى نجدًا، وأغار: أتى الغور. واختيار الأصمعي هنا غار، وليس هذا على قول الأصمعي أتى الغور، وإنما هو غار؛ أي: غمض وانشام هناك، كقولك: ساخ وسرب، ولو أراد معنى صار إلى هناك لكان أغار، كما قال:
نَبِيٌّ يرى ما لا تَرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
ورواية الأصمعي: غار، على ما مضى، وليس المعنى على ما قدمنا واحدًا.
وأما [تُغْمَضُوا فيه] فيكون منقولًا من غَمَض هو وأغمضه غيره، كقولك: خفي وأخفاه غيره، فهو كقراءة مَن قرأ: [أن تَغْمُضُوا فيه]، ولم يذكر ابن مجاهد هل الميم مع فتح التاء مكسورة أو مضمومة، والمحفوظ في هذا غَمَض الشيء يغمُض، كغار يغور، ودخل يدخُل، وكمن يكمُن، وغرب يغرُب.
والمعنى: أن غيرهم يُغْمِضُهم فيه من موضعين:
أحدهما: أن الناس يجدونهم قد غَمَضُوا فيه، فيكون من أفعلت الشيء وجدته كذلك، كأحمدت الرجل: وجدته محمودًا، وأذممته: وجدته مذمومًا، ومنه قوله:
وقومٍ كرامٍ قد نقلنا قِرَاهمُ ... إليهم فأَتلفنا المنايا وأتلفوا
[المحتسب: 1/139]
أي: وجدناها مُتْلِفة.
وقوله:
فمضى وأخاف من قُتَيلة موعِدا
أي: صادفه مخلفًا.
وقول رؤبة:
وأهيج الخلطاء من ذات البرق
أي: صادفها مهتاجة النبت.
ومنه قوله الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أي: صادفناه غافلًا، ولو كان أغفلنا هنا منقولًا من غفل -أي: منعناه وصددناه- لكان معطوفًا عليه بالفاء "فاتَّبَعَ هواه".
وذلك أنه كان يكون مطاوعًا، وفعل المطاوعة إنما يكون معطوفًا بالفاء دون الواو، وذلك كقوله: أعطيته فأخذ، ودعوته فأجاب، ولا تقول هنا: أعطيته وأخذ، ولا دعوته وأجاب، كما لا تقول: كسرته وانكسر، ولا جذبته وانجذب؛ إنما تقول: كسرته فانكسر، وجذبته فانجذب، وهذا شديد الوضوح والإنارة على ما تراه.
وكذلك لو كان معنى أغفلنا في الآية منعنا وصددنا لكان معطوفًا عليه بالفاء، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه، وإذ لم يكن هكذا، وكان إنما هو "واتبع" فطريقه أنه لما قال: {أغفلنا قبله عن ذكرنا} فكأنه قال: وجدناه غافلًا، وإذا وُجد غافلًا فقد غفل لا محالة، فكأنه قال إذن: ولا تطع من غفل قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا؛ أي: لا تطع مَن فعل كذا، يعدد أفعاله التي توجب ترك طاعة الله سبحانه، ونسأل الله توفيقًا من عنده ودُنُوًّا من مرضاته بمنِّه ومشيئته، فهذا أحد وجهي [تُغْمَضُوا فيه]؛ أي: إلا أن توجدوا مُغْمِضين متغاضين عنه.
والآخر: أن يكون [تُغْمَضُوا فيه] أي: إلا أن تُدخلوا فيه وتُجذبوا إليه، وذلك الشيء الذي يدعوهم إليه، ويحملهم عليه هو: رغبتهم في أخذه ومحبتهم لتناوله، فكأنه -والله أعلم-
[المحتسب: 1/140]
إلا أن تسوِّل لكم أنفسُكم أَخْذه فتُحسِّن ذلك لكم، وتعترض بشكه على يقينكم حتى تكاد الرغبة فيه تكرهكم عليه.
ويزيد في وضوح هذا المعنى لك ما روي عن الزهري أيضًا من قراءته: [إلا أن تُغَمِّضُوا فيه] أي: إلا أن تغمِّضوا بصائركم وأعين علمكم عنه؛ فيكون نحوًا من قوله:
إذا تخازرت وما بي من خزر
وهو معنى مطروق، منه قول الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ}، وجاء به بعض المولدين فقال:
خالدَ اللُّؤْمِ أمغض ... أنت لا بل متغاضي
وآخرُ ذلك قول شاعرنا:
تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يُتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسَه ... ويسومها طلب المحال فتتبع
وما أظرف الأول وأدمثه في قوله:
أبكي إلى الشرق ما كانت منازلها ... مما يلي الغرب خوف القِيل والقال
وأذكر الخال في الخد اليمين لها ... خوف الوُشاة وما بالخد من خال). [المحتسب: 1/141]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}
قرأ ابن كثير في راوية البزي {ولا تيمموا الخبيث} بتشديد التّاء وكان الأصل تتيمموا فأدغم التّاء بالتّاء وقرأ الباقون بالتّخفيف وحذفوا التّاء الثّانية). [حجة القراءات: 146]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (تشديد التاء للبزي
185- قرأ البزي بتشديد التاء فيما أصله تاءان، وحذفت واحدة من الخط، وذلك في أحد وثلاثين موضعًا، قد ذكرتها في غير هذا، وذلك نحو: {ولا تيمموا} «البقرة 267» و{لا تكلم نفس} «هود 105» و{تنازعوا} «الأنفال 46» {فتفرق} «الأنعام 153» وشبهه، ولا يقاس على الأحد والثلاثين الموضع غيرها، في سورة البقرة منها {ولا تيمموا} وعلته في ذلك أنه حاول الأصل؛ لأن الأصل في جميعها تاءان، فلم يحسن له أن يظهرهما، فيخالف الخط في جميعها، إذ ليس في الخط إلا تاء واحدة، فلما حاول الأصل وامتنع عليه الإظهار أدغم إحدى التائين في الأخرى، وحسن له ذلك، وجاز الاتصال المدغم بما قبله، فإن ابتدأ بالتاء لم يزد شيئًا، وخفف كالجماعة، لئلا يخالف الخط، ولم يمكنه إدغام في الابتداء؛ لأنه لا يبتدأ بمدغم؛ لأن أوله ساكن، والساكن لا يبتدأ به، فكان يلزمه إدخال ألف وصل للابتداء، فيتغير الكلام، ويزيد في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/314]
الخط ما ليس فيه، فرجع إلى التخفيف في الابتداء ضرورة، واعلم أن هذا الإدغام يأتي على ثلاثة أضرب.
186- ضرب قبل المدغم، متحرك من كلمة ومن كلمتين، وذلك ثمانية مواضع نحو: {فتفرق بكم} «الأنعام 153» ونحو: {إن الذين توفاهم} «النساء 97» فهذا إدغام حسن، لا دخل فيه ولا علة.
187- والضرب الثاني أن يكون قبل المدغم ألف أو واو ساكنة، قبلها ضمة وذلك ثلاثة عشر موضعًا، فيحتاج إلى مد، لوقوع المشدد بعد حرف المد واللين نحو: {ولا تيمموا}، و{ولا تفرقوا} «آل عمران 105»، و{عنه تلهى} «عبس 10» فهذا أيضًا حسن، ولابد من زيادة مد فيه للتشديد.
188- والضرب الثالث أن يكون قبل المشدد حرف ساكن من غير حروف المد واللين نحو: {ولا تيمموا}، و{لا تفرقوا} «آل عمران 105»، و{وإذ تلقونه} «النور 15»، و{إن تولوا} «آل عمران 32» و{على من تنزل} «الشعراء 221» و{نارًا تلظى} «الليل 14» و{شهر. تنزل} «القدر 3، 4» فهذا وقوع الإدغام بعده قبيح صعب، لا يجيزه جميع النحويين، إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد، وقد قال بعض القراء فيه: إنه إخفاء، وليس بإدغام، فهذا أسهل قليلًا من الإدغام؛ لأن الإخفاء لا تشديد فيه، ولكن الرواية والنقل فيه، كله بالتشديد، وهو على ما ذكرت لك من الضعف، وقرأ باقو القراء في ذلك كله مخفضًا، ولم يختلف في الابتداء به أنه مخفف كله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/315]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (98- {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [آية/ 267]:-
بتشديد التاء، رواه ابن أبي بزة عن ابن كثير، وروى أنه شدد إحدى وثلاثين تاءً، منها في البقرة: {ولا تيمموا}.
[الموضح: 344]
والوجه أن أصله: تتيمموا، بتاءين، فأسكن الأولى منهما، وأدغم في الثانية، وإنما أمكن هذا الإدغام؛ لأن قبل الكلمة ألف لا، فيحسن الإدغام لكونه بعد الألف، فإن الألف لما فيها من المد تجري مجرى المتحرك، ولو كان مكان الألف ساكن غير الألف لم يحسن، وهذا الادغام في هذا الموضع فيه ضعف؛ لأن {لا} غير متصل بالكلمة، فلا يلزم أن يكون معها.
وقرأ الباقون {ولا تيمموا} بغير إدغام.
والوجه أن أصله تتيمموا، فاجتمع تاءان، فحذف إحداهما لاجتماعهما، والمحذوفة هي الثانية، وهي تاء التفعل). [الموضح: 345]

قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}

قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن يؤت الحكمة... (269).
قرأ يعقوب وحده: (ومن يؤت الحكمة) بكسر التاء، وتقديره: ومن يؤته الله الحكمة.
وقرأ الباقون: (ومن يؤت الحكمة) بفتح التاء.
قال أبو منصور: القراءة بفتح التاء، و(يؤت) جزم ب (من)، والجواب الفاء في قوله: (فقد أوتي خيرًا كثيرًا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/227]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري ويعقوب: [ومن يُوتِ الحكمةَ] بكسر التاء.
قال أبو الفتح: وجهه على أن الفاعل فيه اسم الله تعالى؛ أي: ومَن يُوت الله الحكمة، مَن منصوبة على أنها المفعول الأول والحكمة المفعول الثاني، كقولك: أيَّهم تعطي درهمًا يشكرك). [المحتسب: 1/143]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (99- {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [آية/ 269]:-
مكسورة التاء، قرأها يعقوب وحده.
واتفقوا على كسر التاء من {يُؤتِي}.
إنه على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقد جرى ذكره سبحانه في قوله {وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا}، كأنه قال: ومن يؤته الله الحكمة، وحذف الضمير؛ لأن العلم به حاصل.
وقرأ الباقون {وَمَنْ يُؤْتَ} بفتح التاء.
والوجه ظاهر وهو أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأن المقصود ذكر من أعطي
[الموضح: 345]
الحكمة، فقال: ومن يعط الحكمة فقد أعطي خيرًا كثيرًا). [الموضح: 346]

قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}

قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فنعمّا هي... (271)
قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية حفص عنه، والأعشى عن أبي بكر عنه، ويعقوب (فنعمّا هي) بكسرة النون والعين، وكذلك روى ورش عن نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/227]
بكسر النون والعين.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر عن عاصم والمفضل عنه: (فنعمّا هي) بكسر النون وتسكين العين.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (فنعمّا هي) بفتح النون وكسر العين وتشديد الميم.
قال أبو منصور: من قرأ (فنعمّا هي) بكسر النون والعين فهو جيد؛ لأن الأصل في نعم: نعم ونعم ثلاث لغات.
ومن قرأ (فنعْما) فهي على لغة من يقول: نعم. وأما من قرأ (فنعمّا) بكسر النون وسكون العين وتشديد الميم فهي على لغة من يقول: نعم كإثم، أدغم الميم من (نعم) في (ما) وشددها، وترك العين على حالها ساكنة، وهذه القراءة عند نحويي أهل البصرة
[معاني القراءات وعللها: 1/228]
غير جائزة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين، وكان أبو عبيد يختار هذه القراءة، ولم يجرها أهل النحو، والقراءة فنعمّا أو فنعمّا ومعناهما فنعم الشيء.
وقوله جلّ وعزّ: (ونكفّر عنكم (271).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (ونكفّر عنكم) بالنون والرفع، وكذلك أبو خليد عن نافع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: (ونكفّر عنكم) بالنون والجزم.
وكذلك قال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بالنون والجزم.
وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: (ويكفّر عنكم) بالياء والرفع.
[معاني القراءات وعللها: 1/229]
قال أبو منصور: من قرأ (نكفر) جزما عطفه على موضع الجزم في قوله: (فهو خيرٌ لكم) لأن معناه: يكن خيرا لكم.
ومن قرأ (ونكفر عنكم) بالنون والرفع رفعه لأن ما بعد الفاء قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وهو اختيار سيبويه، كأنه استئناف، وكذلك من قرأ (ويكفّر) بالياء والرفع). [معاني القراءات وعللها: 1/230]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} [271]
قرأ ابن كثير، وورش عن نافع، وحفص عن عاصم {فنعما هي} بكسر النون والعين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/100]
وقرأ حمزة والكسائي {نعما هي}. بكسر العين وفتح النون.
وابنُ عامٍ كمثل.
وقرأ أبو عمرو ونافع في سائر الروايات وعاصم في رواية أبي بكر {نعما هي} بكسر النون وإسكان العين.
وزعم بعض النحويين أنه أردأ القراءات؛ لأنه قد جمع بين ساكنين الميم والعين، وليس إحدهما حرف لين. والاختيار إسكان العين؛ لأن هذه اللفظة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «نعما بالمال الصالح» كذا تُحفظ هذه اللفظة عن النبي، ومتى ما صح الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل للنحوي ولا غيره أن يعترض عليه. والأصل في نعم وبئس: نعم وبئس، فلما كانا فعلين غير متصرفين، وعين الفعل حرف من حروف الحلق أتبعوا فاء الفعل عينه، فقالوا: نعم وبئس ثم اسكنوه وخففوه، فيجوز فيه أربع لغات: نعم على الأصل، ونعم مثل فخذ ونعم مثل فخذ، ونعم مثل فخذ وذكر ذلك المبرد رحمه الله.
وقرأ يحيى بن وثاب {نعم العبد} على الأصل.
قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/101]
ما استقلت قدم إنهم = نعم الساعون في الأمر المبر
واختلف الناس في قوله: {فنعما هي} فقال قوم: «ما» هي صلة، كقوله: {عما قليل}، أي: عن قليل. وقال آخرون: «ما» اسم يرتفع بنعم مثل «ذا» بـ «حب» ثم جعلوا حبذا ونعما اسمًا واحدًا. وقال الكسائي: الأصل: (فنعم ما هي) فحذفوا «ما» الأخيرة اختصارًا، وفي حرف ابن مسعود {إن تبدوا الصدقات فنعم ما هي} وروى الحلواني، عن عاصم (فنعما) مخففًا، وأخطأ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/102]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} [271].
وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم، نسقًا على الشرط الذي تقدم وهو قوله: {إن تبدوا الصدقات} فيكون تكفيره السيئات مع قبول الصدقات.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالرفع والنون؛ وذلك أن الشرط إذا وقع جوابًا بالفاء كان من بعد الفاء مرفوعًا، وكذلك المنسوق على ما بعد الفاء الرفع الاختيار فيه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/102]
وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم {ويكفر} بالياء والرفع، جعلا الفعل لله تعالى.
وكذلك من قرأ بالنون غير أن المخبر بالنون هو الله تعالى عن نفسه، ووجه الياء: قل يا محمد يكفر الله من سيئاتكم عنكم.
وروي عن ابن عباس، وعن حميد {وتكفر} بالتاء كأنه رده إلى الصدقات، ويجوز أن يريد السيئات من هذا الوجه ولا يُعتد بـ «من»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/103]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النّون وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]:
[الحجة للقراء السبعة: 2/395]
فنعمّا هي [البقرة/ 271] وإسكان العين وكسرها.
فقرأ نافع في غير رواية ورش وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضّل فنعمّا بكسر النون، والعين ساكنة.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، ونافع في رواية ورش فنعمّا هي بكسر النون والعين.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فنعمّا هي بفتح النون وكسر العين، وكلّهم شدّد الميم.
قال أبو عليّ: من قرأ فنعمّا، بسكون العين من فنعمّا لم يكن قوله مستقيما عند النحويين، لأنّه جمع بين ساكنين، الأول منهما ليس بحرف مدّ ولين، والتقاء الساكنين عندهم إنّما يجوز إذا كان الحرف الأول منهما حرف لين، نحو: دابّة وشابّة، وتمودّ الثوب، وأصيم لأنّه ما في الحروف من المدّ يصير عوضاً من الحركة، ألا ترى أنّه إذا صار عوضاً من الحرف المتحرك المحذوف من تمام بناء الشعر عندهم، فأن يكون عوضاً من الحركة أسهل.
وقد أنشد سيبويه شعراً قد اجتمع فيه الساكنان على
[الحجة للقراء السبعة: 2/396]
حدّ ما اجتمعا في فنعمّا في قراءة من أسكن العين وهو:
كأنّه بعد كلال الزاجر... ومسحي مرّ عقاب كاسر
وأنكره أصحابه. ولعل أبا عمرو أخفى ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو بارئكم [البقرة/ 54]، ويأمركم [البقرة/ 67] فظنّ. السامع الإخفاء إسكاناً للطف ذلك في السّمع وخفائه.
وأمّا من قرأ: فنعمّا، فحجّته أنّه أصل الكلمة نعم، ثم كسر الفاء من أجل حرف الحلق. ولا يجوز أن يكون ممن قال: نعم، فلمّا أدغم حرّك، كما يقول: يهدي
[الحجة للقراء السبعة: 2/397]
[يونس/ 35] ألّا ترى أنّ من قال: هذا قدّم مالك، فأدغم، لم يدغم نحو قوله: هذا قدم مالك، وجسم ماجد، لأنّ المنفصل لا يجوز فيه ذلك كما جاز في المتصل قال سيبويه: أمّا قول بعضهم في القراءة: فنعمّا، فحرك العين، فليس على لغة من قال: نعم ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نعم فحرك العين. وحدّثنا أبو الخطاب: أنّها لغة هذيل، وكسر، كما قال: لعب. ولو كان الذي يقول:
نعمّا ممن يقول في الانفصال: نعم لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم من تحريك الساكن في المنفصل. وأمّا من قال:
فنعمّا فإنّما جاء بالكلمة على أصلها، وهو نعم كما قال:
ما أقلّت قدماي إنّهم... نعم الساعون في الأمر المبرّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/398]
ولا يجوز أن يكون ممن يقول: قبل الإدغام نعم، كما أن من قال: نعمّا لا يكون ممن قال قبل الإدغام: نعم، ولكن ممن يقول نعم، فجاء بالكلمة على أصلها وكل حسن.
والمعنى في قوله تعالى: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي [البقرة/ 271] أن في نعم ضمير الفاعل و (ما) في موضع نصب وهي تفسير الفاعل المضمر قبل الذكر فالتقدير نعم شيئاً إبداؤها، فالإبداء هو: المخصوص بالمدح إلّا أنّ المضاف حذف، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه، فالمخصوص بالمدح هو الإبداء بالصدقات لا الصدقات يدلّك على ذلك قوله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم [البقرة/ 271] أي: الإخفاء خير لكم، فكما أن هو ضمير الإخفاء، وليس بالصّدقات، كذلك ينبغي أن يكون ضمير الإبداء مراداً، وإنّما كان الإخفاء- والله أعلم- خيراً لأنّه أبعد من أن تشوب الصدقة مراءاة للنّاس وتصنع لهم، فتخلص لله سبحانه. ولم يكن المسلمون إذ ذاك ممن تسبق إليهم ظنة في منع واجب.
واختلفوا في الياء والنون والرفع والجزم من قوله:
ونكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة/ 271].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/399]
ونكفر بالنون والرفع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي ونكفر بالنون وجزم الراء.
وروى أبو جعفر عن نافع ونكفر بالنون والرفع.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم ونكفر جزم بالنون.
وقرأ ابن عامر ويكفّر بالياء والرفع وكذلك حفص عن عاصم.
قال أبو عليّ: من قرأ ونكفر عنكم من سيئاتكم فرفع، كان رفعه من وجهين:
أحدهما: أن يجعله خبر مبتدأ محذوف تقديره: ونحن نكفّر عنكم سيئاتكم. والآخر: أن يستأنف الكلام ويقطعه مما قبله، فلا يجعل الحرف العاطف للاشتراك ولكن لعطف جملة على جملة.
وأمّا من جزم فقال: ونكفر عنكم فإنّه حمل الكلام على موضع قوله: فهو خيرٌ لكم لأنّ قوله: فهو خيرٌ لكم في موضع جزم، ألّا ترى أنّه لو قال: وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم، لجزم.
فقد علمت أنّ قوله: فهو خيرٌ لكم في موضع جزم فحمل قوله: ويكفر على الموضع. ومثل هذا في الحمل على الموضع أن سيبويه زعم أن بعض القراء قرأ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/400]
من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم [الأعراف/ 186] لأنّ قوله: فلا هادي له: في أنّه في موضع جزم مثل قوله: فهو خيرٌ لكم.
ومثله في الحمل على الموضع، قوله تعالى: لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن [المنافقون/ 10] حمل قوله وأكن على موضع قوله: فأصّدّق لأنّ هذا موضع فعل مجزوم، لو قال: أخّرني إلى أجل قريب أصّدق، لجزم، فإذا ثبت أنّ قوله: فأصّدق في موضع فعل مجزوم حمل قوله:
أكن عليه، ومثل ذلك قوله الشاعر:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
فحمل قوله وأزدد على موضع قوله: فإنني لك كاشح.
ومثله قول الآخر، وأظنّه أبا دؤاد:
فأبلوني بليّتكم لعلّي... أصالحكم وأستدرج نويّا
فأمّا النون والياء في قوله: نكفّر، ويكفّر، فمن قال:
ويكفّر فلأن ما بعده على لفظ الإفراد، فيكفّر أشبه بما بعده من الإفراد منه بالجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/401]
وأمّا من قال: نكفّر على لفظ الجمع، فإنّه أتى بلفظ الجمع، ثم أفرد بعد كما أتى بلفظ الإفراد ثمّ جمع في قوله تعالى: سبحان الّذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثمّ قال: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] ). [الحجة للقراء السبعة: 2/402]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن تبدوا الصّدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيّئاتكم}
قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر {فنعما هي} بكسر النّون وسكون العين وحجتهم قول النّبي صلى الله عليه لعمرو بن العاص
[حجة القراءات: 146]
نعما بالمال الصّالح للرجل الصّالح واصل الكلمة نعما بفتح النّون وكسر وكسر العين فكسروا النّون لكسرة العين ثمّ سكنوا العين هربا من الاستثقال
وقرا حمزة وابن عامر والكسائيّ {فنعما هي} بفتح النّون وكسر العين وحجتهم أن أصل الكلمة نعم فأتوا بالكلمة على أصلها وهي أحسن لأنّه لا يكون فيها الجمع بين ساكنين
فأتوا بالكلمة على أصلها وهي أحسن لأنّه لا يكون فيها الجمع بين ساكنين
وقرأ ورش وابن كثير وحفص {فنعما} بكسر النّون والعين وقد بينا أن الأصل فيها نعم بفتح النّون وكسر العين وتركوا العين على أصلها
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {ونكفر} برفع الرّاء على الاستئناف يقول الله جلّ وعز ونحن نكفر وحجته قوله {فهو خير} لكم لما كان جواب الجزاء في الفاء ولم يكن فعلا مجزومًا لم يستجيزوا أن ينسقوا فعلا على غير جنسه ولو كان جزما لجزموا الفعل المنسوق على الجزاء إذا كان فعلا مثله وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ
[حجة القراءات: 147]
{ونكفر} بالجزم على موضع {فهو خير لكم} لأن المعنى يكن خيرا واحتجّوا بأن قالوا الجزم أولى ليخلص معنى الجزاء ويعلم بأن تكفير السّيّئات إنّما هو ثواب للمتصدق على صدقته وجزاء له وإذا رفع الفعل احتمل أن يكون ثوابًا وجزاء واحتمل أن يكون على غير مجازاة وكان الجزم أبين المعنيين
وقرأ ابن عامر وحفص {ويكفر} بالياء والرّفع على الاستئناف أيضا ويكون إخبارًا عن الله عز وجل أنه يكفر السّيّئات). [حجة القراءات: 148]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (189- قوله: {فنعما هي} قرأ أبو عمرو وأبو بكر وقالون بإخفاء حركة العين، وكسر النون، ومثله في النساء، وقرأ ابن كثير وحفص وورش بكسر النون والعين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بكسر العين، وفتح النون فيهما.
190- وحجة من قرأ بكسر النون والعين أن الأصل فيه «نعم» بفتح النون، وكسر العين، لكن حرف الحلق إذا كان عين الفعل، وهو مكسور أتبع بما قبله، فكسر لكسرة، يقولون: شَهِد وشِهِد، ولَعِب ولِعبِ، فقالوا «نعم»: نِعم، وهي لغة هذيل.
191- وحجة من فتح النون وكسر العين أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل «نعم» كما قالوا: شهد ولعب، فتركوا الأول على فتحه.
192- وحجة من أخفى حركة العين، أنه كسر النون لكسرة العين وأسكن العين استخفافًا، لتوالي كسرتين، فلما اتصل الفعل بـ «ما» وأدغمت الميم في الميم، ثقلت الكلمة بالكسرتين والإدغام، وطالت، فلم يمكن إسكان العين للتخفيف، لئلا يجتمع ساكنان: العين وأول المدغم، فأخفى كسرة العين استخفافًا، والذي خفيت حركته في الوزن والحكم كالمتحرك، إلا أنه أخف من المتحرك، وقد روي عن أهل الإخفاء الاختلاس، وهو حسن. وروي الإسكان للعين، وليس بشيء ولا قرأت به، لأن فيه جمعًا بين ساكنين، ليس الأول حرف مد ولين، وذلك غير جائز عن أحد من النحويين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/316]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (193- قوله: {ويكفر عنكم} قرأه ابن عامر وحفص بالياء، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/316]
الباقون بالنون، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالجزم، وقرأ الباقون بالرفع.
194- وحجة من قرأه بالياء أن بعده: {والله بما تعملون خبير} ولم يقل «ونحن» فأتى بلفظ الغائب في «يكفر» لما بعده من لفظ الغائب، ويجوز أن يكون رده على الإعطاء، في قوله: {تؤتوها الفقراء} فالمعنى: ويكفر الإعطاء من سيئاتكم، والقول الأول معناه: ويكفر الله من سيئاتكم.
195- وحجة من قرأه بالنون أنه أجراه على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه؛ لأنه هو المكفر للسيئات، وحسن أن يأتي على لفظ المخبر للتفخيم والتعظيم، وحسن أن يأتي المفرد، بعد لفظ الجمع، في قوله تعالى: {والله} كما قال: {سبحان الذي أسرى} «الإسراء 1» ثم قال: {وآتينا موسى} «2» فهذا أتى بلفظ التوحيد، ثم جمع بعد ذلك، وذلك أتى بلفظ الجمع، ثم وحده بعد ذلك، فذلك كله شائع حسن، وهو كثير في القرآن، والقراءة بالنون أحب إلي؛ لأن أكثر القراء على ذلك، ولأنه أفخم وأعظم، وبه قرأ ابن عباس والأعرج.
196- وحجة من جزم الفعل أنه عطفه على موضع الفاء، في قوله: {فهو خيرٌ لكم} لأن موضع ذلك جزم، إذ هو جواب الشرط، وله نظائر حُملت على الموضع، وذلك حسن.
197- وحجة من رفع الفعل أنه قطعه مما قبله، وجعله خبر ابتداء محذوف، فالمعنى: ونحن نكفر عنكم، في قراءة من قرأ بالنون، ومن قرأ بالياء فتقديره: والله يكفر عنكم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/317]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (100- {فَنِعِمَّا هِيَ} [آية/ 271]:-
بكسر النون والعين جميعًا، قرأها ابن كثير ونافع ش- وعاصم- ص- ويعقوب. والوجه في ذلك أن أصل نعم: نعم بفتح النون وكسر العين، فكسرت فاء الكلمة من أجل حرف الحلق، كما كسروه من نحو: لعب وشهد؛ لأن حرف الحلق لما فيه من الاستعلاء، يستتبع حركة ما قبله.
وقرأ أبو عمرو ونافع ن- و- يل- وعاصم- ياش- {فَنِعْما} بكسر النون وإسكان العين.
وهذا غير مستقيم عند النحاة؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنين، وليس الأول منهما حرف لين، وإنما جاز التقاؤهما عندهم إذا كان الأول منهما حرف لين نحو: {دابة}، وشابة، و{الضّالّين}.
ويشبه أن يكون أبو عمرو سلك في ذلك طريقته في الإخفاء نحو {بارئكم}، فتوهموا أنه أسكن.
[الموضح: 346]
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {فَنَعِمّا} بفتح النون وكسر العين.
[الموضح: 347]
وهذا هو الأصل في هذه الكلمة أعني: نعم بفتح النون وكسر العين.
وهؤلاء كلهم شددوا الميم؛ لأن أصله: نعم على ما سبق من الوجوه، و{ما} هي النكرة التي تفيد معنى شيء، وهي في موضع نصب على التفسير للفاعل المضمر في {نعما}، والمعنى نعم شيئًا هي). [الموضح: 348]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (101- {وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ} [آية/ 271]:-
بالنون والرفع، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- ويعقوب.
أما النون فعلى خطاب المخبر عن نفسه إخبار الجمع إذا كان ملكًا وهذا حسن وإن كان ما بعده على الإفراد، على تلوين الخطاب، كما جاء الإفراد وإن كان ما بعده على الجمع في قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ثم قال {وَآتَيْنا}.
وأما الرفع فيجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوفٍ، وتقديره: ونحن نكفر، ويجوز أن يكون مستأنفًا مقطوعًا مما قبله، ولا يكون الواو للإشراك وعطف الجملة على الجملة.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي {نُكَفِّرْ} بالنون والجزم.
وذلك لأن الكلام على هذا محمول على قوله {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وموضعه جزم؛ لأنه لو قال وإن تخفوها يكن خيرًا لكم كان جزمًا.
[الموضح: 348]
وقرأ ابن عامر وعاصم ص- {ويُكَفِّرُ} بالياء والرفع، على تقدير: والله يكفر عنكم، وقد تقدم بيان مثله). [الموضح: 349]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:56 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (272) إلى الآية (274)]

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}

قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يحسبهم الجاهل أغنياء... (273).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (يحسبهم) و(يحسبون " و(يحسب) بكسر السين في كل القرآن.
وقرأ ابن عامر
[معاني القراءات وعللها: 1/230]
وحمزة وعاصم بفتح السين في ذلك كله.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان عن العرب، على (فعل يفعل) حسب يحسب، والكسر لغة أهل الحجاز، والفتح لغة تميم، وحسب يحسب. جاء نادرا، ومثله من باب السالم: نعم ينعم، وزاد بعضهم يئس ييئس وييأس). [معاني القراءات وعللها: 1/231]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء} [273]
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين في جميع القرآن.
وقرأ الباقون بكسر السين، فمن فتح السين، ذهب إلى محض العربية أن ما كان ماضيه بالكسر كان مستقبله بالفتح نحو: قضم يقضم، وعلم يعلم.
ومن كسر السين وهو الاختيار ذهب إلى أن العرب تفتح الفعل المستقبل إذا كان ماضيه مكسورًا إلا أربعة أحرف، فإنه جاء على فعل يفعل نحو: حسب يحسب، ونعم ينعم، ويبس ييبس، ويئس ييئس، ومع هذا فإنه لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/103]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله جلّ وعزّ: يحسبهم [البقرة/ 273] وتحسبنّ [آل عمران/ 278].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: يحسبهم وتحسبنّ بكسر السين في كلّ القرآن.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: يحسبهم، وتحسبنّ. بفتح السين في كلّ القرآن.
وقال هبيرة عن حفص أنّه كان يفتح ثم رجع إلى الكسر.
قال أبو عليّ: قال أبو زيد: يقال: حسبت الشّيء أحسبه وأحسبه حسبانا. وحكى سيبويه أيضا: حسب يحسب ويحسب. وقال أبو زيد: حسبت ذلك الحقّ حسابا وحسابة من الحساب، فأنا أحسبه. قال أبو زيد: وقال رجل من بني نمير: حسبانك على الله أي: حسابك على الله، وقال الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/402]
على الله حسباني إذا النّفس أشرفت... على طمع أو خاف شيئا ضميرها
وأحسبت الرجل إحسابا إذا أطعمته وسقيته حتى يشبع ويروى، وتعطيه حتى يرضى.
قال أبو علي: القراءة بتحسب بفتح السّين أقيس، لأنّ الماضي إذا كان على فعل نحو حسب، كان المضارع على يفعل مثل: فرق يفرق، وشرب يشرب، وشذّ يحسب فجاء على يفعل في حروف أخر. والكسر حسن لمجيء السمع به، وإن كان شاذا عن القياس). [الحجة للقراء السبعة: 2/403]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {يحسبهم} بفتح السّين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان حسب يحسب وحسب يحسب وقال قوم يحسب بكسر السّين من حسب وقالوا وقد جاءت كلمات على فعل يفعل مثل حسب يحسب ونعم ينعم ويئس ييئس). [حجة القراءات: 148]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (198- قوله: «يحسبهم، ويحسبن» قرأه عاصم وحمزة وابن عامر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/317]
بفتح السين، حيث وقع إذا كان مستقبلًا، وكسر الباقون وهما لغتان مشهورتان، يقال: حسب يحسَب ويحسِب، والفتح أقوى في الأصول؛ لأن «فعل» في الماضي إنما يأتي مستقبله على «يفعل» بالفتح في الأكثر، والكسر فيه لغة شذت عن القياس، وله نظائر أتت بالكسر في المستقبل والماضي مسموعة، وروي أن النبي عليه السلام كان يقرأ بكسر السين، وهي لغة حجازية، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/318]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (102- {يَحْسَبُهُمُ} [آية/ 273]:-
بفتح السين، قرأها ابن عامر وعاصم وحمزة، وكذلك يحسب في كل القرآن، وذلك لأن فتح السين أقيس، فإن الماضي إذا كان فعل بكسر العين كان القياس في مضارعه أن يكون على يفعل بفتح العين نحو: فرق يفرق وشرب يشرب. وقرأ الباقون بكسر السين في جيمع القرآن، لمجيء السماع، فقد جاء فعل يفعل بالكسر فيهما جميعًا في حروف قليلة، مع شذوذه عن القياس). [الموضح: 349]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:57 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (275) إلى الآية (276) ]

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}


قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}

قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 33 ( الأعضاء 0 والزوار 33)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة