العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 10:50 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (189) إلى الآية (193) ]

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:46 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي وقتادة {فلما تغشاها حملت حملا خفيفا} قالا كان آدم لا يولد له ولد إلا مات فجاءه الشيطان فقال إن شرط أن يعيش ولدك هذا فسمه عبد الحارث ففعل فأشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة.
عن معمر وقال الحسن إنما عنى به ذرية آدم من أشرك منهم بعده). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 245]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الحسن، في قوله تعالى: {لئن آتيتنا صالحا}؛ قال: غلاما). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 248]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الحسن، في قوله تعالى: {فمرت به}؛ قال: استمرت به وقال غيره فمرت به يقول تمارت به لا تدري أحبلى هي أم لا). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 248]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملًا خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عمّا يشركون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: {حملت حملًا خفيفًا فاستمرّت به} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {فلمّا أثقلت دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين. فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} -، قال: إنّ حوّاء لمّا حملت أتاها إبليس فقال: إنّي أنا الّذي أخرجتكما من الجنّة، فإن لم تطيعيني لأجعلنّ لابنك قرنين فليشقّنّ بطنك أو لأخرجنّه ميّتًا، فقضى أن خرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّاني فقال لها مثل مقالته، فقالت له حوّاء: أخبرني ما الّذي تريد أن أطيعك فيه؟
قال: سمّيه عبد الحارث، ففعلت، فخرج بإذن اللّه سويًّا، فذلك قوله عزّ وجلّ: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}، فقال عكرمة: لم يخصّ بها آدم، ولكن جعلها عامّةً لجميع النّاس بعد آدم). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 172-174]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {فمرّت به}: «استمرّ بها الحمل فأتمّته» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {فمرّت به}؛ استمرّ بها الحمل فائمته تقدّم في أحاديث الأنبياء ولم يقع هنا في رواية أبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({فمرّت به}؛ فاستمرّ بها الحمل فأتمّته
لم يقع هذا في رواية أبي ذر، وتقدم هذا في أول كتاب الأنبياء، وأشار به إلى قوله تعالى: {فلمّا تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به} وفسّر قوله: فمرت به، بقوله: فاستمر بها الحمل فأتمته، والضّمير في قوله: فمرت، يرجع إلى حوّاء عليها السّلام، لأن قبل هذا قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها} الآية. وأراد بالنّفس الواحدة آدم عليه السّلام، وأراد بقوله: زوجها، حوّاء عليها السّلام، وفي التّفسير: اختلفوا في معنى قوله: فمرت، فقال مجاهد: استمرت بحمله، وكذا روي عن الحسن والنّخعيّ والسّديّ، وقال ميمون بن مهران عن أبيه: استخفته، وقال قتادة: استبان حملها، وقال العوفيّ عن ابن عبّاس: استمرت به فشكّت أحبلت أم لا). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {حملًا خفيفًا}{فمرت به}؛ أي استمر بها أي بحواء الحمل فأتمته وعن ابن عباس استمرت به فشكت أحبلت أم لا وسقط قوله فمرت الخ من رواية أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: «لمّا حملت حوّاء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولدٌ، فقال: سمّيه عبد الحارث، فسمّته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره
».
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصّمد ولم يرفعه). [سنن الترمذي: 5/ 118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دّعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لّنكوننّ من الشّاكرين}.
يقول تعالى ذكره: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} يعني بالنّفس الواحدة: آدم.
- كما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ}؛ قال: آدم عليه السّلام.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} من آدم.
ويعني بقوله: {وجعل منها زوجها} وجعل من النّفس الواحدة، وهو آدم، زوجها حوّاء.
- كما حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وجعل منها زوجها} حوّاء، فجعلت من ضلعٍ من أضلاعه ليسكن إليها.
ويعني بقوله: {ليسكن إليها}؛ ليأوي إليها لقضاء الحاجة ولذّته. ويعني بقوله: {فلمّا تغشّاها}؛ فلمّا تدثّرها لقضاء حاجته منها فقضى حاجته منها، {حملت حملاً خفيفًا} وفي الكلام محذوفٌ ترك ذكره استغناءً بما ظهر عمّا حذف، وذلك قوله: {فلمّا تغشّاها حملت} وإنّما الكلام: فلمّا تغشّاها فقضى حاجته منها حملت. وقوله: {حملت حملاً خفيفًا}؛ يعني بخفّة الحمل: الماء الّذي حملته حوّاء في رحمها من آدم أنّه كان حملاً خفيفًا، وكذلك هو حمل المرأة ماء الرّجل خفيفٌ عليها.
وأمّا قوله: {فمرّت به} فإنّه يعني: استمرّت بالماء: قامت به وقعدت، وأتمّت الحمل.
- كما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي عميرٍ، عن أيّوب، قال: سألت الحسن عن قوله: {حملت حملاً خفيفًا فمرّت به} قال: لو كنت امرأً عربيًّا لعرفت ما هي، إنّما هي: فاستمرّت به.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفًا فمرّت به} استبان حملها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمرّت به}؛ قال: استمرّ حملها.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {حملت حملاً خفيفًا}؛ قال: هي النّطفة. وقوله: {فمرّت به} يقول: استمرّت به.
وقال آخرون: معنى ذلك: فشكّت فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فمرّت به}؛ قال: فشكّت أحملت أم لا.
ويعني بقوله: {فلمّا أثقلت} فلمّا صار ما في بطنها من الحمل الّذي كان خفيفًا ثقيلاً ودنت ولادتها، يقال منه: أثقلت فلانة إذا صارت ذات ثقلٍ بحملها كما يقال: أتمر فلانٌ: إذا صار ذا تمرٍ.
- كما حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلمّا أثقلت} كبر الولد في بطنها.
قال أبو جعفرٍ: {دعوا اللّه ربّهما}؛ يقول: نادى آدم وحواء ربّهما وقالا: يا ربّنا لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين.
واختلف أهل التّأويل في معنى الصّلاح الّذي أقسم آدم وحواء عليهما السّلام أنّه إن آتاهما صالحًا في حمل حوّاء لنكوننّ من الشّاكرين.
فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الحمل غلامًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الحسن في قوله: {لئن آتيتنا صالحًا}؛ قال: غلامًا.
وقال آخرون: بل هو أن يكون المولود بشرًا سويًّا مثلهما، ولا يكون بهيمةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن جبيرٍ الحسميّ، عن أبي البختريّ، في قوله: {لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين} قال: أشفقا أن يكون شيئًا دون الإنسان.
- قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن زيد بن جبيرٍ، عن أبي البختريّ، قال: أشفقا أن لا يكون إنسانًا.
- قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: لمّا حملت امرأة آدم فأثقلت، كانا يشفقان أن يكون بهيمةً، فدعوا ربّهما {لئن آتيتنا صالحًا} الآية.
- قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: أشفقا أن يكون، بهيمةً.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال سعيد بن جبيرٍ: لمّا هبط آدم وحوّاء، ألقيت الشّهوة في نفسه فأصابها، فليس إلاّ أن أصابها حملت، فليس إلاّ أن حملت تحرّك في بطنها ولدها، قالت: ما هذا؟ فجاءها إبليس، فقال: أترين في الأرض إلاّ ناقةً أو بقرةً أو ضائنةً أو ماعزةً؟ هو بعض ذلك. قالت: واللّه ما منّي شيءٌ إلاّ وهو يضيق عن ذلك. قال: فأطيعيني وسمّيه عبد الحارث تلدي شبهكما مثلكما، قال: فذكرت ذلك لآدم عليه السّلام، فقال: هو صاحبنا الّذي قد أخرجنا من الجنّة، فمات، ثمّ حملت بآخر، فجاءها فقال: أطيعيني وسمّيه عبد الحارث وكان اسمه في الملائكة الحارث وإلاّ ولدت ناقةً أو بقرةً أو ضائنةً أو ماعزةً، أو قتلته، فإنّي أنا قتلت الأوّل، قال: فذكرت ذلك لآدم، فكأنّه لم يكرهه، فسمّته عبد الحارث، فذلك قوله: {لئن آتيتنا صالحًا}؛ يقول: شبهنا مثلنا، {فلمّا آتاهما صالحًا} قال: شبههما مثلهما.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلمّا أثقلت} كبر الولد في بطنها جاءها إبليس، فخوّفها وقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعلّه كلبٌ أو خنزيرٌ أو حمارٌ؟ وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك، أو من قبلك، أو ينشقّ بطنك فيقتلك؟ فذلك حين {دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا} يقول: مثلنا، {لنكوننّ من الشّاكرين}.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه أخبر عن آدم وحوّاء أنّهما دعوا اللّه ربّهما بحمل حوّاء، وأقسما لئن أعطاهما في بطن حوّاء صالحًا ليكونانّ للّه من الشّاكرين. والصّلاح قد يشمل معاني كثيرةً. منها الصّلاح في استواء الخلق. ومنها الصّلاح في الدّين، والصّلاح في العقل والتّدبير. وإذ كان ذلك كذلك، ولا خبر عن الرّسول يوجب الحجّة بأنّ ذلك على بعض معاني الصّلاح دون بعضٍ، ولا فيه من العقل دليلٌ وجب أن يعمّ كما عمّه اللّه، فيقال إنّهما قالا لئن آتيتنا صالحًا بجميع معاني الصّلاح.
وأمّا معنى قوله: {لنكوننّ من الشّاكرين}؛ فإنّه لنكوننّ ممّن يشكرك على ما وهبت له من الولد صالحًا). [جامع البيان: 10/ 617-622]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملًا خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين (189)}
قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةً}؛
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ عن الضّحّاك خلقكم من نفسٍ واحدةٍ قال: يعني آدم صلّى اللّه عليه وسلّم- وروي عن مجاهدٍ وأبي مالكٍ وقتادة والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {وجعل منها زوجها}؛
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ عن الضّحّاك وخلق منها زوجها قال: خلق حوّاء من آدم من ضلع الخلف وهو من أسفل الأضلاع وروي عن مقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: {زوجها}؛
- حدّثنا أبي، ثنا مقاتل بن محمّدٍ، ثنا وكيعٌ عن أبي هلالٍ عن قتادة عن ابن عبّاسٍ: يعني قوله: {منها زوجها}؛ قال: خلقت المرأة من الرّجل فجعل نهمتها في الرّجل، وخلق الرّجل من الأرض فجعل نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {منها زوجها}؛ قال: حوّاء من قصيريّ آدم وهو نائمٌ فاستيقظ فقال: أثّا؟ بالنّبطيّة امرأةٌ
- وروي عن السّدّيّ وقتادة ومقاتل بن حيّان أنّها حوّاءٌ.
قوله تعالى: {ليسكن إليها}؛
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة جعل منها زوجها قال: خلقت حوّاء من ضلعٍ من أضلاعه ليسكن إليها.
قوله تعالى: {فلمّا تغشّاها}؛
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ حمزة، ثنا حبان، عن عبد الله ابن المبارك عن شريكٍ عن خصيفٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ فلمّا تغشّاها آدم حملت.
قوله تعالى: {حملت حملاً خفيفًا}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا هلال بن الفيّاض، ثنا عمر ابن إبراهيم عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ حوّاء لمّا حملت كان لا يعيش لها ولدٌ فقال لها الشّيطان: سمّيه عبد الحارث فإنّه يعيش فسمّته وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ف حملت حملاً خفيفًا ولم يستبن».
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني إليّ، حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفًا}؛ فشكّت أحملت أم لا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيد بن زريعٍ عن قتادة قوله: {فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفًا}؛ فاستبان حملها.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: فوقع على حواء ف حملت حملاً خفيفًا فمرّت به وهي النّطفة.
قوله تعالى: {فمرت به}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا هلال بن الفيّاض، ثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ حوّاء لمّا حملت كان لا يعيش لها ولد، ف حملت حملاً خفيفًا يقول: خفيفًا لم يستبن فمرّت به لمّا استبان حملها».
- حدثنا أبو سعيد الأشبح، ثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فمرّت به قال: فاستمرّت بحملها، وروي عن الحسن وإبراهيم النّخعيّ والسّدّيّ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا إلى، ثنا منصور بن أبي مزاحمٍ ثنا أبو سعيدٍ هو ابن أبي الوضّاح عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه في قوله: {فمرّت به}؛ قال: استخفّته.
قوله تعالى: {فلما أثقلت}؛
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبيد اللّه بن محمّد بن عائشة، ثنا عبد الواحد ثنا سالم بن أبي حفصة قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول في هذه الآية: {فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا}؛ قال: أهبط آدم وحوّاء وإبليس إلى الأرض قال: فدنا آدم من امرأته فوقعت في نفسه الشّهوة فقام إليها فجامعها، فحملت وهي لا تعلم فجعل بطنها يعظم، فقالت لآدم: ما هذا الّذي قد عظم له بطني قال: فسمع ذلك إبليس قال لها: إنّك قد حملت فتلدين.
قوله تعالى: {دعوا اللّه ربهما}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ {فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما}؛ كبر الولد في بطنها، جاءها إبليس فخوّفها وقال لها: ما يدريك ما في بطنك كلبٌ أو خنزيرٌ أو حمارٌ؟ وما يدريك من أين يخرج من دبرك فيقتلك، أم من قبلك أن ينشقّ بطنك فيقتلك؟ فذلك حين دعوا اللّه ربّهما.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ ثنا عبد الواحد ثنا سالم بن أبي حفصة قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول في هذه الآية: دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا فسمع ذلك إبليس قال لها: إنّك قد حملت فتلدين قالت: وما ألد؟ قال بعض ما ترين بعيرًا، بقرة وضائنة وماعزةً قال فهو قوله: {دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا}؛ لمّا تخوّفهما به إبليس من البعير، والبقرة والضأنية، والماعزة.
قوله تعالى: {لئن آتيتنا صالحًا}؛
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا محمود بن عبيدٍ، عن إسماعيل عن أبي صالحٍ {لئن آتيتنا صالحًا}؛ قال: أشفقنا أن تكون بهيمةً.
وروي عن أبي البحتريّ. نحو ذلك.
- حدّثنا الأشجّ، ثنا بن يمانٍ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: أشفقنا أن لا يكون إنسانًا، وروي عن أبي ملكٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان ثنا مهران بن أبي عمر الرّازيّ عن ابن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ في هذه الآية: {لئن آتيتنا صالحًا}؛ قال: خشينا أن يكون بهيمةً فقالا: لئن آتيتنا بشرًا سويًّا.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصغاني، ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ قال: وقال الحسن: {لئن آتيتنا صالحًا}؛ قال: غلامًا.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ، ثنا عبد الواحد، ثنا سالم بن أبي حفصة قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ في هذه الآية {لئن آتيتنا صالحًا}؛ مثل خلقنا لنكوننّ من الشّاكرين وروي عن السّدّيّ مثل قول سعيد بن جبيرٍ
قوله تعالى: {لنكوننّ من الشّاكرين}؛
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا أبو عمر الحوضيّ ثنا خالد بن عبد اللّه عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية يعني قوله: {لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين}؛ قال: ما أشرك آدم أن ضربه لمن بعده). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1630-1633]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمرت به قال استمرت بحمله).[تفسير مجاهد: 252]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن سمرة عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره»). [الدر المنثور: 6/ 699-700]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لآدم أولاد، فتعبدهم لله وتسميه عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاها إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش فولدت له رجلا فسماه عبد الحارث ففيه أنزل الله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى آخر الآية.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: كان هذا في بعض أهل الملل وليس بآدم.
- وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأها (حملت حملا خفيفا فمرت به).
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن سمرة في قوله: {حملت حملا خفيفا}، قال: خفيفا لم يستبن فمرت به لما استبان حملها.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فمرت به}؛ قال: فشكت أحملت أم لا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال: سئل الحسن عن قوله: {حملت حملا خفيفا فمرت به}؛ قال: فشكت أحملت أم لا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال: سئل الحسن عن قوله: {حملت حملا خفيفا فمرت به}؛ قال: لو كنت عربيا لعرفتها إنما هي استمرت بالحمل.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {حملت حملا خفيفا}؛ قال: هي من النطفة {فمرت به}؛ يقول: استمرت
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فمرت به}؛ قال: فاستمرت به.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فمرت به}؛ قال: فاستمرت بحمله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فمرت به}؛ قال: فاستمرت بحمله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله: {فمرت به}؛ قال: استخفته.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي {فلما أثقلت}؛ قال: كبر الولد في بطنها.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: {لئن آتيتنا}؛ قال: أشفقا أن يكون بهيمة فقالا: لئن آتيتنا بشرا سويا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {لئن آتيتنا صالحا}؛ قال: غلاما سويا). [الدر المنثور: 6/ 702-704]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة قال سمعت صدقة يحدث عن السدي قال هذا من المفصول المفصل قوله تعالى: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} في شأن آدم وحواء ثم قال فتعلى الله عما يشركون عما يشرك المشركون فلم يعنهما). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 246]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملًا خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عمّا يشركون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: {حملت حملًا خفيفًا فاستمرّت به} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {فلمّا أثقلت دعوا الله ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين. فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} -، قال: إنّ حوّاء لمّا حملت أتاها إبليس فقال: إنّي أنا الّذي أخرجتكما من الجنّة، فإن لم تطيعيني لأجعلنّ لابنك قرنين فليشقّنّ بطنك أو لأخرجنّه ميّتًا، فقضى أن خرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّاني فقال لها مثل مقالته، فقالت له حوّاء: أخبرني ما الّذي تريد أن أطيعك فيه؟
قال: سمّيه عبد الحارث، ففعلت، فخرج بإذن اللّه سويًّا، فذلك قوله عزّ وجلّ: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}، فقال عكرمة: لم يخصّ بها آدم، ولكن جعلها عامّةً لجميع النّاس بعد آدم). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 172-174] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا رزقهما اللّه ولدًا صالحًا كما سألا جعلا له شركاء فيما آتاهما ورزقهما.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الشّركاء الّتي جعلاها فيما أوتيا من المولود، فقال بعضهم: جعلا له شركاء في الاسم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال:
«كانت حوّاء لا يعيش لها ولدٌ، فنذرت لئن عاش لها ولدٌ لتسمّينّه عبد الحارث، فعاش لها ولدٌ، فسمّته عبد الحارث، وإنّما كان ذلك من وحي الشّيطان».
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، قال: حدّثنا أبو العلاء، عن سمرة بن جندبٍ: أنّه حدّث أنّ آدم عليه السّلام سمّى ابنه عبد الحارث.
- قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن سمرة بن جندبٍ، قال: سمّى آدم ابنه: عبد الحارث.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت حوّاء تلد لآدم، فتعبّدهم للّه، وتسمّيه عبد اللّه وعبيد اللّه ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم، فقال: إنّكما لو تسمّيانه بغير الّذي تسمّيانه لعاش، فولدت له رجلاً، فسمّاه عبد الحارث، ففيه أنزل اللّه تبارك وتعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} إلى آخر الآية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله في آدم: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {فمرّت به} فشكّت أحبلت أم لا؟ {فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا} الآية، فأتاهما الشّيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما أم هل تدريان ما يكون أبهيمةً تكون أم لا؟ وزيّن لهما الباطل إنّه غويّ مبينٌ. وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشّيطان: إنّكما إن لم تسمّياه بي لم يخرج سويًّا ومات كما مات الأولان، فسمّيا ولدهما عبد الحارث، فذلك قوله: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: لمّا ولد له أوّل ولدٍ، أتاه إبليس فقال: إنّي سأنصح لك في شأن ولدك هذا تسمّيه عبد الحارث، فقال آدم: أعوذ باللّه من طاعتك، قال ابن عبّاسٍ: وكان اسمه في السّماء الحارث. قال آدم: أعوذ باللّه من طاعتك، إنّي أطعتك في أكل الشّجرة، فأخرجتني من الجنّة، فلن أطيعك. فمات ولده، ثمّ ولد له بعد ذلك ولدٌ آخر، فقال: أطعني وإلاّ مات كما مات الأوّل، فعصاه، فمات، فقال: لا أزال أقتلهم حتّى تسمّيه عبد الحارث. فلم يزل به حتّى سمّاه عبد الحارث، فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} أشركه في طاعته في غير عبادةٍ، ولم يشرك باللّه، ولكن أطاعه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن هارون، قال: أخبرنا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، قال: ما أشرك آدم ولا حوّاء، وكان لا يعيش لهما ولدٌ، فأتاهما الشّيطان فقال: إن سرّكما أن يعيش لكما ولدٌ فسمّياه عبد الحارث، فهو قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفًا} قال: كان آدم عليه السّلام لا يولد له ولدٌ إلاّ مات، فجاءه الشّيطان، فقال: إن سرّك أن يعيش ولدك هذا، فسمّيه عبد الحارث، ففعل، قال: فأشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} ذكر لنا أنّه كان لا يعيش لهما ولدٌ، فأتاهما الشّيطان، فقال لهما: سمّياه عبد الحارث، وكان من وحي الشّيطان وأمره، وكان شركًا في طاعته، ولم يكن شركًا في عبادته.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون} قال: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولدٌ، فقال لهما الشّيطان: إذا ولد لكما ولدٌ، فسمّياه عبد الحارث، ففعلا وأطاعاه، فذلك قول اللّه: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن سالم بن أبي حفصة، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {أثقلت دعوا اللّه ربّهما} إلى قوله تعالى: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} قال: لمّا حملت حوّاء في أوّل ولدٍ ولدته حين أثقلت، أتاها إبليس قبل أن تلد، فقال: يا حوّاء ما هذا الّذي في بطنك؟ فقالت: ما أدري.
فقال: من أين يخرج؟ من أنفك، أو من عينك، أو من أذنك؟ قالت: لا أدري. قال: أرأيت إن خرج سليمًا أتطيعيني أنت فيما آمرك به؟ قالت: نعم. قال: سمّيه عبد الحارث، وقد كان يسمّى إبليس الحارث، فقالت: نعم. ثمّ قالت بعد ذلك لآدم: أتاني آتٍ في النّوم فقال لي كذا وكذا، فقال: إنّ ذلك الشّيطان فاحذريه، فإنّه عدوّنا الّذي أخرجنا من الجنّة، ثمّ أتاها إبليس، فأعاد عليها، فقالت: نعم. فلمّا وضعته أخرجه اللّه سليمًا، فسمّته عبد الحارث، فهو قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، وابن فضيلٍ، عن عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قيل له: أشرك آدم؟ قال: أعوذ باللّه أن أزعم أنّ آدم أشرك، ولكنّ حوّاء لمّا أثقلت، أتاها إبليس فقال لها: من أين يخرج هذا من أنفك أو من عينك أو من فيك؟ فقنّطها، ثمّ قال: أرأيت إن خرج سويًّا زاد ابن فضيلٍ لم يضرّك ولم يقتلك أتطيعيني؟ قالت: نعم. قال: فسمّيه عبد الحارث، ففعلت. زاد جريرٌ: فإنّما كان شركه في الاسم.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: فولدت غلامًا، يعني حوّاء، فأتاهما إبليس فقال: سمّوه عبدي وإلاّ قتلته، قال له آدم عليه السّلام: قد أطعتك وأخرجتني من الجنّة، فأبى أن يطيعه، فسمّاه عبد الرّحمن، فسلّط اللّه عليه إبليس فقتله. فحملت بآخر، فلمّا ولدته قال لها: سمّيه عبدي وإلاّ قتلته، قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنّة. فأبى، فسمّاه صالحًا فقتله. فلمّا أن كان الثّالث، قال لهما: فإذا غلبتم فسمّوه عبد الحارث، وكان اسم إبليس، وإنّما سمّي إبليس حين أبلس. ففعلوا، فذلك حين يقول اللّه: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} يعني في التّسمية.
وقال آخرون: بل المعنيّ بذلك رجلٌ وامرأةٌ من أهل الكفر من بني آدم جعلا للّه شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد. وقالوا: معنى الكلام: هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلمّا تغشّاها: أي: هذا الرّجل الكافر، حملت حملاً خفيفًا، فلمّا أثقلت دعوتما اللّه ربّكما. قالوا: وهذا ممّا ابتدئ به الكلام على وجه الخطّاب، ثمّ ردّ إلى الخبر عن الغائب، كما قيل: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ} وقد بيّنّا نظائر ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال. قال الحسن: عنى بهذا ذرّيّة آدم، من أشرك منهم بعده. يعني بقوله: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنّصارى، رزقهم اللّه أولادًا فهوّدوا ونصّروا.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين بالصّواب قول من قال: عنى بقوله: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء} في الاسم لا في العبادة، وأنّ المعنيّ بذلك آدم وحوّاء؛ لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على ذلك.
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ إذ كان الأمر على ما وصفت في تأويل هذه الآية، وأنّ المعنيّ بها آدم وحوّاء في قوله: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} أهو استنكافٌ من اللّه أن يكون له في الأسماء شريكٌ أو في العبادة؟ فإن قلت في الأسماء دلّ على فساده قوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} وإن قلت في العبادة، قيل لك: أفكان آدم أشرك في عبادة اللّه غيره؟
قيل له: إنّ القول في تأويل قوله: {فتعالى عمّا يشركون} ليس بالّذي ظننت، وإنّما القول فيه: فتعالى اللّه عمّا يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأمّا الخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} ثمّ استؤنف قوله: {فتعالى اللّه عمّا يشركون}.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} يقول: هذه فصلٌ من آية آدم خاصّةٌ في آلهة العرب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {شركاء} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض المكّيّين والكوفيّين: (جعلا له شركًا) بكسر الشّين، بمعنى الشّركة.
وقرأه بعض المكّيّين وعامّة قرّاء الكوفيّين وبعض البصريّين: {جعلا له شركاء} بضمّ الشّين، بمعنى جمع شريكٍ.
وهذه القراءة أولى القراءتين بالصّواب؛ لأنّ القراءة لو صحّت بكسر الشّين لوجب أن يكون الكلام: فلمّا آتاهما صالحًا جعلا لغيره فيه شركًا؛ لأنّ آدم وحوّاء لم يدينا بأنّ ولدهما من عطيّة إبليس ثمّ يجعلا للّه فيه شركًا لتسميتهما إيّاه بعبد اللّه، وإنّما كانا يدينان لا شكّ بأنّ ولدهما من رزق اللّه وعطيّته، ثمّ سمّياه عبد الحارث، فجعلا لإبليس فيه شركًا بالاسم، فلو كانت قراءة من قرأ: (شركًا) صحيحةً وجب ما قلنا أن يكون الكلام: جعلا لغيره فيه شركًا، وفي نزول وحي اللّه بقوله: {جعلا له} ما يوضّح عن أنّ الصّحيح من القراءة: {شركاء} بضمّ الشّين على ما بيّنت قبل.
فإن قال قائلٌ: فإنّ آدم وحوّاء إنّما سمّيا ابنهما عبد الحارث، والحارث واحدٌ، وقوله: {شركاء} جماعةٌ، فكيف وصفهما جلّ ثناؤه بأنّهما جعلا له شركاء، وإنّما أشركا واحدًا؟
قيل: قد دللنا فيما مضى على أنّ العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة إذا لم تقصد واحدًا بعينه ولم تسمّه، كقوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم} وإنّما كان القائل ذلك واحدًا، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة؛ إذ لم يقصد قصده، وذلك مستفيضٌ في كلام العرب وأشعارها.
وأمّا قوله: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} فتنزيهٌ من اللّه تبارك وتعالى نفسه، وتعظيمٌ لها عمّا يقول فيه المبطلون ويدعون معه من الآلهة والأوثان.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} قال: هو الإنكاف، أنكف نفسه جلّ وعزّ، يقول: عظّم نفسه، وأنكفت الملائكة وما سبّح له.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: سمعت صدقة، يحدّث عن السّدّيّ، قال: هذا من الموصول والمفصول قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} في شأن آدم وحوّاء، ثمّ قال اللّه تبارك وتعالى: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} قال: عمّا يشرك المشركون، ولم يعنهما). [جامع البيان: 10/ 623-632]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)}
قوله تعالى: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الجماهر أنبأ سعيد بن بشيرٍ عن عقبة عن قتادة عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ عن أبيّ بن كعبٍ قال: لمّا حملت حوّاء أتاها الشّيطان فقال: أتطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سمّيه عبد الحارث، فلم تفعل فولدت فمات، ثمّ حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثمّ حملت الثّالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم، وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبهما فأطاعا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا حبّان، عن عبد الله ابن المبارك عن شريكٍ عن خصيفٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فلمّا آتاهما صالحًا}؛ جعلا له شركاء فيما آتاهما قال: اللّه هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلمّا تغشّاها آدم حملت آتاهما إبليس فقال: إنّي صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلنّ لها قرني إبلٍ فيخرج من بطنك فيشقّه ولأفعلنّ ولأفعلنّ يخوّفهما سمّياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميّتًا ثمّ حملت يعني الثّانية فأتاهما أيضًا فقال: أنا صاحبكما الّذي فعلت ما فعلت لتفعلنّ أو لأفعلنّ ولأفعلنّ يخوّفهما فأبيا أن يطيعانه فخرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّالثة فأتاهما أيضًا فذكر لهما فأدركهما حبّ الولد فسمّياه عبد الحارث فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ ابن عيينة قال: سمعت صدقة قال: أبي يعني ابن عبد اللّه بن كثيرٍ المكّيّ يحدّث عن السّدّيّ، قال: هذا من الموصول المفصّل قول: {جعلا له شركاء فيما أتاهما}؛ قال: شأن آدم وحوّاء
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن الهذليّ عن السّدّيّ في قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ قال: هو آدم وحوّاء.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ يقول اللّه: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ يعني في الأسماء.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه ثنا بكر بن عبد اللّه المزنيّ {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ أنّ آدم سمّى ابنه عبد الشّيطان.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ فكان شركًا في طاعته ولم يكن شركًا في عبادته
وكان الحسن يقول: هم اليهود والنّصارى رزقهم اللّه أولادًا فهوّدوا ونصّروا.
قوله تعالى:{فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن عيينة قال: سمعت صدقة يحدّث عن السّدّيّ {فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛ يقول: عمّا أشرك المشركون ولم يعنهما.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛ قال: هذه فصلٌ من آية آدم، خاصّةً في آلهة العرب.
- حدّثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ ثنا حجّاجٌ عن ابن جريح عن مجاهدٍ {فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛ هو الانتكاف أنكف نفسه عزّ وجلّ يقول: عظّم نفسه وأنكفته الملائكة وما سبّح له.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا مهران عن سفيان عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قال: هذه مفصولةٌ أطاعاه في الولد فتعالى اللّه عمّا يشركون، وقال: هذه لقوم محمّدٍ. أبو مالكٍ يقوله). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1633-1635]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد جعلا له شركاء فيما آتاهما قال كان لا يعيش لآدم وحواء عليهما السلام ولد فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما فسمياه عبد الحارث ففعلا وأطاعا فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}). [تفسير مجاهد: 252-253]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما حملت حوّاء، طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سمّيه عبد الحارث، فسمّته،فعاش»، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه عن سمرة بن جندب في قوله: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء} قال: سمياه عبد الحارث.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي بن كعب قال: لما حملت حواء وكان لا يعيش لها ولد آتاها الشيطان فقال: سمياه عبد الحارث يعيش لكما فسمياه عبد الحارث فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب قال: لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال: أتطيعيني ويسلم لك ولدك سميه عبد الحارث فلم تفعل فولدت فمات ثم حملت فقال لها مثل ذلك: فلم تفعل ثم حملت الثالث فجاءها فقال لها: إن تطيعيني سلم لك وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبها فأطاعته). [الدر المنثور: 6/ 700-701]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما أهبط الله آدم وحواء ألقى في نفسه الشهوة لامرأته فتحرك ذلك منه فأصابها فليس إلا أن أصابها حملت فليس إلا أن حملت تحرك ولدها في بطنها فقالت: ما هذا فجاءها إبليس فقال لها: إنك حملت فتلدين، قالت: ما ألد قال: ما هل ترين إلا ناقة أو بقرة أو ماعزة أو ضانية هو بعض ذلك ويخرج من أنفك أوعينك أو من أذنك، قالت: والله ما منى من شيء إلا وهو يضيق عن ذلك قال: فأطيعيني وسميه عبد الحارث - وكان اسمه في الملائكة الحارث - تلدي مثلك فذكرت ذلك لآدم فقال: هو صاحبنا الذي قد علمت، فمات ثم حملت بآخر فجاءها فقال: أطيعيني أو قتلته فإني أنا قتلت الأول فذكرت ذلك لآدم فقال مثل قوله الأول ثم حملت بالثالث فجاءها فقال لها مثل ما قال فذكرت ذلك لآدم فكأنه لم يكره ذلك فسمته عبد الحارث فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: حملت حواء فأتاها إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكم من الجنة لتطيعيني أو لأجعلن له قربى أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن - فخوفهما - سمياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما أيضا فقال مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
- وأخرج عبد بن حميد عن السدي قال: إن أول اسم سمياه عبد الرحمن فمات ثم سمياه صالحا فمات يعني آدم وحواء). [الدر المنثور: 6/ 701-702]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {جعلا له شركاء} قال: كان شركا في طاعة ولم يكن شركا في عباده.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (فجعلا له شركا) بكسر الشين.
- وأخرج عبد بن حميد عن سفيان: {جعلا له شركاء} قال: أشركاه في الاسم قال: وكنية إبليس أبو كدوس.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر وأبو الشيخ عن السدي قال: هذا من الموصول والمفصول قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} في شأن آدم وحواء يعني في الأسماء {فتعالى الله عما يشركون} يقول: عما يشرك المشركون ولم يعينهما.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما أشرك آدم أن أولهما شكر وآخرهما مثل ضربه لمن بعده.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فتعالى الله عما يشركون} هذه فصل بين آية آدم خاصة في آلهة العرب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال: هذه مفصولة أطاعاه في الولد {فتعالى الله عما يشركون} هذه لقوم محمد.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {جعلا له شركاء} قال: كان شركا في طاعته ولم يكن شركا في عبادته وقال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاد فهودوا ونصروا.
- وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {فتعالى الله عما يشركون}؛ قال: يعني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فتعالى الله عما يشركون}؛ قال: هو الإنكاف أنكف نفسه يقول: عظم نفسه وأنكفته الملائكة وما سبح له). [الدر المنثور: 6/ 705-706]

تفسير قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون}.
يقول تعالى ذكره: أيشركون في عبادة اللّه، فيعبدون معه ما لا يخلق شيئًا واللّه يخلقها وينشئها، وإنّما العبادة الخالصة للخالق لا للمخلوق؟
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك بما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، قال: ولد لآدم وحوّاء ولدٌ، فسمّياه عبد اللّه، فأتاهما إبليس فقال: ما سمّيتما يا آدم ويا حوّاء ابنكما؟ قال: وكان ولد لهما قبل ذلك ولدٌ، فسمّياه عبد اللّه، فمات، فقالا: سمّيناه عبد اللّه. فقال إبليس: أتظنّان أنّ اللّه تاركٌ عبده عندكما؟ لا واللّه ليذهبنّ به كما ذهب بالآخر، ولكن أدلّكما على اسمٍ يبقى لكما ما بقيتما؟ فسمّياه عبد شمسٍ، قال: فذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} الشّمس تخلق شيئًا حتّى يكون لها عبدٌ؟ إنّما هي مخلوقةٌ وقد قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«خدعهما مرّتين: خدعهما في الجنّة، وخدعهما في الأرض».
وقيل: {وهم يخلقون}، فأخرج مكنيّهم مخرج مكنيّ بني آدم، وقد قال: {أيشركون ما} فأخرج ذكرهم بـ ما لا بـ من مخرج الخبر عن غير بني آدم؛ لأنّ الّذي كانوا يعبدونه إنّما كان حجرًا أو خشبًا أو نحاسًا، أو بعض الأشياء الّتي يخبر عنها بـ ما لا بـ من، فقيل: وهم، فأخرجت كنايتهم مخرج كناية بني آدم؛ لأنّ الخبر عنها بتعظيم المشركين إيّاها نظير الخبر عن تعظيم النّاس بعضهم بعضًا). [جامع البيان: 10/ 632-633]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون (191)}
قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون}؛
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: ولد لآدم ولدٌ فسمّاه عبد اللّه فآتاهما إبليس فقال: ما سمّيتما ابنكما هذا أنت يا آدم وأنت يا حواء؟ قال: وكان ولدهما قبل ذلك ولدٌ فسمّياه عبد اللّه، فقال إبليس أتظنّان أنّ اللّه تارك عبده عندكما؟ وو الله ليذهبنّ به كما ذهب بالآخر ولكن أدلّكما على اسمٍ يبقى لكما ما بقيتما فسمّياه عبد الشّمس، فسمّياه فذلك قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون}؛ الشّمس لا تخلق شيئًا؟ إنّما هي مخلوقةٌ، قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خدعهما مرّتين قال: زيدٌ خدعهما في الجنّة، وخدعهما في الأرض»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1635]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: ولد لآدم ولد فسماه عبد الله فأتاهما إبليس فقال: ما سميتا ابنكما هذا قال: عبد الله وكان ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله، فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما ووالله ليذهبن به كما ذهب بالآخر ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد شمس فسمياه فذلك قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا} الشمس لا تخلق شيئا إنما هي مخلوقة، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خدعهما مرتين»، قال زيد: خدعهما في الجنة وخدعهما في الأرض). [الدر المنثور: 6/ 701]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن حميد وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: هذا في الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحا وهودا ونصرا ثم قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون}؛ يقول: يطيعون ما لا يخلق شيئا وهي الشياطين لا تخلق شيئا وهي تخلق {ولا يستطيعون لهم نصرا} يقول: لمن يدعوهم). [الدر المنثور: 6/ 706]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون}.
يقول تعالى ذكره: أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة اللّه ما لا يخلق شيئًا من خلق اللّه، ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد اللّه أو أحلّ بهم عقوبةً، ولا هو قادرٌ إن أراد به سوءًا نصر نفسه ولا دفع ضرٍّ عنها. وإنّما العابد يعبد ما يعبده لاجتلاب نفعٍ منه أو لدفع ضرٍّ منه عن نفسه. وآلهتهم الّتي يعبدونها ويشركونها في عبادة اللّه لا تنفعهم ولا تضرّهم، بل لا تجتلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضرًّا، فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضّرّ عنها أبعد. يعجّب تبارك وتعالى خلقه من عظيم خطإ هؤلاء الّذين يشركون في عبادتهم اللّه غيره). [جامع البيان: 10/ 633]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون}.
يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربّهم إيّاه: ومن صفته أنّكم أيّها النّاس إن تدعوهم إلى الطّريق المستقيم، والأمر الصّحيح السّديد {لا يتّبعوكم} لأنّها ليست تعقل شيئًا، فتترك من الطّرق ما كان عن القصد منعدلاً جائرًا، وتركب ما كان مستقيمًا سديدًا.
وإنّما أراد اللّه جلّ ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها تنبيههم على عظيم خطئهم، وقبح اختيارهم، يقول جلّ ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرّشاد من إن دعي إلى الرّشاد وعرّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشادًا من ضلالٍ، وكان سواءً دعاء داعيه إلى الرّشاد وسكوته؛ لأنّه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له؟ يقول: فكيف يعبد من كانت هذه صفته أم كيف يشكل عظيم جهل من اتّخذ ما هذه صفته إلهًا؟ وإنّما الرّبّ المعبود هو النّافع من يعبده، الضّارّ من يعصيه، النّاصر وليّه، الخاذل عدوّه، الهادي إلى الرّشاد من أطاعه، السّامع دعاء من دعاه.
وقيل: {سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} فعطف بقوله: {صامتون}، وهو اسمٌ على قوله: {أدعوتموهم}، وهو فعلٌ ماضٍ، ولم يقل: أم صمتّم، كما قال الشّاعر:
سواءٌ عليك القفر أم بتّ ليلةً ....... بأهل القباب من نمير بن عامرٍ
وقد ينشد: أم أنت بائتٌ). [جامع البيان: 10/ 634]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193)}
قوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: إن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطّريق). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1635]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:09 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}


تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حملت حملاً خفيفاً...}؛
الماء خفيف على المرأة إذا حملت.
{فمرّت به} فاستمرّت به: قامت به وقعدت.
{فلمّا أثقلت}: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا في بطنك؟ فقالت: لا أدري. قال: فلعله بهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قال: تسمّينه باسمي. قالت: وما أسمك؟ قال: الحرث. فسّمته عبد الحارث، ولم تعرفه أنه إبليس). [معاني القرآن: 1/ 400]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حملت حملاً خفيفاً} مفتوح الأول إذا كان في البطن وإذا كان على العنق فهو مكسور الأول وكذلك اختلفوا في حمل النخلة فجعله بعضهم من الجوف ففتحه وجعله بعضهم على العنق فكسره.
(فمرّت به) مجازه: استمرّ بها الحمل فأتمتّه). [مجاز القرآن: 1/ 236]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هو الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلماّ تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا أثقلت دّعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لّنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حملت حملاً خفيفاً} لأنّ "الحمل" ما كان في الجوف و"الحمل" ما كان على الظهر. وقال: {وتضع كلّ ذات حملٍ حملها} وأما قوله: {أثقلت} فيقول: "صارت ذات ثقلٍ" كما تقول "أتمرنا" أي: "صرنا ذوي تمرٍ" و"ألبنّا" أي: صرنا ذوي لبن و"أعشبت الأرض" و"أكمأت" وقرأ بعضهم {فلمّا أثقلت}). [معاني القرآن: 2/ 22]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فلما أثقلت} قال: عظم ولدها في بطنها، فهي مثقل إثقالاً). [معاني القرآن لقطرب: 602]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حملت حملا}: كل ذات حمل ولد. وحمل نخلة وحمل شجرة. فالحاء مفتوحة. وما كان من حمل: ثقل كان على ظهر أو وزر، فالحاء مكسورة ومنه {وإن تدع مثقلة إلى حملها} إلى ما عليها من يقل). [غريب القرآن وتفسيره: 155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمرّت به} أي استمرت بالحمل.
{لئن آتيتنا صالحاً} ولدا سويا بشرا، ولم [تجعله بهيمة] مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]: أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة:
وَدَوِّيَّةٍ مثل السّماء اعتسفتها ....... وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر:
كثوب ابن بِيضٍ وَقَاهُم بهِ ....... فَسَدَّ على السَّالِكِينَ السَّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق.
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال: (سدّ ابن بيض الطريق) أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق.
فكنَى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإِتَاوَةِ- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] أي سكنا، وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}[يونس: 67] ومن قوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 144-145] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الكناية والتّعريض
الكناية أنواع، ولها مواضع: فمنها أن تكنى عن اسم الرجل بالأبوّة، لتزيد في الدّلالة عليه إذا أنت راسلته أو كتبت إليه، إذ كانت الأسماء قد تتّفق.
أو لتعظّمه في المخاطبة بالكنية، لأنها تدلّ على الحنكة وتخبر عن الاكتهال.
وقد ذهب هؤلاء إلى أنّ الكنية كذب ما لم يكن الولد مسمّى بالاسم الذي كني به عن الأب، وتقع للرجل بعد الولادة.
وقالوا: إن كانت الكناية للتعظيم فما باله كنى أبا لهب وهو عدوّه، وسمّي محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وهو وليّه ونبيّه.
والجواب عن هذا: أن العرب كانت ربّما جعلت اسم الرجل كنيته، فكانت الكنية هي الاسم.
قال أبو محمد:
خبّرني غير واحد عن الأصمعي: أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان بن العلاء أسماؤها كناهما.
وربما كان للرجل الاسم والكنية، فغلبت الكنية على الاسم، فلم يعرف إلا بها، كأبي سفيان، وأبي طالب، وأبي ذرّ، وأبي هريرة.
ولذلك كانوا يكتبون: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان، لأن الكنية بكمالها صارت اسما، وحظّ كلّ حرف الرفع ما لم ينصبه أو يجرّه حرف من الأدوات أو الأفعال. فكأنه حين كنّي قيل: أبو طالب، ثم ترك ذلك كهيئته، وجعل الاسمان واحدا.
وقد روي في الحديث أن اسم أبي لهب عبد العزّى، فإن كان هذا
صحيحا فكيف يذكره رسول الله بهذا الاسم، وفيه معنى الشرك والكذب، لأن الناس جميعا عبيد الله؟.
وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}-: إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا}، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 256-260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: الإنشاء والابتداء، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
وأصل الخلق: التقدير، ومنه قيل: خالقة الأديم، قال زهير:
ولأنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبـَ ....... ـعضُ القومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفري).
[تأويل مشكل القرآن: 507]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189)}
{هو الّذي خلقكم من نفس واحدة}؛ يعني آدم.
{وجعل منها زوجها ليسكن إليها}،
{فلمّا تغشّاها}؛
كناية عن الجماع أحسن كناية.
{حملت حملا خفيفا}؛
يعني المني، والحمل ما كان في البطن - بفتح الحاء - أو أخرجته الشجرة، والحمل بكسر الحاء ما يحمل.
وقوله: {فمرّت به}؛
معنى مرت به استمرت، قعدت وقامت لم يثقلها.
{فلمّا أثقلت}؛
أي دنت ولادتها، لأنه أول أمره كان خفيفا، فلما جعل إنسانا ودنت الولادة أثقلت.
وقوله: {دعوا اللّه ربّهما}؛
أي دعا آدم وحواء ربهما).
[معاني القرآن: 2/ 394-395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة}؛
يعني آدم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به.
قال الحسن: أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها.
وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل.
روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به.
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا.
قال الحسن أي غلاما.
وقال أبو البختري خافا أن يكون بهيمة). [معاني القرآن: 3/ 113-114]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمَرَّتْ بِهِ}؛ أي استمرت بالحمل.
{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاًً}؛ أي ولداً سوياً بشراً، ولم تجعله بهيمة).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جعلا له شركاء...}
إذ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله. ويقرأ: "شركاً"). [معاني القرآن: 1/ 400]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}
وقال: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} وقال بعضهم {شركاً} لأنّ "الشرك" إنما هو: "الشركة" وكان ينبغي في قول من قال هذا أن يقول "فجعلا لغيره شركاً فيما آتاهما"). [معاني القرآن: 2/ 22]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {جعلا له شركاء}.
وابن عباس {شركا}، وعكرمة والأعرج). [معاني القرآن لقطرب: 582]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} : إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة
رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا}، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 258-260] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)}
يروى في التفسير أنّ إبليس - عليه اللعنة - جاء إلى حواء فقال: أتدرين ما في بطنك؟ فقالت لا أدري، قال فلعله بهيمة ثم قال: إن دعوت الله أن يجعله إنسانا أتسمينه باسمي؟: فقالت، نعم فسمته عبد الحارث، وهو الحارث. وهذا يروى في التفسير.
وقيل إن آدم وحواء أصل. فضرب، هذا مثلا لمشركي العرب وعرفوا كيف بدأ الخلق، فقيل فلما آتاهما اللّه - لكل ذكر وأنثى - آتاه اللّه ولدا ذكرا أو أنثى - هو خلقه وصوّره.
{جعلا له شركاء}؛ يعني الذين عبدوا الأصنام.
{فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛
الأول هو الذي عليه التفسير، ومن قرأ " شركا "
فهو مصدر شركت الرجل أشركه شركا.
قال بعضهم: كان ينبغي أن يكون على قراءة من قرأ شركا جعلا لغيره شركا، يقول لأنهما لا ينكران أن الأصل الله عزّ وجلّ فالشرك إنما يجعل لغيره، وهذا على معنى جعلا له ذا شرك فحذف ذا مثل (واسأل القرية) ). [معاني القرآن: 2/ 395-396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما}
روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد أن أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث
178 - ثم قال تعالى: {فتعالى الله عما يشركون}
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل {فتعالى الله عما يشركون} على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا.
وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس). [معاني القرآن: 3/ 114-117]

تفسير قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً...}
أراد الآلهة بـ (ما)، ولم يقل: من، ثم جعل فعلهم كفعل الرجال. وقل: {وهم يخلقون} ولا يملكون). [معاني القرآن: 1/ 400]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عبد الرحمن السلمي "أتشركون" بالتاء، وسائر القراء {أيشركون} بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 582]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يستطيعون...}؛
فجعل الفعل للرجال). [معاني القرآن: 1/ 400]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى...}؛
يقول: إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.
وقوله: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} ولم يقل: أم صممتّم. وعلى هذا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويجوز: سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد؛ قال الشاعر:
سواء إذا ما أصلح الله أمرهم ....... علينا أدثرٌ ما لهم أم أصارم
وأنشدني الكسائي:
سواء عليك النفر أم بتّ ليلة ....... بأهل القباب من نمير بن عامر
وأنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله: النفر؛ لأنك تقول: سواء عليك الخير والشر، ويجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء؛ كما تقول: اضربه قام أو قعد. فـ (أو) إلى معنى العموم كذهاب الواو). [معاني القرآن: 1/ 401]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (نافع {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم} يخفف.
وسائر القراء {يتبعوكم} مثقل.
أبو جعفر يضم كل ما كان في القرآن من "يبطش".
وسائر القراء، أبو عمرو والحسن بالكسر). [معاني القرآن لقطرب: 582]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله عز وجل {أم أنتم صامتون} قالوا: صمت صمتًا وصموتًا وصماتًا، وما زال مصمتًا منذ اليوم مسكنًا، وقد أصمت وأسكت، وسكت سكتًا وسكوتًا وسكاتًا وسكوتًا). [معاني القرآن لقطرب: 602]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
كلّ شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش أو علّة، خلا الكلب، فإنّه يلهث في حال الكلال، وحال الرّاحة، وحال الصحة والمرض، وحال الريّ والعطش.
فضربه الله مثلا لمن كذّب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضالّ، وإن لم تعظه فهو ضالّ، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث، أو تركته على حاله أيضا لهث.
ونحوه قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}. [تأويل مشكل القرآن: 369-370] (م)


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 09:44 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): ([باب] الحَمْل بعد النكاح
في مثل الحمل من النساء:
الحمل منها، يقال لها: حامل، وحبلى.
وقالوا: حبل الرجل من الشراب، وبه حبل إذا امتلأ بطنه منه، ورجل
حبلان، وامرأة محبل، وكأن الحبلى من ذلك مشتق من الامتلاء، ورجل حبلان إذا امتلأ غضبا.
وقالوا أيضا:
امرأة مجح، والأصل في ذلك للسباع، وذلك إذا عظم ما في بطنها.
ويقال لها –إذا عظم ما في بطنها-: امرأة مثقل، وقد أثقلت، قال الله عز وجل: {فلما أثقلت دعوا الله ربهما} ). [الفرق في اللغة: 83- 84]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم الحمل
يقال: حملت المرأة). [كتاب الفَرْق: 86]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ويقال: امرأة مثقل، وقد أثقلت: إذا عظم بطنها من الحمل، ومنه: {فلما أثقلت دعوا الله ربهما} ). [كتاب الفَرْق: 86]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث كعب حين ذكر يأجوج ومأجوج وهلاكهم قال: ثم يرسل الله تبارك وتعالى السماء فتنبت الأرض حتى أن الرمانة لتشبع السكن.
حدثناه أبو النضر عن سليمان بن المغيرة أسنده إلى كعب.
قوله: السكن - بتسكين الكاف - هم أهل البيت، وإنما سموا سكنا لأنهم يسكنون الموضع، والواحد منهم ساكن وسكن مثل شارب وشرب وسافر وسفر قال ذو الرمة:
فيا كرم السكن الذين تحملوا ....... عن الدار والمستخلف المتبدل
وأما السكن - بنصب الكاف فهو كل شيء تسكن إليه وتأنس به، قال الله تبارك وتعالى: {خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} ). [غريب الحديث: 5/ 379]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) }

تفسير قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما الجواب بالفاء فقولك إن تأتني فأنا صاحبك ولا يكون الجواب في هذا الموضع بالواو ولا بثم ألا ترى أن الرجل يقول افعل كذا وكذا فتقول فإذن يكون كذا وكذا ويقول لم أغث أمس فتقول فقد أتاك الغوث اليوم ولو أدخلت الواو وثم في هذا الموضع تريد الجواب لم يجز.
وسألت الخليل عن قوله جل وعز: {وإن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} فقال هذا كلام معلقٌ بالكلام الأول كما كانت الفاء معلقةً بالكلام الأول وهذا هاهنا في موضع قنطوا كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل قال ونظير ذلك قوله: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} بمنزلة أم صمتم ومما يجعلها بمنزلة الفاء أنها لا تجيء مبتدأةً كما أن الفاء لا تجيء مبتدأةً). [الكتاب: 3/ 63-64] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقالوا: {لئن}؛ زرته ما يقبل منك وقال لئن فعلت ما فعل يريد معنى ما هو فاعلٌ وما يفعل كما كان لظلوا مثل ليظلن وكما جاءت: {سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} على قوله: أم صمتم فكذلك جاز هذا على ما هو فاعلٌ قال عز وجل: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آيةٍ ما تبعوا قبلتك} أي ما هم تابعين.
وقال سبحانه: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده} أي ما يمسكهما من أحدٍ.
وأما قوله عز وجل: {وإن كلاً لما ليوفينهم ربك أعمالهم} فإن إن حرف توكيد فلها لامٌ كلام اليمين لذلك أدخلوها كما أدخلوها في {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ} ودخلت اللام التي في الفعل على اليمين كأنه قال إن زيداً لما والله ليفعلن.
وقد يستقيم في الكلام إن زيداً ليضرب وليذهب ولم يقع ضربٌ والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين فمن ثم ألزموا النون في اليمين لئلا يلتبس بما هو واقعٌ قال الله عز وجل: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة} وقال لبيد:
ولقد علمت لتأتين منيّتي ....... إنّ المنايا لا تطيش سهامها
كأنه قال والله لتأتين كما قال قد علمت لعبد الله خيرٌ منك وقال أظن لتسبقنني وأظن ليقومن لأنه بمنزلة علمت وقال عز وجل: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه} لأنه موضع ابتداء ألا ترى أنك لو قلت بدا لهم أيهم أفضل لحسن كحسنه في علمت كأنك قلت ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا). [الكتاب: 3/ 108-110]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول في المستقبل: أتيتك يوم يقوم زيد، ولا يجوز: يوم زيدٌ أميرٌ لما ذكرت لك. قال الله عز وجل: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم}. وقال: {هذا يوم لا ينطقون}.
فأما إذا التي تقع للمفاجأة فهي التي تسد مسد الخبر، والاسم بعدها مبتدأ وذلك قولك: جئتك فإذا زيد، وكلمتك فإذا أخوك. وتأويل هذا: جئت، ففاجأني زيد، وكلمتك، ففاجأني أخوك، وهذه تغني عن الفاء، وتكون جواباً للجزاء؛ نحو: إن تأتني إذا أنا أفرح على حد قولك: فأنا أفرح. قال الله عز وجل: {وإن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} فقوله: {إذا هم يقنطون} في موضع: يقنطوا. وقوله: إن تأتني فلك درهم في موضع إن تأتني أعطك درهما؛ كما أن قوله عز وجل: {سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} في موضع: أم صممتم). [المقتضب: 3/ 177-178] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:24 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:24 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:25 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:25 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ... الآية}؛
قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام، بقوله: وجعل منها زوجها حواء وقوله منها يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء، وقوله: ليسكن إليها أي ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال: فلمّا تغشّاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع، و «الحمل الخفيف» هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس «حملا» بفتح الحاء، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير «حملا» بكسر الحاء، وقوله: فمرّت به أي استمرت به، قال
أيوب: سألت الحسن عن قوله: فمرّت به فقال: لو كنت امرأ عربيا لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش «فمرت به» بتخفيف الراء، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ ابن عباس «فاستمرت به»، وقرأ ابن مسعود «فاستمرت بحملها»، وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي «فمارت به» معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول مارت الريح مورا، وأثقلت دخلت في الثقل كما تقول: أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في دعوا على آدم وحواء.
وروي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدر ما هو، وهذا يقوي قراءة من قرأ «فمرت به» بتخفيف الراء، فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل، فقال لها ما يدريك ما في جوفك ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة وما يدريك من أين يخرج أينشق له بطنك فتموتين أو على فمك أو أنفك؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحارث اسم إبليس، فسأخلصه لك وأجعله بشرا مثلك، وإن أنت لم تفعلي قتلته لك، قال فأخبرت حواء آدم فقال لها ذلك صاحبنا الذي أغوانا في الجنة، لا نطيعه، فلما ولدت سمياه عبد الله، فمات الغلام، ويروى أن الله سلط إبليس على قتله فحملت بآخر ففعل بها مثل ذلك فحملت بالثالث فلما ولدته أطاعا إبليس فسمياه عبد الحارث حرصا على حياته، فهذا هو الشرك الذي جعلا لله أي في التسمية فقط.
وصالحاً قال الحسن معناه غلاما، قال ابن عباس: وهو الأظهر بشرا سويا سليما، ونصبه على المفعول الثاني وفي المشكل لمكي أنه نعت لمصدر أي أتيا صالحا، وقال قوم إن المعنى في هذه الآية التبيين عن حال الكافرين فعدد النعم التي تعم الكافرين وغيرهم من الناس، ثم قرر ذلك بفعل المشركين السيّء فقامت عليهم الحجة ووجب العقاب، وذلك أنه قال مخاطبا لجميع الناس هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحدا كذلك، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها، ثم جاء قوله: فلمّا تغشّاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا أي هكذا يفعلون فإذا آتاهم الله الولد صالحا سليما كما أراده، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين الذي قامت الحجة فيه باقترانه مع النعمة العامة، وقال الحسن بن أبي الحسن فيما حكى عنه الطبري:
معنى هذه الآية: هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ إشارة إلى الروح الذي ينفخ في كل أحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي خلقكم من جنس واحد وجعل الإناث منه، ثم جاء قوله: فلمّا تغشّاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا على ما تقدم من الترتيب في القول الذي قبله). [المحرر الوجيز: 4/ 107-109]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190) أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193)}
يقال إن الآية المتقدمة هي في آدم وحواء وإن الضمير في قوله: {آتاهما}؛ عائد عليهما، قال إن الشرك الذي جعلاه هو في الطاعة، أي أطاعا إبليس في التسمية بعبد الحارث كما كانا في غير ذلك مطيعين لله، وأسند الطبري في ذلك حديثا من طريق سمرة بن جندب، ويحتمل أن يكون الشرك في أن جعلا عبوديته بالاسم لغيره، وقال الطبري والسدي في قوله تعالى: فتعالى اللّه عمّا يشركون إنه كلام منفصل ليس من الأول، وإن خبر آدم وحواء تم في قوله: {فلمّا آتاهما}، وإن هذا كلام يراد به مشركو العرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تحكم لا يساعده اللفظ، ويتجه أن يقال تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، وجاء الضمير في يشركون ضمير جمع لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث، ومن قال: إن الآية المتقدمة إنما الغرض منها تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين بعقب ذلك، قال في الآية الأخيرة إنها على ذلك الأسلوب وإن قوله فتعالى اللّه عمّا يشركون المراد بالضمير فيه المشركين، والمعنى في هذه الآية فلما آتى الله هذين الانسانين صالحا أي سليما دهبا به إلى الكفر وجعلا لله فيه شركا وأخرجاه عن الفطرة، ولفظة الشرك تقتضي نصيبين، فالمعنى: وجعلا لله فيه ذا شرك لأن إبليس أو أصنام المشركين هي المجعولة، والأصل أن الكل لله تعالى وبهذا حل الزجاج اعتراض من قال ينبغي أن يكون الكلام «جعلا لغيره شركا» وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «شركا» بكسر الشين وسكون الراء على المصدر، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهد وعاصم وأبان بن تغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «شركاء» على الجمع، وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقه على قول من يقول: إن الآية الأولى في آدم وحواء، وفي مصحف أبيّ ابن كعب «فلما آتاهما صالحا أشركا فيه»، وذكر الطبري في قصص حواء وآدم وإبليس في التسمية بعبد الحارث وفي صورة مخاطبتهم أشياء طويلة لا يقتضي الاختصار ذكرها.
وقرأ نافع والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وعاصم «عما يشركون أيشركون» بالياء من تحت فيهما، وقرأ أبو عبد الرحمن «عما تشركون» بالتاء من فوق «أتشركون ما لا يخلق» الآية، وروى بعض من قال إن الآيات في آدم وحواء أن إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال: إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس، فولد له ولد فسماه كذلك وإياه عنى بقوله أيشركون ما لا يخلق شيئاً، وهم يخلقون على هذا عائد على آدم وحواء والابن المسمى عبد شمس، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وإياها أراد بقوله ما لا يخلق، وعبر عنها بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها، ويخلقون معناه ينحتون ويصنعون، ويحتمل على قراءة «يشركون» بالياء من تحت أن يكون المعنى وهؤلاء المشركون يخلقون، أي فكان قولهم أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلون إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئا). [المحرر الوجيز: 4/ 109-111]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ولا يستطيعون ... الآية}، هذه تخرج على تأويل من قال إن المراد آدم وحواء والشمس على ما تقدم، ولكن بقلق وتعسف من المتأول في المعنى، وإنما تتسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الآخر، والمعنى ولا ينصرون أنفسهم من أمر الله وإرادته، ومن لا يدفع عن نفسه فأحرى أن لا يدفع عن غيره). [المحرر الوجيز: 4/ 111]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى ... الآية}، من قال إن الآيات في آدم عليه السلام قال إن هذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته مستأنفة في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهم الهاء والميم من تدعوهم، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ «يشركون» بالياء من تحت، وللكفار فقط على من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف، أي إن هذه حال الأصنام معكم إن دعوتموهم لم يجيبوكم إذ ليس لهم حواس ولا إدراكات، وقرأ نافع وحده «لا يتبعوكم» بسكون التاء وفتح الباء وقرأ الباقون «لا يتّبعوكم» بشد التاء المفتوحة وكسر الباء والمعنى واحد،
وفي قوله تعالى: أدعوتموهم أم أنتم عطف الاسم على الفعل، إذ التقدير أم صمتم ومثل هذا قول الشاعر: [الطويل]
سواء عليك الفقر أم بت ليلة ....... بأهل القباب من نمير بت عامر).
[المحرر الوجيز: 4/ 111-112]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:25 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:26 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)}
ينبّه تعالى على أنّه خلق جميع النّاس من آدم، عليه السّلام، وأنّه خلق منه زوجه حوّاء، ثمّ انتشر النّاس منهما، كما قال تعالى: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم} [الحجرات: 13]، وقال تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها [وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً]} [النّساء: 1].
وقال في هذه الآية الكريمة: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} أي: ليألفها ويسكن بها، كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً} [الرّوم: 21] فلا ألفة بين زوجين أعظم ممّا بين الزّوجين؛ ولهذا ذكر تعالى أنّ السّاحر ربّما توصّل بكيده إلى التّفرقة بين المرء وزوجه.
{فلمّا تغشّاها}؛ أي: وطئها، {حملت حملا خفيفًا}؛ وذلك أوّل الحمل، لا تجد المرأة له ألمًا، إنّما هي النّطفة، ثمّ العلقة، ثمّ المضغة.
وقوله: {فمرّت به}؛ قال مجاهدٌ: استمرّت بحمله. وروي عن الحسن، وإبراهيم النّخعي، والسّدّي، نحوه.
وقال ميمون بن مهران: عن أبيه استخفّته.
وقال أيّوب: سألت الحسن عن قوله: {فمرّت به}؛ قال: لو كنت رجلًا عربيًّا لعرفت ما هي. إنّما هي: فاستمرّت به.
وقال قتادة: {فمرّت به}؛ واستبان حملها.
وقال ابن جريرٍ: [معناه] استمرّت بالماء، قامت به وقعدت.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: استمرّت به، فشكّت: أحملت أم لا.
{فلمّا أثقلت} أي: صارت ذات ثقلٍ بحملها.
وقال السّدّيّ: كبر الولد في بطنها.
{دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا}؛ أي: بشرًا سويًّا، كما قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أشفقا أن يكون بهيمةً.
وكذلك قال أبو البختري وأبو مالكٍ: أشفقا ألّا يكون إنسانًا.
وقال الحسن البصريّ: لئن آتيتنا غلامًا.
{لنكوننّ من الشّاكرين. فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛ ذكر المفسّرون هاهنا آثارًا وأحاديث سأوردها وأبيّن ما فيها، ثمّ نتبع ذلك بيان الصّحيح في ذلك، إن شاء اللّه وبه الثّقة.
قال الإمام أحمد في مسنده: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا عمر بن إبراهيم، حدّثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ولمّا ولدت حوّاء طاف بها إبليس -وكان لا يعيش لها ولدٌ -فقال: سمّيه عبد الحارث؛ فإنّه يعيش، فسمّته عبد الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره
».
وهكذا رواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، بندار، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، به.
ورواه التّرمذيّ في تفسيره هذه الآية عن محمّد بن المثنى، عن عبد الصّمد، به وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديث عمر بن إبراهيم، عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصّمد، ولم يرفعه.
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث عبد الصّمد مرفوعًا ثمّ قال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
ورواه الإمام أبو محمّد بن أبي حاتمٍ في تفسيره، عن أبي زرعة الرّازيّ، عن هلال بن فيّاضٍ، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعًا.
وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذّ بن فيّاضٍ، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعًا
قلت: "وشاذٌّ" هذا هو: هلالٌ، وشاذٌّ لقبه. والغرض أنّ هذا الحديث معلولٌ من ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنّ عمر بن إبراهيم هذا هو البصريّ، وقد وثّقه ابن معينٍ، ولكن قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: لا يحتجّ به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا فاللّه أعلم.
الثّاني: أنّه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعًا، كما قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر، عن أبيه. وحدّثنا ابن عليّة عن سليمان التّيميّ، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن سمرة بن جندبٍ، قال: سمّى آدم ابنه "عبد الحارث".
الثّالث: أنّ الحسن نفسه فسّر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا، لما عدل عنه.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم
حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ قال: قال الحسن: عنى بها ذرّيّة آدم، ومن أشرك منهم بعده -يعني قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
وحدّثنا بشرٌ حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنّصارى، رزقهم اللّه أولادًا، فهوّدوا ونصّروا.
وهذه أسانيد صحيحةٌ عن الحسن، رحمه اللّه، أنّه فسّر الآية بذلك، وهو من أحسن التّفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيّما مع تقواه للّه وورعه، فهذا يدلّك على أنّه موقوفٌ على الصّحابيّ، ويحتمل أنّه تلقّاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعبٍ أو وهب بن منبّه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه [تعالى] إلّا أنّنا برئنا من عهدة المرفوع، واللّه أعلم.
فأمّا الآثار فقال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت حوّاء تلد لآدم، عليه السّلام، أولادًا فيعبّدهم للّه ويسمّيه: "عبد اللّه" و"عبيد اللّه"، ونحو ذلك، فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس وآدم فقال: إنّكما لو تسمّيانه بغير الّذي تسميانه به لعاش قال: فولدت له رجلًا فسمّاه "عبد الحارث"، ففيه أنزل اللّه، يقول اللّه: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ}، إلى قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} إلى آخر الآية.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ قوله في آدم: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {فمرّت به} شكّت أحبلت أم لا؟ {فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين} فأتاهما الشّيطان، فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون؟ أبهيمةٌ يكون أم لا؟ وزيّن لهما الباطل؛ إنّه غويٌّ مبينٌ، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشّيطان: إنّكما إن لم تسمّياه بي، لم يخرج سويًّا، ومات كما مات الأوّلان فسمّيا ولدهما "عبد الحارث"، فذلك قول اللّه [تعالى]: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما ... } الآية.
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} قال: قال اللّه تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها} آدم {حملت حملا خفيفًا} فأتاهما إبليس -لعنه اللّه -فقال: إنّى صاحبكما الّذي أخرجتكما من الجنّة لتطيعنّي أو لأجعلنّ قرني له أيلٍ فيخرج من بطنك فيشقّه، ولأفعلنّ ولأفعلنّ -يخوّفهما -فسمّياه "عبد الحارث" فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّانية، فأتاهما أيضًا فقال: أنا صاحبكما الّذي فعلت ما فعلت، لتفعلنّ أو لأفعلنّ -يخوّفهما -فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّالثة فأتاهما أيضًا، فذكر لهما، فأدركهما حبّ الولد، فسمّياه "عبد الحارث"، فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} رواه ابن أبي حاتم.
وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عبّاسٍ جماعةٌ من أصحابه، كمجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة. ومن الطّبقة الثّانية: قتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ من السّلف وجماعةٌ من الخلف، ومن المفسّرين من المتأخّرين جماعاتٌ لا يحصون كثرةً، وكأنّه -واللّه أعلم -أصله مأخوذٌ من أهل الكتاب، فإنّ ابن عبّاسٍ رواه عن أبي بن كعبٍ، كما رواه ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الجماهر حدّثنا سعيدٌ -يعني ابن بشيرٍ -عن عقبة، عن قتادة، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، عن أبي بن كعبٍ قال: لمّا حملت حوّاء أتاها الشّيطان، فقال لها: أتطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سمّيه "عبد الحارث"، فلم تفعل، فولدت فمات، ثمّ حملت فقال لها مثل ذلك، فلم تفعل. ثمّ حملت الثّالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم، وإلّا فإنّه يكون بهيمة، فهيّبهما فأطاعا.
وهذه الآثار يظهر عليها -واللّه أعلم -أنّها من آثار أهل الكتاب، وقد صحّ الحديث عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال: «إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم
»، ثمّ أخبارهم على ثلاثة أقسامٍ: فمنها: ما علمنا صحّته بما دلّ عليه الدّليل من كتاب اللّه أو سنّة رسوله. ومنها ما علمنا كذبه، بما دلّ على خلافه من الكتاب والسّنّة أيضًا. ومنها: ما هو مسكوتٌ عنه، فهو المأذون في روايته، بقوله، عليه السّلام:«حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وهو الّذي لا يصدّق ولا يكذّب، لقوله: «فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم». وهذا الأثر: [هل] هو من القسم الثّاني أو الثّالث؟ فيه نظرٌ. فأمّا من حدّث به من صحابي أو تابعيٍّ، فإنّه يراه من القسم الثّالث، وأمّا نحن فعلى مذهب الحسن البصريّ، رحمه اللّه، في هذا [واللّه أعلم] وأنّه ليس المراد من هذا السّياق آدم وحوّاء، وإنّما المراد من ذلك المشركون من ذرّيّته؛ ولهذا قال اللّه: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} ثم قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون (191)} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 524-528]

تفسير قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193) إنّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون (195) إنّ وليّي اللّه الّذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين (196) والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198)}
هذا إنكارٌ من اللّه على المشركين الّذين عبدوا مع اللّه غيره، من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقةٌ للّه مربوبةٌ مصنوعةٌ، لا تملك شيئًا من الأمر، ولا تضرّ ولا تنفع، [ولا تنصر] ولا تنتصر لعابديها، بل هي جمادٌ لا تتحرّك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم؛ ولهذا قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} أي: أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئًا ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى: {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب * ما قدروا اللّه حقّ قدره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحجّ: 73، 74] أخبر تعالى أنّه لو اجتمعت آلهتهم كلّها، ما استطاعوا خلق ذبابةٍ، بل لو أستلبتهم الذّبابة شيئًا من حقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله، كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟ ولهذا قال تعالى: {لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} أي: بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل: {قال أتعبدون ما تنحتون * واللّه خلقكم وما تعملون} [الصّافّات: 95، 96]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ولا يستطيعون لهم نصرًا}؛ أي: لعابديهم، {ولا أنفسهم ينصرون}؛ يعني: ولا لأنفسهم ينصرون ممّن أرادهم بسوءٍ، كما كان الخليل، عليه الصّلاة والسّلام، يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله: {فراغ عليهم ضربًا باليمين} [الصّافّات: 93]، وقال تعالى: {فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم لعلّهم إليه يرجعون} [الأنبياء: 58] وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبلٍ، رضي اللّه عنهما -وكانا شابّين قد أسلما لمّا قدم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- المدينة -فكانا يعدوان في اللّيل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتّخذانها حطبًا للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك، ويرتئوا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح -وكان سيّدًا في قومه -كان له صنمٌ يعبده ويطيّبه، فكانا يجيئان في اللّيل فينكّسانه على رأسه، ويلطّخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به فيغسله ويطيّبه ويضع عنده سيفًا، ويقول له: "انتصر". [ثمّ] يعودان لمثل ذلك، ويعود إلى صنيعه أيضًا، حتّى أخذاه مرّةً فقرنا معه جرو كلبٍ ميّتٍ، ودلّياه في حبلٍ في بئرٍ هناك، فلمّا جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك، نظر فعلم أنّ ما كان عليه من الدّين باطلٌ، وقال:
تالله لو كنت إلها مستدن ....... لم تك والكلب جميعًا في قرن
ثمّ أسلم فحسن إسلامه، وقتل يوم أحدٍ شهيدًا، رضي اللّه عنه وأرضاه، وجعل جنّة الفردوس مأواه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} يعني: أنّ هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواءٌ لديها من دعاها ومن دحاها، كما قال إبراهيم: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا} [مريم: 42]؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة