العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:25 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (151) إلى الآية (153) ]

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:08 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عيسى بن عمر، عن عمرو بن مرة، أنه حدثهم، قال: قال ربيع ابن خثيم لجليس له: أيسرك أن تؤتى بصحيفة من النبي صلى الله عليه وسلم لم يفك خاتمها قال: نعم، قال: فأقرأ {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} [سورة الأنعام: 151] فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات).[الزهد لابن المبارك: 2/ 201-202]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى: {لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: سرها وعلانيتها). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 221]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا أبو معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} - قال: {ما ظهر} : كانوا يمشون حول البيت عراةً، {وما بطن} الزنا). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 111]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151]
- حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: «لا أحد أغير من اللّه، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه، ولذلك مدح نفسه» قلت: سمعته من عبد اللّه؟ قال: نعم، قلت: ورفعه؟ قال: نعم {وكيلٌ}[الأنعام: 102] : «حفيظٌ ومحيطٌ به» . {قبلًا} [الأنعام: 111] : " جمع قبيلٍ، والمعنى: أنّه ضروبٌ للعذاب، كلّ ضربٍ منها قبيلٌ ". {زخرف القول} [الأنعام: 112] : «كلّ شيءٍ حسّنته ووشّيته، وهو باطلٌ فهو زخرفٌ» ، {وحرثٌ حجرٌ} [الأنعام: 138] : " حرامٌ، وكلّ ممنوعٍ فهو حجرٌ محجورٌ، والحجر كلّ بناءٍ بنيته ، ويقال للأنثى من الخيل: حجرٌ، ويقال للعقل: حجرٌ وحجًى، وأمّا الحجر فموضع ثمود، وما حجّرت عليه من الأرض فهو حجرٌ، ومنه سمّي حطيم البيت حجرًا، كأنّه مشتقٌّ من محطومٍ، مثل: قتيلٍ من مقتولٍ، وأمّا حجر اليمامة فهو منزلٌ "). [صحيح البخاري: 6/ 57-58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
ذكر فيه حديث بن مسعودٍ لا أحد أغير من اللّه وسيأتي شرحه في كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/ 296]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (7 - (باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش} الآية اختلف المفسّرون في هذه الآية، فعن ابن عبّاس والحسن والسّديّ: أنهم قالوا: كانوا يستقبحون فعل الزّنى علانية ويفعلونه سرا فنهاهم الله عز وجل عنهما. وقيل: ما ظهر الخمر وما بطن الزّنا. قاله الضّحّاك وقال الماورديّ: الظّاهر فعل الجوارح، والباطن اعتقاد القلب، وقيل: هي عامّة في الفواحش ما أعلن منها ما ظهر وما بطن فعل سرا. وقيل: ما ظهر ما بينهم وبين الخلق، وما بطن ما بينهم وبين الله تعالى، وقيل: ما ظهر العناق والقبلة، وما بطن النّيّة.

- حدّثنا حفص بن عمر حدّثنا شعبة عن عمرو عن أبي وائلٍ عن عبد الله رضي الله عنه قال لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحبّ إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه قلت سمعته من عبد الله قال نعم قلت ورفعه قال نعم.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعمرو هو ابن مرّة المرادي الكوفي الأعمى، وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في التّوبة عن محمّد بن المثنى ومحمّد بن يسار، وأخرجه التّرمذيّ في الدّعوات عن محمّد بن يسار، وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن بشار ومحمّد بن المثنى.
قوله: (أغير) ، أفعل التّفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي: الأنفة والحمية. وقال النّحاس: هو أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهنّ أو يراهن غير ذي محرم، والغيور ضد الديوث، والقندع، بضم الدّال وفتحها: الديوث وفي (الموعب) لابن التياني، رجل غيران من قوم غيارى، وغيارى بفتح الغين وضمّها وقال ابن سيّده غار الرجل غيرة وغيرا وغارا وغيارا وحكى البكريّ عن أبي جعفر البصريّ: غيرة، بكسر الغين، والمغيار الشّديد الغيرة، وفلان لا يتغيّر على أهله أي: لا يغار. وقال الزّمخشريّ: أغار الرجل امرأته إذا حملها على الغيرة، يقال رجل غيور وامرأة غيور هذا كله في حق الآدميّين وأما في حق الله فقد جاء مفسرًا في الحديث، وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه أي: إن غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله الفواحش، وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم، بالغيرة. وقال صلى الله عليه وسلم: من غيرته أن حرم الفواحش. قوله: (ولذلك) ، أي: ولأجل غيرته. قوله: (ولا شيء أحب إليه المدح) ، يجوز في: أحب، الرّفع والنّصب، وهو أفعل التّفضيل بمعنى المفعول. وقوله: المدح، بالرّفع فاعله، وهو كقولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد، وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح، وإنّما الرب أحب الطّاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك، فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح، ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا فظهر من غلط العامّة قولهم: إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن؟ فافهم. قوله: (قلت سمعته) ، القائل هو عمرو بن مرّة يقول لأبي وائل: هل سمعت هذا الحديث من عبد الله بن مسعود؟ ورفعه إلى النّبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو وائل: نعم سمعته منه، ورفعه). [عمدة القاري: 18/ 228]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (7 - باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
(باب قوله) تعالى: {ولا تقربوا الفواحش} الكبائر أو الزنا {ما ظهر منها وما بطن} في محل نصب بدل اشتمال من الفواحش أي لا تقربوا ظاهرها وباطنها وهو الزنا سرًا أو جهرًا أو عمل الجوارح والنية أو عموم الآثام ولفظ الباب ثابت لأبي ذر.
- حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -رضي الله عنه- قال: «لا أحد أغير من اللّه ولذلك حرّم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه لذلك مدح نفسه». قلت سمعته من عبد اللّه قال: نعم. قلت: ورفعه قال: نعم. [الحديث 4634 - أطرافه في: 4637، 5220، 7403].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين بن مرة المرادي الكوفي الأعمى (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لا أحد أغير من الله) أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية في حق المخلوق وفي حق الخالق تحريمه ومنعه أن يأتي المؤمن ما حرمه عليه. قال ابن جني: تقول لا أحد أفضل منك برفع أفضل لأنه خبر لا كما يرفع خبر إن وتقول لا غلام لك فإن فصلت بينهما بطل عملها تقول لا لك غلام، فإن وصفت اسم لا كان لك ثلاثة أوجه النصب بغير تنوين وبتنوين والرفع بتنوين، (ولذلك) أي ولأجل غيرته (حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه) بالرفع والنصب في أحب وهو أفعل تفضيل بمعنى المفعول والمدح فاعله نحو: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، ونقل البرماوي كالزركشي أن عبد اللطيف البغدادي استنبط من هذا جواز قول مدحت الله. قال: وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد أن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبًا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح، ولذلك مدح نفسه لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره.
قال في المصابيح: وما اعترض به الزركشي على عدم الصراحة بإبداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره الشيخ بهاء الدين السبكي في أوّل شرح التلخيص اهـ.
وهذا الذي قاله عبد اللطيف هو في شرحه على الخطب النباتية وعبارة شرح التلخيص المذكور ومراد عبد اللطيف بقوله قد يطلق المدح على الله تعالى إنك تقول: مدحت الله وما ذكره هو ما فهمه النووي وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد الخ. قال في المصابح: الظاهر الجواز ولذلك مدح نفسه شاهد صدق على صحته وحبه تعالى المدح ليثيب عليه فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح تعالى الله علوًّا كبيرًا.
قال عمرو بن مرة (قلت): لأبي وائل هل (سمعته) أي هذا الحديث (من عبد الله) بن مسعود (قال) أبو وائل (نعم). سمعته من عبد الله (قلت ورفعه) عبد الله إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- (قال: نعم) رفعه إليه -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في التفسير والترمذي في الدعوات). [إرشاد الساري: 7/ 121-122]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الفضل بن الصّبّاح البغداديّ، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن داود الأوديّ، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن عبد الله، قال: من سرّه أن ينظر إلى الصّحيفة الّتي عليها خاتم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فليقرأ هذه الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}، الآية إلى قوله، {لعلّكم تتّقون}.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/ 114]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش}
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت أبا وائلٍ، قال: سمعت عبد الله، يقول ورفعه قال: «لا أحد - يعني أغير - من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما أحدٌ أحبّ إليه المدح من الله عزّ وجلّ ولذلك مدح نفسه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام، الزّاعمين أنّ اللّه حرّم عليهم ما هم محرّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا أيّها القوم أقرأ عليكم ما حرّم ربّكم حقًّا يقينًا، لا الباطل، تخرّصًا كخرصكم على اللّه الكذب والفرية ظنًّا، ولكن وحيًا من اللّه أوحاه إليّ، وتنزيلاً أنزله عليّ، ألاّ تشركوا باللّه شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه. {وبالوالدين إحسانًا} يقول: وأوصى بالوالدين إحسانًا، وحذف (أوصى) وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السّامع بمعناه، وقد بيّنّا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب.
وأمّا (أن) في قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} فرفع، لأنّ معنى الكلام: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم هو أن لا تشركوا به شيئًا.
وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: {تشركوا} وجهان: الجزم بالنّهي، وتوجيهه (لا) إلى معنى النّهي. والنّصب على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب (تشركوا) بـ (ألاّ) كما يقال: أمرتك أن لا تقوم.
وإن شئت جعلت (أن) في موضع نصبٍ ردًّا على (ما) وبيانًا عنها، ويكون في قوله: {تشركوا} أيضًا من وجهي الإعراب نحو ما كان فيه منه، و(أن) في موضع رفعٍ.
ويكون تأويل الكلام حينئذٍ: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم، أتل أن لا تشركوا به شيئًا.
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون قوله: {تشركوا} نصبًا بـ (أن لا)، أم كيف يجوز توجيه قوله: (ألاّ تشركوا به) على معنى الخبر وقد عطف عليه بقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} وما بعد ذلك من جزم النّهي؟
قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكره: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم} فجعل (أن أكون) خبرًا و(أن) اسمًا، ثمّ عطف عليه (ولا تكوننّ من المشركين)، وكما قال الشّاعر:
حجّ وأوصى بسليمى الأعبدا ....... أن لا ترى ولا تكلّم أحدا.
ولا يزل شرابها مبرّدا
فجعل قوله: (أن لا ترى) خبرًا، ثمّ عطف بالنّهي فقال: (ولا تكلّم)، (ولا يزل) ). [جامع البيان: 9/ 656-657]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ}: ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإنّ اللّه هو رازقكم وإيّاهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم.
والإملاق: مصدرٌ من قول القائل: أملقت من الزّاد، فأنا أملق إملاقًا، وذلك إذا فني زاده وذهب ماله وأفلس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} الإملاق: الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ}: أي خشية الفاقة.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: الإملاق: الفقر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، قوله: {من إملاقٍ} قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، في قوله: {من إملاقٍ} يعني: من خشية فقرٍ). [جامع البيان: 9/ 657-659]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظّاهر من الأشياء المحرّمة عليكم الّتي هي علانيةٌ بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الّذي تأتونه سرًّا في خفاءٍ لا تجاهرون به، فإنّ كلّ ذلك حرامٌ.
وقد قيل: إنّما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنّهم كانوا يستقبحون من معاني الزّنا بعضًا.
وليس ما قالوا من ذلك بمدفوعٍ، غير أنّ دليل الظّاهر من التّنزيل على النّهي عن ظاهر كلّ فاحشةٍ وباطنها، ولا خبر يقطع العذر بأنّه عني به بعضٌ دون جميعٍ، وغير جائزٍ إحالة ظاهر كتاب اللّه إلى باطنٍ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها.
ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال الآية خاصّ المعنى:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: أمّا ما ظهر منها: فزواني الحوانيت، وأمّا ما بطن: فما خفي.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: كان أهل الجاهليّة يستسرّون بالزّنا، ويرون ذلك حلالاً ما كان سرًّا، فحرّم اللّه السّرّ منه والعلانية، {ما ظهر منها} يعني: العلانية، {وما بطن} يعني: السّرّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ، ويستقبحونه في العلانية، فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية.
وقال آخرون في ذلك بمثل الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: سرّها وعلانيتها.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، نحوه.
وقال آخرون: ما ظهر: نكاح الأمّهات وحلائل الآباء، وما بطن: الزّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر: جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرّجل امرأة أبيه من بعده، وما بطن: الزّنا.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني إسحاق بن زيادٍ العطّار البصريّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق البلخيّ، قال: حدّثنا تميم بن شاكرٍ الباهليّ، عن عيسى بن أبي حفصة، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر الخمر، وما بطن: الزّنا). [جامع البيان: 9/ 659-661]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}.
يقول تعالى ذكره: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}، {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ}، يعني بالنّفس الّتي حرّم اللّه قتلها: نفس مؤمنٍ أو معاهدٍ.
وقوله: {إلاّ بالحقّ} يعني: بما أباح قتلها به من أن تقتل نفسًا فتقتل قودًا بها، أو تزني وهي محصنةٌ فترجم، أو ترتدّ عن دينها الحقّ فتقتل، فذلك الحقّ الّذي أباح اللّه جلّ ثناؤه قتل النّفس الّتي حرّم على المؤمنين قتلها به. {ذلكم} يعني: هذه الأمور الّتي عهد إلينا فيها ربّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور الّتي أوصانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به. {لعلّكم تعقلون} يقول: وصّاكم بذلك لعلّكم تعقلون ما وصّاكم به ربّكم). [جامع البيان: 9/ 661-662]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون (151)}
قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}
- حدّثنا الحسن بن عرفة العبديّ ثنا محمّد بن فضيلٍ عن داود الأوديّ عن عامرٍ عن علقمة عن عبد اللّه أنّه قال: من سرّه أن ينظر إلى وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي عليها خاتمه، فليقرأ: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم إلى قوله: لعلّكم تتّقون.
- حدّثنا أبو مقاتل بن محمّد الرّازيّ ثنا وكيعٌ عن عليّ بن صالحٍ عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن قيسٍ عن ابن عبّاسٍ قال: هنّ الآيات المحكمات: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ثلاث آياتٍ.
قوله: {ألا تشركوا به شيئاً}.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ ثنا ابن أبي مريم أنا نافع بن يزيد حدّثني سيّار بن عبد الرّحمن عن يزيد بن قوذرٍ عن سلمة بن شريحٍ عن عبادة الصّامت قال:
أوصانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبع خصالٍ، ألا تشركوا باللّه شيئاً وإن حرّقتم وقطّعتم وصلّبتم.
قوله تعالى: {وبالوالدين إحساناً}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيّان، في قول اللّه: وبالوالدين إحسانًا، قال: قولوا صدقًا فيما أمركم به، وفيما أمركم به من حقّ الوالدين.
قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ، نحن نرزقكم وإيّاهم}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: الإملاق الفقر. قتلوا أولادهم خشية الفقر.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة: قوله:
{ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: خشية الفاقة، وكان أهل الجاهليّة يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسّبي.
وروي عن الضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
قوله: {ولا تقربوا الفواحش}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة الدّمشقيّ ثنا محمّد بن بكّارٍ ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصينٍ أن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أرأيتم الزّاني والسّارق وشارب الخمر، ما تقولون فيهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «هنّ فواحشٌ وفيهنّ عقوبةٌ».

- أخبرنا أبي ثنا أبو طاهرٍ ثنا ابن وهبٍ ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن محمّد بن عبيدٍ أنّ أبا حازمٍ الرّهاويّ حدّثه أنّه سمع مولاه يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مسألة النّاس من الفواحش».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن المصفّى ثنا محمّد بن حربٍ حدّثني أبو سلمة يعني سليمان بن سليمٍ عن يحيى بن جابرٍ قال: بلغني أنّ من الفواحش الّتي نهى اللّه عنها في كتابه تزويج الرّجل المرأة، فإذا نفضت له ولدها طلّقها من غير ريبةٍ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ ثنا محمّد بن بكّارٍ ثنا أبو معشرٍ عن محمّد بن قيسٍ، في قول اللّه تعالى: {ولا تقربوا الفواحش}، قال: كانوا يمشون حول البيت عراةً.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة عن عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: الفواحش يعني: الزّنا.
قوله: {ما ظهر منها}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ، ويستقبحونه في العلانية، فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية وروي عن عطاءٍ عن عكرمة وأبي صالحٍ وعليّ بن حسينٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن ثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها قال: نكاح الأمّهات والبنات وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان ثنا قيسٌ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ: أمّا ما ظهر منها فقوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم، وقوله: وأن تجمعوا بين الأختين.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن روح بن عبادة ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: ما ظهر منها: الظّلم ظلم النّاس.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا ابن المبارك عن يونس عن الزّهريّ، في قوله: الفواحش ما ظهر منها، قال: العري، وكانوا يطوفون بالبيت عراةً
قوله تعالى: {وما بطن}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ حدّثني عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال: ما بطن السّرّ. وروي عن عكرمة وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن ثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال: ما بطن الزّنا. وروي عن الزّهريّ ومجاهدٍ ومحمّد بن قيسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي حدّثني محمّد بن سعيد بن الأصبهانيّ عن عمرو بن ثابتٍ عن أبيه عن عليّ بن حسينٍ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما بطن: نكاح امرأة الأب.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن روح بن عبادة ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: وما بطن من الفواحش: الزّنا والسّرقة.
قوله: {ولا تقتلوا النّفس}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه تعالى: ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ، يعني: نفس المؤمن.
قوله: {الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم.
قتلها إلا بالحقّ.
قوله: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسينٍ عن الزّهريّ عن أبي إدريس الخولانيّ عن عبادة بن الصّامت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:« أيّكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثّلاث؟» ثمّ تلا:{ قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}، حتّى فرغ من ثلاث آياتٍ، ثمّ قال: «ومن وفّى بهنّ آجره اللّه، ومن انتقص منهنّ شيئًا فأدركه اللّه في الدّنيا كانت عقوبةً، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى اللّه إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه».
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قال: وصيّة اللّه: دين اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1414-1418]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا بكر بن محمّدٍ الصّيرفيّ، بمرو، ثنا عبد الصّمد بن الفضل، ثنا مالك بن إسماعيل النّهديّ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن خليفة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، يقول: إنّ " في الأنعام آياتٍ محكماتٍ، هنّ أمّ الكتاب، ثمّ قرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} الآية «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 347]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار، ثنا محمّد بن مسلمة الواسطيّ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من يبايعني على هذه الآيات» ثمّ قرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} حتّى ختم الآيات الثّلاث، فمن وفّى فأجره على اللّه، ومن انتقص شيئًا أدركه اللّه بها في الدّنيا كانت عقوبته، ومن أخّر إلى الآخرة، كان أمره إلى اللّه، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» إنّما اتّفقا جميعًا على حديث الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة «بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئًا» وقد روى سفيان بن حسينٍ الواسطيّ كلا الحديثين عن الزّهريّ فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما واللّه أعلم "). [المستدرك: 2/ 348]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال: من سرّه أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، فليقرأ هؤلاء الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون. وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 137]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتما فليقرأ هؤلاء الآيات {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى قوله: {لعلهم يتقون}
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث» ثم تلا: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى ثلاث آيات ثم قال: «فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو عبيد، وابن المنذر عن منذرالثوري قال: قال الربيع بن خيثم: أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم قلت: نعم، فقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة الأنعام: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر الآيات.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس، وابن المنذر عن كعب قال: أول ما نزل من التوراة عشر آيات وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخرها.
- وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: سمع كعب رجلا يقرأ: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} فقال كعب: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر الآيات.
- وأخرج ابن سعد عن مزاحم بن زفر قال: قال رجل للربيع بن خيثم: أوصني، قال: ائتني بصحيفة فكتب فيها {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} الآيات، قال: إنما أتيتك لتوصيني قال: عليك بهؤلاء.
- وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى منى وأنا معه وأبو بكر وكان أبو بكر رجلا نسابة فوقف على منازلهم ومضاربهم بمنى فسلم عليهم وردوا السلام وكان في القوم مفروق بن عمرو وهانى ء بن قبيصة والمثنى بن الحارثة والنعمان بن شريك وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق وكان مفروق قد غلب عليهم بيانا ولسانا فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكريظله بثوبه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تأووني وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرني به فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد»، قال له: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} إلى قوله: {تتقون} فقال له مفروق: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90] الآية، فقال له مفروق: دعوت - والله - يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وقال هانى ء بن قبيصة: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش ويعجبني ما تكلمت به ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم - يعني أرض فارس
وأنهار كسرى - ويفرشكم بناتهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال له النعمان بن شريك: اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش»
- فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: 45]، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبي بكر.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق}، قال: من خشية الفاقة، قال: وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبا {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: سرها وعلانيتها.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} قال: خشية الفقر {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: العلانية {وما بطن} قال: السر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هن فواحش وفيهن عقوبة
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي حازم الرهاوي أنه سمع مولاه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مسئله الناس من الفواحش».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن جابر قال: بلغني من الفواحش التي نهى الله عنها في كتابه تزويج الرجل المرأة فإذا نفضت له ولدها طلقها من غير ريبة.
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: نكاح الأمهات والبنات {وما بطن} قال: الزنا.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: ظلم الناس {وما بطن} قال: الزنا والسرقة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تقتلوا النفس} يعني نفس المؤمن التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن قانع والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «ألا إنما هي أربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا فما أنا باشح عليهن مني» إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 6/ 250-256]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول في هذه الآية: {حتى إذا بلغ أشده}، قال ربيعة: الأشد الحلم؛ وتلا هذه الآية: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}، قال ربيعة: وقال الله: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}؛ فكان ربيعة يرى أن الأشد الحلم في هتين الآيتين). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 110] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}: ولا تقربوا ماله إلاّ بما فيه صلاحه وتثميره.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}، قال: التّجارة فيه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}: فليثمر ماله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ العنزيّ، عن سليط بن بلالٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: الّتي هي أحسن: أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل، قال اللّه: {ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}، قال: وسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر اللّه الكسوة إنّما ذكر الأكل.
وأمّا قوله: {حتّى يبلغ أشدّه} فإنّ الأشدّ جمع شدٍّ، كما الأضرّ جمع ضرٍّ، وكما الأشرّ جمع شرٍّ. والشّدّ: القوّة، وهو استحكام قوّة شبابه وسنّه، كما شدّ النّهار ارتفاعه وامتداده، يقال: أتيته شدّ النّهار ومدّ النّهار، وذلك حين امتداده وارتفاعه، وكان المفضّل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:
عهدي به شدّ النّهار كأنّما ....... خضب اللّبان ورأسه بالعظلم
ومنه قول الآخر:
يطيف به شدّ النّهار ظعينة ....... ٌ طويلة أنقاء اليدين سحوق
وكان بعض البصريّين يزعم أنّ الأشدّ اسمٌ مثل الآنك.
فأمّا أهل التّأويل فإنّهم مختلفون في الحين الّذي إذا بلغه الإنسان قيل بلغ أشدّه، فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمّي، قال: أخبرني يحيى بن أيّوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة، في قوله: {حتّى يبلغ أشدّه} قال: الحلم.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله.
قال ابن وهبٍ: وقال لي مالكٌ مثله.
- حدّثت عن الحمّانيّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مجاهدٍ، عن عامرٍ: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: الأشدّ: الحلم، حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السّيّئات.
وقال آخرون: إنّما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: أمّا أشدّه: فثلاثون سنةً، ثمّ جاء بعدها: {حتّى إذا بلغوا النّكاح}.
وفي الكلام محذوفٌ ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عمّا حذف. وذلك أنّ معنى الكلام: ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن، حتّى يبلغ أشدّه، فإذا بلغ أشدّه فآنستم منه رشدًا فادفعوا إليه ماله، لأنّه جلّ ثناؤه لم ينه أن يقرب مال اليتيم في حال يتمه إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه ويحلّ لوليّه بعد بلوغه أشدّه أن يقربه بالّتي هي أسوأ، ولكنّه نهاهم أن يقربوا حياطةً منه له وحفظًا عليه ليسلّموه إليه إذا بلغ أشدّه). [جامع البيان: 9/ 662-665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}.
يقول تعالى ذكره: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا} وأن أوفوا الكيل والميزان، يقول: لا تبخسوا النّاس الكيل إذا كلتوهم، والوزن إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك: إعطاؤهم حقوقهم تامّةً بالقسط، يعني: بالعدل. كما.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بالقسط}: بالعدل.
وقد بيّنّا معنى القسط بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته.
وأمّا قوله: {لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}، فإنّه يقول: لا نكلّف نفسًا من إيفاء الكيل والوزن إلاّ ما يسعها، فيحلّ لها، ولا تحرج فيه. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه علم من عباده أنّ كثيرًا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له، فأمر المعطي بإيفاء ربّ الحقّ حقّه الّذي هو له ولم يكلّفه الزّيادة لما في الزّيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر الّذي له الحقّ بأخذ حقّه ولم يكلّفه الرّضا بأقلّ منه، لما في النّقصان عنه من ضيق نفسه، فلم يكلّف نفسًا منهما إلاّ ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: {لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}.
وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 9/ 665-666]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، وإذا حكمتم بين النّاس فتكلّمتم، فقولوا الحقّ بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الّذي يتوجّه الحقّ عليه والحكم ذا قرابةٍ لكم، ولا يحملنّكم قرابة قريبٍ أو صداقة صديقٍ حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحقّ فيما احتكم إليكم فيه. {وبعهد اللّه أوفوا}، يقول: وبوصيّة اللّه الّتي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنّة رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وذلك هو الوفاء بعهد اللّه.
وأمّا قوله: {ذلكم وصّاكم به}، يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل للعادلين باللّه الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور الّتي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء الّتي عهد إلينا ربّنا ووصّاكم بها ربّكم وأمركم بالعمل بها، لا بالبحائر والسّوائب والوصائل والحام وقتل الأولاد ووأد البنات واتّباع خطوات الشّيطان. {لعلّكم تذكّرون} يقول: أمركم بهذه الأمور الّتي أمركم بها في هاتين الآيتين ووصّاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكّروا عواقب أمركم بهذه الأمور الّتي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصّاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكّروا عواقب أمركم وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها وترتدعوا وتنيبوا إلى طاعة ربّكم.
وكان ابن عبّاسٍ يقول: هذه الآيات هنّ الآيات المحكمات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هنّ الآيات المحكمات، قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيّوب، يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيبٍ، عن مرثد بن عبد اللّه، عن عبيد اللّه بن عديّ بن الخيار، قال: سمع كعب الأحبار، رجلاً يقرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}، فقال: والّذي نفس كعبٍ بيده، إنّ هذا لأوّل شيءٍ في التّوراة: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروقٍ، عن رجلٍ، عن الرّبيع بن خيثم، أنّه قال لرجلٍ: هل لك في صحيفةٍ عليها خاتم محمّدٍ؟ ثمّ قرأ هؤلاء الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا إسحاق الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن عمرو بن مرّة قال: قال الرّبيع: ألا أقرأ عليكم صحيفةً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ لم يقل خاتمها، فقرأ هذه الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: جاء إليه نفرٌ فقالوا: قد جالست أصحاب محمّدٍ فحدّثنا عن الوحي، فقرأ عليهم هذه الآيات من الأنعام: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فما عندنا وحي غيره.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هؤلاء الآيات الّتي أوصى بها من محكم القرآن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، قال: قولوا الحقّ). [جامع البيان: 9/ 666-669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلّا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون (152)}
قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم}
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}
عزلوا أموال اليتامى، حتّى جعل الطّعام يفسد واللّحم ينتن، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم، واللّه يعلم المفسد من المصلح قال: فخالطوهم.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ ثنا حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}
قال: ليس لوليّ اليتيم أن يلبس قلنسوةً ولا عمامةً من ماله، ولكن يده مع يده.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفصٌ عن فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: طلب التّجارة فيه والرّبح فيه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عبد اللّه بن عامر بن زرارة ثنا شريكٌ عن أبي إسحاق، في قوله:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} قال: لا يشتري منه شيئًا، أحسبه الوصيّ.
قوله: {إلا بالّتي هي أحسن}.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن فضيل بن مرزوقٍ عن سليطٍ عن الضّحّاك:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: يبتغي اليتيم في ماله. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن ابن زيد بن أسلم في قوله:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: الّتي هي أحسن أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل. قال اللّه: ومن كان غنيًّا فليستعفف، ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف. فسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر اللّه كسوةً، وإنّما ذكر الأكل.
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان ثنا حسن بن صالحٍ في هذه الآية:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: يبتغي له من فضل اللّه، ولا يكون للّذي يبتغي له فيه من شيءٍ.
قوله: {حتّى يبلغ أشده}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن إدريس عن عبد اللّه بن عثمان بن خيثمٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ: أشدّه، قال: ثلاثٌ وثلاثون. وروي عن مجاهدٍ وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا المنذر بن شاذان ثنا زكريّا بن عديٍّ أنا هشيمٌ عن منصورٍ عن الحسن: أشدّه، قال: أربعون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عمر بن رافعٍ أنبأ هشيمٌ عن مجالدٍ عن الشّعبيّ أنّه قال الأشدّ: الحلم، إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السّيّئات.
وروي عن ربيعة وزيد بن أسلم ومالكٍ، قالوا: الحلم.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: ثماني عشرة سنةً.
الوجه الخامس:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{حتّى يبلغ أشدّه}، أما أشده فثلاثون سنة.
الوجه السادس:
- حدثي أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنا حفص بن عمر ثنا الحكم ابن أبان عن عكرمة، في قوله: {أشدّه}، قال: خمسٌ وعشرون سنةً.
والوجه السّابع:
- ذكر عن أبي معشرٍ عن محمّد بن قيسٍ: قوله: أشدّه
خمس عشرة سنةً.
قوله تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: بالقسط، قال: يعني بالعدل.
قوله تعالى: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} قال: هم المؤمنون، وسّع اللّه عليهم أمر دينهم فقال: ما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ.
قوله: {إلا وسعها}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه:
{إلا وسعها} يعني: إلا طاقتها.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن غيلان ثنا عبدان بن عثمان بن جبلة ثنا عبّاد بن العوّام عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن عامر الشّعبيّ: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} إلا ما عملت لها.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الزّبرقان ثنا فضيل بن عياضٍ عن سفيان، في قوله:
{لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} قال: أداء الفرائض.
قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: وإذا قلتم فاعدلوا، قال: قولوا الحقّ.
قوله تعالى: {ولو كان ذا قربى}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، يعني: ولو كان قرابتك فقل فيه الحقّ.
قوله: {وبعهد اللّه أوفوا}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وبعهد اللّه أوفوا
وقوله في النّحل: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم}، وقوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، يعني: بعد تغليظها وتشديدها.
قوله: {ذلكم وصّاكم به}.
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1418-1421]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا أنزل اللّه: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن}، {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10] انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء من طعامه، فيحبس له حتّى يأكله، أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم " فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ، وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطيه في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} قال: طلب التجارة فيه والربح فيه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، قال: يبتغي لليتيم في ماله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، قال: التي هي أحسن أن يأكل بالمعروف إن افتقر وإن استغنى فلا يأكل، قال الله: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] فسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر الله كسوة وإنما ذكر الأكل.
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة: {ولا تقربوا مال اليتيم} قال: ليس له أن يلبس من ماله قلنسوة ولا عمامة ولكن يده مع يده.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: {حتى يبلغ أشده}، قال: الأشد الحلم إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن قيس في قوله: {حتى يبلغ أشده}، قال: خمس عشرة سنة.
- وأخرج أبو الشيخ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه كان يقول في هذه الآية: الأشد الحلم لقوله: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6].
- وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: الأشد: الحلم.
- وأخرج ابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أوفوا المكيال والميزان بالقسط}، {لا نكلف نفسا إلا وسعها}، فقال: من أوفى على يديه في الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يؤاخذ وذلك تأويل وسعها.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط}
يعني بالعدل، {لا نكلف نفسا إلا وسعها} يعني إلا طاقتها.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بالقسط}، قال: بالعدل.
- وأخرج الترمذي وضعفه، وابن عدي، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر التجار إنكم قد وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم: الميكال والميزان».
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقص قوم الميكال والميزان إلا سلط الله عليهم الجوع».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، قال: قولوا الحق.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، يعني ولو كان قرابتك فقل فيه الحق). [الدر المنثور: 6/ 256-258]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن أبان بن أبي عياش أن رجلا سأل ابن مسعود ما الصراط قال تركنا محمد في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ على تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود: {وأن هذا صراطي مستقيما}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 223]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، فقال: «هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: «وهذه سبل، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، ثمّ تلا: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 112]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}
- أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قال عبد الله: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا خطًّا، وخطّه لنا عاصمٌ فقال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ عن يمين الخطّ وعن شماله فقال: «هذا السّبيل، وهذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه» ثمّ تلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}للخطّ الأوّل، {ولا تتّبعوا السّبل} للخطوط {فتفرّق بكم عن سبيله} ذلكم {وصّاكم به لعلّكم تتّقون}
- أخبرنا الفضل بن العبّاس بن إبراهيم، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد الله، قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، وخطّ عن يمين الخطّ وعن شماله خططًا ثمّ قال: «هذا صراط الله مستقيمًا، وهذه السّبل على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، ثمّ قرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}.
يقول تعالى ذكره: وهذا الّذي وصّاكم به ربّكم أيّها النّاس في هاتين الآيتين من قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الّذي ارتضاه لعباده. {مستقيمًا} يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحقّ. {فاتّبعوه}، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه فاتّبعوه. {ولا تتّبعوا السّبل} يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه من اليهوديّة والنّصرانيّة والمجوسيّة وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل، فإنّها بدعٌ وضلالاتٌ. {فتفرّق بكم عن سبيله} يقول: فيشتّت بكم إن اتّبعتم السّبل المحدثة الّتي ليست للّه بسبلٍ ولا طرقٍ ولا أديانٍ، اتّباعكم عن سبيله، يعني: عن طريقه ودينه الّذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الّذي وصّى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم. {ذلكم وصّاكم به} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي وصّاكم به ربّكم من قوله لكم: إنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل، وصّاكم به لعلّكم تتّقون يقول: لتتّقوا اللّه في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربّكم فيها فلا تسخطوه عليها فيحلّ بكم نقمته وعذابه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تتّبعوا السّبل}: البدع والشّبهات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} وقوله: و{أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} ونحو هذا في القرآن، قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّه إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} يقول: لا تتّبعوا الضّلالات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا خطًّا فقال: «هذا سبيل اللّه، ثمّ خطّ عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا» فقال: هذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليها، ثمّ قرأ هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} فتفرّق بكم عن سبيله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} فتفرّق بكم عن سبيله قال: سبيله الإسلام، وصراطه: الإسلام، نهاهم أن يتّبعوا السّبل سواه، {فتفرّق بكم عن سبيله}: عن الإسلام.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبان، أنّ رجلاً، قال لابن مسعودٍ: ما الصّراط المستقيم؟ قال: تركنا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في أدناه، وطرفه في الجنّة، وعن يمينه جوادٌّ، وعن يساره جوادٌّ، وثمّ رجالٌ يدعون من مرّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النّار، ومن أخذ على الصّراط انتهى به إلى الجنّة، ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا} الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: {وأنّ} بفتح الألف من (أنّ)، وتشديد النّون، ردًّا على قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا، وأنّ هذا صراطي مستقيمًا.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: (وإنّ) بكسر الألف من (إنّ)، وتشديد النّون منها على الابتداء وانقطاعها عن الأوّل، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصيّة الّتي أوصى اللّه بها عباده دونه عندهم.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أنّهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار وعوامّ المسلمين صحيحٌ معنياهما، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيب الحقّ في قراءته. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قد أمر باتّباع سبيله، كما أمر عباده بالأشياء، وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للمشركين: {تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} وما أمركم به، ففتح على ذلك (أنّ) فمصيبٌ. وإن كسرها إذ كانت (التّلاوة) قولاً وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله: (أتل)، وهو يريد إعمال ذلك فيه فمصيبٌ. وإن كسرها بمعنى ابتداءٍ وانقطاعٍ عن الأوّل (والتّلاوة)، وأنّ ما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيبٌ.
وقد قرأ ذلك عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ: (وأن) بفتح الألف من (أن)، وتخفيف النّون منها، بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا، وأن هذا صراطي فخفّفها، إذ كانت (أن) في قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} مخفّفةً، وكانت (أن) في قوله: {وأن هذا صراطي} معطوفةً عليها، فجعلها نظيرة ما عطفت عليه. وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أحبّ القراءة به لشذوذها عن قراءة قرّاء الأمصار وخلاف ما هم عليه في أمصارهم). [جامع البيان: 9/ 669-673]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون (153)}
قوله تبارك وتعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ ثنا أبو خالدٍ الأحمر قال: سمعت مجالدًا يذكره عن الشّعبيّ عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخطّ خطًّا، وخطّ خطّين عن يمينه، وخطّ خطّين عن يساره، ثمّ وضع في الخطّ الأوسط فقال: هذا سبيل اللّه، ثمّ تلا هذه الآية: وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل
قوله: {ولا تتّبعوا السّبل}.
- حدّثنا أبو هارون محمّد بن خالدٍ الخرّاز ثنا عبد اللّه بن الجهم ثنا عمرو بن أبي قيسٍ عن عاصمٍ عن أبي وائلٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطًّا، ثمّ خطّ يمينًا وشمالاً، ثمّ قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}، فقال: هذه السّبل مشتركٌ، وليس من هذه سبيلٍ إلا وعليه شيطانٌ يدعو إليه، ثمّ قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، يقول: لا تتّبعوا الضّلالات.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة عن شبلٍ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات.
قوله تعالى: {فتفرّق بكم عن سبيله}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: نهاهم أن يتّبعوا السّبل سوى الإسلام، فتتفرّق بهم عن سبيله، عن الإسلام.
قوله: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}.
- حدّثنا عصام بن العسقلانيّ بها على شطّ البحر ثنا آدم ثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة عن يحيى أبي النّضر ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك، في قوله: {لعلّكم تتّقون}، يقول: لعلّكم تتّقون النّار بالصّلوات الخمس.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا الفريانيّ ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {لعلّكم تتّقون}، قال: لعلّكم تطيعوه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1421-1422]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تتبعوا السبل يعني البدع والشبهات والضلالات).[تفسير مجاهد: 227]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبّار، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا عاصم بن أبي النّجود، وأخبرني الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، ثنا عاصمٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، ثمّ خطّ عن يمينه، وعن شماله خطوطًا، ثمّ قال: " هذا سبيل اللّه وهذه السّبل على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه، ولا تتّبعوا السّبل، فتفرّق بكم عن سبيله} «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وشاهده لفظًا واحدًا حديث الشّعبيّ، عن جابرٍ من وجهٍ غير معتمدٍ "). [المستدرك: 2/ 348]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}.
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «خطّ لنا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - خطًّا، ثمّ قال: «هذا سبيل اللّه». ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال: « هذه سبلٌ متفرّقةٌ، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه »، ثمّ قرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} ».
رواه أحمد والبزّار، وفيه عاصم بن بهدلة، وهو ثقةٌ، وفيه ضعفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 22]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : أخبرنا إبراهيم بن عليّ بن عبد العزيز العمريّ بالموصل حدّثنا معلّى بن مهديٍّ حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن عاصمٍ عن أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ قال خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا فقال: "هذا سبيل اللّه" ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: "وهذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه" ثمّ تلا {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه} إلى آخر الآية.
- أخبرنا عليّ بن الحسين بن سليمان المعدّل بالفسطاط حدّثنا الحارث بن مسكينٍ حدّثنا ابن وهب حدثنا حمّاد بن زيد.. فذكر نحوه). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 430-431]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أحمد بن عبدة، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا خطًّا، فقال: «هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا، فقال: «هذه سبلٌ متفرّقةٌ، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، وتلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} ، ثمّ وصف لنا ذلك عاصمٌ، ثمّ خطّ عن يمينه وعن شماله.
قلت: له حديثٌ في الصّحيح في الأمل والأجل، غير هذا.
- حدّثنا أبو موسى، ثنا محمّد بن خازمٍ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قلت:...، فذكر نحوه.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، ثنا سفيان، عن أبيه، عن منذرٍ الثّوريّ، عن الرّبيع، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قلت:.... ، فذكر نحوه.
قال البزّار: قد روي عن عبد اللّه نحوه أو قريبًا منه من وجوهٍ). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/ 49]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- قال: "خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطّاً فقال:« هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: هذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه. ثمّ تلا {وأنّ هذا صراطي مستقيماً ... } الآية".
قلت: رواه النّسائيّ في التّفسير من طريق أبي بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه ... فذكره.
وفي التفسير، من طريق حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ به.
- ورواه ابن حبّان في صحيحه: أبنا إبراهيم بن علي بن عبد العزيزالعمري بالموصل، ثنا معلّى بن مهديٍّ، ثنا حمّاد بن زيد ... فذكره.
- قال: وأبنا عليّ بن الحسين بن سليمان المعدّل بالفسطاط، ثنا الحارث بن مسكينٍ، ثنا ابن وهبٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 207-208]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ- رضي اللّه عنه- قال: "كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فخطّ خطّا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل اللّه- عزّ وجلّ- وخطّين عن يمينه، وخطّين عن شماله فقال: هذا سبيل الشّيطان». ثمّ وضع يده في الخطّ الأوسط ثمّ تلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون} .
مجالد ضعيف.
- وقال إسحاق بن راهويه: أبنا أبو أسامة، عن بعض المكّيّين، عن مجاهدٍ "في قوله تعالى: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} قال: البدع والشّبهات".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 208]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا (أبو) أسامة عن بعض المكّيّين، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 643]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :
- أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} قال: اعلموا إنما السبيل سبيل واحد جماعة الهدى ومصيره الجنة وإن إبليس اشترع سبلا متفرقة جماعها الضلالة ومصيرها النار.
- وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والنسائي والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
- وأخرج أحمد، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال كنا جلوسا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله» وقال: «هذا سبيل الشيطان»، ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن مسعود أن رجلا سأله ما الصراط المستقيم قال:« تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {ولا تتبعوا السبل} قال: الضلالات.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولا تتبعوا السبل} قال: البدع والشبهات). [الدر المنثور: 6/ 258-260]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 05:21 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئاً...}
إن شئت جعلت (لا تشركوا) نهيا أدخلت عليه (أن). وإن شئت جعلته خبرا و(تشركوا) في موضع نصب؛ كقولك: أمرتك ألاّ تذهب (نصب) إلى زيد، وأن لا تذهب (جزم)، وإن شئت جعلت ما نسقته على (ألاّ تشركوا به) بعضه جزما ونصبا بعضه؛ كما قال: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ}، فنصب أوله ونهى عن آخره؛ كما قال الشاعر:
حجّ وأوصى بسليمي الأعبدا ....... ألاّ ترى ولا تكلم أحدا
وقال:
ولا تمشّ بفضاء بعدا ....... ....). [معاني القرآن: 1/ 365]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {من إملاق} يقال: أملق إملاقًا؛ أي أفلس وأبلط إبلاطًا مثله، وهو مبلط، وقالوا أيضًا: أملق إذا أفسد وأسرف.وقال أوس في مثله:
لما رأيت العدم قيد نائلي = وأملق ما عندي خطوب تنبل
أي تجل وتعظم.
[وقال محمد بن صالح]:
تأخذ الأنبل فالأنبل من مالي.
[وزاد محمد]:
أملق الرجل إملاقا، ورجل ملق: للذي يعدك فيخلفك، ويتزين بما ليس فيه؛ وقالوا: ملقت الإناء أملقه ملقًا: غسلته، وملقته بالسوط: ضربته؛ وصفي ملق، وملاق وهو الملق). [معاني القرآن لقطرب: 555]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وبالوالدين إحسانا}

فنوى الخبر في أوّله ونهى في آخره.
أي:وأحسنوا بالوالدين إحسانا،قال ابن عباس:الآيات المحكمات{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}إلى آخر ثلاث آيات). [معاني القرآن: 2/ 516]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق}
قال قتادة: "الإملاق" الفاقة. وقال الضحاك: كان أحدهم إذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر). [معاني القرآن: 2/ 516-517]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
قال قتادة: يعني سرها وعلانيتها. قال: وكانوا يسرون الزنا بالحرة ويظهرونه بالأمة.
قال مجاهد: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن التجارة فيه، ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض). [معاني القرآن: 2/ 517]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({من إملاق} أي: من فقر). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ)

قال: والجزم في هذه الآية أحبّ إليّ لقوله: {وأوفوا الكيل}. فجعلت أوّله نهيا لقوله: {وأوفوا الكيل}). [معاني القرآن:1/ 365]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} من ذهاب ما في أيديكم؛ يقال: أملق فلان، أي ذهب ماله، واحتاج، وأقفر مثلها). [مجاز القرآن:1/ 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إملاق}: فقر يقال أملق فلان إذا افتقر). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الإملاق) الفقر. يقال: أملق الرجل فهو مملق: إذا افتقر). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}
{قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}
فـ "ما" في موضع نصب إن شئت بـ (أتل).
والمعنى تعالوا أتل الذي حرّم ربكم عليكم، وجائز أن تكون " ما " منصوبة بـ {حرّم} لأن التلاوة بمنزلة القول.
كأنه قال: أقول أي شيء حرّم ربكم عليكم، أهذا أم هذا، فجائز أن يكون الذي تلاه عليهم قوله: {إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
ويكون {ألّا تشركوا} منصوبة بمعنى طرح اللام أي: أبين لكم الحرام لئلا تشركوا به شيئا، لأنهم إذا حرّموا ما أحل اللّه فقد جعلوا غير اللّه - في القبول منه - بمنزلة الله جلّ وعزّ فصاروا بذلك مشركين.
ويجوز أن يكون {ألّا تشركوا} محمولا على المعنى، فيكون: " أتل عليكم ألّا تشركوا به شيئا "
فالمعنى أتل عليكم تحريم الشرك به.
وجائز أن يكون على معنى أوصيكم {ألّا تشركوا به شيئا} لأن قوله: {وبالوالدين إحسانا} محمول على معنى أوصيكم بالوالدين إحسانا.
وقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} أي لا تقتلوا أولادكم من فقر، أي من خوف فقر.
{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} بدل من الفواحش في موضع نصب، المعنى: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، جاء في التفسير أنّ ما بطن منها الزنا، وما ظهر اتخاذ الأخدان والأصدقاء على جهة الريبة.
وظاهر الكلام أن الذي جرى من الشرك باللّه عزّ وجلّ وقتل الأولاد وجميع ما حرّموه مما أحل اللّه عزّ وجلّ فواحش، فقال: ولا تقربوا هذه الفواحش مظهرين ولا مبطنين، واللّه أعلم.
وقوله: {ذلكم وصّاكم به} يدل على أن معنى {ألّا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}). [معاني القرآن: 2/ 303-304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} قيل الذي تلاه عليهم {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} إلى آخر الآية، ويكون معنى أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا كذا هذا أن تقولوا.
وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا يجوز عند البصريين حذف "لا" وقيل المعنى: وصاكم أن لا تشركوا، وقيل المعنى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} أنه بين ما حرم فقال {ألا تشركوا به شيئا}). [معاني القرآن:
2/ 515-516]
: (و(الإملاق) الفقر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إمْلاَقٍ}: فقر). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسا إلّا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون}
قال بعضهم: التي هي أحسن ركوب دابته واستخدام خادمه، وليس في الظاهر أن هذا هو المراد، وإنما التي هي أحسن حفظ ماله عليه، وتثميره بما وجد إليه السبيل.
قوله: {حتّى يبلغ أشدّه}
"حتّى" محمولة على المعنى، المعنى: احفظوه عليه حتّى يبلغ أشدّه؛ أي فإذا بلغ أشده فادفعوه إليه. وبلوغ أشده أن يؤنس منه الرّشد مع أن يكون بالغا.
وقال بعضهم: {حتّى يبلغ أشدّه} حتى يبلغ ثماني عشرة سنة، ولست أعرف ما وجه ذلك بأن يبلغ قبل الثماني عشرة وقد أنس منه رشدا فدفع ماله إليه واجب.
وقوله جلّ وعزّ: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}
أي إذا شهدتم أو حكمتم فاعدلوا، ولو كان المشهود عليه أو له ذا قربى). [معاني القرآن: 2/ 304-305]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ(ت:207هـ): (وقوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً...}
تكسر إنّ إذا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها.
وإن شئت جعلتها خفصا، تريد {ذالكم وصّاكم به} و{وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه}.
وقوله: {ولا تتّبعوا السّبل} يعني اليهودية والنصرانية. يقول: لا تتبعوها فتضلوا). [معاني القرآن: 1/ 365]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {وأن هذا صراطي مستقيما}.
ابن أبي إسحاق {وأن هذا صراطي مستقيما}؛ وقد فسرنا ذلك في صدر الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 533]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} يريد السبل التي تعدل عنه يمينا وشمالا. والعرب يقول: الزم الطريق ودع البنيات). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأنَّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه}
وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب (وأن هذا صراطي مستقيما) بتخفيف "أن"، وتقرأ "إن" بكسر الهمزة.
- فمن قرأ "وأن" هذا فهو عنده بمعنى: واتل عليهم أن هذا.. ويجوز أن يكون المعنى: ووصاكم بـأن هذا..
- ومن قرأ بتخفيف "أن" فيجوز أن يكون معناه على هذا ويجوز أن تكون أن زائدة للتوكيد كما قال جل وعز: {فلما أن جاء البشير}
ومن قرأ وأن هذا قطعه مما قبله. وروي عن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه خطّ خطا في الأرض فقال: هكذا الصراط المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان.
قال مجاهد: السبل البدع والشبهات). [معاني القرآن: 2/ 517-519]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:23 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وأنشد:

إني كأني لدى النعمان خيره ....... بعض الأود حديثًا غير مكذوب

والأولاد جمع في هذا البيت. ومثله {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}جمع شدٍ في قول الفراء.وسئل المازني عن الأود فقال:جمع دل على واحد).[مجالس ثعلب: 540]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبنيات الطريق: هي البدع؛ قال الله عز وجل: {هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} يعني: البنيات). [تعبير الرؤيا: 206]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}. قال: أهل البصرة يخففونها يريدون معنى الثقيلة). [مجالس ثعلب: 419]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون (151)}
هذا أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر، وتعالوا معناه أقبلوا، وأصله من العلو فكأن الدعاء لما كان أمرا من الداعي استعمل فيه ترفيع المدعو، وتعالى هو مطاوع عالى، إذ تفاعل هو مطاوع فاعل.
وأتل معناه اسردوا نص من التلاوة التي يصح هي اتباع بعض الحروف بعضا، وما نصب بقوله أتل وهي بمعنى الذي، وقال الزجّاج أن يكون قوله أتل معلقا عن العمل وما نصب ب حرّم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قلق وأن في قوله {أن لا تشركوا} يصح أن تكون في موضع رفع الابتداء والتقدير، الأمر أن أو ذلك أن، ويصح أن تكون في موضع نصب على البدل من ما قاله مكي وغيره.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والمعنى يبطله فتأمله، ويصح أن يكون مفعولا من أجله التقدير إرادة أن لا تشركوا به شيئا، إلا أن هذا التأويل يخرج أن لا تشركوا من المتلو ويجعله سببا لتلاوة المحرمات، وتشركوا يصح أن يكون منصوبا بأن، ويتوجه أن يكون مجزوما بالنهي وهو الصحيح في المعنى المقصود، وأن قد توصل بما نصبته، وقد توصل بالفعل المجزوم بالأمر والنهي، وشيئاً عام يراد به كل معبود من دون الله، وإحساناً نصب على المصدر وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانا والمحرمات تنفك من هذه المذكورات بالمعنى وهي الإشراك والعقوق وقرب الفواحش وقتل النفس وقال كعب الأحبار: هذه الآيات مفتتح التوراة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم إلى آخر الآية}، وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة، وقد قيل إنها العشر الكلمات المنزلة على موسى، وإن اعترض من قال إن تشركوا منصوب بأن بعطف المجزومات عليه فذلك موجود في كلام العرب، وأنشد الطبري حجة لذلك: [الرجز].
حج وأوصى بسليمى الأعبدا .......أن لا ترى ولا تكلم أحدا
ولا يزل شرابها مبرّدا
وقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم} نهي عن عادة العرب في وأد البنات، والولد يعم الذكر والأنثى من البنين، و {الإملاق} الفقر وعدم المال، قاله ابن عباس وغيره، يقال أملق الرجل إذا افتقر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: ويشبه أن يكون معناه أملق أي لم يبق له إلا الملق كما قالوا أترب إذا لم يبق له إلا التراب وأرمل إذا لم يبق له إلا الرمل، والملق الحجارة السود واحدته ملقة، وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق، ويقال أملق ماله بمعنى أنفقه، وذكر أن عليا قال لامرأة أملقي من مالك ما شئت وذكر النقاش عن محمد بن نعيم الترمذي أنه السرف في الإنفاق، وحكى أيضا النقاش عن مؤرج أنه قال: الإملاق الجوع بلغة لخم.
وقوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي، و {ظهر وبطن} حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء، وذهب بعض المفسرين إلى أن القصد بهذه الآية أشياء مخصصات، فقال السدي وابن عباس: ما ظهر هو زنا الحوانيت الشهير، وما بطن هو متخذات الأخدان، وكانوا يستقبحون الشهير وحده فحرم الله الجميع، وقال مجاهد ما ظهر هو نكاح حلائل الآباء ونحو ذلك، وما بطن هو الزنا إلى غير هذا من تخصيص لا تقوم عليه حجة، بل هو دعوى مجردة، وقوله تعالى: {ولا تقتلوا} الآية متضمنة تحريم قتل النفس المسلمة والمعاهدة، ومعنى الآية إلّا بالحقّ الذي يوجب قتلها وقد بينته الشريعة وهو الكفر بالله وقتل النفس والزنا بعد الإحصان والحرابة وما تشعب من ذلك، وذلكم إشارة إلى هذه المحرمات، و الوصية الأمر المؤكد المقرر ومنه قول الشاعر: [الطويل]
أجدّك لم تسمع وصاة محمّد....... نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا
وقوله {لعلّكم} ترج بالإضافة إلينا أي من سمع هذه الوصية ترجى وقوع أثر العقل بعدها والميز بالمنافع والمضار في الدين).[المحرر الوجيز: 3/ 489-492]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : قوله عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون (152)}
هذا نهي عن القرب الذي يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة، ثم استثنى ما يحسن وهو التثمير والسعي في نمائه، قال مجاهد: بالّتي هي أحسن
التجارة فيه ممن كان من الناظرين له مال يعيش به، فالأحسن إذا ثمر مال يتيم أن لا يأخذ منه نفقة ولا أجرة ولا غيرها من كان من الناظرين لا مال له ولا يتفق له نظر إلا بأن ينفق على نفسه من ربح نظره وإلا دعته الضرورة إلى ترك مال اليتيم دون نظر فالأحسن أن ينظر ويأكل بالمعروف، قاله ابن زيد، و الأشد جمع شد وجمع شدة، وهو هنا الحزم والنظر في الأمور وحسن التصرف فيها.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وليس هذا بالأشد المقرون ببلوغ الأربعين، بل هذا يكون مع صغر السن في ناس كثير وتلك الأشد هي التجارب والعقل المحنك، ولكن قد خلطهما المفسرون، وقال ربيعة والشعبي ومالك فيما روي عنه وأبو حنيفة، بلوغ الأشد البلوغ مع أن لا يثبت سفه، وقال السدي:
الأشد ثلاثون سنة، وقالت فرقة ثلاثة وثلاثون سنة، وحكى الزجاج عن فرقة ثمانية عشرة سنة، وضعّفه ورجح البلوغ مع الرشد وحكى النقاش أن الأشد هنا من خمسة عشر إلى ثلاثين، والفقه ما رجح الزجّاج، وهو قول مالك رحمه الله الرشد وزوال السفه مع البلوغ.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا أصح الأقوال وأليقها بهذا الموضع، وقوله تعالى: وأوفوا الكيل والميزان
الآية أمر بالاعتدال في الأخذ والإعطاء، و القسط العدل، وقوله لا نكلّف نفساً إلّا وسعها
يقتضي أن هذه الأوامر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز لا أنه مطالب بغاية العدل في نفس الشيء المتصرف فيه، قال الطبري: لما كان الذي يعطي ناقصا يتكلف في ذلك مشقة والذي يعطي زائدا يتكلف أيضا مثل ذلك، رفع الله عز وجل الأمر بالمعادلة حتى يتكلف واحد منهما مشقة، وقوله وإذا قلتم فاعدلوا يتضمن الشهادات والأحكام والتوسط بين الناس وغير ذلك، أي ولو كان ميل الحق على قراباتكم، وقوله: وبعهد اللّه يحتمل أن يراد جميع ما عهده الله إلى عباده، ويحتمل أن يراد به جميع ذلك مع جميع ما انعقد بين إنسانين وأضاف ذلك العهد إلى الله من حيث قد أمر بحفظه والوفاء به، وقوله لعلّكم ترجّ بحسبنا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «تذكّرون» بتشديد الذال والكاف جميعا وكذلك «يذّكّرون» و «يذكّر الإنسان» وما جرى من ذلك مشددا كله، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر كل ذلك بالتشديد إلا قوله: {أولا يذكر الإنسان} [مريم: 67] فإنهم خففوها، وروى أبان وحفص عن عاصم «تذكرون» خفيفة الذال في كل القرآن.
وقرأ حمزة والكسائي «تذكرون» بتخفيف الذال إذا كان الفعل بالتاء، وإذا كان بالياء قرأه بالتشديد، وقرأ حمزة وحده في سورة الفرقان: {لمن أراد أن يذّكّر} [الآية: 62] بسكون الذال وتخفيف الكاف، وقرأ ذلك الكسائي بتشديدهما وفتحهما). [المحرر الوجيز: 3/ 492-494]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : قوله عز وجل: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون (153)}
الإشارة هي إلى الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بجملته، وقال الطبري: الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت من قوله قل تعالوا أتل قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «وأنّ هذا» بفتح الهمزة وتشديد النون «صراطي» ساكن الياء، وقرأ حمزة والكسائي «وإنّ» بكسر الألف وتشديد النون، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق وابن عامر من السبعة «وأن» بفتح الهمزة وسكون النون «صراطي» مفتوح الياء، فأما من فتح الألف فالمعنى عنده كأنه قال ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، أي اتبعوه لكونه كذا وتكون الواو على هذا إنما عطفت جملة على جملة، ويصح غير هذا أن يعطف على «ان لا تشركوا» وكأن المحرم من هذا اتباع السبل والتنكيب عن الصراط الأقوم، ومن قرأ بتخفيف النون عطف على قوله «أن لا تشركوا» ومذهب سيبويه أنها المخففة من الثقيلة، وأن التقدير وأنه هذا صراطي، ومن قرأ بكسر الألف وتشديد النون فكأنه استأنف الكلام وقطعه من الأول، وفي مصحف ابن مسعود «وهذا صراطي» بحذف أن، وقال ابن مسعود إن الله جعل طريقا صراطا مستقيما طرفه محمد عليه السلام وشرعه ونهايته الجنة، وتتشعب منه طرق فمن سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار وقال أيضا خط لنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا، فقال: «هذا سبيل الله»، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطا فقال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها»، ثم قرأ هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذه الآية تعلم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد وتقدم القول في ذلكم وصّاكم، وفي قوله لعلّكم ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبارة لعلكم تعقلون، والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر، وركوب الجادة الكاملة يتضمن فعل الفضائل، وتلك درجة التقوى جاءت العبارة: {لعلكم تتقون}). [المحرر الوجيز: 3/ 494-495]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون (151)}
قال داود الأودي، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: من أراد أن يقرأ صحيفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا} إلى قوله: {لعلّكم تتّقون}
وقال الحاكم في مستدركه: حدّثنا بكر بن محمّدٍ الصّيرفيّ بمروٍ، حدّثنا عبد الصّمد بن الفضل، حدّثنا مالك بن إسماعيل النّهدي، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن خليفة قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: في الأنعام آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب، ثمّ قرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا}.
ثمّ قال: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
قلت: ورواه زهير وقيس بن الرّبيع كلاهما عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيسٍ، عن ابن عبّاسٍ، به. واللّه أعلم.
وروى الحاكم أيضًا في مستدركه من حديث يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصّامت قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّكم يبايعني على ثلاثٍ؟ » -ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} حتّى فرغ من الآيات -فمن وفّى فأجره على اللّه، ومن انتقص منهنّ شيئًا فأدركه اللّه به في الدّنيا كانت عقوبته ومن أخّر إلى الآخرة فأمره إلى اللّه، إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه".
ثمّ قال: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه. وإنّما اتّفقا على حديث الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة: "بايعوني على ألّا تشركوا باللّه شيئًا" الحديث. وقد روى سفيان بن حسين كلا الحديثين، فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما، واللّه أعلم.
وأمّا تفسيرها فيقول تعالى لنبيّه ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل يا محمّد} -لهؤلاء المشركين الّذين أشركوا و عبدوا غير اللّه، وحرّموا ما رزقهم اللّه، وقتلوا أولادهم وكلّ ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشّياطين لهم، {قل} لهم {تعالوا} أي: هلمّوا وأقبلوا: {أتل ما حرّم ربّكم عليكم} أي: أقصّ عليكم وأخبركم بما حرّم ربّكم عليكم حقًّا لا تخرّصًا، ولا ظنًّا، بل وحيًا منه وأمرًا من عنده: {ألا تشركوا به شيئًا} وكأنّ في الكلام محذوفًا دلّ عليه السّياق، وتقديره: وأوصاكم {ألا تشركوا به شيئًا}؛ ولهذا قال في آخر الآية: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون} وكما قال الشّاعر:
حجّ وأوصى بسليمى الأعبدا....... أن لا ترى ولا تكلّم أحدا

ولا يزل شرابها مبرّدا.
وتقول العرب: أمرتك ألّا تقوم.
وفي الصّحيحين من حديث أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتاني جبريل فبشّرني أنّه من مات لا يشرك باللّه شيئًا من أمّتك، دخل الجنّة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، وإن شرب الخمر»: وفي بعض الرّوايات أنّ القائل ذلك إنّما هو أبو ذرٍّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه، عليه السّلام، قال في الثّالثة: «وإن رغم أنف أبي ذرٍّ» فكان أبو ذرٍّ يقول بعد تمام الحديث: وإن رغم أنف أبي ذرٍّ.
وفي بعض المسانيد والسّنن عن أبي ذرٍّ [رضي اللّه عنه] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول اللّه تعالى: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني فإنّي أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئةً أتيتك بقرابها مغفرةً ما لم تشرك بي شيئًا، وإن أخطأت حتّى تبلغ خطاياك عنان السّماء ثمّ استغفرتني، غفرت لك».
ولهذا شاهدٌ في القرآن، قال اللّه تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء: 48، 116].
وفي صحيح مسلمٍ عن ابن مسعودٍ: "من مات لا يشرك باللّه شيئًا، دخل الجنّة" والآيات والأحاديث في هذا كثيرةٌ جدًّا.
وروى ابن مردويه من حديث عبادة وأبي الدّرداء: "لا تشركوا باللّه شيئًا، وإن قطّعتم أو صلّبتم أو حرّقتم".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عوف الحمصي، حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا نافع بن يزيد حدّثني سيّار بن عبد الرّحمن، عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصّامت قال: أوصانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبع خصالٍ: «ألّا تشركوا باللّه شيئًا، وإن حرّقتم وقطّعتم وصلّبتم».
وقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} أي: وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانًا، أي: أن تحسنوا إليهم، كما قال تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء:23].
وقرأ بعضهم: "ووصّى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا".
واللّه تعالى كثيرًا ما يقرن بين طاعته وبرّ الوالدين، كما قال: {أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدّنيا معروفًا واتّبع سبيل من أناب إليّ ثمّ إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون} [لقمان:14، 15]. فأمر بالإحسان إليهما، وإن كانا مشركين بحسبهما، وقال تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه وبالوالدين إحسانًا} الآية. [البقرة:83]. والآيات في هذا كثيرةٌ. وفي الصّحيحين عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الصّلاة على وقتها». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «برّ الوالدين». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «الجهاد في سبيل اللّه». قال ابن مسعودٍ: حدّثني بهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولو استزدته لزادني.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن أبي الدّرداء، وعن عبادة بن الصّامت، كلٌّ منهما يقول: أوصاني خليلي صلّى اللّه عليه وسلّم: «أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدّنيا، فافعل».
ولكن في إسناديهما ضعفٌ، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم} لمّا أوصى تعالى ببرّ الآباء والأجداد، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} وذلك أنّهم كانوا يقتلون أولادهم كما سوّلت لهم الشّياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربّما قتلوا بعض الذّكور خيفة الافتقار؛ ولهذا جاء في الصّحيحين، من حديث عبد اللّه ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قلت: يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك». قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون [ومن يفعل ذلك يلق أثامًا]} [الفرقان:68].
وقوله: {من إملاقٍ} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة، والسّدّي: هو الفقر، أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة "سبحان": {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء:31]، أي: خشية حصول فقرٍ، في الآجل؛ ولهذا قال هناك: {نحن نرزقهم وإيّاكم} فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على اللّه. وأمّا في هذه الآية فلمّا كان الفقر حاصلًا قال: {نحن نرزقكم وإيّاهم}؛ لأنّه الأهمّ هاهنا، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} كقوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [الأعراف:33]. وقد تقدّم تفسيرها في قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام:12].
وفي الصّحيحين، عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا أحد أغير من اللّه، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن».
وقال عبد الملك بن عمير، عن ورّاد، عن مولاه المغيّرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت مع امرأتي رجلًا لضربته بالسّيف غير مصفح. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أتعجبون من غيرة سعدٍ! فواللّه لأنا أغير من سعدٍ، واللّه أغير منّي، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن". أخرجاه.
وقال كاملٌ أبو العلاء، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول اللّه، إنّا. نغار. قال: «واللّه إنّي لأغار، واللّه أغير منّي، ومن غيرته نهى عن الفواحش».
رواه ابن مردويه، ولم يخرّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتّة، وهو على شرط التّرمذيّ، فقد روي بهذا السّند: "أعمار أمّتي ما بين السّتّين إلى السّبعين".
وقوله تعالى: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ} وهذا ممّا نصّ تبارك وتعالى على النّهي عنه تأكيدًا، وإلّا فهو داخلٌ في النّهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقد جاء في الصّحيحين، عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه إلّا بإحدى ثلاثٍ: الثّيّب الزّاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وفي لفظٍ لمسلمٍ والّذي لا إله غيره لا يحلّ دم رجلٍ مسلمٍ = " وذكره، قال الأعمش: فحدّثت به إبراهيم، فحدّثني عن الأسود، عن عائشة [رضي اللّه عنها]، بمثله.
وروى أبو داود، والنّسائيّ، عن عائشة، رضي اللّه عنها؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاث خصالٍ: زانٍ محصن يرجم، ورجلٍ قتل رجلا متعمّدا فيقتل، ورجلٍ يخرج من الإسلام حارب اللّه ورسوله، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض». وهذا لفظ النّسائيّ.
وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه، أنّه قال وهو محصورٌ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاثٍ: رجلٍ كفر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفسٍ». فواللّه ما زنيت في جاهليّةٍ ولا إسلامٍ، ولا تمنّيت أنّ لي بديني بدلًا منه بعد إذ هداني اللّه، ولا قتلت نفسًا، فبم تقتلونني. رواه الإمام أحمد، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه. وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ.
وقد جاء النّهي والزّجر والوعيد في قتل المعاهد -وهو المستأمن من أهل الحرب -كما رواه البخاريّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا».
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قتل معاهدًا له ذمّة اللّه وذمّة رسوله، فقد أخفر بذمّة اللّه، فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا».
رواه ابن ماجه، والتّرمذيّ وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وقوله: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون} أي: هذا ما وصّاكم به لعلّكم تعقلون عنه أمره ونهيه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 359-363]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون (152)}
قال عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أنزل اللّه: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} و {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} الآية [النّساء:10]، فانطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء فيحبس له حتى يأكله ويفسد. فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ]: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة:220]، قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم. رواه أبو داود.
وقوله: {حتّى يبلغ أشدّه} قال الشّعبيّ، ومالكٌ، وغير واحدٍ من السّلف: يعني: حتّى يحتلم.
وقال السّدّي: حتّى يبلغ ثلاثين سنةً، وقيل: أربعون سنةً، وقيل: ستّون سنةً. قال: وهذا كلّه بعيدٌ هاهنا، واللّه أعلم.
وقوله: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعّد على تركه في قوله تعالى: {ويلٌ للمطفّفين * الّذين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظنّ أولئك أنّهم مبعوثون * ليومٍ عظيمٍ * يوم يقوم النّاس لربّ العالمين} [المطفّفين:1 -6]. وقد أهلك اللّه أمّةً من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.
وفي كتاب الجامع لأبي عيسى التّرمذيّ، من حديث الحسين بن قيسٍ أبي عليٍّ الرّحبي، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحاب الكيل والميزان: «إنّكم ولّيتم أمرًا هلكت فيه الأمم السّالفة قبلكم». ثمّ قال: لا نعرفه مرفوعًا إلّا من حديث الحسين، وهو ضعيفٌ في الحديث، وقد روي بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عبّاسٍ موقوفًا.
قلت: وقد رواه ابن مردويه في تفسيره، من حديث شريك، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّكم معشر الموالي قد بشّركم اللّه بخصلتين بها هلكت القرون المتقدّمة: المكيال والميزان».
وقوله تعالى: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها}، أي: من اجتهد في أداء الحقّ وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه.
وقد روى ابن مردويه من حديث بقيّة، عن مبشر بن عبيدٍ، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} فقال: «من أوفى على يده في الكيل والميزان، واللّه يعلم صحّة نيّته بالوفاء فيهما، لم يؤاخذ». وذلك تأويل: {وسعها} هذا مرسل غريب.
وقوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} كما قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه [ولو على أنفسكم]} [المائدة:8]، وكذا الّتي تشبهها في سورة النّساء [الآية:135]، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال، على القريب والبعيد، واللّه تعالى يأمر بالعدل لكلّ أحدٍ، في كلّ وقتٍ، وفي كلّ حالٍ.
وقوله: {وبعهد اللّه أوفوا} قال ابن جريرٍ: يقول وبوصيّة اللّه الّتي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنّة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد اللّه.
{ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون} يقول تعالى: هذا وصّاكم به، وأمركم به، وأكّد عليكم فيه {لعلّكم تذكّرون} أي: تتّعظون وتنتهون عمّا كنتم فيه قبل هذا، وقرأ بعضهم بتشديد "الذّال"، وآخرون بتخفيفها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 363-365]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون (153)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، وقوله: {أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} [الشّورى:13]، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّه إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه ونحو هذا. قاله مجاهدٌ، وغير واحدٍ.
وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا الأسود بن عامرٍ: شاذان، حدّثنا أبو بكرٍ -هو ابن عيّاشٍ -عن عاصمٍ -هو ابن أبي النّجود -عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه -قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطًّا بيده، ثمّ قال: «هذا سبيل اللّه مستقيمًا». وخطّ على يمينه وشماله، ثمّ قال: «هذه السّبل ليس منها سبيلٌ إلّا عليه شيطانٌ يدعو إليه». ثمّ قرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}
وكذا رواه الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبّار، عن أبي بكر بن عيّاشٍ، به. وقال: صحيح [الإسناد] ولم يخرّجاه.
وهكذا رواه أبو جعفرٍ الرّازيّ، وورقاء وعمرو بن أبي قيسٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ شقيق ابن سلمة، عن ابن مسعودٍ به مرفوعًا نحوه.
وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدّد والنّسائيّ، عن يحيى بن حبيب بن عربيٍّ -وابن حبّان، من حديث ابن وهب -أربعتهم عن حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، به.
وكذا رواه ابن جريرٍ، عن المثنّى، عن الحمّاني، عن حمّاد بن زيدٍ، به.
ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن سليمان بن حربٍ، عن حمّاد بن زيدٍ، به كذلك. وقال: صحيحٌ ولم يخرّجاه.
وقد روى هذا الحديث النّسائيّ والحاكم، من حديث أحمد بن عبد اللّه بن يونس، عن أبي بكر ابن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ. به مرفوعًا.
وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحمّانيّ، عن أبي بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، به.
فقد صحّحه الحاكم كما رأيت من الطّريقين، ولعلّ هذا الحديث عند عاصم بن أبي النّجود، عن زرٍّ، وعن أبي وائلٍ شقيق بن سلمة كلاهما عن ابن مسعودٍ، به، واللّه أعلم.
قال الحاكم: وشاهد هذا الحديث حديث الشّعبيّ عن جابرٍ، من وجهٍ غير معتمدٍ.
يشير إلى الحديث الّذي قال الإمام أحمد، وعبد بن حميدٍ جميعًا -واللّفظ لأحمد: حدّثنا عبد الله بن محمد -وهو أبو بكر بن أبي شيبة -أنبأنا أبو خالدٍ الأحمر، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فخطّ خطًّا هكذا أمامه، فقال: «هذا سبيل اللّه». وخطّين عن يمينه، وخطّين عن شماله، وقال: «هذه سبيل الشّيطان». ثمّ وضع يده في الخطّ الأوسط، ثمّ تلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}
ورواه ابن ماجه في كتاب السّنة من سننه، والبزّار عن أبي سعيد بن عبد اللّه بن سعيدٍ، عن أبي خالدٍ الأحمر، به.
قلت: ورواه الحافظ ابن مردويه من طريقين، عن أبي سعيدٍ الكنديّ، حدّثنا أبو خالدٍ، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطًّا، وخطّ عن يمينه خطًّا، وخطّ عن يساره خطًّا، ووضع يده على الخطّ الأوسط وتلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}.
ولكنّ العمدة على حديث ابن مسعودٍ، مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثّرًا، وقد روي موقوفًا عليه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمر، عن أبان؛ أنّ رجلًا قال لابن مسعودٍ: ما الصّراط المستقيم؟ قال: تركنا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في أدناه، وطرفه في الجنّة، وعن يمينه جوادّ، وعن يساره جوادّ، وثمّ رجالٌ يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النّار، ومن أخذ على الصّراط انتهى به إلى الجنّة. ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ... الآية}.
وقال ابن مردويه: حدّثنا أبو عمرٍو، حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب، حدّثنا آدم، حدثنا إسماعيل ابن عيّاش، حدّثنا أبان بن عيّاشٍ، عن مسلم بن أبي عمران، عن عبد اللّه بن عمر: سأل عبد اللّه عن الصّراط المستقيم، فقال [له] ابن مسعودٍ: تركنا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في أدناه، وطرفه في الجنّة، وذكر تمام الحديث كما تقدّم، واللّه أعلم.
وقد روي من حديث النّوّاس بن سمعان نحوه، قال الإمام أحمد: حدّثنا الحسن بن سوّار أبو العلاء، حدّثنا ليث -يعني ابن سعدٍ -عن معاوية بن صالحٍ؛ أنّ عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ حدّثه، عن أبيه، عن النّوّاس بن سمعان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ضرب اللّه مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعن جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط المستقيم جميعًا، ولا تتفرّجوا وداعٍ يدعو من جوف الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك. لا تفتحه، فإنّك إن تفتحه تلجه، فالصّراط الإسلام، والسّوران حدود اللّه، والأبواب المفتّحة محارم اللّه، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه، والدّاعي من فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلمٍ».
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ، عن عليّ بن حجر -زاد النّسائيّ -وعمرو بن عثمان، كلاهما عن بقيّة بن الوليد، عن بحير بن سعدٍ، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفيرٍ، عن النّوّاس بن سمعان، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.
وقوله: {فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} إنّما وحّد [سبحانه] سبيله لأنّ الحقّ واحدٌ؛ ولهذا جمع لتفرّقها وتشعّبها، كما قال تعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}[البقرة:257].
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان الواسطيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا سفيان بن حسين، عن الزّهريّ، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبادة بن الصّامت قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّكم يبايعني على هذه الآيات الثّلاث؟ ». ثمّ تلا: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} حتّى فرغ من ثلاث الآيات، ثمّ قال: «ومن وفّى بهنّ أجره على اللّه، ومن انتقص منهنّ شيئًا أدركه اللّه في الدّنيا كانت عقوبته، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى اللّه إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 365-368]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة