سورة الأنبياء
[من الآية(45) إلى الآية(47)]
{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ ذكره: (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء (45)
[معاني القراءات وعللها: 2/165]
قرأ ابن عامر وحده (ولا تسمع الصّمّ الدّعاء) نصبًا.
وقرأ الباقون: (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء)
وقال الفراء: قرأ أبو عبد الرحمن السلمي (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء) ضم الياء من (يسمع)، ونصب (الصّمّ) بوقوع الفعل عليهم، وضمّ (الدعاء)؛ لأن الفعل له.
قال أبو منصور: القراءة المختارة (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء) بفتح الياء من (يسمع) و(الصمّ) رفع و(الدعاء) نصبٌ.
وأما قراءة ابن عامر (ولا تسمع الصّمّ الدّعاء) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - المعنى: تسمع أنت يا محمد.
الصمّ، أي: المعرضين عما تتلوا عليهم، فهم بمنزلة من لا يسمع، و(الدعاء) نصبٌ؛ لأنه مفعول ثان.
أي: لا تسمعهم دعاءك؛ لأنهم لا يعونه). [معاني القراءات وعللها: 2/166]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ولا يسمع الصم الدعاء} [45].
قرأ ابن عامر وحده {ولا تسمع} بالتاء [و] الصم نصبًا أي: ولا تسمع أنت يا محمد الصم. كما قال: {وما أنت بمسمع من في القبور}، لأن الله تعالى لما خاطبهم فلم يلتفتوا إلى ما دعاهم إليه رسوله.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/60]
ومجت آذانهم القرآن صاروا بمنزلة الميت الذي لا يسمع، والأصم الذي لا يسمع ولا يعقل.
وقرأ الباقون {لا يسمع الصم} جعلوا الفعل لهم، والصم: وزنه فعل، جمع أصم، وأصم (أفعل). أصمم فأدغموا الميم في الميم، وتصغير أصم أصيم. والصمم: ثقل في الأذن. فإذا كان لا يسمع شيئًا قيل: أصم أصلخ بالخاء. قال ابن دريد: أصم أصلج بالجيم. والوقر: الثقل في الأذن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/61]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر وحده: (ولا تسمع) [الأنبياء/ 45] بالتاء مضمومة الصم نصبا.
وقرأ الباقون: (ولا يسمع) بالياء الصم رفعا.
قول ابن عامر أنه حمله على ما قبله، والفعل مسند إلى المخاطب، وكذلك قوله: (ولا تسمع الصمّ) مسند إليه، والمعنى: أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم يعملوا بما يسمعونه، ولم ينقادوا له كما لا يسمع الأصمّ.
ووجه قول الباقين: أنه على وجه الذمّ لهم والتقريع بتركهم سمع ما يجب عليهم استماعه والانتهاء إليه، وقد تقول لمن تقرّعه بتركه ما تدعوه إليه: ناديتك فلم تسمع، وأفهمتك فلم تفهم، ولو كان (ولا تسمع الصمّ) كما قال ابن عامر، لكان: إذا تنذرهم، فأما إذا ما ينذرون فحسن أن يتبع ولا يسمع الصمّ إذا ما أنذروا). [الحجة للقراء السبعة: 5/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يسمع الصم الدّعاء إذا ما ينذرون}
قرأ ابن عامر {ولا تسمع} بالتّاء مضمومة {الصم} نصب أي أنت يا محمّد لا تقدر أن تسمع الصم كما قال سبحانه {وما أنت بمسمع من في القبور} والصم ها هنا المعرضون عمّا يتلى عليهم من ذكر الله فهم بمنزلة من لا يسمع كما قال الشّاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
[حجة القراءات: 467]
وقرأ الباقون {ولا يسمع} بالياء و{الصم} رفع جعلوا الفعل لهم وكانوا يسمعون ويبصرون ولكنهم لم يستعملوا هذه الحواس استعمالا يجدي عليهم فصاروا كمن لم يسمع ولم يبصر). [حجة القراءات: 468]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ولا يسمع الصم} قرأه ابن عامر بتاء مضمومة، وكسر الميم، ونصب {الصم} على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، لتقدم لفظ الخطاب له في قوله: {إنما أنذركم بالوحي} فلما أضيف الفعل إلى النبي في {أنذركم} أضيف إليه في «تسمع» ونصب {الصم} بتعدي الفعل إليهم، فجرى الكلام الآخر على سنن أوله بإضافة الفعل إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/110]
النبي فيهما، وجعل الفعل رباعيًا من «أسمع» فتعدى إلى مفعولين {الصم} و{الدعاء} وقرأ الباقون {ولا يسمع} بياء مفتوحة، وفتح الميم، ورفع {الصم} أضافوا الفعل إلى {الصم} فارتفعوا بفعلهم، لأنه نفى السمع عنهم، كما تقول: لا يقوم زيد، فترفع لنفيك القيام عنه، وتعديه إلى مفعول، لأنه ثلاثي، والمفعول {الدعاء} ورفع هذا النوع، إنما هو على سبيل الإخبار عنهم، كما تخبر عن الفاعل، وفيه اختلاف، لأنهم لم يفعلوا شيئًا، فليسوا بفاعلين على الحقيقة، وفي هذه القراءة معنى الذم لهم والتقريع لهم لتركهم استماع ما يجب لهم استماعه والقبول له، والياء الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/111]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ}[آية/ 45] بالتاء المضمومة من {تُسْمِعُ}، ونصب {الصُّمَّ}:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 861]
والوجه أنه على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم حملاً له على ما قبله، وهو خطاب له عليه السلام، وذلك قوله {قُلْ إنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ}، أي إنك لا تقدر على إسماع الصم، والمراد أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم يعملوا بما سمعوه كأنهم صُمٌّ لم يسمعوه.
وقرأ الباقون {يَسْمَعُ}بالياء مفتوحة، {الصُّمّ}رفعًا.
والوجه أنه على الذم والتوبيخ بترك استماع ما يجب عليهم استماعه، فكأنهم صم لا يسمعون، وارتفاع {الصُّمّ}؛ لأنه فاعل، وتذكير الفعل من أجل تقدمه، ولون التأنيث غير حقيقي). [الموضح: 862]
قوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)}
قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ (47)
قرأ نافع وحده (وإن كان مثقال حبّةٍ) بالرفع وقرأ الباقون (وإن كان مثقال حبّةٍ) بالنصب.
[معاني القراءات وعللها: 2/166]
قال أبو منصور: من نصب (مثقال حبّةٍ) فالمعنى: وإن كان العمل أو الإيمان زنة حبةٍ من خردل.
ومن رفع فالمعنى: وإن حصل للعبد زنة حبّةٍ من خردل، وهذه تسمى (كان) المكتفية). [معاني القراءات وعللها: 2/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {وإن كان مثقال حبة من خردل} [47].
قرأ نافع وحده {مثقال حبة} بالرفع جعل «كان» بمعنى حدث ووقع ولا خبر لها، كما قال: {إلا أن تكون تجرة}، أي لا أن تقع تجارة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/61]
وقرأ الباقون بالنصب خبر «كان»، والاسم مضمر، والتقدير: فلا تظلم نفس شيئًا إن كان الشيء مثقال حبة أتينا بها: جئنا بها.
فإن قيل لك: فإن المثقال مذكر فلم قال: {بها}، ولم يقل به؟ فقل: لأن مثقال الحبة هي الحبة، ووزنها، كما قرأ الحسن: {تلتقطه بعض السيارة} لأن بعض السيارة من السيارة.
وقرأ مجاهد – فيما حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء – أن مجاهدًا قرأ: {آتينا بها} ممدودًا أي: جازينا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/62]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحده (وإن كان مثقال حبة) [الأنبياء/ 47]. رفعا. وقرأ الباقون مثقال نصبا.
وجه الرفع أنه أسند الفعل إلى المثقال، كما أسند في قوله: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [البقرة/ 280]. أي: ذا عسرة، وكذلك قوله:
إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا.
ووجه النصب: وإن كان الظلامة مثقال حبّة، وهذا حسن لتقدم قوله: لا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47] فإذا ذكر تظلم فكأنّه ذكر الظلامة، كقولهم: من كذب كان شرا له). [الحجة للقراء السبعة: 5/256]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمد وابن سريج الأصبهاني: [آَتَيْنَا بِهَا]، بالمد.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون [آتَيْنَا] هنا فاعَلْنا لا أفْعَلْنا؛ لأنه لو كانت أفعَلْنا لما احتيج إلى الباء ولقيل: آتيناها. كما قال تعالى : {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}،
[المحتسب: 2/63]
فآتينا إذا من قوله: {أَتَيْنَا بِهَا} فاعلْنا، ومضارعها يُوَاتِي كيُهاتِي في قول الجماعة إلا أبا علي فإنه كان يقول في هات: غير ما يقول الناس فتصريف هذا الفعل آتينا نُواتِي مُواتاة، وأنا مواتٍ، وهو مواتًى. ومن قال: ضاربت ضِرَابًا قال: إتاءً، ومن قال: ضِيرَابا قال: إيتاءً؛ فإيتاءُ على فِيعال كضِيراب، ومن قال:
أقاتلُ حتى لا أرى لي مُقاتًلا
قال: مواتًى). [المحتسب: 2/64]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} 47
قرأ نافع {وإن كان مثقال} بالرّفع أي وإن حصل للعبد مثقال حبّة كقوله تعالى {وإن كان ذو عسرة}
وقرأ الباقون {مثقال} بالنّصب فجعلوه خبر كان والاسم مضمر المعنى فلا تظلم نفس شيئا وإن كان العمل مثقال حبّة من خردل). [حجة القراءات: 468]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {وإن كان مثقال حبة} قرأ نافع برفع {مثقال} ومثله في لقمان بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
وحجة من قرأ بالرفع أنه جعل {كان} تامة، لا تحتاج إلى خبر بمعنى: وقع وحدث، فرفع {المثقال} بها؛ لأنها فاعل لـ {كان}.
5- وحجة من نصب أنه جعل {كان} هي الناقصة، التي تحتاج إلى خبر واسم، فأضمر فيها اسم ونصب «مثقالا» على خبر كان، تقديره: وإن كان الظلامة مثقال حبة. وأجاز إضمار الظلامة لتقدم ذكر الظلم، ولم تظهر علامة التأنيث في الفعل، لأن الظلامة والظلم سواء، فذكر، لتذكير الظلم، وقيل: ذكّر لما كانت الظلامة هي المثقال، والمثقال مذكر، فذكّر لتذكير
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/111]
المثقال، وقد تقدم ذكر {أف} «67» و{ضياء} «48» وعلتهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/112]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ}[آية/ 47] بالرفع:
قرأها نافع وحده، وكذلك في لقمان.
والوجه أنه كان تامة، فتكون بمعنى حدث ووقع، و{مِثْقَالَ}فاعل له، كما كان كذلك في قوله تعالى {وإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ}ولا يحتاج إلى خبر.
وقرأ الباقون {مِثْقَالَ حَبَّةٍ}بالنصب.
والوجه أن كان على هذا هي الناقصة التي تحتاج إلى اسم وخبر، واسمها مضمر يدل عليه ما قبله من قوله {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}، والتقدير وإن كان
[الموضح: 862]
الظلم أو الظلامة مثقال حبةٍ، وانتصب {مِثْقَالَ حَبَّةٍ}على أنه خبر كان، واسمها مضمر في كان وهو ضمير الظلم، والتقدير: وإن كان هو). [الموضح: 863]