سورة الأنبياء
[من الآية(87)إلى الآية(88)]
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ( (أن لن يقدر) بضم الياء يعقوب). [الغاية في القراءات العشر: 327]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (أن لن يقدر) [87]: بضم الياء وفتح الدال يعقوب). [المنتهى: 2/841]
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) مشدد مع النون الزَّعْفَرَانِيّ، وابْن مِقْسَمٍ، وهو الاختيار، يعني: يضيق عليه " يُقْدَرَ " على ما لم يسم فاعله خفيف يَعْقُوب، والحسن، الباقون (نَقْدِرَ) بالنون خفيف
[الكامل في القراءات العشر: 601]
على تسمية الفاعل غير أن عبادًا عن الحسن بالياء خفيف (يَقْدِرَ) ). [الكامل في القراءات العشر: 602]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (162- .... .... .... .... .... = .... .... .... .... وَجُهِّلَا
163 - مَعَ الْيَاءِ نَقْدِرْ حُز .... .... = .... .... .... .... .... ). [الدرة المضية: 34]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ثم قال: وجهلا مع الياء نقدر حز أي قرأ المرموز له (بحا) وهو يعقوب {أن لن نقدر عليه} [87] بياء مضمومة وفتح الدال على بناء المجهول وإليه أشار بقوله وجهلا فأقام الجار والمجرور مقام الفاعل وعلم لمن بقى بالنون والتسمية). [شرح الدرة المضيئة: 179]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وَاخْتَلَفُوا) فِي: أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِالْيَاءِ مَضْمُومَةً وَفَتْحِ الدَّالِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ مَفْتُوحَةً وَكَسْرِ الدَّالِ). [النشر في القراءات العشر: 2/324]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ يعقوب {نقدر عليه} [87] بالياء مضمومة وفتح الدال، والباقون بالفنون مفتوحة وكسر الدال). [تقريب النشر في القراءات العشر: 603]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (788- .... .... .... .... .... = .... .... نقدر باليا واضممن
789 - وافتح ظبًى .... .... .... = .... .... .... .... .... ). [طيبة النشر: 86]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (ثم أراد أن يعقوب المرموز له أول البيت الآتي قرأ قوله «فظن أن لن نقدر عليه» بالياء مضمومة وفتح الدال، وقرأ الباقون بالنون مفتحة وكسر الدال). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 278]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (وقرأ ذو ظاء (ظبا) يعقوب: فظن أن لن يقدر عليه [87] بياء مضمومة، وفتح الدال على البناء للمفعول من «أقدر».
والتسعة بنون مفتوحة وكسر الدال على البناء للفاعل وإسناده إلى المعظم حقيقة). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/459]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(قلت: يعقوب (يقدر عليه) بالياء مضمومة وفتح الدّال، والباقون بالنّون مفتوحة وكسر الدّال والله الموفق). [تحبير التيسير: 466]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وأمال "نادى" و"فنادى" حمزة والكسائي وخلف وبالفتح والصغرى الأزرق). [إتحاف فضلاء البشر: 2/266] (م) قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "أَنْ لَنْ يَقْدِر" [الآية: 87] فيعقوب بالياء المضمومة من تحت، ودال مفتوحة مبنيا للمفعول، والباقون بنون العظمة المفتوحة، وكسر الدال على البناء للفاعل والمفعول محذوف أي: لن نضيق عليه الجهات والأماكن). [إتحاف فضلاء البشر: 2/266]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وعن الحسن "الظلمات" بسكون اللام). [إتحاف فضلاء البشر: 2/266]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
{إِذْ ذَهَبَ}
- قرأ أبو عمرو بإدغام الذال في الذال.
{مُغَاضِبًا}
- هذه قراءة الجماعة (مغاضبًا) من غاضب، فهو اسم فاعل، أي مغاضبًا لقومه أو ملكًا من الملوك.
- وقرأ أبو شرف وأبو المتوكل أبو الجوزاء وابن السميفع والجحدري (مغضبًا) اسم مفعول من (أغضب)، ذكر هذا السمين، وذكر قراءة أخرى (مغاضبًا) كذا بألف.
- وعند ابن خالويه (مغضبًا) اسم فاعل فهو بكسر الضاد، وقارئها أبو شرف.
{فَظَنَّ}
- كذا قرأ الجماعة (فظن) على الخبر.
- وحكى القاضي منذر بن سعيد أن بعضهم قرأ (أفظن) بألف الاستفهام.
{لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}
- قرأ الجمهور (... نقدر) بنون العظمة مخففًا أي: لن نضيق عليه.
- وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب
[معجم القراءات: 6/45]
وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن وابن عباس وسعيد بن جبير وأبو الجوزاء ويعقوب بخلاف عنه عن الوليد بن حسان (... يقدر) بضم الياء وفتح الدال مخففًا.
- وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمران الجوني (يقدر) بالياء مفتوحة وكسر الدال.
- وقرأ علي بن أبي طالب واليماني، وعبيد بن عمير وقتادة والأعرج ويعقوب (يقدر) بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة.
- وقرأ الزهري وعمر بن عبد العزيز والماوردي وابن عباس وابن يعمر وحميد بن قيس (نقدر) بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.
- وقرأ ورش والأزرق بترقيق الراء.
[معجم القراءات: 6/46]
{فَنَادَى}
- قراءة حمزة والكسائي وخلف بالإمالة.
- وورش والأزرق بالفتح والتقليل.
- والباقون على الفتح.
{فِي الظُّلُمَاتِ}
- وقرأ الحسن (في الظلمات) بسكون اللام.
- وقراءة الجماعة بالضم (في الظلمات) ). [معجم القراءات: 6/47]
قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (12 - قَوْله {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} 88
قَرَأَ عَاصِم في رِوَايَة أَبي بكر وَحده (نجي الْمُؤمنِينَ) بنُون وَاحِدَة مُشَدّدَة الْجِيم على مَا لم يسم فَاعله وَالْيَاء سَاكِنة
وروى حَفْص عَن عَاصِم (نجي الْمُؤمنِينَ) بنونين الأولى مَضْمُومَة وَالثَّانيَِة سَاكِنة وَالْجِيم خَفِيفَة وَكَذَلِكَ قَرَأَ حَمْزَة وَالْبَاقُونَ
وروى عبيد عَن أَبي عَمْرو وَعبيد عَن هرون عَن أَبي عَمْرو (نجي الْمُؤمنِينَ) قَالَا مدغمة
وَهُوَ وهم لَا يجوز هَهُنَا الْإِدْغَام لِأَن النُّون الأولى متحركة وَالثَّانيَِة سَاكِنة
وَالنُّون لَا تُدْغَم في الْجِيم وَإِنَّمَا خفيت لِأَنَّهَا سَاكِنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الْكتاب وهي في اللَّفْظ ثَابِتَة وَمن قَالَ مدغم فَهُوَ غلط). [السبعة في القراءات: 430]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ((نجي المؤمنين) مشدد شامي، وأبو بكر). [الغاية في القراءات العشر: 328]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (نجي المؤمنين) [88]: شديد: دمشقي، وأبو بكر، وأبو عبيد، وعيسى). [المنتهى: 2/841]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ أبو بكر وابن عامر (وكذلك نجي المؤمنين) بنون واحدة وتشديد الجيم، وقرأ الباقون بنونين والتخفيف). [التبصرة: 276]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (ابن عامر، وابو بكر: {نجي المؤمنين} (88): بنون واحدة، والجيم مشددًا.
[التيسير في القراءات السبع: 369]
والباقون: بنونين، والجيم مخففًا). [التيسير في القراءات السبع: 370]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(ابن عامر وأبو بكر: (نجي المؤمنين)، بنون واحدة [وجيم] مشدّدة والباقون بنونين مخففا). [تحبير التيسير: 467]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([88]- {نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} بنون واحدة مشددا: ابن عامر وأبو بكر). [الإقناع: 2/703] قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (891- .... .... .... .... .... = .... وَنُنْجِي احْذِفْ وَثَقِّلْ كَذِي صِلاَ). [الشاطبية: 71]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ( [891] وسكن بين الكسر والقصر (صحبة) = وحرم وننجي احذف وثقل (كـ)ـذي (صـ)ـلا
...
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم: (وكذلك نجى المؤمنين) وكذلك رسمت في المصاحف بنون واحدة.
قال أبو عبيد: «وهي أحب إلي، لأنا لا نعلم المصاحف في الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة، ثم رأيتها في الإمام الذي يقال إنه مصحف عثمان
[فتح الوصيد: 2/1116]
أيضًا بنون واحدة. وقد قرأ به عاصم، وما كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن».
قال: «والذي عندنا فيه، أنه ليس بلحن، وله مخرجان في العربية:
أحدهما، أن يريد (ننجي) مشددةً، ثم يدغم النون الثانية في الجيم.
والثاني، أن يكون ماضيًا؛ والتقدير: نجي النجاء المؤمنين، ثم يرسل الياء فلا ينصبها.
وأنشد غير أبي عبيد على ذلك:
فلو ولدت قتيلة جرو كلب = لسب بذلك الجرو الكلابا
أي: لسب السب.
وقد قرأ أبو جعفر {ليجزي قوما}، أي ليجزى الجزاء قومًا. واحتجوا لأسكان الياء بقراءة الحسن: (وذروا ما بقي من الربا)، وبقول الشاعر:
ردت عليه أقاصيه ولبده = ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد
ورد هذه القراءة الزجاج والفراء وغيرهما وصرحوا بأنها لحن.
[فتح الوصيد: 2/1117]
قال الفراء: «أما الكتابة، فلأن النون الثانية ساكنة، إذ القراءة (ننجي)، فلا تظهر الساكنة على اللسان؛ فلما خفيت، حذفت في الكتاب».
وقال غيره: «إنما حذفت النون، لاجتماع المثلين في الخط».
قالوا: «وأما قول أبي عبيد: إنه (ننجي)، وأدغم النون في الجيم، فالجيم مشددة والإدغام في مثقل لا يجوز. وإدغام النون في الجيم لو لم تكن مشددة غير جائز، لعدم التقارب. وإسكان الياء في موضع الفتح قبيح لا يجوز».
وقراءة ابن عامر وأبي بكر دالة على اتباع النقل. وإلا فلو كان الاعتماد على الخط، لكانت القراءة (نجي) بتحريك الياء.
وحجة القراءة الأخرى، أن المؤمنين دليل على (ننجي)، واعتذروا عن الرسم بما قدمت.
و(كذي صلا)، قد سبق تفسيره). [فتح الوصيد: 2/1119]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [891] وسكن بين الكسر والقصر صحبة = وحرم وننجي احذف وثقل كذي صلا
[كنز المعاني: 2/447]
ب: (الصلا): استعار النار.
ح: (صحبة فاعل (سكن)، (وحرمٌ): مفعوله، (ننجي): مفعول، (احذف) و(ثقل): أي نونه وجيمه، (كذى): صلا حال، أي: كائنًا في الذكاء كالنار ذات الاصطلاء.
ص: قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: (وحرم على قرية) [95] بتسكين الراء بين كسر الحاء وقصر الراء، أي: حذف الألف بعدها، والباقون: {وحرامٌ} بفتح الراء بين فتح الحاء وزيادة الألف بعد الراء، لغتان كـ (حل) و (حلال).
وقرأ ابن عامر وأبو بكر: (وكذلك نجي المؤمنين) [۸۸] بحذف النون الثانية وتشديد الجيم، إذ كتبت في المصاحف بنون واحدة.
وضعفها النحاة: بأن التشديد متفرع على أنه مبني للمفعول، فيلزم فتح الياء ورفع {المؤمنين} على الفاعلية، وإن كان مبنيًا للفاعل، من (أنجي)، فحقها الإخفاء دون الإدغام، أو من (نجی) مشدد الجيم، فلا يجوز الإدغام في مشدد، والنون أيضًا لا تدغم في الجيم لبعد المخرجين.
[كنز المعاني: 2/448]
والجواب: أنه مبني للمفعول، والياء سكنت تخفيفًا، كما سكنت في {وذروا ما بقي من الربوا} [البقرة: ۲۷۸]، وفاعل الفعل: المصدر، لا المؤمنون، أي: نجي النجاة والمؤمنين، نحو: قراءة أبي جعفر: {ليجزى قومًا} [الجاثية: 14]، أي: ليجزى الجزاء قومًا، أو مبني للفاعل من (نجی) لمشاكلة {نجينا} قبله، وحذفت إحدى النونين تخفيفًا، نحو: {ولا تفرقوا} [آل عمران: 103]، و{نارًا تلظى} [الليل: 14]، والباقون: بنونين وتخفيف الجيم من (أنجى ينجي)، وحذف المصحف إحدى النونين لاجتماع المثلين، وهما لغتان .
وأشار إلى إشكال القراءة بالنصح على الذكاء والفهم). [كنز المعاني: 2/449] (م)
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (أما: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}، فكتبت في المصحف بنون واحدة، فقرأه ابن عامر وأبو بكر كذلك، فهذا معنى قوله: احذف؛ أي: احذف نونه الثانية كما قال في سورة يوسف: وثانٍ نُنَجِّ احذف وكلا الموضعين كتب بنون واحدة، وقوله: وثقل؛ يعني: شدد الجيم وباقي القراء بنونين وتخفيف الجيم من أنجى ينجي وقراءة ابن عامر وأبي بكر من نجى ينجي كما قال قبله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ}، واختار أبو عبيد هذه القراءة، وضعفها النحاة وعسر تخريج وجهها على معظم المصنفين، قال أبو عبيد: هذه القراءة أحب إلي؛ لأنا لا نعلم المصاحف في الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة، ثم رأيتها في الذي يسمى للإمام مصحف عثمان بن عفان أيضا بنون واحد، وقال: إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط، وقد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن.
قال ابن مجاهد: قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر "نجي المؤمنين" بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله قال: وروي عن أبي عمرو "نجى" مدغمة قال: وهذا وهم لا يجوز ههنا الإدغام؛ لأن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/388]
والنون لا تدغم في الجيم وإنما خفيت النون؛ لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب، وهي في اللفظ ثابتة ومن قال إنها مدغمة فقد غلط، قال الزجاج: أما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له؛ لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل، قال: وقد قال بعضهم: المعنى نجى النجاء المؤمنين وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم لا يجوز ضرب زيدا يريد ضرب الضرب زيدا؛ لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذي ضربه ضرب فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل وإنما قال الزجاج: ذلك لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا في تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء: القراء يقرءونها بنونين وكتابتها بنون واحدة؛ وذلك لأن النون الثانية ساكنة ولا تظهر الساكنة على اللسان فلما خفيت حذفت، وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في نجى، فنوي به الرفع ونصب المؤمنين فيكون كقوله: ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين، وقال أبو عبيد: الذي عند نافيه أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية؛ أحدهما: أن يريد ننجي مشددة؛ لقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} ثم تدغم الثانية في الجيم.
والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل، فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين فيكون نصب المؤمنين على هذا، ثم ترسل الياء فلا ينصبها.
قلت: الوجه للثاني قد أبطله الزجاج على ما سبق والأول فاسد؛ لأنه قدر الكلمة مشددة الجيم، ثم جوز أن تدغم النون الثانية في الجيم ولا يتصور الإدغام في حرف مشدد، ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم بل لو ادعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/389]
الجيم، ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع، قال النحاس: هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين؛ لبعد النون من الجيم فلا تدغم فيها فلا يجوز في: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} مجاء بالحسنة، وقال الزمخشري: النون لا تدغم في الجيم، ومن تمحل لصحته فجعله فعل، وقال: نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف.
قلت: ومعنى قولهم أرسل الياء؛ أي: أسكنها وقال مكي: فيه بعد من وجهين؛ أحدهما: أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر.
والثاني: أنه كان يجب فتح الياء من نجى؛ لأنه فعل ماضٍ قال: وقيل: إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون في الجيم قلت: وهذا تأويل أبي علي في الحجة، قال مكي: وهذا أيضا بعيد،؛ لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد، قال: وقيل: أدغم النون في الجيم وهذا أيضا لا نظير له لا يدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب؛ لبعد ما بينهما وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة في المصاحف بنون واحدة، قال: فهذه القراءة إذا قرئت بتشديد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة في العربية قال أبو علي: فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر؛ لأن الفعل دل عليه، فذلك مما لا يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشده ابن قتيبة:
ولو ولدت فقيرة جرو كلب،.. لسب بذلك الجرو الكلابا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/390]
لا يكون حجة في هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا؛ لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما.
قال الشيخ: واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا}.
ويقول النابغة: "ردت عليه أقاضيه وليده" قال: وقد قرأ أبو جعفر ليجزي قوما؛ أي: ليجزي الجزاء قوما، قلت: وكل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة وبضرورات شعر وكل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة وعجبت ممن يذكرها ويترك غيرها مما هو شائع لغة نقلا وموافق خطا، نحو: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ذكر ابن مجاهد رواية عن أبي عمرو بياء مضمومة، ورواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم وأجود ما وقفت عليه في توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال لم أسمع في هذا بأحسن من شيء سمعته من علي ابن سليمان قال الأصل ننجي فحذف إحدى النونين؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى: {لا تَفَرَّقُوا} الأصل تتفرقوا، قال: والدليل على صحة ما قال: أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء، ولو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحًا، وقال أبو الفتح ابن جني في كتاب الخصائص في باب امتناع العرب
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/391]
من الكلام بما يجوز في القياس: أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا وقتل يوم أخاك، قال: هو جائز في القياس وإن لم يرد به الاستعمال، ثم أنشد ابن جني: لسب بذلك الجرو الكلابا قال: هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد به أصلا بل لا يثبت إلا محتقرا شاذا، قال: أما قراءة من قرأ: "وكذلك نجى المؤمنين" فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل؛ لأنه عندنا على حذف إحدى نوني ننجي كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قوله تعالى: "تَذَكَّرُونَ"؛ أي: تتذكرون، ويشهد لذلك أيضا سكون لام نجى ولو كان ماضيا؛ لانفتحت اللام إلا في الضرورة، وقال في كتاب المحتسب: روى عن ابن كثير وأهل مكة: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا}؛ يعني: في سورة الفرقان قال: وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد: {نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فعل؛ لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين في نحو قولك: أنتم تفكرون وتظهرون وأنت تريد: تتفكرون وتتظهرون، قال: ونحوه قراءة من قرأ: "وكذلك نجى المؤمنين" ألا تراه يريد ننجي فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا؛ لما ذكرنا، قلت: ونقل هذه القراءة وتعليلها المذكور الزمخشري في تفسيره، وذكره المهدوي في قراءة: "ننجي المؤمنين" وهو وجه سديد غريب لا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/392]
تعسف فيه، ويشهد له أيضا حذف إحدى النونين من أتحاجوني وتبشروني وتأمروني وتأمروني أعبد وعجبت من شيخنا أبي الحسن -رحمه الله- كيف لم ينقل هذا التعليل في شرحه مع كونه في إعراب النحاس وهو كثير الأخذ منه وقراءة الجماعة ننجي بنونين الثانية ساكنة وبتخفيف الجيم من الإنجاء وقبله ونجيناه من الغم بالتشديد جمعا بين اللغتين كما جمع بينهما في كثير من القرآن نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ}.
وقول الناظم: كذي صلا إشارة إلى النظر والفكرة في وجه هذه القراءة؛ أي: كن في الذكاء والبحث كذى صلا وقد سبق تفسيره ويقال بكسر الصاد وفتحها والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/393]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (891 - .... .... .... .... .... = .... وننجي احذف وثقّل كذي صلا
....
وقرأ ابن عامر وشعبة: وكذلك نجّي المؤمنين بحذف النون الثانية الساكنة وتشديد الجيم، وقرأ غيرهما بإثبات النون وتخفيف الجيم). [الوافي في شرح الشاطبية: 323]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وَاخْتَلَفُوا) فِي: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى مَعْنَى نُنْجِي، ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ تَخْفِيفًا، كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرِهِ قِرَاءَةُ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا فِي الْفُرْقَانِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ اللَّوَامِحِ: " نُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ " عَلَى حَذْفِ النُّونِ الَّذِي هُوَ فَاءُ الْفِعْلِ مِنْ " نُنْزِلَ " - قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنُونَيْنِ، الثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخِرِ تَوْضِيحِهِ لَمَّا ذَكَرَ حَذْفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْمُضَارِعِ فِي نَحْوِ نَارًا تَلَظَّى: وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا الْحَذْفُ فِي النُّونِ، وَمِنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ، وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ أَصْلُهُ " نُنَجِّي " بِفَتْحِ النُّونِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ " نُنْجِي " بِسُكُونِهَا فَأُدْغِمَتْ كَإِجَّاصَةٍ وَإِجَّانَةٍ، وَإِدْغَامُ النُّونِ فِي الْجِيمِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، انْتَهَى). [النشر في القراءات العشر: 2/324]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ ابن عامر وأبو بكر {ننجي المؤمنين} [88] بنون واحدة وتشديد الجيم، والباقون بنونين الثانية ساكنة وتخفيف الجيم). [تقريب النشر في القراءات العشر: 603]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (789- .... ننجي احذف اشدد لي مضى = صن .... .... .... .... ). [طيبة النشر: 86]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (وافتح (ظ) بى ننجى احذف اشدد (ل) ى (م) ضى = (ص) ن حرّم اكسر سكّن اقصر (ص) ف (رضى)
يعني قرأ قوله تعالى «ننجي المؤمنين» بنون واحدة وتشديد الجيم ابن عامر وأبو بكر على أن أصلها ننجي بنونين مشددة الجيم، فاستثقل توالي مثلين
[شرح طيبة النشر لابن الجزري: 278]
بعدهما مثلان فأدغم أحدهما في الآخر فحذف ثاني المثلين الأولين نحو «يتذكرون» ولا التفات إلى من ردها، والباقون بنونين الثانية ساكنة مع تخفيف الجيم من غير حذف أسند الفعل إلى ضمير الباري على التعظيم، فهو مضارع مرفوع مسند لضمير المتكلم المعظم نفسه فسكنت ياؤه ونصب المؤمنين مفعولا به). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 279]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (وقرأ ذو لام (لى)، وميم (مضى) - راويا ابن عامر- وصاد (صن) أبو بكر: نجّى المؤمنين [88] بنون مضمومة وتشديد الجيم، والباقون بنونين، مضمومة فساكنة، وتخفيف الجيم). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/459]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "نُنْجِي الْمُؤْمِنِين" [الآية: 88] فابن عامر وأبو بكر بحذف إحدى النونين وتشديد الجيم، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف، وقد طعن فيها لمنع الإدغام في المشدد، وأجيب عنه بأجوبة أحسنها كما في الدر أن الأصل ننجي بنونين مضمومة فمفتوحة مع تشديد الجيم، فاستثقل توالي المثلين فحذفت الثانية كما حذفت [إتحاف فضلاء البشر: 2/266]
في نزول الملائكة تنزيلا، والباقون بضم النون الأولى وسكون الثانية، وتخفيف الجيم من أنجى). [إتحاف فضلاء البشر: 2/267]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {وذا النون إذ ذهب مغاضبا}
{نجي} [88] قرأ الشامي وشعبة بنون واحدة مضمومة، وتشديد الجيم، والباقون بضم النون الأولى، وإسكان الثانية، وتخفيف الجيم، من (أنجي) مسندًا إلى الله عز وجل بنون العظمة، ونصب {المؤمنين} به، وهي قراءة ظاهرة واضحة.
واختار القراءة الأولى أبو عبيد لموافقتها المصاحف، لأنها في الإمام، ومصاحف الأمصار بنون واحدة وجعلها بعض النحويين لحنا، وليس الأمر كما ذكر، فإنها قراءتها صحيحة ثابتة عن إمامين كبيرين.
ووجهها – كما قال جماعة من الأئمة، واشار إليه ابن هشام في باب الإدغام من توضيحه – أن الأصل (ننجي) بفتح النون الثانية مضارة (نجي)، فحذفت النون الثانية تخفيفًا، أو (ننجي) بسكونها مضارع (أنجي) وأدغمت النون في الجيم، لاشتراكهما في الجهر والاستفال والانفتاح والتوسط بين القوة والضعف، كما أدغمت في (إجاصة) و(إجانة) بتشديد الجيم فيهما، والأصل (إنجاصة) و(إنجانه) فأدغمت النون فيهما.
[غيث النفع: 875]
والإجاصة واحدة الإجاص، قال في القاموس: «الإجاص بالكسر مشددة: ثمر دخيل، لأن الجيم والصاد لا يجتمعان في كلمة، الواحدة بهاء، ولا تقل إنجاص، أو لغية» اهـ، والإجانة واحدة الأجاجين.
قال في التصريح: «وهي بفتح الهمزة وكسرها، قال صاحب الفصيح: قصرية يعجن فيها ويغسل فيها، يقال (إنجانة) كما يقال (إنجاصة) وهي لغة يمانية فيهما، أنكرها الأكثرون، قاله ابن السيد» اهـ). [غيث النفع: 876]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
{نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
- قرأ الجمهور (ننجي المؤمنين) بنونين مضمومة فساكنة مضارع (أنجى)، وكذا روى حفص عن عاصم.
- وقرأ الجحدري (ننجي) بنونين مضمومة فمفتوحة ثم جيم مشددة، وهو مضارع (نجى) المضعف.
- وقرأ محمد بن السميفع وأبو العالية (نجى المؤمنين) بنون واحدة والفعل مبني للفاعل، أي نجى الله المؤمنين.
[معجم القراءات: 6/47]
- وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وابن عباس وحماد (نجي) بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة، وكذلك هي في مصحف الإمام ومصاحف الأمصار بنون واحدة، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف.
قال الزجاج: (فأما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له...، ورواية أبي بكر ابن عياش ... تخالف قراءة أبي عمرو: ننجي بنونين).
وقال ابن مجاهد في السبعة: (وروى عبيد عن أبي عمرو وعبيد عن هارون عن أبي عمرو (نجي المؤمنين): قالا: مدغمة، وهو وهم؛ لا يجوز ههنا الإدغام؛ لأن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، والنون لا تدغم في الجيم، وإنما خفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم، فحذفت من الكتاب، وهي في اللفظ ثابتة، ومن قال مدغم فهو غلط).
وذهب الفارسي إلى أن عاصمًا ينبغي أن يكون قرأ (ننجي) بنونين، وأخفى الثانية، فظن السامع أنه يدغم.
[معجم القراءات: 6/48]
وذكر ابن الشجري ما ذهب إليه ابن مجاهد وأبو علي، ثم قال: (وخطر لي في هذه القراءة وجه يخرج الفعل من بنائه للمفعول، وعن إدغام النون في الجيم، ولا يخرجه عن قياس كلام العرب، وهو أن يكون القارئ قرأ (نجي) أراد (ننجي) مفتوح النون مشدد الجيم، فحذف النون الثانية كراهة توالي مثلين متحركين كما حذف التاء من قرأ (تذكرون) خفيف الذال، حذف التاء الثانية من تتذكرون).
قلت: هذا الذي خطر لابن الشجري سبقه إليه ابن جني في موضعين في المحتسب، والثالث في الخصائص، فقد تحدث في الآية/25 من سورة النور (ونزل الملائكة) فقال: ... ونحوه قراءة من قرأ (وكذلك نجى المؤمنين) ألا تراه يريد ننجي، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلًا)، وكرر هذا كما -ذكرت- في الخصائص، ويغلب على ظني أن ابن الشجري قد اطلع على مذهب ابن جني في القراءة وتخريجها قبل أن يخطر في باله خاطره هذا، فإن لم يكن الأمر كذلك كان التقاءً للخواطر، وذلك فيه خير وأي خير.
وقال ابن قتيبة: (كتبت في المصاحف بنون واحدة، وقرأها القراء جميعًا (ننجي) بنونين إلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرأها بنون واحدة، ويخالف القراء جميعًا، ويرسل الياء فيها على مثال: فعل.
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيته إثباتها.
[معجم القراءات: 6/49]
واعتل بعض النحويين لعاصم، فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدًا، ثم تضمر الضرب، فتقول: ضرب زيدًا.
وكان أبو عبيد يختار هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفًا من سورة الجاثية كان يقرأ به وأبو جعفر المدني وهو قوله: (ليجزى قومًا بما كانوا يكسبون) أي ليجزى الجزاء قومًا).
قلت: تخريج قراءة عاصم الأخير هذا على قياس قراءة أبي جعفر مذهب كثير من النحويين، وذهب إلى مثل هذا ابن الأنباري في البيان، والفراء في معانيه، وفي مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب تفصيل جيد فارجع إليه.
{الْمُؤْمِنِينَ}
- تقدمت القراءة عن أبي جعفر وغيره، (المومنين) بالواو من غير همز، وانظر الآية/99 من سورة يونس). [معجم القراءات: 6/50]