تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا وقدّره منازل لتعلموا عدد السّنين والحساب ما خلق اللّه ذلك إلاّ بالحقّ يفصّل الآيات لقومٍ يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض {هو الّذي جعل الشّمس ضياءً} بالنّهار {والقمر نورًا} باللّيل، ومعنى ذلك: هو الّذي أضاء الشّمس وأنار القمر، {وقدّره منازل} يقول: قضاه فسوّاه منازل لا يجاوزها، ولا يقصر دونها على حالٍ واحدةٍ أبدًا.
وقال: {وقدّره منازل} فوحّده، وقد ذكر الشّمس والقمر، فإنّ في ذلك وجهين: أحدهما أن تكون الهاء في قوله: {وقدّره} للقمر خاصّةً، لأنّ بالأهلّة يعرف انقضاء الشّهور والسّنين لا بالشّمس.
والآخر: أن يكون اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر، كما قال في موضعٍ آخر: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه} وكما قال الشّاعر:
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي = بريًّا ومن جول الطّويّ رماني
وقوله: {لتعلموا عدد السّنين والحساب} يقول: وقدّر ذلك منازل لتعلموا أنتم أيّها النّاس عدد السّنين: دخول ما يدخل منها، وانقضاء ما يستقبل منها وحسابها، يقول: وحساب أوقات السّنين وعدد أيّامها وحساب ساعات أيّامها، {ما خلق اللّه ذلك إلاّ بالحقّ} يقول جلّ ثناؤه: لم يخلق اللّه الشّمس والقمر ومنازلهما إلاّ بالحقّ، يقول الحقّ تعالى ذكره: خلقت ذلك كلّه بحقٍّ وحدي بغير عونٍ ولا شريكٍ. {يفصّل الآيات} يقول: يبيّن الحجج والأدلّة {لقومٍ يعلمون} إذا تدبّروها، حقيقة وحدانيّة اللّه، وصحّة ما يدعوهم إليه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من خلع الأنداد والبراءة من الأوثان). [جامع البيان: 12/118-119]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا وقدّره منازل لتعلموا عدد السّنين والحساب ما خلق اللّه ذلك إلّا بالحقّ يفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (5)
قوله تعالى: هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا فلم يجعل كهيئة القمر لكي يعرف اللّيل من النّهار وهو قوله: فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً لتبتغوا فضلا من ربّكم ولتعلموا عدد السّنين والحساب: في اختلافهما.
قوله تعالى: ما خلق اللّه ذلك إلا بالحقّ يفصّل
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: يفصّل الآيات أمّا نفصّل: نبيّن). [تفسير القرآن العظيم: 6/1927-1928]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 5
أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكلم ربنا بكلمتين فصارت إحدهما شمسا والأخرى قمرا وكانا من النور جميعا ويعودان إلى الجنة يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {جعل الشمس ضياء والقمر نورا} قال: لم يجعل الشمس كهيئة القمر كي يعرف الليل من النهار وهو قوله (فمحونا آية الليل) (الإسراء الآية 12) الآية.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا} قال: وجوههما إلى السموات واقفيتهما إلى الأرض.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال: الشمس والقمر وجوههما إلى العرش واقفيتهما إلى الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر، أنه كان بين يديه نار إذ شهقت فقال: والذي نفسي بيده إنها لتعوذ بالله من النار الكبرى ورأى القمر حين جنح للغروب فقال والله إنه ليبكي الآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لا تطلع الشمس حتى يصبحها ثلاثمائة ملك وسبعون ملكا أما سمعت أمية بن أبي الصلت يقول:
ليست بطالعة لنا في رسلنا * إلا معذبة وإلا تجلد). [الدر المنثور: 7/629-631]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ في اختلاف اللّيل والنّهار وما خلق اللّه في السّموات والأرض لآياتٍ لقومٍ يتّقون}.
يقول تعالى ذكره منبّهًا عباده على موضع الدّلالة على ربوبيّته وأنّه خالق كلّ ما دونه. إنّ في اعتقاب اللّيل والنّهار واعتقاب النّهار اللّيل. إذا ذهب هذا جاء هذا وإذا جاء هذا ذهب هذا، وفيما خلق اللّه في السّماوات من الشّمس والقمر والنّجوم وفي الأرض من عجائب الخلق الدّالّة على أنّ لها صانعًا ليس كمثله شيءٌ. {لآياتٍ} يقول لأدلّةٍ وحججًا وأعلامًا واضحةً لقومٍ يتّقون اللّه، فيخافون وعيده ويخشون عقابه على إخلاص العبادة لربّهم.
فإن قال قائلٌ: أولا دلالةٌ فيما خلق اللّه في السّماوات والأرض على صانعه إلاّ لمن اتّقى اللّه؟
قيل: في ذلك الدّلالة الواضحة على صانعه لكلّ من صحّت فطرته، وبرئ من العاهات قلبه، ولم يقصد بذلك الخبر عن أنّ فيه الدّلالة لمن كان قد أشعر نفسه تقوى اللّه، وإنّما معناه: إنّ في ذلك لآياتٍ لمن اتّقى عقاب اللّه فلم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحقّ، لأنّ ذلك يدلّ كلّ ذي فطرةٍ صحيحةٍ على أنّ له مدبرًا يستحقّ عليه الإذعان له بالعبوديّة دون ما سواه من الآلهة والأنداد). [جامع البيان: 12/119-120]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ في اختلاف اللّيل والنّهار وما خلق اللّه في السّماوات والأرض لآياتٍ لقومٍ يتّقون (6)
قوله تعالى: وما خلق الله في السماوات والأرض
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا يعقوب بن عبد اللّه بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتت قريشٌ إليه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: ادع لنا ربّك يجعل لنا الصّفا ذهباً، فدعا ربّه فنزلت: إن في خلق السماوات والأرض... لآياتٌ لأولي الألباب فليتفكّروا فيها.
قوله تعالى: لآياتٍ لقومٍ يتّقون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو صفوان، ثنا القاسم ابن يزيد بن عوانة عن يحيى أبي النّضر عن جويبرٍ عن الضّحّاك، في قوله: يتّقون قال: يتّقون النّار بالصّلوات الخمس). [تفسير القرآن العظيم: 6/1928]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 6.
أخرج أبو الشيخ عن خليفة العبدي قال: لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد ولكن المؤمنين تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء وغطى كل شيء وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض وفي النجوم وفي الشتاء والصيف فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم عز وجل وكأنما عبدوا الله عن رؤية). [الدر المنثور: 7/631]