تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال لي مالك: الطاغوت ما يعبد من دون الله، قال: {واجتنبوا الطاغوت}، أن يعبد [ .. .. ]، قال: كل ما عبد من دون الله؛ فقلت لمالك: فـ (الجبت)، قال: سمعت من يقول: هو [الشيطان]، ولا أدري).
[الجامع في علوم القرآن: 2/135] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بالجبت والطاغوت قال الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن قال معمر وقال الكلبي هما كاهنان جميعا كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب).
[تفسير عبد الرزاق: 1/164]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن أيوب عن عكرمة أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يغزوه وقال أنا معكم نقاتله فقالوا إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين
[تفسير عبد الرزاق: 1/164]
وآمن بهما ففعل ثم قالوا أنحن أهدى أم محمد نحن ننحر الكوم ونسقي اللبن على الماء ونصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بهذا البيت و محمد قطع رحمه وخرج من بلده قال بل أنتم خير وأهدى فنزلت فيه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا).
[تفسير عبد الرزاق: 1/165]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن أيوب وعكرمة يقول الجبت والطاغوت صنمان).
[تفسير عبد الرزاق: 1/165]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا (51) أولئك الّذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة قال: قدم حييّ بن أخطب، وكعب بن الأشرف إلى مكّة، فقالت قريشٌ: أنتم أهل الكتاب، وأهل العلم، فنحن خيرٌ، أم محمّدٌ؟ فقالوا: وما أنتم، وما محمّدٌ؟ قالوا: صنبورٌ قطّع أرحامنا، واتّبعه سرّاق الحجيج: بنو غفار، فنحن أهدى سبيلًا أم هو؟ قالوا: أنتم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا (51) أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حسّان العبسي، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان، وإنّ الشّجاعة والجبن غرائز تكون في الرّجال، يقاتل الشّجاع عمّن لا يعرف، ويفرّ الجبّان عن أبيه، وإنّ كرم الرّجل دينه، وحسبه: خلقه، وإن كان فارسيًّا، أو نبطيًّا). [سنن سعيد بن منصور: 4/1280-1283]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال عمر: " الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان " وقال عكرمة: " الجبت: بلسان الحبشة شيطانٌ، والطّاغوت: الكاهن "). [صحيح البخاري: 6/45]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الجبت السّحر والطّاغوت الشّيطان وصله عبد بن حميدٍ في تفسيره ومسدّدٌ في مسنده وعبد الرّحمن بن رستة في كتاب الإيمان كلّهم من طريق أبي إسحاق عن حسّان بن فائدٍ عن عمر مثله وإسناده قويٌّ وقد وقع التّصريح بسماع أبي إسحاق له من حسّان وسماع حسّان من عمر في رواية رستة وحسّان بن فائدٍ بالفاء عبسيٌّ بالموحّدة قال أبو حاتم شيخ وذكره بن حبّان في الثّقات وروى الطّبريّ عن مجاهدٍ مثل قول عمر وزاد والطاغوت الشّيطان في صورة إنسانٍ يتحاكمون إليه ومن طريق سعيد بن جبيرٍ وأبي العالية قال الجبت السّاحر والطّاغوت الكاهن وهذا يمكن ردّه بالتّأويل إلى الّذي قبله قوله وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطانٌ والطّاغوت الكاهن وصله عبد بن حميدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عنه وروى الطّبريّ من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة قال كنّا نتحدّث أنّ الجبت الشّيطان والطّاغوت الكاهن ومن طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال الجبت الأصنام والطّواغيت الّذين كانوا يعبّرون عن الأصنام بالكذب قال وزعم رجالٌ أنّ الجبت الكاهن والطّاغوت رجلٌ من اليهود يدعى كعب بن الأشرف ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال الجبت حييّ بن أخطب والطّاغوت كعب بن الأشرف واختار الطّبريّ أنّ المراد بالجبت والطّاغوت جنس من كان يعبد من دون اللّه سواءٌ كان صنمًا أو شيطانًا جنّيًّا أو آدميًّا فيدخل فيه السّاحر والكاهن واللّه أعلم وأمّا قول عكرمة إنّ الجبت بلسان الحبشة الشّيطان فقد وافقه سعيد بن جبيرٍ على ذلك لكن عبّر عنه بالسّاحر أخرجه الطّبريّ بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال الجبت السّاحر بلسان الحبشة والطّاغوت الكاهن وهذا مصيرٌ منهما إلى وقوع المعرّب في القرآن وهي مسألةٌ اختلف فيها فبالغ الشّافعيّ وأبو عبيدة اللّغويّ وغيرهما في إنكار ذلك فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين وأجاز ذلك جماعة واختاره بن الحاجب واحتجّ له بوقوع أسماء الأعلام فيه كإبراهيم فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس وقد وقع في صحيح البخاريّ جملةٌ من هذا وتتبّع القاضي تاج الدّين السّبكيّ ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبياتٍ ذكرها في شرحه على المختصر وعبّر بقوله يجمعها هذه الأبيات فذكرها وقد تتبّعت بعده زيادةً كثيرةً على ذلك تقرب من عدّة ما أورد ونظمتها أيضًا وليس جميع ما أورده هو متّفقًا على أنّه من ذلك لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة فأوّل بيتٍ منها من نظمي والخمسة الّتي تليه له وباقيها لي أيضًا فقلت من المعرّب عدّ التّاج كزّ وقد ألحقت كدّ وضمّتها الأساطير السّلسبيل وطه كوّرت بيعٌ رومٌ وطوبى وسجّيلٌ وكافور والزّنجبيل ومشكاةٌ سرادق مع إستبرقٍ صلواتٌ سندسٌ طور كذا قراطيس ربانيهم وغساق ثمّ دينار القسطاس مشهور كذاك قسورةٌ واليمّ ناشئةٌ ويؤت كفلين مذكورٌ ومسطور له مقاليد فردوس يعد كذا فيما حكى بن دريدٍ منه تنّور وزدت حرم ومهل والسّجلّ كذا السّريّ والأبّ ثمّ الجبت مذكور وقطّنا وإناه ثمّ متّكأً دارست يصهر منه فهو مصهور وهيت والسّكر الأوّاه مع حصبٍ وأوّبي معه والطّاغوت منظور صرهنّ إصري وغيض الماء مع وزر ثمّ الرّقيم مناصٌ والسّنا النّور والمراد بقولي كزّ أنّ عدّة ما ذكره التّاج سبعةٌ وعشرون وبقولي كدّ أنّ عدّة ما ذكرته أربعةٌ وعشرون وأنا معترفٌ أنّني لم أستوعب ما يستدرك عليه فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء تقدّم منها في هذا الشّرح الرّحمن وراعنا وقد عزمت أنّي إذا أتيت على آخر شرح هذا التّفسير إن شاء اللّه تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادةٍ في ذلك منظومًا إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/252-253]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال جابر كانت الطواغيت الّتي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حيّ واحد كهان ينزل عليهم الشّيطان وقال عمر الجبت السحر والطاغوت الشّيطان
وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن
وأما قول جابر فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا الحسن بن الصّباح ثنا إسماعيل ابن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل عن أبيه عقيل بن معقل بن وهب بن منبّه قال سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت فذكره وزاد وفي هلال واحد
وأما قول عمر فقال عبد بن حميد ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر بهذا
رواه مسدّد في مسنده الكبير عن يحيى بن سعيد عن شعبة به
قرأت على عبد الله بن عمر الحلاوي عن زينب المقدسية عن عجيبة عن مسعود بن الحسن أن المطهر بن عبد الواحد أخبرهم أنا أبو عمر بن عبد الوهّاب أنا عبد الله بن محمّد بن عمر الزّهريّ أنبأ عمي عبد الرّحمن بن عمر رسته ثنا عبد الرّحمن ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد العبسي قال: قال عمر بن الخطاب الجبت الطاغوت قال الجبت السحر والطاغوت الشّيطان
ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت حسان بن فايد أنه سمع عمر بن الخطاب مثله
وأما قول عكرمة فقال عبد ثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عكرمة به). [تغليق التعليق: 4/195-196]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال عمر الجبت السّحر والطّاغوت الشّيطان وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطانٌ والطاغوت الكاهن.
أشار به إلى قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} (النّساء: 51) وأثر عمر رواه عبد بن حميد عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن قائد عن عمر، وأثر عكرمة رواه عبد أيضا عن أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عنه، واختار الطّبريّ أن المراد بالجبت والطاغوت جنس ما كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا أو آدميًّا، فيدخل فيه السّاحر والكاهن، وأخرج الطّبريّ أيضا بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير. قال: الجبت السّاحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن، وهذا يدل على وقوع المعرب في القرآن. واختلف فيه فأنكر الشّافعي وأبو عبيدة وقوع ذلك في القرآن وحملا ما وجد من ذلك على توارد اللغتين، وأجاز ذلك قوم واختاره ابن الحاجب واحتج لذلك بوقوع إسماء الإعلام فيه كإبراهيم وغيره، فلا مانع من وقوع إسماء الأجناس فيه أيضا وقد وقع في البخاريّ جملة من ذلك، وقيل: ما وقع من ذلك في القرآن سبعة وعشرون وهي (السلسبيل) و (كورت) وبيع (روم) و (طوبى) و (سجيل) و (كافور) و (زنجبيل) و (ومشكاة) و (وسرادق) و (استبرق) و (صلوات) و (سندس) و (طور) و (قراطيس) و (ربانيين) و (غساق) و (دينار) و (قسطاس) و (قسورة) و (اليم) و (ناشئة) و (كفلين)
و (مقاليد) و (فردوس) و (تنور) ). [عمدة القاري: 18/175-176]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال عمر) بن الخطاب مما هو موصول عند عبد بن حميد في قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51] (الجبت) هو (السحر والطاغوت) هو (الشيطان وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله عد بن حميد أيضًا (الجبت بلسان الحبشة) هو (شيطان والطاغوت) هو (الكاهن) وفيه جواز وقوع المعرّب في القرآن وحمله الشافعي على توارد اللغتين). [إرشاد الساري: 7/84]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {يؤمنون بالجبت والطّاغوت} قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان في صورة إنسانٍ يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 84]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المعتمر، عن عوفٍ، قال: حدّثني حيّان، بإصطخرٍ، عن قطن بن قبيصة، عن أبيه: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الطّرق، والطّيرة، والعيافة من الجبت»).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/66]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ألم تر بقلبك يا محمّد إلى الّذين أعطوا نصيبًا حظًّا من كتاب اللّه فعلموه يؤمنون بالجبت والطّاغوت، يعني: يصدّقون بالجبت والطّاغوت ويكفرون باللّه، وهم يعلمون أنّ الإيمان بهما كفرٌ والتّصديق بهما شركٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى الجبت والطّاغوت، فقال بعضهم: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني أيّوب، عن عكرمة، أنّه قال: الجبت والطّاغوت: صنمان.
وقال آخرون: الجبت: الأصنام، والطّاغوت: تراجمة الأصنام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} الجبت: الأصنام، والطّاغوت: الّذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبّرون عنها الكذب ليضلّوا النّاس وزعم رجالٌ أنّ الجبت: الكاهن. والطّاغوت: رجلٌ من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وكان سيّد اليهود.
وقال آخرون: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن حسّان بن فائدٍ، قال: قال عمر رضي اللّه عنه: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ العنسيّ، عن عمر مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عمّن حدّثه، عن مجاهدٍ، قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثني يعقوب، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا زكريّا، عن الشّعبيّ، قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يؤمنون بالجبت والطّاغوت} قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان في صورة إنسانٍ يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان والكاهن حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ قال: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان والكاهن.
وقال آخرون: الجبت: السّاحر، والطّاغوت: الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: كان أبي يقول: الجبت: السّاحر، والطّاغوت: الشّيطان.
وقال آخرون: الجبت: السّاحر، والطّاغوت: الكاهن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: {الجبت والطّاغوت} قال: الجبت: السّاحر بلسان الحبشة، والطّاغوت: الكاهن.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهاب، قال: حدّثنا داود، عن رفيعٍ، قال: الجبت: السّاحر، والطّاغوت: الكاهن.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن أبي العالية، أنّه قال: الطّاغوت: السّاحر، والجبت: الكاهن.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: أخبرنا هشيمٌ، عن داود، عن أبي العالية في قوله: {الجبت والطّاغوت} قال: أحدهما السّحر، والآخر الشّيطان.
وقال آخرون: الجبت: الشّيطان، والطّاغوت: الكاهن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {يؤمنون بالجبت والطّاغوت} كنّا نحدّث أنّ الجبت شيطانٌ، والطّاغوت الكاهن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ، قال: الجبت: الشّيطان، والطّاغوت: الكاهن.
- حدثنا محمد بن عوف قال حدثنا أبو اليمان قال حدثنا صفوان بن عمرو عن رشدين بن سعيد عن عكرمة عن أبى بردة أنه كان كاهنا في الجاهلية فتنافر إليه ناس ممن اسلم فأنز الله عز وجل {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} إلى آخر الآية.
وقال آخرون: الجبت: الكاهن، والطّاغوت: الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الجبت: الكاهن: والطّاغوت:
وقال آخرون الجبت الكاهن والطاغوت السّاحر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن محمّدٍ، قال في الجبت والطّاغوت قال: الجبت: الكاهن، والآخر: السّاحر.
- حدثني ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبى سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن الجبيت قال: قال مكحول الكاهن.
وقال آخرون: الجبت: حييّ بن أخطب، والطّاغوت: كعب بن الأشرف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يؤمنون بالجبت والطّاغوت} الطّاغوت: كعب بن الأشرف، والجبت: حييّ بن أخطب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: الجبت: حييّ بن أخطب، والطّاغوت: كعب بن الأشرف.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {الجبت والطّاغوت} قال: الجبت: حييّ بن أخطب، والطّاغوت: كعب بن الأشرف.
وقال آخرون: الجبت: كعب بن الأشرف، والطّاغوت: الشّيطان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الجبت كعب بن الأشرف، والطّاغوت: الشّيطان كان في صورة إنسانٍ.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في تأويل: {يؤمنون بالجبت والطّاغوت} أن يقال: يصدّقون بمعبودين من دون اللّه يعبدونهما من دون اللّه، ويتّخذونهما إلهين. وذلك أنّ الجبت والطّاغوت اسمان لكلّ معظّمٍ بعبادةٍ من دون اللّه، أو طاعةٍ أو خضوعٍ له، كائنًا ما كان ذلك المعظّم من حجرٍ أو إنسانٍ أو شيطانٍ.
وإذ كان ذلك كذلك وكانت الأصنام الّتي كانت الجاهليّة تعبدها كانت معظّمةً بالعبادة من دون اللّه فقد كانت جبوتًا وطواغيت، وكذلك الشّياطين الّتي كانت الكفّار تطيعها في معصية اللّه، وكذلك السّاحر والكاهن اللّذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشّرك باللّه، وكذلك حييّ بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنّهما كانا مطاعين في أهل ملّتهما من اليهود في معصية اللّه والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين.
وقد بيّنت الأصل الّذي منه قيل للطّاغوت طاغوتٌ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 7/134-141]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ويقولون للّذين جحدوا وحدانيّة اللّه ورسالة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {هؤلاء} يعني بذلك: هؤلاء الّذين وصفهم اللّه بالكفر {أهدى} يعني أقوم وأعدل {من الّذين آمنوا} يعني من الّذين صدقوا اللّه ورسوله وأقرّوا بما جاءهم به نبيّهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم {سبيلاً} يعني: طريقًا
وإنّما ذلك مثلٌ، ومعنى الكلام: إنّ اللّه وصف الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير اللّه بالعبادة والإذعان له بالطّاعة في الكفر باللّه ورسوله ومعصيتهما، وأنّهم قالوا: إنّ أهل الكفر باللّه أولى بالحقّ من أهل الإيمان به، وإنّ دين أهل التّكذيب للّه ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التّصديق للّه ولرسوله.
وذكر أنّ ذلك من صفة كعب بن الأشرف، وأنّه قائلٌ ذلك.
ذكر الآثار الواردة بما قلنا:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة قالت له قريشٌ: أنت خير أهل المدينة وسيّدهم؟ قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا الصّنبور المنبتر من قومه يزعم أنّه خيرٌ منّا، ونحن أهل الحجيج وأهل السّدانة وأهل السّقاية؟ قال: أنتم خيرٌ منه. قال: فأنزلت: {إنّ شانئك هو الأبتر} وأنزلت: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} إلى قوله: {فلن تجد له نصيرًا}.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، في هذه الآية: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} ثمّ ذكر نحوه.
- وحدّثني إسحاق بن شاهين قال: أخبرنا خالدٌ الواسطيّ، عن داود، عن عكرمة قال: قدم كعب بن الأشرف مكّة، فقال له المشركون: احكم بيننا وبين هذا الصّنبور الأبتر، فأنت سيّدنا وسيّد قومك. فقال كعبٌ: أنتم واللّه خيرٌ منه. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى آخر الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ قال: أخبرنا أيّوب، عن عكرمة: أنّ كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفّار قريشٍ، فاستجاشهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمرهم أن يغزوه، وقال: إنّا معكم نقاتله، فقالوا: إنّكم أهل كتابٍ، وهو صاحب كتابٍ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرًا منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصّنمين وآمن بهما. ففعل. ثمّ قالوا: نحن أهدى أم محمّدٌ؟ فنحن ننحر الكوماء ونسقي اللّبن على الماء، ونصل الرّحم، ونقري الضّيف، ونطوف بهذا البيت، ومحمّدٌ قطع رحمه، وخرج من بلده. قال: بل أنتم خيرٌ وأهدى. فنزلت فيه: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا كان من أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويهود من بني النّضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريّين، فهمّوا به وبأصحابه، فأطلع اللّه رسوله على ما همّوا به من ذلك، ورجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، هرب كعب بن الأشرف حتّى أتى مكّة، فعاهدهم على محمّدٍ، فقال له أبو سفيان: يا أبا سعدٍ، إنّكم قومٌ تقرءون الكتاب وتعلمون، ونحن قومٌ لا نعلم، فأخبرنا: ديننا خيرٌ أم دين محمّدٍ؟ قال كعبٌ: اعرضوا عليّ دينكم. فقال أبو سفيان: نحن قومٌ ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضّيف، ونعمر بيت ربّنا، ونعبد آلهتنا الّتي كان يعبد آباؤنا، ومحمّدٌ يأمرنا أن نترك هذا ونتّبعه. قال: دينكم خيرٌ من دين محمّدٍ، فاثبتوا عليه. ألا ترون أنّ محمّدًا يزعم أنّه بعث بالتّواضع، وهو ينكح من النّساء ما شاء؟ وما نعلم ملكًا أعظم من ملك النّساء. فذلك حين يقول: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: نزلت في كعب بن الأشرف وكفّار قريشٍ انه قال: كفّار قريشٍ أهدى من محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام. قال ابن جريجٍ: قدم كعب بن الأشرف، فجاءته قريشٌ فسألته عن محمّدٍ فصغّر أمره ويسّره وأخبرهم أنّه ضالٌّ. قال: ثمّ قالوا له: ننشدك اللّه نحن أهدى أم هو؟ فإنّك قد علمت أنّا ننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعمر البيت، ونطعم ما هبّت الرّيح. قال: أنتم أهدى.
- حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبى عدى قال أنبنا داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الاشرق بمكة أتوه فقالوا له نحن أهل السقاية والسندانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصنبور المبتر من قومه يزعم أنه خير منا قال بل أنتم خير منه قال فنزلت {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى قوله نصيرا.
وقال آخرون: بل هذه الصّفة صفة جماعةٍ من اليهود منهم حييّ بن أخطب، وهم الّذين قالوا للمشركين ما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوه لهم.
ذكر الأخبار بذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن قاله قال: أخبرني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان الّذين حزّبوا الأحزاب من قريشٍ وغطفان وبني قريظة حييّ بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وأبو رافعٍ، والرّبيع بن والرّبيع أبي الحقيق، وأبو عمارٍ، ووحوح بن عامرٍ، وهوذة بن قيسٍ؛ فأمّا وحوح وأبو عمارٍ، وهوذة فمن بني وائلٍ، وكان سائرهم من بني النّضير. فلمّا قدموا على قريشٍ، قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول، فاسألوهم أدينكم خيرٌ، أم دين محمّدٍ؟ فسألوهم، فقالوا: بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أهدى منه وممّن اتّبعه. فأنزل اللّه فيهم: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} إلى قوله: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} الآية قال: ذكر لنا أنّ هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب ورجلين من اليهود من بني النّضير لقيا قريشًا بموسمٍ، فقال لهم المشركون: أنحن أهدى أم محمّدٌ وأصحابه؟ فإنّا أهل السّدانة والسّقاية وأهل الحرم. فقالا: لا، بل أنت أهدى من محمّدٍ وأصحابه. وهما يعلمان أنّهما كاذبان، إنّما حملهما على ذلك حسد محمّدٍ وأصحابه.
وقال آخرون: بل هذه صفة حييّ بن أخطب وحده، وإيّاه عنى بقوله: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى آخر الآية قال: جاء حييّ بن أخطب إلى المشركين، فقالوا: يا حييّ إنّكم أصحاب كتبٍ، فنحن خيرٌ أم محمّدٌ وأصحابه؟ فقال: نحن وأنتم خيرٌ منهم. فذلك قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى قوله: {ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا}
وأولى الأقوال بالصّحّة في ذلك قول من قال: إنّ ذلك خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن جماعةٍ من أهل الكتاب من اليهود، وجائزٌ أن تكون كانت الجماعة الّذين سمّاهم ابن عبّاسٍ في الخبر الّذي رواه محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعدٍ ابن جبر وجائز أن يكون حييًّا وآخر معه، إمّا كعبًا وإمّا غيره). [جامع البيان: 7/141-147]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا (51)
قوله تعالى: ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب
- ذكر عن محمّد بن بشّارٍ ومحمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ قالا: ثنا ابن أبي عديٍّ، قال: أنبأ داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة قالت قريشٌ: أنّه خير أهل المدينة، أو خير أهل المدينة وسيّدهم، ألا ترى إلى هذا الّذي يزعم إنّه خيرٌ منّا ونحن أهل الحجيج وأهل السّدانة وأهل السّقاية، أم هذا المنبتر قومه، يزعم أنّه خيرٌ منّا. قال: بل أنتم خيرٌ منه فنزلت: إنّ شانئك هو الأبتر
وأنزلت عليه: ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت الآية.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة قال: جاء حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكّة، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرونا عنّا وعن محمّدٍ، فقالوا: ما أنتم وما محمّدٌ؟
فقالوا: نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء، ونسقي الماء على اللّبن، ونفكّ العناة، ونسقي الحجيج، ومحمّدٌ صنبورٌ قطع أرحامنا واتّبعه سرّاق الحجيج بنوا غفار، فنحن خير أم هو؟ قالوا: أنتم خيرٌ وأهدى سبيلا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا.
قوله تعالى: يؤمنون بالجبت
[الوجه الأول]
- حدثنا أحمد بن منصور بن راشد المزوري، ثنا النّضر بن شميلٍ، ثنا عوفٌ، عن حيّان، ثنا قطن بن قبيصة، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: العيافة والطّرق والطّيرة من الجبت.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ (ح) وثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ، عن عمر قال: الجبت: السّحر- وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ والشّعبيّ في إحدى الرّوايات، وعكرمة وعطاء بن أبي رباحٍ وعطاءٍ الخراسانيّ، وسعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- ذكر عن نعيم بن حمّادٍ المصريّ، ثنا عبد الحميد بن عبد الرّحمن يعني:
الحمّانيّ، عن النّضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الجبت: رسم الشّيطان بالحبشيّة
- وروى عن عكرمة، وأبي مالكٍ وعطيّة قالوا: الشيطان.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: يؤمنون بالجبت يقول: الشّرك.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: يؤمنون بالجبت قال: الجبت: الأصنام، وفي قوله أيضاً: الجبت: حييّ بن أخطب.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عقبة، عن حنش بن الحارث، قال: سمعت الشّعبيّ يقول: الجبت: الكاهن-
وروي عن سعيد بن جبيرٍ في إحدى الرّوايات والضّحّاك ويحيى بن أبي كثيرٍ، وخصيفٍ قالوا: الجبت: الكاهن.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: بالجبت قال: الجبت، كعب بن الأشرف.
قوله تعالى: والطاغوت
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، وثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ، عن عمر قال:
الطّاغوت: الشّيطان. وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي العالية والشّعبيّ ومجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة والضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: الطّاغوت قال: كعب بن الأشرف. وروي عن عطيّة وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: الطّاغوت قال: الطّاغوت الّذي يكون بين يدي الأصنام، يعبّرون عنها الكذب ليضلّوا النّاس.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا إسحاق بن الضّيف، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ أخبرني أبو الزّبير، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه أنّه سئل عن الطّواغيت، قال: هم كهّانٌ تنزل عليهم شياطين.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قال: الطّاغوت: الكاهن. وروي عن أبي العالية في إحدى الرّوايات، وعكرمة في إحدى الرّوايات، والشّعبيّ في إحدى الرّوايات وسعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثني عقبة، عن حنش بن الحارث، قال:
سمعت الشّعبيّ يقول: الطّاغوت السّاحر.
والوجه السّادس:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: الطّاغوت قال: الشّيطان في صورة الإنسان، يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس يعني ابن عبد الأعلى- ثنا ابن وهبٍ قال:
وقال لي مالكٌ: الطّاغوت: ما يعبدون من دون اللّه.
قوله تعالى: ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، أنّ أهل مكّة قالوا لكعب بن الأشرف وقدم عليهم: ديننا خيرٌ أو دين محمّدٍ؟ قال: اعرضوا عليّ دينكم. قالوا: نعم، نعمر بيت اللّه، وننحر الكوماء ونسقي الحجّاج، ونصل الرّحم ونقري الضّيف، قال: دينكم خيرٌ من دين محمّدٍ، فأنزل اللّه تعالى ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفرٍ، ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه تعالى ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا قال: يهود تقول ذلك، يقولون: قريشٌ أهدى من محمّدٍ وأصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 3/973-977]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمداني عن حسان بن فائد عن عمر بن الخطاب قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان
). [تفسير مجاهد: 161]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم
). [تفسير مجاهد: 161]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن أبي العالية الرياحي قال الجبت الساحر والطاغوت الكاهن
). [تفسير مجاهد: 161]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا} [النساء: 51]
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «قدم حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف مكّة، فحالفوهم على قتال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقالوا لهم: أنتم أهل العلم القديم والكتاب الأوّل فأخبرونا عنّا وعن محمّدٍ؟ فقالوا: وما أنتم وما محمّدٌ؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونسقي اللّبن على الماء، ونفكّ العناة، ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام، قالوا: فما محمّدٌ؟ قالوا: صنبورٌ قطّع أرحامنا، واتّبعه سرّاق الحجيج بنو غفار، قالوا: بل أنتم خيرٌ منه وأهدى سبيلًا. فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} [النساء: 51] الآية».
رواه الطّبرانيّ، وفيه يونس بن سليمان الجمّال ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح).
[مجمع الزوائد: 7/5-6]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا الحسن بن سفيان حدّثنا محمّد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي حدّثنا داود بن أبي هندٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال لمّا قدم كعب بن الأشرف مكّة أتوه فقالوا نحن أهل السّقاية والسدانة وأنت سيد أهل مكّة فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنّه خيرٌ منّا فقال أنتم خير منه فنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {إنّ شانئك هو الأبتر} وأنزلت عليه {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً}).
[موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/428]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: قدم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب فأخبرونا عنا وعن محمد قالوا: ما أنتم وما محمد قالوا: ننحر الكوماء ونسقس اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج ونصل الأرحام، قالوا: فما محمد قالوا صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، قالوا: لا بل أنتم خير منهم وأهدى سبيلا، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلى آخر الآية
وأخرجه سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة مرسلا.
وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية قال: أنتم خير منه، فأنزلت (إن شائنك هو الأبتر) (الكوثر الآية 3) وأنزلت {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلى قوله {نصيرا}.
واخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن عكرمة أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يغزوه وقال: إنا معكم نقاتله، فقالوا: إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردت أن تخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل، ثم قالوا: نحن أهدى أم محمد فنحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بهذا البيت ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده، قال: بل أنتم خير وأهدى، فنزلت فيه {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: أنزلت في كعب بن الأشرف قال: كفار قريش أهدى من محمد عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن السدي عن أبي مالك قال: لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود من النضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين فهموا به وبأصحابه فاطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة فعاهدهم على محمد فقال له أبو سفيان: يا أبا سعيد إنكم قوم تقرأون الكتاب وتعلمون ونحن قوم لا نعلم فأخبرنا ديننا خير أم دين محمد قال كعب: اعرضوا علي دينكم، فقال أبو سفيان: نحن قوم ننحر الكوماء ونسقي الحجيج الماء ونقري الضيف ونحمي بيت ربنا ونعبد آلهتنا التي كان يعبد أباؤنا ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه، قال: دينكم خير من دين محمد فاثبتوا عليه ألا ترون أن محمدا يزعم أنه بعث بالتواضع وهو ينكح من النساء ما شاء وما نعلم ملكا أعظم من ملك النساء، فذلك حين يقول {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا} الآية
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وعمارة ووحوح بن عارم وهودة بن قيس، فأما وحوح بن عامر وهودة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد فسألوهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه ومن
اتبعه، فأنزل الله فيهم {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} إلى قوله {ملكا عظيما}.
وأخرج البيهقي في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه، عن جابر بن عبد الله قال: لما كان من أن أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما كان اعتزل كعب بن الأشرف ولحق بمكة وكان بها وقال: لا أعين عليه ولا أقاتله، فقيل له بمكة: يا كعب أديننا خير أم دين محمد وأصحابه قال: دينكم خير وأقدم ودين محمد حديث، فنزلت فيه {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضير أتيا قريشا بالموسم فقال لهم المشركون: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم فقالا: بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه وهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن عكرمة قال: الجبت والطاغوت: صنمان.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ورستة في الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: الجبت الساحر والطاغوت الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طرق عن مجاهد، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف
وأخرج ابن جرير عن الضحاك، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجبت الأصنام والطاغوت الذي يكون بين يدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجبت اسم الشيطان بالحبشية والطاغوت كهان العرب.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: الجبت الشيطان بلسان الحبش والطاغوت الكاهن.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن، واخرج عن أبي العالية قال: الطاغوت الساحر والجبت الكاهن.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن الجبت شيطان والطاغوت الكاهن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق ليث عن مجاهد قال: الجبت كعب بن الأشرف والطاغوت الشيطان كان في صورة إنسان، واخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن أبي حاتم عن قبيصة بن مخارق أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت.
وأخرج رستة في الإيمان عن مجاهد في قوله {ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} قال: اليهود تقول ذاك يقولون: قريش أهدى من محمد وأصحابه).
[الدر المنثور: 4/479-485]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا (51) أولئك الّذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة قال: قدم حييّ بن أخطب، وكعب بن الأشرف إلى مكّة، فقالت قريشٌ: أنتم أهل الكتاب، وأهل العلم، فنحن خيرٌ، أم محمّدٌ؟ فقالوا: وما أنتم، وما محمّدٌ؟ قالوا: صنبورٌ قطّع أرحامنا، واتّبعه سرّاق الحجيج: بنو غفار، فنحن أهدى سبيلًا أم هو؟ قالوا: أنتم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلًا (51) أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حسّان العبسي، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان، وإنّ الشّجاعة والجبن غرائز تكون في الرّجال، يقاتل الشّجاع عمّن لا يعرف، ويفرّ الجبّان عن أبيه، وإنّ كرم الرّجل دينه، وحسبه: خلقه، وإن كان فارسيًّا، أو نبطيًّا).
[سنن سعيد بن منصور: 4/1280-1283] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله {أولئك} هؤلاء الّذين وصف صفتهم أنّهم أوتوا نصيبًا من الكتاب وهم يؤمنون بالجبت والطّاغوت، هم الّذين لعنهم اللّه، يقول: أخزاهم اللّه فأبعدهم من رحمته بإيمانهم بالجبت والطّاغوت وكفرهم باللّه ورسوله، عنادًا منهم للّه ولرسوله، وبقولهم: {للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً} {ومن يلعن اللّه} يقول: ومن يخزه اللّه فيبعده من رحمته {فلن تجد له نصيرًا} يقول: فلن تجد له يا محمّد ناصرًا ينصره من عقوبة اللّه ولعنته الّتي تحلّ به فيدفع ذلك عنه؛ كما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال كعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب ما قالا، يعني قولهما: هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً، وهما يعلمان أنّهما كاذبان، فأنزل اللّه: {أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا}).
[جامع البيان: 7/148]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا (52)
قوله تعالى: أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: ذكر لنا هذه الآية، نزلت في كعب بن الأشرف وحييّ بن أخطب، رجلين من اليهود من بني النّضير، لقيا قريشاً بالموسم، فقال لهم المشركون: نحن أهدى أم محمّدٌ وأصحابه؟ فأنزل اللّه تعالى أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيراً).
[تفسير القرآن العظيم: 3/977]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن القطمير القشرة التي تكون على النواة، والنقير النقطة التي على ظهرها، والفتيل الذي في شق النواة).
[الجامع في علوم القرآن: 1/20] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أنه سمع عطاء يقول: القطمير القشر الذي يكون بين النواة والتمرة، والنقير الذي في ظهر النواة، والفتيل الذي في بطن النواة).
[الجامع في علوم القرآن: 1/91-92] (م)
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: النّقير: النّقرة الّتي تكون في شقّ النّواة، والقطمير: القشر الّذي يكون على النّواة). [سنن سعيد بن منصور: 4/1285]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً} قال: فليس لهم نصيبٌ ولو كان لهم نصيبٌ أن يؤتوا النّاس يقتّروا.
قال: والنّقير: حبّة النّواة الّتي تكون في وسطها). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 84-85]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لاّ يؤتون النّاس نقيرًا} يعني بذلك جلّ ثناؤه: {أم لهم نصيبٌ من الملك} أم لهم حظٌّ من الملك، يقول: ليس لهم حظٌّ من الملك. كما:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أم لهم نصيبٌ من الملك} يقول: لو كان لهم نصيبٌ من الملك إذًا لم يؤتوا محمّدًا نقيرًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال اللّه: {أم لهم نصيبٌ من الملك} قال: فليس لهم فلو كان لهم نصيبٌ من الملك لم يؤتون النّاس نقيرًا} يقول ولو كان لهم نصيبٌ وحظّ من الملك، لم يكونوا إذًا يعطون النّاس نقيرًا من بخلهم.
واختلف أهل التّأويل في معنى النّقير، فقال بعضهم: هو النّقطة الّتي في ظهر النّواة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني عبد اللّه قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {نقيرًا} يقول: النّقطة الّتي في ظهر النّواة.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت قال: حدّثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: النّقير الّذي في ظهر النّواة.
- حدّثني جعفر بن محمّدٍ الكوفيّ الدوزيّ قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن خصيفٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: النّقير: وسط النّواة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} النّقير: نقير النّواة: وسطها.
- حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتلدة في قوله {نقيرًا} قال النقير الذي في وسط النوة من ظهرها.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} يقول: لو كان لهم نصيبٌ من الملك إذًا لم يؤتوا محمّدًا نقيرًا، والنّقير: النّكتة الّتي في وسط النّواة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني طلحة بن عمرٍو أنّه سمع عطاء بن أبي رباحٍ، يقول: النّقير: الّذي في ظهر النّواة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد: النّقير: الّذي في ظهر النّواة.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: النّقير: النّقرة الّتي تكون في ظهر النّواة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، قال: النّقير: الّذي في ظهر النّواة.
وقال آخرون:بل النّقير: الحبّة الّتي تكون في وسط النّواة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {نقيرًا} قال: النّقير: حبّة النّواة الّتي في وسطها.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} قال: النّقير: حبّة النّواة الّتي في وسطها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ قال: حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قال: النّقير في النّوى.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاج قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عبد اللّه بن كثير أنّه سمع مجاهدًا يقول: النّقير: نقير النّواة التي في بطنها وسطها.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول: النّقير: نقير النّواة الأبيض الّذي يكون في وسط النّواة.
وقال آخرون: معنى ذلك: نقر الرّجل الشّيء بطرف إبهامه
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد بن درهمٍ أبي العلاء، قال: سمعت أبا العالية عن ابن عباس النقير نقير الرجال أصبيعه كما ينقر الدرهم قال أبو العالية، ووضع ابن عبّاسٍ، طرف الإبهام على باطن السّبّابة ثمّ رفعهما وقال: هذا النّقير
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه وصف هؤلاء الفرقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشّيء الّذي لا خطر له، ولو كانوا ملوكًا وأهل قدرةٍ على الأشياء الجليلة الأقدار. فإذ كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بمعنى النّقير أن يكون أصغر ما يكون من النّقر، وإذا كان ذلك أولى به، فالنّقرة الّتي في ظهر النّواة من صغار النّقر، وقد يدخل في ذلك كلّ ما شاكلها من النّقر.
ورفع قوله: {لا يؤتون النّاس} ولم ينصب بإذًا، ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدئ الكلام بها؛ لأنّ معها فاءٌ، ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف العطف أن توجّه إلى الابتداء بها مرّةً وإلى النّقل عنها إلى غيرها أخرى، وهذا الموضع ممّا أريد بالفاء فيه النّقل عن إذًا إلى ما بعدها، وأن يكون معنى الكلام: أم لهم نصيبٌ من الملك فلا يؤتون النّاس نقيرًا إذن). [جامع البيان: 7/148-153]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا (53)
قوله تعالى: أم لهم نصيبٌ من الملك
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: أم لهم نصيبٌ من الملك فإذا لا يؤتون النّاس نقيراً يقول:
لو كان لهم نصيبٌ من ملكٍ إذاً لم يؤتوا محمّداً نقيراً.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا يزيد بن عبد العزيز، ثنا مسلمٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أم لهم نصيبٌ من الملك قال: فليس لهم نصيبٌ من الملك، ولو كان لهم نصيبٌ لم يؤتوا النّاس نقيراً.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإذا لا يؤتون النّاس نقيراً يقول: إذاً لم يؤتوا محمّدًا نقيرًا.
قوله تعالى: نقيرا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: نقيراً قال: النّقطة الّتي في ظهر النّواة.
وروي عن أبي مالكٍ، ومجاهدٍ والضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: نقيراً الّذي في وسط النّواة). [تفسير القرآن العظيم: 3/977-978]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال النقير حبة النواة التي في وسطها
). [تفسير مجاهد: 162]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {أم لهم نصيب من الملك} قال: فليس لهم نصيب ولو كان لهم نصيب لم يؤتوا الناس نقيرا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول: لو كان لهم نصيب من ملك إذن لم يؤتوا محمدا نقيرا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق خمسة عن ابن عباس قال: النقير: النقطة التي في ظهر النواة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن النقير قال: ما في شق ظهر النواة ومنه تنبت النخلة، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
وليس الناس بعدك في نقير = وليسوا غير أصداء وهام.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله {فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} ما النقير قال: ما في ظهر النواة قال فيه الشاعر:
لقد رزحت كلاب بني زبير = فما يعطون سائلهم نقيرا
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال: هذا النقير ووضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها).
[الدر المنثور: 4/485-486]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) )
- قال نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): (حدثني محمد بن كثير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {الكتاب والحكمة} قال: الكتاب والسنة.
- أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله). [الزهد لابن المبارك: 2/ 239-240]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي قال رأى موسى رجلا متعلقا بالعرش فغبطه بمكانه فسأل عنه فقال أخبرك بعلمه كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ولا يمشي بالنميمة ولا يعق والدية قال يا رب ومن يعق والديه قال الذي يستسب لهما فيسبان ولا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).
[تفسير عبد الرزاق: 1/165-166]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {آتيناهم ملكاً عظيماً} قال: النبوة). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 85]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا}
قال أبو جعفر رحمه الله جلا ثناؤه: أم يحسد هؤلاء الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود كما:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أم يحسدون النّاس} قال: اليهود.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
وأمّا قوله: {النّاس} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيمن عنى اللّه به، فقال بعضهم: عنى اللّه بذلك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرٌو ابن عون، قال: حدّثنا أسباطٌ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن خالدٍ، عن عكرمة، في قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} قال: النّاس في هذا الموضع: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن مفضّلٍ قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} قال: النّاس: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: فذكر نحوه.
وقال آخرون: بل عنى اللّه به العرب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} أولئك اليهود حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم اللّه من فضله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه عاتب اليهود الّذين وصف صفتهم في هذه الآيات، فقال لهم مبوخا لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان أنتم أهدى من محمّدٍ وأصحابه سبيلا على علمٍ منهم بأنّهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذبةً: أم يحسدون محمّدًا على ما آتاهم اللّه من فضله.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّ ما قبل قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} مضى بذمّ القائلين من اليهود للّذين كفروا: {هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً} فإلحاق قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} بذمّهم على ذلك، وتقريظ الّذين آمنوا الّذين قيل فيهم ما قيل أشبه وأولى، ما لم يأت دلالةٌ على انصراف معناه عن معنى ذلك. واختلف أهل التّأويل في تأويل الفضل الّذي أخبر اللّه أنّه آتى الّذين ذكرهم في قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} فقال بعضهم: ذلك الفضل هو النّبوّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم اللّه من فضله، بعث اللّه منهم نبيًّا فحسدوهم على ذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: {على ما آتاهم اللّه من فضله} قال: النّبوّة.
وقال آخرون: بل ذلك الفضل الّذي ذكر اللّه أنّه آتاهموه: هو إباحته ما أباح لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من النّساء، أن ينكح منهنّ ما شاء بغير عددٍ. قالوا: وإنّما يعني بالنّاس: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على ما ذكرت قبل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} الآية، وذلك أنّ أهل الكتاب قالوا: زعم محمّدٌ أنّه أوتي ما أوتي في تواضعٍ وله تسع نسوةٍ، ليس همّه إلاّ النّكاح، فأيّ ملكٍ أفضل من هذا؟ فقال اللّه: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني محمّدًا أن ينكح ما شاء من النّساء.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبو معاذ يقول اخبرنا عبيد قال سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} وذلك أنّ اليهود قالوا: ما شأن محمّدٍ أعطي النّبوّة كما يزعم وهو جائعٌ عارٍ، وليس له همٌّ إلاّ نكاح النّساء؟ فحسدوه على تزويج الأزواج، وأحلّ اللّه لمحمّدٍ أن ينكح منهنّ ما شاء أن ينكح.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب قول قتادة وابن جريجٍ الّذي ذكرناه قبل أنّ معنى الفضل في هذا الموضع النّبوّة الّتي فضّل اللّه بها محمّدًا، وشرّف بها العرب إذ آتاها رجلا منهم دون غيرهم، لما ذكرنا من أنّ دلالة ظاهر هذه الآية تدلّ على أنّها تقريظٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه عنهم، على ما قد بيّنّا قبل، وليس النّكاح وتزويج النّساء، وإن كان من فضل اللّه جلّ ثناؤه الّذي أتاه عباده بتقريظٍ لهم ومدحٍ). [جامع البيان: 7/153-157]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا}
يعني: بذلك جلّ ثناؤه: أم يحسد هؤلاء اليهود الّذين وصف صفتهم في هذه الآيات، النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله، من أجل أنّهم ليسوا منهم، فكيف لا يحسدون آل إبراهيم، فقد آتيناهم بالكتاب؟
ويعني بقوله: {فقد آتينا آل إبراهيم} فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني: أهله وأتباعه على دينه {الكتاب} يعني: كتاب اللّه الّذي أوحاه إليهم، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزّبور، وسائر ما آتاهم من الكتب.
وأمّا الحكمة، فما أوحى إليهم ممّا لم يكن كتابًا مقروءًا.
{وآتيناهم ملكًا عظيمًا} واختلف أهل التّأويل في معنى الملك العظيم الّذي عناه اللّه في هذه الآية، فقال بعضهم: هو النّبوّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمد ابن عمرو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أم يحسدون النّاس} قال: يهود {على ما آتاهم اللّه من فضله} فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب وليسوا منهم والحكمة {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} قال: النّبوّة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله، إلاّ أنّه قال: {ملكًا}: النّبوّة.
وقال آخرون: بل ذلك تحليل النّساء؛ قالوا: وإنّما عنى اللّه بذلك: أم يحسدون محمّدًا على ما أحلّ اللّه له من النّساء، فقد أحلّ اللّه مثل الّذي أحلّه له منهنّ لداود وسليمان وغيرهما من الأنبياء، فكيف لم يحسدوهم على ذلك وحسدوا محمّدًا عليه الصّلاة والسّلام؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فقد آتينا آل إبراهيم} سليمان وداود {الحكمة} يعني: النّبوّة. {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} في النّساء، فما باله حلّ لأولئك وهم أنبياء أن ينكح داود تسعًا وتسعين امرأةً، وينكح سليمان مائةً، ولا يحلّ لمحمّدٍ أن ينكح كما نكحوا.
وقال آخرون: بل معنى قوله: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} الّذي آوتى سليمان بن داود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} يعني: ملك سليمان.
وقال آخرون: بل كانوا أيّدوا بالملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن همّام بن الحارث: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} قال: أيّدوا بالملائكة والجنود.
- حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال حدّثنا شريح بن مسلمة قال حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبى إسحاق عن أبيه عن أبى إسحاق عبد الرحمن بن زيد عن أبى مسلم في قوله{وآتيناهم ملكًا عظيمًا} قال أيدو بالملائكة.
وأولى هذه الأقوال بتأويل، قوله: {وآتيناهم ملكًا عظيمًا} القول الّذي روي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال:
يعني: ملك سليمان؛ لأنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب، دون الّذي قال من قال إنّه ملك النّبوّة، ودون قول من قال: إنّه تحليل النّساء والملك عليهنّ. لأنّ كلام اللّه الّذي خوطب به العرب غير جائزٍ توجيهه إلاّ إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه، إلاّ أن تأتي دلالةٌ أو تقوم حجّةٌ على أنّ ذلك بخلاف ذلك يجب التّسليم لها). [جامع البيان: 7/158-161]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا (54)
قوله تعالى: أم يحسدون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: أم يحسدون النّاس قال: هم يهود.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: سمعت ابن عيينة: يقول اللّه تبارك وتعالى: الحاسد عدوٌّ لنعمتي، متسخّطٌ لقضائي، غير راضي لي بالقسم الّذي قسمت له.
قوله تعالى: الناس
- حدثنا أبو سعيد بن الأشجّ ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله قال: يحسدون محمد صلّى اللّه عليه وسلّم حين لم يكن منهم، وكفروا به.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا مسعود بن سعدٍ، ثنا جابرٌ الجعفيّ، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله قال: نحن النّاس.
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمر بن إبراهيم بن معمرٍ وعمرو بن رافعٍ قالا: ثنا هشيمٌ عن خالدٍ، عن عكرمة عن قوله: أم يحسدون النّاس على ما آتاهم الله من فضله قال: محمّدٌ وأصحابه.
والسّياق لأبي معمرٍ، وفي حديث عمرٍو قال: هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً.
قوله تعالى: على ما آتاهم اللّه من فضله
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي حدّثني عمّي الحسين حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله وذلك أنّ أهل الكتاب قالوا: زعم محمّدٌ أنّه أوتي ما أوتي في تواضعٍ، وله تسع نسوةٍ وليس همّه إلا النّكاح، فأيّ ملكٍ أفضل من هذا؟! فقال اللّه تعالى: أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله وروي عن عطيّة والضّحّاك وسعيد بن جبيرٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
- ذكره أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا معتمرٌ، عن شبيبٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله أعطي نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضع سبعين شابّاً، فحسدته اليهود، فقال اللّه تعالى: أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله
قوله تعالى: فقد آتينا آل إبراهيم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: فقد آتينا آل إبراهيم وسليمان وداود الحكمة.
قوله تعالى: الكتاب
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء ثنا يونس بن بكيرٍ، عن مطر بن ميمونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قوله: الكتاب قال: الخطّ القلم.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن الأزرق، ثنا محمّد بن شعيبٍ قال: سأل عثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ عن قول الله الكتاب والحكمة قال: الكتاب: الخطّ. وروي عن يحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ عن الهذليّ عن الحسن في قول اللّه تعالى الكتاب قال: القرآن. وروي عن أبي مالكٍ نحو ذلك
قوله تعالى: والحكمة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيد بن الأشجّ ثنا أسباطٌ ثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن الحسن في قوله: الكتاب والحكمة قال: الحكمة: السّنّة. وروي عن أبي مالكٍ، وقتادة ومقاتل بن حيّان ويحيى بن أبي كثيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: الحكمة يعني: النّبوّة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو همّامٍ، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني زيد بن أسلم، عن أبيه قال: الحكمة العقل في الدّين.
قوله تعالى: وآتيناهم ملكًا عظيما
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: ملكاً عظيماً يعني: ملك سليمان.
وروي عن عطيّة مثل ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وآتيناهم ملكاً عظيماً في النّساء، فما باله أحلّت لأولئك الأنبياء، أن ينكح داود تسعاً وتسعين امرأةً، وينكح سليمان مائة امرأةٍ، ولا يحلّ لمحمّدٍ أن ينكح كما نكحوا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا شريح بن مسلمة، ثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن يزيد عن أبي مسلمٍ في قوله: وآتيناهم ملكاً عظيماً قال: أمدّوا بالملائكة. قال أبو محمّدٍ: اختلفت الرّوايات عن أبي إسحاق، فروى أشعث بن سوّارٍ عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن يزيد قوله، وروي عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن همّام بن الحارث هذا التّفسير.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن الرّبيع، عن الحسن وآتيناهم ملكاً عظيماً قال: النّبوّة. وروي عن مجاهدٍ والثّوريّ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو عبيدة السّريّ بن يحيى بن السّريّ فيما كتب إليّ، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن ابن أبجر وآتيناهم ملكاً عظيماً قال: المملكة والجنود). [تفسير القرآن العظيم: 3/978-981]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وهم أعداء الله اليهود حسدوا محمدا صلى الله عليه وسلم يقول الله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وليسوا منهم وآتيناهم ملكا عظيما يعني النبوة فمنهم من آمن به بما أنزل على محمد يعني من اليهود ومنهم من صد عنه
). [تفسير مجاهد: 162]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} [النساء: 54]
- قال ابن عبّاسٍ: نحن النّاس دون النّاس.
رواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى الحمّانيّ، وهو ضعيفٌ).
[مجمع الزوائد: 7/6]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {أم يحسدون الناس} قال: هم يهود.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا، فأنزل الله هذه الآية {أم يحسدون الناس} إلى قوله {ملكا عظيما} يعني ملك سليمان.
وأخرج ابن المنذر عن عطية قال: قالت اليهود للمسلمين: تزعمون أن محمدا أوتي الدين في تواضع وعنده تسع نسوة أي ملك أعظم من هذا فأنزل الله {أم يحسدون الناس} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك، نحوه.
وأخرج ابن المنذر والطبراني من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله {أم يحسدون الناس} قال: نحن الناس دون الناس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {أم يحسدون الناس} قال: الناس في هذا الموضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، واخرج ابن جرير عن مجاهد {أم يحسدون الناس} قال: محمد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أعطى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بضع وسبعين شابا فحسدته اليهود فقال الله {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال: يحسدون محمدا حين لم يكن منهم وكفروا به.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية {أم يحسدون الناس} قال: أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب {على ما آتاهم الله من فضله} بعث الله منهم نبيا فحسدوهم على ذلك.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {على ما آتاهم الله من فضله} قال: النبوة.
وأخرج أبو داود والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فقد آتينا آل إبراهيم} سليمان وداود {الكتاب والحكمة} يعني النبوة {وآتيناهم ملكا عظيما} في النساء فما باله حل لأولئك الأنبياء وهم أنبياء أن ينكح داود تسعا وتسعين امرأة وينكح سليمان مائة امرأة لا يحل لمحمد أن ينكح كما نكحوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان في ظهر سليمان مئة رجل وكان له ثلثمائة امرأة وثلثمائة سرية.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن محمد بن كعب قال: بلغني أنه كان لسيلمان ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن همام بن الحارث {وآتيناهم ملكا عظيما} قال: أيدوا بالملائكة والجنود.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {وآتيناهم ملكا عظيما} قال: النبوة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {وآتيناهم ملكا عظيما} قال: النبوة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد فمنهم من آمن به قال بما أنزل على محمد من يهود).
[الدر المنثور: 4/486-490]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} ومحمد من آل إبراهيم.
وأخرج ابن الزبير بن بكار في الموقفيات عن ابن عباس أن معاوية قال: يا بني هاشم إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحقيتم النبوة ولا يجتمعان لأحد وتزعمون أن لكم ملكا، فقال له ابن عباس: أما قولك أنا نستحق الخلافة بالنبوة فإن لم نستحقها بالنبوة فبم نستحقها وأما قولك أن النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} فالكتاب النبوة والحكمة السنة والملك الخلافة نحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة لنا ولهم جارية وأما قولك زعمنا أن لنا ملكا فالزعم في كتاب الله شك وكل يشهد أن لنا ملكا لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ولا حولا إلا ملكنا حولين، والله أعلم).
[الدر المنثور: 4/490-491]
تفسير قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({سعيرًا} [النساء: 10]:وقودًا"). [صحيح البخاري: 6/45] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله بجهنّم سعيرًا وقودًا هو قول أبي عبيدة أيضًا قال في قوله تعالى وكفى بجهنم سعيرا أي وقودا وأخرج بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ عن أبي مالكٍ مثله). [فتح الباري: 8/251]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (سعيرا وقودا
أشار به إلى قوله تعالى: {كفى بجهنم سعيرا} (النّساء: 55) وفسّر سعيرا بقوله: وقودا. لو كذا فسره أبو عبيدة، وقال بعضهم: هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنّها من النساخ. قلت: هذا بعيد جدا لأن غالب الكتاب جهلة فمن أين لهم هذه التفاسير؟ وبأيّ وجه يلحقون مثل هذه في مثل هذا الكتاب الّذي لا يحلق أساطين العلماء شاؤه؟ ومن شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وليس من دأبهم أن يزيدوا في كتاب مرتّب منقح من عندهم، ولو قال: وكأنّه من بعض الرواة المعتنين بالجامع لكان له وجه، ولا يبعد أن يكون هذا من نفس البخاريّ من غير تفكر فيه، فإن تنبه عليه فلعلّه ما أدرك إلى وضع هذه التفاسير في محلها ثمّ استمرت على ذلك). [عمدة القاري: 18/174]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {وكفى بجهنم} ({سعيرًا}) [النساء: 55] أي (وقودًا) ولأبي ذر جهنم سعيرًا وقودًا ولا محل لسياق هذه الآيات هنا فيحتمل أن يكون من النساخ). [إرشاد الساري: 7/83]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: {فمنهم من آمن به} آمن بما أنزل على محمّدٍ من يهود {ومنهم من صد عنه}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 85]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فمن الّذين أوتوا الكتاب من يهود بني إسرائيل الّذين قال لهم جلّ ثناؤه: {آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها}، {من آمن به} يقول: من صدّق بما أنزلنا على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مصدّقًا لما معهم {ومنهم من صدّ عنه} ومنهم من أعرض عن التّصديق به، كما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ, عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمنهم من آمن به} قال: بما أنزل على محمّدٍ من يهود {ومنهم من صدّ عنه}
وفي هذه الآية دلالةٌ على أنّ الّذين صدّوا عمّا أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل الّذين كانوا حوالي مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما رفع عنهم وعيد اللّه الّذي توعّدهم به في قوله: {آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولاً}: في الدّنيا، وأخّرت عقوبتهم إلى يوم القيامة، الإيمان من آمن منهم. وإنّ الوعيد لهم من اللّه بتعجيل العقوبة في الدّنيا إنّما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنزل على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلمّا آمن بعضهم خرجوا من الوعيد الّذي توعّده في عاجل الدّنيا، وأخّرت عقوبة المقيمين على التّكذيب إلى الآخرة، فقال لهم: كفاكم بجهنّم سعيرًا.
ويعني قوله: {وكفى بجهنّم سعيرًا} وحسبكم أيّها المكذّبون بما أنزلت على محمّدٍ نبيّي ورسولي بجهنّم سعيرًا، يعني: بنار جهنّم تسعّر عليكم: أي توقد عليكم.
وقيل: {سعيرًا} أصله مسعورًا، من سعّرت تسعّر فهي مسعورةٌ، كما قال اللّه: {وإذا الجحيم سعّرت} ولكنّها صرفت إلى فعيلٍ، كما قيل: كفٌّ خضيبٌ ولحيةٌ دهينٌ، بمعنى مخضوبةٌ ومدهونةٌ.
والسّعير: الوقود).
[جامع البيان: 7/161-162]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرًا (55)
قوله تعالى: فمنهم من آمن به
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: فمنهم من آمن به يقول: بما أنزل على محمّدٍ من يهود ومنهم من صدّ عنه.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: فمنهم من آمن به واتّبعه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: فكان النّاس يأتون إبراهيم الخليل عليه السّلام، فيسألونه يعني: الحنطة، فيقول: من قال:
لا إله إلا اللّه، فليدخل فليأخذ، فمنهم من قال: وأخذ، فذلك قول اللّه تعالى فمنهم من آمن به.
قوله تعالى: ومنهم من صد عنه
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أحمد بن منصورٍ، ثنا موسى بن محكمٍ، أنبأ أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: ومنهم من صدّ عنه يقول: تركه فلم يتّبعه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: فكان النّاس يأتون إبراهيم، فيسألونه يعني: الحنطة، فيقول: من قال لا إله إلا اللّه، فليدخل، فليأخذ، فمنهم من قال، فأخذ ومنهم من أبى، فرجع، فذلك قول اللّه تعالى فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه
قوله تعالى: وكفى بجهنم سعيرا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الكوفيّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: سعيراً يعني:
وقوداً.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، عن يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: السّعير: وادي من فيحٍ في جهنّم).
[تفسير القرآن العظيم: 3/981-982]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فمنهم من آمن به} اتبعه {ومنهم من صد عنه} يقول: تركه فلم يتبعه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي قال: زرع إبراهيم خليل الرحمن وزرع الناس في تلك السنة فهلك زرع الناس وزكا زرع إبراهيم واحتاج الناس
إليه فكان الناس يأتون إبراهيم فيسألونه منه فقال لهم: من آمن أعطيته ومن أبى منعته، فمنهم من آمن به فأعطاه من الزرع ومنهم من أبى فلم يأخذ منه، فذلك قوله {فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا}).
[الدر المنثور: 4/490]