تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال لي مالك: الطاغوت ما يعبد من دون الله، قال: {واجتنبوا الطاغوت}، أن يعبد [ .. .. ]، قال: كل ما عبد من دون الله؛ فقلت لمالك: فـ {الجبت}، قال: سمعت من يقول: هو [الشيطان]، ولا أدري). [الجامع في علوم القرآن: 2/135]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}.
يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيّها النّاس في كلّ أمّةٍ سلفت قبلكم رسولاً كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا اللّه وحده لا شريك له وأفردوا له الطّاعة وأخلصوا له العبادة، {واجتنبوا الطّاغوت} يقول: وابعدوا من الشّيطان، واحذروا أن يغويكم ويصدّكم عن سبيل اللّه فتضلّوا {فمنهم من هدى اللّه} يقول: فممّن بعثنا فيهم رسلنا من هدى اللّه، فوفّقه لتصديق رسله والقبول منها والإيمان باللّه والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ونجا من عذاب اللّه {ومنهم من حقّت عليه الضّلالة} يقول: وممّن بعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقّت عليهم الضّلالة، فجاروا عن قصد السّبيل، فكفروا باللّه وكذّبوا رسله واتّبعوا الطّاغوت، فأهلكهم اللّه بعقابه، وأنزل بهم بأسه الّذي لا يردّ عن القوم المجرمين {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} يقول تعالى ذكره لمشركي قريشٍ: إن كنتم أيّها النّاس غير مصدّقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤلاء الأمم الّذين حلّ بهم ما حلّ من بأسنا بكفرهم باللّه وتكذيبهم رسوله، فسيروا في الأرض الّتي كانوا يسكنونها والبلاد الّتي كانوا يعمرونها فانظروا إلى آثار اللّه فيهم وآثار سخطه النّازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل اللّه ما أعقبهم فإنّكم ترون حقيقة ذلك وتعلمون به صحّة الخبر الّذي يخبركم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 14/216-217]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن علقمة كان يقرأ هذه الآية فإن الله لا يهدى من يضل). [تفسير عبد الرزاق: 1/355-356]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ، وما لهم من ناصرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إن تحرص يا محمّد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان باللّه واتّباع الحقّ {فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين: {فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ} بفتح الياء من " يهدي "، وضمّها من " يضلّ "، وقد اختلف في معنى ذلك قارئوه كذلك، فكان بعض نحويّي الكوفة يزعم أنّ معناه: فإنّ اللّه من أضلّه لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هدي الرّجل يريدون قد اهتدى، وهدي واهتدى بمعنًى واحدٍ. وكان آخرون منهم يزعمون أنّ معناه: فإنّ اللّه لا يهدي من أضلّه، بمعنى: أنّ من أضلّه اللّه فإنّ اللّه لا يهديه وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والشّام والبصرة: ( فإنّ اللّه لا يهدى ) بضمّ الياء من " يهدى " ومن " يضلّ " وفتح الدّال من " يهدى " بمعنى: من أضلّه اللّه فلا هادي له.
وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصّواب، لأنّ يهدي بمعنى يهتدى قليلٌ في كلام العرب غير مستفيضٍ، وأنّه لا فائدة في قول قائلٍ: من أضلّه اللّه فلا يهديه، لأنّ ذلك ممّا لا يجهله كثير أحدٌ وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءة بما كان مستفيضًا في كلام العرب من اللّغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى.
فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمّد على هداهم، فإنّ من أضلّه اللّه منهم فلا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره، وبلّغه ما أرسلت به، لتتمّ عليه الحجّة.
{وما لهم من ناصرين} يقول: وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من اللّه إذا أراد عقوبتهم، فيحول بين اللّه وبين ما أراد من عقوبتهم.
وفي قوله: {إن تحرص} لغتان: فمن العرب من يقول: حرص، يحرص بفتح الرّاء في فعل وكسرها في يفعل، وحرص يحرص بكسر الرّاء في فعل وفتحها في يفعل، والقراءة على الفتح في الماضي والكسر في المستقبل، وهي لغة أهل الحجاز). [جامع البيان: 14/217-219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 37.
أخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ {فإن الله لا يهدي} بفتح الياء {من يضل} بضم الياء). [الدر المنثور: 9/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن الأعمش قال: قال لي الشعبي: يا سليمان كيف تقرأ هذا الحرف قلت: {لا يهدي من يضل} فقال: كذلك سمعت علقمة يقرؤها). [الدر المنثور: 9/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن علقمة أنه كان يقرأ {لا يهدي من يضل} ). [الدر المنثور: 9/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن إبراهيم أنه قرأ {لا يهدي من يضل} ). [الدر المنثور: 9/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف {فإن الله لا يهدي من يضل} قال: من يضله الله لا يهديه أحد). [الدر المنثور: 9/46]
تفسير قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال قيل لأبن عباس إن رجالا يقولون إن عليا مبعوث قبل يوم القيامة ويتأولون هذه الآية وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال لو كنا نعلم أن عليا مبعوث ما تزوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه ولكن هذه للناس عامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/355]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت، بلى وعدًا عليه حقًّا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريشٍ باللّه جهد أيمانهم حلفهم، لا يبعث اللّه من يموت بعد مماته، وكذبوا وبطلوا في أيمانهم الّتي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه اللّه بعد مماته، وعدًا عليه أن يبعثهم وعد عباده، واللّه لا يخلف الميعاد {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}. يقول: ولكنّ أكثر قريشٍ لا يعلمون وعد اللّه عباده أنّه باعثهم يوم القيامة بعد مماتهم أحياءً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت}" تكذيبًا بأمر اللّه أو بأمرنا، فإنّ النّاس صاروا في البعث فريقين: مكذّبٌ ومصدّقٌ، ذكر لنا أنّ رجلاً قال لابن عبّاسٍ: إنّ ناسًا بهذا العراق يزعمون أنّ عليًّا مبعوثٌ قبل يوم القيامة، ويتأوّلون هذه الآية فقال ابن عبّاسٍ: كذب أولئك، إنّما هذه الآية للنّاس عامّةً، ولعمري لو كان عليٌّ مبعوثًا قبل يوم القيامة ما أنكحنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال ابن عبّاسٍ: " إنّ رجالاً يقولون: إنّ عليًّا مبعوثٌ قبل يوم القيامة، ويتأوّلون: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت، بلى وعدًا عليه حقًّا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} قال: " لو كنّا نعلم أنّ عليًّا مبعوثٌ، ما تزوّجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه، ولكن هذه للنّاس عامّةً "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت} قال: " حلف رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عند رجلٍ من المكذّبين، فقال: والّذي يرسل الرّوح من بعد الموت، فقال: وإنّك لتزعم أنّك مبعوثٌ من بعد الموت؟ وأقسم باللّه جهد يمينه لا يبعث اللّه من يموت "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: " كان لرجلٍ من المسلمين على رجلٍ من المشركين دينٌ، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلّم به: والّذي أرجوه بعد الموت إنّه لكذا فقال المشرك: إنّك تزعم أنّك تبعث بعد الموت؟ فأقسم باللّه جهد يمينه لا يبعث اللّه من يموت، فأنزل اللّه: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت، بلى وعدًا عليه حقًّا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، أنّه أخبره أنّه، سمع أبا هريرة، يقول: " قال اللّه: سبّني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يسبّني، وكذّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذّبني، فأمّا تكذيبه إيّاي فقال: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت} قال: " قلت: {بلى وعدًا عليه حقًّا} وأمّا سبّه إيّاي فقال: {إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ}، وقلت: {قل هو اللّه أحدٌ. اللّه الصّمد}. لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ "). [جامع البيان: 14/219-221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 38 - 39
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت أنه لكذا وكذا، فقال له المشرك: إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت، فأقسم بالله جهد يمينه: لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} الآية). [الدر المنثور: 9/46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} قال: نزلت فيّ). [الدر المنثور: 9/46-47]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال الله: سبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} وقلت: {بلى وعدا عليه حقا} وأما سبه إياي فقال: (إن الله ثالث ثلاثة وقلت: (هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (الصمد) ). [الدر المنثور: 9/47]
تفسير قوله تعالى: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه وليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين}.
يقول تعالى ذكره: بل ليبعثنّ اللّه من يموت وعدًا عليه حقًّا، ليبيّن لهؤلاء الّذين يزعمون أنّ اللّه لا يبعث من يموت ولغيرهم الّذي يختلفون فيه من إحياء اللّه خلقه بعد فنائهم، وليعلم الّذين جحدوا صحّة ذلك وأنكروا حقيقته أنّهم كانوا كاذبين في قيلهم لا يبعث اللّه من يموت.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه} قال: " للنّاس عامّةً "). [جامع البيان: 14/221-222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه} قال: للناس عامة والله أعلم). [الدر المنثور: 9/47]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40) والّذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: إنّا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم، ولا في غير ذلك ممّا نخلق ونكوّن ونحدث، لأنّا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنّما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كلفة علينا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يكون}، فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أنّ قوله: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن} كلامٌ تامٌّ مكتفٍ بنفسه عمّا بعده، ثمّ يبتدأ فيقال: " فيكون "، كما قال الشّاعر:
يريد أن يعربه فيعجمه
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشّام وبعض المتأخّرين من قرّاء الكوفيّين: " فيكون " نصبًا، عطفًا على قوله: {أن نقول له} وكأنّ معنى الكلام على مذهبهم: ما قولنا لشيءٍ إذا أردناه إلاّ أن نقول له: كن، فيكون وقد حكي عن العرب سماعًا: أريد أن آتيك فيمنعني المطر، عطفًا ب " يمنعني " على " آتيك "). [جامع البيان: 14/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 40 - 42.
أخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان - واللفظ له - عن أبي ذر عن رسول الله قال: يقول الله: يا ابن آدم كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقراء إلا من أغنيت فسلوني أعطيكم، وكلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى أهدكم، ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي.
ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى واحد منكم ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى واحد منكم ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منكم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كغرز إبرة غمسها أحدكم في البحر وذلك أني جواد ماجد واجد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له {كن فيكون} ). [الدر المنثور: 9/47-48]