سورة النساء
[ من الآية (135) إلى الآية (136) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن تلووا أو تعرضوا... (135)
قرأ ابن عامر وحمزة (وإن تلوا) بواو واحدة، وضم اللام، وقرأ الباقون: (تلووا) بواوين وسكون اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (تلووا) فهو من لوى يلوي.
يقال: لويت فلانًا حقه ليّا. إذا دافعته ومطلته، وهذه القراءة أشبه بما جاء في التفسير، لأنه جاء فيه: إن لوى الحاكم في قضيته أو أعرض فإن الله خبير بذلك، ومن قرأ (تلوا) بالتخفيف ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون (تلوا) أصلها (تلووا)، فأبدل من الواو المضمومة همزة فصارت (تلؤوا) بإسكان اللام، ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام، فصارت (تلوا)، كما قيل في (أدور): (أدؤر).
ثم طرحت الهمز فصارت (أدر).
وقيل معنى: (تلووا) تفعلوا من الولاية أو تعرضوا.
المعنى: إن قمتم بالأمر أو أعرضتم فإن الله بما تعملون خبيرا، ويكون (تلوا) على هذا المعنى من ولى يلي، إذا تولّى أمرًا وقام به). [معاني القراءات وعللها: 1/319]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وأن تلووا أو تعرضوا} [135].
قرأ ابن عامر وحمزة بواوٍ واحدة.
وقرأ الباقون {تلووآ} بواوين جعلوه من لويت حقه، والأصل: تلويوا فاستثقلوا الضمة على الياء فخزلوها وحذفوها لالتقاء الساكنين، ثم ضمت الواو الأولى لمجاورتها الثانية. ومن قرأ بواو واحدة فله مذهبان:
أحدهما: أن يكون أراد: تلؤا – بالهمز – جعل الواو همزة، لانضمامها، ثم نقل ضمة الهمزة إلى اللام وحذفها لالتقاء الساكنين.
والمذهب الثاني: أن يكون أخذه من الولاية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/138]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إسقاط الواو وإثباتها، وضمّ اللام، وإسكانها من قوله [جلّ وعز]: وإن تلووا [النساء/ 135].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم والكسائي: تلووا بواوين الأولى مضمومة، واللام ساكنة.
وقرأ حمزة وابن عامر: تلوا بواو واحدة، واللام مضمومة.
[قال أبو علي]: حجة من قال: تلووا أنّه قيل: إنّ ابن عباس فسّره بأنّه: القاضي يكون ليّه وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر.
وحجة من قال: تلوا بواو واحدة أن يقول: إن تلوا في هذا الموضع حسن، لأنّ ولاية الشيء. إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، فالمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا، فلا تلوا، فإن الله كان بما تعملون خبيرا، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه وتركه الإقبال على ما يلزمه أن يقبل عليه، ويقول: لو قرأت: وإن تلووا أو تعرضوا؛ لكان كالتكرير، لأنّ اللّيّ مثل الإعراض، ألا ترى أنّ قوله: لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون [المنافقون/ 5] إنّما هو إعراض منهم وترك انقياد للحق، وكذلك ليا بألسنتهم [النساء/ 46] إنّما هو انحراف وأخذ فيما لا ينبغي أن يأخذوا فيه، فإذا كان كذلك كان كالتكرير، وإذا قلنا: تلوا فقد ذكرنا الإعراض وخلافه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/185]
ومن حجة من قال: تلووا بواوين من لوى أن يقول: ما ذكرتم أنّ الدلالة وقعت عليه في قراءتكم تلوا بواو واحدة وقد فهم بما تقدم من قوله: فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا فيستغنى به، ولا ينكر أن يتكرر اللفظان لمعنى واحد نحو قوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر/ 30] ونحو قوله:
وهند أتى من دونها النّأي والبعد وقوله: وألفى قولها كذبا ومينا وقد قيل: إن تلوا يجوز أن يكون تلووا، وأن الواو التي هي عين همزت لانضمامها كما همزت في أدؤر، وألقيت حركة الهمزة على اللام التي هي فاء). [الحجة للقراء السبعة: 3/186]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}
قرأ حمزة وابن عامر وإن (تلوا أو تعرضوا) بضم اللّام
وقرأ الباقون {وإن تلووا} بواوين من لويت فلانا حقه ليا أي دافعته وماطلته يقال لوى فلانا غريمه
قال أبو عبيدة يقال رجل ليان وامرأة ليانة أي مماطلة فمعنى {تلووا} تدافعوا وتمطلوا وحجتهم في ذلك ما جاء في التّفسير إن لوى الحاكم في قضيته فإن الله كان بما تعملون خبيرا وأخرى روى ابن جريج عن مجاهد {وإن تلووا} أي تبدلوا الشّهادة {أو تعرضوا} أي تكتوها فذهب مجاهد أن هذا خطاب من الله جلّ وعز للشهداء لا للحكام واصل الكلمة تلويوا فاستثقلوا
[حجة القراءات: 215]
الضمة على الياء فحذفوها وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ثمّ ضمّوا الواو لمجاورتها الثّانية
ومن قرأ بواو واحدة ففيه وجهان أحدهما أن يكون أصله تلووا فأبدل من الواو المضمومة همزة فصار تلؤوا بإسكان اللّام ثمّ طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللّام فصار تلوا ويجوز أن يكون من الولاية من قولك وليت الحكم والقضاء بين الرجلين أي إن قمتم بالأمر أو أعرضتم فإن الله كان بما تعملون خبيرا والأصل توليوا فحذفت الواو كما حذفنا من يعد فصار تليوا ثمّ حذفنا الياء ونقلنا الضمة إلى اللّام فصار تلوا). [حجة القراءات: 216]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {وإن تلوا} قرأه حمزة وابن عامر بضم اللام، وبعدها واو واحدة ساكنة، وقرأ الباقون بإسكان اللام، وبعدها واوان الأولى منهما مضمومة.
وحجة من قرأ بضم اللام أنه جعله من: ولي يل، وأصله «توليوا» ثم حذفت الواو التي هي فاء الفعل، على الأصول، للاعتدال في «يعد ويزن»، فدليل حصة على «ولي» أن بعده «أو تعرضوا» فهو نقيض «تلوا» لأن ولاية الشيء الإقبال عليه، ونقيضه الإعراض عنه، فإنما قيل لهم: «وإن تلوا الأمر فتعدلوا فيه أو تعرضوا عنه فال تلوه ولا تعدلوا فيه إن وليتموه» فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، ولما كان من قرأه بضم اللام معناه الإعراض لأن اللي في الشيء العوج فيه، والعوج في الحق الإعراض عن إقامته، فـ «تلووا» بواوين في المعنى هو الإعراض، فالقراءة بضم اللام يفيد معنيين الولاية ونقيضها الإعراضن والقراءة بواوين تفيد معنى واحد، لأن اللي هو الإعراض، ويحتمل أن تكون القراءة بضم اللام كالقراءة بإسكانها، وذلك أن أصله «تلووا» فاستثقلت الضمة على الواو، وبعدها واو أخرى، وألقيت الحركة على اللام، وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين، فهو في القراءة كالقراءة بإسكان اللام واوين، وقيل: إنما أبدل من الواو المضمومة همزة، ثم خففها بإلقاء حركتها على اللام، فصارت «تلوا» وأصلها «تلووا» فتتفق القراءتان على هذا التقدير،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/399]
74- وحجة من قرأ بإسكان اللام أنه جعله من «لوى يلوي» إذا أعرض، وأصله «تلويوا» ثم ألقيت حركة الياء على الواو الأولى وحذفت الياء لسكونها وسكون الواو الأخيرة بعدها، أو لسكونها وسكون الواو قبلها، لأن حركتها عارضة، وقد قال ابن عباس: هو لي القاضي وإعراضه، وأيضًا فإن قوله: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} والعدل هو أن تلي الشيء بالحق، وضده الإعراض عن الحق، فقد فُهم في هذا أيضًا معنى القراءة بواو واحدة من: ولي، فكلا القراءتين فيه «أو تعرضوا» بمعنى ما قبله، فكرر للتأكيد ولاختلاف اللفظ، وقد ذكرنا أنه يحتمل أن تكون القراءان بمعنى واحد من الليّ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/400]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {وإِنْ تَلُوا} [آية/ 135]:-
بواو واحدةٍ، واللام مضمومة، قرأها ابن عامر وحمزة.
وهو من ولي يلي؛ لأن ولاية الشيء إقبال عليه، وهو خلاف الإعراض عنه، والمعنى إن تقبلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، فيجازي
[الموضح: 428]
المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه.
وقرأ الباقون {تَلْوُوا} بواوين، واللام ساكنة.
وهو من لوى يلوي، وهو من لي القاضي وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر، أو من لي الشهادة، وهو تحريفها، أو من لي الغريم وهو مطله.
ويجوز أن يكون {تَلُوا} في القراءة الأولى أصله أيضًا تلووا، فهمزت الواو الأولى لانضمامها، ثم خففت الهزة بإلقاء حركتها على اللام وحذفها فبقي {تَلُوا} ). [الموضح: 429]
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل... (136)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم النون والألف من (نزّل) و(أنزل).
وقرأ الباقون بفتحهما، وروى الكسائي عن أبي بكر: (نزّل) و(أنزل) مضمومتين). [معاني القراءات وعللها: 1/319]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} [136].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم الهمزة والنون، وقرأ الباقون بفتحها. فأما قوله تعالى: {وقد نزل عليكم} [140] فإن عاصمًا وحده فتح النون والباقون ضموها، فمن اختار الضم جعله خبرًا مستأنفًا، ومن فتح نسقه على ذكر الله قبل الآية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/138]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون والألف من قوله تعالى: والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] وضمّها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر: الذي نزل على
[الحجة للقراء السبعة: 3/186]
رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل مضمومتين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: الذي نزل....
والكتاب الذي أنزل مفتوحتين. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو بالضم.
[قال أبو علي]: حجّة من قال: الذي نزل: قوله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم، [النحل/ 44] وقوله: تنزيل الكتاب من الله [الزمر/ 1] فأضيف المصدر إلى المفعول به، والكتاب على هذا منزّل.
وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل قوله: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام/ 114].
وحجة من قرأ: نزل قوله: إنا نحن نزلنا الذكر [الحجر/ 9] وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] قوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس [النحل/ 44] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/187]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن في رواية عطاء عنه وقراءة عاصم الجحدري أيضًا: [وملائكتِه وكتابِه] على التوحيد.
قال أبو الفتح: اللفظ لفظ الواحد والمعنى معنى الجنس؛ أي: وكتبه، ومثله قوله سبحانه {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أي: كتبنا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، وقال تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}، فلكل إنسان كتاب، فهي جماعة كما ترى، وقد قال: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} .
ووقوع الواحد موقع الجماعة فاشٍ في اللغة، قال الله تعالى: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي: أطفالًا، وحَسَّن لفظ الواحد هنا شيء آخر أيضًا؛ وذلك أنه موضع إضعاف للعباد وإقلال لهم، فكان لفظ الواحد لقلته أشبه بالموضع من لفظ الجماعة؛ لأن الجماعة على كل حال أقوى من الواحد، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/202]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل}
قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر {والكتاب الّذي نزل على رسوله} بضم النّون وكسر الزّاي {والكتاب الّذي أنزل من قبل} بضم الألف وكسر الزّاي على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله
[حجة القراءات: 216]
{وآمنوا بما نزل على محمّد} وقوله {وما أنزل إلينا} و{علينا} واشباه ذلك قرأ الباقون {نزل} {أنزل} وحجتهم أنه قرب من ذكر الله في قوله {آمنوا باللّه ورسوله} ). [حجة القراءات: 217]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {الذي نزَّل} و{الذي أنزل} قرأه نافع والكوفيون بفتح أول الفعلين، وفتح الزاي، وقرأ الباقون بضم أول الفعلين، وكسر الزاي، فمن ضم الفعلين للمفعول على ما لم يسم فاعله، كما قال: {لتبين للناس ما نُزل إليهم} «النحل 44» وقال: {أنه منزل من ربك} «الأنعام 114»، ومن فتح رده إلى اسم الله جل ذكره الذي قبله، وهو قوله: {آمنوا باله ورسوله}، ففي «نزّل وأنزل» ضمير اسم الله جل ذكره كما قال: {إنا نحن نزلنا الذكر} «الحجر 9» وقال: {وأنزلنا إليك الذكر} «النحل 44» فأضاف الإنزال إلى نفسه، فجرى هذا على ذلك، وفي الفعلين، على القراءة بالضم، ضمير الكتاب، القراءتان متداخلتان حسنتان، لأن في كل واحدة ردّ آخر الكلام على أوله، وانتظام بعضه ببعض). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/400]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَالكِتَابِ الّذِي نُزِّلَ}، {والكتابِ الّذِي أُنْزِلَ} [آية/ 136]:-
بضم النون والألف، قرأهما ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
وهو على إسناد الفعل إلى المفعول به، ومثله قوله تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، فهذا حجة نزل، وأما حجة أنزل فقوله تعالى {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}.
وقرأ الباقون {نَزَّلَ} و{أَنْزَلَ} بفتح النون والألف فيهما.
وكلهم شدد الزاي من {نَزَّلَ}.
[الموضح: 429]
والوجه في ذلك أن الفعل لله تعالى، وهو مسند إليه، والمعنى والكتاب الذي نزل الله. وحجته {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وهذا حجة {نَزَّلَ}.
وأما حجة أنزل فقوله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ}). [الموضح: 430]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين