العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 07:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 8 إلى 18]

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد...}
(تغيض) يقول: فما تنقص من التسعة الأشهر التي هي وقت الحمل (وما تزداد) أي تزيد على التسعة أولا ترى أن العرب تقول: غاضت المياه أي نقصت.
وفي الحديث: إذا كان الشتاء قيظاً، والولد غيظاً، وغاضت الكرام غيضاً وفاضت اللئام فيضاً. فقد تبيّن النقصان في الغيض). [معاني القرآن: 2/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وما تغيض الأرحام) أي ما تخرج من الأولاد ومما كان فيها.
{وما تزداد} أي ما تحدث وتحدث.
{وكلّ شئٍ عنده بمقدارٍ} أي مقدر وهو مفعال من القدر). [مجاز القرآن: 1/323]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تغيض الأرحام}: تنقص وقال المفسرون يزيد في الولد بقدر ما غاضت من الدم وينتقص إذا رأته). [غريب القرآن وتفسيره: 190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما تغيض الأرحام} أي ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر من السقط وغيره.
{وما تزداد} على التسعة. يقال: غاض الماء فهو يغيض إذا نقص، وغضته). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيء عنده بمقدار}
{وما تغيض الأرحام وما تزداد}.
معنى غاض في اللغة نقص.
وفي التفسير ما نقص الحمل من تسعة أشهر وما زاد عنها على التسعة.
وقيل ما نقص عن أن يتمّ حتى يموت، وما زاد حتى يتم الحمل). [معاني القرآن: 3/140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}
قال الحسن والضحاك هو نقصان الولد عن تسعة أشهر وزيادته عليها
وقال قتادة تغيض السقط وتزداد على التسعة أشهر
وقال مجاهد الغيض النقصان فإذا اهراقت المرأة الدم وهي حامل انتقص الولد وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم
وقال سعيد بن جبير إذا حملت المرأة ثم حاضت نقص ولدها ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به
وقال عكرمة الغيض أن ينقص الولد بمجيء الدم والزيادة أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه حتى تستكمل تسعة أشهر
سوى الأيام التي جاءها الدم فيها). [معاني القرآن: 3/475-476]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تغيض الأرحام} أي: تنقص من دم الحيض. {وما تزداد} أي: من دم الحيض). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وما تغيض الأرحام} أي ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر {وما تزداد} أي على التسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَغِيضُ}: تنقص). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سواء مّنكم مّن أسرّ القول ومن جهر به...}.
(من) و(من) في موضع
رفع، الذي رفعهما جميعاً سواء، ومعناهما: أن من أسرّ القول أو جهر به فهو يعلمه، وكذلك قوله: {ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار} أي ظاهر بالنهار.
يقول: هو يعلم الظاهر والسرّ وكلٌّ عنده سواء). [معاني القرآن: 2/59-60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وساربٌ بالنّهار} مجازه: سالك في سربه، أي مذاهبه ووجوهه، ومنه قولهم: أصبح فلان آمناً في سربه، أي في مذاهبه وأينما توجه، ومنه: انسرب فلان.
{له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} مجازه: ملائكة تعقّب بعد ملائكة، وحفظة تعقّب بالليل حفظة النهار تعقّب حفظة الليل، ومنه قولهم: فلان عقّبني، وقولهم: عقّبت في أثره).
[مجاز القرآن: 1/323-324]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سواء مّنكم مّن أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار}
وقال: {مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار} فقوله: {مستخفٍ} يقول: ظاهرٌ. و"السارب": المتواري. وقد قرئت (أخفيها) أي: أظهرها لأنك تقول "خفيت السّرّ" أي: أظهرته
وأنشد:

إن تكتموا الداء لا نخفه = وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
والضم أجود. وزعموا أنّ تفسير (أكاد): أريد وأنّها لغةٌ لأن "أريد" قد تجعل مكان "أكاد" مثل (جداراً يريد أن ينقض) أي: "يكاد أن ينقضّ" فكذلك "أكاد" إنّما هي: أريد.
وقال الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادةٍ = لو عاد من لهو الصبّابة ما مضى
وأمّا "المعقّبات" فإنما أنثت لكثرة ذلك منها نحو "النّسّابة" و"العلاّمة" ثم ذكر لأن المعنى مذكر فقال (يحفظونه من أمر الله) ). [معاني القرآن: 2/55-56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مستخف بالليل}: راكب رأسه في معاصيه.
{وسارب بالنهار}: سالك في سربه، أي في مذاهبه
ووجوهه. يقال أصبحت فانسرت). [غريب القرآن وتفسيره: 190-191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وساربٌ بالنّهار} أي متصرّف في حوائجه. يقال: سرب يسرب.
وقال الشاعر:
أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب أي ذاهب). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف باللّيل وسارب بالنّهار}
موضع " من " رفع بسواء، وكذلك (من) الثانية يرتفعان جميعا بسواء، لأن سواء يطلب اثنين، تقول: سواء زيد وعمرو، في معنى ذوا سواء زيد وعمرو.
لأن سواء مصدر فلا يجوز أن يرتفع ما بعده إلّا على الحذف، تقول: عدل زيد وعمرو، والمعنى ذوا عدل زيد وعمرو لأن المصادر ليست بأسماء الفاعلين، وإنما ترفع الأسماء أوصافها، فإذا رفعتها المصادر فهي على الحذف كما قالت الخنساء:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت= فإنما هي إقبال وإدبار
المعنى فإنما هي ذات إقبال وذات إدبار، وكذلك زيد إقبال وإدبار.
وهذا مما كثر استعماله أعني سواء، فجرى مجرى أسماء الفاعلين، ويجوز أن يرتفع على أن يكون في موضع مستو، إلا أن سيبويه يستقبح ذلك، لا يجيز مستو زيد وعمرو، لأن أسماء الفاعلين عنده إذا كانت نكرة لا يبتدأ بها لضعفها عن الفعل فلا يبتدأ بها، ويجريها مجرى الفعل.
ومعنى الآية إعلامهم أنّ اللّه عزّ وجلّ يعلم ما غاب عنهم وما شهد.
فقال عزّ وجلّ: {ومن هو مستخف باللّيل} أي من هو مستتر بالليل، والليل أستر من النهار ومن هو سارب بالنّهار.
أي من هو ظاهر بالنّهار في سربه، يقال: خلّ له سربه أي طريقه،
فالمعنى الظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات، والجاهر بنطقه والمضمر في نفسه علم الله فيهم جميعا سواء وذكر قطرب وجها آخر، ذكر أنه يجوز أن يكون " مستخف بالليل " ظاهرا بالليل، وهذا في اللغة جائز، ويكون مع هذا " وسارب بالنهار " أي مستتر، يقال: انسرب الوحشيّ إذا دخل في كناسه.
والأول بين، وهو أبلغ في وصف علم الغيب). [معاني القرآن: 3/141-142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار}
قال ابن عباس السارب الظاهر
قال قتادة السارب الظاهر الذاهب
وقال مجاهد ومن هو مستخف بالليل أي مستتر بالمعاصي وسارب بالنهار ظاهر
وقال بعض أهل اللغة ومن هو مستخف بالليل أي ظاهر من خفيته إذا أظهرته وسارب بالنهار أي مستتر من قولهم انسرب الوحش إذا دخل كناسه
قال أبو جعفر القول الأول أولى لجلالة من قال به وأشبه بالمعنى لأن المعنى والله أعلم سواء منكم من أسر منطقه أو
أعلنه واستتر بالليل أو ظهر بالنهار وكل ذلك في علم الله سواء
وهو في اللغة أشهر وأكثر
قال الكسائي يقال سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب
وحكى الأصمعي خل له سربه أي طريقه). [معاني القرآن: 3/476-477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وسارب بالنهار} أي متصرف في حوائجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُسْتَخْفٍ}: مستتر في دينه
{وسَارِبٌ}: ظاهر في عمله). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {له معقّباتٌ مّن بين يديه...}.
المعقّبات: الملائكة، ملائكة الليل تعقّب ملائكة النهار يحفظونه. والمعقّبات: ذكران إلاّ أنه جميع جمع ملائكة معقّبة، ثم جمعت معقّبة، كما قال: أبناوات سعدٍ، ورجالات جمع رجال.
ثم قال عزّ وجلّ: {يحفظونه من أمر اللّه} فرجع إلى التذكير الذي أخبرتك وهو المعنى. ويكون (ويحفظونه) ذلك الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عز وجلّ؛ كما تقول للرجل: أجيئك من دعائك إيّاي وبدعائك إيّاي والله أعلم بصواب ذلك). [معاني القرآن: 2/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يحفظونه من أمر الله} أي بأمر الله يحفظونه من أمره.
{وإذا أراد الله بقوم سوءًا} مضموم الأول، ومجازه: هلكة وكل جذام وبرص وعمىً، وكل بلاء عظيم فهو سوء مضموم الأول، وإذا فتحت أوله فهو مصدر سؤت القوم، ومنه قولهم: رجل سوءٍ قال الزّبرقان بن بدر:
قد علمت قيسٌ وخندف إنّني= وقيت إذا ما فارس السّوء أحجما).
[مجاز القرآن: 1/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {له معقبات من بين يديه ومن خلفه}: ملائكة بعد ملائكة يعقب الأولى الأخرى. حفظه الليل تعقب حفظه النهار وحفظه النهار تعقب حفظة الليل، ومن ذلك العقيب). [غريب القرآن وتفسيره: 191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {له معقّباتٌ من بين يديه} يعني: ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلف بعده فريق.
{يحفظونه من أمر اللّه} أي بأمر اللّه.
{وما لهم من دونه من والٍ} أي وليّ. مثل: قادر وقدير. وحافظ وحفيظ). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («من» مكان «الباء»
قال الله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي بأمر الله). [تأويل مشكل القرآن: 574]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال}
أي للإنسان ملائكة يعتقبون، يأتي بعضهم بعقب بعض {يحفظونه من أمر اللّه}.
المعنى حفظهم إياه من أمر الله، أي مما أمرهم الله تعالى به، لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر اللّه، كما تقول: يحفظونه عن أمر اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {وما لهم من دونه من وال} أي لا يلي أمرهم أحد من دون الله). [معاني القرآن: 3/142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}
في الآية ثلاثة أقوال
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ملائكة يحفظونه فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال بإذن الله وهي من أمر الله وهي ملائكة
قال الحسن عن أمر الله
قال مجاهد وقتادة وهذا لفظ قتادة وهي ملائكة تتعاقب بالليل والنهار عن أمر الله أي بأمر الله
فهذا قول
والقول الثاني أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} قال هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو السلطان المتحرس من الله وذلك أهل الشرك
وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة قال هم الأمراء
فهذان قولان والقول الثالث أن ابن جريج قال هو مثل قوله: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات
و يحفظونه أي يحفظون عليه كلامه وفعله
وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده وصحته
ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار وذكر الحديث
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال تدور كالحرس ملائكة الليل وملائكة النهار
وروى ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس انه قرأ معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه
فهذا قد بين المعنى
وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر الله وهذا قريب من الأول أي حفظهم إياه من عند الله لا من عند أنفسهم
وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} قال النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا يريد الملائكة أيضا
وعن بعضهم أنه قرأ معاقيب من بين يديه ومن خلفه ومعاقيب جمع معقب وتفسيره كتفسير الأول). [معاني القرآن: 3/477-480]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما لهم من دونه من وال} أي ليس أحد يتولاهم من دون الله
و«وال» وولي واحد كما يقال قدير وقادر وحفيظ وحافظ). [معاني القرآن: 3/480-481]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يحفظونه من أمر الله} قال أبو عبد الله: يحفظهم له من أمر الله، كأنه أمرهم بأن يحفظوا العبد). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {له معقبات من بين يديه} يعني ملائكة تعقب عليه بالليل والنهار، يخلف فريق فريقا. {يحفظونه من أمر الله} أي بأمر الله.
{من وال} أي من ولي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَقِّبَاتٌ}: ملائكة). [العمدة في غريب القرآن: 165]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هو الّذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً...}:
خوفاً على المسافر وطمعاً للحاضر.
وقوله: {وينشئ السّحاب الثّقال} السحاب وإن كان لفظه واحداً فإنه جمع، واحدته سحابة. جعل نعته على الجمع كقوله: {متّكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسانٍ} ولم يقل: أخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذلك كان صواباً؛ كقوله: {جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون} فإذا كان نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلاّ على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول: هذا تمر طيّب، ولا تقول تمر
صغير ولا كبير من قبل أن الطّيب عامٌّ فيه، فوحّد، وأن الصغر والكبر والطول والقصر في كل تمرة على حدتها). [معاني القرآن: 2/60-61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريكم البرق خوفاً وطمعاً} أي ترهبونه وتطمعون أن يحييكم وأن يغيثكم.
{وينشىّ السّحاب} أي يبدأ السحاب، ويقال: إذا بدأ نشأ). [مجاز القرآن: 1/325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يريكم البرق خوفا}: ترهبونه {وطعما} لحياتكم وعيشكم.
{ينشئ السحاب}: يبدأ). [غريب القرآن وتفسيره: 191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يريكم البرق خوفاً} للمسافر، {وطمعاً} للمقيم). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هو الّذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السّحاب الثّقال}
خوفا للمسافر، لأن في المطر خوفا على المسافر، كما قال الله تعالى: {إن كان بكم أذى من مطر}.
وطمعا للحاضر لانتفاعه بالمطر.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - {خوفا وطمعا} خوفا لمن يخاف ضرّ المطر، لأنه ليس كل بلد ينتفع فيه بالمطر نحو مصر وما أشبهها، وطمعا لمن يرجو الانتفاع به.
{وينشئ السّحاب الثّقال} أي التي قد ثقلت بالماء). [معاني القرآن: 3/142-143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا}
قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر
والمعنى أن المسافر يخاف من المطر ويتأذى به
قال الله تعالى: {أذى من مطر}
والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق
ثم قال تعالى: {وينشئ السحاب الثقال}
قال مجاهد التي فيها المطر). [معاني القرآن: 3/481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خوفا وطمعا} أي خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خَوْفًا}: ترهبونه
{وَطَمَعًا}: يرجون مطره
{يُنْشِئُ}: يبدؤه). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويسبّح الرّعد بحمده} إما أن يكون اسم ملك قد وكّل بالرّعد وإما أن يكون صوت سحاب واحتجوا بآخر الكلام:
{والملائكة من خيفته} يقال: ألا ترى أن العرب تقول:
جون هزيمٌ رعده أجشّ
ولا يكون هكذا إلا الصوت.
{شديد المحال} أي العقوبة والمكر والنكال، قال الأعشى:
فرع تبعٍ يهتزّ في غصن المجد غزير النّدى شديد المحال
إن يعاقب يكن غراماً وإن يع= ط جزيلاً فإنه لا يبالي
غرام: هلاك وفي القرآن: (إنّ عذابها كان غراماً) أي هلاكاً وقد فسرناه في موضعه، وقال ذو الرّمّة:

أبرّ على الخصوم فليس خصمٌ= ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبسٍ بين أقوامٍ فكلٌ=أعدّ له الشّغازب والمحالا
والشّغزبة الالتواء). [مجاز القرآن: 1/325-326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {شديد المحال}: من المماحلة وهي المجادلة وفي الحديث" إن هذا القرآن شافع فمشفع وماحل فمصدق ومنه
" اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلا"). [غريب القرآن وتفسيره:192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهو شديد المحال} أي الكيد والمكر. وأصل المحال: الحيلة. والحول: الحيلة.
قال ذو الرّمة:
وليس بين أقوام فكلّ أعدّ له الشغازب والمحالا).
[تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والصاعقة: نار من السحاب، قال الله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}.
وأراها سمّيت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم، أي: قتلتهم). [تأويل مشكل القرآن: 501]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويسبّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال}
جاء في التفسير أنه ملك يزجر السحاب، وجائز أن يكون صوت الرعد تسبيحه لأن صوت الرعد من أعظم الأشياء.
وقد قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده}.
وخص ذكر الرعد لعظم صوته - واللّه أعلم.
{ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه}.
جائز أن يكون الواو واو حال.
فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في اللّه، وذلك أنه أتى في التفسير أن رجلا من الجاهلية يقال له " اربد " سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أخبرني عن ربنا أمن نحاس أم حديد؟ فأنزل اللّه عليه صاعقة فقتلته، فعلى هذا يجوز أن يكون الواو واو حال. ويجوز أن يكون: لما تمم الله أوصاف ما يدل على توحيده وقدرته على البعث قال بعد ذلك {وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال} أي شديد القدرة والعذاب.
ويقال في اللغة ماحلته محالا، إذا قاويته.
حتى يتبين له أيكما أشدّ. والمحل في اللغة الشدة، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 3/143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته}
روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله: {ويسبح الرعد بحمده}
وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته
وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي بالإبل
وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له
وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد
ثم قال تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله}
يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته
لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل الله صاعقة فقتلته
ويجوز أن يكون قوله: {وهم يجادلون في الله} منقطعا من الأول
ثم قال تعالى: {وهو شديد المحال}
قال ابن عباس أي الحول
وقال قتادة أي الحيلة
وقال الحسن المكر
وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك
وهذه أقوال متقاربة وأشبهها بالمعنى والله أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك
وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وأبو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى:
فرع نبع يهتز في غصن المجد = غزير الندى شديد المحال
وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس أن يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم
فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم
ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله
فأما معنى المكر من الله فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر). [معاني القرآن: 3/482-485]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قال: والمحال: المكر، والمكر من الله - جل وعز: التدبير بالحق). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شديد المحال} أي الكيد والمكر، وأصله من الحول، وقيل: من ''محل'' إذا مكر، وفيه اختلاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْمِحَالِ}: العقاب). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {له دعوة الحقّ...}
لا إله إلا الله {والّذين يدعون من دونه} يعني الأصنام لا تجيب داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء ليس معه ما يستقى به.
وذلك قوله عزّ وجلّ: {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء} ثم بيّن الله عزّ وجلّ ذلك: {ليبلغ فاه وما هو ببالغه}). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يدعون من دونه} مجازه: والذين يدعون غيره من دونه، أي يقصرون عنه. (يدعون) من الدعاء، ومجاز دونه مجاز عنه قال:
أتوعدوى وراء بني رياحٍ= كذبت لتقصرنّ يداك دوني
أي عنّي.
{لا يستجيبون} مجازه: لا يجيبون،
وقال كعب:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
). [مجاز القرآن: 1/326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يستجيبون لهم بشيءٍ إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلّا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغه فاه. والعرب تقول لمن طلب ما لا يجد: هو كالقابض على الماء.
قال الشاعر:
فإني وإيّاكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
لم تسقه: أي لم تحمله، والوسق: الحمل). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} أراد: كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فيبلّغه فاه.
قال ضابئ:
فإنّي وإياكم وشوقاً إليكم = كقابضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أناملُه
و(العرب) تقول لمن تعاطى ما لا يجد منه شيئا: هو كالقابض على الماء). [تأويل مشكل القرآن: 224]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {له دعوة الحقّ والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلّا في ضلال}
جاء في التفسير: دعوة الحق شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وجائز – واللّه أعلم - أن تكون دعوة الحقّ أنه من دعا اللّه موحّدا استجيب له دعاؤه.
{والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء}.
ثم بين الله عزّ وجلّ كيف استجابة الأصنام لأنّهم دعوا الأصنام من دون اللّه فقال: {إلّا كباسط كفّيه إلى الماء}، إلا كما يستجاب الذي يبسط كفّيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه.
والماء لا يستجيب، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فيه، {وما هو ببالغه}.
وقال بعضهم: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه كإنسان على شفير بئر يدعو الماء من قرار البئر ليبلغ فاه، والتفسيران واحد). [معاني القرآن: 3/143-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {له دعوة الحق}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا الله
وكذلك قال قتادة والضحاك
ثم قال تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه}
قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه
وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شيء). [معاني القرآن: 3/485-486]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} قال: معناه: أن يأتي إلى بئر فيها ماء لا ينال إلا بحبل ودلو، فيمد هو يده إلى الماء، فلا يقدر عليه، فضربه الله مثلا للكفار). [ياقوتة الصراط: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغ فاه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
فيقال: من الساجد طوعاً وكرهاً من أهل السموات والأرض؟ فالملائكة تسجد طوعاً، ومن دخل في الإسلام رغبة فيه أو ولد عليه من أهل الأرض فهو أيضاً طائع. ومن أكره على الإسلام فهو يسجد كرهاً (وظلالهم) يقول: كل شخصٍ فظلّه بالغداة والعشي يسجد معه. لأن الظلّ يفيء بالعشيّ فيصير فيئاً يسجد.
وهو كقوله: {عن اليمين والشّمائل} في المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} مجازه: إن الذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك ولا تسقه أنامله أي تجمعه، قال ضابيّ بن الحارث البرجميّ:
فإني وإيّاكم وشوقاً إليكم= كقابض ماءٍ لم تسقه أنامله
يقول: ليس في يدي من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء.
وقال:
فأصبحت مما كان بيني وبينها= من الودّ مثل القابض الماء باليد
{بالغدوّ والآصال} أي بالعشىّ. واحدها: أصل وواحد الأصل أصيل وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس،
وقال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله= وأقعد في أفيائه بالأصائل
وقال النّابغة:
وقفت فيها أصيلالاً أسائلها= عيّت جواباً وما بالرّبع من أحد
أصيلال: تصغير آصال). [مجاز القرآن: 1/327-328]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال}
وقال: {بالغدوّ والآصال} و{بالعشيّ والإبكار} فجعل "الغدوّ" يدل على الغداة وإنما "الغدوّ" فعلٌ، وكذلك "الإبكار" إنما هو من "أبكر" "إبكاراً"، والذين قالوا (الأبكار) احتجوا بأنهم جمعوا "بكراً" على "أبكار". و"بكرٌ" لا تجمع لأنه اسم ليس بمتمكن وهو أيضاً مصدر مثل "الإبكار" فأما الذين جمعوا فقالوا إنما جمعنا "بكرةً" و"غدوةً". ومثل "البكرة" و"الغدوة" لا يجمع هكذا. لا تجيء "فعلةٌ" و"أفعال" وإنما تجيء "فعلةٌ" و"فعل"). [معاني القرآن: 2/56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً} أي يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عز وجل: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها، وجاء أن من النّاس من دخل في الإسلام طوعا ومنهم من لم يدخل حتى فحص عن رأسه بالسيف، أي فسجد ودخل في الإسلام في أول أمره كرها.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون {طوعا وكرها} أن يكون السّجود الخضوع للّه، فمن الناس من يخضع ويقبل أمر اللّه فيما سهل عليه، ومنهم من تقبّله وإن كان عليه فيه كره.
{وظلالهم بالغدوّ والآصال} أي وتسجد ظلالهم. وجاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير اللّه، وظله يسجد للّه، وقيل وظلالهم أشخاصهم، وهذا مخالف للتفسير). [معاني القرآن: 3/144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها}
قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها
وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير الله فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه والله العظيم الكبير
والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شيء إلا وهو يخضع لله وينقاد له
ثم قال تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال}
يروى أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله وهذا من الانقياد والخضوع
وقيل الظلال ههنا الأشخاص). [معاني القرآن: 3/486-487]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {أم هل تستوي الظّلمات والنّور...}
ويقرأ (أم هل يستوي الظّلمات والنّور) وتقرأ (تستوي) بالتاء. وهو قوله: {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} وفي موضع آخر: (وأخذت) ). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل من رّبّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم مّن دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار}
وقال: {أم جعلوا للّه شركاء} فهذه "أم" التي تكون منقطعة من أول الكلام). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل من ربّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}
{أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي هل - أو أغير الله خلق شيئا فاشتبه عليهم خلق الله من خلق غيره.
وقوله عزّ وجلّ -: {قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}.
أي قل ذلك وبيّنه بما أخبر اللّه به من الدلالة على توحيده من أول هذه السورة بما يدل على أنه خالق كل شيء). [معاني القرآن: 3/144-145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم). [معاني القرآن: 3/487]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها...}
ضربه مثلا للقرآن إذا نزل عليهم لقوله: {فسالت أوديةٌ بقدرها} يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
وقوله: {فاحتمل السّيل زبداً} يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن في قلب من لم يؤمن وعبد آلهته وصار لا شيء في يده {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} فهذا مثل المؤمن.
ثم قال عزّ وجلّ: {وممّا يوقدون عليه في النّار} من الذهب والفضة والنّحاس زبد كزبد السيل يعني خبثه الذي تحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزبد في السيل.
وأمّا قوله: {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ} يقول: يوقدون عليه في النار يبتغون به الحلي والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله.
وقوله: {فيذهب جفاء} ممدود أصله الهمز يقول: جفأ الوادي غثاءه جفئا. وقيل: الجفاء: كما قيل: الغثاء: وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القماش والدّقاق والغثاء والحطام فهو مصدر. ويكون في مذهب اسم على هذا المعنى؛ كما كان العطاء اسماً على الإعطاء، فكذلك الجفاء والقماش لو أردت مصدره قلت: قمشته قمشاً. والجفاء أي يذهب سريعاً كما جاء). [معاني القرآن: 2/61-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاحتمل السّيل زبداً رابياً} مجازه: فاعلٌ من ربا يربو. أي ينتفخ.
(أو متاعٍ زبدٌ مثله)، وهو ما تمتعت به، قال المشعث:
تمتع يا مشعّث إنّ شيئاً=سبقت به الممات هو المتاع
(كذلك يضرب الله الحقّ والباطل) أي يمثّل الله الحق ويمثل الباطل.
(فأمّا الزّبد فيذهب جفآءً) قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها أو سكنت فلا يبقى منه شيء). [مجاز القرآن: 1/328-329]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رّابياً وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مّثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
وقال: {فسالت أوديةٌ بقدرها} تقول: "أعطني قدر شبرٍ" و"قدر شبرٍ" وتقول: "قدرت" و"أنا أقدر" "قدراً" فأما المثل ففيه "القدر" و"القدر".
وقال: {أو متاعٍ زبدٌ مّثله} يقول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زيدٌ مثله" قول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا"). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زبدا رابيا}: من ربا يربو.
{أو متاع}: ما متعت به.
{جفاء}: يقال قد أجفأ الناس وقد جفأتهم إذا سقتهم وقد أجفأت القدر إذا القدر إذا غلت فعلاها الزبد فإذا سكنت لم يبق منه شيء). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسالت أوديةٌ بقدرها} أي على قدرها في الصغر والكبر.
{فاحتمل السّيل زبداً رابياً} أي زبدا عاليا على الماء.
{ابتغاء حليةٍ} أي حلى، أو متاعٍ أو آنية. يعني: أن من فلزّ الأرض وجواهرها مثل الرصاص والحديد والصّفر والذهب والفضة - خبثا يعلوها إذا أذيبت، مثل زبد الماء.
والجفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته. يقال: أجفأت القدر بزبدها: إذا ألقت زبدها عنها). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمتاع: الآلات التي ينتفع بها، قال الله تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 512]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.
هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. يقول: الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، ومثل ذلك مطر جود، أسال الأودية بقدرها: الكبير على قدره، والصغير على قدره.
فاحتمل السّيل زبداً رابياً أي: عاليا على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق، ومن جواهر الأرض التي تدخل الكير ويوقد عليها. يعني الذهب والفضة للحلية، والشّبه والحديد للآلة، حيث يعلوها مثل زبد الماء.
فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً أي: يلقيه الماء عنه فيتعلّق بأصول الشّجر وبجنبات الوادي، وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير. فهذا مثل الباطل.
{وَأَمَّا مَا} الماء الذي {يَنْفَعُ النَّاسَ} وينبت المرعى {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} وكذلك الصّفو من الفلزّ يبقى خالصا لا شوب فيه. فهو مثل الحق). [تأويل مشكل القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال - عزّ وجلّ - ضاربا مثلا للكافرين والمؤمنين:
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السّيل زبدا رابيا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها}أي بما قدّر لها من ملئها، ويجوز بقدرها أي بقدر ملئها.
{فاحتمل السّيل زبدا رابيا} أي: طافيا عاليا فوق الماء.
{وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع} أي ابتغاء متاع.
(زبد مثله}.
والذي يوقد عليه في النار ابتغاء حلية: الذّهب والفضة، والذي يوقد عليه ابتغاء أمتعة الحديد والصفر والنحاس والرصاص.
و{زبد مثله} أي مثل زبد الماء.
{كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد} أي من زبد الماء، والزّبد من خبث الحديد، والصّفر والنحاس والرصاص.
{فيذهب جفاء} أي فيذهب ذلك لا ينتفع به، والجفاء ما جفا، الوادي، أي رمى به.
{وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وأما ما ينفع الناس من الماء والفضة والذهب والحديد وسائر ما ذكرنا فيمكث في الأرض.
فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء
المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الآلات التي ذكرت لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزّبد الذي يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد، وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به.
وموضع كذلك نصب، قال أبو زيد: يقال جفأت الرجل إذا صرعته وأجفات القدر بزبدها إذا ألقت زبدها فيه.
{فيذهب جفاء}. من هذا اشتقاقه.
وموضع {جفاء} نصب على الحال، وهو ممدود.
وزعم البصريون والكوفيون جميعا أنّ ما كان مثل القماش والقمام والجفاء فهذه الأشياء تجيء على مثال فعال). [معاني القرآن: 3/145-146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها}
قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها
قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها
وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى واحد
وقيل معناها بما قدر لها
ثم قال تعالى: {فاحتمل السيل زبدا رابيا}أي طالعا عاليا
قال مجاهد تم الكلام
ثم قال تعالى: {ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله}
قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص
قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة
ثم قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء}
قال مجاهد أي جمودا
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها
قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا
يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته
ثم قال تعالى: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}
قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء
ثم قال تعالى: {كذلك يضرب الله الأمثال} تم الكلام). [معاني القرآن: 3/488-490]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رابيا} عاليا على الماء.
{ابتغاء حلية} أي حلي {أو متاع} آنية من الرصاص والحديد حيث يعلوها -إذ أذيبت- مثل زبد السيل.
(والجفاء) ما رمى به الوادي في جانبيه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَّابِيًا}: زائداً
{جُفَاء}: يذهب به السيل). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
(18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت، والحسنى هي كل خير من الجنة فما دونها،
أي لهم الحسنى.
(المهاد) الفراش والبساط). [مجاز القرآن: 1/329]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: عزّ وجلّ: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}
أي لهم الجنة، وجائز أن يكون لهم جزاء المحسنين، وهو راجع إلى الجنة أيضا كما قال - عزّ وجلّ -: {هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان}.
{أولئك لهم سوء الحساب}.
وسوء الحساب ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم كما قال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.
وقيل سوء الحساب أن يستقصى عليه حسابه ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته، وكلاهما فيه عطب.
ودليل هذا القول الثاني من نوقش الحساب عذّب.
وتكون سوء الحساب المناقشة). [معاني القرآن: 3/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}قال قتادة هي الجنة
وقوله تعالى: {أولئك لهم سوء الحساب}
قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال
ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك
قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء). [معاني القرآن: 3/490-491]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 07:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 19 إلى آخر السورة]

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولو الألباب} أي ذوو العقول، واحدها لبّ وأولو: واحدها ذو). [مجاز القرآن: 1/329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أولو الألباب}: العقول). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني المؤمنين.
ومثله قوله تعالى في قصة سبإ: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وهذا كما تقول: أن في ذلك لآية لكل موحّد مصلّ، ولكلّ فاصل تقيّ.
وإنما تريد المسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَلْبَابِ}: العقول). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون السيئة بالحسنة،
درأته عني أي دفعته). [مجاز القرآن: 1/330-329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يدرءون}: يدفعون، درأته عني أي دفعته). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون السيئة بالحسنة، كأنهم إذا سفه عليهم حلموا. فالسّفه سيئة والحلم حسنة.
ونحوه {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ}
ويقال: درأ اللّه عنّي شرّك: أي دفعه. فهو يدرؤه درءا). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ {والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية ويدرءون بالحسنة السّيّئة أولئك لهم عقبى الدّار }
{ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون، يقال: درأته إذا دفعته). [معاني القرآن: 3/147-146]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَيَدْرءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يدفعون بالتوبة والطاعة). [ياقوتة الصراط: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويدرءون} أي يدفعون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَدْرَءون}: يدفعون). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ...}
{سلامٌ عليكم...}
يقولون: سلام عليكم. القول مضمر؛ كقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا} أي يقولون: ربنا ثم تركت). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أولئك لهم عقبى الدّار * جنّات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب}
(جنّات) بدل من (عقبى).
وعدن: إقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام فيه.
{يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم}.
موضع " من " رفع، عطف على الواو في قوله: {يدخلونها} وجائز أن يكون نصبا، كما تقول قد دخلوا وزيدا أي مع زيد.
أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة فقال: يدخلونها ومن صلح ممن جرى ذكره). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم}
أي من كان صالحا
لا يدخلونها بالأنساب
ثم قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} أي تكرمة من الله لهم). [معاني القرآن: 3/491]

تفسير قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {عقبي الدّار} عاقبة الدار.
(سلامٌ عليكم) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: يقولون سلام عليكم). [مجاز القرآن: 1/330]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم والملائكة يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}
وقال: {يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ * سلامٌ عليكم} أي: يقولون {سلامٌ عليكم} ). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {عقبى الدار}: عاقبة). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ عليكم} أي يقولون: سلام عليكم. فحذف اختصارا). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار }أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم.
هذه مكرمة من الله عزّ وجل لأهل الجنّة.
والمعنى يدخلون عليهم من كل باب يقولون {سلام عليكم}.
فأضمر القول ههنا لأن في الكلام دليلا عليه). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {سلام عليكم بما صبرتم} أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم
ثم قال جل وعز: {فنعم عقبى الدار}
قال أبو عمران الجوني فنعم عقبى الدار الجنة من النار). [معاني القرآن: 3/491-492]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عُقْبَى}: عاقبة). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر...}
أي يوسّع ويقدر (أي يقدر ويقتّر) ويقال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له في ذلك أي يخير له.
قال ابن عباس: إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق وهو بهم عالم، فجعل الغنى لبعضهم صلاحاً والفقر لبعضهم صلاحاً، فذلك الخيار للفريقين). [معاني القرآن: 2/63-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما الحياة الدّنيا في الآخرة إلاّ متاعٌ} إلاّ متعة وشيء طفيف حقير). [مجاز القرآن: 1/330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع}
قال مجاهد أي تذهب). [معاني القرآن: 3/492]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من أناب} من تاب). [مجاز القرآن: 1/330]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من أناب}: أي تاب). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويقول الّذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربّه قل إنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب}
{ويهدي إليه من أناب} يعني من رجع إلى الحق). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله عز وجل: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} أناب إذا رجع إلى الطاعة). [معاني القرآن: 3/492]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَنَابَ}: تاب ورجع). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب}
{الّذين آمنوا}في موضع نصب ردّا على (من)، المعنى يهدي إليه الذين آمنوا {وتطمئن قلوبهم بذكر اللّه}، أي إذا ذكر الله بوحدانيته آمنوا به غير شاكين.
{ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب} " ألا " حرف تنبيه وابتداء.
ومعنى {ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب} أي التي هي قلوب المؤمنين لأن الكافر غير مطمئن القلب). [معاني القرآن: 3/148-147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}أي بتوحيده والثناء عليه
ثم قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}أي التي هي قلوب المؤمنين
قال مجاهد يعني أصحاب محمد). [معاني القرآن: 3/493]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {طوبى لهم وحسن مآبٍ...}
رفع. وعليه القراءة. ولو نصب طوبى والحسن كان صواباً ما تقول العرب: الحمد لله والحمد لله. وطوبى وإن كانت اسماً فالنصب يأخذها؛ كما يقال في السبّ: التراب له والتراب له. والرفع في الأسماء الموضوعة أجود من النصب). [معاني القرآن: 2/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {طوبى لهم وحسن مآبٍ} أي منقلب). [مجاز القرآن: 1/330]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات طوبى لهم وحسن مآبٍ}
وقال: {طوبى لهم وحسن مآبٍ} فـ(طوبى) في موضع رفع يدلك على ذلك رفع (وحسن مآبٍ) وهو يجري مجرى "ويلٌ لزيدٍ" لأنك قد تضيفها بغير لام تقول "طوباك" ولو لم تضفها لجرت مجرى "تعساً لزيدٍ".
وإن قلت: "لك طوبى" لم يحسن كما لا تقول: "لك ويلٌ"). [معاني القرآن: 2/58-57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({طوبى لهم}: نعم ما لهم. وقال المفسرون {طوبى لهم} شجرة في الجنة و{وطوبى لهم} خير لهم.
{مآب}: مرجع). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات طوبى لهم وحسن مآب}
القراءة بالرفع في {وحسن مآب}. عطف على (طوبى) كما تقول:
الحمد للّه والكرامة وإن شئت كان نصبا على {طوبى لهم وحسن مآب}.
أي جعل اللّه لهم طوبى وحسن مآب.
(طوبى) عند النحويين فعلى من الطيب.
المعنى العيش الطيب لهم.
وجاء في التفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن (طوبى) شجرة في الجنة، وقيل (طوبى) لهم حسنى لهم، وقيل طوبى لهم خير لهم.
وقيل (طوبى) لهم اسم الجنة بالهندية. وقيل (طوبى) لهم خيرة لهم، وهذا التفسير كله يشبهه قول النحويين أنها فعلى من الطّيب). [معاني القرآن: 3/148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم}
قال ابن عباس وأبو أمامة طوبى شجرة في الجنة
وكذلك قال عبيد بن عمير
وقال مجاهد هي الجنة
وقال عكرمة أي نعم ما لهم
وقال إبراهيم طوبى أي خير وكرامة وهذه الأقوال متقاربة لأن طوبى فعلى من الطيب أي من العيش الطيب لهم وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب
ثم قال تعالى: {وحسن مآب} قال مجاهد أي مرجع). [معاني القرآن: 3/494-493]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طُوبَى}: شجرة
{مَآبٍ}: مآب). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلت من قبلها أممٌ} أي مضت قرون من قبلها وملل.
{وإليه متاب} مصدر تبت إليه، وتوبتي إليه سواء). [مجاز القرآن: 1/330]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال...}
لم يأت بعده جواب للو فإن شئت جعلت جوابها متقدّماً: وهم يكفرون - ولو أنزلنا عليهم الذي سألوا. وإن شئت كان جوابه متروكا لأن أمره معلوم: والعرب تحذف جواب الشيء إذا كان معلوماً إرادة الإيجاز،
كما قال الشاعر:

وأقسم لو شيء أتانا رسوله =سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
وقوله: {بل للّه الأمر جميعاً أفلم ييأس الّذين آمنوا} قال المفسّرون: ييأس: يعلم. وهو في المعنى على تفسيرهم لأن الله قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فقال: أفلم ييأسوا علماً. يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم العلم مضمرا كما تقول في الكلام: قد يئست منك ألاّ تفلح علماً كأنك قلت: علمته علماً.
وقال الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ييأس في معنى يعلم لغة للنخع. قال الفراء: ولم نجدها في العربية إلاّ على ما فسّرت.
وقول الشاعر:
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا = غضفاً دواجن قافلا أعصامها
معناه حتى إذا يئسوا من كل شيء ممّا يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا أرسلوا. كان ما وراءه يأساً.
وقوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} القارعة: السريّة من السرايا (أو تحلّ) أنت يا محمد بعسكرك {قريباً مّن دارهم}). [معاني القرآن: 2/64-63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} مجازه مجاز المكفوف عن خبره، ثم استؤنف فقال: {بل لله الأمر جميعاً} فمجازه: لو سيّرت به الجبال لسارت، أو قطّعت به الأرض لتقطعت، ولو كلّم به الموّتى لنشرت، والعرب قد تفعل مثل هذا لعلم المستمع به استغناءً عنه واستخفافاً في كلامهم،
قال الأخطل:
خلا أنّ حيّاً من قريشٍ تفضّلوا= على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا
وهو آخر قصيدة، ونصبه وكفّ عن خبره واختصره وقال عبد مناف ابن ربع الهذليّ:

الطّعن شغشغةٌ والضّرب هيقعةٌ= ضرب المعوّل تحت الأّيمة العضدا
وللقسىّ أزاميلٌ وغمغمةٌ= حسن الجنوب تسوق الماء والبردا
حتى إذا اسلكوهم في قتائدةٍ= شلاّ كما تطرد الجمّالة الشردا
وهو آخر قصيدة، وكف عن خبره. وقوله شغشغة: أي يدخله ويخرجه؛ والهيقعة أن يضرب بالحد من فوق والمعول: صاحب العالة وهي ظلة يتخذها رعاة البهم بالحجاز إذا خافت البرد على بهمها. فيقول: فيعتضد العضد من الشجر لبهمه أي يقطعه؛ والدّيمة المطر الضعيف الدائم؛ والأزاميل: الأصوات واحدها أزمل وجمعها أزامل زاد الياء اضطراراً؛
والغماغم: الأصوات التي لم تفهم؛ حسّ الجنوب: صوتها؛ قتائدة طريق. أسلكوهم وسلكوهم واحد.
{أفلم ييئس الّذين آمنوا} مجازه: ألم يعلم ويتبين،
قال سحيم بن وثيل اليربوعيّ:
أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني= ألم تيئسوا أنّي ابن فارس زهدم
(قارعةٌ) أي داهية مهلكة، ويقال: قرعت عظمه، أي صدعته). [مجاز القرآن: 1/333-331]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} أراد لكان هذا القرآن. فحذف اختصارا.
{أفلم ييأس الّذين آمنوا} أي أفلم يعلم. ويقال: هي لغة للنخع.
وقال الشاعر:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني =ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا.
{قارعةٌ} داهية تقرع أو مصيبة تنزل. وأراد أن ذاك لا يزال يصيبهم من سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم). [تفسير غريب القرآن: 228-227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أفلم ييأس}: يعلم في التفسير.[غريب القرآن وتفسيره: 194]
{قارعة}: داهية مهلكة). [غريب القرآن وتفسيره: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(يئست) بمعنى: (علمت) من قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}،
لأنّ في علمك الشيء وتيقّنك له يأسك من غيره.
قال لبيد:
حتّى إذا يَئِسَ الرّماة فأرسلوا = غضفاً دواجنَ قافلاً أعصامُها
أي: علموا ما ظهر لهم فيئسوا من غيره.
وقال آخر:
أقول لهم بالشِّعب إِذْ يأسرونني: = ألم تيئسوا أنِّي ابنُ فارس زهدم
أي: ألم تعلموا). [تأويل مشكل القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، أراد لكان هذا القرآن، فحذف). [تأويل مشكل القرآن: 305] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله سبحانه: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل للّه الأمر جميعا أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحلّ قريبا من دارهم حتّى يأتي وعد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}
ترك جواب " لو " لأن في الكلام دليلا عليه، وكان المشركون سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفسح لهم في مكة ويباعد بين جبالها حتى يتخذوا فيها قطائع وبساتين وأن يحيي لهم قوما سمّوهم له، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أن لو فعل ذلك بقرآن لكان يفعل بهذا القرآن.
والذي أتوهّمه - واللّه أعلم - وقد قاله بعض أهل اللغة، أن المعنى: لو أنّ قرآنا سيّرت به الأرض أو كلّم به الموتى لما آمنوا به.
ودليل هذا القول قوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه}.
وقوله - عزّ وجلّ: {أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا}.
قيل إنها لغة للنخع، ييأس في معنى يعلم.
وأنشدوا
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني= ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وقرئت: أفلم يتبين الذين آمنوا.
وقال بعض أهل اللغة: أفلم يعلم الذين آمنوا علما ييأسوا معه من أن يكون غير ما علموه.
والقول عندي واللّه أعلم أن معناه: أفلم ييأس الّذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم اللّه بأنهم لا يؤمنون لأنه قال:
{لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا} ، جميعا: منصوب على الحال.
{ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} قيل سريّة، ومعنى قارعة في اللغة نازلة شديدة تزل بأمر عظيم). [معاني القرآن: 3/149-148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى}
قال ابن عباس قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم سير لنا الجبال قطع لنا الأرض أحيي لنا الموتى
وقال مجاهد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد لنا هذه الجبال وادع لنا أن يكون لنا زرع وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه وأحيي لنا الموتى
قال قتادة قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم أحيي لنا الموتى حتى نسألهم عن الذي جئت به أحق هو فأنزل الله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى}
قال لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم
وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف لعلم السامع لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب لو ونظيره لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد
وقال الشاعر:
فلو لأنها نفس تموت سوية = ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب لو أي لتسلت
وفي الحذف من الآية قولان:
أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن
وقال بعضهم المعنى لو فعل بهم هذا لما آمنوا كما قال تعالى: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله}
قال أبو جعفر وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي وهم يكفرون ولو وقع هذا
وقوله جل وعز: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا}
قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف كثير
روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم وعكرمة عن ابن عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا مختصر
وفي كتاب خارجة أن ابن عباس قرأ أفلم يتبين للذين آمنوا
وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم يعلم
وأكثر أهل اللغة على هذا القول
وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة قال سحيم بن وثيل:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني = الم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ويروى إذ يأسرونني
فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا
وروى معاوية بن صالح بن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا قال} أفلم يعلم وفي الآية قول آخر
قال الكسائي لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال الله أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان أن يفلح والمعنى لعلمي به
وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة}
قال ابن عباس يعني السرايا
وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن أبا عاصم روى عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال النكبة
وقال مجاهد قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم
والقارعة في اللغة المصيبة العظيمة
ثم قال جل وعز: {أو تحل قريبا من دارهم}
قال مجاهد وعكرمة وقتادة أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم
حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا مخلد بن مالك
عن محمد بن سلمة عن خصيف قال القارعة السرايا التي كان يبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم
قال الحسن أو تحل القارعة قريبا من دارهم
ثم قال تعالى: {حتى يأتي وعد الله}
قال مجاهد وقتادة أي فتح مكة). [معاني القرآن: 3/500-494]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً}
قال ثعلب: هذا محذوف الجواب،
والمعنى: لكان هذا القرآن. وقال أبو عمر: سألت المبرد عنه، فقال: صحيح فصيح من كلام العرب). [ياقوتة الصراط: 282-281]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قَارِعَةٌ} أي: داهية). [ياقوتة الصراط: 282]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أَوْ تَحُلّ} أنت بجيشك. (قريبا) منهم، وليست تحل القارعة). [ياقوتة الصراط: 282]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أفلم ييأس الذين} أي يعلم.
{قارعة} داهية تقرع رؤوسهم، وجمعها دواه، وهي خطوة الزمن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَيْأَسِ}: من اليأس
{قَارِعَةٌ}: داهية). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأمليت} أي أطلت لهم، ومنه المليّ والملاوة من الدهر، ومنه تمليت حيناً، ويقال: لليل والنهار الملوان لطولهما،
وقال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان= ألّح عليها بالبلى الملوان
ويقال: للخرق الواسع من الأرض ملاً مقصور،
قال:
حلاً لا تخطّاه العيون رغيب
وقال:
أمضى الملا بالشاحب المتبدّل). [مجاز القرآن: 1/333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأمليت للّذين كفروا} أي أمهلتهم وأطلت لهم). [تفسير غريب القرآن: 228]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت...}
ترك جوابه ولم يقل: ككذا وكذا لأن المعنى معلوم. وقد بيّنه ما بعده إذ قال: {وجعلوا للّه شركاء} كأنه في المعنى قال: كشركائهم الذين اتّخذوهم،
ومثله قول الشاعر:

تخيّري خيّرت أمّ عال =بين قصير شبره تنبال
أذاك أم منخرق السربال= ولا يزال آخر الليالي
* متلف مال ومفيد مال *
تخيّري بين كذا وبين منخرق السربال. فلمّا أن أتى به في الذكر كفى من إعادة الإعراب عليه.
وقوله: {في الأرض أم بظاهرٍ مّن القول} باطل المعنى، أي أنه ظاهر في القول باطل المعنى.
ويقرأ: {وصدّوا عن السّبيل} وبعضهم (وصدّوا) يجعلهم فاعلين). [معاني القرآن: 2/65-64]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ} أي دائم قوامٌ عدلٌ). [مجاز القرآن: 1/333]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت وجعلوا للّه شركاء قل سمّوهم أم تنبّئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهرٍ مّن القول بل زيّن للّذين كفروا مكرهم وصدّوا عن السّبيل ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ}
وقال: {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت وجعلوا للّه شركاء} فهذا في المعنى "أفمن هو قائم على كل نفس مثل شركائهم"، وحذف فصار {وجعلوا لله شركاء} يدل عليه).
[معاني القرآن: 2/58]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت}. هو اللّه القائم على كل نفس بما كسبت يأخذها بما جنت ويثيبها بما أحسنت.
وقد بينت [معنى] القيام في مثل هذا في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي آخذ لها بما كسبت). [تأويل مشكل القرآن: 182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}
قال قتادة هو الله جل جلاله
وقال الضحاك يعني نفسه جل وعز وهو القائم على عباده من كان منهم برا ومن كان منهم فاجرا يرزقهم ويطعمهم وقد جعلوا لله شركاء
قال الله: {قل سموهم} ولو سموهم لكذبوا وأنبؤه بما لا يعلمه وذلك قوله تعالى: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} ). [معاني القرآن: 3/501-500]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولعذاب الآخرة أشقّ} أي أشدّ.
{للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} ثم قال: {مثل الجنّة الّتي وعدّ المتّقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائمٌ وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار} مجازه مجاز المكفوف عن خبره، والعرب تفعل ذلك في كلامها، وله موضع آخر مجازه: للذين استجابوا لربهم الحسنى مثل الجنة، موصول صفة لها على الكلام الأول). [مجاز القرآن: 1/334-333]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون...}
يقول: صفات الجنة
قال الفراء: وحدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي عبد الرحمن السّلمي أن عليّاً قرأها: (أمثال الجنّة) قال الفراء: أظن دون أبي عبد الرحمن رجلا قال: وجاء عن أبي عبد الرحمن ذلك والجماعة على كتاب المصحف.
وقوله: {تجري من تحتها الأنهار} هو الرافع. وإن شئت للمثل الأمثال في المعنى كقولك: حلية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداء أي هو أحمر أسمر، هو كذا.
ولو دخل في مثل هذا أنّ كان صواباً. ومثله في الكلام مثلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه إنّا} من وجه {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار} ومن قال {أنّا صببنا الماء} بالفتح أظهر الاسم؛ لأنه مردود على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامه أنا صببنا ثم فعلنا). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، ولم يأت بالشيء الذي جعل له الجنة مثلا- فإن أصل المثل ما ذهبوا إليه من معنى المثل، تقول: هذا مثل الشيء ومثله، كما تقول: هذا شبه الشيء وشبهه.
ثم قد يصير المثل بمعنى الشيء وصفته، وكذلك المثال والتّمثال، يقال للمرأة الرّائقة: كأنها مثال، وكأنها تمثال، أي صورة، كما يقال: كأنها دمية، أي صورة، وإنما هي مثل، وقد مثّلت لك كذا، أي صوّرته ووصفته.
فأراد الله بقوله: مثل الجنّة، أي صورتها وصفتها.
وروي أن عليّا رحمه الله كان يقرأ: مثال الجنة أو أمثال الجنة، وهو بمنزلة مثل، إلا أنه أوضح وأقرب في أفهام الناس إلى المعنى الذي تأوّلناه في مثل.
ونحوه قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} أي ذلك وصفهم، لأنه لم يضرب لهم مثلا في أوّل الكلام، فيقول: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} وإنما وصفهم وحلّاهم، ثم قال: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} أي وصفهم.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، ولم يأت بالمثل، لأن في الكلام معناه،
كأنه قال: يا أيها الناس، مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذبابا لم تقدر عليه، وسلبها الذباب شيئا فلم تستنقذه منه.
ومثل هذا في القرآن وكلام العرب أشياء قد اقتصصناها في (أبواب المجاز) ). [تأويل مشكل القرآن: 83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار}
قال سيبويه: المعنى فيما يقص عليكم مثل الجنّة، أو مثل الجنّة فيما يقصّ عليكم، فرفعه عنده على الابتداء.
وقال غيره: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} مرفوع على الابتداء.
وخبره {تجري من تحتها الأنهار}
كما تقول:
صفة فلان أسمر كقولك: فلان أسمر.
وقالوا معناها صفة الجنة التي وعد المتقون.
وكلا القولين حسن جميل.
والذي عندي - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجلّ، عرفنا أمور الجنة التي لم نرها. ولم نشاهدها بما شاهدناه من أمور الدنيا وعاينّاه.
فالمعنى {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} جنة {تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها} ). [معاني القرآن: 3/150-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون}
روى النضر بن شميل عن الخليل قال مثل بمعنى صفة فالمعنى على هذا صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما تقول صفة فلان أسمر لأن معناه فلان أسمر
وقال أبو إسحاق مثل الله لنا ما غاب بما نراه وكذلك كلام العرب فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار). [معاني القرآن: 3/501]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مَثَلُ الْجَنَّةِ} أي: صفة الجنة). [ياقوتة الصراط: 283]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {وإليه مآب}
قال قتادة أي إليه مصير كل عبد). [معاني القرآن: 3/502]

تفسير قوله تعالى: {وكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حكماً عربياً} أي ديناً عربياً أنزل على رجل عربي). [مجاز القرآن: 1/334]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لكلّ أجلٍ كتابٌ...}
جاء التفسير: لكل كتاب أجل. ومثله {وجاءت سكرة الموت بالحقّ} وذلك عن أبي بكر الصّديق رحمه الله: {وجاءت سكرة الموت بالحقّ} لأن الحقّ أتى بها وتأتّى به.
فكذلك تقول: لكل أجلٍ مؤجّل ولكل مؤجّل أجل والمعنى واحد والله أعلم). [معاني القرآن: 2/66-65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لكلّ أجلٍ كتابٌ} أي وقت قد كتب). [تفسير غريب القرآن: 228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لكل أجل كتاب} أي وقت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 120]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت...}
(ويثبّت) مشدّد قراءة أصحاب عبد الله وتقرأ و(يثبت) خفيف. ومعنى تفسيرها أنه - عزّ وجلّ - ترفع إليه أعمال العبد صغيرها وكبيرها، فيثبت ما كان فيه عقاب أو ثواب ويمحو ما سوى ذلك). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يمحوا الله ما يشاء} محوت تمحو، وتمحي: لغة). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يمحو اللّه ما يشاء} أي ينسخ من القرآن ما يشاء {ويثبت} أي يدعه ثابتا فلا ينسخه، وهو المحكم {وعنده أمّ الكتاب} أي جملته وأصله.
وفي رواية أبي صالح: أنه يمحو من كتب الحفظة ما تكلم به الإنسان مما ليس له ولا عليه، ويثبت ما عليه وما له). [تفسير غريب القرآن: 229-228]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}
أي يمحو الله ما يشاء مما يكتبه الحفظة على العباد ويثبت.
قال بعضهم: يمحو الله ما يشاء ويثبت، أي من أتى أجله محي، ومن لم يأت أجله أثبت.
وقيل يمحو اللّه ما يشاء ويثبت أي ينسخ مما أمر به ما يشاء ويثبت أي ويبقي من أمره ما يشاء.
{وعنده أمّ الكتاب} أي أصل الكتاب.
وقيل يمحو الله ما يشاء ويثبت أي من قدّر له رزقا وأجلا محا ما يشاء من ذلك وأثبت ما يشاء). [معاني القرآن: 3/150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}
وقرأ ابن عباس ويثبت
روي عنه يحكم الله جل وعز أمر السنة في شهر رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الحياة والموت والشقوة والسعادة
وفي رواية أبي صالح يمحو الله مما كتب الحفظة ما ليس للإنسان وليس عليه ويثبت ما له وعليه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يمحو الله ما يشاء} يقول يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله
وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وكذلك قال قتادة
وقال ابن جريج يمحو الله ما يشاء أي ينسخ وكأن معنى ويثبت عنده لا ينسخه فيكون محكما
ويثبت بالتشديد على التكثير
قال أبو جعفر ويثبت بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من يثبت
وكان أبو عبيد قد اختار ويثبت على أن أبا حاتم قد أومأ إلى أن معناهما واحد
وروى عوف عن الحسن قال يمحو من جاء أجله ويثبت من لم يجيء أجله بعد إلى أجله). [معاني القرآن: 3/503-502]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أم الكتاب}: اللوح الحفوظ). [ياقوتة الصراط: 283]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن مّا نرينّك بعض الّذي نعدهم...}وأنت حيّ.
{أو نتوفّينّك} يكون بعد موتك {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإمّا نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك} ألف إما مكسورة لأنه في موضع أحد الأمرين). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.
فإنه لم يرد أن عليك البلاغ بعد الوفاة كما ظنّوا، وإنما أراد: إن أريناك بعض الذي نعدهم في حياتك، أو توفيناك قبل أن نريك ذلك- فليس عليك إلا أن تبلّغ، وعلينا أن نجازي.
ومثل هذا: رجل بعثته واليا وقلت له: سر إلى بلد كذا فادعهم، فإن استجابوا لك فأحسن فيهم السيرة، وابسط المعدلة، وإن عصوك فعظهم وحذّرهم عقاب المعصية، فإن أقاموا على الغَواية أعلمتني ليأتيهم النّكير؛ فصار إليهم فمانعوه، ووعظهم فخالفوه، وأقام حينا مستبطئا ما أوعدتهم به، فقلت: إن أريناك ما وعدناهم من العقوبة أو عزلناك قبل أن نريك ذلك- فليس لك أن تستبطئنا، إنما عليك التّبليغ والعظة، وعلينا الجزاء والمكافأة). [تأويل مشكل القرآن: 84-85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وإن ما نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب }
" إن " أدخلت عليها (ما) لتوكيد الشرط.
دخلت النون مؤكدة للفعل.
{أو نتوفّينّك}.
عطف على (نرينّك) وجواب الجزاء: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} أي علينا الحساب لنجزي كل نفس بما عملت.
والمعنى إما أريناك بعض الذي وعدناهم من إظهار دين الإسلام على الدين كله، أو توفيناك قبل ذلك، فليس عليك إلّا البلاغ - كفروا هم به أو آمنوا). [معاني القرآن: 3/151-150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله عز وجل: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}
أي إما نرينك بعض ما وعدناك من إظهار دين الإسلام على الدين كله أو نتوفينك قبل ذلك فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا أن نحاسبهم فنجازيهم بأعمالهم). [معاني القرآن: 3/504]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها...}
جاء: أولم ير أهل مكّة أنا نفتح لك ما حولها. فذلك قوله (ننقصها) أي أفلا يخافون أن تنالهم. وقيل {ننقصها من أطرافها} بموت العلماء.
وقوله: {لا معقّب لحكمه} يقول: لا رادّ لحكمه إذا حكم شيئا والمعقّب الذي يكرّ على الشيء.
وقول لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه =طلب المعقّب حقّه المظلوم
من ذلك لأن (المعقّب صاحب الدين يرجع على صاحبه فيأخذه منه، أو من أخذ منه شيء فهو راجع ليأخذه) ). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ننقصها من أطرافها} مجازه: ننقص من في الأرض ومن في نواحيها من العلماء والعباد،
وفي آية أخرى: (وسل القرية) مجازه: وسل من في القرية.
{لا معقّب لحكمه} أي لا رادّ له ولا مغيّر له عن الحق). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا معقب لحكمه}: أي لا راد ولا مغير). [غريب القرآن وتفسيره: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ننقصها من أطرافها} أي بموت العلماء والعبّاد ويقال: بالفتوح على المسلمين. كأنه ينقص المشركين مما في أيديهم.
{لا معقّب لحكمه} أي لا يتعقبه أحد بتغيير ولا نقص). [تفسير غريب القرآن: 229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه أن بيان ما وعدوا به قد ظهر وتبيّن فقال عزّ وجلّ:
{أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها واللّه يحكم لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب }أي أو لم يروا أنا قد فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم.
ودليل هذا القول قوله عزّ وجلّ في موضع آخر:
{أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون}
وقيل في تفسير هذه الآية ما وصفنا، وقيل غير قول.
قيل نقصها من أطرافها موت أهلها، ونقص ثمارها.
وقيل ننقصها من أطرافها بموت العلماء.
والقول الأول بين). [معاني القرآن: 3/151]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد
فقال: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}
يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين وإظهار المسلمين عليهم
وفي هذه الآية أقوال هذا أشبهها بالمعنى
ومن الدليل على صحته قوله جل وعز: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} وهذا القول مذهب الضحاك
وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول الله تعالى: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال هو ما تغلب عليه من بلادهم
وروى عكرمة عن ابن عباس قال هو خراب الأرض حتى يكون في ناحية منها أي حتى يكون العمران في ناحية منها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد ننقصها من أطرافها قال الموت موت الفقهاء والعلماء
ثم قال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه}
قال الخليل لا راد لقضائه
قال أبو جعفر والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا تغيير). [معاني القرآن: 3/506-504]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ننقصها من أطرافها} قيل: موت العلماء والعباد.
{لا معقب لحكمه} أي لا يتعقبه أحد بتغيير ولا نقص). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ مُعَقِّبَ}: لا مغير). [العمدة في غريب القرآن: 168]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وسيعلم الكفّار...}
على الجمع وأهل المدينة (الكافر) ). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقد مكر الّذين من قبلهم فللّه المكر جميعا يعلم ما تكسب كلّ نفس وسيعلم الكفّار لمن عقبى الدّار}
{وسيعلم الكفّار لمن عقبى الدّار}.
وقرئت: وسيعلم الكافر، ومعنى الكفار والكافر ههنا واحد.
الكافر اسم للجنس، كما تقول قد كثرت الدراهم في أيدي الناس.
وقد كثر الدّرهم في أيدي الناس..
وقرأ بعضهم وسيعلم الكافرون، وبعضهم وسيعلم الذين كفروا.
وهاتان القراءتان لا تجوزان لمخالفتهما المصحف المجمع عليه.
لأن القراءة سنّة). [معاني القرآن: 3/151]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ( وقوله: {ومن عنده علم الكتاب...}
يقال عبد الله بن سلام. و(من عنده) خفض مردود على الله عزّ وجل...
- وحدثني شيخ عن الزّهري رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه لما جاء يسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلو {ومن عنده علم الكتاب}...
- وحدثني شيخ عن رجل عن الحكم بن عتيبة {ومن عنده علم الكتاب} ويقرأ (ومن عنده علم الكتاب) بكسر الميم من (من) ). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويقول الّذين كفروا لست مرسلا قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
{قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم}.
الباء في موضع رفع مع الاسم، المعنى كفى الله شهيدا، وشهيدا منصوب على التمييز.
{ومن عنده علم الكتاب}.
و " من " يعود على الله عزّ وجلّ، وقيل في التفسير يعنى به عبد الله بن سلام وقيل ابن يامين، والذي يدل على أنه راجع إلى اللّه عزّ وجلّ – قراءة من قرأ (ومن عنده) علم الكتاب، ومن عنده علم الكتاب لأن الأشبه، واللّه أعلم - أن اللّه لا يستشهد على خلقه بغيره.
وذلك التفسير جائز لأن البراهين إذا قامت مع اعتراف من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن فهو أمر مؤكد). [معاني القرآن: 3/152-151]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
قال ابن جريج عن مجاهد عبد الله بن سلام
وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله تبارك وتعالى
وقال سليمان التيمي هو عبد الله بن سلام
وقال قتادة منهم عبد الله بن سلام فإنه قال نزل في قرآن ثم تلا ومن عنده علم الكتاب
وأذكر هذا القول الشعبي وعكرمة
قال الشعبي نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد الله بن سلام
وقال سعيد بن جبير وعكرمة هذه الآية نزلت بمكة فكيف نزلت في عبد الله بن سلام
وقال الحسن أي كفى بالله شهيدا وبالله مرتين يذهب إلى أن من تعود على اسم الله
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية من وجهات
إحداها أنه يبعد أن يستشهد الله بأحد من خلقه
ومنها ما أنكره الشعبي وعكرمة
ومنها أنه قرئ {ومن عنده علم الكتاب} بكسر الميم والدال والعين روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في الرواية ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومن عنده علم وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قرآ
ولا اختلاف بين المفسرين أن المعنى ومن عند الله فأن يكون معنى القراءتين واحدا أحسن
وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب
قال أبو جعفر وقول من قال هو عبد الله بن سلام وغيره يحتمل أيضا لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا
والله أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 3/509-506]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( دوَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام، وذلك أنه وقف اليهود على صفة محمد
- صلى الله عليه وسلم - في التوراة، وقطعهم بالحجج). [ياقوتة الصراط: 283]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة