العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 51 إلى 66]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) }

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم مّنكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء} ثم قال: {بعضهم أولياء بعضٍ} على الابتداء). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (51)
(ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم).
أي من عاضدهم على المسلمين فإنه من عاضده). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} هذا في المنافقين لأنهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين). [معاني القرآن: 2/321]

تفسير قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (نخشى أن تصيبنا دائرةٌ) (52) أي دولة، والدوائر قد تدور، وهي الدولة، والدوائل تدول، ويديل الله منه، قال حميد الأرقط:
يردّ عنك القدر المقدورا=ودائرات الدّهر أن تدورا
(بالفتح) (52) أي بالنّصر). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({دائرة}: دولة). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يسارعون فيهم}: أي في رضاهم: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ} أي يدور علينا الدّهر بمكروه - يعنون الجذب - فلا يبايعوننا.
ونمتاز فيهم فلا يميروننا. فقال اللّه: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} أي بالفرج. ويقال: فتح مكة {أو أمرٍ من عنده} يعني الخصب). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في مرضاتهم). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق...، والفتح: النّصر، كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ}، وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلقا). [تأويل مشكل القرآن: 492] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فترى الّذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين (52)
والمرض ههنا النفاق في الدّين، ومعنى يسارعون فيهم، أي في معاونتهم على المسلمين.
(يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة).
أي نخشى ألّا يتم الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى دائرة أي يدور الأمر عن حاله التي يكون عليها.
وقوله: (فعسى اللّه أن يأتي بالفتح).
أي فعسى اللّه أن يظهر المسلمين.
و " عسى " من الله جلّ وعزّ واجبة.
وقوله عزّ وجلّ: (أو أمر من عنده)، أي أو أن يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهار أمر المنافقين بقتلهم.
(فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين) ). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فترى الذين في قلوبهم مرض} أي نفاق {يسارعون فيهم} المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز: {واسأل القرية}). [معاني القرآن: 2/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}
في معناه قولان:
أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الأمر لمحمد.
والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الأول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} لأن الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى أو أمر من عنده أي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بأسماء المنافقين {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم
نادمين}). [معاني القرآن: 2/321-323]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (في قلوبهم مرض) أي: كفر). [ياقوتة الصراط: 211]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في رضاهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَائِرَةٌ}: دولة). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقول الّذين آمنوا...}
مستأنفة في رفع. ولو نصبت على الردّ على قوله: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} كان صوابا. وهي في مصاحف أهل المدينة (يقول الذين آمنوا) بغير واو). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا أهـؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}
[و] قال: {ويقول الّذين آمنوا} نصب لأنه معطوف على قوله: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} [52] وقد قرئ رفعا على الابتداء. قال أبو عمرو النصب محال لأنه لا يجوز "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا" وإنّما ذا "عسى أن يقول"، يجعل {أن يقول} معطوفة على ما بعد "عسى" أو يكون تابعا، نحو قولهم: "أكلت خبزاً ولبناً" و:
= متقلّداً سيفاً ورمحاً). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53)
أي يقول المؤمنون الذين باطنهم وظاهرهم واحد: هؤلاء الذين حلفوا وأكدوا أيمانهم أنهم مؤمنون وأنهم معكم أعوانكم على من خالفكم.
(حبطت أعمالهم).
أي ذهب ما أظهروه من الإيمان، وبطل كل خير عملوه بكفرهم وصدهم.
عن سبيل اللّه كما قال: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم).
المعنى ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت، أي في وقت يظهر اللّه نفاقهم فيه). [معاني القرآن: 2/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى: {حبطت أعمالهم} وهذا مثل قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم}). [معاني القرآن: 2/323]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يحبّهم ويحبّونه أذلّةٍ على المؤمنين...}
خفض، تجعلها نعتا (لقوم) ولو نصبت على القطع من أسمائهم في {يحبّهم ويحبّونه} كان وجها. وفي قراءة عبد الله (أذلّة على المؤمنين غلظاء على الكافرين) أذله: أي رحماء بهم).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم (54)
فيها من العربية ثلاثة أوجه، من يرتدد، ومن يرتد بفتح الدال ومن يرتد منكم، بكسر الدال. ولا يجوز في القراءة الكسر لأنه لم يرو أنه قرئ به.
وأمّا (من يرتدد) فهو الأصل، لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضعفين ظهر التضعيف، نحو قوله: (إن يمسسكم قرح) ولو قرئت إن يمسكم قرح كان صوابا، ولكن لا تقرأن به لمخالفته المصحف، ولأن القراءة سنّة.
وقد ثبت عن نافع وأهل الشام يرتدد بدالين، وموضع يرتد جزم، والأصل كما قلنا يرتدد، وأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحركت الثانية بالفتح لالتقاء السّاكنين، قال أبو عبيد: إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين وأحسبه غلط، لأن اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد أكثر في الكلام من أن يحصى نحو شرر ومدد، وقدد، وخدد، والكسر في قوله من يرتد يجوز لالتقاء السّاكنين لأنه أصل.
والفاء جواب للجزاء، أي إن ارتد أحد عن دينه، أي الذي هو الإيمان.
(فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه).
أي بقوم مؤمنين غير منافقين.
(أذلّة على المؤمنين).
أي جانبهم ليّن على المؤمنين، ليس أنهم أذلاء مهانون.
(أعزّة على الكافرين).
أي جانبهم غليظ على الكافرين.
وقوله: (يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم).
لأن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويظاهرونهم، ويخافون لومهم.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الصحيح الإيمان لا يخاف في نصرة الدين بيده ولا لسانه لومة لائم.
ثم أعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك لا يكون إلا بتسديده وتوفيقه فقال عزّ وجلّ: (ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء).
أي محبتهم للّه ولين جانبهم للمسلمين، وشدتهم على الكافرين فضل من اللّه عزّ وجلّ عليهم، لا توفيق لهم إلا به عزّ وجلّ).[معاني القرآن: 2/182-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} في معنى هذا قولان: قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه
حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الأحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا). [معاني القرآن: 2/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} قال أبو جعفر سمعت أبا إسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وإنما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل
من الله جل وعز منحهم إياه). [معاني القرآن: 2/324-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أذلة على المؤمنين) أي: رحماء رفيقين بالمؤمنين. (أعزة على الكافرين) أي: غلاظ شداد على الكافرين). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يقيمون الصّلاة) (55) أي يديمون الصلاة في أوقاتها). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون (55)
بيّن من هم المؤمنون فقال: (الّذين يقيمون الصّلاة).
وإقامتها تمامها بجميع فرضها، وأول فروضها صحة الإيمان بها وهذا كقولك: فلان قائم بعلمه الذي وليه، تأويله إنّه يوفي العمل حقوقه، ومعنى " يقيمون " من قولك هذا قوام الأمر، فأما قوله: (أذلّة على المؤمنين). فمخفوض على نعت قوم، وإن شئت كانت نصبا على وجهين أحدهما الحال، على معنى يحبهم ويحبونه في حال تذللهم على المؤمنين وتعززهم على الكافرين، ويجوز أن يكون نصبا على المدح.
فأما قوله عزّ وجلّ: (وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم).
أي قفينا على آثار الرسل بعيسى أي جعلناه يقفوهم.
وقوله: (مصدّقا لما بين يديه من التّوراة).
أي لما تقدم من التوراة، ونصب " مصدّقا " على الحال وهو جائز أن يكون من صفة الإنجيل فهو منصوب بقوله: " آتيناه " المعنى. آتيناه الإنجيل مستقرا فيه هدى ونور ومصدقا.
ويجوز أن يكون حالا من عيسى.
المعنى وآتيناه الإنجيل هاديا ومصدّقا، لأنّه إذا قيل آتيناه الإنجيل فيه هدى، فالذي أتى بالهدى هو هاد والأحسن أن يكون على معنى وقفينا بعيسى آتيا بالإنجيل وهاديا ومصدقا لما بين يديه من التوراة، والدليل على أنه من صفة عيسى قوله: (يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة).
وقوله: (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
قال بعضهم: الشرعة الدين والمنهاج الطريق، وقيل: الشرعة والمنهاج جميعا الطريق، والطريق ههنا الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتي منه بألفاظ تؤكد بها القصة والأمر نحو قول الشاعر:
حيّيت من طلل تقادم عهده=أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
فإن معنى أقوى وأقفر يدل على الخلوة، إلا أن اللفظين أوكد في الخلوّ من لفظ واحد.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: (شرعة) معناها ابتداء الطريق.
والمنهاج الطريق المستمر، قال: وهذه الألفاظ إذا تكررت في مثل هذا فللزيادة في الفائدة، قال وكذلك قول الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هند=وهند أتى من دونها النّأي والبعد
قال: النّأي لكل ما قل بعده منك أو كثر، كأنّه يقول:
النأي المفارقة قلّت أو كثرت، والبعد إنّما يستعمل في الشيء البعيد ومعنى البعيد عنده ما كثرت مسافة مفارقته، وكأنه يقول لما قرب منه هو ناء عني، وكذلك لما بعد عنه، والنأي عنده المفارقة). [معاني القرآن: 2/183-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تبارك اسمه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}
قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال: يعني المؤمنين، فقلت له: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: علي من المؤمنين.
قال أبو عبيد: وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
ثم قال في موضع آخر {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} فمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره). [معاني القرآن: 2/325-326]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإنّ حزب الله هم الغالبون) (56) أي أنصار الله، قال رؤبة:
وكيف أضوى وبلال حزبي
قوله: أضوى أي أنتقص وأستضعف، من الضّوى). [مجاز القرآن: 1/169]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والكفّار أولياء...}
وفي في قراءة أبيّ (ومن الكفار)، ومن نصبها ردّها على {الّذين اتّخذوا}).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (57)
هزءا فيه لغات، إن شئت قلت هزؤا بضم الزاي وتحقيق الهمزة، وهو الأصل والأجود، وإن شئت قلت هزوا وأبدلت من الهمزة واوا، لانضمام ما قبلها وأنها مفتوحة، وإن شئت قلت: هزءا بإسكان الزاي وتحقيق الهمزة.
فهذه الأوجه الثلاثة جيدة يقرأ بهنّ.
وفيها وجه آخر. ولا تجوز القراءة به؛ لأنه لم يقرأ به، وهو أن يقول هزا مثل هدى وذلك يجوز إذا أردت تخفيف همزة هزء فيمن أسكن الزاي أن يقول هزا. تطرح حركتها على الزاي كما تقول رأيت خبا تريد خبئا.
وقوله: (من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار).
النصب فيه على العطف على قوله: (لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا) أي، ولا تتخذوا الكفّار أولياء، ويجوز والكفار أولياء على العطف على الّذين أوتوا الكتاب، المعنى من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء). [معاني القرآن: 2/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} وقرأ الكسائي (والكفار أولياء) والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا} إلى آخر الآيات). [معاني القرآن: 2/326-327]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون...}
(أنّ) في موضع نصب على قوله: {هل تنقمون منّا} إلا إيماننا وفسقكم. (أن) في موضع مصدر، ولو استأنفت (وإن أكثركم فاسقون) فكسرت لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل تنقمون منّا) (59) أي هل تكرهون، قال: نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من نبي أميّة إلاّ... أنهم يحملون ان غضبوا). [مجاز القرآن: 1/170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
يقال: نقمت على الرجل أنقم، ونقمت عليه أنقم.
والأجود نقمت أنقم، وكذلك الأكثر في القراءة: (وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد).
وأنشد بيت ابن قيس الرقيات.
ما نقموا من أميّة إلّا=أنهم يحلمون إن غضبوا
بالفتح والكسر، نقموا ونقموا، ومعنى نقمت بالغت في كراهة الشيء.
وقوله: (وأنّ أكثركم فاسقون).
المعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق لأنكم فسقتم، بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرياسة، وكسبكم بها الأموال.
فإن قال قائل: وكيف يعلم عالم أن دينا من الأديان حق فيؤثر الباطل على الحق؟
فالجواب في هذا أن أكثر ما نشاهده كذلك. من ذلك أنّ الإنسان يعلم أن القتل يورد النار فيقتل، إما إيثارا لشفاء غيظه أو لأخذ مال.
ومنها أنّ إبليس قد علم أنّ الله يدخله النّار بمعصيته فآثر هواه على قربه من اللّه، وعمل على دخول النار وهذا باب بين). [معاني القرآن: 2/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تنقمون) أي: تنكرون). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً...}
نصبت (مثوبة) لأنها مفسّرة كقوله: {أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا}.
وقوله: {من لّعنه اللّه} (من) في موضع خفضٍ تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها؛ كما قال: {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا} ولو نصبت (من) على قولك: أنبئكم (من) كما تقول: أنبأتك خيرا، وأنبأتك زيدا قائما، والوجه الخفض. وقوله: {وعبد الطّاغوت} على قوله: "وجعل منهم القردة [والخنازير] ومن عبد الطاغوت" وهي في قراءة أبيّ وعبد الله (وعبدوا) على الجمع، وكان أصحاب عبد الله يقرؤون "وعبد الطاغوت" على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسّرونها: خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى، فرفعوا العين فقالوا: عبد الطاغوت؛ مثل ثمار وثمر، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة؛ كما قال الشاعر:
=قام ولاها فسقوها صرخدا
يريد: ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه، وإلا فإنه أراد - والله أعلم - قول الشاعر:
أبني لبيني إنّ أمّكم=أمةٌ وإن أباكم عبد
وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأمّا في القراءة فلا). [معاني القرآن: 1/314-315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بشرٍّ من ذلك مثوبةً) (60): تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت؛ ومن قرأها (مثوبةً) فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ=أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى
فخرج مخرج ميسور ومعسور). [مجاز القرآن: 1/170]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه من لّعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكاناً وأضلّ عن سواء السّبيل}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه} كما قال: {بخيرٍ من ذلك}.
وقال: {وعبد الطّاغوت} أي: {من لّعنه اللّه} {وعبد الطّاغوت}).[معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
أي: بشرّ مما نقمتم من إيماننا ثوابا، و " مثوبة" منصوب على التمييز.
وقوله: (من لعنه اللّه).
وضع " من " إن شئت كان رفعا، وإن شئت كان جرا فأما من جر فيجعله بدلا من شر. المعنى أؤنبئكم بمن لعنه اللّه، ومن رفع فبإضمار هو، كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل هو من لعنه اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: (قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار) كأنه فال: هي النار.
وقوله: (وعبد الطّاغوت).
الطاغوت هو الشيطان، وتأويل وعبد الطاغوت: أطاعه فيما سوّل له وأغراه به، وقد قرئت: (وعبد الطاغوت).
والذي أختار (وعبد الطّاغوت) وروي عن ابن مسعود وعبدوا الطاغوت، وهذا يقوي (وعبد الطاغوت)، ومن قال وعبد الطاغوت. فضم الباء وجر الطاغوت، فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين إحداهما، أن عبد على فعل، وليس هذا من أمثلة الجمع، لأنهم فسروه خدم الطاغوت والثاني أن يكون محمولا على وجعل منهم عبد الطاغوت. فأما من قرأ " وعبد الطاغوت " فهو جمع عبيد وعبد، مثل رغيف ورغف وسرير وسرر، ويكون على معنى وجعل منهم عبد الطاغوت على جعلت زيدا أخاك، أي نسبته إليك، ووجه وعبد الطاغوت - بفتح العين وضم الباء - أن الاسم يبنى على فعل كما قالوا علم زيد. وكما أقول رجل حذر، تأويل حذر أنّه مبالغ في الحذر، فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وكان اللفظ لفظ واحد يدل على الجمع.
كما تقول للقوم: منكم عبد العصا، تريد منكم عبيد العصا.
ويجوز بعد هذه الثلاثة الأوجه الرفع في قوله وعبد الطاغوت، فيقول وعبد الطاغوت، وكذلك وعبد الطاغوت بالرفع، ولا تقرأن بهذين الوجهين وإن كانا جائزين، لأن القراءة لا تبتدع على وجه يجوز، وإنما سبيل القراءة اتباع من تقدّم، فيجوز رفع، وعبد الطاغوت، وعبد الطاغوت، على معنى الذم، والمعنى وهم عبد الطاغوت، كأنّه لما قال: (من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير)، دل الكلام على اتباعهم الشياطين، فقيل وهم عبد الطاغوت.
ويجوز أن يكون بدلا من " من " في رفع " من " كأنه لما قيل منهم من لعنه اللّه، وغضب عليه.
قيل: هم عبد الطاغوت وعبد الطاغوت، ويجوز في الكلام أيضا، وعبد الطاغوت - بإسكان الباء - وفتح الدال.
ويكون على وجهين:
أحدهما أن يكون مخففا من عبد - كما يقال في عضد: عضد.
وجائز أن يكون " عبد " اسما واحدا يدل على الجنس.
وكذلك يجوز في عبد الرفع والنصب من جهتين كما وصفنا في عبد.
ويجوز أن يكون النصب من جهتين:
إحداهما على وجعل منهم عبد الطاغوت
ويجوز أن يكون منصوبا عاد الذم، على أعني عبد الطاغوت.
ويجوز في وعبد وعبد وعبد الجر على البدل من " من " ويكون المعنى: هل أنبّئكم بمن لعنه الله وعبد الطاغوت.
ولا يجوز القراءة بشيء من هذه الأوجه إلا بالثلاثة التي رويت وقرأ بها القراء وهي عبد الطاغوت. وهي أجودها، ثم وعبد الطاغوت ثم وعبد الطاغوت.
وقوله: (أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي هؤلاء الذين هذه صفتهم (شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي عن قصد السبيل، و " مكانا " منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/187-189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله}
وفي هذا قولان:
روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك} الآية.
والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لأن قبله {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله}
قال الكسائي: يقال: نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم إذا كرهت الشيء أشد الكراهية). [معاني القرآن: 2/327-328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم). [معاني القرآن: 2/328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وعبد الطاغوت} وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي
وقرأ أبو جعفر (وعبد) مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وعبدوا الطاغوت)
وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت
وقرأ ابن عباس (وعبد الطاغوت)
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت
وروي عن الأعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت
وقرأ أبو واقد الأعرابي (وعباد الطاغوت)
وقرأ حمزة (وعبد الطاغوت)
فمن قرأ (وعبد الطاغوت) فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ (وعبدوا الطاغوت) فهو عنده بذلك المعنى إلا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك} ومن قرأ (وعبدت الطاغوت) حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: {قالت الأعراب}
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فهو عنده جمع عابد كما يقال: شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ (وعابد) فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة
ومن قرأ (وعبد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال: مثال ومثل ورغيف ورغف.
وقال بعض النحويين: هو جمع عبد كما يقال: رهن ورهن وسقف وسقف.
ومن قرأ (وعباد) فهو جمع عابد كما يقال: عامل وعمال
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة، كما يقال: رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال: عبده يعبده إذا ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال: عبدت أعبد إذا أنفت كما قال:
=وأعبد أن تهجى تميم بدارم
والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل: الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة:
من وحش وجرة موشي أكارعه=طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
ويروى الفرد وقيل: الطاغوت ههنا يعنى به الشيطان
وكذا روي عن بريدة الأسلمي أنه قرأ (وعابد الشيطان)
وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الإضافة).[معاني القرآن: 2/329-332]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}
أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم). [معاني القرآن: 2/332-333]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )
تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
وقال: {وأكلهم السّحت} وقال: {عن قولهم الإثم} نصبهما بإسقاط الفعل عليهما). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)
وهم علماؤهم ورؤساؤهم.
والحبر " العالم، والحبر المداد بالكسر، فأعلم اللّه أن رؤساءهم وسفلتهم مشتركون في الكفر.
ومعنى: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون): هلّا ينهاهم). [معاني القرآن: 2/189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وقرأ أبو الجراح (لولا ينهاهم الربيون)
قال مجاهد: الربانيون والأحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الأحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل: ربيون.
قال أبو جعفر: والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهي هؤلاء
قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر).[معاني القرآن: 2/333-334]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ...}
أرادوا: ممسكة عن الإنفاق والإسباغ علينا. وهو كقوله: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط} في الإنفاق.
{بل يداه مبسوطتان} وفي حرف عبد الله (بل يداه بسطان) والعرب تقول: الق أخاك بوجه مبسوط، وبوجه بسط).[معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يد الله مغلولةٌ) (64) أي خير الله ممسك.
(وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) (64) أي جعلنا (كلّما أوقدوا ناراً للحرب) (64) أي كلما نصبوا حرباً). [مجاز القرآن: 1/170-171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيراً مّنهم مّا أنزل إليك من رّبّك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا ناراً لّلحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فساداً واللّه لا يحبّ المفسدين}
وقال: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم}. فذكروا أنّها "العطيّة" و"النّعمة". وكذلك {بل يداه مبسوطتان} كما تقول: "إنّ لفلان عندي يداً" أي: نعمةً. وقال: {أولي الأيدي والأبصار} أي: أولي النّعم. وقد تكون "اليد" في وجوه، تقول "بين يدي الدار" تعني: قدامها، وليست للدار يدان). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} أي ممسكة عن العطاء منقبضة. وجعل الغلّ لذلك مثلا). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} يريد كلما هاجوا شرًّا وأجمعوا أمراً ليحاربوا النبي صلّى الله عليه وسلّم سَكَّنه الله ووهَّن أمرهم). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} أي: ممسكة). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أخبر عزّ وجلّ بعظيم فريتهم فقال:
(وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادا واللّه لا يحبّ المفسدين (64)
أي: قالوا يده ممسكة عن الاتساع علينا. كما قال الله جلّ وعزّ (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) تأويله لا تمسكها عن الإنفاق.
قال بعضهم: معنى (يد اللّه مغلولة) نعمته مقبوضة عنّا، وهذا القول خطأ ينقضه: (بل يداه مبسوطتان).
فيكون المعنى: بل نعمتاه مبسوطتان، نعم اللّه أكثر من أن تحصى.
وقال بعضهم: وقالوا يد اللّه مغلولة عن أعدائنا، أي لا يعذبنا.
وقال بعض أهل اللغة: إنّما أجيبوا على قدر كلامهم.
كما قالوا: يد الله مغلولة، يريدون به تبخيل اللّه.
فقيل: (بل يداه مبسوطتان). أي هو جواد (ينفق كيف يشاء)
ومعنى (غلّت أيديهم) أي جعلوا بخلاء. فهم أبخل قوم.
وقيل: (غلّت أيديهم) أي غلت في نار جهنم.
وقوله: (وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا).
أي كلما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به فيزيد كفرهم والطغيان الغلو والكفر ههنا.
وقوله: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) جعلهم اللّه مختلفين في دينهم متباغضين، كما قال: (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى) فألقى اللّه بينهم العداوة، وهي أحد الأسباب التي أذهب اللّه بها جدّهم وشوكتهم.
وقوله: (كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه).
هذا مثل أي كلما جمعوا على النبي والمسلمين وأعدوا لحربهم فرق اللّه جمعهم وأفسد ذات بينهم.
وقوله: (ويسعون في الأرض فسادا).
أي يجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتبهم). [معاني القرآن: 2/189-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم}
في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود: إن الله عز وجل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا: هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} فهذا نظير ذاك والله أعلم
وقيل اليد ههنا: النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله: {بل يداه مبسوطتان} فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون {بل نعمتاه مبسوطتان} فقال: من احتج لمن قال: إنهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا). [معاني القرآن: 2/334-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله إلى الناس
وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى
والذي قال حسن: ويكون راجعا إلى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء).[معاني القرآن: 2/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم.
وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس). [معاني القرآن: 2/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويسعون في الأرض فسادا}
أي يسعون في إبطال الإسلام). [معاني القرآن: 2/336-337]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لكفّرنا عنهم سيّئاتهم) (65) أي لمحونا عنهم). [مجاز القرآن: 1/171]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم...}
يقول: من قطر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها. وقد يقال: إن هذا على وجه التوسعة؛ كما تقول: هو في خير قرنه إلى قدمه). [معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (منهم أمّةٌ) (66) أي جماعة). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقال: من قطر السماء ونبات الأرض.
ويقال أيضا: هو كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (66)
أي لو عملوا بما فيهما، ولم يكتموا ما علموا من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما.
(وما أنزل إليهم من ربّهم).
وهو - واللّه اعلم - القرآن. أي لو عملوا بما في هذه الكتب من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأظهروا أمره.
(لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم).
قيل إنه كان أصابهم جدب، فأعلم اللّه أنّهم لو اتقوا لأوسع عليهم في رزقهم، ودلّ بهذا على ما أصابهم من الجدب فيما عاقبهم به.
ومعنى (لأكلوا من فوقهم).
أي لأكلوا من قطر السماء.
(ومن تحت أرجلهم).
من نبات الأرض. وقيل قد يكون هذا من جهة التوسعة كما تقول فلان في خير من قرنه إلى قدمه، وقد أعلم الله جل وعزّ أن التّقى سعة في الرزق فقال: (ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا).
وقال: (ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال في قصة نوح: (استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا (10) يرسل السّماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات) وهي البساتين. فوعدهم الله أتم الغنى على الإيمان والاستغفار.
وقوله: (منهم أمّة مقتصدة).
أي من أهل الكتاب، قال بعضهم: يعنى بهذا من آمن منهم وقيل يعني به طائفة لم تناصب النبي - صلى الله عليه وسلم - مناصبة هؤلاء، والذي أظنّه - واللّه أعلم - أنّه لا يسمي اللّه من كان على شيء من الكفر مقتصدا.
(وكثير منهم ساء ما يعملون).
المعنى بئس شيئا عملهم). [معاني القرآن: 2/191-192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليهم من ربهم يعني به القرآن والله أعلم). [معاني القرآن: 2/337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب ومن فوقهم على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر ومن تحت أرجلهم يعني النبات.
وقيل: يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم، كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه أي قد شمله الخير، والأول قول أهل التأويل). [معاني القرآن: 2/337-338]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أي من مطر السماء ونبات الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 67 إلى 81]

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يعصمك من النّاس) (67) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكاً إنّ مالكا... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم). [مجاز القرآن: 1/171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {فما بلّغت رسالته}.
وقال بعضهم: {رسالاته}.
وكلٌّ صوابٌ لأنّ "الرّسالة" قد تجمع "الرّسائل" كما تقول "هلك البعير والشّاة" و"أهلك الناس الدينار والدرهم" تريد الجماعة). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واللّه يعصمك من النّاس} أي يمنعك منهم. وعصمة اللّه إنما هي منعه العبد من المعاصي. ويقال: هذا طعام لا يعصم، أي لا يمنع من الجوع).[تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
وتقرأ رسالاته. والمعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن تركت منه شيئا فما بلغت، أي لا تراقبن أحدا ولا تتركن شيئا من ذلك خوفا من أن ينالك مكروه.
(واللّه يعصمك من النّاس).
أي يحول بينهم وبين أن ينالك منهم مكروه، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه يسلم منهم.
وفي هذا آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّنة). [معاني القرآن: 2/192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} في معناه قولان: أحدهما بلغ كل ما أنزل إليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى أظهر ما أنزل إليك من ربك أي بلغه ظاهرا
ودل على هذا قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك طغيانا وكفرا} أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم).[معاني القرآن: 2/338-339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي يمنعك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لستم على شيءٍ) (68) أي ليس في أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
(فلا تأس) (68) أي لا تحزن. (على القوم الكافرين) (68)، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وأنحلبت عيناه من فرط الأسى
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
=يقولون لا تهلك أسى وتجلّد). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الكافرين} أي فلا تحزن عليهم). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى...}
فإن رفع (الصابئين) على أنه عطف على (الذين)، و(الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا - وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره - جاز رفع الصابئين. ولا أستحبّ أن أقول: إنّ عبد الله وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد الله. وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإني وقيّارا بها لغريب
وقيّارٌ. ليس هذا بحجّة للكسائيّ في إجازته (إنّ عمرا وزيد قائمان) لأن قيّارا قد عطف على اسم مكنيّ عنه، والمكنى لا إعراب له فسهل ذلك (فيه كما سهل) في (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى في الجواز من (الصابئون) لأنّ المكنيّ لا يتبين فيه الرفع في حال، و(الذين) قد يقال: اللذون فيرفع في حال. وأنشدني بعضهم:
وإلاّ فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما حيينا في شقاق
وقال الآخر:
يا ليتني وأنت يا لميس=ببلدٍ ليس به أنيس
وأنشدني بعضهم:
يا ليتني وهما نخلو بمنزلةٍ=حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف
قال الكسائيّ: أرفع (الصابئون) على إتباعه الاسم الذي في هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية. وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه وصف الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى). [معاني القرآن: 1/310-312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى) (66): والصابئ الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع؛ ورفع (الصابئون) لأن العرب تخرج المشرك في المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئنافٍ ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى (إنّ) معنى الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيداً ذاهبٌ، فذاهب رفعٌ، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكناً في النصب من (إنّ). سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قومٍ أطاعوا أمر سيّدهم=إلاّ نميراً أطاعت أمر غاويها
الظّاعنون ولما يظعنوا أحداً=والقائلين لمن دارٌ نخلّيها
وربما رفعوا (القائلين)، ونصبو (الظاعنين) ). [مجاز القرآن: 1/172-173]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {والصّابئون والنّصارى} وقال في موضع آخر {والصّابئين} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إنّ} فأما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله: {إنّ الّذين آمنوا} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله: "إنّ زيداً منطلقٌ" و"زيدٌ منطلقٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء، فإن شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنّ زيداً منطلقٌ وعمرٌو". ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن وأكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الّذين هادوا} أجراه عليه فرفعه به وإن كان ليس عليه في المعنى ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" وقولهم "كذب عليكم الحجّ" يرفعون "الحجّ" بـ"كذب"، وإنما معناه "عليكم الحجّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حبّ رمّاني" فتضيف "الرّمان" إليك وإنّما لك "الحبّ" وليس لك "الرّمان". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه). [معاني القرآن: 1/228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفعٌ، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها.
ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني.
ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيداً، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد.
وتقول: لعل عبد الله قائم وزيداً، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إنَّ) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنَّ) لم تُحدث شيئا.
وكان الكسائي يجيز: إنَّ عبد الله وزيدٌ قائمان، وإنَّ عبد الله وزيدٌ قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وينشدون:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب ). [تأويل مشكل القرآن: 52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)
اختلف أهل العربية في تفسير رفع الصابئين، فقال بعضهم نصب " إنّ " ضعف فنسق بـ (الصّابئون) على " الّذين " لأن الأصل فيهم الرفع.
وهو قول الكسائي.
وقال الفراء: مثل ذلك إلا أنه ذكر أن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " وعلى المضمر، يجوز إني وزيد قائمان، وأنه لا يجيز إنّ زيدا وعمرو قائمان.
وهذا التفسير إقدام عظيم على كتاب اللّه وذلك أنهم زعموا أن نصب "إنّ " ضعيف؛ لأنها إنما تغيّر الاسم ولا تغير الخبر، وهذا غلط لأن " إنّ " عملت عملين النصب، والرفع، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول، والمفعول لا يكون بغير فاعل إلا فيما لم يسم فاعله، وكيف يكون نصب " إنّ " ضعيفا وهي تتخطى الظروف فتنصب ما بعدها.
نحو قوله: " (إنّ فيها قوما جبّارين) ونصب إنّ من أقوى المنصوبات.
وقال سيبويه والخليل، وجميع البصريين: إن قوله: (والصّابئون) محمول.
على التأخير، ومرفوع بالابتداء. المعنى إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم، والصابئون والنصارى كذلك أيضا، أي من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم، وأنشدوا في ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما بقينا في شقاق
المعنى وإلا فاعلموا أنّا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم أيضا كذلك.
وزعم سيبويه أن قوما من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطا وجعله كقول الشاعر:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى=ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فأما (من آمن باللّه) وقد ذكر الذين آمنوا، فإنما يعني الذين آمنوا ههنا المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم، ودل على أن المعنى هنا ما تقدّم من قوله: (لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
ومعنى الصابئ الخارج عن جملة الأديان لأنهم لا يدينون بالكتب.
والعرب تقول قد صبأ ناب البعير، وصبأ سنّ الصّبيّ إذا خرج.
فأمّا قولهم ضبأت بالضاد المعجمة فمعناه اختبأت في الأرض.
ومنه اشتق اسم ضابئ.
وقال الكسائي: الصابئون نسق على ما في هادوا، كأنه قال: هادوا هم والصابئون. وهذا القول خطأ من جهتين:
إحداهما: أن الصابئ يشارك اليهودي في اليهودية.
وإن ذكر أن هادوا في معنى تابوا فهذا خطأ في هذا الموضع أيضا؛ لأن معنى الذين آمنوا ههنا إنما هو: إيمان بأفواههم؛ لأنه يعنى به المنافقون، ألا ترى أنه قال: من آمن باللّه، فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال: إن آمنوا فلهم أجرهم). [معاني القرآن: 2/192-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} في هذا قولان: أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ههنا المنافقون
والتقدير إن الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}). [معاني القرآن: 2/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل اسمه {من آمن بالله} فالمعنى على هذا القول من حقق الإيمان بقلبه والقول الآخر أن معنى من آمن بالله من ثبت على إيمانه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}).[معاني القرآن: 2/340]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فريقاً كذّبوا) (70): مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقاً. (وفريقاً يقتلون) (70) مجازه: يقتلون فريقاً). [مجاز القرآن: 1/173]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون (70)
المعنى كلما جاءهم رسول كذبوا فريقا وقتلوا فريقا.
أمّا التكذيب فاليهود والنصارى مشتركة فيه، وأمّا القتل فكانت اليهود خاصّة – دون النّصارى - يقتلون الأنبياء، وكانت الرسل على ضربين، رسل تأتي بالشرائع والكتب نحو موسى وعيسى وإبراهيم ومحمد - صلى الله عليهم وسلم -، فهؤلاء معصومون من الخلق، لم يوصل إلى قتل واحد منهم، ورسل تأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على التمسك بالدين نحو يحيى وزكريا - صلى الله عليهما وسلم). [معاني القرآن: 2/194-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} قال: اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والأحكام نحو محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وهؤلاء معصومون.
ومنهم من يأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام). [معاني القرآن: 2/340-341]

تفسير قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم...}
فقد يكون رفع الكثير من جهتين:
إحداهما: أن تكرّ الفعل عليها؛ تريد: عمي وصمّ كثير منهم.
وإن شئت جعلت {عموا وصمّوا} فعلا للكثير؛ كما قال الشاعر:
يلومونني في اشترائي النخيـ=ل أهلي فكلّهم ألوم
وهذا لمن قال: قاموا قومك.
وإن شئت جعلت الكثير مصدرا فقلت: أي ذلك كثير منهم، وهذا وجه ثالث. ولو نصبت على هذا المعنى كان صوابا.
ومثله قول الشاعر:
وسوّد ماء المرد فاها فلونه=كلون النؤور وهي أدماء سارها
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وأسرّوا النّجوى الذين ظلموا} إن شئت جعلت (وأسرّوا) فعلا لقوله: {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النجوى} ثم تستأنف (الذين) بالرفع. وإن شئت جعلتها خفضا (إن شئت) على نعت الناس في قوله "اقترب للناس حسابهم" وإن شئت كانت رفعا كما يجوز (ذهبوا قومك) ).[معاني القرآن: 1/315-317]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ) (71) فتكون: مرفوعةٌ على ضمير الهاء، كأنه قال: (أنه لا تكون فتنةٌ)، ومن نصب تكون فعلى إعمال (أن) فيها ولا تمنع (لا) النصب أن يعمل في الفعل.
(عوا وصمّوا كثيرٌ منهم) (71) مجازه على وجهين:
أحدهما: أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم في آخر الفعل مع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبي عمر والهذليّ (أكلوني البراغيث).
والموضع الآخر أنه مستأنف لأنه يتم الكلام إذا قلت: عموا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول: كثير منهم.
وقال آخرون: كثير صفةٌ للكناية التي في آخر الفعل، فهي في موضع، مرفوع فرفعت كثير بها). [مجاز القرآن: 1/174]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم واللّه بصيرٌ بما يعملون}
[و] قال: {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم} ولم يقل: "ثمّ عمي وصمّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم إنهم عموا وصمّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول: "رأيت قومك ثلثيهم" ومثل ذلك {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أكلوني البراغيث" كما قال:
ولكن ديافيٌّ أبوه وأمّه=بحوران يعصرن السّليط أقاربه). [معاني القرآن: 1/228-229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وحسبوا ألا تكون فتنة}: بلاء). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وحسبوا ألّا تكون فتنة فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم واللّه بصير بما يعملون (71)
تقرأ (ألّا تكون) بالنصب، و (ألّا تكون) بالرفع.
فمن قرأ بالرفع فالمعنى أنه لا تكون فتنة، أي حسبوا فعلهم غير فاتن لهم وذلك أنهم كانوا يقولون إنهم أبناء اللّه وأحباؤه.
(فعموا وصمّوا).
هذا مثل، تأويله أنهم لم يعملوا بما سمعوا ولا بما رأوا من الآيات.
فصاروا كالعمى الصّمّ.
(ثمّ تاب اللّه عليهم).
أي أرسل إليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم أن اللّه جلّ وعزّ قد تاب عليهم إن آمنوا وصدّقوا، فلم يؤمنوا أكثرهم، فقال عزّ وجلّ: (ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم).
أي بعد أن ازداد لهم الأمر وضوحا بالنبي عليه السلام (كثير منهم) يرتفع من ثلاثة أوجه:
أحدها أن تكون بدلا من الواو، كأنه لما قال: (عموا وصمّوا) أبدل الكثير منهم، أي عمي وصم كثير منهم كما تقول: جاءني قومك أكثرهم.
وجائز أن يكون جمع الفعل مقدّما كما حكى أهل اللغة أكلوني البراغيث.
والوجه أن يكون كثير منهم خبر ابتداء محذوف، المعنى ذوو العمى والصمم كثير منهم).[معاني القرآن: 2/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا}
قال الحسن: يعني بالفتنة البلاء.
وقال غيره: معنى فعموا وصموا تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ثم تاب الله عليهم} أي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله عز وجل يتوب عليهم إن تركوا الكفر
ثم عموا وصموا أي بعد وضوح الحجة). [معاني القرآن: 2/341-342]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِتْنَةٌ}: بلاء). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}
قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق.
قال أبو جعفر: ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا.
روي عن ابن عباس: سمي مسيحا؛ لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له.
وروى غيره عنه: إنما سمي مسيحا؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها.
وقيل: لسياحته في الأرض.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد: أحسب أصله بالعبرانية مشيحا، قال: وأما قولهم المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح،كما يقال: قتيل بمعنى مقتول). [معاني القرآن: 2/342-343]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ...}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه.
فلو قلت: أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين؛ وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك؛ لأنه فعل واقع.
وقوله: {وما من اله إلاّ اله واحدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا؛ لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى؛ ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت.
وقد قال بعض الشعراء:
ما من حوي بين بدرٍ وصاحةٍ=ولا شعبةٍ إلا شباعٌ نسورها
فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ=إلا يدٍ ليست لها عضد
وهذا جائز؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل). [معاني القرآن: 1/317-318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إله إلاّ إله واحدٌ وإن لّم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
[و] قال: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} وذلك أنهم جعلوا معه "عيسى" و"مريم". كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالث ثلاثةٍ" كما قال: {ثاني اثنين} وإنما كان معه واحد.
ومن قال: "ثالث اثنين" دخل عليه أن يقول: "ثاني واحدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر:
ولكن لا أخون الجار حتّى=يزيل الله ثالثة الأثافي
ومن قال: "ثاني اثنين" و"ثالث ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" إذا كان رجل مع عشرة.
ومن قال "ثالث اثنين" قال: "حادي عشرة".
فأمّا قول العرب: "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد إذا كنت تقول: "ثاني" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير أن تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه إلا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة). [معاني القرآن: 1/229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثة وما من إله إلّا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
معناه أنهم قالوا الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، ولا يجوز في ثلاثة إلا الجر؛ لأن المعنى أحد ثلاثة، فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الجر والنّصب، فأما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعهم.
وأنا رابعهم غدا، أو رابع الثلاثة غدا، ومن جر فعلى حذف التنوين، كما قال عزّ وجلّ: (هديا بالغ الكعبة).
وقوله: (وما من إله إلّا إله واحد).
دخلت " من " مؤكدة، والمعنى ما إله إلا إله واحد.
وقوله: (وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم).
معنى الذين كفروا منهم. الذين أقاموا على هذا الدين وهذا القول). [معاني القرآن: 2/196]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )
تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ...}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها} فلما كلّمها جبريل صلى الله عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبيّ). [معاني القرآن: 1/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أنّي يؤفكون) (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
ويقال: أفكت أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير). [مجاز القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أنى يؤفكون}: كيف يصدون عن الحق، يقال أرض مأفوكة أي ليس فيها مطر ولا نبات). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: تقدمت قبله الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أرسل فيعجب منه.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نبّة بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث.
{انظر كيف نبيّن لهم الآيات} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية.
{أنّى يؤفكون} مثل قوله: {أنّى يصرفون} أي يصرفون عن الحق.
ويعدلون. يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مأفوكة: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصرف). [تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
أي إبراؤه الأكمه والأبرص وإتيانه بالآيات المعجزات ليس بأنه إله، إنما أتى بالآيات كما أتى موسى بالآيات، وكما أتى إبراهيم بالآيات.
(وأمّه صدّيقة).
أي مبالغة في الصدق والتصديق، وإنما وقع عليها صدّيقة لأنه أرسل إليها جبريل، فقال الله عزّ وجلّ: (وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه)،
وصدّيق فعيل من أبنية المبالغة كما تقول فلان سكيت أي مبالغ في السكوت.
وقوله: (كانا يأكلان الطّعام).
هذا احتجاج بين، أي إنما يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين.
فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام.
وقوله: (انظر كيف نبيّن لهم الآيات).
أي العلامات الواضحة.
(ثمّ انظر) أي انظر بعد البيان.
(أنّى يؤفكون).
أي من أين يصرفون عن الحق الواضح.
وكل شيء صرفته عن شيء وقلبته عنه، تقول أفكته آفكه إفكا، والإفك الكذب إنما سمّي لأنه صرف عن الحق، والمؤتفكات الرياح التي تأتي من جهات على غير قصد واحد). [معاني القرآن: 2/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما، يقال: سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}
ومن هذا قيل: لأبي بكر رضي الله عنه صديق
ويروى أنه إنما قيل له: صديق؛ لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، فقال: إن كان قال فقد صدق). [معاني القرآن: 2/343-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام}
في معناه قولان:
أحدهما: كناية عن إتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه.
وقيل: كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون إلها من لا يعيش إلا بأكل الطعام). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز ذكره: {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الأمر فمن أين يصرفون
يقال: أفكه، يأفكه إذا صرفه). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي من أين ينصرفون عن الحق ويعدلون.
ويقال: أرض مأفوكة: إذا حُرمت المطر والنبات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْفَكُونَ}: يصدون عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)
أهواء جمع هوى، وهوى النفس مقصور لأنه مثل الفرق وفعل جمعه أفعال، وتأويله لا تتبعوا شهواتهم لأنهم آثروا الشهوات على البيان والبرهان.
وما في القرآن من ذكر اتباع الهوى مذموم نحو قوله:
(ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه)
وقوله: (واتّبع هواه فتردى) وقوله: (وما ينطق عن الهوى).
ومعنى (وأضلّوا كثيرا) الكثير اتبعوهم.
(وضلّوا عن سواء السّبيل).
أي ضلوا بإضلالهم عن قصد السبيل). [معاني القرآن: 2/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو إلى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لأن السهم يتجاوز الرمية). [معاني القرآن: 2/345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لأنهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله إلا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأضلوا كثيرا} قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم إياهم). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وضلوا عن سواء السبيل} أي قصده). [معاني القرآن: 2/346]

تفسير قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
تأويل لعنوا بوعدوا من رحمة اللّه.
(على لسان داوود وعيسى ابن مريم)
جاء في التفسير أن قوما اجتمعوا على منكر، فأتاهم داود عليه السلام ينهاهم عنه، فاستأذن عليهم فقالوا نحن قرود وما نفقه ما تقول، فقال كونوا قردة، فمسخهم الله قردة، وأن قوما اجتمعوا على عيسى يسبّونه في أمّه ويرجمونه فسأل الله أن يجعلهم خنازير فصاروا خنازير، وذلك لعنهم على لسان داود وعيسى.
وجائز أن يكون داود وعيسى أعلما أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي وأنهما لعنا من كفر به.
وقوله؛ (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
أي ذلك اللعن بمعصيتهم واعتدائهم.
و " ذلك " الكاف فيه للمخاطبة، واللام في ذلك كسرت لالتقاء السّاكنين.
ولم يذكر الكوفيون كسر هذه اللام في شيء من كتبهم ولا عرفوه، وهذه من الأشياء التي كان ينبغي أن يتكلموا فيها، إذ كان " ذلك " إشارة إلى كل متراخ عنك، إلا أن تركهم الكلام أعود عليهم من تكلّمهم إذ كان أول ما نطقوا به في فعل قد نقض سائر العربية، وقد بيّنّا ذلك قديما). [معاني القرآن: 2/198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني إسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
ثم قال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا). [معاني القرآن: 2/346-348]

تفسير قوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)
أي لبئس سيئا فعلهم، واللام دخلت للقسم والتوكيد وقد بيّنّا لم فتحت، وسائر الحروف التي جاءت يعني لم فتحت وكسرت ولم يبين
الكوفيون شيئا من ذلك). [معاني القرآن: 2/199]

تفسير قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ترى كثيرا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80)
(أن سخط اللّه عليهم)
(أن) يجوز أن يكون نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط اللّه عليهم، أي لأن أكسبهم السّخطة، ويجوز أن يكون " أن " في موضع رفع على إضمار هو، كأنّه قيل هو أن سخط اللّه عليهم، كما تقول نعم الرجل).[معاني القرآن: 2/199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} قال مجاهد يعني المنافقين). [معاني القرآن: 2/348]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 82 إلى 96]

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

تفسير قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {ذلك بأنّ منهم قسّيسين...}
نزلت فيمن أسلم من النصارى. ويقال: هو النّجاشي وأصحابه. قال الفرّاء ويقال: النجاشي). [معاني القرآن للفراء: 1/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لتجدنّ أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا وأنّهم لا يستكبرون (82)}
وذلك أن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين، والمؤمنون يؤمنون بموسى والتوراة التي أتى بها، وكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم وكتابهم أقرب، فظاهروا المشركين حسدا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (لتجدنّ) هذه اللام لام القسم، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال، هذا مذهب الخليل وسيبويه، ومن يوثق بعلمه.
وقوله: (عداوة) منصوب على التمييز.
{ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى}.
في هذه غير وجه، جاء في التفسير أن نيفا وثلاثين من الحبش من النصارى جاءوا وجماعة معهم، فأسلموا لمّا تلا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (القرآن).
وجائز أن يكون يعنى به النصارى؛ لأنهم كانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود، ويكون قوله: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول}.
على معنى {ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا}، ومنهم قوم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول، يعني به ههنا مؤمنيهم، والقسّ والقيس من رؤساء النصارى، فأمّا القس في اللغة فهي النميمة ونشر الحديث، يقال: قس فلان الحديث قسّا.
ومعنى {فاكتبنا مع الشاهدين}.
أي مع من شهد من أنبيائك عليهم السلام ومؤمني عبادك بأنك لا إله غيرك). [معاني القرآن: 2/199-200]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}
قال سعيد بن جبير: هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا، فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يس فبكوا، وقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
وأنزل الله فيهم أيضا الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} إلى آخر الآية.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هم من الحبشة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا). [معاني القرآن: 2/348-349]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاكتبنا مع الشاهدين}.
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}). [معاني القرآن: 2/349]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وما لنا لا نؤمن باللّه وما جاءنا من الحقّ ونطمع أن يدخلنا ربّنا مع القوم الصّالحين (84)
موضع (لا نؤمن باللّه) نصب على الحال، المعنى أي شيء لنا تاركين للإيمان، أي في حال تركنا للإيمان، وذلك أن قومهم عنفوهم على إيمانهم، فأجابوهم بأن قالوا: ما لنا لا نؤمن بالله). [معاني القرآن: 2/200]

تفسير قوله تعالى: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) )
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: (والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (86)
الجحيم النّار الشديدة الوقود، وقد جحم فلان النار إذا شدّد وقودها، - ويقال لعين الأسد: جحمة لشدة توقدها، ويقال لوقود الحرب: وهو شدة القتال فيها: جاحم.
قال الشاعر:
=والخيل لا يبقى لجاحمها التخيل والمراح
إلا الفتى الصّبّار في النجدات والفرس الوقاح). [معاني القرآن: 2/200-201]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا...}
هم نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يرفضوا الدنيا، ويحبّوا أنفسهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} أي لا تجبّوا أنفسكم). [معاني القرآن: 1/318]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (87)
هذه قيل: نزلت؛ لأن جماعة من أصحاب النبي كانوا همّوا بأن يرفضوا الدنيا ويجتنبوا الطيبات ويخصوا أنفسهم، فأعلم الله أن شريعة نبيه عليه السلام غير ذلك، والطيبات لا ينبغي أن تجتنب ألبتّة، وسمي الخصاء اعتداء، فقال عزّ وجلّ: (ولا تعتدوا)، أي لا تجبّوا أنفسكم فإن ذلك اعتداء). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}
قال الضحاك: هؤلاء قوم من المسلمين، قالوا: نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح.
وقال قتادة: نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، قالوا: نخصي أنفسنا ونترهب.
وقال مجاهد: نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما، قالوا: نترهب ونلبس المسوح). [معاني القرآن: 2/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الاعتداء في اللغة: تجاوز ما له إلى ما ليس له.
قال الحسن: معناه: ألا تأتوا ما نهيتم عنه). [معاني القرآن: 2/350]

تفسير قوله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) )
تفسير قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ...}
في حرف عبد الله "ثلاثة أيام متتابعات" ولو نوّنت في الصيام نصبت الثلاثة؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ. يتيما} نصبت (يتيما) بإيقاع الإطعام عليه. ومثله قوله: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتا}: تكفتهم أحياء وأمواتا.
وكذلك قوله: {فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم} ولو نصبت (مثل) كانت صوابا.
وهي في قراءة عبد الله: "فجزاؤه مثل ما قتل".
وقرأها بعض أهل المدينة: "فجزاء مثل ما قتل" وكلّ ذلك صواب.
وأما قوله: {ولا نكتم شهادة اللّه} لو نوّنت في الشهادة جاز النصب في إعراب (اللّه) على: ولا نكتم اللّه شهادةً. وأمّا من استفهم بالله فقال (اللّه) فإنما يخفض (اللّه) في الإعراب كما يخفض القسم، لا على إضافة الشهادة إليه). [معاني القرآن: 1/318-319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بالّلغو) (89) أي بالذي هو فضل: لا والله، وبلى والله، ما لم تحلفوا على حّقٍ تذهبون به، وما لم تعقدوا عليه أي توجبوا على أنفسكم.
(فكفّارته (89) أي فمحوه). [مجاز القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((أو): تأتي للشك، تقول: رأيت عبد الله أو محمدا.
وتكون للتخيير بين شيئين، كقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أنت في جميع هذا مخيّر أيّة فعلت أجزأ عنك). [تأويل مشكل القرآن: 544] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تشكرون (89)}
اللغو في كلام العرب ما اطرح ولم يعقد عليه أمر، ويسمّى ما ليس معتدّا به - وإن كان موجودا - لغوا.
قال الشاعر:
أو مائة تجعل أولادها=لغوا وعرض المائة الجلمد
(الذي يعارضها في قوة الجلمد)، يعني بذلك نوقا، يقول: مائة لا تجعل أولادها من عددها.
أعلم اللّه عزّ وجلّ أن اليمين التي يؤاخذ بها العبد وتجب في بعضها الكفارة ما جرى على عقد، ومعنى فكفارته إطعام عشرة مساكين، أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين إن كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا أجزأه ذلك، ولكن وقع لفظ التذكير؛ لأنه المغلّب في الكلام.
ومعنى (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
قال بعضهم: أعدله كما قال جلّ وعزّ: (وكذلك جعلناكم أمّة وسطا) أي عدلا.
و (أوسط ما تطعمون أهليكم) على ضربين أحدهما:
أوسطه في القدر والقيمة.
والآخر أوسطه في الشبع لا يكون المأكول يفرط في أكله فيؤكل منه فوق القصد وقدر الحاجة، ولا يكون دون المعنى عن الجوع.
(أو كسوتهم).
والكسوة أن يكسوهم نحو الإزار والعمامة أو ما أشبه ذلك.
(أو تحرير رقبة).
فخير الحالف أحد هذه الثلاثة، وأفضلها عند الله أكثرها نفعا، وأحسنها موقعا من المساكين، أو من المعتق، فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول إلا بما هو أشد تكلفا من الكسوة أو الإعتاق، فالإطعام أفضل.
لأن به قوام الحياة وإلا فالإعتاق أو الكسوة أفضل.
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام).
أي من كان لا يقدر على شيء مما حذدّ في الكفارة، فعليه صيام ثلاثة أيام، وصيام ثلاثة مرتفع بالابتداء، وخبره كفارته أو فكفارته صيام ثلاثة أيام.
ويجوز فصيام ثلاثة أيام كما قال عزّ وجلّ: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) ). [معاني القرآن: 2/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه قولان:
أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة، قال الشافعي: وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة.
والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشيء هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة.
واللغو في اللغة المطرح فقيل: لما لا حقيقة له من الأيمان لغو.
قال الكسائي: يقال: لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا). [معاني القرآن: 2/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}.
قال الكسائي: معنى {عقدتم} أوجبتم
قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى عقدتم؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو.
وقرأ أبو عمرو (عقدتم) قال: معناه: وكدتم
وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فإذا وكد اليمين أعتق رقبة.
قيل لنافع: ما معنى وكد اليمين قال: أن يحلف على الشيء مرارا). [معاني القرآن: 2/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} المعنى فكفارة إثمه أي الذي يغطي على إثمه.
قال أبو جعفر: والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الإيمان
وهذا مذهب الحسن والشعبي؛ لأن المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها.
وقيل: الهاء عائدة على اللغو والأول أولى). [معاني القرآن: 2/353]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
قال عبد الله بن عمر: من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم.
وقال الأسود: أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر.
قال أبو إسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة:
يجوز أن يكون معنى من أوسط ما تطعمون أهليكم من أعدل ما تطعمونهم قال عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي عدلا
ويحتمل أن يكون في القيمة.
ويحتمل أن يكون في الشبع.
وقرأ سعيد بن جبير: (من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم) أي كإسوة أهليكم.
وروي أن رجلا قرأ على مجاهد (أو كإسوتهم) فقال له: لا تقرأ إلا {أو كسوتهم}، وقال: أرى ذلك ثوبا.
وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات). [معاني القرآن: 2/354]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي ذلك كفارة إثم أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف.
قال أبو جعفر: وكان محمد بن جرير يختار في أوسط أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال: فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع وما مصدر.
فأما الكسوة فقال الحسن وطاووس وعطاء: ثوب ثوب
وقال سعيد بن المسيب: عباءة وعمامة.
وقال مجاهد: كل ما كسا فهو مجزئ، وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لأن ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز). [معاني القرآن: 2/354-355]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (باللغو) أي: ما كان بلا نية من الأيمان، واللغو: الهذيان من الكلام، لا في الأيمان، واللغو: ما لا يحسب من الحيوان في الصدقة، واللغا واللغو واحد). [ياقوتة الصراط: 211-212]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الخمر والميسر...}
الميسر: القمار كلّه، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: سهام كانت في الكعبة يقتسمون بها في أمورهم، وواحدها ولم). [معاني القرآن: 1/319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والميسر) (89) أي الوجاب أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداحٍ أو بغيرها والقمار). [مجاز القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({والميسر}: القمار. يقال: يسرت: إذا ضربت بالقداح، والضارب بها يقال له: ياسر ويأسرون ويسر وأيسار. وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدة الزمان وكلبه ينحرون جزورا ويجزّئونها أجزاء ثم يضربون عليها بالقداح، فإذا قمر القامر جعل ذلك لذوي الحاجة واهل المسكنة. وهو النّفع الذي ذكره اللّه في سورة البقرة - فقال: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ويتسابون بتركها ويعيبون من لا ييسرون، ويسمونهم الأبرام. واحدهم برم.
{والأنصاب} حجارة كانوا يعبدونها في الجاهلية.
{والأزلام} القداح. وقد ذكرتها في أول هذه السورة.
{رجسٌ} وأصل الرجس: النّتن). [تفسير غريب القرآن: 145-146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90)
فالخمر معروف وهو ما خامر العقل، وقد فسرناه، والميسر القمار كله، وأصله إنّه كان قمارا في الجزور، وكانوا يقسمون الجزور في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءا، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء.
وقال أبو عبيدة: لا أعرف عدد الأجزاء، وكانوا يضربون عليها بالقداح وهي سهام خشب. لها أسماء نبينها على حقيقتها في كتابنا إن شاء اللّه، فيحصل كل رجل من ذلك القمار على قدر إمكانه، فهذا أصل الميسر، والقمار كلّه كالميسر وقد بيّنّا الأنصاب والأزلام في أول السورة.
فأعلم اللّه أن القمار والخمر والاستقسام بالأزلام وعبادة الأوثان رجس.
والرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل، فبالغ الله في ذم هذه الأشياء، وسماها رجسا، وأعلم أن الشيطان يسوّل ذلك لبني آدم، يقال: رجس الرجل يرجس، ورجس يرجس، إذا عمل عملا قبيحا، والرجس بفتح الراء شدّة الصوت، فكان الرجس العمل الذي يقبح ذكره، ويرتفع في القبح.
ويقال: سحاب ورعد رجّاس إذا كان شديد الصوت.
قال الشاعر:
=وكل رجّاس يسوق الرّجّسا
وأمّا الرجز بالزاي فالعذاب، أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب.
قال اللّه: (لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك) أي كشفت عنا العذاب، وقوله: (والرّجز فاهجر) قالوا: عبادة الأوثان.
وأصل الرجز في اللغة تتابع الحركات، فمن ذلك قولهم رجزاء إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها.
ومن هذا رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، والانتقال فيه من بيت إلى بيت سريع نحو قوله: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
ونحو قولهم:
=صبرا بني عبد الدار
ونحو قولهم:
=ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا
وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر، وإنما هو أنصاف أبيات أو أثلاث.
ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وتأتيك من لم تزوّد بالأخبار.
قال الخليل: لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا
وجاء النصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر ولا بيت، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر.
وجرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى:
أنا النبي لا كذب
=
أنا ابن عبد المطلب
قال بعضهم: إنما هو لا كذب أنا ابن عبد المطلب، بفتح الباء على الوصل.
قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال اللّه: (وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له)، أي ما يسفل له.
قال الأخفش: كان قول الخليل إن هذه الأشياء شعر، وأنا أقول: إنها ليست بشعر، وذكر أنه ألزم الخليل أن الخليل اعتقده.
ومعنى الرجز العذاب المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة.
ومعنى فاجتنبوه: أي اتركوه.
واشتقاقه في اللغة كونوا جانبا منه أي في ناحية). [معاني القرآن: 2/203-206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر
قال أبو عبيد تأول قول الله عز وجل: {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} وزعم الأصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لأن الميسر إذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من أقمار ميسر كما أن الخمر لشيء بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لأنه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الأنصاب والأزلام والرجس النتن). [معاني القرآن: 2/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} أي كونوا في جانب غير جانبه
ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول اللهم بين لنا في الخمر حتى نزلت {فهل أنتم منتهون} فقال قد انتهينا). [معاني القرآن: 2/356-357]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْمَيْسِرُ} القمار، وهو الضرب بالقداح.
{وَالأَنصَابُ} حجارة كانوا يعبدونها.
{وَالأَزْلاَمُ} القداح.
(والرجس) أصله النتن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70-71]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) )
تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) )
تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذا ما اتّقوا...}
أي اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [معاني القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ} أي إثم فيما طعموا أي شربوا من الخمر قبل نزول التحريم. يقال: لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما. قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم=وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
والبرد: النوم. والنّقاح: الماء العذب.
{إذا ما اتّقوا وآمنوا} يريد: اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [تفسير غريب القرآن: 146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف بإخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد قدامة بن مظعون قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية فقال عمر أخطأت التأويل إنك إذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد
قيل هذا أحسن من الاول لأن فيها {إذا ما اتقوا وآمنوا} وإذا لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل إذا ما اتقوا الشرك وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا وآمنوا ازدادوا إيمانا ثم اتقوا الصغائر حذرا وأحسنوا تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل). [معاني القرآن: 2/357-358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (جناح) أي إثم). [ياقوتة الصراط: 212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِيمَا طَعِمُواْ} أي ما شربوا من الخمر قبل التحريم، يقال: لم أطعم خبزا ولا ماءً ولا نوماً، قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم= وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا برداً
النقاخ: الماء، والبرد: النوم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تناله أيديكم ورماحكم...}
فما نالته الأيدي فهو بيض النعام وفراخها، وما نالت الرماح فهو سائر الوحش). [معاني القرآن: 1/319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ليبلونّكم الله بشيءٍ من الصّيد) (94) أي ليختبرنكم وليبتلينكم). [مجاز القرآن: 1/175]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا ليبلونّكم اللّه بشيءٍ مّن الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم اللّه من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ}
وقال: {ليبلونّكم اللّه بشيءٍ مّن الصّيد} على القسم أي: والله ليبلونّكم. وكذلك هذه اللام التي بعدها النون لا تكون إلا بعد القسم). [معاني القرآن: 1/230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تناله أيديكم} يعني بيض النعام {ورماحكم} يعني الصيد). [تفسير غريب القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا ليبلونّكم اللّه بشيء من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم اللّه من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (94)
هذه اللام لام القسم، واللام مفتوحة لالتقاء السّاكنين في قول بعضهم اغزون يا رجل، فأمّا لام لتبلون، فزعم سيبويه أنها مبنية على الفتح.
وقد أحكمنا شرح هذا قبل هذا الموضع.
ومعنى: " ليبلونكم ": ليختبرنّ طاعتكم من معصيتكم.
(بشيء من الصيد).
فقال عزّ وجلّ بشيء من الصيد فبّعض، وهو يحتمل وجهين أحدهما أنه على صيد البر دون صيد البحر، والثاني أنه لمّا عنى الصّيد ما داموا في الإحرام كان ذلك بعض الصّيد. وجائز أن يكون على وجه ثالث، ويكون " من " هذه تبين جنسا من الأجناس، تقول: لأمتحنك بشيء من الورق، أي لامتحننك بالجنس الذي هو ورق، كما قال جلّ ثناؤه: (فاجتنبوا الرّجس من الأوثان) والأوثان كلها رجس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
ومعنى قوله: (تناله أيديكم ورماحكم).
الذي تناله الأيدي نحو بيض النعام وفراخه وما كان صغيرا ينهض من مجثمه من غير النعام وسائر ما يفوق اليد بحركته من سائر الوحش.
فحرم جميع صيد البر الجراد وكل ما يصطاد فحرام صيده ما داموا حرما. وبيّن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنّ كل ما اصطيد في الحرم حرام، كانوا محرمين أو غير محرمين). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد} المعنى ليختبرن طاعتكم من معصيتكم). [معاني القرآن: 2/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {تناله أيديكم ورماحكم} قال مجاهد الذي تناله أيديكم البيض والفراخ والذي تناله الرماح ما كان كبيرا). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تناله أيديكم) يعني: بيض النعام، والعرب تقول: صدت نعاما، وصدت بيضة، أي: أخذتهما بيدي). [ياقوتة الصراط: 212]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ورماحكم) يعني: الحمير الوحشية، والنعام الجافل). [ياقوتة الصراط: 212]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {فجزاء مّثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم...}
يقول: من أصاب صيدا ناسيا لإحرامه معتمدا للصيد حكم عليه حاكمان عدلان فقيهان يسألانه: أقتلت قبل هذا صيدا؟ فإن قال: نعم، لم يحكما عليه، وقالا: ينتقم الله منك. وإن قال: لا، حكما عليه، فإن بلغ قيمة حكمها ثمن بدنة أو شاة حكما بذلك عليه {هدياً بالغ الكعبة} وإن لم يبلغ ثمن شاة حكما عليه بقيمة ما أصاب: دراهم، ثمّ قوّماه طعاما، وأطعمه المساكين لكل مسكين نصف صاع. فإن لم يجد حكما عليه أن يصوم يوما مكان كل نصف صاع.
وقوله: {أو عدل ذلك صياماً} والعدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل المثل. وذلك أن تقول: عندي عدل غلامك وعدل شاتك إذا كان غلاما يعدل غلاما أو شاة تعدل شاة. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نضبت العين. وربما قال بعض العرب: عدله. وكأنه منهم غلط لتقارب معنى العدل من العدل. وقد اجتمعوا على واحد الأعدال أنه عدل. ونصبك الصيام على التفسير؛ كما تقول: عندي رطلان عسلا، وملء بيت قتّا، وهو مما يفسّر للمبتدئ: أن ينظر إلى (من) فإذا حسنت فيه ثم ألقيت نصبت؛ ألا ترى أنك تقول: عليه عدل ذلك من الصيام. وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا}). [معاني القرآن: 1/320]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم) (95) في هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النّعم الإبل.
(يحكم به ذوا عدلٍ منكم، (95) فجاء مصدراً في القرآن كلّه؛ من جعله صفةً على أنه مصدرٌ ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء؛ هي عدلٌ وهم عدل، قال زهير:
متى يشتجر قومٌ يقل سرواتهم=هم بيننا فهم رضاً وهم عدل
فجعله هشامٌ أخو ذي الرّمة صفةً تجرى مجرى ضخم وضخمة، فقال: عدل، وعدلة للمرأة.
(أو عدل ذلك صياماً) (95) مفتوح الأول، أي مثل ذلك، (فإذا كسرت فقلت: عدل فهو زنة ذلك).
(ليذوق وبال أمره) (95) أي نكال أمره، وعذابه ويقال: عاقبة أمره من الشرّ.
(ومن عاد فينتقم الله منه) (95) رفعٌ لأنه مجازاتٌ فيه، فمجازه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد: في موضع يعود، قال قعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً=وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا
أي استمعوا.
(ذو انتقام) (95): ذو اجتراء). [مجاز القرآن: 1/175-177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم مّتعمّداً فجزاء مّثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم هدياً بالغ الكعبة أو كفّارةٌ طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً لّيذوق وبال أمره عفا اللّه عمّا سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
وقال: {فجزاء مّثل ما قتل من النّعم} أي: فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم.
[و] قال: {يحكم به ذوا عدلٍ مّنكم هدياً} انتصب على الحال {بالغ الكعبة} من صفته وليس قولك {بالغ الكعبة} بمعرفة لأن فيه معنى التنوين لأنه إذا قال "هذا ضارب زيدٍ" في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد فهو نكرة. ومثل ذلك {هذا عارضٌ مّمطرنا} ففيه بعض التنوين غير أنه لا يوصل إليه من أجل الاسم المضمر.
ثم قال: {أو كفّارةٌ طعام مساكين} أي: أو عليه كفارةٌ. رفعٌ منون ثم فسر فقال "هي طعام مساكين" وقال بعضهم {كفّارة طعام مساكين} بإضافة الكفارة إليه.
[و] قال: {أو عدل ذلك صياماً} يريد: أو عليه مثل ذلك من الصيام. كما تقول: "عليها مثلها زبداً". وقال بعضهم {أو عدل ذلك صياما} فكسر وهو الوجه لأن "العدل": المثل. وأمّا "العدل" فهو المصدر تقول: "عدلت هذا بهذا عدلاً حسنا"، و"العدل" أيضا: المثل. وقال: {ولا يقبل منها عدلٌ} أي: مثلٌ ففرقوا بين ذا وبين "عدل المتاع" كما تقول: "امرأةٌ رزان" و"حجرٌ رزينٌ"). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وبال أمره}: عاقبة أمره). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(النّعم): الإبل. وقد تكون البقر والغنم. والأغلب عليها الإبل.
وقوله تعالى: {أو عدل ذلك صياماً} أي مثله). [تفسير غريب القرآن: 146-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (أو عدل ذلك صياما).
(ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم).
أي ذلك الذي يغطي على آثامكم، يقال كفرت الشيء إذا غطّيته، ومنه قوله عزّ وجلّ: (أعجب الكفار نباته)، والكفار الذين يغطون الزرع ويصلحونه، والكافر إنما سمي كافرا، لأنه ستر بكفره الإيمان). [معاني القرآن: 2/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا اللّه عمّا سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه واللّه عزيز ذو انتقام (95)
(ومن قتله منكم متعمّدا)
أي عمدا لقتله، كأنه ناس إنّه محرم، ومتعمّد للقتل، وجائز أن يقصد القتل وهو يعلم أنّه محرم.
وقوله: (فجزاء مثل ما قتل من النّعم).
و (فجزاء مثل ما قتل)برفع مثل وجرها، فمن رفعهما جميعا فرفعه على معنى فعليه جزاء مثل الذي قتل، فيكون " مثل " من نعت الجزاء، ويكون أن ترفع " جزاء " على الابتداء ويكون مثل قتل خبر الابتداء، ويكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل، ومن جرّ أراد فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النّعم، والنعم في اللغة هي الإبل والبقر والغنم، وإن انفردت الإبل منها قيل لها نعم وإن انفردت الغنم والبقر لم تسمّ نعما.
فكان عليه بحذاء حمار الوحش وبقرة الوحش بدنة، وعليه بحذاء الظباء من الغنم شاة.
وقوله عزّ وجلّ: (يحكم به ذوا عدل منكم).
أي من أهل ملتكم، فعلى قاتل الصيد أن يسألا فقيهين عدلين عن جزاء ما قتل، ويقولان له: أقتلت صيدا قبل هذا وأنت محرم فإن اعترف بأنه قتل صيدا قبل ذلك لم يحكما عليه بشيء، لقول الله عزّ وجلّ:
(ومن عاد فينتقم اللّه منه).
وإن لم يعترف نظرا فيما قتل. فإن كان كالإبل حكما عليه بها (هديا بالغ الكعبة) وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك.
وإن كانت القيمة لا تبلغ نظرا فقدرا قيمة ذلك، وأطعم بثمن ذلك المساكين، كل مسكين - قال بعضهم - صاعا من حنطة، وقال بعضهم نصف صاع أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السّنّة.
ويجوز أن تكون " أو " - وهو الأجود في اللغة - للتخيير، فإن شاء أهدى وإن شأت قوّما له الهدي وأطعم بدله على ما وصفنا.
وجعل مثل ذلك صياما لأن " أو " للتخيير، وقال بعضهم كأنّه إن لم يقدر على الإبل والغنم
فينبغي أن يطعم أو يصوم، والذي يوجبه اللفظ التخيير، وأهل الفقه أعلم بالسنة في ذلك، إلّا أني أختار على مذهب اللغة أنّه مخير.
وقوله: (هديا بالغ الكعبة).
منصوب على الحال. المعنى يحكمان به مقذرا أن يهدى.
و (بالغ الكعبة) لفظه لفظ معرفة، ومعناه النكرة، المعنى بالغا الكعبة، إلا أن التّنوين حذف استخفافا.
ومعنى قوله: (أو عدل ذلك).
أو مثل ذلك، قال بعضهم عدل الشيء مثله من جنسه، وعدله مثله من غير جنسه - بفتح العين، وقال إلا أن بعض العرب يغلط فيجعل العدل والعدل في معنى المثل، وإن كان من غير جنس الأول.
قال البصريون العدل والعدل في معنى المثل، والمعنى واحد كان، لمثل من الجنس أو من غير الجنس، كما أن المثل ما كان من جنس الشيء ومن غير جنسه، مثل، ولم يقولوا إن العرب غلطت، وليس إذا أخطا مخطئ يوجب أن تقول أن بعض العرب غلط.
وقوله: (صياما).
منصوب على التمييز. المعنى أو مثل ذلك من الصيام.
(ليذوق وبال أمره).
" الوبال " ثقل الشيء في المكروه، ومنه قولهم طعام وبيل، وماء وبيل، إذا كانا ثقيلين غير ناميين في المال، قال عزّ وجلّ: (فأخذناه أخذا وبيلا) أي ثقيلا شديدا، والوبيل خشبة القصّار ومن هذا قيل لها وبيل.
قال طرفة ابن العبد:
=عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
وقوله: (ومن عاد فينتقم اللّه منه).
الفاء جواب الجزاء والمعنى أنه - واللّه أعلم - ومن عاد مستحلّا للصيد بعد أن حرمه الله منه فينتقم اللّه منه أي فيعذبه اللّه.
وجائز أن يكون: من عاد مستخفّا بأمر اللّه فجزاؤه العذاب كجزاء قاتل النفس). [معاني القرآن: 2/206-209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} روى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} قال قتله حرام في هذه الآية قال بعض العلماء أي أنه لما حرم قتل الصيد على المحرم كان قتله إياه غير تذكية). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن قتله منكم متعمدا} أكثر الفقهاء على أن عليه الجزاء سواء كان متعمدا أو مخطئا
وذهبوا إلى قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا} مردود إلى قوله جل وعز: {ومن عاد فينتقم الله منه} واحتجوا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال هي صيد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا ولم يقل: عمدا ولا خطأ قال الزهري: هو في الخطأ سنة وقال بعض أهل العلم: إنما عليه الجزاء إذا قتله متعمدا واحتجوا بظاهر الآية حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام نا محمد بن يحيى نا أبو الوليد نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز: {ومن قتله منكم متعمدا} قال: ليس عليه في الخطأ شيء إنما هو في العمد يعني الصيد). [معاني القرآن: 2/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} قيل النعم في اللغة الإبل والبقر والغنم وإن انفردت الإبل قيل لها نعم وإن انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم وقرأ الأعمش (فجزاؤه مثل ما) والمعنى فعليه جزاؤه ثم أبدل مثلا من جزائه). [معاني القرآن: 2/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أو كفارة طعام مساكين} أو هنا للتخيير وفي معناه أقوال وقيل الحاكم مخير وقيل إنه يعمل بالأول فالأول والقول الأول أحسن لأن قاتل الصيد هو المخاطب ولأن المعروف أن أو للتخيير وقرأ طلحة والجحدري (أو عدل ذلك صياما) وأنكره جماعة من أهل اللغة وقالوا العدل الحمل.
وقال الكسائي: العدل والعدل لغتان بمعنى واحد وقال الفراء: عدل الشيء مثله من غير جنسه وعدله مثله من جنسه.
وأنكر البصريون هذا التفريق وقالوا: العدل والعدل المثل كان من الجنس أو من غير الجنس لا يختلف كما أن المثل لا يختلف وفي الحديث لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فالصرف التوبة والعدل الفدية، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حاتم ولا يعرف قول من قال إنهما الفريضة والنافلة والذي أنكره أبو حاتم قال المازري). [معاني القرآن: 2/361-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ليذوق وبال أمره} أي شدته ومنه طعام وبيل إذا كان ثقيلا ومنه قوله:
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد). [معاني القرآن: 2/362-363]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه} قال عطاء عفا الله عما سلف في الجاهلية وقال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فإذا عاد لم يحكم عليه وقيل له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر
كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم لعظم إثمها قلت قول عطاء في هذا أشبه والمعنى ومن عاد بعد الذي سلف في الجاهلية فينتقم الله منه بأشياء تصيبه من العقوبة أو يكون مثل قوله: {ليذوق وبال أمره}). [معاني القرآن: 2/363-364]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أو عدل ذلك) أي: وقيمة ذلك). [ياقوتة الصراط: 213]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({النَّعَمِ} الإبل، وقد تكون الغنم والبقر، والغالب عليها الإبل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَبَالَ أَمْرِهِ}: عاقبة أمره). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أحلّ لكم صيد البحر وطعامه...}
الصيد: ما صدته، وطعامه ما نضب عنه الماء فبقي على وجه الأرض). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وصيد البحر} ما صيد من السمك (و طعامه) ما نضب عنه الماء وما قذفه البحر وهو حي {متاعاً لكم} أي منفعة لكم (و للسيارة) يعني المسافرين). [تفسير غريب القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمتاع: المنفعة، قال الله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}، وقال تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}، وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}). [تأويل مشكل القرآن: 512] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسّيّارة وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون (96)
أي أحل لكم صيد البحر، وأحل لكم طعام البحر للسّيّارة، فأمّا صيده فمعروف، وأمّا طعامه فقد اختلف فيه، فقال بعضهم: ما نضب الماء عنه فأخذ بغير صيد فهو طعامه، وقال طعامه هو كل ما سقاه الماء فأنبت فهو طعام البحر، لأنه نبت عن ماء البحر، فأعلمهم اللّه أن الذي أحل لهم كثير في البر والبحر، وأن الذي حرم عليهم إنما هو صيد البر في حال الإحرام. وسن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحريم الصيد في الحرم ليكون قد أعذر إليهم من الانتقام ممن عاود ما حرم اللّه عليه مع كثرة ما أحل اللّه له.
و (متاعا): منصوب مصدر مؤكد، لأنه لما قال أجل لكم كان دليلا على أنه قد متّعهم به، كما أنه لما قال: (حرّمت عليكم أمّهاتكم)
كان دليلا على أنه قد كتب عليهم ذلك، فقال: (كتاب اللّه عليكم) ). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة}.
روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن عمر قال: صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما قذف.
وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس،وقيل: طعامه ما زرع لأنه به ينبت.
وقال سعيد بن جبير: طعامه المليح منه وصيده ما كان طريا البين أن صيده أن تصيدوا وطعامه أن تأكلوا الصيد.
قال مجاهد لكم لأهل القرى وللسيارة لأهل الأمصار وقيل السيارة المسافرون وهذا أولى). [معاني القرآن: 2/364-365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَيْدُ الْبَحْرِ} ما صيد منه. {وطَعَامُهُ} ما نضب عنه الماء وصادفه وهو حي أو ميت.
{مَتَاعًا لَّكُمْ} أي منفعة لكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 97 إلى 108]

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) }

تفسير قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للنّاس) (97) أي قواماً، وقال حميدٌ الأرقط:
قوام دنيا وقوام دين). [مجاز القرآن: 1/177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس} وقال: {والهدي والقلائد} أي: وجعل لكم الهدي والقلائد). [معاني القرآن: 1/231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({قياماً للنّاس}: أي قواما لهم بالأمن فيه). [تفسير غريب القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: أين قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} من قوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}؟.
وتأويل هذا: أن أهل الجاهلية كانوا يتغاورون ويسفكون الدماء بغير حقها، ويأخذون الأموال بغير حلّها، ويخيفون السّبل، ويطلب الرجل منهم الثأر فيقتل غير قاتله، ويصيب غير الجاني عليه، ولا يبالي من كان بعد أن يراه كفأ لوليّه ويسمّيه: الثأر المنيم، وربما قتل أحدهم حميمه بحميمه.
قال ابن مضرّس وقتل خاله بأخيه:
بكت جزعا أمّي رميلة أن رأت = دما من أخيها بالمهنّد باقيا
فقلت لها: لا تجزعي إنّ طارقا = خليلي الذي كان الخليل المصافيا
وما كنت لو أعطيت ألفي نجيبة = وأولادها لغوا وستين راعيا
لأقبلها من طارق دون أن أرى = دما من بني حصن على السيف جاريا
وما كان في عوف قتيل علمته = ليوفيني من طارق غير خاليا
وربما أسرف في القتل فقتل بالواحد ثلاثة وأربعة وأكثر.
وقال الشاعر:
هم قتلوا منكم بظنّة واحد = ثمانية ثم استمرّوا فأرتعوا
يقول: إنهم اتهموكم بقتل رجل منهم، فقتلوا منكم ثمانية به.
فجعل الله الكعبة البيت الحرام وما حولها من الحرم، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد- قواما للناس. أي أمنا لهم، فكان الرجل إذا خاف على نفسه لجأ إلى الحرم فأمن. يقول الله جل وعز: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.
وإذا دخل الشهر الحرام تقسّمتهم الرّحل، وتوزّعتهم النّخع، وانبسطوا في متاجرهم، وأمنوا على أموالهم وأنفسهم.
وإذا أهدى الرجل منهم هديا، أو قلّد بعيره من لحاء شجر الحرم- أمن كيف تصرّف وحيث سلك.
ولو ترك الناس على جاهليتهم وتغاورهم في كل موضع وكل شهر- لفسدت الأرض، وفني الناس، وتقطّعت السّبل، وبطلت المتاجر. ففعل الله ذلك لعلمه بما فيه من صلاح شؤونهم، وليعلموا كما علم ما فيه من الخير لهم- أنه يعلم أيضا ما في السّموات وما في الأرض من مصالح العباد ومرافقهم، وأنه بكل شيء عليم). [تأويل مشكل القرآن: 73-74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيء عليم (97)
قيل إنما سمّيت الكعبة لتربيع أعلاها.
ومعنى (قياما للناس) أي مما أمروا به أن يقوموا بالفرض فيه.
وكذلك: (والشهر الحرام والهدي والقلائد).
فأمّا من قال إنه أمن فلأنّ اللّه قال: (ومن دخله كان آمنا) ولم تزل العرب تترك القتال في الشهر الحرام، وكان يسمى رجب الأصمّ لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح.
وأما من قال جعلت هذه الأشياء ليقوم الناس بها فإنما عنى متعبداتهم بالحج وأسبابه.
وقوله: (ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض).
فيه قولان: أحدهما أن الله لما آمن من الخوف البلد الحرام، والناسق كان يقتل بضعهم بعضا، وجعل الشهر الحرام يمتنع فيه من القتل، والقوم أهل جاهلية، فدل بذلك أنه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض إذ جعل في أعظم الأوقات فسادا ما يؤمن به، وفيه قول آخر وهو عندي أبين، وهو أن ذلك مردود على ما أنبأ اللّه به على لسان نبيه في هذه السورة من قوله: (من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
فأخبر بنفاقهم الذي كان مستترا عن المسلمين، وما أخبر به أنهم (سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك).
فأظهر الله ما كانوا أسروه من قصة الزانيين، ومسألتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - وما شرحناه مما كانوا عليه في ذلك.
فأظهر الله جلّ وعزّ: نبيه والمؤمنين على جميع ما ستروا عنهم.
فالمعنى - واللّه أعلم - ذلك لتعلموا الغيب الذي أنبأتكم به عن اللّه.
يدلكم على إنّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض.
ودليل هذا القول قوله جلّ وعزّ:
(ما على الرّسول إلّا البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) ). [معاني القرآن: 2/210-211]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} فيه قولان: أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين
والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} ومجانسة هذا الأول فقال أبو العباس محمد بن يزيد: كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والأشهر الحرم حتى إنهم كانوا يسمون رجبا وهو من الأشهر الحرم الأصم لأنه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز وجل ما يكون منهم من إغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الأرض وقال أبو إسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك: {لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} متعلق بهذه الأشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الأرض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ). [معاني القرآن: 2/365-367]

تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) )
تفسير قوله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) )
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم...}
خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحّج، فقام رجل فقال: يا رسول الله (أوفي) كلّ عام فأعرض عنه. ثم عاد (فقال: أفي كل عام فأعرض عنه، ثم عاد) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا اتركوني ما تركتكم".
و(أشياء) في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف؛ كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوي - كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحاري - وأشياوات؛ كما قيل: حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعت على أفعلاء، كما جمع ليّن وأليناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغي لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات الله، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفور حليم (101)
(تبد لكم) - تظهر لكم، يقال بدا لي الشيء يبدو إذا ظهر.
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم الحج، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول اللّه أفي كل عام؟
فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة فقال - صلى الله عليه وسلم - ما يؤمنك أن أقول نعم فتجب فلا تقومون بها فتكفرون.
تأويل " تكفرون "، - واللّه أعلم - ههنا أنكم تدفعون لثقلها وجوبها فتكفرون.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم ".
وسأله - صلى الله عليه وسلم - رجل كان يتنازعه اثنان يدّعي كل واحد منهما أنّه أبوه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأبيه منهما، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع.
فإنه إذا ظهر منه الجواب ساء ذلك. وخاصّة في وقت سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جهة تبيين الآيات، فنهى الله عن ذلك، وأعلم أنّه قد عفا عنها، ولا وجه عن مسألة ما نهى اللّه عنه، وفيه فضيحة على السائل إن ظهر.
و(أشياء) في موضع جر إلا أنها فتحت لأنها لا تنصرف.
وقال الكسائي أشبه آخرها آخر حمراء، ووزنها عنده أفعال، وكثر استعمالهم فلم تصرف.
وقد أجمع البصريون وأكثر الكوفيين على أن قول الكسائي خطأ في هذا، وألزموه ألا يصرف أبناء وأسماء.
وقال الأخفش - سعيد بن مسعدة - والفراء: أصلها أفعلاء كما تقول هين وأهوناء إلا إنّه كان الأصل أشيئاء على وزن " أشبعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فحذفت الهمزة الأولى.
وهذا غلط أيضا؛ لأن شيئا فعل، وفعل لا يجمع على أفعلا " فأما هين.
فأصله أهين، فجمع على أفعلاء، كما يجمع فعيل على أفعلاء مثل نصيب وأنصباء.
وقال الخليل: أشياء اسم للجميع كان أصله فعلاء – شيئاء فاستثقلت الهمزتان فقلبت الأولى إلى أول الكلمة فجعلت لفعاء كما قالوا أنوق فقلبوا أينق، كما قلبوا قووس فقالوا قسيّ.
ويصدق قول الخليل جمعهم أشياء على أشاوى، وأشاياه وقول الخليل هو مذهب سيبويه وأبي عثمان المازني وجميع البصريين إلا الزيادى منهم، فإنه كان يميل إلى قول الأخفش.
وذكروا أن المازني ناظر الأخفش في هذا فقطع المازني الأخفش.
وذلك أنه سأله: كيف تصغر أشياء فقال: أشيّاء، فاعلم.
ولو كانت أفعلاء لردّت في التصغير إلى واحدها، فقيل شييئات، وإجماع البصريين أن تصغير أصدقاء إذا كان للمؤنثات صديّقات وإن كان للمذكرين صديّقون). [معاني القرآن: 2/211-213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} معنى إن تبد لكم إن تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} روى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يسألني إنسان في مجلسي هذا عن شيء إلا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وأن لا يكلفهم طلب حقائق الأشياء من عنده جل وعز وقيل إنما ينهى عن هذا لأن الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم إلى الظاهر الذي يقدرون عليه). [معاني القرآن: 2/367-369]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال مقسم فيما سألت الأمم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم إياها ثم كفر قومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا إلى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الأم وتركهم الانتفاع بها وإن كانت ميتة اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر أنه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم إن برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها إلا الذكور خاصة وإن كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس أنه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا). [معاني القرآن: 2/370-373]

تفسير قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ...}
قد اختلف في السائبة. فقيل: كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم: السائبة إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهنّ إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن ابنتها - يريد: خرقت - فالبحيرة ابنة السائبة، وهي بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين فولدت في سابعها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال، وجرت مجرى السائبة. وأما الحامي فالفحل من الإبل؛ كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره، فلا يركب ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعىً، وأيّ إبل ضرب فيها لم يمنع.
فقال الله تبارك وتعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} هذا أنتم جعلتموه كذلك. قال الله تبارك وتعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون}). [معاني القرآن: 1/322]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ) (103) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أثنى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها، وإذا ضرب جملٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسمٌ له.
والسائبة من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكراً أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكرٍ أو أنثى، فهو (وصيلة) (103)؛ فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا، فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكراً وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد؛ فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لا هي ولا أمّها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال؛ فإن وضعت ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعاً بالتسوية؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم: والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه؛ أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعىٍ، ولا عن ماءٍ ولا يركبها أحد.
(حامٍ) (103)، والحام من فحول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شيء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبحّرون أذنها؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم؛ أي يذبح، يقال: أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل البحيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقباً، أي ذكراً بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضر بها فحلٌ، ولم تدفع عن ماءٍ، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجاً.
وقالوا: السائبة لا تكون إلاّ من الإبل، إن مرض الرّجل نذر؛ إن برىء ليسيبنّ بعيراً، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاءٍ أو نقمةٍ سيّب بعيراً، فكان بمنزلة البحيرة؛ وكذلك المعتق السائبة في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصةً إذا ولّدوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى؛ قالوا: هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكراً أو أنثى؛ قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا: بل (الحام) هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
(يفترون على الله الكذب) (103) أي يختلقون الكذب على الله). [مجاز القرآن: 1/177-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((البحيرة): كان أهل الجاهلية إذا نتجت ناقة خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذن الناقة وخلوا عنها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
103- {والسائبة}: كان الرجل إذا مرض أو قدم من سفر أو نذر نذرا سيب بعيرا من إبله بمنزلة البحيرة لا تمنع ولا تركب وقال بعضهم في السائبة أنهم كانوا يهدون لآلتهم الإبل والغنم فيسيبونها عندها فتختلط بإبل الناس وغنمهم. وقال فلا يشرب ألبانها إلا الرجال فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وإذا قال الرجل لعبده أنت سائبة فقد عتق.
103- {والوصيلة}: من الغنم كانت العرب إذا وضعت الشاةذكرا قالوا هذه لآلهتنا فتقربوا به وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا. وإذا وضعت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها.
103- {ولا حام}: الحامي الذي نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فيدعونه فلا يركب وكانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفا فقأ عين بعير منها فسرحة فلا ينتفع به ولا يهاج.
103- {ويفترون}: يختلفون). [غريب القرآن وتفسيره: 132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن. والخامس ذكر بحروه فأكله الرجال والنساء.
وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي: شقّوها. وكانت حراما على النساء، لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء.
و(السّائبة) البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه اللّه من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك.
و(الوصيلة) من الغنم. كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذبح. فأكل منه الرجال والنساء.
وإن كان أنثى تركت في الغنم.
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: قد وصلت أخاها. فلم تذبح لمكانها.
وكانت لحومها حراما على النساء. ولبن الأنثى حراما على النساء. إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء.
و(الحام): الفحل الذي ركب ولد ولده. ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء.
103 - {يفترون} يختلقون الكذب). [تفسير غريب القرآن: 147-148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)
أثبت ما روينا في تفسير هذه الأسماء عن أهل اللغة ما أذكره ههنا:
قال أهل اللغة: البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا، نحروا أذنها - أي شقوها - وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها.
والسائبة. كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو برء من علّة أو ما أشبه ذلك قال ناقتي هذه سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها وأن لا تجلى عن ماء ولا تمنع من مرعى.
وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة، فلا عقل بينهما ولا ميراث.
وأما الوصيلة ففي الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
وأمّا الحامي فالذكر من الإبل. كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن، حمي ظهره فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
فأعلم اللّه أنّه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا، وأن الذين كفروا افتروا على اللّه). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (والبحيرة: المشقوقة الأذن. والسائبة: المسيبة: إذ كبرت سيبت، فلا يحمل عليها شيء.
والوصيلة: قال: كانت العرب إذا ولدت الشاة جديين - أخذوا واحدا لأنفسهم، وذبحوا الآخر للصنم، فإذا ولدت جديا وعناقا لم يذبحوها، ولم يذبحوا أخاها، وقالوا: قد وصلته، ولم تذبح، ولم تؤكل، وربيت وقالوا: قد وصلت أخاها. قال أبو العباس ثعلب: وأجمع الناس كلهم على أن الوصيلة لا تكون إلا في الغنم.
(ولا حام) قال: الحامي: البعير، الذي قد خرج من صلبه عشرة بطون، فإذا كان هكذا - قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه شيء، ويقولون: لا يحل لنا أن نستعمله). [ياقوتة الصراط: 213-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((البحيرة) الناقة إذا نُتِجت هي خمسة أبطن، والخامس ذكر، نحروه، فأكلته الرجال والنساء، فإن كان الخامس أنثى شقوا آذانها وكان لحمها ولبنها على النساء خاصة، فإذا ماتت حلت لهن.
(السائبة) البعير يسيب بنذر يكون على الرجل من مرض أو خوف أو غيره.
و(الوصيلة) هي من الغنم، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذُبح فأكل لحمه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح لمكانها، وكان لحومها حراماً على النساء، ولبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شي أكله الرجال والنساء.
و(الحامي) الفحل، إذ ركب ولد ولده، ويقال: إذا نتج من صلبة عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء.
فهذه أديان وشرائع اخترعوها، لم يأذن الله بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71-72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَحِيرَةٍ}: الناقة التي نتجت
103- (السَآئِبَةٍ): التي تسيب فلا تركب
103- (الوَصِيلَةٍ): التي تركب فلا تذبح
103- {حَامٍ}: البعير الذي إذا نتج من صلبه عشرة فلا يركب
103- {يَفْتَرُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 123-124]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {عليكم أنفسكم...}
هذا أمر من الله عزّ وجلّ؛ كقولك: عليكم أنفسكم. والعرب تأمر من الصفات بغليك، وعندك، ودونك، وإليك. يقولون: إليك إليك، يريدون: تأخّر؛ كما تقول: وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة.
وزعم الكسائيّ أنه سمع: بينكما البعير فخذاه. فأجاز ذلك في كلّ الصفات التي قد تفرد، ولم يجزه في اللام ولا في الباء ولا في الكاف.
وسمع بعض العرب تقول: كما أنت زيدا، ومكانك زيدا.
قال الفراء: وسمعت [بعض] بني سليم يقول في كلامه: كما أنتني، ومكانكني، يريد انتظرني في مكانك.
ولا تقدّمنّ ما نصبته هذه الحروف قبلها؛ لأنها أسماء، والاسم لا ينصب شيئا قبله؛ تقول: ضرباً زيدا، ولا تقول: زيدا ضربا. فإن قلته نصبت زيدا بفعل مضمر قبله كذلك؛ قال الشاعر:
= يا أيها المائح دلوي دونكا
إن شئت نصبت (الدلو) بمضمر قبله، وإن شئت جعلتها رفعا، تريد: هذه دلوي فدونكا.
{لا يضرّكم} رفع، ولو جزمت كان صوابا؛ كما قال (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف، ولا تخاف) جائزان). [معاني القرآن للفراء: 1/322-323]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم مّن ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم تعملون}
وقال: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم} خفيفة، فجزم لأن جواب الأمر جزم فجعلها من "ضار" "يضير". وقال بضعهم {يضرّكم} و{يضرّكم} فجعل الموضع جزما فيهما جميعا، إلا أنه حرك لأن الراء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم إسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك {لا يضرّكم} رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله: {عليكم أنفسكم} وإنما أخبر أنه لا يضرّهم). [معاني القرآن: 1/231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)
معناه إنما ألزمكم اللّه أمر أنفسكم.
(لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم).
أي لا يؤاخذكم اللّه بذنوب غيركم، وليس يوجب لفظ هذه الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعلم أنه لا يضر المؤمن كفر الكافر.
فإذا ترك المؤمن الأمر بالمعروف وهو مستطيع ذلك فهو ضال، وليس بمهتد.
وإعراب: (لا يضرّكم من ضلّ) الأجود أن يكون رفعا ويكون على جهة الخبر.
المعنى ليس يضركم من ضل إذا اهتديتم.
ويجوز أن يكون موضعه جزما، ويكون الأصل لا يضرركم إلا أن الراء الأولى أدغمت في الثانية فضمّت الثانية لالتقاء السّاكنين، ويجوز في العربية على جهة النهي لا يضركم بفتح الراء، ولا يضركم بكسرها.
ولكن القراءة لا تخالف، ولأنّ الضم أجود كان الموضع رفعا أو جزما.
فأمّا من ضمّ لالتقاء السّاكنين فأتبع الضمّ الضمّ، وأمّا من كسر فلان أصل التقاء السّاكنين الكسر، وأمّا من فتح فلخفة الفتح فتح لالتقاء السّاكنين.
وهذا النهي للفظ غائب يراد به المخاطبون، إذا قلت: لا يضررك كفر الكافر، فالمعنى لا تعدّن أنت كفره ضررا، كما أنك إذا قلت لا أرنيك ههنا، فالنهي في اللفظ لنفسك، ومعناه لمخاطبك، معناه لا تكونن ههنا). [معاني القرآن: 2/213-214]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب). [معاني القرآن: 2/373]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز وجل قد أمر بذلك وإنما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول إنكم تأولون {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لأبي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الأمر لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام). [معاني القرآن: 2/373-375]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان...}
يقول: شاهدان أو وصيّان، وقد اختلف فيه. ورفع الاثنين بالشهادة، أي ليشهدكم اثنان من المسلمين.
{أو آخران من غيركم} من غير دينكم. هذا في السّفر، وله حديث طويل. إلا أنّ المعنى في قوله: {من الذين استحقّ عليهم الأوليان} فمن قال: الأوليان أراد ولّي الموروث؛ يقومان مقام النصرانيّين إذا اتّهما أنهما اختانا، فيحلفان بعد ما حلف النصرانيّان وظهر على خيانتهما، فهذا وجه قد قرأ به عليّ، وذكر عن أبيّ بن كعب.
حدّثنا الفراء قال: حدثني قيس بن الربيع عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أنه قال (الأوّلين) يجعله نعتا للذين. وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما. وقوله (استحقّ عليهم) معناه: فيهم؛ كما قال {واتّبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} أي في ملك، وكقوله: {ولأصلّبنّكم في جذوع النخل} جاء التفسير: على جذوع النخل.
وقرأ الحسن (الأوّلان) يريد: استحقّا بما حقّ عليهما من ظهور خيانتهما.
وقرأ عبد الله بن مسعود (الأوّلين) كقول ابن عباس. وقد يكون (الأوليان) ها هنا النصرانيّين - والله أعلم - فيرفعهما بـ (استحقّ)، ويجعلهما الأوليين باليمين؛ لأن اليمين كانت عليهما، وكانت البيّنة على الطالب؛ فقيل: الأوليان بموضع اليمين. وهو على معنى قول الحسن.
وقوله أن{تردّ أيمان} غيرهم على إيمانهم فتبطلها). [معاني القرآن للفراء: 1/323-324]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ مّنكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مّصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذا لّمن الآثمين}
وقال: {شهادة بينكم} ثم قال: {اثنان ذوا عدلٍ مّنكم} أي: شهادة بينكم شهادة اثنين. فلما ألقى "الشهادة" قام "الاثنان" مقامها وارتفعا بارتفاعها كما قال: {وسأل القرية} يريد: أهل القرية. وانتصب (القرية) بانتصاب "الأهل" وقامت مقامه. ثم عطف {أو آخران} على "الاثنين"). [معاني القرآن: 1/232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم} قد ذكرتها في كتاب تأويل «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا}.
قد اختلف الناس قديما في تأويل هذه الآية والسبب الذي نزلت فيه.
وأنا مخبر من تلك المذاهب والتأويلات، بأشبهها بلفظ الكتاب، وأولاها بمعناه.
وأراد الله عز وجل أن يعرفنا كيف نشده بالوصية عند حضور الموت، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: رجلان عدلان من المسلمين تشهدونهما على الوصيّة.
وعلم الله سبحانه أنّ من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم، ويحضره الموت فلا يجد من يشهده من المسلمين، فقال: {أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير دينكم {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: سافرتم {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} وتمّ الكلام. فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصّة إن أمكن إشهادهما في السفر. والذّميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما.
ثم قال: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما وشككتم، وخشيتم أن يكونا قد غيّرا، أو بدّلا وكتما وخانا.
وخصّ هذا الوقت، لأنه قبل وجوب الشمس، وأهل الأديان يعظمونه ويذكرون الله فيه، ويتوقّون الحلف الكاذب وقول الزّور، وأهل الكتاب يصلّون لطلوع الشمس وغروبها.
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} أي: لا نبيعه بعرض، ولا نحابي في شهادتنا أحدا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة علمناها.
فإذا حلفا بهذه اليمين على ما شهدا به، قبلت شهادتهما، وأمضي الأمر على قولهما.
وروى معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن زكريا، عن الشعبي أنه قال:
مات رجل بدقوقا ولم يشهده إلا نصرانيّان، فأشهدهما على وصيته، فقدما الكوفة وأبو موسى الأشعري عليهما، فتقدّما إليه فأحلفهما في مسجد الكوفة بعد العصر:
بالله ما بدّلا ولا كتما ولا كذبا وأجاز شهادتهما.
فإن عثر بعد هذه اليمين أي: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أي: حنثا في اليمين بكذب في قول، أو خيانة في وديعة {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان، وهما الوليّان، يقال: هذا الأولى بفلان، ثم يحذف من الكلام بفلان، فتقول:
هذا الأولى، وهذان الأوليان، كما تقول: هذا الأكبر، في معنى الكبير، وهذا الأكبران، وعليهم بمعنى (منهم)، كما تقول: استحققت عليك كذا، واستوجبت عليك كذا، وأي: استحققته منك، واستوجبته منك، وقال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2].
أي من الناس.
وقال صخر الغيّ:
متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها علق نفيث
يريد: من أقطارها.
فإذا أقام الوليان مقام الذّمّيين لليمين، حلفا بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما، وما اعتدينا عليهما، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي: أصحّ لكفرهما وإيماننا.
فإذا حلف الوليان على ما ظهرا عليه، رجع على الذّمّيين بما اختانا، ونقض ما مضى عليه الحكم بشهادتهما.
ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: هذا الحكم أقرب بهم إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني أهل الذمة {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ} على أولياء الميت {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فيحلّفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفضحوا، أو يغرّموا.
وأكثر العلماء يذهب إلى أن هذا باب من الحكم (محكم) وأنه لم ينسخ من سورة المائدة شيء، لأنها آخر ما نزل.
وبعضهم يذهب إلى أنه منسوخ بقوله سبحانه:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 377-381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذا لمن الآثمين (106)
معناه أنّ الشهادة في وقت الوصية هي للموت ليس أن الموت حاضره وهو يوصي بما يقول الموصي، صحيحا كان أو غير صحيح: إذا حضرني الموت، أو إذا مت فافعلوا واصنعوا.
والشهادة ترتفع من جهتين:
أحدهما أن ترتفع بالابتداء ويكون خبرها " اثنان "، والمعنى شهادة هذه الحال شهادة اثنين، فتحذف شهادة ويقوم اثنان مقامها.
ويجوز أن يكون رفع (شهادة بينكم) على قوله وفيما فرض اللّه عليكم في شهادتكم أن يشهد اثنان، فيرتفع اثنان بشهادة، والمعنى أن يشهد اثنان فيرتفع اثنان بشهادة، والمعنى أ، يشهد اثنان ذوا عدل منكم.
معنى " منكم " قيل: فيه قولان:
قال بعضهم: منكم من أهل دينكم. (أو آخران من غيركم) من غير أهل ملّتكم.
وقال بعضهم: (ذوا عدل منكم) من أهل الميت، أو آخران من غيركم من غير أهل الميّت، واحتج هؤلاء بأن قوله: (فيقسمان باللّه إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى) يدل على أن منكم من ذوي قراباتكم.
وقال هؤلاء إذا كانوا أيضا عدولا من قرابات الميّت، فهم أولى لأنهم أعلم بأحوال الأهل من الغرائب، وأعلم بما يصلحهم، واحتجوا أيضا بأن (ذوى عدل) لا يكونان من غير أهل ملة الإسلام لأن الكفر قد باعد من العدالة.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الوصية ينبغي أن يكون شاهدها عدلين من أهل الميت أو من غير أهله إن كان الموصي في حضر وكذلك إن كان في سفر.
فقوله: (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت).
ذكر الموت في السفر بعد قوله: إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية، فكان في الآية - واللّه أعلم - دليلا على الشهادة في الحضر والسفر.
وقد جاء في التفسير أن اثنين كانا شهدا في السفر غير مسلمين وللإجماع أن الشهود لا يجب أن يحلفوا.
وقد أجاز قوم في السفر شهادة الذّميين.
وقال الله عز وجل: (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشّهادة للّه) وقال: (ممّن ترضون من الشهداء)
والشاهد إذا علم أنه كذاب لم تجر أن تقبل شهادته، وقد علمنا أن النصارى زعمت أن الله ثالث ثلاثة وأن اليهود قالت إن العزير ابن الله وعلمنا أنهم كاذبون، فكيف يجوز أن تقبل شهادة من هو مقيم على الكذب؟
ومعنى قوله: (تحبسونهما من بعد الصّلاة فيقسمان باللّه).
كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس.
وقوله: (إن ارتبتم).
إن وقع في أنفسكم منهم ريب، أي ظننتم بهم ريبة). [معاني القرآن: 2/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} وقرأ الأعرج (شهادة بينكم) وقرأ أبو عبد الرحمن (شهادة بينكم) فمن قرأ (شهادة بينكم) و(شهادة بينكم) فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الإعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ (شهادة بينكم) فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان). [معاني القرآن: 2/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (فأما قوله تعالى: {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ففي} هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الأشعري وابن عباس ذو عدل منكم من أهل دينكم أو آخران من غيركم من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي
وقال الحسن والزهري ذوا عدل منكم من أقربائكم لأنهم أعلم بأموركم من غيرهم {أو آخران من غيركم} من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية وإجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز: {ممن ترضون من الشهداء} فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فإنه قال جل وعز: {تحبسونهما من بعد الصلاة} فكيف يعظم الكافر الصلاة
وقال إبراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقال زيد بن أسلم كان ذلك والأرض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الإسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى {تحبسونهما من بعد الصلاة} من بعد صلاة العصر ومعنى {لا نشتري به ثمنا} بما شهدنا عليه). [معاني القرآن: 2/376-378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو كان ذا قربى} معناه وإن كان ذا قربى كما قال سبحانه: {ولو افتدى به}). [معاني القرآن: 2/378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين}
وقرأ عبد الله بن مسلم (ولا نكتم شهادة الله) وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي (ولا نكتم شهادة الله) هذا عند أكثر أهل العربية لحن وإن كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن (ولا نكتم شهادة الله) على الاستفهام). [معاني القرآن: 2/378-379]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً) (107)؛ أي: فإن ظهر عليه، ووقع، وهو من قولهم: (عثرت على الغزل بأخرة، فلم تدع بنجدٍ قردةً).
(استحقّ عليهم الأولين) (107): واحدها الأولى؛ ومن قرأها: الأوليان، فالواحدة منها: الأولى). [مجاز القرآن: 1/181]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنّا إذا لّمن الظّالمين}
وقال: {من الّذين استحقّ عليهم الأوليان} أي: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم. وقال بعضهم {الأوليان} وبها نقرأ. لأنه حين قال: {يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم} كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال: {الأوليان} فأجرى المعرفة عليهما بدلا. ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز:
عليّ يوم تملك الأمورا = صوم شهورٍ وجبت نذورا
=وبدناً مقلّداً منحورا
فجعله على "أوجب" لأنه في معنى "قد أوجب"). [معاني القرآن: 1/232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فإن عثر}: ظهر).[غريب القرآن وتفسيره: 133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فإن عثر} أي ظهر {الأوليان} الوليّان). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أكثر القرّاء يقرؤون فأصدق أكن بغير واو. واعتلّ بعض النحويين في ذلك بأنها محمولة على موضع فأصّدّق، لو لم يكن فيه الفاء، وموضعه جزم، وأنشد:
فأبلوني بَلِيَّتكم لعلّي = أصالحكم وأستدرجْ نويّا
فجزم وأستدرج، وحمله على موضع أصالحكم لو لم يكن قبلها (لعلّي) كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ: فأصدق وأكون بالنصب، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو، كما تسقط حروف المد واللين في (كلمون) وأشباه ذلك.
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ في الكتاب، فليس على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم، جناية الكاتب في الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن، لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التّهجّي: فقد كتب في الإمام: (إن هذان لساحران) بحذف ألف التثنية.
وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: قال رجلن و(فآخرن يقومان مقامهما) ، وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه). [تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فإن عثر بعد هذه اليمين أي: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أي: حنثا في اليمين بكذب في قول، أو خيانة في وديعة {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان، وهما الوليّان، يقال: هذا الأولى بفلان، ثم يحذف من الكلام بفلان، فتقول:
هذا الأولى، وهذان الأوليان، كما تقول: هذا الأكبر، في معنى الكبير، وهذا الأكبران، وعليهم بمعنى (منهم)، كما تقول: استحققت عليك كذا، واستوجبت عليك كذا، وأي: استحققته منك، واستوجبته منك، وقال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}.
أي من الناس.
وقال صخر الغيّ:
=متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها علق نفيث
يريد: من أقطارها.
فإذا أقام الوليان مقام الذّمّيين لليمين، حلفا بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما، وما اعتدينا عليهما، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي: أصحّ لكفرهما وإيماننا.
فإذا حلف الوليان على ما ظهرا عليه، رجع على الذّمّيين بما اختانا، ونقض ما مضى عليه الحكم بشهادتهما). [تأويل مشكل القرآن: 379-380] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («على» مكان «من»
قال الله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}، أي مع الناس.
وقال صخر الغيّ:
متى ما تنكروها تعرفوها = على أقطارها عَلَقٌ نَفِيثٌ
أي من أقطارها.
ومنه قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ}، أي منهم). [تأويل مشكل القرآن: 573]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثما فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنّا إذا لمن الظّالمين (107)
أي فإن اطلع على أنهما قد خانا.
(فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان).
وقد قرئت الأولين ويجوز (من الّذين استحق عليهم الأوليان) وهذا موضع من أصعب ما في القرآن في الإعراب.
فأوليان في قول أكثر البصريين يرتفعان على البدل مما في (يقومان).
المعنى: " فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين).
(فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما).
فإذا ارتفع الأوليان على البدل، فاللذان في استحق من الضمير معنى الوصية، المعنى فليقم الأوليان من الّذين استحقت الوصية عليهم، أو استحق الإيصاء عليهم.
وقال بعضهم: معنى (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان) معناه: استحق فيهم، وقامت " على " مقام " في " كما قامت " في " مقام " على " في قوله: (ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل) ومعناه: على جذوع النخل.
وقال بعضهم معنى على (من الّذين استحقّ عليهم الأوليان) كما قال: (الّذين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون) أي إذا اكتالوا من الناس.
وقيل أن في " استحق " ذكر الإثم، لأن قوله عزّ وجلّ: (فإن عثر على أنّهما استحقّا إثما فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان)
كان المعنى: الذين جني الإثم عليهم.
وقيل إن " الأوليان " جائز أن يرتفعا باستحق، ويكون معناهما الأوليان باليمين، أي بأن يحلفا من يشهد بعدهما، فإن جاز شهادة النّصرانيين كان " الأوليان " على هذا القول النصرانيين، أو الآخران من غير بيت الميت.
وأجود هذه الأقوال أن يكون الأوليان بدلا، على أن المعنى: ليقم الأوليان من الذين استحق عليهم الوصية.
ومن قرأ (الأوّلين) رده على الذين، وكان المعنى من الذين استحق عليهم الإيصاء الأولين.
واحتج من قرأ بهذا فقال: أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟). [معاني القرآن: 2/216-217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} قال إبراهيم النخعي المعنى فإن اطلع). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان}
إن اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو إسحاق وهذا موضع مشكل من الإعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الأوليان فقامت على مقام في كما قامت في مقام على في قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وقيل المعنى من الذين استحق منهم الأوليان وقامت على مقام من كما قال تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الأولى بالميت فالأوليان بدل من الألف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الإيصاء
وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ (من الذين استحق عليهم الأولين) وقال أرأيت إن كان الأوليان صغيرين). [معاني القرآن: 2/379-381]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فإن عثر) أي: اطلع). [ياقوتة الصراط: 215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَإِنْ عُثِرَ} أي ظهر.
{الأَوْلَيَانِ} الوليان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عُثِر}: ظهر). [العمدة في غريب القرآن: 124]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} أي: هذا الحكم أقرب بهم إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني أهل الذمة {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ} على أولياء الميت {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فيحلّفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفضحوا، أو يغرّموا.
وأكثر العلماء يذهب إلى أن هذا باب من الحكم (محكم) وأنه لم ينسخ من سورة المائدة شيء، لأنها آخر ما نزل.
وبعضهم يذهب إلى أنه منسوخ بقوله سبحانه:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 380-381] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ذلك أدنى أن يأتوا بالشّهادة على وجهها أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم واتّقوا اللّه واسمعوا واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (108)
أي ذلك أقرب من الإتيان بالشهادة على وجهها، وأقرب إلى أن يخافوا). [معاني القرآن: 2/217]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 109 إلى آخر السورة]

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) )

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا لا علم لنا...}
قالوا: فيما ذكر من هول يوم القيامة. ثم قالوا: إلا ما علمتنا، فإن كانت على ما ذكر فـ (ما) التي بعد (إلا) في موضع نصب؛ لحسن السكوت على قوله: (لا علم لنا)، والرفع جائز). [معاني القرآن: 1/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قيل: تدخلهم حيرة من هول القيامة وهول المسألة). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علّام الغيوب (109)
أما نصب " يوم " فمحمول على قوله... (واتّقوا اللّه واسمعوا) أي، واتّقوا يوم يجمع اللّه الرسل، كما قال: (واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا).
ومعنى المسألة من الله تعالى للرسل تكون على جهة التوبيخ للذين أرسلوا إليهم، كما قال عزّ وجلّ: (وإذا الموءودة سئلت (8) بأيّ ذنب قتلت (9).
فإنّما تسأل ليوبّخ قاتلوها، وأمّا إجابة الرسل وقولهم: " لا علم لنا " فقد قال الناس في هذا غير قول:
جاء في بعض التفسير إنّه عزبت عنهم أفهامهم لهول يوم القيامة فقالوا: لا علم لنا مع علمك.
وقال بعضهم: لو كانت عزبت أفهامهم لم يقولوا إنك أنت علام الغيوب.
وقال بعضهم معنى قول الرسل (لا علم لنا) أي بما غاب عنا ممن أرسلنا إليه، أنت يا ربنا تعلم باطنهم ولسنا نعلم غيبهم إنك أنت علام الغيوب). [معاني القرآن: 2/217-218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان:
أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا: لا علم لنا. قال مجاهد: لما قيل لهم: ماذا أجبتم فزعوا فقالوا: لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا.
والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل: يدل على صحة هذا القول {إنك أنت علام الغيوب}

وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز وجل: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: قيل لهم: ما علمتم من الأمم بعدكم، قالوا: لا علم لنا.
قال أبو عبيد: ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول: أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك))). [معاني القرآن: 2/381-382]


تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ أيّدتّك...}
على فعّلتك؛ كما تقول: قويتك.
وقرأ مجاهد (آيدتك) على أفعلتك.
وقال الكسائيّ: فاعلتك، وهي تجوز. وفي مثل عاونتك.

وقوله: {في المهد} يقول: صبيّا {وكهلاً} فردّ الكهل على الصفة؛ كقوله: {دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}). [معاني القرآن: 1/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أيّدتك) (110) أي قوّيتك، يقال: رجل أيّد أي شديد قويٌّ.
(كهيئة الطّير) (110) أي كمثل الطير، ومنه قولهم: دعه على هيئته). [مجاز القرآن: 1/181-182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أيّدتك بروح القدس} أي قويتك وأعنتك {وكهلًا} ابن ثلاثين سنة.
{وإذ علّمتك الكتاب} أي الخط {والحكمة} يعني الفقه). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: التّصوير، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}أي: تصوّره). [تأويل مشكل القرآن: 506]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلا وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطّين كهيئة الطّير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبيّنات فقال الّذين كفروا منهم إن هذا إلّا سحر مبين (110)
أمّا نعمته على والدته فإنه اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وكان رزقها يأتيها من عنده وهي في محرابها.
وقوله: (إذ أيّدتك بروح القدس).
أي أيّدتك بجبريل، جائز أن يكون قوله به، إذ حاولت بنو إسرائيل قتله، وجائز أن يكون أيّده به في كل أحواله، لأن في الكلام دليلا على ذلك.
وقوله: (تكلّم النّاس في المهد).
أي أيّدتك مكلّما النّاس في المهد (وكهلا) أي أيدتك كهلا، وجائز أن يكون (وكهلا) محمولا على تكلم، كان المعنى أيدتك مخاطبا للناس في صغرك ومخاطبا الناس كهلا، وقرأ بعضهم: " أأيدتك " على أفعلتك من الأيد وقرأ بعضهم آيدتك على فاعلتك أي عاونتك.
وقوله: (وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني).
الأكمه قال بعضهم: الذي يولد أعمى.
قال الخليل: هو الذي يولد أعمى، وهو الذي يعمى بعد أن كان بصيرا). [معاني القرآن: 2/218-219]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها.
وقال جل وعز: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا}). [معاني القرآن: 2/382-383]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ أيدتك بروح القدس} أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة). [معاني القرآن: 2/383]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي قويتك وأعنتك، وروح القُدس: جبريل عليه السلام، والقُدس: الطهر.
و{وَكَهْلاً} ابن ثلاثين سنة.
{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ} أي الخط، {وَالْحِكْمَةَ} أي الفقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 72-73]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي...}
يقول: ألهمتهم؛ كما قال {وأوحى ربّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} أي ألهمها). [معاني القرآن: 1/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) (111) أي ألقيت في قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم في موضع قبل هذا، وليس من وحي النبوة إنما هو أمرت، قال العجّاج:
وحي لها القرار فاستقرّت
أي: أمرها بالقرار. يقال: وحى وأوحى). [مجاز القرآن: 1/182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإذ أوحيت إلى الحواريّين} أي قذفت في قلوبهم،
كما قال: {وأوحى ربّك إلى النّحل} ). [تفسير غريب القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحيُ: كلُّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إلهام، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}، و{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ، أي ألهمها). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111)
قال بعضهم: (أوحيت إلى الحواريّين) أي ألهمتهم كما قال: (وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا) أي ألهمها.
وقال بعضهم (أوحيت إلى الحواريين) معناه: أمرهم.
وأنشدوا قول الشاعر:
الحمد للّه الذي استهلّت
=
=بإذنه السّماء واطمأنّت

=
أوحى لها القرار فاستقرت
قالوا معناه: أمرها.
وقال بعضهم: معنى (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) أتيتهم في الوحي إليك بالبراهين والآيات التي استدلوا بها على الإيمان فآمنوا بي). [معاني القرآن: 2/219-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} قيل معنى أوحيت ههنا: ألهمت كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} وقيل: معناه: أمرت، كما قال الشاعر:
=أوحى لها القرار فاستقرت
وقيل معنى أوحيت ههنا: بينت ودللت بالآيات والبراهين). [معاني القرآن: 2/383-384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} أي قذفت في قلوبهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل يستطيع ربّك...}
بالتاء والياء.
قرأها أهل المدينة وعاصم بن أبى النجود والأعمش بالياء: (يستطيع ربّك)، وقد يكون ذلك على قولك: هل يستطيع فلان القيام معنا؟ وأنت تعلم أنه يستطيعه، فهذا وجه.
وذكر عن عليّ وعائشة رحمهما الله أنهما قرأ (هل تستطيع ربّك) بالتاء.
وذكر عن معاذ أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربّك) بالتاء، وهو وجه حسن. أي هل تقدر على أن تسأل ربك {أن ينزّل علينا مائدةً مّن السّماء}). [معاني القرآن: 1/325]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل يستطيع ربّك) (112) أي هل يريد ربك.
(أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء) (112) أصلها أن تكون مفعولة، فجاءت فاعلة كما يقولون: تطليقة بائنة، وعيشة راضية؛ وإنما ميد صاحبها بما عليها من الطعام، فيقال: مادنى يميدنى، قال رؤبة:
=إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى المسئول به؛ امتدتك، ومدتنى أنت). [مجاز القرآن: 1/182-183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((المائدة) الطعام. من مادني يميدني. كأنها تميد للآكلين.
أي تعطيهم. أو تكون فاعلة بمعنى مفعول بها. أي ميد بها الآكلون). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112)
جائز أن يكون موضع " عيسى " نصبا، كما تقول: يا زيد بن عمرو؛ لأن ابنا إذا أضيف إلى اسم معروف علم أو أضيف إلى كنية معروفة جعل وما قبله كالشيء الواحد فجميع النحويين يختارون يا زيد بن عمرو، وكلهم يجيزون: " يا زيد بن عمرو.
وعلى هذا جائز أن يكون موضع عيسى موضع اسم مبني على الضمّ، قالوا كلّهم، فإن قلت: يا زيد بن أخينا، ويا زيد ابن الرجل الصالح فضممت زيدا لا غير. لأن النصب إنما يكون إذا أضيف ابن إلي علم كما وصفنا.
وقد قرئ: (هل تستطيع ربّك) و (هل يستطيع ربّك).
فمن قرأ (هل تستطيع ربّك). فالمعنى هل تستدعي إجابته وطاعته في أن ينزل علينا، ومن قراها (هل يستطيع ربّك) كان معناه هل يقدر ربّك.
قال أبو إسحاق: وليس المعنى عندي - واللّه أعلم - أنهم جهلوا أن اللّه يقدر على أن ينزل مائدة، ولكن وجه السؤال هل ترينا أنت أن ربّك يرينا ما سألنا من أجلك من آياتك التي تدل على نبوتك.
فأمّا المائدة فقال أبو عبيدة: إنها في المعنى مفعولة ولفظها فاعلة، قال: وهي مثل عيشة راضية، وقال إن المائدة من العطاء، والممتاد المفتعل المطلوب منه العطاء.
قال الشاعر:
=إني أمير المؤمنين الممتاد
وماد زيد عمرا إذا أعطاه. والأصل عندي في مائدة أنها فاعلة من ماد يميد إذا تحرّك فكأنّها تميد بما عليها.
وقيل في التفسير إنها أنزلت عليهم في يوم الأحد وكان عليها خبز وسمك، فالنصارى تجعل الأحد عيدا - فيما قيل - لذلك.
وقال بعضهم إنها لم تنزل للتّهوّد الذي وقع في الكفر بعد نزولها، والأشبه أن تكون لأن نزولها قد جاء ذكره في هذه القصة.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّي منزّلها عليكم) وقال غير أهل الإسلام إنها نزلت، والأخبار أنها انتهت، فالتصديق بها واجب.
فأمّا وجه مسألة الحواريين عيسى المائدة فيحمل ضربين أحدهما أن يكونوا ازدادوا تثبيتا، كما قال إبراهيم: (ربّ أرني كيف تحي الموتى).
وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص وأنّه أحيا الموتى.
وأما قول عيسى للحواريين: (اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين).
فإنّما أمرهم ألّا يقترحوا هم الآيات، وألّا يقوموا بين يدي الله ورسوله.
لأن الله قد أراهم الآيات والبراهين بإحياء الموتى وهو أوكد فيما سألوا وطلبوا). [معاني القرآن: 2/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا {هل يستطيع ربك} ولكن قالوا هل تستطيع ربك وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس (هل تستطيع ربك) وكذلك قرأ سعيد بن جبير
وقال سعيد: إنما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال {واسأل القرية} و{هل يستطيع ربك} حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال: هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان:
أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال إبراهيم عليه السلام: رب أرني كيف تحيي الموتى
والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الأكمه والأبرص

فأما قول عيسى: لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الأمم.
قال أبو عبيدة: مائدة من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز: {في عيشة راضية}.
وقال أبو إسحاق: مائدة عندي من ماد يميد إذا تحرك.
وقرأ عاصم الجحدري: (تكون لنا عيدا لأولانا وأخرانا) وقرأ الأعمش (تكن لنا عيدا)

وقيل: إنها أنزلت وقيل إنها لم تنزل، والصواب، أن يقال: إنها أنزلت لقوله جل وعز: {قال الله إني منزلها عليكم}.
وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر -وبعضهم يرفعه- قال: أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير.
حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير.

ويروى: أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها.
قال عبد الله بن مسعود: أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون.
وقال الحسن: لما أوعدوا بالعذاب إن هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل.
وقال مجاهد: لما قيل لهم: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل إن هذا العذاب في الآخرة). [معاني القرآن: 2/384-388]


تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) )
تفسير قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تكون لنا عيداً...}
(وتكن لنا). وهي في قراءة عبد الله (تكن لنا عيدا) بغير واو. وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع.
وأمّا المائدة فذكر
أنها نزلت، وكانت خبزا وسمكا. نزلت - فيما ذكر - يوم الأحد مرّتين، فلذلك اتخذوه عيدا.
وقال بعض المفسّرين: لم تنزل؛ لأنه اشترط عليهم أنه إن أنزلها فلم يؤمنوا عذّبهم، فقالوا: لا حاجة لنا فيها). [معاني القرآن: 1/325-326]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا) (114) مجاز العيد ها هنا: عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
(وآيةً منك) (114) أي: علماً وعلامة). [مجاز القرآن: 1/183]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا وآيةً مّنك وارزقنا وأنت خير الرّازقين}
[وقال] {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} فجعل {تكون} من صفة "المائدة" كما قال: {هب لي من لّدنك وليّاً يرثني} رفع إذا جعله صفة وجزم إذا جعله جوابا كما تقول: "أعطني ثوباً يسعني" إذا أردت واسعا و"يسعني" إذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك.
[و] قال: {وآيةً مّنك} عطف على "العيد" كأنه قال: "يكون عيداً وآيةً" وذكر أن قراءة ابن مسعود (تكن لنا عيداً).
وليس قولهم {هل يستطيع} [112] لأنهم ظنوا أنه لا يطيق. ولكنه كقول العرب: أتستطيع أن تذهب في هذه الحاجة وتدعنا من كلامك"، وتقول: "أتستطيع أن تكفّ عنّي فإنّي مغموم". فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد "كفّ عنّي" ويذكر له الاستطاعة ليحتج عليه أي: إنّك تستطيع. فإذا ذكّره إياها علم أنها حجة عليه. وإنما قرئت (هل تستطيع ربّك) فيما لديّ لغموض هذا المعنى الآخر والله أعلم. وهو جائز كأنه أضمر الفعل فأراد "هل تستطيع أن تدعو ربّك" أو "هل تستطيع ربّك أن تدعوه"، فكل هذا جائز.
و"المائدة" الطعام. و"فعلت" منها: "مدت" "أميد". قال الشاعر:
نهدى رؤوس المجرمين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
و["الممتاد"] هو "مفتعلٌ" من "مدت"). [معاني القرآن: 1/233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تكون لنا عيداً} أي مجمعا. {وآيةً منك} أي علامة). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة من السّماء تكون لنا عيدا لأوّلنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114)
ذكر سيبويه أن (اللّهمّ) كالصوت وأنه لا يوصف، وأن (ربّنا) منصوب على نداء آخر، وقد شرحنا هذا قبل شرحا تاما.
ومعنى قوله: (وآية منك).
أي فتكون لنا علامة منك). [معاني القرآن: 2/221-222]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وأمّا قوله: (قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين (115)
فجائز، أن يكون يعجّل لهم العذاب في الدنيا، وجائز أن يكون في الآخرة لقوله: (لا أعذّبه أحدا من العالمين) ). [معاني القرآن: 2/222]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا عيسى ابن مريم...}
(عيسى) في موضع رفع، وإن شئت نصبت. وأمّا (ابن) فلا يجوز فيه إلا النصب. وكذلك تفعل في كل اسم دعوته باسمه ونسبته إلى أبيه؛ كقولك: يا زيد بن عبد الله، ويا زيد بن عبد الله. والنصب في (زيد) في كلام العرب أكثر. فإذا رفعت فالكلام على دعوتين، وإذا نصبت فهو دعوة. فإذا قلت: يا زيد أخا تميم، أو قلت: يا زيد ابن الرجل الصالح رفعت الأوّل، ونصبت الثاني؛ كقول الشاعر:
يا زبرقان أخا بني خلفٍ=ما أنت ويل أبيك والفخر). [معاني القرآن: 1/326]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ قال الله يا عيسى) (116) مجازه: وقال الله يا عيسى، وإذ من حروف الزوائد، وكذلك: (وإذ علّمتك الكتاب والحكمة) (110) أي علمتك.
(ءانت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي) (116)، هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلمه، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النّهى عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذّره، وقال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا=وأندى العالمين بطون راح
ولم يستفهم، ولو كان استفهاماً ما أعطاه عبد الملك مائةً من الإبل برعاتها.
(أتّخذوني وأمّي إلهين) (116) إذا أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى غلّب فعل الذّكر وذكّروهما). [مجاز القرآن: 1/183-184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم} بمعنى إذ يقول اللّه يوم القيامة. فعل بمعنى يفعل. على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، و{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}). [تأويل مشكل القرآن: 279]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علّام الغيوب (116)
فالمسألة ههنا على وجه التوبيخ للذين ادّعوا عليه لأنهم مجمعون أنه صادق الخبر وأنّه لا يكذبهم وهو الصادق عندهم فذلك أوكد في الحجة عليهم وأبلغ في توبيخهم، والتوبيخ ضرب من العقوبة.
قال: (سبحانك). أي براء أنت من السوء.
(ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ).
وأمّا قوله: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علّام الغيوب).
و" الغيوب " بالكسر والضم.
قال أبو إسحاق: هذا موضع أعني (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) يلبّس به أهل الإلحاد على من ضعف علمه باللغة ولا تعلم حقيقة هذا
إلا من اللغة، قال أهل اللغة: النفس في كلام العرب تجري على ضربين أحدهما قولك خرجت نفس فلان وفي نفس فلان أن يفعل كذا وكذا.
والضرب الآخر معنى النفس فيه معنى جملة الشيء ومعنى حقيقة الشيء، قتل فلان نفسه، وأهلك فلان نفسه، فليس معناه أن الإهلاك وقع ببعضه، إنما الإهلاك وقع بذاته كلها، ووقع بحقيقته، ومعنى تعلم ما في نفسي، أي تعلم ما أضمره، ولا أعلم ما في نفسك. لا أعلم ما في حقيقتك وما عندي علمه، فالتأويل أنك تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم، ويدل عليه: (إنّك أنت علّام الغيوب).
فإنما هو راجع إلى الفائدة في المعلوم والتوكيد أن الغيب لا يعلمه إلا اللّه جلّ ثناؤه). [معاني القرآن: 2/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك} في معنى هذا قولان:
أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة، قال قتادة يقال له: هذا يوم القيامة قال: ألا ترى أنه قال: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لا يكون إلا يوم القيامة
وقال السدي: انه قال هذا حين رفعه؛ لأنه قال: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فإنما هذا على أنهم في الدنيا أي إن تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن إذ في كلام العرب لما مضى

والقول الأول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن إذ لما مضى فلا تجب؛ لأن إخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في: {إن تعذبهم فإنهم عبادك}). [معاني القرآن: 2/388-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} قال أبو إسحاق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشيء والآخر أن يراد بها الشيء كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} معناه تعلم حقيقتي وما عندي والدليل على هذا قوله: {انك أنت علام الغيوب} وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك). [معاني القرآن: 2/390-391]

تفسير قوله تعالى: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الرّقيب) (117): الحافظ). [مجاز القرآن: 1/184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد (117)
(أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم)
جائز أن تكون في معنى " أي " مفسّرة، المعنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أي اعبدوا، ويجوز أن تكون " أن " في موضع جر على البدل من الهاء، وتكون " أن " موصولة ب (اعبدوا الله) ومعناه إلا ما أمرتني به بأن يعبدوا اللّه.
ويجوز أن يكون موضعها نصبا على البدل، من (ما).
المعنى ما قلت لهم شيئا إلا أن اعبدوا اللّه، أي ما ذكرت لهم إلا عبادة اللّه). [معاني القرآن: 2/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/391]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (عبادك) (118): جمع عبد، بمنزلة عبيد). [مجاز القرآن: 1/184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فإنّهم عبادك} أي عبيدك عبد وعباد، كما يقال: فرخ وفراخ، وكلب وكلاب). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم (118) ).
معنى قول عيسى - عليه السلام - (وإن تغفر لهم) اختلف أهل النظر في تفسير قول عيسى: (وإن تغفر لهم).
فقال بعضهم: معناه: إن تغفر لهم كذبهم عليّ.
وقالوا: لا يجوز أن يقول عيسى عليه السلام: إن الله يجوز أن يغفر الكفر، وكأنه على هذا القول: إن تغفر لهم الحكاية فقط، هذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، ولا أدري أشيء سمعه أم استخرجه، والذي عندي واللّه أعلم، أن عيسى قد علم أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال: عيسى في جملتهم. (إن تعذّبهم) أي إن تعذب من كفر منهم.
فإنهم عبادك وأنت العادل عليهم لأنك أوضحت لهم الحق وكفروا بعد وجوب الحجة عليهم، وإن تغفر لمن أقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك لأنه قد كان لك ألا تقبلهم وألا تغفر لهم بعد عظيم فريتهم، وأنت في مغفرتك لهم عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، " حكيم " في ذلك.
وقال بعض الناس: جائز أن يكون اللّه لم يعلم عيسى أنّه لا يغفر الشرك، وهذا قول لا يعرج عليه لأن قوله تعالى (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به) لا يخص شيئا من أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - دون غيرها، لأن هذا خبر والخبر لا ينسخ، وهذا القول دار في المناظرة وليس شيئا يعتقده أحد يوثق بعلمه). [معاني القرآن: 2/223-224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا وقرأ صلى الله عليه وسلم (كما بدأكم تعودون) فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي
فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقرأ إلى قوله: {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}
وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة يردد {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}
وقيل: إنه معطوف على قوله: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به}
والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا إلا هذا
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: لا يراد بهذا مغفرة الكفر
وإنما المعنى ولأن تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل.
وقال أبو إسحاق: قد علم عيسى صلى الله عليه وسلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم إن تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وإن تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فإنك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال إن عيسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترئ على كتاب الله جل وعز لأن الإخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه وسلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إلا أنهم على عمود دينه فقال وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي). [معاني القرآن: 2/391-393]


تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا يوم ينفع الصّادقين...}
ترفع (اليوم) بـ (هذا)، ويجوز أن تنصبه؛ لأنه مضاف إلى غير اسم؛ كما قالت العرب: مضى يومئذٍ بما فيه. ويفعلون ذلك به في موضع الخفض؛ قال الشاعر:
رددنا لشعثاء الرسول ولا أرى=كيومئذٍ شيئا تردّ رسائله
وكذلك وجه القراءة في قوله: {من عذاب يومئذٍ}؛ {ومن خزي يومئذ} ويجوز خفضه في موضع الخفض؛ كما جاز رفعه في موضع الرفع. وما أضيف إلى كلام ليس فيه مخفوض فافعل به ما فعلت في هذا؛ كقول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا=وقلت ألمّا تصح والشيب وازع
وتفعل ذلك في يوم، وليلة، وحين، وغداة، وعشيّة، وزمن، وأزمان وأيام، وليال. وقد يكون قوله: {هذا يوم ينفع الصّادقين} كذلك. وقوله: {هذا يوم لا ينطقون} فيه ما في قوله: (يوم ينفع) وإن قلت "هذا يومٌ ينفع الصادقين" كما قال الله: {واتقوا يوما لا تجزي نفسٌ} تذهب إلى النكرة كان صوابا. والنصب في مثل هذا مكروه في الصفة؛ وهو على ذلك جائز، ولا يصلح في القراءة). [معاني القرآن: 1/326-327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 295] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال اللّه هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي اللّه عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119)
القراءة برفع " اليوم " ونصب " اليوم " جميعا، فأمّا من رفع اليوم فعلى خبر هذا اليوم، قال الله اليوم ذو منفعة صدق الصادقين ومن نصب فعلى أن يوم منصوب على الظرف، المعنى قال اللّه: هذا لعيسى في يوم ينفع الصادقين صدقهم، أي قال اللّه هذا في يوم القيامة، ويجوز أن يكون قال الله هذه الأشياء وهذا الذي ذكرناه يقع في يوم ينفع الصادقين صدقهم، وزعم بعضهم أن (يوم) منصوب لأنه مضاف إلى الفعل، وهو في موضع رفع بمنزله يومئذ مبني على الفتح في كل حال، وهذا عند البصريين خطأ، لا يجيزون هذا يوم آتيك يريدون هذا يوم إتيانك لأن آتيك فعل مضارع، فالإضافة إليه لا تزيل الإعراب عن جهته ولكنهم يجيزون ذلك يوم نفع زيدا صدقه، لأن الفعل الماضي غير مضارع، فهي إضافة إلى غير متمكن وإلى غير ما ضارع المتمكن، وفيها وجه ثالث. (هذا يوم ينفع الصادقين) بتنوين " يوم " على إضمار (هذا يوم ينفع - فيه الصادقين صدقهم)، ويكون كقوله: (واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا).
ومثله قول الشاعر:
وما الدّهر إلا تارتان فمنهما أموت=وأخرى أبتغي العيش أكدح
المعنى فمنهما تارة أموت فيها). [معاني القرآن: 2/224-225]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فإنما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/394]

تفسير قوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) )


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة