العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 25 إلى 35]

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): ( وقوله:
{ذلك لمن خشي العنت منكم...}
يقول: إنما يرخص لكم في تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر، ثم قال: وأن تتركوا تزويجهن أفضل). [معاني القرآن: 1/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {طولاً} الطول: السّعة والفضل، تقول للرجل: مالك على فضلٌ ولا طولٌ.

{فتياتكم} إماءكم، وكذلك العبيد، يقال للعبد: فتى فلانٍ.
{واءاتوهنّ أجورهنّ}، أي: مهورهنّ.
{نصف ما على المحصنات من العذاب} من عقوبة الحدّ.
{العنت}كل ضررٍ، تقول: أعنتني). [مجاز القرآن: 1/123]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحاتٍ ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لّكم واللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال:
{ومن لّم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} على "ومن لم يجد طولا أن ينكح" يقول "إلى أن ينكح" لأن حرف الجر يضمر مع "أن".

وقال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} فرفع {بعضكم} على الابتداء.
وقال: {بإذن أهلهنّ} لأن: "الأهل" جماعة ولكنه قد يجمع فيقال: "أهلون" كما تقول: "قومٌ" و"أقوامٌ" فتجمع الجماعة وقال: {شغلتنا أموالنا وأهلونا} فجمع، وقال: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها بإسكان الياء وذهبت النون للإضافة.
وقال: {وأن تصبروا خيرٌ لّكم} يقول: "والصبر خيرٌ لكم".

قال: {واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم مّن بعضٍ} أي: اللّه أعلم بإيمان بعضكم من بعض). [معاني القرآن: 1/198]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({طولا}: الطول والسعة والفضل، تطول عليه لإذا تفضل عليه.
{من فتياتكم}: إمائكم.
{العنت}: الضرر.

قال المفسرون: الزنا). [غريب القرآن وتفسيره:116-117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن لم يستطع منكم طولًا} أي: لم يجد سعة.

{أن ينكح المحصنات} يعني: الحرائر.
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: الإماء.
{وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصناتٍ} عفائف.
{غير مسافحاتٍ} غير زوان.
{ولا متّخذات أخدانٍ} أي: متخذات أصدقاء.
{فإذا أحصنّ} أي: تزوجن.
وقال بعضهم: أسلمن.
والإحصان: يتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «المشكل».
{فإن أتين بفاحشةٍ} أي: زنين.
{فعليهنّ نصف} ما على المحصنات، يعني: البكر الحرة، سماها محصنة وإن لم تتزوج، لأن الإحصان يكون لها وبها إذا كانت حرة ولا يكون بالأمة إحصان.
{من العذاب} يعني: الحد، وهو مائة جلدة ونصفها خمسون على الأمة.
{ذلك لمن خشي العنت منكم} أي: خشي على نفسه الفجور.
وأصل العنت: الضرر والفساد). [تفسير غريب القرآن: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإحصان: هو أن يحمى الشيء ويمنع منه...،
والمحصنات: الحرائر وإن لم يكنّ متزوجات، لأن الحرّة تُحصِن وتُحصَن، وليست كالأَمَة.
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}وقال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يعني: الحرائر). [تأويل مشكل القرآن: 511]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّه أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متّخذات أخدان فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم واللّه غفور رحيم}
المحصنات: هن الحرائر، وقيل أيضا العفائف، وقد قال بعض أصحابنا: إنهن الحرائر خاصة، وزعم من قال إنهن العفائف: حرّم على الناس أن يتزوجوا بغير العفيفة، وليس ينبغي للإنسان أن يتزوج بغير عفيفة، واحتج قائل هذا القول بأن قوله عزّ وجلّ: {الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين}
منسوخ، وأن قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} يصلح أن يكون يتزوج الرجل من أحب من النساء.
والدليل على أن المحصنات هن العفائف: قوله {ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها} أي: أعفّت فرجها.
والطول: القدرة على المهر. فقوله: {ومن لم يستطع منكم طولا}أي: من لم يقدر على مهر الحرة، يقال: قد طال فلان على فلات طولا، أي: كان له فضل عليه في القدرة، وقد طال الشيء يطول طولا، وأطلته إطالة، وقد طال طولك وطيلك، وطيلك، أي: طالت مدتك.
قال الشاعر:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل... وإن بلغت وإن طالت بك الطّيل
والطول: الحبل.

وقال الشاعر:
(تعرض المهرة بالطول
اللام مشددة للقافية.
وقوله عزّ وجلّ:
{فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}
الفتيات: المملوكات، العرب تقول للأمة فتاة، وللعبد فتى، أي: من لم يقدر أن يتزوج الحرة جاز له أن يتزوج المملوكة إذا خاف على نفسه الفجور.

{واللّه أعلم بإيمانكم}أي: اعملوا على ظاهركم في الإيمان، فإنكم متعبدون بما ظهر من بعضكم لبعض.
وقوله - عزّ وجلّ -
{بعضكم من بعض}
قيل في الحسب،
أي: كلكم ولد آدم.

ويجوز أن يكون قوله {بعضكم من بعض}: دينكم واحد لأنه ذكر ههنا المؤمنات من العبيد.
وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان، وإنما كره التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل، لأن ولد الحر من الأمة يصيرون رقيقا، ولأن الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرجال، وذلك شاق على الزوج، فلذلك كره تزوج الحر بالأمة.
فأما المفاخرة بالأحساب والتعيير بالأنساب فمن أمر الجاهلية.
يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال:
((ثلاث من أمر الجاهلية، الطعن في الأنساب، والمفاخرة بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء)) ولن تترك في الإسلام.
وقوله:
{فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ}أمر الله أن تنكح بإذن مولاها.
وقوله:
{فإذا أحصنّ}
وتقرأ
{أحصنّ} بضم الألف.
{فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب
}أي: عليهن نصف الحد، والحد مائة جلدة على الحر والحرة غير المحصنين، وعلى المحصنين الرجم، إلا أن الرجم قتل، والقتل لا نصف له، فإنما عليهن نصف الشيء الذي له نصف وهو الجلد.
وقوله عزّ وجلّ:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}أي: تزوج الإماء جائز لمن خاف العنت.

والعنت في اللغة: المشقة الشديدة، يقال من ذلك: أكمة عنوت إذا كانت شاقة.
قال أبو العباس:
{العنت} ههنا الهلاك.
وقال غيره، معناه: ذلك لمن خشي أن تحمله الشهوة على الزنا، فيلقى الإثم العظيم في الآخرة والحدّ في الدنيا.
وقال بعضهم، معناه: أن يعشق الأمة، وليس في الآية عشق، ولكنّ ذا العشق يلقى عنتا.
وقوله:
{وأن تصبروا خير لكم}أي: الصبر خير لكم لما وصفنا من أن الولد يصيرون عبيدا). [معاني القرآن: 2/39-42]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا} أي: قدرة على المهر.

والطول في اللغة: الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله عز وجل:
{أن ينكح المحصنات} قولان:
أحدهما: أنهن العفائف.
والآخر: أنهن الحرائر والأشبه أن يكن الحرائر لقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} يعني: المملوكات، والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة فتاة). [معاني القرآن: 2/63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{بعضكم من بعض} في معنى هذا قولان:

أحدهما: بنو آدم.
والقول الآخر: إنكم مؤمنون فأنتم إخوة وإنما قيل لهم هذا فيما روي لأنهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة ويسمون ابن الأمة هجينا فقال عز وجل: {بعضكم من بعض}). [معاني القرآن: 2/63-64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} متزوجات {غير مسافحات} أي: غير زانيات {ولا متخذات أخدان} الخدن: الصديق، أي: غير زانيات بواحد ولا مبذولات). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فإذا أحصن} قال الشعبي، معناه: فإذا أسلمن.

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الإحصان الإسلام ويقرأ {فإذا أحصن}.
قال ابن عباس: تزوجن إذا كانت غير متزوجة.
وقال الزهري، معناه: فإذا تزوجن.
قال الزهري: تحد الأمة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة.
والاختيار عند أهل النظر: فإذا أحصن بالضم لأنه قد تقدم ذكر إسلامهن في قوله عز وجل:
{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} فدل ذلك على أن: الإحصان الثاني غير الإسلام فالاختيار على هذا أحصن بالضم، أي: تزوجن .
وقيل: أحصن تزوجن وذا أولى لأنه قال من فتياتكم المؤمنات فيبعد أن يقول فإذا أسلمن). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} يعني: نصف الحد.

ويعني بالمحصنات ههنا: الأبكار الحرائر لأن الثيب عليها الرجم ولا يتبعض
قيل وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة لأن الإحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير
وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ذلك لمن خشي العنت منكم}
قال الشعبي:
الزنا.
والعنت في اللغة: المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة).
[معاني القرآن: 2/67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تصبروا خير لكم} أي: وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وإنما شدد في الإماء لأن ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{طَوْلاً} أي: سعة.
{أَخْدَانٍ} أي: أصدقاء.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل تزوجن، وقيل أسلمن، وبفتح الهمزة على معنى الإسلام.
{لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} أي: الفجور، وأصله: الضر والفساد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّوْلُ}: الفضل في المال.

{الفَتَيَاتِ}: الإماء. {أَخْدَانٍ}: أصدقاء.
{أُحْصِنَّ}: تزوجن.
{مِنَ الْعَذَابِ}: من الجلد.
{الْعَنَتَ}: الزنا). [العمدة في غريب القرآن:108-109]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يريد اللّه ليبيّن لكم...}
وقال في موضع آخر
{والله يريد أن يتوب عليكم}، والعرب تجعل اللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت، فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم؛ قال الله تبارك وتعالى: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}، وقال في موضع آخر {قل إني أمرت أن أكون أوّل من أسلم}.

وقال {يريدون ليطفئوا} و{أن يطفئوا} وإنما صلحت اللام في موضع أن في (أمرتك) وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي؛ ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت، فلما رأوا (أن) في غير هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكي وباللام التي في معنى كي، وربما جمعوا بين ثلاثهن؛ أنشدني أبو ثروان:
أردت لكيما لا ترى لي عثرةً * ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل
فجمع (بين اللام وبين كي).

وقال الله تبارك وتعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}.
وقال الآخر في الجمع بينهن:
أردت لكيما أن تطير بقربتي * فتتركها شنّا ببيداء بلقع
وإنما جمعوا بينهنّ لاتفاقهنّ في المعنى واختلاف لفظهن؛ كما قال رؤبة:
* بغير لا عصفٍ ولا اصطراف *
وربما جمعوا بين: ما ولا وإن التي على معنى الجحد؛ أنشدني الكسائي في بعض البيوت: (لا ما إن رأيت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف.
وربما جعلت العرب: اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل؛ أنشدني الأنفيّ من بني أنف الناقة من بني سعد:
ألم تسأل الأنفيّ يوم يسوقني * ويزعم أني مبطل القول كاذبه
أحاول إعناتي بما قال أم رجا * ليضحك مني أو ليضحك صاحبه
والكلام: رجا أن يضحك مني، ولا يجوز: ظننت لتقوم، وذلك أنّ (أن) التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي من الفعل، فتقول: أظنّ (أن قد) قام زيد، ومع المستقبل، فتقول: أظنّ أن سيقوم زيد، ومع الأسماء فتقول: أظنّ أنك قائم، فلم تجعل اللام في موضعها ولا كي في موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده، وكلما رأيت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلنّ عليها كي ولا اللام). [معاني القرآن: 1/261-263]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سنن الّذين من قبلكم} أي: سبل الذين من قبلكم). [مجاز القرآن: 1/124]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
قال:
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم} يقول: "وليهديكم}" ومعناه: يريد كذا وكذا ليبين لكم، وإن شئت أوصلت الفعل باللام إلى "أن" المضمرة بعد اللام نحو {إن كنتم للرّؤيا تعبرون} وكما قال: {وأمرت لأعدل بينكم} فكسر اللام، أي: أمرت من أجل ذلك). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم واللّه عليم حكيم}
قال الكوفيون: معنى اللام معنى أن، وأردت، وأمرت، تطلبان المستقبل، لا يجوز أن تقول: أردت أن قصت، ولا أمرت أن قمت، ولم يقولوا لم لا يجوز ذلك، وهذا غلط أن تكون لام الجر تقوم مقام " أن " وتؤدي معناها، لأن ما كان في معنى أن دخلت عليه اللام.
تقول: جئتك لكي تفعل كذا وكذا، وجئت لكي تفعل كذا وكذا، وكذلك اللام في قوله: {يريد اللّه ليبيّن لكم} كاللّام في كي.

المعنى: أراده اللّه عزّ وجلّ للتبيين لكم.

أنشد أهل اللغة:
أردت لكيما لا ترى لي عبرة... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وأنشدنا محمد بن يزيد المبرد:
أردت لكيما يعلم الناس أنها... سراويل قيسر والوفود شهود
فأدخل هذه اللام على " كي "، ولو كانت بمعنى أن لم تدخل اللام عليها، وكذلك أردت لأن تقوم، وأمرت لأن أكون مطيعا.
وهذا كقوله تعالى:
{إن كنتم للرّؤيا تعبرون} أي: إن كنتم عبارتكم للرؤيا، وكذلك قوله - عزّ وجلّ - أيضا: {للّذين هم لربّهم يرهبون} أي: الذين هم رهبتهم لربّهم.
وقوله:
{ويهديكم سنن الّذين من قبلكم} أي: يدلكم على طاعته كما دل الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم.
ومعنى {سنن الّذين من قبلكم}، أي: طرق الذين من قبلكم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب). [معاني القرآن: 2/42-43]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ويهديكم سنن الذين من قبلكم} أي: طرق الأنبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها). [معاني القرآن: 2/68]


تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واللّه يريد أن يتوب عليكم ويريد الّذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: يدلكم بطاعته على ما يكون سببا لتوبتكم التي يغفر لكم بها ما سلف من ذنوبكم.
{ويريد الّذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: أن تعدلوا عن القصد). [معاني القرآن: 2/43-44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} أي: يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق). [معاني القرآن: 2/69]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريد الله أن يخفّف عنكم} إيجاب). [مجاز القرآن: 1/124]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يريد اللّه أن يخفّف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}
{وخلق الإنسان ضعيفا} أي: يستميله هواه). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} قال طاووس: خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ {وخلق الإنسان ضعيفا} أي: خلق الله الإنسان ضعيفا). [معاني القرآن: 2/69]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا تهلكوها). [مجاز القرآن: 1/124]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيماً}
قال: {إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ مّنكم} فقوله: {إلاّ أن تكون تجارةٌ} استثناء خارج من أول الكلام و{تكون} هي "تقع" في المعنى وفي "كان" التي لا تحتاج إلى الخبر فلذلك رفع التجارة). [معاني القرآن: 1/199]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير استحقاق.

{إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} مثل المضاربة والمقارضة في التجارة، فيأكل بعضكم مال بعض عن تراض.
{ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن:124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا تقتلوا إخوانكم). [تأويل مشكل القرآن: 152]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما}
فحرم اللّه - جلّ وعزّ - المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
{إلّا أن تكون تجارة}المعنى: إلا أن تكون الأموال تجارة، ومن قرأ إلا أن تكون تجارة، فمعناه: إلا أن تقع تجارة.
{عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم} فاعلم أن التجارة تصح برضا البّيع والمشترى). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي: لا يحل لكم إلا على ما تقدم من هبة أو مهر
أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك). [معاني القرآن: 2/69-70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} قال عطاء: أي لا يقتل بعضكم بعضا، وذلك معروف في اللغة لأن المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه .
وقرأ الحسن {ولا تقتلوا أنفسكم} على التكثير). [معاني القرآن: 2/70-71]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فسوف نصليه ناراً...}
وتقرأ: نصليه، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صليت وأصليت. وكأنّ صليت: تصليه على النار، وكأنّ أصليت: جعلته يصلاها). [معاني القرآن: 1/263]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا}أي: ومن يأكلها ويقتل النفس - لأن قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: لا يقتل بعضكم بعضا، فمن فعل ذلك عدوانا وظلما، معنى العدوان: أن يعدوا ما أمر به، والظلم: أن يضع الشيء في غير موضعه.
وقوله:
{فسوف نصليه نارا}
و{نصليه نارا} وعد اللّه - جلّ وعزّ - على أكل الأموال ظلما وعلى القتال النار.

{وكان ذلك على اللّه يسيرا} أي: سهلا، يقال قد يسر الشيء فهو يسير إذا سهل، وقد عسر الشيء وعسر إذا لم يسهل فهو عسير). [معاني القرآن: 2/44-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} العدوان في اللغة: المجاوزة للحق.

والظلم: وضع الشيء في غير موضعه).[معاني القرآن: 2/71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكان ذلك على الله يسيرا} أي: سهلا يقال يسر الشيء فهو يسير إذا سهل). [معاني القرآن: 2/71]


تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وندخلكم مّدخلاً كريماً...} ومدخلا، وكذلك: {أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} وإدخال صدق.
ومن قال: مدخلا ومخرجا ومنزلا، فكأنه بناه على: أدخلني دخول صدق وأخرجني خروج صدق.
وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه؛ كما قال: {ربّ أنزلني منزلا مباركا}، ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت، وربما فتحت العرب الميم منه، ولا يقال في الفعل منه إلا أفعلت، من ذلك قوله:
* بمصبح الحمد وحيث يمسي *
وقال الآخر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا * بالخير صبّحنا ربي ومسّانا
وأنشدني المفضّل.
وأعددت للحرب وثّابة * جواد المحثّة والمرود
فهذا مما لا يبني على فعلت، وإنما يبنى على أرودت، فلمّا ظهرت الواو في المرود ظهرت في المرود كما قالوا: مصبح وبناؤه أصبحت لا غير). [معاني القرآن: 1/263-264]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مّدخلاً كريماً}
قال:
{ويدخلكم مّدخلاً كريماً} لأنها من "أدخل" "يدخل": والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة "دحرج" ونحوها، ألا ترى أنك تقول: "هذا مدحرجنا" فالميم إذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة.
قال أميّة بن أبي الصلت:
الحمد للّه ممسانا ومصبحنا = بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا
لأنه من "أمسى" و"أصبح".

وقال: {رّبّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من "دخل" و"خرج".
وقال: {إنّ المتّقين في مقامٍ أمينٍ} إذا جعلته من "قام" "يقوم"، فإن جعلته من "أقام" "يقيم" قلت: "مقامٍ أمين"). [معاني القرآن: 1/199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} يعني: الصغائر من الذنوب.

{وندخلكم مدخلًا كريماً} أي: شريفا). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} أي: شريفا). [تأويل مشكل القرآن: 494]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}
{تجتنبوا} تتركوا نهائيا.

والكبائر حقيقتها: أنها كل ما وعد اللّه عليه النار نحو القتل والزنا والسّرقة وأكل مال اليتيم.
ويروى عن ابن عباس: الكبائر إلى أن تكون سبعين أقرب منها إلى أن تكون سبعا.

قال بعضهم: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
والكبائر: ما كبر وعظم من الذنوب.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وندخلكم مدخلا كريما}
الاسم على أدخلت، ومن قال: " مدخلا " بفتح الميم، فهو مبني على دخل مدخلا، يعني به ههنا الجنة). [معاني القرآن: 2/45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين.
وقال عبد الله بن مسعود:
الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله.

وقال طاووس: قيل لابن عباس الكبائر سبع قال: هي إلى السبعين أقرب.
وحقيقة الكبيرة في اللغة: أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة). [معاني القرآن: 2/71-72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {نكفر عنكم سيئاتكم} قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه هم أو نصب إلا كفر عنه به)).). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وندخلكم مدخلا كريما} قيل يعني به: الجنة والله أعلم). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: الصغائر.

{مُّدْخَلاً كَرِيمًا} أي: شريفاً حسناً، وهو الجنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُّدْخَلاً كَرِيماً}: شريفاً). [العمدة في غريب القرآن: 109]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ...}
ليس هذا بنهي محرّم؛ إنما هو من الله أدب، وإنما قالت أم سلمة وغيرها: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه} وقد جاء: لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهمّ ارزقني، اللهمّ أعطني).
[معاني القرآن: 1/264-265]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ لّلرّجال نصيبٌ مّمّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ مّمّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً}
قال:
{ولا تتمنّوا} إن شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة، فإن قيل كيف يجوز إدغامها، وأنت إذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في "لا" فتجمع ما بين ساكنين؟

قلت: "إن هذه الألف حرف لين"، وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو "يضرباني" [و] {فلا تّناجوا بالإثم والعدوان} وتدغم أيضاً.
ومثله {قل أتحاجّونّا في اللّه} أدغمت وقبلها واو ساكنة، وإن شئت لم تدغم هذا كله.
وقد قرأ بعض القراء {فبم تبشّرون} أراد {تبشّرونني} فأذهب أحد النونين استثقالا لاجتماعهما، كما قال: "ما أحسست منهم أحدا" فألقوا إحدى السينين استثقالا، فهذا أجدر أن يستثقل لأنّهما جميعا متحركان. قال الشاعر:
تراه كالثّغام يعلّ مسكاً = يسوء الفاليات إذا فليني
فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله وليست باسم، فأما الأولى: فلا يجوز طرحها فإنها الاسم المضمر وقال أبو حية النميري:

أبالموت الذي لا بدّ أنّي = ملاقٍ - لا أباك - تخوّفيني
فحذف النون.
ولو قرئت {فبم تبشّرونّ} بتثقيل النون كان جيدا ولم اسمعه، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الآي نحو {بل لّمّا يذوقوا عذاب} يريد "عذابي".
وأما قوله: {فظلتم تفكّهون} فإنها إنما كسر أولها لأنه يقول: "ظللت" فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء:
مسنا السّماء فنلناها وطالهم = حتّى رأوا أحداً يهوي وثهلانا
لأنها من "مسست".

وقال بعضهم: {فظلتم} ترك الظاء على فتحتها وحذف احد اللامين، ومن قال هذا قال "مسنا السماء". وهذا الحذف ليس بمطرد، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل، فأما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه). [معاني القرآن: 1/200-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم} على بعضٍ، أي: لا يتمني النساء ما فضل به الرجال عليهن.

{للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا} أي: نصيب من الثواب فيما عملوا من أعمال البر، وللنّساء أيضا نصيبٌ منه فيما عملن من البر). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله -جلّ وعزّ-
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض للرّجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيب ممّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيء عليما}
قيل: لا ينبغي أن يتمنى الرجل مال غيره ومنزل غيره، فإن ذلك هو الحسد، ولكن ليقل: اللهم إني أسألك من فضلك، وقيل إنّ أمّ سلمة قالت:
ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا ثواب الرجال.
وقال بعضتهم: قال الرجال: ليتنا فضلنا في الآخرة على النساء كما فضلنا في الدنيا.
وهذا كله يرجع إلى تمني الإنسان ما لغيره). [معاني القرآن: 2/45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} روي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث، فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
وقيل إنما نهي عن الحسد.
والحسد عند أهل اللغة: أن يتمنى الإنسان ما لغيره بأن يزول عنه فإن تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة، المعنى: ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف.

وقال قتادة: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} أي: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال .
وقال سعيد بن جبير :
{واسألوا الله من فضله} العبادة ليس من أمر الدنيا.
وقيل: سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه.
{إن الله كان بكل شيء عليما} أي: بما يصلح عباده). [معاني القرآن: 2/73-75]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ولكلٍّ جعلنا موالى} أي: أولياء ورثة، المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف وهو العقيد والمنعم عليه.
والمولى: الأسفل.
والمولى: الوليّ؛ (اللّهمّ من كنت مولاه).
والمولى: المنعم على المعتق، وقال الشاعر:
ومولىً كداء البطن لو كان قادراً... على الموت أفنى الموت أهلي وماليا
يعني: ابن العم، وقال الفضل بن عبّاس:
مهلاً بنى عمّنا مهلاً موالينا... لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
وقال ابن الّطيفان من بني عبد الله بن دارم والطّيفان أمّه:
ومولىً كمولى الزّبرقان أدّملته... كما اندملت ساقٌ يهاض بها كسر
ادّملته: أصلحته واحتملت ما جاء منه.
{والّذين عاقدت أيمانكم} عاقده، حالفه). [مجاز القرآن: 1/124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكل جعلنا موالي}: أولياء وورثة.

" المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف.
والمولى: المنعم.
والمولى: المنعم عليه".
{والذين عاقدت أيمانكم}: الحلفاء.
{فآتوهم نصيبهم}: قال في النصرة والعقل ولا ميراث). [غريب القرآن وتفسيره: 117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولكلٍّ جعلنا موالي} أولياء. ورثة عصبة). [تفسير غريب القرآن: 125]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والّذين عقدت أيمانكم} يريد الذين حالفتم.

{فآتوهم نصيبهم} من النظر والرّفد والمعونة). [تفسير غريب القرآن: 126]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -
{ولكلّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيء شهيدا} أي: جعلنا الميراث لمن هو مولى الميّت، والمولى: كلّ من يليك، وكلّ من والاك فهو مولى لك في المحبّة.
والمولى: مولى نعمة نحو مولى العبد.
والمولى: العبد إذا عتق.
وقوله
{والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هؤلاء كانوا في الجاهلية، كان الرجل الذليل يأتي الرّجل العزيز فيعاقده، أي: يحالفه، ويقول له أنا ابنك ترثني وأرثك؛ حرمتي حرمتك، ودمي دمك، وثأرى ثأرك، وأمر اللّه - عزّ وجلّ - بالوفاء لهم.
وقيل: إن ذلك أمر به قبل تسمية المواريث.

وقيل أيضا: أمر أن يوفّى لهم بعقدهم الذي كان في الجاهلية، ولا يعقد المسلمون مثل ذلك.
وقال بعضهم: الذي يعقد على الموالاة، ويجب أن يجعل له نصيب في المال يذهب إلى أن ذلك من الثلث الذي هو للميت.
وإجماع الفقهاء: أنّه لا ميراث لغير من وصف من الآباء والأبناء، وذوي العصبة والموالي والأزواج). [معاني القرآن: 2/46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} قال مجاهد: هم بنو العم.

وقال قتادة: هم الأقرباء منهم الأب والأخ.
وقال الضحاك: يعني الأقرباء، وهذا قول أكثر أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هذه الآية منسوخة.

قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية يجيء الرجل إلى الرجل فيقول له: أرثك وترثني، فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}.
وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة.
وقال سعيد بن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أي: أولياء، ورثة، عصبة.

{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: حالفتم.

{فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: من النصر والرفد والمعونة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{المَوَالِي}: الأولياء والورثة.

{المَوْلَى}: ابن العم.
{عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}: الحلف.
{نَصِيبَهُمْ}: من النصرة والعطاء دون الميراث). [العمدة في غريب القرآن:109-110]

تفسير قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فالصّالحات...}
وفي قراءة عبد الله (فالصوالح قوانت) تصلح فواعل وفاعلات في جمع فاعلة.

وقوله: {بما حفظ اللّه} القراءة بالرفع، ومعناه: حافظات لغيب أزواجهن بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج، وبعضهم يقرأ {بما حفظ اللّه} فنصبه عل أن يجعل الفعل واقعا؛ كأنك قلت: حافظات للغيب بالذي يحفظ اللّه؛ كما تقول: بما أرضى اللّه، فتجعل الفعل لما، فيكون في مذهب مصدر، ولست أشتهيه؛ لأنه ليس بفعل لفاعل معروف، وإنما هو كالمصدر.
وقوله: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً} يقول: لا تبغوا عليهن عللا.

وقوله: {واللاّتي تخافون نشوزهنّ} جاء التفسير أن معنى تخافون: تعلمون، وهي كالظن؛ لأن الظانّ كالشاكّ والخائف قد يرجو، فلذلك ضارع الخوف الظنّ والعلم؛ ألا ترى أنك تقول للخبر يبلغك: أما والله لقد خفت ذاك، وتقول: ظننت ذلك، فيكون معناهما واحدا. ولذلك قال الشاعر:

ولا تدفننّي بالفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
وقال الآخر:
أتاني كلام عن نصيب يقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
كأنه قال: وما ظننت أنك عائبي.

ونقلنا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن)). كقولك: حتى ظننت لأدردن). [معاني القرآن: 1/265-266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلا تبغوا عليهنّ} أي: لا تعلّلوا عليهن بالذنوب. {نشوزهنّ} النشوز: بغض الزوج). [مجاز القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (والنشوز): بغض الزوج). [غريب القرآن وتفسيره: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حافظاتٌ للغيب} أي: لغيب أزواجهن.

{بما حفظ اللّه} أي: بحفظ اللّه إياهن.
{واللّاتي تخافون نشوزهنّ} يعني: بغض المرأة للزوج.
يقال: نشزت المرأة على زوجها، ونشصت: إذا تركته ولم تطمئن عنده.
وأصل النشوز: الارتفاع.
{فلا تبغوا عليهنّ سبيلًا} أي: لا تجنوا عليهن الذنوب). [تفسير غريب القرآن: 126]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب كقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}). [تأويل مشكل القرآن: 280] (م)

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضرب: باليد، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}). [تأويل مشكل القرآن: 497] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا إنّ اللّه كان عليّا كبيرا}
الرجل قيّم على المرأة فيما يجب لها عليه، فأمّا غير ذلك فلا، ويقال هذا قيّم المرأة وقوامها قال الشاعر:
اللّه بيني وبين قيّمها... يفرّ منّي بئها وأتبع
جعل اللّه عزّ وجلّ ذلك للرجال لفضلهم في العلم، والتمييز ولإنفاقهم أموالهم في المهور وأقوات النساء.
وقوله عزّ وجلّ:
{فالصالحات قانتات} أي: قيمات بحقوق أزواجهم.
{بما حفظ الله} تأويله - واللّه أعلم -: بالشيء الذي يحفظ أمر الله ودين الله.

ويحتمل أن يكون على معنى: بحفظ اللّه، أي: بأن يحفظن اللّه، وهو راجع إلى أمر اللّه.
وقوله
{واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ}النشوز: كراهة أحدهما صاحبه، يقال نشزت المرأة تنشز وتنشز جميعا وقد قرئ بهما: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا..} انشزوا وانشزوا، فانشزوا، واشتقاقه من: النشز وهو المكان المرتفع من الأرض، يقال له: نشز ونشز.
وقوله عزّ وجلّ:
{واهجروهنّ في المضاجع} أي: في النوم معهن، والقرب منهن فإنهن إن كنّ يحببن أزواجهن شقّ عليهن الهجران في المضاجع وإن كنّ مبغضات وافقهن ذلك فكان دليلا على النشوز منهنّ.
يقال هجرت الإنسان والشيء أهجره هجرا وهجرانا، وأهجر فلان منصبه يهجره إهجارا.. إذا تكلم بالقبيح، وهجر الرجل هجرا إذا هذى.
وهجرت البعير أهجره هجرا إذا جعلت له هجارا.

والهجار: حبل يشد في حقو البعير وفي رسغه، وهجّرت تهجيرا إذا قمت قت الهاجة، وهو انتصاف النهار.
فأمر اللّه - عز وجل - في النساء أن يبدأن بالموعظة أولا، ثم بالهجران بعد، وإن لم ينجعا فيهن فالضرب، ولكن لا يكون ضربا مبرحا فإن أطعن فيما يلتمس منهنّ، فلا يبغي عليهن سبيلا، أي: لا يطلب عليهن طريق عنت.

{إنّ اللّه كان عليّا كبيرا} أي: هو متعال أن يكلف إلا بالحق ومقدار الطاقة). [معاني القرآن: 2/46-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{الرجال قوامون على النساء} قيل لأن منهم الحكام والأمراء ومن يغزو). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور). [معاني القرآن: 2/77]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فالصالحات قانتات} قال قتادة: أي مطيعات.

وقال غيره، أي: قيمات لأزواجهن بما يجب من حقهن). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{حافظات للغيب} قال قتادة: أي لغيب أزواجهن بما حفظ الله أي بما حفظهن الله به في مهورهن والإنفاق عليهن.
وقرأ أبو جعفر المدني {بما حفظ الله} ومعناه: بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله). [معاني القرآن: 2/77-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} قال أهل التفسير: النشوز العداوة.
والنشوز في اللغة: الارتفاع، ويقال لما ارتفع من الأرض نشز ونشز.
والعداوة: هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه.
قال سفيان: معنى {فعظوهن} أي فعظوهن بال.
{واهجروهن في المضاجع}قال سفيان: من غير ترك الجماع.
{واضربوهن} قال عطاء: ضربا غير مبرح). [معاني القرآن: 2/78-79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} قال ابن جريج: أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت). [معاني القرآن: 2/80]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليا كبيرا} أي: هو متعال عن أن يكلف إلا الحق ومقدار الطاقة). [معاني القرآن: 2/80]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بمَا حَفِظَ اللّهُ} أي: بحفظ الله إياهن.

{نُشُوزَهُنَّ} أي: بغضهن للزوج، وأصله الانزعاج والارتفاع.

{فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي: لا تجنُوا عليهن الذنوب).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نُشُوزَاً}: بغض الزوج). [العمدة في غريب القرآن: 110]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فابعثوا حكماً مّن أهله وحكماً مّن أهلها...}
يقول: حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ليعلما من أيهما جاء النشوز، فينبغي للحكم أن يأتي الرجل فينتظر ما عنده هل يهوى المرأة، فإن قال: لا والله ما لي فيها حاجة، علم أن النشوز جاء من قبله، ويقول حكم المرأة لها مثل ذلك، ثم يعلماهما جميعا على قدر ذلك، فيأتيا الزوج فيقولا: أنت ظالم أنت ظالم اتق الله، إن كان ظالما، فذلك قوله: {إن يريدا إصلاحاً يوفّق اللّه بينهما} إذا فعلا هذا الفعل). [معاني القرآن: 1/266]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وإن خفتم}: أيقنتم.

{شقاق بينهما} أي: تباعد). [مجاز القرآن: 1/126]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً مّن أهله وحكماً مّن أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق اللّه بينهما إنّ اللّه كان عليماً خبيراً}
قال: {شقاق بينهما} فأضاف إلى البين لأنه قد يكون اسما قال: {لقد تّقطّع بينكم} بالضم، ولو قال: {شقاقاً بينهما} في الكلام فجعل البين ظرفا كان جائزا حسنا، ولو قلت {شقاق بينهما} تريد {ما} وتحذفها جاز، كما تقول {تّقطّع بينكم} تريد {ما} التي تكون في معنى شيء. وقال: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم}. وتقول "بينهما بونٌ بعيدٌ" تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال: "بينهما بينٌ بعيدٌ" بالياء).
[معاني القرآن: 1/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن خفتم شقاق بينهما} أي: التباعد بينهما). [تفسير غريب القرآن: 126]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ
{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفّق اللّه بينهما إنّ اللّه كان عليما خبيرا}
قال بعضهم.. {خفتم} ههنا في معنى: أيقنتم وهذا خطأ، لو علمنا الشقاق على الحقيقة لم يجنح إلى الحكمين. وإنما يخاف الشقاق والشقاق العداوة، واشتقاقه: من - المتشاقين - كل صنف منهن في شق، أي: في ناحية، فأمر الله تعالى - {إن خفتم} وقوع العداوة بين المرء وزوجه – أن يبعثوا حكمين، حكم من أهل المرأة وحكما من أهل الرجل، والحكم القيّم بما يسند إليه.

ويروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه اجتمع إليه فئام من الناس، - أي: جمع كثير مع امرأة وزوجها، قد وقع بينهما اختلاف فأمر حكمين أن يتعرفا أمرهما، وقال لهما: أتدريان ما عليكما؟ إنّ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما.

وقال بعضهم على الحكمين: أن يعظا ويعرّفا ما على كل واحد من الزوج والمرأة في مجاوزة الحق، فإن - رأيا أن يفرقا فرقا، وإن رأيا أن يجمعا جمعا.
وحقيقة أمر الحكمين: أنهما يقصدان للإصلاح، وليس لهما طلاق وإنما عليهما أن يعرفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه، فإن رأى الإمام أن يفرق فرّق، أو أن يجمع جمع، وإن وكّلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة، وما فعل على " رضي الله عنه " فهو فعل للإمام أن يفعله، وحسبنا بعلي عليه السلام إماما،
فلما قال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، كان قد ولّاهما ذلك ووكلهما فيه.
{إنّ اللّه كان عليما خبيرا} أي: {عليما} بما فيه الصلاح للخلق {خبيرا} بذلك). [معاني القرآن: 2/48-49]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإن خفتم شقاق بينهما} قال أبو عبيدة: معنى {خفتم} أيقنتم.

قال أبو جعفر قال إسحاق: هذا عندي خطأ لأنا لو أيقنا لم يحتج إلى الحكمين وخفتم ههنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين في شق خلاف شق صاحبه). [معاني القرآن: 2/81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} قال مجاهد: يعني الحكمين.

قال أبو جعفر: وهذا قول حسن لأنهما إذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا.
روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين: أن يطلقا على الرجل إذا اجتمعا على ذلك، وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما.
وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين: لكما أن تجمعا وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله). [معاني القرآن: 2/81-82]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الله كان عليما خبيرا} أي: هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك).
[معاني القرآن: 2/82]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({شِقَاقَ}: تباعد). [العمدة في غريب القرآن: 110]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 36 إلى 46]

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}

تفسير قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً...}
أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. ومثله {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا} ولو رفع الإحسان بالباء إذ لم يظهر الفعل كان صوابا؛ كما تقول في الكلام: أحسن إلى أخيك، وإلى المسيء الإساءة.

{والجار ذي القربى} بالخفض.

وفي بعض (مصاحف أهل الكوفة وعتق المصاحف) (ذا القربى) مكتوبة بالألف، فينبغي لمن قرأها على الألف أن ينصب (والجار ذا القربى) فيكون مثل قوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} يضمر فعلا يكون النصب به.
{والجار الجنب}: الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة.
{والصّاحب بالجنب}: الرفيق.
{وابن السّبيل}: الضيف). [معاني القرآن: 1/266-267]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وبالوالدين إحساناً}: مختصر، تفعل العرب ذلك، فكان في التمثيل: واستوصوا بالوالدين إحساناً.

{والجار ذي القربى} القريب.
{والجار الجنب}الغريب، يقال: ما تأتينا إلا عن جنابة، أي: من بعيد، قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمني نائلاً عن جنابةٍ... فإني امرؤٌ وسط القباب غريب
وإنما هي من الاجتناب.

وقال الأعشى:
أتيت حريثاً زائراً عن جنابةٍ... فكان حريثٌ عن عطائي جامدا
{والصّاحب بالجنب} أي: يصاحبك في سفرك، ويلزمك، فينزل إلى جنبك:{وابن السّبيل}: الغريب.
{مختالاً} المختال: ذو الخيلاء والخال، وهما واحد، ويجىء مصدراً، قال العجّاج:
والخال ثوبٌ من ثياب الجهّال
وقال العبديّ:
فإن كنت سيّدنا سدتنا... وإن كنت للخال فاذهب فخل
أي: اختل). [مجاز القرآن: 1/126-127]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً}
قال: {والجار الجنب} وقال بعضهم {الجنب} وقال الراجز:

* الناس جنبٌ والأمير جنب *
يريد بـ"جنب": الناحية. وهذا هو المتنحى عن القرابة فلذلك قال "جنبٌ" و"الجنب" أيضاً: المجانب للقرابة ويقال: "الجانب" أيضا.
وأما {الصّاحب بالجنب} فمعناه: "هو الذي بجنبك"، كما تقول "فلان بجنبي" و"إلى جنبي"). [معاني القرآن: 1/202]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({والقربى}: القريب.
{الجار الجنب}: الغريب.
{والصاحب بالجنب}: الرفيق في السفر الذي يرافقك ويلزمك وينزل إلى جانبك، وقالوا المرأة.
{ابن السبيل}: الغريب المنقطع به.
{المختال}: ذو الخيلاء والكبر). [غريب القرآن وتفسيره: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والجار ذي القربى} القرابة.

{والجار الجنب} الغريب.
والجنابة: البعد. يقال: رجل جنب، أي: غريب.
{والصّاحب بالجنب}: الرفيق في السفر.
{وابن السّبيل}: الضيف.
و(المختال): ذو الخيلاء والكبر). [تفسير غريب القرآن:126-127]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصّاحب بالجنب وابن السّبيل وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورا} أي: لا تعبدوا معه غيره، فإن ذلك يفسد عبادته.
{وبالوالدين إحسانا}المعنى: أوصاكم الله بعبادته، وأوصاكم بالوالدين إحسانا، وكذلك قوله تعالى: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا} لأن معنى قضى ههنا أمر ووصّى.
وقال بعض النحويين: {إحسانا} منصوب على وأحسنوا بالوالدين إحسانا.

كما تقول: ضربا زيدا، المعنى: اضرب زيدا ضربا.

{وبذي القربى..}: أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين.
و
{اليتامى} في موضع جر، المعنى: وباليتامى والمساكين أوصاكم أيضا، وكذلك جميع ما ذكر في هذه الآية، المعنى: أحسنوا بهؤلاء كلهم.
{والجار ذي القربى} أي: الجار الذي يقاربك وتعرفه ويعرفك.
{والجار الجنب}: والجار القريب المتباعد.
قال علقمة:
فلا تحرمني نائلا عن جنابة... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وقوله عزّ وجلّ - {والصّاحب بالجنب}: قيل هو الصاحب في السفر.

{وابن السبيل}: الضيف يجب قراه، وأن يبلّغ حيث يريد.
وقوله:
{وما ملكت أيمانكم} أي: وأحسنوا بملك أيمانكم، موضع ما عطف على ما قبلها.
وكانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم)).

وقوله عزّ وجلّ:
{إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالا فخورا} المختال: الصّلف التيّاه الجهول، وإنما ذكر الاختيال في هذه القصة لأن المختال يأنف من ذوي قراباته إذا كانوا فقراء، ومن جيرانه إذا كانوا كذلك، فلا يحسن عشرتهم). [معاني القرآن: 2/49-51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} أي: لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم). [معاني القرآن: 2/82]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وبالوالدين إحسانا} أي: وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين إحسانا). [معاني القرآن: 2/82-83]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والجار ذي القربى} هو الذي بينك وبينه قرابة، ثم قال جل وعز: {والجار الجنب} قال ابن عباس: هو الغريب، وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة:

فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب). [معاني القرآن: 2/83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{والصاحب بالجنب} روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا: الصاحب بالجنب المرأة.

وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك: الصاحب بالجنب الرفيق في السفر). [معاني القرآن: 2/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وابن السبيل} قال قتادة ومجاهد والضحاك: هو الضيف.
والسبيل في اللغة: الطريق فنسب إليها لأنه إليها يأوي). [معاني القرآن: 2/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} المختال في اللغة: ذو الخيلاء، فان قيل فكيف ذكر المختال ههنا وكيف يشبه هذا الكلام الأول؟

فالجواب: أن من الناس من تكبر على أقربائه إذا كانوا فقراء فأعلم الله عز وجل أنه لا يحب من كان كذا). [معاني القرآن: 2/85]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{والجار الجنب} أي: الغريب). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):
{الصاحب بالجنب} أي: الزوجة، {والصاحب بالجنب} - أيضا: الجار الملاصق). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):
{ابن السبيل} أي: الضيف). [ياقوتة الصراط: 197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الغريب، {وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} الرفيق بالسفر، وقيل: هي الزوجة.

{وَابْنِ السَّبِيلِ} الضيف.
(والمختال) ذو الخيلاء والكبر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْجَارِ الْجُنُبِ}: الغريب. {الصَّاحِبِ بِالجَنبِ}: المرأة. وقيل: الرفيق في السفر.

{ابْنِ السَّبِيلِ}: الغريب.

{المُخْتَال}: المتكبر). [العمدة في غريب القرآن:110-111]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{الّذين يبخلون ويأمرون النّاس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
والبخل جميعا يقرآن، يعني به اليهود. لأنهم يبخلون بعلم ما كان عندهم من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -.

{ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله}أي: ما أعطاهم من العلم برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} أي: جعلنا ذلك عتادا لهم، أو مثبتا لهم.
فجائز أن يكون: موضع الذين نصبا على البدل، والمعنى: إنّ اللّه لا يحب من كان مختالا فخورا، أي: لا يحب الذين يبخلون.
وجائز أن يكون: رفعه على الابتداء، ويكون الخبر {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّة}، ويكون {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس} عطفا على
{الذين يبخلون} في النصب والرفع.
وهؤلاء يعنى بهم: المنافقون، كانوا يظهرون الإيمان ولا يؤمنون باللّه واليوم الآخر). [معاني القرآن: 2/51]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
قال إبراهيم ومجاهد وقتادة: نزل هذا في اليهود، وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله، أي: ما أعطاهم والدليل على هذا قوله: {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}).
[معاني القرآن: 2/85-86]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فساء قريناً...}
بمنزلة قولك: نعم رجلا، وبئس رجلا، وكذلك {وساءت مصيرا} و{كبر مقتا} وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات، وأن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقّتة وما أضيف إلى تلك المعرفة، وما أضيف إلى نكرة كان فيه الرفع والنصب.

فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل: الدار منزل صدق، قلت: نعمت منزلا، كما قال
{وساءت مصيرا} وقال {حسنت مرتفقا} ولو قيل: وساء مصيرا، وحسن مرتفقا، لكان صوابا؛ كما تقول: بئس المنزل النار، ونعم المنزل الجنة، فالتذكير والتأنيث على هذا.

ويجوز: نعمت المنزل دارك، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار.
وكذلك تقول: نعم الدار منزلك، فتذكّر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة:
أو حرّةٌ عيطل ثبجاء مجفرةٌ * دعائم الزّور نعمت زورق البلد
ويجوز: أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين، وبئس رجلين، وللقوم: نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من المؤنث وإنما وحّدوا الفعل وقد جاء بعد الأسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذمّ لم يرد منهما مذهب الفعل، مثل قاما وقعدا. فهذا في بئس ونعم مطرد كثير، وربما قيل في غيرها مما هو في معنى بئس ونعم.
وقال بعض العرب: قلت أبياتا جاد أبياتا، فوحّد فعل البيوت.
وكان الكسائيّ يقول: أضمر حاد بهن أبياتا، وليس ها هنا مضمر إنما هو الفعل وما فيه.
وقوله: {وحسن أولئك رفيقا} إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع، فلذلك قال {وحسن أولئك رفيقا} ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: حسن أولئك رجلا، ولا قبح أولئك رجلا، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا؛ مثل رجل وامرأة، ألا ترى أن الشاعر قال:
وإذا هم طعموا فألأم طاعم * وإذا هم جاعوا فشرّ جياع
وقوله: {كبرت كلمةً تخرج من أفواههم} كذلك، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر، فإذا نصبت فهي خارجة من قوله: {وينذر الّذين قالوا اتّخذ اللّه ولداً} أي: كبرت هذه كلمة). [معاني القرآن: 1/267-269]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فساء قريناً} أي: فساء الشيطان قريناً، على هذا نصبه). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا}
{ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قرينا
}أي: من يكن عمله بما يسوّل له الشيطان فبئس العمل عمله، {فساء قرينا} منصوب على التفسير، كما تقول: زيد نعم رجلا.
وكما قال
{ساء مثلا القوم الّذين كذّبوا بآياتنا} ). [معاني القرآن: 2/51-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس}

قال إبراهيم، يعني به: اليهود أيضا.

وقال غيره، يعني به: المنافقين). [معاني القرآن: 2/86-87]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} أي: من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله). [معاني القرآن: 2/87]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأنفقوا ممّا رزقهم الله} أي: أعطوا في وجوه الخير). [مجاز القرآن: 1/127]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليماً}
قال:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر} فإن شئت جعلت {ماذا} بمنزلتها وحدها وإن شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي"). [معاني القرآن: 1/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليما}
يصلح أن تكون: " ما " و " ذا " اسما واحدا، المعنى: وأي شيء عليهم.

ويجوز أن يكون: " ذا " في معنى الذي، أو تكون " ما " وحدها اسما.
المعنى: وما الّذي عليهم {لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله}هذا يدل على أن الذين يبخلون {يبخلون} بما علموا {وكان اللّه بهم عليما} ). [معاني القرآن: 2/52]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تك حسنةً يضاعفها...}
ينصب الحسنة ويضمر في (تك) اسم مرفوع.

وإن شئت رفعت الحسنة ولم تضمر شيئا، وهو مثل قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة}). [معاني القرآن: 1/269]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة. {يضاعفها} أضعافاً، ويضعّفها ضعفين). [مجاز القرآن: 1/127]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{مثقال ذرّةٍ} أي: زنة ذرة.

يقال: هذا على مثقال هذا، أي: على وزن هذا، والذرة: جمعها ذر، وهي: أصغر النمل.
{يضاعفها} أي: يؤتي مثلها مرات.

ولو قال: يضعّفها لكان مرة واحدة). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ ثناؤه:
{إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} مثقال: مفعال من الثقل، أي: ما كان وزنه الذرة وقيل لكل ما يعمل " وزن مثقال " تمثيلا، لأن الصلاة والصيام والأعمال لا وزن لها.
لكنّ الناس خوطبوا فيما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك - أعني ما يبصر - أبين لهم.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وإن تك حسنة يضاعفها}
الأصل في " يكن ": " تكون " فسقطت الضمة للجزم وسقطت الواو لسكونها وسكون النون، فأما سقوط النون من " تكن " فأكثر الاستعمال جاء في القرآن بإثباتها، وإسقاطها قليل - قال الله عزّ وجلّ -: {إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما} فاجتمع في النون أنها تشبه حروف اللين، وأنها ساكنة.

فحذفت استخفافا لكثرة الاستعمال كما قالوا - لا أدر، ولا أبل، والأجود لم أبال ولا أدري.
و
{حسنة} يكون فيها الرفع والنصب، المعنى: وإن تكن فعلته حسنة يضاعفها، ومن قرأ {وإن تكن حسنة} بالرفع،، رفع على اسم كان، ولا خبر لها وهي ههنا في مذهب التمام، والمعنى: وإن تحدث حسنة يضاعفها.
{ويؤت من لدنه أجرا عظيما}
و
{يؤت} بغير ياء سقطت الياء للجزم، معطوف على {يضاعفها}، ووقعت " لدن " وهي في موضع جر، وفيها لغات.
يقال لد ولدن، ولدن، ولدى والمعنى واحد، ومعناه: من قبله، إلا أنها لا تتمكن تمكن عند، لأنك تقول: " هذا القول عندي صواب " ولا يقال: الوقت لدنيّ صواب، وتقول: عندي مال عظيم والمال غائب عنك، و " لدن " لما يليك). [معاني القرآن: 2/52-53]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} أي: وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا، أي: وزن هذا.

ومثقال: مفعال من الثقل.
والذرة: النملة الصغيرة .
وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ثم قال أبو سعيد: إن شككتم فاقرؤوا {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}). [معاني القرآن: 2/87-88]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} قال سعيد بن جبير: يعني الجنة.
ومعنى {يضاعفها}: يجعلها أضعافا، وقرأ أبو رجاء العطاردي {يضعفها}
ومعنى {من لدنه}: من قبله). [معاني القرآن: 2/88-89]


تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله - جلّ وعزّ -
{فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: فكيف تكون حال هؤلاء يوم القيامة، وحذف " تكون حالهم " لأنّ في الكلام دليلا على ما حذف، و " كيف " لفظها لفظ الاستفهام، ومعناها معنى التوبيخ.
قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} أي: نأتي بكل نبي أمّة يشهد عليها ولها). [معاني القرآن: 2/53-54]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} في الكلام حذف لعلم السامع، والمعنى: فكيف تكون حالهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ.

قال عبد الله بن مسعود: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)) فقلت: آقرأ عليك وعليك أنزل فقال: ((نعم)) فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت إلى قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فرأيت عينيه تذرفان.
وقال {شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}). [معاني القرآن: 2/89-90]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض...}
و
{تسوى} ومعناه: لو يسوون بالتراب، وإنما تمنّوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها: كوني ترابا، ثم يحيا أهل الجنة، فإذا رأى ذلك الكافرون قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: والله ما كنا مشركين، فإذا سئلوا فقالوها ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم، فهنالك يودّون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا الله حديثا، فكتمان الحديث ههنا في التمني.

ويقال: إنما المعنى: يومئذ لا يكتمون الله حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض). [معاني القرآن: 1/269-270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لو تسوّى بهم الأرض}: لو يدخلون فيها حتى تعلوهم). [مجاز القرآن: 1/128]


قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثاً}
قال: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} أي: لا تكتمه الجوارح أو يقول: "لا يخفى عليه وإن كتموه".

وقال: {لو تسوّى بهم الأرض} وقال بعضهم {تسوّى} [و] كل حسن). [معاني القرآن: 1/202]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لو تسوّى بهم الأرض} أي: كونون ترابا، فيستوون معها حتى يصيروا وهي شيئا واحدا.

{ولا يكتمون اللّه حديثاً} هذا حين سئلوا فأنكروا فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يومئذ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثا}
الاختيار الضّم في الواو في {عصوا الرسول} لالتقاء السّاكنين والكسر جائز، وقد فسرناه فيما مضى.
وقوله:
{لو تسوّى بهم الأرض} وبهم الأرض بضم الميم وكسرها.
{ولا يكتمون اللّه حديثا} أي: يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا والأرض سواء.
وقد جاء في التفسير: أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيودون أنهم يصيرون ترابا.

قوله
{ولا يكتمون اللّه حديثا}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: ودوا أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأن قولهم: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قد كذبوا فيه.
2- وقال بعضهم: {ولا يكتمون اللّه حديثا}مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند اللّه لا يقدرون على كتمه). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض}.

وقرأ مجاهد وأبو عمرو {لو تسوى بهم الأرض} فمن قرأ {تسوى} فمعناه: على ما روي عن قتادة: لو تخرقت بهم الأرض فساخوا فيها.
وقيل وهو أبين أن المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالأرض فيستوون هم وهي ويدل على هذا {يا ليتني كنت ترابا} .
وكذلك تسوى لو سواهم الله عز وجل فصاروا ترابا مثلها، والقراءة الأولى: موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله: {تسوى بهم الأرض} قال تنشق فتسوى عليهم يذهب إلى أن معنى {بهم}: عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون في بمعنى على في قوله عز وجل: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}). [معاني القرآن: 2/90-91]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل:
{ولا يكتمون الله حديثا}
فيقال أليس قد قالوا
{والله ربنا ما كنا مشركين} ففي هذا أجوبة:

1- منها أن يكون داخلا في التمني، فيكون المعنى: أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه.
وقال قتادة: هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها.
وقال بعض أهل اللغة: هم لا يقدرون على أن يكتموا لأن الله عالم بما يسرون .
2- وقيل قولهم:
{والله ربنا ما كنا مشركين} عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا ولا يكتمون الله حديثا مستأنفا). [معاني القرآن: 2/91-93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} أي: يصيرون مثلها تراباً،
وتصديقه قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}
{ولاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} هذا حين سُئلوا فأنكروا، فشهدت عليهم الجوارح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:60-61]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى...}
نزلت في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تحريم الخمر، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تقربوا الصّلاة} مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن صلّوها في رحالكم.

ثم قال
{ولا جنباًً} أي: لا تقربوها جنباً {حتّى تغتسلوا}
ثم استثنى فقال
{إلاّ عابري سبيلٍ} يقول: إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء.
ثم قال {فتيمّموا} والتيمم: أن تقصد الصعد الطيّب حيث كان، وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب).
[معاني القرآن: 1/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} معناه في هذا الموضع: لا تقربوا المصلّى جنباً إلاّ عابر سبيلٍ يقطعه، ولا يقعد فيه (والمصلّى) مختصر.

{أو على سفرٍ}: أو في سفر، وتقول: أنا على سفر، في معنى آخر: تقول: أنا متهىّءٌ له.
{أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}: كناية عن حاجة ذي البطن، والغائط: الفيح من الأرض المتصوّب وهو أعظم من الوادي.
{أو لامستم النّساء}: اللماس النكاح: لمستم، ولامستم أكثر.
{فتيمّموا صعيداً طيّباً} أي: فتعمدوا ذاك، والصعيد: وجه الأرض). [مجاز القرآن: 1/128]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مّرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ مّنكم مّن الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّاً غفوراً}
قوله:
{ولا جنباً} في اللفظ واحد وهو للجمع كذلك، وكذلك هو للرجال والنساء، كما قال: {والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ} فجعل "الظهير" واحدا.
والعرب تقول: "هم لي صديقٌ".
وقال:
{عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} وهما قعيدان.

وقال: {إنّا رسول ربّ العالمين} وقال: {فإنّهم عدوٌّ لي} لأن "فعول" و"فعيل" مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.
وقال: {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} لأنه قال: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} فقوله: {وأنتم سكارى} في موضع نصب على الحال، فقال: {ولا جنباً} على العطف كأنه قال: "ولا تقربوها جنباً إلاّ عابري سبيلٍ" كما تقول: "لا تأتي إلاّ راكباً"). [معاني القرآن: 1/203]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الجنب}: الذكر والأنثى، والإثنان والجمع فيه سواء كالواحد.

{الغائط}: كناية عن قضاء الحاجة، والغائط: من الأرض الواسع الفسيح.
{أو لامستم النساء}: كناية عن الزواج
وقال بعضهم: الملامسة دون الجماع.
{فتيمموا}: تعمدوا.
{صعيدا}: الصعيد وجه الأرض). [غريب القرآن وتفسيره:118-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا جنباً إلّا عابري سبيلٍ} يعني: المساجد لا تقربوها وأنتم جنب، إلا مجتازين غير مقيمين ولا مطمئنين.
{الغائط} الحدث.
وأصل الغائط: المطمئن من الأرض، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا من الأرض ففعلوا ذلك فيه، فكني عن الحدث بالغائط.
{فتيمّموا} أي: تعمدوا. {صعيداً طيّباً} أي: ترابا نظيفا). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّا غفورا}
قيل في التفسير: إنها نزلت قبل تحريم الخمر، لأن جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعوا فشربوا الخمر فبل تحريمها، وتقدم رجل منهم فصلى بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم فنزلت
{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}
ويروى أن عمر بن الخطاب قال:
اللهم إن الخمر تضرّ بالعقول وتذهب بالمال، فأنزل فيها أمرك، فنزل في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}
وقال:
{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
والتحريم نص بقوله - عزّ وجلّ -
{قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}
فقد حرمت الخمر بأنه قال: إنها إثم كبير.

وقد حرم اللّه - عزّ وجلّ -: الإثم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - في ذلك الوقت ألا يقرب الصلاة السكران.
وحرم بعد ذلك: السّكر، لأن إجماع الأمّة أن السّكر حرام.
وإنما حرّم ذو السّكر، لأن حقيقة السكر إنّه لم يزل حراما وقد بيّنّا هذا في سورة البقرة.
وقوله:
{حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا} أي: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب، {إلا عابري سبيل} أي: إلا مسافرين لأن المسافر يعوزه الماء، وكذلك المريض الذي يضر به الغسل.
ويروى أن: قوما غسلوا مجدرا فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((قتلوه قتلهم اللّه، كان يجزيه التيمم)).
وقال قوم: لا تقربوا موضع الصلاة، حقيقته: لا تصلوا إذا كنتم جنبا حتى تغتسلوا، إلا أن لا تقدروا على الماء، وإلا أن تخافوا أن يضركم الغسل إضرارا شديدا، وذلك لا يكون إلا في حال مرض.

{فتيمّموا صعيدا طيّبا} معنى: تيمموا أقصدوا، والصعيد: وجه الأرض.
فعلى الإنسان في التيمم: أن يضرب بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه، والطيب: هو النظيف الطاهر، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أم لا، لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه.

قال اللّه عزّ وجل -: {فتصبح صعيدا زلقا} فأعلمك أن الصعيد يكون زلقا، والصعدات الطرقات.
وإنما سمي صعيدا: لأنّها نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، لا أعلم بين أهل اللغة اختلافا في أن الصعيد وجه الأرض.
{إنّ اللّه كان عفوّا غفورا} أي: يقبل منكم العفو ويغفر لكم، لأن قبوله التيمم تسهيل عليكم). [معاني القرآن: 2/54-56]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} قال الضحاك: أي سكارى من النوم.

وقال عكرمة وقتادة: هذا منسوخ.
وقال قتادة: نسخه تحريم الخمر.
يذهب إلى أن معنى سكارى: من الشراب، والدليل على أن هذا القول هو الصحيح: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال:
أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران.
وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم فقرأ {قل يا أيها الكافرون} فخلط فيها فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ثم نسخ هذا بتحريم الخمر). [معاني القرآن: 2/93-94]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال عبد الله بن عباس وأنس: إلا أن تمر ولا تجلس.

وروي عن ابن عباس: هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا.
وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)).). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}
قال بعض الفقهاء، المعنى: وجاء أحد منكم من الغائط، وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن لـ «أو» معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف، والمعنى: وإن كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء). [معاني القرآن: 2/95-96]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو لامستم النساء} قال ابن عباس: {لامستم} جامعتم.

ويقرأ (أو لمستم).

قال محمد بن يزيد: من ذهب إلى أنه: الجماع فالأحسن أ يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل إنما نسب إلى الرجل.
ومن ذهب إلى أنه: دون الجماع فالأحسن أن يقول لامستم). [معاني القرآن: 2/96-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتيمموا صعيدا طيبا} معنى تيمموا: تعمدوا واقصدوا، يقال تيممت كذا وتأممته إذا قصدته.
والصعيد في اللغة: وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن، والدليل على هذا: قوله عز وجل {فتصبح صعيدا زلقا} وإنما سمي صعيدا: لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض.

والطيب: النظيف ثم قال تعالى: {إن الله كان عفوا غفورا} لأنه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم).[معاني القرآن: 2/97-98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} أي: موضعها، يعني: المساجد.

وقيل معناه: لا تصلوا وأنتم سكارى، وهذا قبل تحريم الخمر.
وقيل: سكارى من النوم.
{وَلاَ جُنُبًا} أي: لا تقربوا المساجد وأنتم جُنُب، إلا أن تكونوا مسافرين، لا تجدون الماء، فتيمموا.

و{الْغَائِطِ} الحدث، وأصله: المطمئن من الأرض لتستقروا به، فكثر فسموا به الحدث.

و
{الجبت والطاغوت} هما كل معبودٍ من دون الله من الشيطان أو الحجر، أو غيره.

وقيل: هما هنا رجلان: وهما حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، صدقوهما وأطاعوهما.
وقوله: {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}، يعني: الشيطان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 61]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْغَائِطِ}: المتسع من الأرض.

(المُلاَمَسَةُ): الجماع.
{فَتَيَمَّمُواْ}: تعمدوا.
{الصَّعِيدُ}: وجه الأرض.
{طَيِّباً}: نظيفاً). [العمدة في غريب القرآن:111-112]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا...}
{ألم تر} في عامة القرآن: ألم تخبر.

وقد يكون في العربية: أما ترى، أما تعلم). [معاني القرآن: 1/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نصيباً من الكتاب}: طرفاً وحظاً). [مجاز القرآن: 1/128]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نصيباً من الكتاب} أي: حظا). [تفسير غريب القرآن: 128]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن الاختصار قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}أراد: يشترون الضلالة بالهدى، فحذف (الهدى)، أي: يستبدلون هذا بهذا.

ومثله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}). [تأويل مشكل القرآن: 230]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضّلالة ويريدون أن تضلّوا السّبيل}
قال بعضهم:
{ألم تر} ألم تخبر.

وقال أهل اللغة ألم تعلم، المعنى: ألم ينته علمك إلى هؤلاء، ومعناه: أعرفهم، يعنى به: علماء أهل الكتاب، أعطاهم اللّه في كتابهم علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه عندهم مكتوب في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
وقوله:
{يشترون الضلالة} أي: يؤثرون التكذيب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذوا على ذلك الرشا ويثبت لهم رياسة.
وقوله:
(ويريدون أن تضلّوا السّبيل) أي: تضلّوا طريق الهدى، لأن السبيل في اللغة الطريق). [معاني القرآن: 2/56-57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} قال أهل التفسير: يعني به اليهود لأن عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى {يشترون الضلالة}: يلزمونها وقد صاروا بمنزلة المشتري لها، والعرب تقول لكل من رغب في شيء قد اشتراه.

ومعنى {ويريدون أن تضلوا السبيل} أي: يريدون أن تضلوا طريق الحق). [معاني القرآن: 2/99]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{واللّه أعلم بأعدائكم وكفى باللّه وليّا وكفى باللّه نصيرا}أي: هو أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه.
{وكفى باللّه وليّا وكفى باللّه نصيرا} أي: اللّه ناصركم عليهم، ومعنى الباء: التوكيد.
المعنى وكفى الله وليا وكفى اللّه نصيرا، إلا أن الباء دخلت في اسم الفاعل، لأن معنى الكلام الأمر، المعنى: اكتفوا بالله). [معاني القرآن: 2/57]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والله أعلم بأعدائكم} أي: فهو يكفيكموهم).
[معاني القرآن: 2/99-100]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا} قال أبو إسحاق: إنما دخلت الباء في {وكفى بالله} لأن في الكلام معنى الأمر، والمعنى: اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا). [معاني القرآن: 2/100]


تفسير قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم...}
أن شئت: جعلتها متصلة بقوله:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب}، {مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم}.
وإن شئت: كانت منقطعة منها مستأنفة، ويكون المعنى: من الذين هادوا من يحرفون الكلم. وذلك من كلام العرب: أن يضمروا (من) في مبتدأ الكلام، فيقولون: منّا يقول ذلك، ومنا لا يقوله، وذلك أن (من) بعض لما هي منه، فلذلك أدّت عن المعنى المتروك؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما منّا إلاّ له مقامٌ معلوم} وقال {وإن منكم إلا واردها} وقال ذو الرمّة:
فظلّوا ومنهم دمعه سابقٌ له * وآخر يثني دمعة العين بالهمل
يريد: منهم من دمعه سابق.
ولا يجوز إضمار (من) في شيء من الصفات إلا على المعنى الذي نبأتك به، وقد قالها الشاعر في (في) ولست أشتهيها، قال:
لو قلت ما في قومها لم تأثم * يفضلها في حسب وميسم
ويروى أيضا (تيثم) لغة، وإنما جاز ذلك في (في) لأنك تجد معنى (من) أنه بعض ما أضيفت إليه؛ ألا ترى أنك تقول؛ فينا صالحون وفينا دون ذلك، فكأنك قلت: منا،

ولا يجوز أن تقول: في الدار يقول ذلك؛ وأنت تريد في الدار من يقول ذلك، إنما يجوز إذا أضفت (في) إلى جنس المتروك.
وقوله: {ليّاً بألسنتهم} يعني: ويقولون {وراعنا} يوجهونها إلى شتم محمد صلى الله عليه وسلم. فذلك الليّ.
وقوله: {وأقوم} أي: أعدل). [معاني القرآن: 1/271-272]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه}
{هادوا} في هذا الموضع: اليهود، و{الكلم}: جماعة كلمة، {يحرّفون}: يقلّبون ويغيّرون). [مجاز القرآن: 1/129]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مّواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمعٍ وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدّين ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لّهم وأقوم ولكن لّعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً}
قال:
{مّن الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مّواضعه} يقول "منهم قومٌ" فأضمر "القوم".

قال النابغة الذبياني:
كأنّك من جمال بني أقيشٍ = يقعقع بين رجليه بشنّ
أي: كأنّك جملٌ منها.

وكما قال: {وإن مّن أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به} أي: وإن منهم واحدٌ إلاّ ليؤمننّ به".
والعرب تقول: "رأيت الذي أمس" أي: رأيت الذي جاءك أمس" أو"تكلّم أمس".
{واسمع غير مسمعٍ وراعنا ليّاً}
وقوله: {راعنا} أي: "راعنا سمعك، في معنى: أرعنا.
وقوله: {غير مسمعٍ} أي: لا سمعت، أي: لا سمعت، وأما {غير مسمعٍ} أي: لا يسمع منك فأنت غير مسمعٍ.
وقال:
{واسمع وانظرنا لكان خيراً لّهم}. وإنما قال: {وانظرنا} لأنّها من "نظرته" أي: "انتظرته".
وقال: {انظرونا نقتبس من نّوركم} أي: انتظروا.
وأما قوله: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه} فإنما هي: إلى قدّمت يداه.
قال الشاعر:
ظاهرات الجمال والحسن ينظر = ن كما تنظر الأراك الظّباء
وإن شئت كان {ينظر المرء ما قدّمت يداه} على الاستفهام مثل قولك "ينظر خيراً قدّمت يداه أم شرّاً"). [معاني القرآن: 1/203-204]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يحرفون الكلم}: يغيرون). [غريب القرآن وتفسيره: 119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({واسمع غير مسمعٍ} كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: اسمع لا سمعت.

{وراعنا ليًّا بألسنتهم} أراد أنهم يحرفون «راعنا» من طريق المراعاة والانتظار إلى السب بالرعونة، وقد بينت هذا في «المشكل».
{واسمع وانظرنا} أي: لو قالوا: اسمع وانظرنا، أي: لو قالوا: اسمع ولم يقولوا: لا سمعت، وقالوا: انظرنا - أي: انتظرنا - مكان راعنا {لكان خيراً لهم}.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك بمعنى واحد). [تفسير غريب القرآن: 128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.

هؤلاء قوم من اليهود كانوا يقولون للنبي، صلّى الله عليه وسلم، إذا حدّثهم وأمرهم: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: عصينا، وإن أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا له: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت: ويقولون له: راعنا، يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انتظرنا حتى نكلمك بما نريد، كما تقول العرب: أرعني سمعك وراعني، أي: انتظرني وترفّق وتلوّم عليّ، هذا ونحوه، وإنما يريدون سبّه بالرّعونة في لغتهم، فقال الله سبحانه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ} كذا وكذا.

ويقولون:
{وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} أي: قلبا للكلام بها، {وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} مكان قولهم {سمعنا وعصينا}، وقالوا: {واسمع} مكان قوله: لا سمعت، {وانظرنا}، مكان قولهم: {وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك، بمعنى واحد، قال الحطيئة:
وقد نظرتكم إيناء عاشية للخمس طال بها حوزي وتنساسي). [تأويل مشكل القرآن:375-376]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -
{من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليّا بألسنتهم وطعنا في الدّين ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلا} فيها قولان:

جائز أن تكون: من صلة الذين أوتوا الكتاب.
والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا.

ويجوز أن يكون: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم، ويكون {يحرفون} صفة، والموصوف محذوف.
أنشد سيبويه في مثل هذا قول الشاعر:
وما الدّهر إلا تارتان فمنهما أموت... وأخرى أبتغي العيش أكدح
المعنى: منهما تارة أموت فيها.
وقال بعض النحويين، المعنى: من الذين هادوا من يحرفونه فجعل يحرفون صلة من وهذا لا يجوز لأنه لا يحذف الموصول وتبقى صلته.

وكذلك قول الشاعر:
لو قلت ما في قومها لم تيثم... يفضلها في حسب وميسم
المعنى: ما في قومها أحد يفضلها.
وزعم النحويون أن هذا إنما يجوز مع " من " و " في "، وهو جائز إذا كان " فيما بقي دليل على ما ألقى.
لو قلت: ما فيهم يقول ذاك أو ما عندهم يقول ذاك جازا جميعا جوازا واحدا.
والمعنى: ما عندهم أحد يقول ذاك.
وقوله عزّ وجلّ:
{ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع}
كانت اليهود - لعنت - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اسمع، وتقول في أنفسها لا أسمعت.
وقيل {غير مسمع} غير مجاب إلى ما تدعو إليه

وقوله:
{وراعنا} هذه كلمة كانت تجري بينهم على حد السّخرى والهزؤ.
وقال بعضهم: كانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة.

وقال بعضهم: كانوا يقولونها كبرا، كأنّهم يقولون: ارعنا سمعك، أي: اجعل كلامك لسمعنا مرعى.
وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام.
وقوله:
{ليّا بألسنتهم} أي: يفعلون ذلك معاندة للحق وطغيانا في الدين.
وأصل " ليا ": لويا ولكن الواو أدغمت في الياء لسبقها بالسكون.

وقوله:
{فلا يؤمنون إلّا قليلا} أي: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسمّوا المؤمنين.
وقال بعضهم: {فلا يؤمنون إلّا قليلا} أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا). [معاني القرآن: 2/57-59]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} يجوز أن يكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وهو الأولى بالصواب لأن الخبرين والمعنيين من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود وبهذا جاء التفسير.

ويجوز أن يكون المعنى: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا.
ويجوز أن يكون المعنى: على مذهب سيبويه من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ثم حذف وأنشد النحويون:
لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم
قالوا المعنى: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف

ومعنى {يحرفون}: يغيرون ومنه تحرفت عن فلان، أي: عدلت عنه، فمعنى {يحرفون}: يعدلون عن الحق). [معاني القرآن: 2/100-102]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع} روي عن ابن عباس أنه قال: أي يقولون اسمع لا سمعت.

وقال الحسن: أي اسمع غير مسمع منك، أي: غير مقبول منك ولو كان كذا لكان غير مسموع وقوله عز وجل:
{وراعنا} نهي المسلمون أن يقولوها وأمروا أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالإجلال والإعظام.

وقرأ الحسن (وراعنا منونا) جعله من الرعونة وقد استقصينا شرحه في سورة البقرة). [معاني القرآن: 2/102-103]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليا بألسنتهم وطعنا في الدين} أي: يلوون ألسنتهم ويعدلون عن الحق). [معاني القرآن: 2/104]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم}
ومعنى {انظرنا}: انتظرنا، ومعنى {سمعنا}: قبلنا لكان خيرا لهم، أي: عند الله جل وعز: {وأقوم} أي: وأصوب في الرأي والاستقامة منه). [معاني القرآن: 2/104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} ويجوز أن يكون المعنى: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا يستحقون اسم الإيمان.
ويجوز أن يكون المعنى: فلا يؤمنون إلا قليلا منهم). [معاني القرآن: 2/104-105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُحَرِّفُونَ}: يغيّرون). [العمدة في غريب القرآن: 112]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 47 إلى 57]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من قبل أن نطمس وجوهاً} أي: نسوّيها حتى تعود كأقفائهم، ويقال: الريح طمست آثارنا، أي: محتها، وطمس الكتاب: محاه، ويقال: طمست عينه). [مجاز القرآن: 1/129]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لّما معكم مّن قبل أن نّطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولاً}
قال: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {مّن قبل أن نّطمس وجوهاً} يقول: من قبل يوم القيامة). [معاني القرآن: 1/204-205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أن نطمس وجوها}: نسويها كالأقفاء يقال طمست الريح آبار القوم، أي: محتها). [غريب القرآن وتفسيره: 120]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نطمس وجوهاً} أي: نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب وفم.
{فنردّها على أدبارها} أي: نصيرها كأقفائهم). [تفسير غريب القرآن: 128]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولا}
{من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها
} فيها ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم: نجعل وجوههم كأقفائهم.

2- وقال بعضهم: نجعل وجوههم منابت للشعر كأقفائهم.
3- وقال بعضهم: " الوجوه " ههنا تمثيل بأمر الدين.
المعنى: قبل أن نضلّهم مجازاة لما هم عليه من المعاندة، فنضلّهم ضلالا لا يؤمنون معه أبدا). [معاني القرآن: 2/59]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها} روي عن أبي بن كعب أنه قال: من قبل أن نضلكم إضلالا لا تهتدون بعده، يذهب إلى أنه تمثيل وأنه إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة.
وقال مجاهد: في الضلالة.
وقال قتادة: معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء.
ومعنى {من قبل أن نطمس وجوها} عند أهل اللغة: نذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب فنردها على أدبارها نجعلها أقفاء، فإن قيل فلم لم يفعل بهم هذا؟ ففي هذا جوابان.

أحدهما: أنه إنما خوطب بهذا رؤساؤهم وهم ممن آمن روي هذا القول عن ابن عباس.
والقول الآخر: أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في القيامة، وقال محمد بن جرير: ولم يكن هذا لأنه قد آمن منهم جماعة). [معاني القرآن: 2/105-106]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت}
قال قتادة: أو نمسخهم قردة وخنازير). [معاني القرآن: 2/106-107]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَّطْمِسَ}: نمحوا). [العمدة في غريب القرآن: 112]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به...}
فإن شئت: جعلتها في مذهب خفض ثم تلقى الخافض فتنصبها؛ يكون في مذهب جزاء؛ كأنك قلت: إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك ولا عن شرك).
[معاني القرآن: 1/272]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {افترى إثماً عظيما} أي: تخلّقه). [مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -
{إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما}
أجمع المسلمون: أن ما دون الكبائر مغفور، واختلفوا في الكبائر:

1- فقال بعضهم: الكبائر التي وعد الله عليها النار لا تغفر.
2- وقال المشيخة من أهل الفقه والعلم: جائز أن يغفر كل ما دون ذلك بالتوبة، وبالتوبة يغفر الشرك وغيره.
{ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما}
{افترى}: اختلق وكذب، {إثما عظيما} أي: غير مغفور).
[معاني القرآن: 2/59-60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به} وقد قال: {إن الله يغفر الذنوب جميعا} فهذا معروف، والمعنى: أن يقال أنا أغفر لك كل ذنب ولا يستثنى ما يعلم أنك لا تغفر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا {إن الله يغفر الذنوب جمعيا} فقال له رجل: يا رسول الله والشرك فنزلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
قال بعض أهل اللغة، معناه: إلا الكبائر، وقيل معناه: بعد التوبة). [معاني القرآن: 2/107-108]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم...}
جاءت اليهود بأولادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل لهؤلاء ذنوب؟ قال: ((لا))، قالوا: فإنا مثلهم ما عملناه بالليل كفّر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، فذلك تزكيتهم أنفسهم.

وقوله: {ولا يظلمون فتيلاً} الفتيل: هو ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ، ويقال: وهو الذي في بطن النواة).
[معاني القرآن: 1/272-273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ألم تر إلى الّذين} ليس هذا رأى عين، هذا تنبيه في معنى: ألم تعرف.
{فتيلا}، الفتيل: الذي في شقّ النّواة). [مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (الفتيل): الذي في شق النواة). [غريب القرآن وتفسيره: 120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قول الله عز وجل:
{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة.
والنّقير: النّقرة في ظهرها.

ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.

وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا
وكذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}وهو (الفوقة) التي فيها النّواة، يريد: ما يملكون شيئا.

ومنه قوله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي: قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها.

والأصلُ: أنَّ مَن أرادَ القُدوم إلى موضع عَمَدَ له وَقَصَدَه.

والهباء المنثور: ما رأيته في شُعَاعِ الشَّمس الداخلِ من كُوَّةِ البيتِ.
والهباء المنبثُّ: ما سَطَعَ مِن سَنابكِ الخيلِ.
وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنَّ هذا مُبطَلُ لا يُلْمَسُ ولا يُنْتَفَعُ بهِ). [تأويل مشكل القرآن: 138]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا}
{ألم تر}: ألم تخبر في قول بعضهم.
وقال أهل اللغة: ألم تعلم وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام.
تأويله أعلم قصتهم، وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء، ومعنى: {يزكون أنفسهم} أي: تزعمون أنهم أزكياء.

وتأويل قولنا، زكاء الشيء في اللغة: نماؤه في الصلاح.
وهذا أيضا يعني به اليهود، وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار.

قال اللّه - عزّ وجلّ -:
{بل اللّه يزكّي من يشاء} أي: يجعل من يشاء زاكيا.
{ولا يظلمون فتيلا} تأويله: ولا يظلمون مقدار فتيل.
قال بعضهم: "الفتيل" ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ.

قال بعضهم: "الفتيل" ما كان في باطن النّواة من لحائها.

وقالوا في التفسير: ما كان في ظهرها وهو الذي تنبت منه النخلة.
والقطمير: جملة ما التفّ عليها من لحائها). [معاني القرآن: 2/60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} أصل الزكاء: النماء في الصلاح

قال قتادة: يعني اليهود لأنهم زكوا أنفسهم فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وكذلك قال الضحاك). [معاني القرآن: 2/108-109]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا يظلمون فتيلا} قال ابن عباس: الفتيل ما فتلته بأصبعيك.

وقال غيره: "الفتيل" ما في بطن النواة.
والنقير: النقرة التي فيها والتي تنبت منها النخلة.
والقطمير: القشرة الملفوفة عليها من خارج
والمعنى: لا يظلمون مقدار هذا).
[معاني القرآن: 2/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الفَتِيلُ): الذي في شق النواة.

{القطمير}: الذي على النواة). [العمدة في غريب القرآن:112-113]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {انظر كيف يفترون على الله الكذب}: مثل {ألم تر إلى الذين} ).
[مجاز القرآن: 1/129]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -:
{انظر كيف يفترون على اللّه الكذب وكفى به إثما مبينا} أي: يفعلونه ويختلقونه.
ويقال: قد فرى الرجل يفري إذا عمل، وإذا قطع زمن هذا: فريت جلده. فتأويله أن هذا القول أعني تزكيتهم أنفسهم فرية منهم.
{وكفى به إثما مبينا} أي: كفى هو إثما، منصوب على التمييز، أي: كفى به في الآثام). [معاني القرآن: 2/60-61]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{انظر كيف يفترون على الله الكذب} معنى {يفترون}: يختلقون ويكذبون). [معاني القرآن: 2/110]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( ( {بالجبت والطّاغوت} كلّ معبود من حجر أو مدرٍ أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت). [مجاز القرآن: 1/129]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}: أقوم طريقةً). [مجاز القرآن: 1/129]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (
{الجبت}: قالوا السحر وقالوا الكاهن.
و{الطاغوت}: الشيطان في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره:120-121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين أوتوا} ألم تخب، ويكون أما ترى أما تعلم وقد بينا ذلك في كتاب «المشكل».

{بالجبت والطّاغوت} كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان، فهو جبت وطاغوت.
ويقال: إنهما في هذه السورة رجلان من اليهود يقال لأحدهما: حيّ بن أخطب، وللثاني كعب بن الأشرف، وإيمانهم بهما تصديقهم لهما وطاعتهم إياهما.
وقوله: {في سبيل الطّاغوت} يعني: الشيطان). [تفسير غريب القرآن:128-129]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}
يعني به: علماء اليهود، أي: أعطوا علم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتموه.
{يؤمنون بالجبت والطّاغوت}
قال أهل اللغة: كل معبود من دون اللّه فهو جبت وطاغوت.
وقيل: الجبت والطاغوت الكهنة والشياطين.
وقيل في بعض التفسير: الجبت والطاغوت ههنا، حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف اليهوديان وهذا غير خارج عما قال أهل اللغة، لأنه إذا اتبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون اللّه - عزّ وجلّ.
وقوله: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا} وهذا برهان ودليل على معاندة اليهود لأنهم زعموا إن الذين لم يصدقوا بشيء من الكتب وعبادة الأصنام، أهدى طريقا من الذين يجامعونهم على كثير مما يصدقون به، وهذا عناد بين.

وقوله جلّ وعزّ: {سبيلا} منصوب على التمييز، كما تقول: هذا أحسن منك وجها وهذا أجود منك ثوبان لأنك في قولك: " هذا أجود منك " قد أبهمت الشيء الذي فضلته به، إلا أن تريد أنّ جملته أجود من جملتك فتقول: هذا أجود منك.

وتمسك). [معاني القرآن: 2/61-62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} روي عن عمر رحمه الله أنه قال: {الجبت} السحر و{الطاغوت} الشيطان، وكذلك روي عن الشعبي.

وقال قتادة: {الجبت} الشيطان و{الطاغوت} الكاهن.
وروي عن ابن عباس أن:
{الجبت والطاغوت} رجلا من اليهود وهما كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب.

و{الجبت والطاغوت} عند أهل اللغة: كل ما عبد من دون الله أو أطيع طاعة فيها معصية أو خضع له، فهذه الأقوال متقاربة لأنهم إذا أطاعوهما في معصية الله والكفر بأنبيائه كانوا بمنزلة من عبدهما كما قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} حدثني من أثق به عن بن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك قال: الطاغوت ما عبد من دون الله، ومنه {واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} فقلت لمالك: ما الجبت؟ فقال: سمعت من يقول هو الشيطان، ويدل على هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الحماني قال حدثنا مروان بن معاوية وابن المبارك عن عوف عن حيان بن قطن عن قبيصة بن مخارق قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((العيافة والطيرة والطرق من الجبت)).). [معاني القرآن: 2/110-112]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} قال قتادة: هم اليهود.

وقال غيره: يبين بهذا أنهم عاندوا لأنهم قالوا لمن عبد الأصنام ولم يقر بكتاب هؤلاء أهدى من المؤمنين الذين صدقوا بالكتب). [معاني القرآن: 2/112-113]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {بالجبت والطاغوت} قال: {الجبت} رئيس اليهود، و{الطاغوت}: رئيس النصارى). [ياقوتة الصراط: 198]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْجِبْتُ}: السحر، الكاهن.
{الطَّاغُوتُ}: الشيطان). [العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا} أي: الذين باعدهم من رحمته.
وقد بيّنّا أن اللعنة: هي المباعدة في جميع اللغة.

شقوله: {ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا} أي: من يباعد الله من رحمته فهو مخذول في دعواه وحجته ومغلوب.
واليهود خاصة أبين خذلانا في أنهم غلبوا من بين جميع سائر أهل الأديان، لأنهم كانوا أكثر عنادا، وأنهم كتموا الحق وهم يعلمونه). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أولئك الذين لعنهم الله} اللعنة: الإبعاد، أي: باعدهم من توفيقه ورحمته). [معاني القرآن: 2/113]


تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{أم لهم نصيبٌ مّن الملك فإذاً لاّ يؤتون النّاس نقيراً...}
النقير: النقطة في ظهر النواة.

و(إذاً) إذا استؤنف بها الكلام نصبت الفعل الذي في أوله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ فيقال: إذا أضربك، إذاً أجزيك. فإذا كان فيها فاء أو واو أو ثمّ أو (أو) حرف من حروف النسق، فإن شئت: كان معناهما معنى الاستئناف فنصبت بها أيضاً.
وإن شئت: جعلت الفاء أو الواو إذا كانتا منها منقولتين عنها إلى غيرها.
والمعنى في قوله {فإذاً لاّ يؤتون} على: فلا يؤتون الناس نقيرا إذاً. ويدلك على ذلك أنه في المعنى - والله أعلم - جواب لجزاء مضمر، كأنك قلت: ولئن كان لهم، أو ولو كان لهم نصيب لا يؤتون الناس إذا نقيرا، وهي في قراءة عبد الله منصوبة {فإذا لا يؤتوا الناس نقيرا} وإذا رأيت الكلام تامّا مثل قولك: هل أنت قائم؟ ثم قلت: فإذا أضربك، نصبت بإذاً ونصبت بجواب الفاء ونويت النقل.
وكذلك الأمر والنهي يصلح في إذاً وجهان:
1- النصب بها ونقلها.
2- ولو شئت رفعت بالفعل إذا نويت النقل فقلت: إيته فإذاً يكرمك، تريد فهو يكرمك إذاً، ولا تجعلها جوابهان وإذا كان قبلها جزاء وهي له جواب قلت: إن تأتني إذا أكرمك. وإن شئت: إذا أكرمك وأكرمك؛ فمن جزم أراد أكرمك إذاً، ومن "نصب" نوى في إذاً فاء تكون جوابا فنصب الفعل بإذاً، ومن "رفع" جعل إذاً منقولة إلى آخر الكلام؛ كأنه قال: فأكرمك إذاً. وإذا رأيت في جواب إذاً اللام فقد أضمرت لها (لئن) أو يمينا أو (لو).
من ذلك قوله عزّ وجل: {ما اتّخذ اللّه من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كلّ إلهٍ بما خلق}، والمعنى - والله أعلم -: لو كان [معه] فيهما إله لذهب كل إله بما خلق. ومثله {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذا لاتّخذوك خليلا} ومعناه: لو فعلت لاتخذوك.
وكذلك قوله: {كدت تركن} ثم قال: {إذاً لأذقناك}، معناه: لو ركنت لأذقناك إذاً، وإذا أوقعت (إذاً) على يفعل وقبله اسم بطلت فلم تنصب؛
فقلت: أنا إذا أضربك. وإذا كانت في أوّل الكلام (إنّ) نصبت يفعل ورفعت؛ فقلت: إني إذاً أوذيك. والرفع جائز؛ أنشدني بعض العرب:
لا تتركنّي فيهم شطيرا * إني إذاً أهلك أو أطيرا). [معاني القرآن: 1/273-274]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نقيراً} النّقرة: في ظهر النواة).
[مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (النقير): "النقرة" التي في ظهرها.

و(القطمير): القشرة الرقيقة التي عليها.
وروى عن ابن عباس أنه وضع طرف إبهامه على باطن السبابة ثم نقلها وقال: هذا النقير، وقال: الفتيل ما يخرج من بين الإصبعين إذا فتلتهما). [غريب القرآن وتفسيره: 120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (النّقير) النقطة التي في ظهر النواة، يقول: لا يعطون الناس شيئا ولا مقدار تلك النقطة.

و(الفتيل) القشرة في بطن النواة، ويقال: هو ما فتلته بإصبعيك من وسخ اليد وعرقها.

(القطمر) الفوفة التي تكون فيها النواة.
ويقال: الذي بين قمع الرطبة والنواة). [تفسير غريب القرآن: 129]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون النّاس نقيرا} المعنى: بل ألهم نصيب من الملك.
{فإذا لا يؤتون النّاس نقيرا}
قال بعضهم: إنما معناه أنهم لو أعطوا الملك، ما أعطوا الناس نقيرا، وذكر النقير ههنا تمثيل، المعنى: لضنّوا بالقليل.

وأما رفع " يؤتون" فعلى " فلا يؤتون الناس نقيرا إذن " ومن "نصب" فقال: " فإذا لا يؤتوا الناس " جاز له ذلك في غير القراءة فأما المصحف فلا يخالف.

قال سيبويه: " إذا " في عوامل الأفعال بمنزلة " أظن " في عوامل الأسماء، فإذا ابتدأت إذن وأنت تريد الاستقبال نصبت لا غير، تقول: إذن أكرمك، وإن جعلتها معترضة ألغيتها فقلت: أنا إذن أكرمك،، أي: أنا أكرفك إذن، فإن أتيت بها مع الواو والفاء قلت فإذا أكرمك، وإن شئت فإذن أكرمك.

فمن قال فإذن أكرمك نصب بها وجعل الفاء ملصقة بها في اللفظ والمعنى، ومن قال: فإذن أكرمك جعل إذا لغوا، وجعل الفاء في المعنى معلقة بأكرمك والمعنى فأكرمك إذن.
وتأويل " إذن ": إن كان الأمر كما ذكرت، أو كما جرى، يقول القائل: زيد يصير إليك فتجيب فتقول إذن أكرمه، تأويله: إن كان الأمر على ما تصف وقع إكرامه فأن مع أكرمه مقدرة بعد إذن.
المعنى: إكرامك واقع أن كان الأمر كما قلت.
قال سيبويه: حكى بعض أصحاب الخليل عن الخليل أن " أن " هي العاملة في باب إذن.
فأمّا سيبويه فالذي يذهب إليه ونحكيه عنه أن إذن نفسها الناصبة، وذلك أن (إذن) لما يستقبل لا غير في حال النسب، فجعلها بمنزلة أن في العمل كما جعلت " لكنّ " نظيرة " إنّ " في العمل في الأسماء.
وكلا القولين حسن جميل إلا أن العامل - عندي - النصب في سائر الأفعال، (أن)، وذلك أجود، إما أن تقع ظاهرة أو مضمرة، لأن رفع المستقبل بالمضارعة فيجب أن يكون نصبه في مضارعه ما ينصب في باب الأسماء، تقول أظنّ أنك منطلق، فالمعنى أظن انطلاقك، وتقول أرجو أن تذهب، أي: أرجو ذهابك. ف أن الخفيفة مع المستقبل كالمصدر.

كما أن (أن) الشديدة مع اسمها وخبرها كالمصدر، وهو وجه المضارعة). [معاني القرآن: 2/62-64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أم لهم نصيب من الملك} قيل: إنهم كانوا أصحاب بساتين ومال وكانوا مع ذلك بخلاء وقيل إنهم لو ملكوا لبخلوا). [معاني القرآن: 2/113]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (
والنقير: النقرة في ظهر النواة.
والقطمير: قشر النواة). [ياقوتة الصراط: 198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
(النقير) النقطة في ظهر النواة.

و(الفتيل) الخيط في بطن النواة، وقيل: ما يُفتل من الوَسَخ بين الأصابع إذا فُتلت.
و(القطمير) التي على النواة). [تفسير المشكل من غريب القرآن:61-62]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله...} هذه اليهود حسدت النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء، فقالوا: هذا يزعم أنه نبيّ وليس له همّ إلا النساء، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} وفي آل إبراهيم سليمان بن داود، وكان له تسعمائة امرأة، ولداود مائة امرأة، فلما تليت عليهم هذه الآية كذّب بعضهم وصدّق بعضهم.
وهو قوله: {فمنهم مّن آمن به...}). [معاني القرآن: 1/275]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أم يحسدون النّاس} معناها: أيحسدون الناس).
[مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني بالناس: النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، على كل ما أحلّ اللّه له من النساء.

{فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً} يعني: داود النبي عليه السلام، وكانت له مائة امرأة، وسليمان وكانت له تسعمائة امرأة وثلاثمائة سرية).
[تفسير غريب القرآن: 129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وتكون "أم" بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، أراد: أيحسدون الناس؟).
[تأويل مشكل القرآن: 546]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -:
{أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} معناه: بل أيحسدون النّاس، وهنا يعني به: النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت اليهود قد حسدته على ما آتاه اللّه من النبوة، وهم قد علموا أن النبوة في آل إبراهيم عليه السلام، فقيل لهم: أتحسدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كانت النبوة في آله وهم آل إبراهيم (عليهما السلام).
وقيل في التفسير: إن اليهود قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنه النساء، حسدا لما أحلّ له منهنّ، فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن آل إبراهيم قد أوتوا ملكا عظيما.
وقال بعضهم: نالوا من النساء أكثر مما نال محمد - صلى الله عليه وسلم - كان لداود مائة امرأة، وكان لسليمان ألف ما بين حرّة ومملوكة، فما بالهم حسدوا النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} قال الضحاك: قالت اليهود: يزعم محمد أنه قد أحل له من النساء ما شاء، فأنزل الله عز وجل: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} فالمعنى: بل يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحل له من النساء.

قال السدي: وقد كانت لداود صلى الله عليه وسلم مائة امرأة ولسليمان أكثر من ذلك.
وقال قتادة: أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب حين بعث فيهم نبي فيكون الفضل ههنا النبوة وقد شرف بالنبي صلى الله عليه وسلم العرب أي فكيف لا يحسدون إبراهيم صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء وقد أوتي سليمان الملك). [معاني القرآن: 2/114-115]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وآتيناهم ملكا عظيما} قال مجاهد: يعني النبوة.
وقال همام بن الحارث: أيدوا بالملائكة والجنود). [معاني القرآن: 2/115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحلَ الله له من النساء.

{وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} يعني: داود صلى الله عليه وسلم، كانت له مائة امرأة، وسليمان صلى الله عليه وسلم كانت له سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]

تفسير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله: {فمنهم مّن آمن به...}
بالنبأ عن سليمان وداود {ومنهم مّن صدّ عنه} بالتكذيب والإعراض). [معاني القرآن: 1/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكفى بجهنّم سعيراً} أي: وقوداً).
[مجاز القرآن: 1/130]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فمنهم مّن آمن به ومنهم مّن صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيراً}
قال: {وكفى بجهنّم سعيراً} فهذا مثل "دهين" و"صريع" لأنك تقول: "سعرت" فـ"هي مسعورةٌ" وقال: {وإذا الجحيم سعّرت}).
[معاني القرآن: 1/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرا} أي: من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
{ومنهم من صدّ عنه}
وقيل {منهم من آمن به} أي: بهذا الخبر عن سليمان وداود فيما أعطيا من النساء.

وقوله:
{وكفى بجهنم سعيرا} المعنى: كفت جهنم شدة توقد). [معاني القرآن: 2/64-65]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه} قال مجاهد: يعني القرآن.
وقيل: بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون المعنى: فمنهم من آمن بهذا الخبر ومنهم من صد عنه {وكفى بجهنم سعيرا} والسعير: شدة توقد النار). [معاني القرآن: 2/115-116]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نصليهم ناراً} : نشويهم بالنار وننضجهم بها، يقال: أتانا بحمل مصلىّ مشويّ، وذكروا أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاةً مصليةً، أي: مشوية). [مجاز القرآن: 1/130]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزاً حكيماً}
قال:
{بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} فإن قال قائل: "أليس إنما تعذب الجلود التي عصت، فكيف يقول {غيرها}"؟

قلت: "إنّ العرب قد تقول: "أصوغ خاتماً غير ذا" فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى، فهو الأول إلاّ أن الصياغة تغيرت.
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مّمّا قضيت ويسلّموا تسليماً}
وقال: {ويسلّموا تسليماً} أي: {حتّى يحكّموك} وحتى {يسلّموا} كل هذا معطوف على ما بعد حتى.
{ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مّا فعلوه إلاّ قليلٌ مّنهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لّهم وأشدّ تثبيتاً}
قال: {مّا فعلوه إلاّ قليلٌ مّنهم} فرفع {قليلٌ} لأنك جعلت الفعل لهم وجعلتهم بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل). [معاني القرآن: 1/205]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزا حكيما}
{سوف نصليهم نارا
} أي: نشويهم في نار.

ويروى أن يهودية أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مصليّة، أي: مشويّة.
وقوله:
{كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها} الأحسن إظهار التاء ههنا مع الجيم، لئلا تكثر الجيمات، وإن شئت: أدغم التاء في الجيم؛ لأن الجيم من وسط اللسان والتاء من طرفه، والتاء حرف مهموس فأدغمته في الجيم.
فإن قال قائل بدل الجلد الذي عصى بالجلد الذي غير العاصي، فذلك غلط من القول، لأن العاصي والآلم هو الإنسان لا الجلد.

وجائز أن يكون: بدل الجلد النضج، وأعيد كما كان جلده الأول، كما تقول: قد صغت من خاتمي خاتما آخر فأنت وإن غيرت الصوغ فالفضة أصل واحد، وقد كان الجلد بلي بعد البعت، فإنشاؤه بعد النضج كإنشائه بعد البعث.
وقوله:
{ليذوقوا العذاب} أي: ليبلغ في ألمهم.
وقوله:
{إنّ اللّه كان عزيزا حكيما} العزيز: البالغ إرادته، الذي لا يغلبه شي " وهو مع ذلك حكيم فيما يدبر، لأن ّ الملحدين ربما سألوا عن العذاب كيف وقع؟ فأعلم الله عزّ وجلّ أن جميع ما فعله بحكمة). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا} المعنى: نلقيهم فيها يقال أصليته إصلاء إذا ألقيته في النار إلقاء كأنك تريد الإحراق، وصليت اللحم إذا شويته أصليه صليا وصليت بالأمر أصلى إذا قاسيت شدته.
وفي الحديث أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية، أي: مشوية). [معاني القرآن: 2/116-117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} في هذا قولان:

أحدهما: أن الألم إنما يقع على النفوس والجلود وإن بدلت فالألم يقع على الإنسان.
والقول الآخر: أن يكون الجلد الأول أعيد جديدا كما تقول صغت الخاتم). [معاني القرآن: 2/117]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ليذوقوا العذاب} أي: لينالهم ألم العذاب، ثم قال تعالى: {إن الله كان عزيزا حكيما} أي: هو حكيم فيما عاقب به من العذاب). [معاني القرآن: 2/118]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهّرة وندخلهم ظلّا ظليلا} المعنى: تجري من تحتها مياه الأنهار، لأن الجاري على الحقيقة الماء.
وقوله:
{وندخلهم ظلّا ظليلا} معنى: ظليل يظل من الريح والحر، وليس كل ظل كذلك.
أعلم الله - عزّ وجلّ - أن ظل أهل الجنّة ظليل لا حرّ معه ولا برد.
وكذلك قوله: {وظلّ ممدود} لأن ليس كل ظلّ ممدودا). [معاني القرآن: 2/66]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار} أي: ماء الأنهار). [معاني القرآن: 2/118]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة} أي: من الأدناس والحيض

ثم قال تعالى: {وندخلهم ظلا ظليلا} أي: يظل من الحر والبرد وليس كذا كل ظل).
[معاني القرآن: 2/118-119]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 58 إلى 73]

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللّه نعمّا يعظكم به إنّ اللّه كان سميعا بصيرا}
هذا أمر عامّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع أمّته.
ويروى في التفسير: أن العباس عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل له السقاية والسّدانة وهي الحجبة،
وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه، فنازعه شيبة بن عثمان فقال: يا رسول الله اردد علي ما أخذت منّي، يعني: مفتاح الكعبة، فرده - صلى الله عليه وسلم - على شيبة.
وقوله: {إنّ اللّه نعمّا يعظكم به} هذه على أوجه{نعمّا}:

1- بكسر النون والعين وإدغام الميم في الميم.
2- وإن شئت فتحت النون.

3- وإن شئت أسكنت العين فقلت نعمّا، إلا أن الأحسن عندي الإدغام مع كسر العين فأمّا من قرأ نعم ما بإسكان العين والميم، فهو شيء ينكره البصريون، ويزعمون أن اجتماع السّاكنين أعني العين والميم غير جائز، والذي قالوا بيّن، وذلك إنّه غير ممكن في اللفظ، إنما يحتال فيه بمشقة في اللفظ). [معاني القرآن: 2/66-67]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قيل عن ابن عباس: هذا عام.

وروي عن شريح أنه قال لأحد خصمين: أعطه حقه فإن الله عز وجل يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}،ثم قال شريح {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فإنما هذا في الربا خاصة.
وقيل إنه نزلت {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} لما أخذت مفاتح البيت من شيبة بن عثمان وقال ابن زيد: هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية، ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} إلا أن ابن عباس قال: وأولوا الأمر منكم وأولوا الفقه والدين.
وقال مجاهد: أصحاب محمد.
وقال أبو هريرة: هم الأمراء، وهذا من أحسنها إلا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة). [معاني القرآن: 2/119-121]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأولي الأمر منكم} أي: ذوي الأمر، والدليل على ذلك أن واحدها (ذو).

{فإن تنازعتم في شيء} أي: اختلفتم.
{فردّوه إلى الله} أي: حكمه إلى الله فالله أعلم). [مجاز القرآن: 1/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأولي الأمر منكم} يعني: الأمراء الذين كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبعث بهم على الجيوش، فردّوه إلى اللّه بأن تردوه إلى كتابه العزيز ولو ردّوه إلى الرّسول بأن تردوه إلى سنته.

{ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا} أي: وأحسن عاقبة).
[تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: أطيعوا أولي الأمر منكم، فأمر الله عزّ وجلّ بطاعته، فيما فرض، وطاعة رسوله وتصديقه فيما أدى عن اللّه.
وأولو الأمر منهم: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعهم من أهل العلم، وقيل إنهم هم الأمراء، والأمراء إذا كانوا أولي علم ودين آخذين بما يقوله أهل العلم، فطاعتهم فريضة.

وجملة أولي الأمر من المسلمين من يقول بشأنهم في أمر دينهم وجميع ما أدى إلى صلاح له.
ويقال: أديت الشيء تأدية، والأداء اسم ممدود وأدوت الرجل آدو له أدوا إذا ختلته.
قال الشاعر:
أدوت له لأختله...فهيهات الفتى حذرا
وأدي اللبن أديّا إذا حمض.
وقوله:
{فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول} معنى {تنازعتم}: اختلفتم وتجادلتم وقال كل فريق: القول قولي.
واشتقاق المنازعة أن كل واحد منهما ينزع الحجة.
وفي هذه الآية أمر مؤكد يدل على أن القصد للاختلاف كفر، وأنّ الإيمان اتباع الإجماع والسّنة.
ولا يخلو قوله عزّ وجلّ:
{فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر} من أحد أمرين:

1- إمّا أن تردّوا ما اختلفتم فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله.
2- أو تقولوا إن لم تعلموه: اللّه ورسوله أعلم.
{ذلك خير وأحسن تأويلا} أي: إنّ ردّكم ما اختلفتم فيه إلى ما أتى من عند اللّه وترككم التحارب خير، وأحسن تأويلا لكم، أي: أحسن عاقبة لكم.

وجائز أن يكون: أحسن تأويلا، أي: أحسن من تأولكم أنتم دون ردكم إياه إلى الكتاب والسنة.
وتأويلا: منصوب على التمييز).
[معاني القرآن: 2/67-68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال جابر بن عبد الله: {أولو الأمر} أولوا الفقه والعلم، وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء.
وقال أبو هريرة: يعني به أمراء السرايا، وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني))
وقال عكرمة: {أولوا الأمر} أبو بكر وعمر.
وهذه الأقوال كلها ترجع إلى شيء واحد لأن أمراء السرايا من العلماء لأنه كان لا يولي إلا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء). [معاني القرآن: 2/122-123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن تنارعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} اشتقاق المنازعة: أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه).
[معاني القرآن: 2/123]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وفي قوله جل وعز:
{فردوه إلى الله والرسول} قولان:
أحدهما: قاله مجاهد وقتادة: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه إلى كتاب الله ورسوله فإذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه إلى سنته.
والقول الآخر: فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} قال قتادة: {وأحسن تأويلا} وأحسن عاقبة .

وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل إلى كذا.

ويجوز أن يكون المعنى: وأحسن من تأويلكم). [معاني القرآن: 2/123-125]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} يعني: الأمراء الذين كان يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيوش {فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَحْسَنُ تَأْوِيلاً}: عاقبة).
[العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: -
{ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدا} يعنى به: المنافقون.
{أنّهم} تنوب عن اسم الزعم وخبره.
وقوله:
{يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت} إلى الكاهن والشيطان.
ويروى أن رجلا من المنافقين نازعه رجل من اليهود، فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم، وقال المنافق: بيني وبينك الكاهن، فلم يرض اليهودي بالكاهن وصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكم لليهودي على المنافق، فقال المنافق: لا أرضى، بيني وبينك أبو بكر، فحكم أبو بكر أيضا لليهودي، فلم يرض المنافق وقال: بيني وبينك عمر فصارا إلى عمر فأخبره اليهودي بأن المنافق قد حكم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فلم يرض بحكمهما، فقال عمر للمنافق:
أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: اصبروا فإن لي حاجة أدخل فأقضيها وأخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه وخرج إلى المنافق فضربه بالسيف حتى قتله، فجاء أهله فشكوا عمر إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن قصته فقال عمر: إنه ردّ حكمك يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه: ((أنت الفاروق)).). [معاني القرآن: 2/68-69]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} قال الضحاك: نزل هذا في رجلين اختصما أحدهما يهودي والآخر منافق فقال اليهودي: بيني وبينك محمد، وقال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف).
[معاني القرآن: 2/125]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا} أي: يصدّون عن، حكمك).
[معاني القرآن: 2/69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} أي: يصدون عن حكمك).
[معاني القرآن: 2/125]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يصدون عنك صدودا} أي: يعرضون عنك إعراضا، وصد، أي: أعرض، وصد: ضج، وصد: منع، وصد: هجر، وصد يصد، إذا ضج، والباقي كله من: فعل يفعل مضموم). [ياقوتة الصراط: 199]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: فكيف تكون حالهم إذا قتل صاحبهم بما أظهر من الخيانة وردّ حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{ثمّ جاءوك يحلفون باللّه إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا} أي: ما أردنا بمطالبتنا بدم صاحبنا إلا إحسانا وطلبا لما يوافق الحق). [معاني القرآن: 2/69]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} المعنى: فكيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم {ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا}.

يروى أن: عمر قتل المنافق الذي قال لليهودي امض بنا إلى كعب بن الأشرف يقض بيننا فجاء أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله إن أردنا بطلب الدم إلا إحسانا وموافقة للحق،
وقيل المعنى: إذا نزلت بهم عقوبة لم تردعهم وحلفوا كاذبين أنهم ما أرادوا باحتكامهم إليه إلا الإحسان من بعضهم إلى بعض والصواب فيه). [معاني القرآن: 2/125-127]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{أولئك الّذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}
اللّه يعلم ما في قلوب أولئك وقلوب غيرهم، إلا أن الفائدة في ذكره ههنا الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي أولئك الذين قد علم اللّه أنهم منافقون.
والفائدة لنا هي: اعلموا أنهم منافقون.

وقوله جلّ وعزّ:
{فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي: أعلمهم أنهم إن ظهر منهم ردّ لحكمك وكفر، فالقتل حقهم.
يقال قول بليغ إذا كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، ويقال أحمق بلغ وبلغ.
وفيه قولان:

1- إنّه أحمق يبلغ حيث يريد.
2- ويكون " أحمق بلغ وبلغ " قد بلغ في الحماقة.
والقول الأول: قول من يوثق بعلمه، والثاني: وجه جيد). [معاني القرآن: 2/69-70]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} وهو عالم بكل شيء، والفائدة: أنه قد علم أنهم منافقون فأعلموا ذلك).
[معاني القرآن: 2/127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} أي: قل لهم من خالف حكم النبي صلى الله عليه وسلم وكفر به وجب عليه القتل).
[معاني القرآن: 2/127]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{وما أرسلنا من رسول إلّا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما}
إي، أذن في ذلك.
و " من " دخلت للتوكيد. المعنى وما أرسلنا رسولا إلّا ليطاع بإذن اللّه.
وقوله:
{ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه}
" أن " في موضع رفع، المعنى: لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم أنفسهم مع استغفارهم {لوجدوا اللّه توّابا رحيما} ).
[معاني القرآن: 2/70]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} "من" زائدة للتوكيد ويدل على معنى الجنس ومعنى إلا بإذن الله إلا بأنه أذن الله، وقيل يجوز أن يكون معناه: إلا بعلم الله). [معاني القرآن: 2/128]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {شجر بينهم} أي: اختلط.

{لا يجدوا في أنفسهم حرجاً} أي: ضيقاً). [مجاز القرآن: 1/131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فيما شجر بينهم}: فيما اختصموا فيه.

{حرجا}: ضيقا). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فيما شجر بينهم} أي: فيما اختلفوا فيه.

{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت} أي: شكا ولا ضيقا من قضائك.
وأصل الحرج: الضيق). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما} يعنى به: المنافقون.
{حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} أي: فيما وقع من الاختلاف بينهم.
{ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت} أي: لا تضيق صدورهم من قضيتيك.
{ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لما يأتي به من حكمك، لا يعارضونه بشيء، و{تسليما} مصدر مؤكد، والمصادر المؤكدة بمنزلة ذكر الفعل ثانيا، كأنك إذا قلت سلمت تسليما فقد قلت: سلّمت سلّمت.

وحقّ التوكيد: أن يكون محقّقا لما تذكره في صدر كلامك، فإذا قلت ضربت ضربا، فكأنك قلت أحدثت ضربا أحقه ولا أشك فيه، وكذلك {ويسلّموا تسليما} أي: يسلمون لحكمك تسليما، لا يدخلون على أنفسهم فيه شكا). [معاني القرآن: 2/70-71]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} أي: فيما اختلفوا فيه ومنه تشاجر القوم.
وأصل هذا: من الشجر لاختلاف أغصانه، ومنه شجره بالرمح، أي: جعله فيه بمنزلة الغصن في الشجرة، ومنه اشتجر القوم قال زهير:
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل). [معاني القرآن: 2/128-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت} أي: شكا وضيقا.

وأصل الحرج: الضيق). [معاني القرآن: 2/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويسلموا تسليما} أي ويسلموا لأمرك وقوله: {تسليما} مؤكد).
[معاني القرآن: 2/129]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {حرجا} أي: ضيقا).
[ياقوتة الصراط: 199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ} أي: شكاً ولا ضيقاً من قضائك.

وأصل الحرج: الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({شَجَرَ بَيْنَهُمْ}: اختصموا فيه.
{حَرَجاً}: ضيقا). [العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولو أنّا كتبنا عليهم} معناه: قضينا عليهم.

{ما فعلوه إلا قليلٌ منهم}

{ما فعلوه}: استثناء قليل من كثير، فكأنه قال: ما فعلوه، فاستثنى الكلام، ثم قال: إلا أنه يفعل قليل منهم.
ومنهم من زعم: أن {ما فعلوه} في موضع: ما فعله إلاّ قليل منهم، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
فشبّه رفع هذا برفع الأول، وقال بعضهم: لا يشبهه لأن الفعل منهما جميعاً.
{ما يوعظون به}: ما يؤمرون به.
{وأشدّ تثبيتاً}: من الإثبات، منها: اللّهم ثبّتنا على ملّة رسولك). [مجاز القرآن: 1/131]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولو أنّا كتبنا عليهم} أي: فرضنا عليهم وأوجبنا).
[تفسير غريب القرآن: 130]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلّا قليل منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدّ تثبيتا}
" لو " يمنع بها الشيء لامتناع غيره. تقول لو جاءني زيد لجئته.

المعنى: أن مجيئي امتنع لامتناع مجيء زيد، فحقها أن يلها الأفعال.
إلا أن (أنّ) المشددة تقع بعدها، لأن - " أنّ " في اللغة تنوب عن الاسم والخبر، تقول ظننت أنك عالم.
وهذا كقولك ظننتك عالما. والمعنى ظننت علمك.
فالمعنى في " أنّ " بعد " لو " أنها نابت عن الفعل والاسم، كما نابت عن الاسم والخبر.
فالمعنى في قوله: {ولو أنّا كتبنا عليهم} كالمعنى في لو كتبنا عليهم.
وجائز أن يكون مضمرا الفعل مع (أنّ) مع وقوع قابلها.
المعنى ولو وقع وكتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم.
وإن شئت: كسرتها لالتقاء السّاكنين أعني..
{أن اقتلوا أنفسكم}
وإن شئت قلت" " أن اقتلوا " فضممتها لانضمام التاء..
وأبو عمرو بن العلاء يختار مع النونات خاصة الكسر ومع سائر ما في القرآن - إذا كان ما بعدها مضموما - الضّم، إلا قوله:
{وقالت اخرج عليهنّ}، {ولقد استهزئ برسل من قبلك}
ولست أعرف في هذين الحرفين خاصية أبي عمرو إياهما بالكسر إلا أن يكون:

روى رواية فاختار الكسر لهذه العلة.
أو يكون أراد أن الكسر جاز أيضا كما جاز الضم - وهذا أجود التأويلين.
وللكسر والضم
في هذه الحروف وجهان جيدان قد قرأت القراء بهما:
1- فأمّا رفع إلا قليل. منهم. فعلى البدل من الواو، المعنى: ما فعله إلا قليل منهم.

2- والنصب جائز في غير القرآن، على معنى: ما فعلوه استثني قليلا منهم.
وعلى ما فسّرنا في نصب الاستثناء، فإن كان في النفي نوعان مختلفان
فالاختيار النصب، والبدل جائز، تقول ما بالدار أحد إلا حمارا
قال النابغة الذبياني:
وقفت فيها أصيلا لا أسائلها... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
إلاّ الأواريّ لأيا ما أبيّنها... والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فقال ما بالربع من أحد، أي ما بالربع أحد إلّا أواري، لأن الأواري ليست من الناس.
وقد يجوز الرفع على البدل، وإن كان ليس من جنس الأول كما قال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
فجعل اليعافير والعيس بدلا من الأنيس.
وجائز أن يكون: أنيس ذلك البلد اليعافير والعس). [معاني القرآن: 2/71-73]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وحسن أولئك رفيقاً} أي: رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداسٍ:

فقلنا أسلموا إنّا أخوكم... فقد برئت من الإحن الصدورٌ
وفي القرآن: {يخرجكم طفلاً} والمعنى: أطفالا).
[مجاز القرآن: 1/131]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم مّن النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً}
قال:
{وحسن أولئك رفيقاً} فليس هذا على "نعم الرّجل" لأن "نعم" لا تقع إلا على اسم فيه الألف واللام أو نكرة، ولكن هذا على مثل قولك: "كرم زيدٌ رجلاً" تنصبه على الحال.

و"الرفيق" واحد في معنى جماعة مثل "هم لي صديقٌ"). [معاني القرآن: 1/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وحسن أولئك رفيقا}: رفقاء). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه واحد يراد به جميع:
كقوله:
{هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ}، وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}
وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا.

وقوله:
{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
والعرب تقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يريدون الدراهم والدنانير.
وقال الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا = وإنّا من لقائهم لزور
وقال الله عز وجل: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}، أي: الأعداء، {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، أي: رفقاء.

وقال الشاعر:
فقلنا: أسلموا إنّا أخوكم = وقد برئت من الإحن الصّدور). [تأويل مشكل القرآن:284-285] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيق}
وقوله:
{وحسن أولئك رفيقا}يعنى: النبيين، لأنه قال: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك} أي: المطيعون.
{مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا} أي: الأنبياء ومن معهم حسنوا رفيقا.
و" رفيقا " منصوب على التمييز، ينوب عن رفقاء، وقال بعضهم لا ينوب الواحد عن الجماعة إلا أن يكون من أسماء الفاعلين، فلو كان " حسن القوم رجلا " لم يجز عنده، ولا فرق بين رفيق ورجل في هذا المعنى لأن الواحد في التمييز ينوب عن الجماعة، وكذلك في المواضع التي لا تكون إلا جماعة نحو قولك هو أحسن فتى وأجمله، المعنى هو أحسن الفتيان وأجملهم، وإذا كان الموضع الذي لا يلبس ذكر الواحد فيه، فهو ينبئ عن الجماعة كقول الشاعر:

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها... فبيض وأمّا جلدها فصليب
وقال الآخر:
في حلقكم عظم وقد شجينا
يريد: في حلوقكم عظام، ولو قلت حسن القوم مجاهدا في سبيل اللّه.

وحسن القوم رجلا كان واحدا
وقوله: {وكفى باللّه عليما}
معناه: كفى اللّه عليما، والباء مؤكدة، المعنى: اكتفوا باللّه عليما). [معاني القرآن: 2/73-74]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} يروى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك، فأنزل الله عز وجل: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} فعرفهم أن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا ما أنعم الله عليهم به).
[معاني القرآن: 2/130]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً...}
يقول: عصباً إذا دعيتم إلى السرايا، أو دعيتم لتنفروا جميعا). [معاني القرآن: 1/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فانفروا ثباتٍ}: واحدتها ثبة، ومعناها: جماعات في تفرقة؛ وقال زهير بن أبي سلمى:

وقد أغدو على ثبةٍ كرام... نشاوى واجدين لما نشاء
وتصديق ذلك{أو انفروا جميعاً) (71)، وقد تجمع ثبة: ثبين، قال عمرو بن كلثوم:

فأمّا يوم خشيتنا عليهم... فتصبح خيلنا عقبا ثبينا). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({انفروا ثبات}: جماعات، واحدها: ثبة). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ثباتٍ} جماعات، واحدتها: ثبة، يريد: جماعة بعد جماعة.

{أو انفروا جميعاً} أي: بأجمعكم جملة واحدة).
[تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}
أمر اللّه أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التهلكة وأن يحذروا عدوهم وأن يجاهدوا في الله حق الجهاد، ليبلو الله الأخيار وضمن لهم مع ذلك النصر، لأنه لو تولى اللّه تعالى قتل أعدائه بغير سبب للآدميين لم يكونوا مثابين، ولكنه أمر أن يؤخذ الحذر.
وقال: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا} والثبات الجماعات المتفرقة، واحدها: ثبة.

قال زهير ابن أبي سلمى:
وقد أغدو على ثبة كرام... نشاوى واجدين لما نشاء
قال سيبويه ثبة تجمع ثبون وثبين، في الرفع والنصب والجر وإنما جمعت بالواو والنون - وكذلك عزة وعضة - كقوله عزّ وجلّ {الّذين جعلوا القرآن عضين} - لأنّ الواو والنون جعلتا عوضا من حذف آخر الكلمة.

وثبة: التي هي الجماعة محذوف آخرها؛ تصغّر ثبيّة، وثبة الحوض: وسطه حيث يثوب الماء إليه تصغّر ثوبية، لأن هذا محذوفة منه عين الفعل، وإنما اشتقت ثبة الجماعة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته، وتأويله: أنك جمعت ذكر محاسنه، فأما الثبة الجماعة من فرقة، فتأويله: انفروا جماعات متفرقة أو انفروا بعضكم إلى بعض).
[معاني القرآن: 2/74-75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}

قال قتادة:
الثبات الفرق.
وقال الضحاك: الثبات العصب والجميع المجتمعون.
وقال أهل اللغة: "الثبات" الجماعات في تفرقة، والمعنى: انفروا جماعة بعد جماعة أو انفروا بأجمعكم وواحد الثبات ثبة وهي مشتقة من قولهم ثبيت الرجل إذا أثنيت عليه في حياته لأنك كأنك جمعت محاسنه). [معاني القرآن: 2/130-131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {فانفروا ثبات} أي: فرقا).
[ياقوتة الصراط: 199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {أَو انْفِرُوا جَمِيعاً} أي: انفروا مجتمعين).
[ياقوتة الصراط: 200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ثُبَاتٍ} أي: جماعات، الواحدة: ثُبة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ثُبَاتٍ}: جماعة متفرقة).
[العمدة في غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ...}
اللام التي في (من) دخلت لمكان (إنّ) كما تقول: إنّ فيها لأخاك.

ودخلت اللام في {ليبطّئنّ} وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين؛ كما تقول في الكلام: هذا الذي ليقومنّ؛ وأرى رجلا ليفعلنّ ما يريد.
واللام في النكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها في من وما والذي؛ لأن الوقوف عليهن لا يمكن.
والمذهب في الرجل والذي واحد إذا احتاجا إلى صلة.

وقوله: {وإنّ كلاّ لما ليوفّينّهم} من ذلك، دخلت اللام في (ما) لمكان إنّ، ودخلت في الصلة كما دخلت في ليبطئن، ولا يجوز ذلك في عبد الله، وزيد أن تقول: إن أخاك ليقومنّ؛ لأن الأخ وزيدا لا يحتاجان إلى صلة، ولا تصلح اللام أن تدخل في خبرهما وهو متأخر؛ لأن اليمين إذا وقعت بين الاسم والخبر بطل جوابها؛ كما نقول: زيد والله يكرمك، ولا تقول زيد والله ليكرمك). [معاني القرآن: 1/275-276]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ فإن أصابتكم مّصيبةٌ قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن مّعهم شهيداً}
قال:
{وإنّ منكم لمن لّيبطّئنّ} فاللام الأولى: مفتوحة لأنها للتوكيد نحو: "إنّ في الدّار لزيداً"
واللام الثانية: للقسم كأنه قال: "وإن منكم من واللّه ليبطئنّ"). [معاني القرآن: 1/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقال:
{وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: ممن أظهر الإيمان لمن يبطئ عن القتال، يقال قد أبطأ الرجل، وبطوء بمعنى: أبطأ تأخر، ومعنى بطوء: ثقل، إبطاء، وبطئا.
واللام الأولى التي في " لمن ": لام إن، واللام التي في ليبطئن: لام القسم، ومن موصولة بالجالب للقسم، كان هذا لو كان كلاما لقلت إن منكم لمن أحلف واللّه ليبطئن.

والنحويون يجمعون على أن: من وما والذي لا يوصلن بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها.
وقوله:
{فإن أصابتكم مصيبة قال} هذا المبطّئ: {قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: لم أشركهم في مصيبتهم). [معاني القرآن: 2/75-76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي} أي: يبطئ عن القتال ويبطئ على التكثير، يعنى به: المنافقون {فإن أصابتكم مصيبة} أي: هزيمة).
[معاني القرآن: 2/131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {
يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً...}
العرب تنصب ما أجابت بالفاء في ليت؛ لأنها تمنّ، وفي التمني معنى يسّرني أن تفعل فأفعل، فهذا نصب كأنه منسوق؛ كقولك في الكلام: وددت أن أقوم فيتبعني الناس: وجواب صحيح: يكون لجحد ينوي في التمنّي؛ لأنّ ما تمنّى مما قد مضى فكأنه مجحود؛ ألا ترى أن قوله: {يا ليتني كنت معهم فأفوز} فالمعنى: أكن معهم فأفوز، وقوله في الأنعام {يا ليتنا نردّ ولا نكذّب} هي في قراءة عبد الله بالفاء {نردّ فلا نكذب بآيات ربّنا} فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب، والرفع على الاستئناف، أي: فلسنا نكذب، وفي قراءتنا بالواو، فالرفع في قراءتنا أجود من النصب، والنصب جائز على الصرف؛ كقولك: لا يسعني شيء ويضيق عنك).
[معاني القرآن: 1/276]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} أي: ظفرتم وغنمتم.
{ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} جائز أن يكون: وقع ههنا معترضا.

المعنى: {ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ}
{يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}
ويكونّ:
{إن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} ومعنى المودّة ههنا، أي: كأنّه لم يعاقدكم على الإيمان، أي: كأنّه لم يظهر لكم المودة.

وجائز أن يكون - واللّه أعلم -: ليقولنّ يا ليتني كنت معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة، أي: كأنّه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم، فلا يكون في العربيّة فيه عيب ولا ينقص معنى.. واللّه أعلم.
{فأفوز فوزا عظيما}
{فأفوز} منصوب على جواب التمني بالفاء). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (
{ولئن أصابكم فضل من الله} أي: غنيمة، {ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة} لله وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام وهو محمول على المعنى لأن من لجماعة فهذا معترض، والمعنى هو: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم يكن بينكم وبينه مودة، أي: كأن لم يعاقدكم على الجهاد.

ويجوز أن يكون المعنى: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم يكن بينكم وبينه مودة). [معاني القرآن: 2/132]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 74 إلى 87]

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}

تفسير قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({
فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}
قال: {فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة} وقال: {ومن النّاس من يشري نفسه} أي: يبيعها، فقد تقع "شريت" للبيع والشراء). [معاني القرآن: 1/206]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} أي: إن كانت بينكم وبينه عقدة أمان فليقاتل في سبيل الله معكم.
{الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة}أي: يبيعون، يقال شريت بمعنى: بعت، وشريت، بمعنى: اشتريت قال يزيد بن مفرغ:
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
برد غلامه، وشريته بعته). [معاني القرآن: 2/76-77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} معنى {يشرون}: يبيعون يقال شريت الشيء إذا
بعته وإذا اشتريته). [معاني القرآن: 2/132-133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} وقرأ محمد بن اليماني {فيقتل أو يغلب}). [معاني القرآن: 2/133]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (
{الذين يشرون الحياة الدنيا} أي: يبيعون، و{يشرون} أي: يشترون). [ياقوتة الصراط: 200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين...}
و
{المستضعفين} في موضع خفض.
وقوله:
{الظّالم أهلها} خفض {الظالم} لأنه نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على القربة كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها؛ كما تقول: مررت بالرجل الواسعة داره، وكما تقول: مررت برجلٍ حسنةٍ عينه.

وفي قراءة عبد الله: "أخرجنا من القرية التي كانت ظالمة".
ومثله مما نسب الظلم إلى القرية وإنما الظلم لأهلها في غير موضع من التنزيل من ذلك {وكم من قريةٍ أهلكناها} ومنه قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها} معناه: سل أهل القرية). [معاني القرآن: 1/276-277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({
وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لّنا من لّدنك وليّاً واجعل لّنا من لّدنك نصيراً}
قال: {من هذه القرية الظّالم أهلها} فجررت "الظالم" لأنه صفة مقدمة ما قبلها مجرور وهي لشيء من سبب الأول، وإذا كانت كذلك جرّت على الأول حتى تصير كأنها له). [معاني القرآن: 1/206-207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين} أي: وفي المستضعفين بمكة.

و
(البروج) الحصون.
و(المشيّدة) المطولة). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا}
" ما " منفصلة،
المعنى: أي شيء لكم تاركين القتال.

و {لا تقاتلون} في موضع نصب على الحال كقوله - عزّ وجلّ - {فما لهم عن التذكرة معرضين} {والمستضعفين} في موضع جرّ، المعنى: وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه وسبيل المستضعفين.
{من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها} يعني بالقرية: مكة، أي: ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء.
وقوله:
{واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا} أي: تولّنا بنصرك وخلّصنا من أهل مكة الظالم أهلها.
فهو نعت لقرية، ووحد الظالم لأنه صفة تقع موقع الفعل تقول مررت بالقرية الصالح أهلها كقولك التي صلح أهلها.
قال أبو العباس محمد بن يزيد:
{والمستضعفين} في موضع جر من وجهين:

1- المعنى ما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه وفي المستضعفين.
2- قال وجائز أن يكون عطفا على اسم اللّه، أي: في سبيل الله وسبيل المستضعفين، قال: واختار أن يكون على " وفي المستضعفين " لاختلاف السبيلين، لأن معنى سبيل المستضعفين كأنه خلاص المستضعفين، وقول أكثر النحويين كما اختار أبو العباس محمد بن يزيد.
والوجه الثاني عندي أشبه بالمعنى، لأن سبيل المستضعفين هي سبيل اللّه). [معاني القرآن: 2/77-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال الزهري: المعنى في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين.
قال أبو جعفر: قال أبو العباس: يجوز أن يكون المعنى: وفي المستضعفين.
ويجوز أن يكون المعنى: وفي سبيل المستضعفين.
وقال الضحاك: هؤلاء قوم أسلموا ولم يقدروا على الهجرة وأقاموا بمكة فعذرهم الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} يعنى: مكة). [معاني القرآن: 2/134]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعر: {الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفا}

{والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت}
{الطاغوت} في قول النحويين أجمعين يذكر ويؤنث.

وفي القرآن دليل على تذكيره وتأنيثه:
فأما تذكيره فقوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}.
وأمّا تأنيثه فقوله - جلّ وعزّ -: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}
قال أبو عبيدة: {الطاغوت} ههنا في معنى: جماعة.

كما قال اللّه - عزّ وجلّ -:
{حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} معناه: لحم الخنازير كلها.
و
{الطاغوت} الشيطان، وكل معبود من دون اللّه فهو طاغوت.
والدليل على أن {الطاغوت} الشيطان: قوله {ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدا}).
[معاني القرآن: 2/78]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم كتبت علينا القتال} معناها: لم فرضته علينا.

{لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} معناها: هلاّ أخرتنا). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويكون كتب، بمعنى: فرض، كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} أي: فرض. و{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} و{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} أي: فرضت). [تأويل مشكل القرآن: 462] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشية وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدّنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}
قيل كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أذنت لنا أن نعمل معاول نقاتل بها المشركين، فأمروا بالكف وأداء ما افترض عليهم غير القتال، فلما كتب عليهم القتال خشي فريق منهم
{وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب} المعنى: هلّا أخرتنا، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن متاع الدنيا قليل وأن الآخرة لأهل التّقى). [معاني القرآن: 2/78-79]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (الفتيل): الذي في وسط شق النواة، والنواة تسمى: الجريمة).
[ياقوتة الصراط:198-199]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{في بروجٍ مّشيّدةٍ...}
يشدّد ما كان من جمع؛ مثل قولك: مررت بثياب مصبّغةٍ وأكبشٍ مذبّحةٍ. فجاز التشديد لأن الفعل متفرق في جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردّد في الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف؛ مثل قولك: مررت برجل مشجّج، وبثوب ممزّق؛ جاز التشديد؛ لأن الفعل قد تردد فيه وكثر. وتقول: مررت بكبشٍ مذبوح، ولا تقل مذبح لأن الذبح لا يتردّد كتردّد التخرق، وقوله: {وبئرٍ معطّلةٍ وقصرٍ مشيد} يجوز فيه التشديد؛ لأن التشييد بناء فهو يتطاول ويتردّد. يقاس على هذا ما ورد). [معاني القرآن: 1/277]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك...}
وذلك أن اليهود لمّا أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة قالوا: ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا؛ نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فقال الله تبارك وتعالى: [إن أمطروا وأخصبوا] قالوا: هذه من عند الله، وإن غلت أسعارهم قالوا: هذا من قبل محمد (صلى الله عليه وسلم).

وقول الله تبارك وتعالى:
{قل كلٌّ مّن عند اللّه}.
وقوله: {فمال هؤلاء القوم} {فمال} كثرت في الكلام، حتى توهّموا أن اللام متصلة بـ (ما) وأنها حرف في بعضه. ولاتصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام؛ لأنها لام خافضة). [معاني القرآن: 1/278]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بروج} البرج: الحصن.

{مشيّدةٍ}: مطوّلة، والمشيد: المزّيّن، الشّيد: الجصّ والصّاروج، والبروج: القصور). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بروج مشيدة}: حصون مجصصة والجص يقال له التشيد والصاروج أيضا). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وإن تصبهم حسنةٌ} أي: خصب

{وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: قحط.
{يقولوا هذه من عندك} أي: بشؤمك {قل كلٌّ من عند اللّه}). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}
الحسنة هاهنا: الخصب والمطر، يقول: إن أصابهم خصب وغيث قالوا: هذا من عند الله.

والسيئة: الجدب والقحط، يقول: وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، أي: بشؤمك، يقول الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
ومثل هذا قوله حكاية عن فرعون وملئه: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} يريد إذا جاءهم الخصب والمطر ،قالوا: هذا هو ما لم نزل نتعرّفه.

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي: يتشاءمون بهم.
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ما تطيّروا بموسى- لمجيئه- من عند الله.
ونحو قوله:
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} أي: خصبا وخيرا.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: جدب وقحط.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بذنوبهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنبك.

الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية). [تأويل مشكل القرآن:391-392]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلمهم أن آجالهم تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون فقال:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك قل كلّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}
لأن مفعّلة، وفعّل للتكثير، يقال: شاد الرجل بناءه يشيده شيدا إذا رفعه وإذا. طلاه بالشيد، وهو ما يطلى به البناء من الكلس والجصّ وغيره، ويقال أيضا قد أشاد الرجل بناءه.
فأمّا في الذكر فأشدت بذكر فلان لا غير إذا رفعت من ذكره.
وقوله عزّ وجلّ:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك}.
قيل كانت اليهود - لعنت - تشاءمت برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عند دخوله المدينة فقالت: منذ دخل المدينة نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فأعلم اللّه عز وجل أن الخصب والجدب من عند اللّه). [معاني القرآن: 2/79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} قال قتادة: البروج القصور المحصنة.

ومعروف في اللغة أن: البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين:
1-أن تكون مطولة.

2-والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص، وكذلك قال عكرمة وقال السدي: هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية.
وقيل المشيدة: المطولة، والمشيدة: مخففة المعمولة بالشيد.
وقيل المشيدة: على التكثير يقع للجميع). [معاني القرآن: 2/134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} الحسنة ههنا: الخصب، والسيئة: الجدب). [معاني القرآن: 2/134-135]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ولو كنتم في بروج مشيدة} أي: قصور مطولة). [ياقوتة الصراط: 200]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (البروج) الحصون،

و(المشيدة) المطولة.
{وإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي: خصب، و{سَيِّئَةٌ} قحط.

{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} أي: بشؤمك).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:62-63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بُرُوجٍ}: قصور.

{مُّشَيّدَةٍ}: مجصّصة مرفوعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{مّا أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيداً}
قال: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً} فجعل الخبر بالفاء لأن {ما} بمنزلة {من} وأدخل {من} على السيئة لأن {ما} نفي و{من} تحسن في النفي مثل قولك: "ما جاءني من أحد"). [معاني القرآن: 1/207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ما أصابك من حسنةٍ} أي: من نعمة {فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ} أي: بلية {فمن نفسك} أي: بذنوبك، الخطاب للنبي، والمراد غيره). [تفسير غريب القرآن:130-131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ}أي: بذنبك. الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية).
[تأويل مشكل القرآن: 392] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدا} فذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يراد به الخلق.
ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكون للناس جميعا لأنه عليه السلام لسانهم، والدليل على ذلك: قوله
{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}فنادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده وصار الخطاب شاملا له ولسائر أمّته، فمعنى {ما أصابك من حسنة فمن اللّه}، أي: ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل اللّه.
{وما أصابك من سيّئة} أي: من جدب أو غلبة في حرب فمن نفسك، أي: أصابكم ذلك بما كسبتم كما قال اللّه جلّ وعز {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ومعنى
{وأرسلناك للنّاس رسولا} معنى الرسول ههنا: مؤكد لقوله: {وأرسلناك} لأن {وأرسلناك للنّاس} تدل على أنه رسول.
{وكفى باللّه شهيدا} أي: اللّه قد شهد أنه صادق، وأنه رسوله، و{شهيدا} منصوب على التمييز، لأنك إذا قلت كفى الله ولم تبين في أي شيء الكفاية كنت مبهما.
والفاء دخلت في قوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن اللّه} لأن الكلام في تقدير الجزاء، وهو بمنزلة قولك: إن تصبك حسنة فمن اللّه).
[معاني القرآن: 2/79-80]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}
{من حسنة} أي: خصب، وقيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم لأن المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس، والمعنى: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي: من خصب ورخاء
{وما أصابك من سيئة} أي: من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة، ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون إلى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم.

وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) وقيل القول محذوف، أي: يقولون هذا). [معاني القرآن: 2/135-136]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي: محاسبا). [مجاز القرآن: 1/132]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي: محاسبا). [تفسير غريب القرآن: 131]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} أي: من قبل ما أتى به الرسول فإنما قبل ما أمر الله به.
وقوله:
{ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} تأويله - واللّه أعلم -: أنك لا تعلم غيبهم إنما لك ما ظهر منهم، والدليل على ذلك: ما يتلوه وهو قوله {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}). [معاني القرآن: 2/80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حَفِيظًا} أي: محاسباً).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{طاعةٌ...}
الرفع على قولك: منّا طاعة، أو أمرك طاعة، وكذلك
{قل لا تقسموا طاعةٌ مّعروفةٌ} معناه - والله أعلم -: قولوا: سمع وطاعةٌ.

وكذلك التي في سورة محمد صلى الله عليه وسلم {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروف} ليست بمرتفعة بـ (لهم). هي مرتفعة على الوجه الذي ذكرت لك، وذلك أنهم أنزل عليهم الأمر بالقتال فقالوا: سمع وطاعة، فإذا فارقوا محمدّا صلى الله عليه وسلم غيّروا قولهم، فقال الله تبارك وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} وقد يقول بعض النحويين: وذكر فيها القتال،
وذكرت
{طاعة} وليست فيها واو فيجوز هذا الوجه، ولو رددت الطاعة وجعلت كأنها تفسير للقتال جاز رفعها ونصبها؛ أمّا النصب فعلى: ذكر فيها القتال بالطاعة أو على الطاعة.

والرفع على: ذكر فيها القتال ذكر فيها طاعة.
وقوله:
{بيّت طائفةٌ} القراءة أن تنصب التاء، لأنها على جهة فعل.
وفي قراءة عبد الله: "بيّت مبيّت منهم" غير الذي تقول، معناه: غيّروا ما قالوا وخالفوا، وقد جزمها حمزة وقرأها بيّت طائفة، جزمها لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء اندغمت في الطاء). [معاني القرآن: 1/278-279]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: قدروا ذلك ليلاً، قال عبيدة بن همّام أحد بني العدوية:

أتوني فلم أرض ما بيّتوا... وكانوا أتوني بشيءٍ نكر
لأنكح أيّمهم منذراً... وهل ينكح العبد حرٌّ لحر
بيّتوا أي قدّروا بليل، وقال النّمر بن تولب:
هبّت لتعذلني من الليل أسمعي... سفهاً تبيّتك الملامة فاهجعي
كل شيء قدّر بليل فهو تبيّتٌ). [مجاز القرآن: 1/132-133]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ مّنهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلاً}
قال:
{ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ مّنهم} أي: ويقولون "أمرنا طاعةٌ".

وإن شئت: نصبت الطاعة على "نطيع طاعةً".
وقال: {بيّت} فذكّر فعل الطائفة لأنهم في المعنى رجال وقد أضافها إلى مذكرين، وقال: {وإن كان طائفةٌ مّنكم}). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بيت طائفة}: قدروا). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويقولون طاعةٌ} بحضرتك.

{فإذا برزوا من عندك} أي: خرجوا {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: قالوا وقدّروا ليلا غير ما أعطوك نهارا. قال الشاعر:

أتوني فلم أرض ما بيّتوا وكانوا أتوني بشيء نكر
والعرب تقول: هذا أمر قدّر بليل، وفرغ منه بليل. ومنه قول الحارث ابن حلّزة:
أجمعوا أمرهم عشاء فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال بعضهم: بيّت طائفة: أي بدّل، وأنشد:
وبيّت قولي عبد المليـ ـك قاتلك اللّه عبدا كفورا). [تفسير غريب القرآن:131-132]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}
قال النحويون تقديره: أمرنا طاعة.

وقال بعضهم منّا طاعة.
والمعنى واحد، إلا أن إضمار أمرنا أجمع في القصة وأحسن.
وقوله:
{فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول}يقال لكل أمر قد قضي بليل قد بيّت.
قال الشاعر:
أتوني فلم أدر ما بيّتوا... وكانوا أتوني لأمر نكر
أي: فلست حفيظا عليهم تعلم ما يغيب عنك من شأنهم، وهذا ونظائره في كتاب اللّه من أبين آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم ما كانوا يخفون عنه أمرا إلا أظهره اللّه عليه.

وقوله جلّ وعزّ:
{واللّه يكتب ما يبيّتون} فيه وجهان:
1- يجوز أن يكون - واللّه أعلم - ينزله إليك في كتابه.
2- وجائز أن يكون يكتب ما يبيتون يحفظه عليهم ليجازوا به.
وقوله:
{فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه} أي: لا تسمّ هؤلاء بأعيانهم لما أحب الله من ستر أمر المنافقين إلى أن يستقيم أمر الإسلام.
فأما قوله:
{بيّت طائفة منهم} فذكّر ولم يقل بيتت، فلأن كل تأنيث غير حقيقي فتعبيره بلفظ التذكير جائز تقول: قالت طائفة من أهل الكتاب، وقال طائفة من المسلمين لأن طائفة وفريقا في معنى واحد، فكذلك قوله عزّ وجلّ: (فمن جاءه موعظة من ربّه}
وقوله:
{يا أيها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم} يعني: الوعظ إذا قلت فمن جاءه موعظة.
وقرأ القراء
{بيت طائفة} على إسكان التاء وإدغامها في الطاء.
وروي عن الكسائي أن ذلك إذا كان في فعل فهو قبيح، ولا فرق في الإدغام ههنا في فعل كان أو في اسم لو قلت بيّت طائفة وهذا بيت طائفة - وأنت تريد بيت طائفة كان واحدا.
وإنما جاز الإدغام لأن التاء والطاء من مخرج واحد). [معاني القرآن: 2/80-82]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويقولون طاعة} والمعنى: ويقولون أمرنا طاعة ومنا طاعة وفي الكلام حذف، والمعنى: ويقولون إذا كانوا عندك طاعة ودل على هذا قوله تعالى: {فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول} معنى {بيت} عند أهل اللغة: أحكم الأمر بليل وفكر فيه، أي: أظهر المعصية في بيته والعرب تقول أمر بيت بليل إذا أحكم وإنما خص الليل بذلك لأنه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر:

أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
ومن هذا بيت الصيام.
وقال أبو رزين: معنى
{بيت}: ألف.
وليس هذا بخارج عن قول أهل اللغة لأنه يجوز أن يكون التأليف بالليل.
وقيل
معنى {بيت}: بدل، ولا يصح هذا). [معاني القرآن: 2/137-138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{والله يكتب ما يبيتون} يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه ينزله في كتابه ويخبر به وفي ذلك أعظم الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخبر بما يسرونه.

ويحتمل أن يكون المعنى: والله يعلم ويحصي ما يبيتون). [معاني القرآن: 2/138-139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} قال الضحاك: يعنى به المنافقون، والمعنى: لا تخبر بأسمائهم).
[معاني القرآن: 2/139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي: بحضرتك، فإذا خرجوا قدروا ليلاً غير الذي يقولون نهاراً).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَيَّتَ}: حدّد). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} يعنى به: المنافقون، أي: لو كان ما يخبرون به مما بيتوا، وما يسرون ويوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.. لولا أنه من عند الله لما كان الإخبار به غير مختلف، لأن الغيب لا يعلمه إلا اللهن وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة.
ومعنى تدبرت الشيء: نظرت في عاقبته، وقولهم في الخبر: لا تدابروا، أي: لا تكونوا أعداء، أي: لا يولى بعضكم دبره، يقال: قد دبر القوم يدبرون دبارا إذا هلكوا، وأدبروا إذا ولّى أمرهم، وإنما تأويله أنه تقضى أنهم إلى آخره فلم يبق منهم باقية، والدبر النحل سمّي دبرا لأنه يعقب ما ينتفع به.

والدّبر: المال الكثير، سمّي دبرا: لكثرته، ولأنه يبقى للأعقاب والأدبار). [معاني القرآن: 2/82]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أفلا يتدبرون القرآن} معنى تدبرت الشيء: فكرت في عاقبته، ويقال أدبر القوم إذا تولى أمرهم إلى آخره، وفي الحديث: ((لا تدابروا)) أي: لا تعادوا، أي: لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة). [معاني القرآن: 2/139-140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} أي: لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف. ومذهب قتادة وابن زيد: أن المعنى: لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لأن كلام الناس يختلف ويتناقض). [معاني القرآن: 2/140]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف...}
هذا نزل في سرايا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها، فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستخبار عن حال السرايا، ثم أفشوه قبل أن يفشيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يحدّثه، فقال
{أذاعوا به} يقول أفشوه. ولو لم يفعلوا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبر به لكان خيرا لهم، أو ردّوه إلى أمراء السرايا، فذلك قوله: {ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم}.
وقوله:
{لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} قال المفسرون، معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا.

ويقال: أذاعوا به إلا قليلا، وهو أجود الوجهين؛ لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكن في بعضهم دون بعض، فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة). [معاني القرآن: 1/279-280]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{أذاعوا به}: أفشوه، معناها: أذاعوه، وقال أبو الأسود:
أذاع به في النّاس حتى كأنه... بعلياء نارٌ أوقدت بثقوب
يقال: أثقب نارك، أي أوقدها حتى تضيء.
{الّذين يستنبطونه}: يستخرجونه، يقال للرّكية إذا استخرجت هي نبطٌ إذا أمهاها، يعنى: استخرج ماءها). [مجاز القرآن: 1/133-134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً}
قال: {لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} على {وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف أذاعوا به} {إلاّ قليلاً}). [معاني القرآن: 1/207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أذاعوا به}: أفشوه.
{الذين يستنبطونه منهم}: يستخرجونه استنبطت الركية إذا خرجت ماءها). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أذاعوا به} أشاعوه.

{ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم} أي: ذوو العلم منهم {لعلمه الّذين يستنبطونه} أي: يستخرجونه إلا قليلا).
[تفسير غريب القرآن: 132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}، أراد: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا، ولولا فضل الله عليكم ورحمته، لاتبعتم الشيطان.

قال الشاعر:
فأوردتُها ماءً كأنّ جِمَامَهُ = من الأَجْنِ حِنَّاءٌ مَعًا وَصِبيبُ
أي: فأوردتها ماء كأنّ جمامه حنّاء وصبيب معا). [تأويل مشكل القرآن: 209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} أي: أظهروه ونادوا به في الناس، قال الشاعر:
أذاع به في الناس حتى كأنه... بعلياء نار أوقدت بثقوب
وكان إذا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه ظاهر على قوم أمن منهم، أو أعلم تجمع قوم يخاف من جمع مثلهم، أذاع المنافقون ذلك ليحذر من يحذر من الكفار، ويقوى قلب من ينبغي أن يقوى قلبه لما أذاعوا وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال عز وجل ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، أي: من قبل ذوي العلم والرأي منهم.

وقوله:
{لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} أي: لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعفة المسلمين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذاع أو لا يذاع.
ومعنى
{يستنبطونه} في اللغة: يستخرجونه، وأصله: من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر في أول ما يحفر، يقال من ذلك: قد أنبط فلان في غضراء، أي: استنبط الماء من طين حر، والنبط إنما سمّوا نبطا لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين.
وقوله:
{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا}
قال بعضهم: لولا ما أنزله اللّه عليكم من القرآن، وبين لكم من الآيات على لسان نبيه لاتبعتم الشيطان إلّا قليلا،
أي: كان أولكم بجوار الكفر، وهذا ليس قول أحد من أهل اللغة.

قال أهل اللغة كلّهم:
المعنى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} إنما هو استثناء من قوله {لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} إلّا قليلا).
وقال النحويون، المعنى: أذاعوا به إلا قليلا.

وقالوا: أن يكون الاستثناء من أذاعوا به إلا قليلا أجود، لأن ما علم بالاستنباط فليس الأكثر يعرفه، إنما يستنبط القليل، لأن الفضائل والاستنباط، والاستخراج في القليل من الناس.
وهذا في هذا الموضع غلط من النحويين، لأن هذا الاستنباط ليس بشيء يستخرج بنظر وتفكر، إنما هو استنباط خبر، فالأكثر يعرف الخبر، إذا خبر به، وإنما القليل المبالغ في البلادة لا يعلم ما يخبر به، والقول الأول مع هذين القولين جائزة كلها. والله أعلم.
لأن القرآن قبل أن ينزل والنبي قبل أن يبعث قد كان في الناس القليل ممن لم يشاهد القرآن ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا.
وقد يجوز أن يقول القائل: إن من كان قبل هذا مؤمنا فبفضل اللّه وبرحمته آمن، فالفضل والرحمة لا يخلو منهما من نال ثواب الله جلّ وعزّ، إلا أن المقصود به في هذا الموضع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن). [معاني القرآن: 2/83-84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} قال الضحاك: أفشوه وسعوا به وهم المنافقون.
وقال غيره: هم ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شيء فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك، فقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} أي: أولوا العلم {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} أي: يستخرجونه، يقال: نبطت البئر إذا أخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لأنهم يخرجون ماء في الأرض، فالمعنى: لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم). [معاني القرآن: 2/141]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} في هذه الآية ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان إلا قليلا.
والقول الآخر: أن المعنى أذاعوا به إلا قليلا، وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس.
والقول الآخر: قول قتادة وابن جريج وهو الذي كان يختاره أبو إسحاق أن المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان}، قيل: هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الآخرون من أتباع الشيطان، كما قال الضحاك: هم أصحاب النبي عليه السلام إلا قليلا إلا طائفة منهم.
وقيل معنى {إلا قليلا}: كلكم.
وقال أبو جعفر: وهذا غير معروف في اللغة
ومن أحسن هذه الأقوال: قول من قال أذاعوا به إلا قليلا، لأنه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا لأنه إذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه).
[معاني القرآن: 2/142-144]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يستنبطونه} أي: يستخرجون معانيه).
[ياقوتة الصراط: 200]

تفسير قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وحرّض المؤمنين} أي: حضّض.

{عسى الله} هي إيجاب من الله، وهي في القرآن كلّها واجبة، فجاءت على إحدى لغتى العرب، لأن عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين، قال ابن مقبل:
ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفةٍ... يتنازعون جوائز الأمثال
أي: ظني بهم يقينٌ).
[مجاز القرآن: 1/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً}
قال: {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك} جزم على جواب الأمر، ورفع بعضهم على الابتداء ولم يجعله علة للأول وبه نقرأ كما قال: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً} جزم إذا جعله لما قبله علة ورفع على الابتداء وبالرفع نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وحرض المؤمنين}: حضض). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والبأس: الشدّة بالقتال، قال الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقال تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} وقال: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} وقال: {وَحِينَ الْبَأْسِ}). [تأويل مشكل القرآن: 505]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ
{فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
هذه الفاء جواب قوله جلّ وعزّ:
{ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما}
{فقاتل في سبيل اللّه
}
ويجوز أن يكون: متصلا بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه} أي: أيّ شي لكم في ترك القتال {فقاتل في سبيل اللّه}
، فأمره الله بالقتال ولو أنه قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر.
ويروى عن أبي بكر رحمه اللّه أنه قال في الردة:
لو خالفتني يميني جاهدتها بشمالي.
وقوله: {عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
البأس الشدة في كل شيء). [معاني القرآن: 2/84-85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} وهذا متصل بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لأنه قد وعده النصر). [معاني القرآن: 2/144]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} والبأس: الشدة .
و{عسى} من الله واجبة لأنها للترجي فإذا أمر أن يترجى شيء كان). [معاني القرآن: 2/144-145]


تفسير قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يكن لّه كفلٌ مّنها...} الكفل: الحظّ، ومنه قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} معناه: نصيبين.
وقوله: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتاً} المقيت: المقدّر والمقتدر، كالذي يعطى كل رجل قوته، وجاء في الحديث: ((كفى بالمرء (إثما) أن يضيع من يقيت))، ويقوت). [معاني القرآن: 1/280]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{يكن له كفلٌ منها} أي: نصيب، ويقال: جاءنا فلان متكفلا حماراً، أي: متخذا عليه كساءً يديره يشبّهه بالسّرج يقعد عليه.
{على كلّ شيءٍ مقيتاً} أي: حافظاً محيطاً، قال اليهوديّ في غير هذا المعنى:
ليت شعري وأشعرنّ إذا ما... قرّبوها مطويةً ودعيت
أليّ الفضل أم عليّ إذا حوسب... ت إني على الحساب مقيت
أي: هو موقوف عليه).
[مجاز القرآن: 1/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يكن له كفل منها}: نصيب.
{مقيتا}: مقتدرا، وقالوا حفيظا.

وفي التفسي:ر شهيدا وقال كثير:
وما ذاك منها عن نوال أناله = ولا إنني منها مقيت على ود). [غريب القرآن وتفسيره:122-123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها} من الثواب.
{ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها} أي: نصيب، ومنه قوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته}
{وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتاً} أي: مقتدرا، أقات على الشيء:
اقتدر عليه. قال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على إساءته مقيتا
والمقيت أيضا: الشاهد للشيء الحافظ له.
قال الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت إنّي على الحساب مقيت). [تفسير غريب القرآن:132-133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيّئة يكن له كفل منها وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا} الكفل في اللغة: النصيب، أخذ من قولهم أكفلت البعير إذا أدرت على سنامه أو على موضع من ظهره كساء، وركبت عليه وإنما قيل له كفل، واكتفل البعير؛ لأنه لم يستعمل الظهر كله، إنما استعمل نصيب من الظهر، ولم يستعمل كله.
وقوله:
{وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا}
قال بعضهم: "المقيت" القدير.

وقال بعضهم: "المقيت" الحفيظ، وهو عندي - واللّه أعلم - بالحفيظ أشبه، لأنه من القوت مشتق، يقال: قت الرجل أقوته قوتا إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته.
والقوت: اسم ذلك الشيء الذي يحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدرة الحفظ، فمعنى المقيت - واللّه أعلم -: الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ قال الشاعر:
ألي الفضل أم عليّ إذا... حوسبت إني على الحساب مقيت). [معاني القرآن: 2/85-86]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} قال الحسن: من شفع أثيب وإن لم يشفع لأنه قال جل وعز: {من يشفع} ولم يقل من يشفع.
وقال أبو موسى الأشعري رحمه الله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)).) [معاني القرآن: 2/145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} روي عن أبي موسى أنه قال: الكفل النصيب أو قل الحظ، كذا في الحديث. وقال قتادة: الكفل الإثم والمعروف.

عند أهل اللغة: أن الكفل النصيب، ويقال اكتفلت البعير إذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لأنك إنما تجعله على نصيب مثله). [معاني القرآن: 2/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكان الله على كل شيء مقيتا} في معناه قولان:

1- روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {مقيتا} يقول: حفيظا، وبإسناده {مقيتا} يقول: قديرا، وحكى الكسائي أنه قال: أقات يقيت إذا قدر، وقال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا
والقول أن المقيت الحفيظ: قال أبو إسحاق، وهذا القول عندي أصح من ذاك، لأنه مأخوذ من: القوت مقدار ما يحفظ الإنسان،
وقال الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت إني على الحساب مقيت
وفي الحديث: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت)) أي: يحفظ، ويروى يقوت). [معاني القرآن: 2/146-148]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُّقِيتًا} أي: مقتدراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها...} أي: زيدوا عليها؛ كقول القائل: السلام عليكم، فيقول: وعليكم ورحمة الله، فهذه الزيادة {أو ردّوها} قيل هذا للمسلمين، وأمّا أهل الكتاب فلا يزادون على: وعليكم). [معاني القرآن: 1/280]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{على كلّ شيءٍ حسيباً} أي: كافياً مقتدراً، يقال: أحسبني هذا، أي: كفاني). [مجاز القرآن: 1/135]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
قال النحويون: " أحسن " ههنا: صفة لا تنصرف لأنه على وزن أفعل وهو، والمعنى: فحيوا بتحية أحسن منها.

وقيل في التفسير: التحية هنا السلام، وهي تفعله - من حييت.
ومعنى {حيّوا بأحسن منها}: إذا قيل لكم " السلام عليكم " فقولوا: وعليكم السلام ورحمة اللّه "، فالتحية التي هي أحسن منها هي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ".
ويقال لكل شيء منتهى، ومنتهى السلام كلمة وبركاته.
ويروى أنّ داخلا دخل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليك))، ودخل آخر فقال: السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه))، ودخل رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته)) فقام الداخل الأول فقال: يا رسول الله سلمت فلم تزد على " وعليك " وقام هذا فقال السلام عليكم فزدته، وقام هذا فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه فزدته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك لم تترك من السلام شيئا، فرددت عليك، وهذان تركا منه شيئا فزدتهما))، وهذا دليل أنّ: آخر ما في السنة من السلام كلمة وبركاته.
وقوله جلّ وعزّ: {إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
أي: يعطي كل شي من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه، أي: يكفيه، تقول حسبك بهذا، أي: اكتف بهذا.
وقوله تعالى: {عطاء حسابا
} أي: كافيا، وإنما سمّي الحساب في المعاملات حسابا لأنه يعلم ما فيه كفاية ليس فيها زيادة على المقدار ولا نقصان). [معاني القرآن: 2/86-87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} قيل هذا في السلام إذا قال: سلام عليكم رد عليه وعليك السلام ورحمة الله، وإذا قال: السلام عليك ورحمة الله، قيل: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

قال الشيخ أبو بكر: وجدت في غير نسختي وإذا قال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك، يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن الحسن أنه قال: السلام سنة ورده فريضة). [معاني القرآن: 2/148-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إن الله كان على كل شيء حسيبا} قال مجاهد: أي حفيظا.
والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين: الكافي يقال أحسبه إذا كفاه ومنه عطاء حسابا ومنه حسبك.
وهذا عندي غلط لأنه لا يقال في هذا أحسب على الشيء فهو حسيب عليه إنما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه). [معاني القرآن: 2/150-151]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{اللّه لا إله إلّا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثا}
{ليجمعنّكم إلى يوم القيامة
}هذه لام القسم، كقولك: واللّه ليجمعنكم، ومعنى القيامة في اللغة – والله أعلم - على ضربين:
جائز أن تكون: سميت القيامة لأن الناس يقومون من قبورهم، قال الله جلّ وعزّ: {يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر}
وجائز أن تكون: سمّيت القيامة لأن الناس يقومون للحساب.

قال الله عزّ وجلّ:
{يوم يقوم النّاس لربّ العالمين}
ومعنى {ليجمعنّكم} - واللّه أعلم - أي: يجمعكم في الموت وفي قبوركم). [معاني القرآن: 2/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} قيل إنما سميت القيامة: لأن الناس يقومون لرب العالمين، أي: يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة.

وقيل إنما ذلك لأن الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز: {يخرجون من الأجداث سراعا}
و{الأجداث}: القبور). [معاني القرآن: 2/151]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 88 إلى 99]

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين...}
إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثم ضجروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة، فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة؛ فجعلهم الله منافقين، فقال الله: {فما لكم مختلفين في المنافقين}، فذلك قوله
{فئتين}.
ثم قال تصديقا لنفاقهم {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} فنصب {فئتين} بالفعل، تقول: مالك قائما، كما قال الله تبارك وتعالى: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة؛ يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة؛ كما تنصب كان وأظنّ؛ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامّات، ومثل مال، ما بالك، وما شأنك.

والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير.
ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن؛ لأنهن قد كثرن، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل؛ ألا ترى أنهم قالوا: أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام.
وقوله: {والله أركسهم بما كسبوا} يقول: ردّهم إلى الكفر، وهي في قراءة عبد الله وأبيّ {واللّه ركسهم}). [معاني القرآن: 1/280-281]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والله أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم فيه).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
قال: {فما لكم في المنافقين فئتين} فنصب على الحال كما تقول: "مالك قائما" أي: "مالك في حال القيام"). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أركسهم}: نكسهم). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.

{واللّه أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم في كفرهم.

وهي في قراءة عبد اللّه بن مسعود: «ركّسهم».

وهما لغتان: ركست الشيء وأركسته). [تفسير غريب القرآن: 133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا }
هذا خطاب للمسلمين، وذلك أن قوما من المنافقين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد اجتوينا المدينة، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى البدو، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فقال قوم من المسلمين:
هم كفار هم كفار، وقال قوم: هم مسلمون حتى نعلم أنهم بدّلوا، فأمر اللّه بأن يتفق المسلمون على تكفير من احتال على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه فقال - عزّ وجلّ -: {فما لكم في المنافقين فئتين} أي: أيّ شيء لكم في الاختلاف في أمرهم {واللّه أركسهم بما كسبوا}
وتأويل {أركسهم} في اللغة: نكسهم وردّهم، يقال أركسه وركسه.

ومعنى {واللّه أركسهم بما كسبوا} أي: ردّهم إلى حكم الكفار.
وقوله:
{أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} أي: أتقولون أن هؤلاء مهتدون واللّه قد أضلّهم.
{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا إلى الحجة.

وقال النحويون في نصب {فئتين} إنها منصوبة على الحال.
وقال سيبويه: إذا قلت مالك قائما، فإنما معناه; لم قمت ونصب على تأويل أي شيء يستقر لك في هذه الحال.
قال غيره إن " قائما " ههنا منصوب على جهة فعل " مال " ويجيز مالك قائما، ومالك القائم يا هذا، ومالك القائم خطأ، لأن القائم معرفة فلا يجوز أن تقع حالا، و " ما " حرف من حروف الاستفهام لا تعمل عمل كان، ولو جاز مالك القائم يا هذا، جاز أن يقول ما عندك القائم، وما بك القائم، وبالإجماع أن ما عندك القائم خطأ، فمالك القائم مثله لا فرق في ذلك). [معاني القرآن: 2/87-88]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.
قال زيد بن ثابت: تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فقال بعضهم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
قال مجاهد: هم قوم أسلموا ثم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (ركسهم) بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم إلى حكم الكفار). [معاني القرآن: 2/152-153]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أتريدون أن تهدوا من أضل الله} أي: أنهم قد ضلوا {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا مستقيما). [معاني القرآن: 2/153-154]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{أَرْكَسَهُم} نكسهم وردهم في كفرهم، وفي قراءة عبد الله (ركسهم) وهي لغة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَرْكَسَهُم}: نكسهم). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا}
{فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} أي: لا تتخذوا من هؤلاء الذين احتالوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فارقوه أولياء، أي: لا تقولوا إنهم مؤمنون {حتى يهاجروا في سبيل اللّه}، أي: حتى يرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
{فإن تولّوا}أي: تولوا عن أن يهاجروا، ولزموا الإقامة على ما هم عليه {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا} ). [معاني القرآن: 2/88]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ...}
يقول: إذا واثق القوم النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم، فكان رأيه في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله، فذلك قوله
{يصلون} معناه: يتصلون بهم.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم}، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم، فذلك معنى قوله: {حصرت صدورهم} أي: ضاقت صدورهم.

وقد قرأ الحسن "حصرةً صدورهم".
والعرب تقول: أتاني ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله.
وسمع الكسائيّ بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير، فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد؛ ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت). [معاني القرآن: 1/281-282]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ}، يقول: فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو جاءوكم حصرت صدورهم} من الضيق، وهي من الحصور، وقد قال الأعشى:

إذا اتصلت قالت أبكر بن وائلٍ... وبكرٌ سبتها والأنوف رواغم
أخذه من وصل، أي: انتسب.

{وألقوا إليكم السّلم} أي: المقادة، يقول: استسلموا). [مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
قال: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم} أو {حصرت صدورهم} فـ(حصرةً) اسمٌ نصبته على الحال و{حصرت} "فعلت" وبها نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حصرت صدورهم}: ضاقت. {السلم}: المقادة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ} أي: يتصلون بقوم.

{بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي: عهد.

ويتصلون: ينتسبون، وقال الأعشى - وذكر امرأة سبيت:
إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم
أي: انتسبت.

وفي الحديث ((من اتصل فأعضّوه)) يريد: من ادّعى دعوى الجاهلية.
{حصرت صدورهم} أي: ضاقت.
والحصر: الضيق.
{ألقوا إليكم السّلم} أي: القادة، يريد: استسلموا لكم). [تفسير غريب القرآن:133-134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إلّا الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} أي: فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق.
ويروى أن: هؤلاء اتصلوا ببني مدلج وكانوا صلحا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} معناه: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
وقال النحويون إن
{حصرت صدورهم} معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، لأن حصرت لا يكون حالا إلا بقد.

وقال بعضهم {حصرت صدورهم} خبر بعد خبر، كأنه قال: {أو جاءوكم}، ثم أخبر فقال: {حصرت صدورهم أن يقاتلوكم}
وقوله جلّ وعزّ: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو لقذف اللّه الرعب في صدورهم.

وقرأ بعضهم "حصرة صدورهم" على الحال). [معاني القرآن: 2/89]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال مجاهد: صاروا إلى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف.

وقال غيره: كان قوم يوادعون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا.
وقال أبو عبيدة: معنى يصلون ينتسبون.
وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين). [معاني القرآن: 2/154-155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي: أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم
قال الكسائي: "معنى حصرت" ضاقت.

قال مجاهد: وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم.

قال أبو العباس محمد بن يزيد: المعنى على الدعاء، أي: أحصر الله صدورهم

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، فالمعنى: {أو جاؤوكم} ثم خبر بعد فقال {حصرت صدورهم} كما قال جل وعز: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وقيل المعنى: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن (حصرة صدورهم).

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} و{حصرت صدورهم} فالمعنى على هذه القراءة (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) أي: قوم حصرة صدورهم، أي: ضيقة). [معاني القرآن: 2/155-157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي كفوا عن قتالكم وألقوا إليكم السلم أي الانقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في براءة).

[معاني القرآن: 2/157]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (يصلون) ينتسبون). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (حصرت صدورهم) أي: ضاقت، و(حَصِرَةْ صُدُورُهُمْ) أي: ضيقة صدورهم). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ} أي: يتصلون بهم، أي: ينتسبون.

و{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: ضاقت.
{السَّلَمَ} الاستسلام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَصِرَتْ}: ضاقت.
{السَّلمَ}: المقادة والطاعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم...} معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا). [معاني القرآن: 1/282]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم، ويعطون قومهم الرضي ليأمنوهم). [تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} ستجدون من يظهر لكم الصلح ليأمنكم، وإذا سنحت فتنة كانوا مع أهلها عليكم.
وقوله:
{كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} أي: انتكسوا عن عهدهم الذي عقدوه.
وقوله:
{فإن لم يعتزلوكم} أي: فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يعاونوا عليكم.
{ويلقوا إليكم السّلم} أي: المقادة والاستسلام.
{ويكفّوا أيديهم} أي: عن الحرب.
{فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة، لا يفون بما يفارقونكم عليه من الهدنة والصلح). [معاني القرآن: 2/89-90]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى الكفار فيرتكسون في الأوثان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم}

ومعنى {ثقفتموهم}: وجدتموهم واحد {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة). [معاني القرآن: 2/158]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ...}
مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة.

والمؤمنة: المصلّية المدركة.، فإن لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.
وقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ} كان الرجل يسلم في قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام، وذلك إذا لم
يكن بين قومه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فإن كان عهد جرى مجرى المسلم). [معاني القرآن: 1/282-283]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً}، هذا كلام تستثنى العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حالٍ إلاّ أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطئا فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: {الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمم} واللّمم: ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلمّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ... على الأرض إلا ذيل مرطٍ مرحّل
المرحّل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:

وبلدةٍ ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
يقول: إلاّ أن يكون بها. وقال أبو خراش الهذليّ:
أمسى سقام خلاءً لا أنيس به... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف
سقام: وادٍ لهذيل؛ الغرف: شجرٌ تعمل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك). [مجاز القرآن: 1/136-138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ فمن لّم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً مّن اللّه وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةً}.

وقال: {فصيام شهرين} أي: فعليه ذلك.

وقال: {إلاّ أن يصّدّقوا}: فعليكم ذلك إلاّ أن يصّدّقوا). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا أن يصّدّقوا} أي: يتصدقوا عليهم بالدّية، فأدغمت التاء في الصاد).
[تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله
: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه وكان اللّه عليما حكيما} المعنى: ما كان لمؤمن ألبتّة.
و
{إلّا خطأ} استثناء ليس من الأول، المعنى: إلا أن يخطئ المؤمن فكفارة خطئه ما ذكر بعد.
وقال بعض أهل العلم:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ} على معنى: أن دم المسلم إنما يصفح عن أن يؤخذ به القاتل في الخطأ فقد عفي له عن قتل الخطأ، إلا أن الله جل ثناؤه فرض في كتابه على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أولياء المقتول، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ على العاقلة، وعلى القاتل أن يؤدّي في ذلك لقوله عزّ وجلّ: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه}.
ويحتمل أن يكون الصّيام بدلا من الرقبة وبدلا مما ينبغي أن يؤدّى في الدّية.
فإن قتل المؤمن خطأ رجلا مؤمنا من قوم كفرة فعليه تحرير رقبة، ولا مال للكفار الذين هم حرب، لأن الدية في الخطأ إنما جعلت - واللّه أعلم - ليحذر الناس حذرا شديدا من أن يخطئوا خطأ يؤدي إلى القتل، لتذهب الضغائن بينهم..
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} وإن كان من قوم بينهم وبين المسلمين عهد فتحرير رقبة وتسليم الدية إلى ذوي الميثاق لئلا تقع ضغينة بين أهل الميثاق والمؤمنين.
ونصب {توبة من اللّه} على جهة نصب فعلت ذلك حذار الشر.

المعنى: فعليه صيام شهرين وعليه دية إذا وجد توبة من اللّه، أي: فعل ذلك توبة من اللّه.

فأمّا قتل النفس فجزاؤه: كما قال اللّه - عزّ وجلّ - النّفس بالنّفس في الدنيا، وفي الآخرة جهنم). [معاني القرآن: 2/90-91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} فهذا استثناء ليس من الأول.
قال أبو إسحاق المعنى {ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا} ألبتة ثم قال {إلا خطأ} أي: لكن إن قتله خطأ ومن قال أن إلا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين:
إحداهما: أنه لا يعرف أن تكون إلا بمعنى حرف عاطف.

والجهة الأخرى: أن الخطأ لا يحصر لأنه ليس بشيء يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن إلا تأتي بمعنى لكن كثير وأنشد:
من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت
إلا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت
وكان سبب نزول هذه الآية: فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله).
[معاني القرآن: 2/158-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} وإنما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل، والمعنى: إلا أن يتصدقوا عليكم بالدية.

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (إلا أن يتصدقوا).
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (إلا أن تصدقوا) والمعنى: إلا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد، ويجوز على هذه القراءة: إلا أن تصدقوا بحذف إحدى التاءين). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معنى {عدو}: كمعنى أعداء
وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وإن كان مؤمنا وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة .
فمعنى هذا: إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب.

وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت: {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} قال: وليس له دية، فمعنى هذا: أن يقتل في دار الحرب خاصة.
وقال قوم: وإن قتل في دار الإسلام فحكمه حكم المسلمين). [معاني القرآن: 2/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}
قال الزهري: الميثاق العهد، فالمعنى: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا صدورهم). [معاني القرآن: 2/162-163]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي: فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا توبة من الله، أي: فعل هذا ليتوبوا توبة).
[معاني القرآن: 2/163]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ:
{ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما} وهذا وعيد شديد في القتل حظر اللّه عزّ وجلّ به الدّماء). [معاني القرآن: 2/91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال: أمرني ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فسألته فقال: ما نسخها شيء.

وروي عن زيد بن ثابت: نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم بعد التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله جل وعز: {إلا من تاب}
وذهب قوم إلى: أن هذا على المجازاة إن جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة
، وهذا لا يحتاج أن يقال فيه إن جازاه، ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فإن تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب} فهذا لا يخرج عنه شيء). [معاني القرآن: 2/163-166]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا...}
(فتثبّتوا - قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه، وكذلك التي في الحجرات، ويقرأ أن: فتثبّتوا) وهما متقاربتان في المعنى، تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.
وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً} ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل.

وقرأه العامة: السلم.
والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده). [معاني القرآن: 1/283]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم مّن قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} وقال بعضهم {فتثبّتوا} وكلّ صواب لأنك تقول "تبيّن حال القوم" و"تثبّت"، و"لا تقدم حتّى تتبيّن" و"حتّى تتثبّت"). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.

قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} أي: انقاد لكم وتابعكم.

والاستسلام مثله، يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم، أي: دخل في السّلم.

كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.

فمن الإسلام: متابعة وانقياد باللّسان دون القلب.

ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: أنقذنا من خوف السيف.

وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.

ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة، كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، يريد: إلا هو، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن:479-480] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والضرب: المسير، قال الله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}). [تأويل مشكل القرآن: 497]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا}
و(فتثبّتوا) بالثاء والتاء.
ومعنى {ضربتم}: سرتم في الأرض وغزوتم.

وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا}.
قرئت السلام بالألف، وقرئت السّلم. فأما السلام: فيجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى: السّلم، وهو: الاستسلام، وإلقاء المقادة إلى إرادة المسلمين.

ويروى في التفسير: أن سبب هذا أن رجلا انحاز وأظهر الإسلام فقتله رجل من المسلمين وأخذ سلبه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن حق من ألقى السلم أن يتبين أمره.
ومن قرأ (فتثبتوا) فحقه أن يتثبّت في أمره، وأعلم الله - جلّ وعزّ – أن كل من أسلم ممن كان كافرا فبمنزلة الذي تعوذ بالإسلام، فقال عزّ وجلّ:
{كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} أي: منّ عليكم بالإسلام، وبأن قبل ذلك منكم على ما أظهرتم ثم كرر الأمر بالتبيين فقال عزّ وجلّ: {فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا} ). [معاني القرآن: 2/91-92]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} وتقرأ (فتثبتوا).

قال أبو عبيد: وإحداهما قريبة من الأخرى.
وقال غيره: قد يتثبت ولا يتبين، فالاختيار: فتبينوا.
ومعنى {ضربتم}: سافرتم). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}
وقرأ ابن عباس
{لمن ألقى إليكم السلام} فمن قرأ (السلم) فمعناه: عنده الانقياد والاستسلام.

ومن قرأ (السلام) فتحتمل قراءته معنيين:
أحدهما: أن يكون بمعنى السلم.
والآخر: أن يكون من التسليم.
وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال: السلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا}
قال ابن عباس:
يعني الغنيمة.

وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن). [معاني القرآن: 2/166-168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} قال سعيد بن جبير: أي كذلك كنتم تخفون إيمانكم {فمن الله عليكم} أي فمن الله عليكم بالغزو وإظهار الدين .
واختار أبو عبيد القاسم بن سلام: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}، وخالفه أهل النظر فقالوا: "السلم ههنا" أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}). [معاني القرآن: 2/168-169]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عرض الحياة الدنيا} أي: متاع الحياة الدنيا).
[ياقوتة الصراط: 201]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر...}
يرفع
{غير} لتكون كالنعت للقاعدين؛ كما قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب} وكما قال {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وقد ذكر أن {غير} نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب، إلا أنّ اقتران {غير} بالقاعدين يكاد يوجب الرفع؛ لأن الاستثناء ينبغي أن يكون بعد التمام، فتقول في الكلام: لا يستوي المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا، وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد} ولو قرئت خفضا لكان وجها: تجعل من صفة المؤمنين).
[معاني القرآن: 1/283-284]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير أولى الضّرر}: مصدر، ويقال ضرير بين الضرر). [مجاز القرآن: 1/138]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}
قال:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإن جررته فعلى "المؤمنين"، وإن شئت: نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا أنها أنزلت من بعد قوله: {لاّ يستوي القاعدون} ولم تنزل معها، وإنما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال: {والمجاهدون} يعطفه على القاعدين لأن المعنى {لاّ يستوي القاعدون} {والمجاهدون}.

وقال: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} {درجاتٍ مّنه} يقول فعل ذلك درجات منه.
وقال: {أجراً عظيماً} لأنه قال: "فضّلهم" فقد أخبر أنه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك: "أما واللّه لأضربنك إيجاعاً شديداً" لأنّ معناه: لأوجعنّك). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أولي الضرر}: الزمانة والعلة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({غير أولي الضّرر} أي: الزّمانة، يقال: ضرير بيّن الضّرر). [تفسير غريب القرآن: 134]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل:
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.

وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء، فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
يريد: إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.

قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن:237-238]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
قرئت
{غير أولي الضّرر} بالرفع و {غير} بالنصب، فأما الرفع فمن جهتين:
إحداهما: أن يكون " غير " صفة للقاعدين، وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة، المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولى الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين.

ويجوز أن يكون: " غير " رفعا على جهة الاستثناء.
المعنى: لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلّا أولو الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، لأن الذي أقعدهم عن الجهاد الضرر، والضرر أن يكون ضريرا أو أعمى أو زمنا أو مريضا.
ويروى أن ابن أم مكتوم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:: أعل جهاد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(({انفروا خفافا وثقالا}، فإما أن تكون من الخفاف أو من الثقال)) فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
وقوله جلّ وعزّ:
{فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى} أي: وعد الجنّة.
{وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
ويجوز أن يكون
{غير أولي الضرر}: نصبا على الاستثناء من {القاعدين المعنى: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر.
على أصل الاستثناء النّصب.
ويجوز أن يكون :" غير " منصوبا على الحال، المعنى: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم والمجاهدون.

كما تقول: جاءني زيد غير مريض، أي: جاءني زيد صحيحا.

ويجوز: جرّ " غير " على الصفة للمؤمنين، أي: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون.
أما الرفع والنصب فالقراءة بهما كثيرة.
والجرّ وجه جيد إلا أن أهل الأمصار لم يقرأوا به وإن كان وجها.
لأن القراءة سنة متبعة). [معاني القرآن: 2/92-93]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها). [معاني القرآن: 2/169]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {غير أولي الضرر} الضرر: الزمانة

وتقرأ
{غير} رفعا ونصبا، قال أبو إسحاق: ويجوز الخفض.
فمن رفع، فالمعنى: لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر، والمعنى: لا يستوي القاعدون الأصحاء.

ومن قرأ غير نصبا فهو
يحتمل معنيين:
أحدهما: الاستثناء ويكون المعنى إلا أولي الضرر فإنهم
يستوون مع المجاهدين.
والمعنى الآخر: أن يكون غير في موضع الحال، أي: لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لأنه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت: {غير أولي الضرر}، فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض، فالمعنى عنده: من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر، أي: من المؤمنين الأصحاء). [معاني القرآن: 2/170-171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكلا وعد الله الحسنى} المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير: يعني بالحسنى الجنة). [معاني القرآن: 2/171-172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين ليس لهم ضرر {أجرا عظيما} درجات، منه وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة).
[معاني القرآن: 2/172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الضَّرَرِ}: العلة). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما}
{درجات} في موضع نصب بدلا من قوله..{ أجرا عظيما} وهو مفسّر للآخر.
المعنى: فضّل اللّه المجاهدين درجات ومغفرة ورحمة.

وجائز أن يكون: منصوبا على التوكيد لـ
{أجرا عظيما} لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من اللّه جلّ وعزّ والمغفرة والرحمة، كما تقول لك على ألف درهم، لأن قولك على ألف درهم هو اعتراف فكأنك قلت أعرفها عرفا، وكأنه قيل: غفر اللّه لهم مغفرة، وأجرهم أجرا عظيما، لأن قوله {أجرا عظيما} فيه معنى غفر ورحم وفضّل.
ويجوز: الرفع في قوله
{درجات منه ومغفرة ورحمة}، ولو قيل: {درجات منه ومغفرة ورحمة}
كان جائز جائزا على إضمار تلك درجات منه ومغفرة كما قال جل ثناؤه:
{لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ} أي: ذلك بلاغ). [معاني القرآن: 2/93-94]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة...}
إن شئت: جعلت
{توفّاهم} في موضع نصب، ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله: {إن البقر تشابه علينا}.

وإن شئت: جعلتها رفعا؛ تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة.
وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما؛ مثل قوله: {لعلكم تذكرون} ومثل قوله: {فإن تولّوا فقد أبلغتكم}). [معاني القرآن: 1/284]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً}
[و] قال: {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً} {إلاّ المستضعفين} لأنه استثناهم منهم كما تقول: "أولئك أصحابك إلاّ زيداً" و: "كلّهم أصحابك إلاّ زيداً". وهو خارج من أول الكلام). [معاني القرآن: 1/210]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} يعنى به: المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فـ
{توفاهم}، إن شئت: كان لفظها ماضيا، على معنى: إن الذين توفتهم الملائكة، وذكّر الفعل لأنه فعل صحيح.

ويجوز أن يكون: على معنى الاستقبال، على معنى: أن الذين تتوفاهم الملائكة، وحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقوله:
{ظالمي أنفسهم}: نصب على الحال، المعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل: ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا.
والمعنى معنى ثبوتها، كما قال جلّ وعزّ
{هديا بالغ الكعبة}.
والمعنى معنى ثبوت التنوين، معنى بالغا الكعبة.
وقوله:
{قالوا فيم كنتم} هذه الواو للملائكة، أي: قال الملائكة للمشركين {فيم كنتم} أي: أكنتم في المشركين أم في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال توبيخ قد مر نظراؤه مما قد استقصينا شرحه.
وقوله:
{كنّا مستضعفين في الأرض}فأعلم اللّه أنهم كانوا مستضعفين عن الهجرة، فقالت لهم الملائكة: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا * إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} ). [معاني القرآن: 2/94-95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر {إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}).
[معاني القرآن: 2/173-174] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر
{إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء...}
في موضع نصب على الاستثناء من {مأواهم جهنم}). [معاني القرآن: 1/284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان)
{المستضعفين} نصب على الاستثناء من قوله: {مأواهم جهنّم... إلّا المستضعفين}، أي: إلا من صدق أنّه مستضعف غير مستطيع حيلة ولا مهتد سبيلا، فأعلم الله أن هؤلاء راجون العفو، كما يرجو المؤمنون فقال: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}، و{عسى} ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به). [معاني القرآن: 2/173-174]


تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}
و {عسى} ترج، وما أمر اللّه به أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع كذلك الظن بأرحم الراحمين.

وقوله:
{وكان اللّه عفوّا غفورا}.
تأويل {كان} في هذا الموضع قد اختلف فيه الناس
:
- فقال الحسن البصري: كان غفورا لعباده، عن عباده قبل أن يخلقهم.
- وقال النحويون البصريون: كأنّ القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث، وأنّ الله لم يزل كذلك.
- وقال قوم " من النحويين:.. " كان " و" فعل " من اللّه بمنزلة ما في الحال، فالمعنى - والله أعلم - والله عفو غفور.
والذي قاله الحسن وغيره أدخل في اللغة، وأشبه بكلام العرب.
- وأما القول الثالث، فمعناه: يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلا أن يكون الماضي بمعنى الحال يقل.
وصاحب هذا القول له من الحجة قولنا " غفر الله لفلان " بمعنى ليغفر اللّه له فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات، فإذا أعلمت الأحوال والأوقات استغني بلفظ بعض الأفعال عن لفظ بعض، الدليل على ذلك: قوله جلّ وعزّ
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وقوله:
{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} معناه: من يتب ومن يجئ بالحسنة يعط عشر أمثالها). [معاني القرآن: 2/95-96]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 100 إلى 113]

{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يجد في الأرض مراغماً كثيراً...}
ومراغمة مصدران. فالمراغم: المضطرب والمذهب في الأرض). [معاني القرآن: 1/284]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة): المراغم والمهاجر واحد، تقول: راغمت وهاجرت قومي، وهي المذاهب، قال النابغة الجعديّ:
كطودٍ يلاذ بأركانه... عزيز المراغم والمهرب
(فقد وقع أجره على الله): ثوابه وجب). [مجاز القرآن: 1/138]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({مراغما}: سعة ومذهبا). [غريب القرآن وتفسيره: 123]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (المراغم) و(المهاجر) واحد. تقول: راغمت وهاجرت [قومي]. وأصله: أن الرجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغما لهم. أي مغاضبا، ومهاجرا. أي مقاطعا من الهجران. فقيل للمذهب: مراغم، وللمصير إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: هجرة - لأنها كانت بهجرة الرجل قومه.
قال الجعدي:
عزيز المراغم والمذهب). [تفسير غريب القرآن:134-135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورا رحيما (100)
معنى مراغم معنى مهاجر، المعنى يجد في الأرض مهاجرا، لأن المهاجر لقومه والمراغم بمنزلة واحدة، وإن اختلف اللفظان وقال الشاعر:
إلى بلد غير داني المحل... بعيد المراغم والمضطرب
وقيل المراغم ههنا المضطرب، وليس المراغم ههنا إلا المضطرب في حال هجرة، وإن كان مشتقا من الرغام، والرغام التراب وتأويل قولك راغمت فلانا أي هجرته وعاديته، ولم أبال رغم أنفه، أي وإن لصق أنفه بالتراب.
والرغام والرغائم ما يسيل من الأنف، والأنف يوصف بالرغم فيضرب مثلا لكل ذليل فيقال على رغم أنفه). [معاني القرآن: 2/96-97]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة} المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا إذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه وإن لصق أنفه بالرغام وهو التراب
وقيل إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مراغما يقول متحولا من أرض إلى أرض قال وسعة يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة إلى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من أنه لا يقدر على إظهار دينه
واللفظة تحتمل المعنيين لأنه لا خصوص فيها). [معاني القرآن: 2/174-176]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به إلى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه). [معاني القرآن: 2/176]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مراغما) أي: مضطربا، يقال: عبد مراغم من مواليه، أي: مضطرب).
[ياقوتة الصراط: 202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والمراغم) والمهاجر سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُرَاغَماً}: منعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أن تقصروا من الصّلاة) أي تنقصوا منها). [مجاز القرآن: 1/138]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}
قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت إنما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ومعنى ضربتم في الأرض سافرتم كما قال {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} وفي معنى قوله جل وعز: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قولان: أحدهما أنه إباحة لا حتم كما قال {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) وليس فيه (إن خفتم) فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل {واسأل القرية} يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها). [معاني القرآن: 2/176-178]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} عدو ههنا بمعنى أعداء).
[معاني القرآن: 2/179]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلتقم...}
وكلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل. وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك، (وهي) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زيد، ويجعلون اللام منصوبة في كل جهة؛ كما نصبت تميم لام كي إذا قالوا: جئت لآخذ حقّي.
وقوله: {طائفةٌ أخرى} ولم يقل: آخرون؛ ثم قال {لم يصلّوا} ولم يقل: فلتصل. ولو قيل: "فلتصل" كما قيل "أخرى" لجاز ذلك. وقال في موضع آخر: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} ولو قيل: اقتتلتا في الكلام كان صوابا. وكذلك قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} ولم يقل: اختصما. وقال {فرقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة} وفي قراءة أبيّ "عليه الضلالة". فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده؛ كقول الله تعالى: {وإنا لجميع حاذرون}. وقوله: {أم يقولون نحن جميعٌ منتصر} وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى في القرآن). [معاني القرآن: 1/285]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابا مهينا (102)
(وإذا كنت فيهم) هذه الهاء والميم يعودان على المؤمنين. أي وإذا كنت أيها النبي في المؤمنين في غزواتهم وخوفهم.
(فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا).
أي فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك.
(فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).
جائز أن يكون - واللّه أعلم - ولتأخذ الجماعة حذرهم وأسلحتهم.
ويجوز أن يكون الذين هم وجاه العدو يأخذون أسلحتهم، لأن من في الصلاة غير مقاتل، وجائز أن تكون الجماعة أمرت بحمل السلاح وإن كان بعضها لا يقاتل لأنه أرهب للعدو وأحرى ألا يقدم على الحذرين المتيقظين المتاهبين للحرب في كل حال.
وقد اختلف الناس في صلاة الخوف فزعم مالك بن أنس أن أحب ما روي فيها إليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي وقامت خلفه طائفة من المؤمنين وطائفة وجاه العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى وسلّمت، وهو - صلى الله عليه وسلم - واقف، ثم انصرفت وقامت وجاه العدو، والنبي - صلى الله عليه وسلم – واقف في الصلاة، وأتت الطائفة التي كانت وجاه العدو، فصلّى بهم ركعة ثانية له، وهي الأولى لهذه الطائفة الأخرى - وجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاموا فصلوا ركعة ثانية وحدهم وهو - صلى الله عليه وسلم - قاعد، وقعدوا في الثانية فسلم وسلموا بتسليمه، فصلت كل طائفة منهم ركعتين، وصلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين.
وقال مالك: هذا أحب ما روي في صلاة الخوف إليّ.
وأمّا أسلحة فجمع سلاح مثل حمار وأحمرة. وسلاح اسم لجملة ما يدفع الناس به عن أنفسهم في الحروب مما يقاتل به خاصّة، لا يقال للدواب وما أشبهها سلاح.
فأمّا (وليأخذوا) فالقراءة على سكون اللام -.. (وليأخذوا)
و(وليأخذوا) هو الأصل بالكسر إلا أن الكسر استثقل فيحذف استخفافا.
وحكى الفراء أن لام الأمر قد فتحها بعض العرب في قولك ليجلس.
فقالوا لنجلس ففتحوا، وهذا خطأ،. لا يجوز فتح لام الأمر لئلا تشبه لام التوكيد.
وقد حكى بعض البصريين فتح لام الجر نحو قولك: المال لزيد.
تقول: المال لزيد وهذه الحكاية في الشذوذ كالأولى، لأن الإجماع والروايات الصحيحة كسر لام الجر ولام الأمر، ولا يلتفت إلى الشذوذ، خاصة إذا لم يروه النحويون القدماء الذين هم أصل الرواية، وجميع من ذكرنا من الذين رووا هذا الشاذ عندنا صادقون في الرواية، إلا أن الذي سمع منهم مخطئ.
وقوله: (ولا جناح عليكم) الجناح الإثم، وتأويله من جنحت إذا عدلت عن المكان أي أخذت جانبا عن القصد، فتأويل لا جناح عليكم أي لا تعدلون عن الحق إن وضعتم أسلحتكم.
(إن كان بكم أذى من مطر).
و (أذى) مقصورة، تقول أذى يأذى أذى، مثل فزع يفزع فزعا.
وموضع (أن تضعوا) نصب. أي لا إثم عليكم في أن تضعوا، فلما سقطت " في " عمل ما قبل (أن) فيها، ويجوز أن يكون موضعها جرا بمعنى في).
[معاني القرآن: 2/97-99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون إنها ستجيء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة إليه وكرهنا الإطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف). [معاني القرآن: 2/179-180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم). [معاني القرآن: 2/180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم}
وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الإمام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون). [معاني القرآن: 2/180-181]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يجوز أن يكون هذا للجميع لأنه وإن كان الذين في الصلاة لا يحاربون فإنهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لأن المصلي لا يحارب). [معاني القرآن: 2/181-182]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإذا اطمئننتم) من السفر أو الخوف.
(فأقيموا الصّلاة) أي أتمّوها.
(كتاباً موقوتاً) أي موقّتاً وقّته الله عليهم.
(تألمون) توجعون، قال أبو قيس بن الأسلت:
لا نألم الحرب ونجزى بها الـ... أعداء كيل الصّاع بالصّاع). [مجاز القرآن: 1/138-139]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({موقوتا}: مفروضا موجبا وقته وقتها الله عليهم). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا اطمأننتم} أي من السفر والخوف.
{فأقيموا الصّلاة} أي أتموها.
{إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي موقتا. يقال: وقّته اللّه عليهم ووقته، أي جعله لأوقات، ومنه: {وإذا الرّسل أقّتت} ووقتت أيضا، مخففة). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103)
يعني به صلاة الخوف هذه.
(فاذكروا الله قياما وقعودا).
أي أذكروه بتوحيده وشكره وتسبيحه، وكل ما يمكن أن يتقرب به منه.
وقوله جلّ وعزّ: (فإذا اطمأننتم).
أي إذا سكنت قلوبكم، ويقال اطمأن الشيء إذا سكن وطأمنته وطمأنته إذا سكنته، وقد روي " اطبان " بالباء ولكن لا تقرأ بها لأن المصحف لا يخالف ألبتّة.
وقوله: (فأقيموا الصّلاة).
أي فأتموا، لأنهم جعل لهم في الخوف قصرها، وأمروا في الأمن بإتمامها.
وقوله: (إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)
أي مفروضا مؤقتا فرضه). [معاني القرآن: 2/99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه). [معاني القرآن: 2/182]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا اطمأننتم} قال مجاهد فإذا صرتم في الأهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم إلى منازلكم فأقيموا الصلاة قال مجاهد أي فأتموها).
[معاني القرآن: 2/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه). [معاني القرآن: 2/183]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (على المؤمنين كتابا موقوتا) أي: فرضا مفروضا في أوقات معلومة).
[ياقوتة الصراط: 202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كِتَابًا مَّوْقُوتًا} أي فرضا موقتا، أي لها أوقات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَّوْقُوتاً}: مفروضا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وترجون من اللّه ما لا يرجون...}
قال بعض المفّسرين: معنى ترجون: تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف، وكان الرجاء كذلك؛ كقوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} هذه: للذين لا يخافون أيام الله، وكذلك قوله: {ما لكم لا ترجون للّه وقارا}: لا تخافون لله عظمة. وهي لغة حجازية. وقال الراجز:
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا * أسبعة لاقت معا أم واحدا
وقال الهدليّ:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عوامل
ولا يجوز: رجوتك وأنت تريد: خفتك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك). [معاني القرآن: 1/286]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {إن تكونوا تألمون} أي. تيجعون. تقول: "ألم" "يألم" "ألما"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تألمون}: توجعون. الألم الوجع). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تهنوا} لا تضعفوا. {في ابتغاء القوم} أي في طلبهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليما حكيما (104)
هذا خطاب للمؤمنين، والقوم ههنا الكفار الذين هم حرب المؤمنين.
وتأويل: (لا تهنوا) في اللغة لا تضعفوا، يقال وهن الرجل يهن إذا ضعف فهو وهن. ومعنى (ابتغاء القوم): طلب القوم بالحرب.
وقوله: (إن تكونوا تألمون فإنّهم).
أي إن تكونوا توجعون فإنهم يجدون من الوجع بما ينالهم من الجراح والتعب كما تجدون، وأنتم مع ذلك (ترجون من الله ما لا يرجون).
أي أنتم ترجون النصر الذي وعدكم الله به، وإظهار دينكم على سائر أديان أهل الملل المخالفة لأهل الإسلام وترجون مع ذلك الجنة، وهم – أعني المشركين – لا يرجون الجنة لأنهم كانوا غير مقرين بالبعث فأنتم ترجون من الله ما لا يرجون.
قال بعض أهل التفسير: معنى " ترجون " ههنا تخافون، وأجمع أهل اللغة الموثوق بعلمهم: أن الرجاء ههنا على معنى الأمل لا على تصريح الخوف.
وقال بعضهم: الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع الجحد.
قال الشاعر:
لا ترتجى حين تلاقي الذّائدا... أسبعة لاقت معا أم واحدا
معناه لا تخاف.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: (ما لكم لا ترجون للّه وقارا (13).
أي لا تخافون للّه عظمة ولا عظة.
وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف لأن الرجاء أمل قد يخاف ألّا يتمّ). [معاني القرآن: 2/100]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} قال الضحاك أي تشكون وترجون من الله ما لا يرجون قال الضحاك أي في جراحاتكم يعني من الأجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تَهِنُواْ} أي ولا تضعفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَأْلَمُونَ}: من الوجع). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} أي: علمك الله). [تأويل مشكل القرآن: 499]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيما (105)
أي بالحق الذي أعلمكه اللّه عزّ وجلّ.
وقوله: (ولا تكن للخائنين خصيما):
أي لا تكن مخاصما ولا دافعا عن خائن.
ويروى أن رجلا من الأنصار كان يقال له أبو طعمة أو طعمة سرق درعا وجعله في غرارة دقيق، وكان فيها خرق، فانتثر الدقيق من مكان سرقته إلى منزله فظنّ به أنه سارق الدرع وحيص في أمره، فمضى بالدرع إلى رجل من اليهود فأودعها إياه ثم صار إلى قومه فأعلمه أنه لما اتهم بالدرع اتبع أثرها فعلم أنها عند اليهودي، وأن اليهودي سارقها، فجاء قومه أي طعمة أو طعمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه أن يعذره عند الناس، وأعلموه أن اليهودي صاحب الدرع، وكان بعضهم قد علم أن أبا طعمة قد رمى اليهودي وهو بريء من الدرع، فهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذره، فأوحى اللّه إليه وعرفه قصته أي طعمة وأعلمه أنه خائن، ونهاه أن يحتج له، وأمره بالاستغفار مما هم به، وأن يحكم بما أنزل اللّه في كتابه، فقال:
(ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسهم إنّ اللّه لا يحبّ من كان خوّانا أثيما (107)
يعني أبا طعمة ومن عاونه من قومه، وهم يعلمون أنه سارق.
ويروى أن أبا طعمة هذا هرب إلى مكة وارتد عن الإسلام، وأنه نقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله). [معاني القرآن: 2/101]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} قال مجاهد كان رجل من الأنصار يقال له ابن أبيرق واسمه طعمة سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأنزل الله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} إلى قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم}). [معاني القرآن: 2/185]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل إذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لأنه من أقوى الطير). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يستخفون من النّاس ولا يستخفون من اللّه وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان اللّه بما يعملون محيطا (108)
(إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول)
كل ما فكّر فيه أو خيض فيه بليل فقد بيّت.
يعني به هذا السارق، والذي بيّت من القوم أن قال: أرمي اليهودي بأنه سارق الدرع، وأحلف أني لم أسرقها، فتقبل يميني لأني على ديني، ولا تقبل يمين اليهودي. فهذا ما بيّت من القول واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/101-102]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} أي يحكمونه ليلا). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدّنيا فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة أم مّن يكون عليهم وكيلاً}
قال: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم} فرد التنبيه مرتين كما قال: {ها أنتم هؤلاء تدعون} أراد التوكيد). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدّنيا فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109)
يعني به من احتج عن هذا السارق.
(فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة).
أي في اليوم الذي يؤخذ فيه بالحقائق، وأمر الدّنيا يقوم بالشهادات في الحقوق.
وجائز أن تكون الشهادة غير حقيقة، فكأنّه - واللّه أعلم - قيل لهم إن يقم الجدال في الدنيا والتغييب عن أمر هذا السارق، فيوم القيامة لا ينفع فيه جدال ولا شهادة.
ومعنى قوله " ها أنتم " ها للتنبيه، وأعيدت في أولاء. والمعنى – واللّه اعلم - ها أنتم الذين جادلتم، لأن " هؤلاء " و " هذا " يكونان في الإشارة للمخاطبين بمنزلة الذين، نحو قول الشاعر:
وهذا تحملين طليق
أي والذي تحملينه طليق.
وأصل المجادلة والجدال في اللغة شدة المخاصمة، والجدل شدة القتل، ورجل مجدول، أي كأنّه قد قتل، والأجدل الصقر، يقال له أجدل لأنه من أشد الطيور قوة). [معاني القرآن: 2/102]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} أي يوم تظهر الحقائق وإنما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو إسحاق المعنى ها أنتم الذين يذهب إلى أن هؤلاء بمعنى الذين). [معاني القرآن: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن التوبة مبذولة في كل ذنب دون الشرك فقال جلّ ثناؤه: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110)
أي يسأله المغفرة مع إقلاع، لأنه إذا كان مقيما على الإصرار فليس بتائب). [معاني القرآن: 2/102-103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} أي استغفار غير عائد لأنه إذا عزم على العودة فليس بتائب). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب إثما فإنّما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليما حكيما (111)
ولا يؤخذ الإثم بالإثم). [معاني القرآن: 2/103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه} أي عقابه يرجع عليه). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً...}
يقال: كيف قال "به" وقد ذكر الخطيئة والإثم؟. وذلك جائز أن يكنى عن الفعلين وأحدهما مؤنّث بالتذكير والتوحيد، ولو كثر لجاز الكناية عنه بالتوحيد؛ لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد، فلذلك جاز. فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الهاء للإثم خاصّة؛ كما قال {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فجعله للتجارة. وفي قراءة عبد الله (وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها) فجعله للتجارة في تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكّر على نيّة اللهو لجاز. وقال {إن يكن غنيّاً أو فقيرا فاللّه أولى بهما} فثنّى. فلو أتى في الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لجاز. وفي قراءة أبيّ (إن يكن غني أو فقير فالله أولى بهم) وفي قراءة عبد الله (إن يكن غنيّ أو فقير فالله أولى بهما) فأمّا قول أبيّ (بهم) فإنه كقوله: {وكم من ملكٍ في السموات لا تغني شفاعتهم} ذهب إلى الجمع، كذلك جاء في قراءة أبيّ، لأنه قد ذكرهم جميعا ثم وحّد الغنيّ والفقير وهما في مذهب الجمع؛ كما تقول: أصبح الناس صائما ومفطرا، فأدّى اثنان عن معنى الجمع).
[معاني القرآن: 1/286-287]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً) : وقع اللفظ على الإثم فذكّره، هذا في لغة من خبّر عن آخر الكلمتين). [مجاز القرآن: 1/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} أي يقذف بما جناه بريئا منه).
[تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا).
قيل (إثما) لأن اللّه قد سمّى بعض المعاصي خطايا، وسمى بعضها آثاما.
فأعلم الله جلّ وعزّ أن من كسب خطيئة، ويقع عليها اسم الإثم أو اسم الخطيئة، ثم رمى به من لم يعلمه وهو منه بريء..
(فقد احتمل بهتانا).
و" البهتان " الكذب الذي يتحير من عظمه وبيانه، يقال قد بهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وقد بهت الرجل يبهت إذا تحيّر قال اللّه عزّ وجلّ: (فبهت الّذي كفر).
ويجوز أن يكون - والله أعلم - (ومن يكسب خطيئة أو إثما) أي من يقع عليه خطأ نحو قتل الخطأ الذي يقع فيه القوم ولا إثم فيه.
فيكون أن يرمي بذلك غيره فقد احتمل بهتانا). [معاني القرآن: 2/103]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا} قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها). [معاني القرآن: 2/187]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لهمّت طّائفةٌ...} يريد: لقد همت طائفة فأضمرت.
وقوله: {أن يضلّوك}: يخطّئوك في حكمك). [معاني القرآن: 1/287]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلّا أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيما (113)
هذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والطائفة هم طعمة هذا السارق، لأن بعضهم قد كان وقف على أنه سارق، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذره.
فالتأويل - واللّه أعلم - لولا فضل اللّه عليك ورحمته بما أوحى إليك.
وأعلمك أمر هذا السارق لهمّت طائفة أن يضلوك، والمعنى في همّت طائفة منهم أن يضلوك. أي، فبفضل اللّه ورحمته صرف اللّه عنك أن تعمل ما همّت به الطائفة.
وقال بعضهم معنى " أن يضلوك " أن يخطّئوك في حكمك.
وقوله جلّ وعزّ: (وما يضلّون إلّا أنفسهم).
أي لأنهم هم يعملون عمل الضالين.
واللّه يعصم نبيه - صلى الله عليه وسلم - من متابعتهم.
والإضلال راجع عليهم وواقع بهم.
وقوله: (وما يضرّونك من شيء).
أي مع عصمة اللّه إياك، ونصره دينه دين الحق.
وقوله: (وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة).
أي بين في كتابه ما فيه الحكمة التي لا يقع لك معها ضلال). [معاني القرآن: 2/103-104]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه). [معاني القرآن: 2/188]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولولا فضل الله عليك ورحمته} أي بأنه أوحي إليك ما فعله ابن أبيرق لهمت طائفة منهم أن يضلوك أي يخطئوك في الحكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي لأنك معصوم). [معاني القرآن: 2/188]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق). [معاني القرآن: 2/188-189]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 114 إلى 134]

{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}

تفسير قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ...}
(من) في موضع خفض ونصب؛ الخفض: إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال؛ كما قال {وإذ هم نجوى} ومن جعل النجوى فعلا كما قال {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} فـ (من) حينئذ في موضع رفع. وأمّا النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب، كما قال الشاعر:
وقفت فيها أصيلاناً أسائلها * عيّت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأياً ما أبيّنها * والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وقد يكون في موضع رفع وإن ردّت على خلافها؛ كما قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس * إلا اليعافير وإلاّ العيس). [معاني القرآن: 1/287-288]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ) فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها. إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنّجوى: فعل، ومن: اسمٌ، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي... على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم؛ وفي آية أخرى: (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله) فالبرّ ها هنا مصدر، و(من) في هذا الموضع اسم). [مجاز القرآن: 1/139-140]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}
[و] قال: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ} يقول: "إلاّ في نجوى من أمر بصدقةً"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (لا خير في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114)
النجوي في الكلام ما تنفرد به الجماعة أو الاثنان سرا كان أو ظاهرا.
ومعنى نجوت الشيء في اللغة خلّصته وألقيته، يقال نجوت الجلد إذا ألقيته عن البعير وغيره.
قال الشاعر:
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه... سيرضيكما منها سنام وغاربه
وقد نجوت فلانا إذا استنكهته.
قال الشاعر:
نجوت مجالدا فوجدت منه... كريح الكلب مات حديث عهد
ونجوت الوبر واستنجيته إذا خلصته.
قال الشاعر:
فتبازت فتبازخت لها... جلسة الأعسر يستنجي الوتر
وأصله كله من النجوة، وهو ما ارتفع من الأرض
قال الشاعر:
فمن بنجوته كمن بعقوته... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
ويقال: ما أنجى فلان شيئا وما نجا شيئا منذ أيام، أي لم يدخل الغائط.
والمعنى واللّه أعلم: لا خير في كثير من نجواهم، أي مما يدبرونه بينهم من الكلام.
(إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس).
فيجوز أن يكون موضع " من " خفضا، المعنى إلا في نجوى من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - استثناء ليس من الأول ويكون موضعها نصبا، ويكون على معنى لكن من أمر بصدقة أو معروف ففي نجواه خير. وأعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك إنما ينفع من ابتغى به ما عند اللّه فقال:
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
ومعنى (ابتغاء مرضات اللّه) طلب مرضاة اللّه.
ونصب (ابتغاء مرضات اللّه) لأنه مفعول له.
المعنى ومن يفعل ذلك لابتغاء مرضاة اللّه، وهو راجع إلى تأويل المصدر، كأنه قال: ومن يبتغ ابتغاء مرضاة اللّه). [معاني القرآن: 2/104-106]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {لا خير في كثير من نجواهم} النجوى كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا من أمر بصدقة} يجوز أن يكون المعنى إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مِنْ نجوَاهُم) النجوى الجماعة والنجوى: الكلام الخفي). [ياقوتة الصراط: 202]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم عاد الأمر إلى ذكر طعمة هذا ومن أشبهه فقال:
(ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا (115)
لأن طعمة هذا كان قد تبين لصه ما أوحى اللّه إلى نبيه في أمره، وأظهر من سرقته في الآية ما فيه بلاغ، فعادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصار إلى مكة، وأقام مع المشركين.
ومعنى (نولّه ما تولّى) ندعة وما اختار لنفسه في الدنيا لأن اللّه جلّ وعزّ وعد بالعذاب في الآخرة، وأعلم تعالى أنه لا يغفر الشرك، وذكر قبل هذه الآية: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110).
وأعلم بعدها أن الشرك لا يجوز أن يغفره ما أقام المشرك عليه، فإن قال قائل فإنما قال: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به) فإن سمّي رجل كافرا ولم يشرك مع اللّه غيره فهو خارج عن قوله: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به)؟
فالجواب في هذا أن كل كافر مشرك باللّه لأن الكافر إذا كفر بنبي فقد زعم أن الآيات التي أتى بها ليست من عند اللّه، فيجعل ما لا يكون إلا لله لغير اللّه فيصير مشركا. فكل كافر مشرك.
فالمعنى أن الله لا يغفر كفر من كفر به وبنبيّ من أنبيائه لأن كفره بنبيه كفر به.
(ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدا).
لأن جعله مع اللّه غيره من أبعد الضلال والعمى، وهذا أكثر ما جرى ههنا من أجل الذين عبدوا الأصنام.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ بعقب هذا:
(إن يدعون من دونه إلّا إناثا)
فأمّا (نولّه ما تولّى ونصله جهنّم).
ففيها أوجه، يجوز فيها نولهي - بإثبات الياء، ويجوز نولهو بإثبات الواو: ويجوز " نوله " بكسر الهاء، فأما " نوله " - بإسكان الهاء و " نصله جهنم "، فلا يجوز إسكان الهاء لأن الهاء حقها أن يكون معها - ياء، وأما حذف الياء فضعيف فيها، ولا يجوز حذف الياء ولا تبقى الكسرة التي تدل عليها). [معاني القرآن: 2/106-107]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً...}
يقول: اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً} جمع الوثن فضم الواو فهمزها، كما قال {وإذا الرّسل أقّتت}
وقد قرئت (إن يدعون من دونه إلا أنثا) جمع الإناث، فيكون مثل جمع الثمار والثمر {كلوا من ثمره}). [معاني القرآن: 1/288-289]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً) إلا الموات؛ حجراً أو مدراً أو ما أشبه ذلك.
(شيطاناً مريداً) أي متمرداً). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن يدعون من دونه إلّا إناثاً} يعني اللات والعزّى ومناة.
{وإن يدعون إلّا شيطاناً مريداً} أي ماردا. مثل قدير وقادر، والمارد: العاتي). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا (117)
إن يدعون تقرأ إلا أنثا، وإلا أثنا - بتقديم الثاء، وتأخيرها. فمن قال أناث فهو جمع أنثى وإناث، ومن قال أنث فهو جمع إناث، لأن إناثا على وزن مثال، وإناث وأنث مثل مثال ومثل. ومن قال أثنا فإنه جمع وثن.
والأصل وثن، إلا أنّ الواو إذا انضمّت يجوز إبدالها همزة، كقوله تعالى: (وإذا الرّسل أقتت) الأصل وقّتت، ومثال وثن في الجمع مثل سقف.
وجائز - أن يكون اثن مثل أسد وأسد، وجائز أن يكون اثن أصلها اثن، فاتبعت الضمّة الضمّة.
وقوله جلّ وعزّ: (وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا).
يعني به إبليس لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه، ويدعون في معنى يعبدون، لأنهم إذا دعوا اللّه مخلصين فقد عبدوه.
وكذلك قوله: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم) أي اعبدوني.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي).
ومعنى (مريدا) أي خارج عن الطاعة متملص منها، ويقال " شجرة مرداء.
إذا تناثر ورقها، ومن ذلك يسمى من لم تنبت له لحية أمرد أي أملس موضع اللحية، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة).
[معاني القرآن: 2/108]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن يدعون من دونه إلا إناثا} قال مجاهد يعني الأوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة إنما سميت إناثا لأنهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم إناث وقال الحسن أي ما يعبدون إلا حجارة وخشبا
قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لأن هذه الأشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه ولا يقال يعجبونه وروي عن ابن عباس أنه قرأ (إن يدعون من دونه إلا أثنا) وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز: {وإذا الرسل أقتت} من الوقت وقرئ (إن يدعون من دونه إلا أنثا) وهو جمع إناث). [معاني القرآن: 2/191-192]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله} فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول). [معاني القرآن: 2/193]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلاَّ إِنَاثًا} يعني اللات وعزى ومناة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]

تفسير قوله تعالى: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {نصيباً مّفروضاً...} جعل الله له عليه السبيل؛ فهو كالمفروض). [معاني القرآن: 1/289]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نصيباً مفروضاً} أي حظا افترضته لنفسي منهم فأضلهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا (118)
قيل في مفروض إن معناه مؤقت، وجاء في بعض التفسير من كل ألف واحد للّه وسائرهم لإبليس.
ومعنى مفروض - واللّه أعلم - أي أفترضه على نفسي وأصل الفرض في اللغة القطع، والفرضة الثلمة تكون في النهر، يقال سقاها بالفراض وبالفرض، والفرض الحز الذي يكون في المسواك يشد فيه الخيط، والفرض في القوس الحز الذي يشدّ فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض ما أمر الله به العباد فجعله أمرا حتما عليهم قاطعا، وكذلك قوله: (وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم) أي جعلتم لهنّ قطعة من المال وقد فرضت الرجل جعلت له قطعة من مال الفيء.
فأما قول الشاعر:
إذا أكلت سمكا وفرضا... ذهبت طولا وذهبت عرضا
فالفرض ههنا التمر، وإنما سمي التمر فرضا لأنه يؤخذ في فراض الصدقة). [معاني القرآن: 2/108-109]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ومعنى لعنه باعده من رحمته. ثم قال جل وعز: {وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت). [معاني القرآن: 2/193]

تفسير قوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولأضلّنّهم...} وفي قراءة أبيّ "وأضلهم وأمنّيهم"). [معاني القرآن: 1/289]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فليبتّكنّ آذان الأنعام)، بتكه: قطعه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فليبتكن آذان الأنعام}: يقطعونها بتكة قطعة). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليبتّكنّ آذان الأنعام} أي يقطعونها ويشقّونها. يقال: بتكه، إذا فعل ذلك به.
{فليغيّرنّ خلق اللّه} يقال: دين اللّه. ويقال لا، يغيرون خلقه بالخصاء وقطع الآذان وفقء العيون. وأشباه ذلك). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والخلق: الدّين، كقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، أي لدين الله.
وقال تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، أي دينه: ويقال:
تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 507]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليّا من دون اللّه فقد خسر خسرانا مبينا (119)
(ولأمنّينّهم).
أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا.
كما قال: (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم).
(ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام).
كأنه - واللّه أعلم - ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام فليبتكن، أي يشققن، يقال بتكت الشيء أبتكه بتكا إذا قطعته، وبتكة وبتك، مثل قطعة وقطع، وهذا في البحيرة، كانت الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن فكان الخامس ذكرا شقوا أذن الناقة وامتنعوا من الانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا
مرعى، وإذا لقيها المعي لم يركبها. فهذا تأويل (فليبتّكنّ آذان الأنعام).
سوّل لهم إبليس أن في تركها لا ينتفع بها قربة إلى الله.
(ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه).
قيل إن معناه أن الله خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والأرض والحجارة سخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون، فغيروا خلق اللّه، أي دين اللّه، لأن الله فطر الخلق على الإسلام، خلقهم من بطن آدم كالذر، وأشهدهم أنه ربهم فآمنوا، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فأمّا قوله: (لا تبديل لخلق الله)، فإنّ معناه ما خلقه الله هو الصحيح، لا يقدر أحد أن يبدل معنى صحة الدين.
وقال بعضهم: (فليغيّرنّ خلق اللّه) هو الخصاء لأن الذي يخصي الفحل قد غير خلق اللّه.
ومعنى (إن يدعون من دونه إلّا إناثا).
أي ما يعبدون إلا ما قد سموه باسم الإناث، يعني به المشركون، سمّوا الأصنام اللات والعزى ومناة، وما أشبهه، وقيل إن معنى قوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا) أي مواتا، والموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث، تقول من ذلك: هذه الأحجار تعجبني، ولا تقول يعجبونني، وكذلك الدراهم تنفعني). [معاني القرآن: 2/109-110]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولأضلنهم ولأمنينهم} أي ولأوهمنهم أن لهم حظا في المخالفة).
[معاني القرآن: 2/194]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} يقال بتك إذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها
والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام). [معاني القرآن: 2/194-195]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الإسلام وأمرهم الشيطان بتغييره
وروي عن عكرمة قولان: أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنها ترجع إلى الأفعال فأما قوله: {لا تبديل لخلق الله} وقال ههنا فليغيرن خلق الله فإن التبديل هو بطلان عين الشيء فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي فليغيرن ما خلق الله من دينه). [معاني القرآن: 2/195-197]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليبتكن آذان الأنعام) أي: فليقطعن آذان الإبل). [ياقوتة الصراط: 203]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليغيرن خلق الله) قال: يعني: الإخصاء.
(قيلا) أي: قولا). [ياقوتة الصراط: 203]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} أي يقطعونها، ويشقونها.
{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} أي دين الله، وقيل: يغيرونه بالخصاء وقطع الآذان ونحوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ}: يقطعن). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (محيصاً) (120)، حاص عنه: عدل عنه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({محيصا}: معدلا حاص عن الطريق عدل عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصا (121)
(ولا يجدون عنها محيصا).
أي لا يجدون عنها معدلا ولا ملجأ.
يقال حصت عن الرجل أحيص، ورووا جضت عنه أجيض بالجيم والضاد المعجمة، بمعنى حصت، ولا يجوز ذلك في القرآن، وإن كان المعنى واحدا والخط غير مخالف، لأن القرآن سنة لا تخالف فيه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف وقراء الأمصار بما يجوز في النحو واللغة، وما فيه أفصح ممّا يجوز. فالاتباع فيه أولى.
يقال حصت أحوص حوصا وحياصا، إذا خطت، قال الأصمعي: يقال حص عين صقرك أي خط عينه، والحوص في العين ضيق مؤخرها.
والخوص بالخاء - معجمة - غؤورها). [معاني القرآن: 2/110-111]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا} المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت وعدلت بمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَحِيصاً}: معدلا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن أصدق من الله قيلاً) أو (قولا) واحد). [مجاز القرآن: 1/140]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123)
اسم ليس مضمر، المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه حقّا).
أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحا. ليس كما يتمنى أهل الكتاب، لأنهم كانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
وقالوا: (لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة)، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن دخول الجنة وثواب الله على الحسنات والسيئات ليس بالأماني ولكنه بالأعمال.
ثم ذكر بعض ذلك فقال عزّ وجلّ: (من يعمل سوءا يجز به).
أي لا ينفعه تمنيه.
(ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرا (124)
فأعلم الله أن عامل السوء لا ينفعه تمنيه، ولا يتولاه فتول ولا ينصره ناصر.
وقد احتج قوم من أصحاب الوعيد بقوله: (ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا).
فزعموا أن هذا يدل على أن من عمل السوء جزي به). [معاني القرآن: 2/111-112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار}).[معاني القرآن: 2/197]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يعمل سوءا يجز به} روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فإنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هو أنه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة
ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق لـ «نكفر» لأن معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها). [معاني القرآن: 2/198-200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}،{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقد أعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعامل السوء - ما لم يكن كافرا - مرجو له العفو والرحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - شافع لأمته يشفع فيهم.
ومعنى: (ولا يظلمون نقيرا).
النقير النقطة في ظهر النواة، وهي منبت النخلة، والمعنى: ولا يظلمون مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يظلمون نقيرا} المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التي تكون في النواة يقال إن النخلة تنبت منها). [معاني القرآن: 2/200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً...}
يقول القائل: ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره، فردّهم وقال: إبراهيم لا يريد هذا لنفسه، إنما يريده لغيره. قال: فرجع غلمانه، فمرّوا ببطحاء لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر؛ استحياء من أن يردّوها فارغة، فردّوا على إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام. فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: هذا من عند خليلك المصريّ. قال فقال إبراهيم: هذا من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصريّ. قال: فذلك خلّته). [معاني القرآن: 1/289-290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125)
وقوله: (واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا).
الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون إبراهيم سمى خليل الله بأنّه الذي أحبه الله واصطفاه محبة تامّة كاملة.
وقيل أيضا الخليل الفقير، فجائز أن يكون فقير اللّه، أي الذي لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله مخلصا في ذلك، قال الله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه).
ومثل أن إبراهيم الخليل الفقير إلى اللّه قول زهير يمدح هرم بن سنان:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وجاء في التفسير أن إبراهيم كان يضيف الضيفان ويطعم المساكين الطعام، وأصاب الناس جدب فبعث إلى خليل له كان بمصر يمتار منه.
فقال ذلك الخليل لنفسه: لو كان إبراهيم إنما يريد الميرة لنفسه لوجهت إليه بها، ولكنه يريدها للناس فرجع غلمان إبراهيم بغير ميرة، فاجتازوا ببطحاء ليّنة فأخذوا من رمل كان فيها وجعلوه في أوعيتهم استحياء من الناس أن يرجعوا بغير شيء، فلما رآهم عليه السلام، سألهم عن الخبر فأعلموه، فحملته عينه فنام مهموما، وانتبهت امرأته وقد بصرت بالأوعية مملوءة، فأمرت بأن يخرج منها ويخبز فأخرج منها طعام في غاية الحسن فاختبز، وانتبه إبراهيم وشئمّ رائحة الطعام، فقال: من أين هذا؟
فقالت امرأته من عد خليلك المصري.
فقال إبراهيم هذا من عند خليلي اللّه عزّ وجلّ.
فهذا ما روي في التفسير وهو من آيات الأنبياء عليهم السلام غير منكر. والذي فسرنا من الاشتقاق لا يخالف هذا.
والخلة الصداقة، والخلة الحاجة.
فأمّا معنى الحاجة فإنه الاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه.
وأمّا الخلة الصداقة فمعناها إنّه يسد كل محب خلل صاحبه في المودة وفي الحاجة إليه، والخلل كل فرجة تقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به.
وإنما سمي خلالا لأنه، يتبع به الخلل بين الأسنان.
وقول الشاعر:
ونظرن من خلل الستور بأعين... مرضى مخالطها السّقام صحاح
فإن معناه نظرن من الفرج التي تقع في الستور.
وقوله القائل: " لك خلّة من خلال " تأويله أني أخلى لك من رأيي أو مما عندي عن خلة من خلال.
وتأويل أخلّي إنما هو أخلل، وجائز أن يكون أخلي من الخلوة، والخلوة والخلل يرجعان إلى معنى، والخل الطريق في الرمل معناه أنه انفرجت فيه فرجة فصارت طريقا.
والخل الذي يؤكل إنما سمي خلّا لأنه اختلّ منه طعم الحلاوة). [معاني القرآن: 2/112-114]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره). [معاني القرآن: 2/200-202]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (خليلا): محبا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيء محيطا (126)
أي إن إبراهيم الذي اتخذه اللّه خليلا هو عبد اللّه، وهو له وكل ما في السّماوات والأرض). [معاني القرآن: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى...}
(معناه: قل الله يفتيكم فيهنّ وما يتلى). فموضع (ما) رفع كأنه قال: يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما في موضع خفض: يفتيكم الله فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.
وقوله: {والمستضعفين} في موضع خفض، على قوله: يفتيكم فيهنّ وفي المستضعفين. وقوله: {وأن تقوموا} (أن) موضع خفض على قوله: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 1/290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه كان به عليما (127)
(ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم)
موضع " ما " رفع.
المعنى اللّه يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب.
أيضا يفتيكم فيهن. ويجوز أن يكون " ما " في موضع جر، وهو بعيد جدا، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، فلذلك اختير الرفع، ولأن معنى الرفع أيضا أبين، لأن ما يتلى في الكتاب هو الذي بين ما سألوا.
فالمعنى: (قل الله يفتيكم فيهن)، وكتابه يفتيكم فيهن.
وقوله: (وترغبون أن تنكحوهنّ).
المعنى وترغبون عن أن تنكحوهنّ.
وقوله: (والمستضعفين من الولدان).
يعني اليتامى، وموضع " المستضعفين " جر، عطف على قوله: (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) المعنى وفي المستضعفين من الولدان والذي يفتيهم من القرآن قوله عزّ وجلّ: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والذي تلي عليهم في التزويج هو قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع).
فالمعنى قل الله يفتيكم فيهنّ، وهذه الأشياء التي في الكتاب يفتيكم فيهن.
وقوله: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط)
" أن " في موضع جر: المعنى وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 2/114-115]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} وما في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}). [معاني القرآن: 2/202]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط
وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه {وترغبون أن تنكحوهن} قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال ولأهل اللغة في هذا تقديران: أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن
وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في وإذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين). [معاني القرآن: 2/202-204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والمستضعفين من الولدان} قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله: {يوصيكم الله في أولادكم}). [معاني القرآن: 2/204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}). [معاني القرآن: 2/205]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {خافت من بعلها نشوزاً...}
والنشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل لا من المرأة. ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوج عليها شابّة فيؤثرها في القسمة والجماع. فينبغي له أن يقول للكبيرة: إني أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك، فإن هي رضيت صلح ذلك له، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.
وقوله: {وأحضرت الأنفس الشّحّ} إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة. ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه. ثم قال: وإن رضيت بالإمرة). [معاني القرآن: 1/290-291]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} أي عنها.
{فلا جناح عليهما أن يصلحا} أي يتصالحا. هذا في قسمة الأيام بينها وبين أزواجه، فترضى منه بأقل من حظها). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصّلح خير وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (128)
النشوز من بعل المرأة أن يسيء عشرتها وأن يمنعها نفسه ونفقته واللّه عز وجلّ قال في النساء: (وعاشروهنّ بالمعروف)، وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وقال: (ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا). فشدد الله في العدل في أمر النساء فلو لم يعلم عزّ وجلّ أن رضا المرأة من زوجها بالإقامة على منعها - في كثير من الأوقات - نفسه ومنعها بعض ما يحتاج إليه لما جاز الإمساك إلا على غاية العدل والمعروف، فجعل الله عزّ وجلّ الصلح جائزا بين الرجل وامرأته إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليه.
فقال: " لا إثم عليهما في أن يتصالحا بينهما صلحا.
والصلح خير من الفرقة ".
وقوله: (وأحضرت الأنفس الشّحّ).
وهو أن المرأة تشح على مكانها من زوجها، والرجل يشح على المرة بنفسه إن كان غيرها أحب إليه منها.
وقوله: (وإن تحسنوا وتتّقوا).
أي إن تحسنوا إليهن، وتحملوا عشرتهن.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
أي يخبر ذلك فيجازيكم عليه.
فإن قال قائل إنما قيل: (وإن امرأة خافت)، ولم يقل وإن نشز رجل على المرأة لأن الخائف للشيء ليس بمتيقن له؟
فالجواب في هذا إن خافت الإقامة منه على النشوز والإعراض، وليس أن تخاف الإقامة إلا وقد بدا منه شيء، فأما التفرقة بين (إن) الجزاء والفعل الماضي فجيد. ولكن " إن " وقعت التفرقة بين " إن " والفعل المستقبل فذلك قبيح.
إن قلت: إن امرأة تخاف - فهو قبيح، لأن " إن " لا يفصل بينها وبين ما يجزم، وذلك في الشعر جائز في (إن) وغيرها.
قال عدي بن زيد.
فمتى واغل ينبهم يحيّوه... وتعطف عليه كأس الساقي
فأما الماضي فـ "إن " غير عاملة في لفظه، و " إن " أمّ حروف الجزم.
فجاز أن تفرق بينها وبين الفعل، وامرأة ارتفعت بفعل مضمر يدل عليه ما بعد الاسم، المعنى إن خافت امرأة خافت فأمّا غير " إن " فالفصل يقبح فيه مع الماضي والمستقبل جميعا، لو قلت: " متى زيد جاءني أكرمته " كان قبيحا.
ولو قلت إن اللّه أمكنني فعلت كان حسنا جميلا). [معاني القرآن: 2/115-117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} النشوز من الزوج أن يسيء عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته). [معاني القرآن: 2/205]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) وقرأ أكثر الكوفيين {أن يصلحا} وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الأيام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/205-207]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والصلح خير} والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع
وقيل في معنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء). [معاني القرآن: 2/207-208]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأحضرت الأنفس الشح} قال عطاء يعني الشح في الأيام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها وإيثارهن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس). [معاني القرآن: 2/208]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلا تميلوا كلّ الميل...} إلى الشابة، فتهجروا الكبيرة كل الهجر {فتذروها كالمعلّقة} وهي في قراءة أبيّ (كالمسجونة) ). [معاني القرآن: 1/291]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فلا تميلوا كلّ الميل) أي لا تجوروا). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}
قال عبيدة في الحب والجماع). [معاني القرآن: 2/208-209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلا تميلوا كل الميل} قال عبيدة يعني بالأنفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الإساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه). [معاني القرآن: 2/209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتذروها كالمعلقة} قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة). [معاني القرآن: 2/210]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيّاً حميداً}
قال: {ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه} أي بأن اتّقوا الله). [معاني القرآن: 1/211]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (وكيلا) أي: كفيلا كافيا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعاً بصيراً}
[وقال] {مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة} فموضع {كان} جزم والجواب الفاء وارتفعت {يريد} لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم}، وقال: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها} فجزم لأن الأول في موضع جزم ولكنه فعل واجب فلا ينجزم، و{يريد} في موضع نصب بخبر {كان}. [و] قال: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} فجعل الاسم يلي {إن} لأنّها أشدّ حروف الجزاء تمكنا. وإنّما حسن هذا فيها إذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله:
* عاود هراة وإن معمورها خربا *). [معاني القرآن: 1/211-212]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير). [تأويل مشكل القرآن:295-296] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعا بصيرا (134)
كان مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث، وكانوا مقرين بأن اللّه خالقهم.
فكان تقربهم إلى الله عزّ وجلّ إنما هو ليعطيهم من خير الدنيا، ويصرف عنهم شرها، فأعلم الله عزّ وجلّ أن خير الدنيا والآخرة عنده).
[معاني القرآن: 2/117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من كان يريد ثواب الدنيا} فعند الله ثواب الدنيا والآخرة روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وإنما يتقربون إلى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}). [معاني القرآن: 2/210]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 135 إلى 152]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه...}
هذا في إقامة الشهادة على أنفسهم وعلى الوالدين والأقربين. ولا تنظروا في غنى الغني ولا فقر الفقير؛ فإن الله أولى بذلك.
(فلا تتّبعوا الهوى [أن تعدلوا]) فرارا من إقامة الشهادة. وقد يقال: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا؛ كما تقول: لا تتبعنّ هواك لترضي ربك، أي إني أنهاك عن هذا كيما ترضي ربك. وقوله: {وإن تلووا} وتلوا، قد قرئتا جميعا. ونرى الذين قالوا (تلوا) أرادوا (تلؤوا) فيهمزون الواو لانضمامها، ثم يتركون الهمز فيتحوّل إعراب الهمز إلى اللام فتسقط الهمزة. إلا أن يكون المعنى فيها: وإن تلوا ذلك، يريد: تتولّوه {أو تعرضوا} عنه: أو تتركوه، فهو وجه). [معاني القرآن: 1/291]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإن تلووا أو تعرضوا): كلّ شيء لويته من حق أو غيره). [مجاز القرآن: 1/141]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّاً أو فقيراً فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إن يكن غنيّاً أو فقيراً فاللّه أولى بهما} لأنّ {أو} ههنا في معنى الواو. أو يكون جمعهما في قوله: {بهما} لأنهما قد ذكرا نحو قوله عز وجل: {وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ مّنهما}. أو يكون أضمر {من} كأنه "إن يكن من تخاصم غنيّاً أو فقيراً" يريد "غنيين أو فقيرين" يجعل "من" في ذلك المعنى ويخرج {غنيّاً أو فقيراً} على لفظ "من".
وقال: {وإن تلووا أو تعرضوا} لأنها من "لوى" "يلوى". وقال بعضهم {وإن تلوا} فان كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إلاّ لحناً إلاّ على معنى "الولاية" وليس لـ"الولاية" معنى ههنا إلا في قوله "وإن تلوا عليهم" فطرح {عليهم} فهو جائز). [معاني القرآن: 1/212-213]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وان تلووا}: لويته حقه دفعته عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن تلووا} من اللّيّ في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (135)
القسط والإقساط العدل، يقال أقسط الرجل يقسط إقساطا إذا عدل وأتى بالقسط، ويقال قسط الرجل قسوطا إذا جار.
قال الله جلّ وعزّ: (وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين).
أي اعدلوا إن الله يحب العادلين.
وقال جلّ وعزّ: (وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبا).
أي الجائرون، يقال قسط البعير قسطا إذا يبست يده، ويد قسطاء أي يابسة، فكأن أقسط أقام الشيء على حقيقة التعديل، وكأنّ قسط بمعنى جار معناه يبّس الشيء، وأفسد جهته المستقيمة.
وقوله: (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)
المعنى قوموا بالعدل وأشهدوا للّه بالحق، وإن كان الحق على نفس الشاهد أو على والديه وأقر بيه.
(إن يكن غنيّا أو فقيرا فاللّه أولى بهما).
أي إن يكن المشهود له فقيرا فاللّه أولى به، وكذلك إن يكن المشهود عليه غنيا فاللّه أولى به، فالتأويل أقيموا الشهادة لله على أنفسكم وأقاربكم، ولا تميلوا في الشهادة رحمة للفقير، ولا تحيفوا لاحتفال غنى عنيّ عندكم.
وقوله: (فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا).
أي لا تتبعوا الهوى فتعدلوا.
(وإن تلووا أو تعرضوا).
قرأ عاصم وأبو عمرو بن العلاء وأهل المدينة " تلووا " بواوين، وقرأ يحيى ابن وثاب والأعمش وحمزة بواو واحدة " تلوا "، والأشبه على ما جاء في التفسير ومذهب أهل المدينة وأبي عمرو، لأنه جاء في التفسير أن " لوى الحاكم في قضيته " أعرض.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته به ومطلته، ويجوز أن يكون " وأن تلو " أصله تلووا فأبدلوا من الواو المضمومة - همزة فصارت تلووا - بإسكان اللام - ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصار تلوا كما قيل في أدور أدوّر ثم طرحت الهمزة فصارت آدر.
ويجوز أن يكون وإن تلوا من الولاية، وتعرضوا أي إن قمتم بالأمر أو أعرضتم عنه، فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا.
وقوله: (فتذروها كالمعلّقة).
قيل كالمحبوسة لا أيّما ولا ذات بعل). [معاني القرآن: 2/117-119]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} القسط والإقساط العدل يقال أقسط يقسط إقساطا إذا عدل وقسط يقسط إذا جار). [معاني القرآن: 2/211]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} المعنى إن يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وإن يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا عليه فإن قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز وجل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم). [معاني القرآن: 2/211-212]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} المعنى فلا تتبعوا الهوى لأن تعدلوا وأدوا ما عندكم من الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لأنه إذا خالف الحق فكأنه كره العدل). [معاني القرآن: 2/213]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا} روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان إلى القاضي فيكون ليه لأحدهما وإعراضه عن الآخر وقال مجاهد {وإن تلووا} أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا
فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه:
قد كنت داينت بها حسانا مخافة الإفلاس والليانا
وقرئ (وإن تلوا أو تعرضوا) وفيه قولان: أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وإن تلوا شيئا أو تدعوه وقال أبو إسحاق من قرأ (وإن تلوا) فالمعنى على قراءته وإن تلووا ثم همز الواو الأولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار). [معاني القرآن: 2/213-215]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَإِن تَلْوُواْ} من اللَي في الشهادة، والميل إلى أحد الخصمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَلْوُواْ}: تعدلوا عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (من يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيداً) (135) والكفر بملائكته: انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا (136)
قيل فيه قولان: - يا أيها الذين آمنوا أقيموا على الإيمان باللّه كما قال عزّ وجلّ (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما)، أي وعد من أقام على الإيمان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين ذكروا في هذه القصة مغفرة وأجرا عظيما.
وقيل يعنى بهذا المنافقون الذين أظهروا التصديق وأسروا التكذيب.
فقيل: يا أيها الذين أظهروا الإيمان آمنوا باللّه ورسوله أي أبطنوا مثل ما أظهرتم.
والتأويل الأول أشبه واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/119]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله} في معنى هذا قولان: أحدهما اثبتوا على الإيمان كما يقال للقائم قف حتى أجيء
أي اثبت قائما.
والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله). [معاني القرآن: 2/215-216]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا...}
وهم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزير، ثم آمنوا بعزير وكفروا بعيسى. وآمنت اليهود بموسى وكفرت بعيسى.
ثم قال: {[ثمّ] ازدادوا كفراً} يعني اليهود: ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/292]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إنّ الّذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفرا لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137)
قيل فيه غير قول: قال بعضهم يعنى به اليهود لأنّهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل جائز أن يكون محارب آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر.
وقيل جائز أن يكون منافق أظهر الإيمان وأبطن الكفر ثم آمن بعد ثم كفر وازداد كفرا بإقامته على الكفر.
فإن قال قائل: اللّه جلّ وعزّ لا يغفر كفر مرة واحدة فلم قيل ههنا فيمن آمن ثمّ كفر ثمّ آمن ثمّ كفر: (لم يكن اللّه ليغفر لهم) وما الفائدة في هذا؟ فالجواب في هذا - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجلّ يغفر للكافر إذا آمن بعد كفره، فإن كفر بعد إيمانه لم يغفر اللّه له الكفر الأول، لأن اللّه جلّ وعزّ يقبل التوبة، فإذا كفر بعد إيمان قبله كفر فهو مطالب بجميع كفره.
ولا يجوز أن يكون إذا آمن بعد ذلك لا يغفر له، لأن اللّه جل ثناؤه يغفر لكل مؤمن بعد كفره.
والدليل على ذلك قوله جلّ وعزّ: (وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيّئات).
وهذا في القرآن كثير، وهو شبيه بالإجماع أيضا.
ومعنى: (ولا ليهديهم سبيلا)
أي لا يجعلهم بكفرهم مهتدين بل يضلهم، لأنه جلّ وعزّ يضل الفاسقين). [معاني القرآن: 2/119-120]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم ازدادوا كفرا ماتوا على ذلك
وهذا القول ليس يبعد في اللغة لأنهم إذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد وقال أبو العالية {إن الذين آمنوا ثم كفروا} اليهود والنصارى {ثم ازدادوا كفرا} بذنوب عملوها وقال قتادة {الذين آمنوا ثم كفروا} اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالإنجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم
وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم إياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام). [معاني القرآن: 2/216-217]

تفسير قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ: (بشّر المنافقين بأنّ لهم عذابا أليما (138)
معنى (أليم) موجع.
قال " بشر " أي اجعل في مكان بشارتهم " لهم العذاب " العرب تقول تحيتك الضرب، وعتابك السيف أي لك - بدلا من التحية... هذا.
قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل... تحية بينهم ضرب وجيع). [معاني القرآن: 2/120]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه:
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع). [معاني القرآن: 2/218]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإنّ العزّة لله جميعاً) أي العزة جميعاً لله). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ (الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة للّه جميعا (139)
(أيبتغون عندهم العزّة)
أي أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة.
والعزة المنعة وشدة الغلبة وهو مأخوذ من قولهم أرض عزاز.
قال الأصمعي: العزاز: النفل من الأرض والصّلب الحجارة، الذي يسرع منه جري الماء والسيل هذا لفظ الأصمعي.
فتأويل العزة الغلبة والشدة التي لا يتعلق بها إذلال.
قالت الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يتقى... إذ الناس إذ ذاك من عزّ بزّا
أي من قوى وغلب سلب.
ويقال: قد استعز على المريض إذا اشتد وجعه، وكذلك قول الناس:
يعزّ علي أن تفعل، أي يشتد، فأما قولهم قد عزّ الشيء إذا لم يوجد فتأويله قد اشتد وجوده أي صعب أن يوجد، والمآب، واحد).
[معاني القرآن: 2/120-121]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أيبتغون عندهم العزة} أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الأصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر إذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي
ومنه قوله تعالى: {وعزني في الخطاب} أي قهرني لأنه أعز مني ومنه قولهم من عز بز أي من غلب استلب ومنه قوله فعزته يداه وكاهله).
[معاني القرآن: 2/218-219]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حتّى) يخوضوا في حديثٍ غيره) يأخذوا في حديث غيره). [مجاز القرآن: 1/141]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعا (140)
أعلم الله عزّ وجلّ المؤمنين أن المنافقين يهزأون بكتاب اللّه، فأمروا ألا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره أي في حديت غير القرآن.
وقوله: (إنّكم إذا مثلهم).
أي إنكم إذا جالستموهم على الخوض في كتاب اللّه بالهزؤ فأنتم مثلهم). [معاني القرآن: 2/121]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم...}
جزم. ولو نصبت على تأويل الصرف؛ كقولك في الكلام: ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم، فيكون مثل قوله: {ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وهي في قراءة أبيّ (ومنعناكم من المؤمنين) فإن شئت جعلت "ومنعناكم" في تأويل "وقد كنا منعناكم" وإن شئت جعلته مردودا على تأويل {ألم} كأنه قال: أما استحوذنا عليكم ومنعناكم. وفي قراءة أبيّ (ألم تنهيا عن تلكما الشّجرة وقيل لكما) ). [معاني القرآن: 1/292]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ألم نستحوذ عليكم): نغلب عليكم (استحوذ عليهم الشّيطان): غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهنّ وله حوذىّ... كما يحوذ الفئة الكمىّ
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن). [مجاز القرآن: 1/141-142]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ألم نستحوذ عليكم}: نغلب عليكم). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نستحوذ عليكم} نغلب عليكم). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق...، والفتح: النّصر، كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلقا). [تأويل مشكل القرآن: 492]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتح من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)
(ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين)
هذا يقوله المنافقون إذا كان للكافرين نصيب قالوا: ألم نستحوذ عليكم، أي ألم نغلب عليكم بالموالاة لكم، ونمنعكم من المؤمنين بما كنا نعلمكم من أخبارهم.
ونستحوذ في اللغة: نستولي على الشيء، يقال حاذ الحمار آتنه إذا استولى عليها وجمعها، وكذلك حازها.
قال الشاعر:
يحوذهن وله حوذيّ
ورووه أيضا:
يحوزهن وله حوزيّ
قال النحويون: استحوذ خرج على أصله، فمن قال حاذ يحوذ لم يقل إلا استحاذ يستحيذ، ومن قال أحوذ فهو كما قال بعضهم أجودت وأطيبت بمعنى أجدت وأطبت، فأخرجه على الأصل قال: استحوذ.
وقوله: (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا).
أي إن اللّه ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة، فلن يجعل للكافرين أبدا على المؤمنين سبيلا). [معاني القرآن: 2/122]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {قالوا ألم نستحوذ عليكم} يقال استحوذ عليه إذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا إياكم {ونمنعكم من المؤمنين} أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم).
[معاني القرآن: 2/219]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة
وقيل إن المعنى أن الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله). [معاني القرآن: 2/220-221]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و{نَسْتَحْوِذْ} نغلب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَسْتَحْوِذْ}: نغلب). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس ولا يذكرون اللّه إلّا قليلا (142)
أي يخادعون النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهارهم له الإيمان وإبطانهم الكفر، فجعل الله عزّ وجلّ مخادعة النبي - صلى الله عليه وسلم - مخادعة له.
كما قال عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه).
ومعنى قوله: (وهو خادعهم).
فيه غير قول: قال بعضهم: مخادعة اللّه إياهم جزاؤهم على المخادعة بالعذاب، وكذلك قوله: (ويمكرون ويمكر اللّه).
وقيل وهو خادعهم بأمره عزّ وجلّ بالقبول منهم ما أظهروا، فاللّه خادعهم بذلك). [معاني القرآن: 2/122-123]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لأنه مجازاة للأول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقال الحسن إذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون نورا فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون {ربنا أتمم لنا نورنا} فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم {انظرونا نقتبس من نوركم} الآية قال الحسن فتلك خديعة الله إياهم
وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لأنه قد سماه خداعا لأنه مجازاة لهم). [معاني القرآن: 2/221-222]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} قال الحسن إنما قل لأنه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل).
[معاني القرآن: 2/222]

تفسير قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالإيمان ولا مصرحين بالكفر
وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين إذا جاءت إلى هذه نطحتها وإذا جاءت إلى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
فالمعنى أن المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك
والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع إذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن إليه وكذلك المنافق يظهر الإسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان). [معاني القرآن: 2/222-224]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مذبذبين) أي: مرددين بين ذلك). [ياقوتة الصراط: 203]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء): لا إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين).
[ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا (144)
أي لا تجعلوهم بطانتكم وخاصّتكم.
(أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا).
أي حجة ظاهرة، والسلطان في اللغة الحجة، وإنما قيل للخليفة والأمير سلطان لأن معناه أنه ذو الحجة.
والعرب تؤنث السلطان وتذكره، فتقول: قضت عليك بهذا السلطان، وأمرتك به السلطان.
وزعم قوم من الرواة أن التأنيث فيه أكثر، ولم يختلف في التذكير.
وأحسب الذين (رووا) لم يضبطوا معنى الكثرة من القلة.
والتذكير (فيه) أكثر، فأمّا القرآن فلم يأت فيه ذكر السلطان إلا مذكرا، قال الله عزّ وجلّ: (لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن) وقال: (هلك عني سلطانيه)، وقال: (سلطانا مبينا).
فجميع ما في القرآن من ذكر السلطان مذكر، ولو كان التأنيث أكثر لكان في كتاب الله جلّ وعزّ.
فإن قال قائل إنما رووا أن السلطان بين الناس هو المؤنث قيل إنما السلطان معناه ذو السلطان. والسلطان الحجة. والاحتجاج والحجة معناهما واحد. فأما التأنيث فصحيح، إلا أنه أقل من التذكير، فمن قال: قضت به عليك السلطان أراد قضت عليك به الحجة، وقضت عليك حجة الوالي، ومن قال قضى به عليك السلطان ذهب إلى معنى صاحب السلطان.
وجائز أن يكون ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، أي قضى به عليك البرهان). [معاني القرآن: 2/123-124]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا} قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/224]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {في الدّرك الأسفل من النّار...} يقال الدرك، والدرك، أي أسفل درج في النار).
[معاني القرآن: 1/292]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (في الدّرك الأسفل): جهنم أدراك أي منازل وأطباق، ويقال للحبل الذي قد عجز عن (بلوغ) الركية: أعطنى دركا أصل به). [مجاز القرآن: 1/142]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} فدلّ على أن المنافقين شرّ من كفر به، وأولاهم بمقته، وأبعدهم من الإنابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة: الإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم.
ثم شرط الإخلاص، لأن النّفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب.
ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون.
ثم قال: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} ولم يقل: وسوف يؤتيهم الله، بغضا لهم، وإعراضا عنهم، وحيدا بالكلام عن ذكرهم).
[تأويل مشكل القرآن: 7-8]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرا (145)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جهنم أدراك، أي منازل، فكل منزلة منها درك.
والقراءة: الدرك بفتح الراء. والدّرك بتسكين الراء، فأما أهل المدينة وأهل البصرة فيقرأونها..
(الدرك) بفتح الراء وأما أهل الكوفة والأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب، فيقرأون (الدرك).
وقد اختلف فيها عن عاصم، فرواها بعضهم عنه الدرك ورواها بعضهم الدرك - بالحركة والسكون جميعا – واللغتان حكاهما جميعا أهل اللغة، إلا أن الاختيار فتح الراء، لإجماع المدنيين والبصريين عليها وأن أحدا من المحدثين ما رواها إلا الدرك بفتح الراء.
فلذلك اخترنا الدرك.
وقوله عزّ وجلّ: (ولن تجد لهم نصيرا).
أي لا يمنعهم مانع من عذاب الله عزّ وجلّ ولا يشفع لهم شافع). [معاني القرآن: 2/124]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}
قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والإدراك في اللغة المنازل والطبقات). [معاني القرآن: 2/224-225]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و(الدرك): الطبق من أطباق جهنم، ويسكن - أيضا). [ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فأولئك مع المؤمنين...} جاء في التفسير: (من المؤمنين) ). [معاني القرآن: 1/293]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} فدلّ على أن المنافقين شرّ من كفر به، وأولاهم بمقته، وأبعدهم من الإنابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة: الإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم.
ثم شرط الإخلاص، لأن النّفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب.
ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون.
ثم قال: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}ولم يقل: وسوف يؤتيهم الله، بغضا لهم، وإعراضا عنهم، وحيدا بالكلام عن ذكرهم).
[تأويل مشكل القرآن: 7-8] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : (إلّا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما (146)
(وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما)
الخط حذفت منه الياء في هذا الموضع، وزعم النحويون أن الياء حذفت من الخط كما حذفت في اللفظ، لأن الياء سقطت من اللفظ لسكونها وسكون اللام في " اللّه " وكذلك قوله: (يوم يناد المناد) الياء من يناد حذفت في الخط لهذه العلة، وكذلك (سندع الزّبانية) و(يوم يدع الدّاع) فالواوات حذفت ههنا لالتقاء السّاكنين، فأما قول الله عزّ وجلّ: - (ذلك ما كنّا نبغ)، فهو كقوله (يناد المناد).
و(يدع الداع)، فهذه الياءات من نحو (نبغ) حذفت لأن الكسرة دلت على الياء فحذفت الياء لثقلها، وليس الوجه عند النحويين حذفها.
فأمّا المنادي والداعي فحذفت الياء منها كما حذفت قبل دخول الألف واللام، لأنك تقول: هذا داع وهذا مناد.
فأما (والليل إذا يسر). فحذفت الياء لأنها رأس آية، ورؤوس الآي الحذف جائز فيها كما يجوز في آخر الأبيات). [معاني القرآن: 2/125]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (واعتصموا بالله) أي: وامتنعوا بالله). [ياقوتة الصراط: 204]

تفسير قوله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق (إلا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال: قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم
وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم فإنه يجهر به اعتداء وقال أبو إسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول وعلى الجوابين الأولين يكون استثناء ليس من الأول أيضا ومن قرأ (إلا من ظلم) ففيه أقوال: أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب إلا من ظلم إنما يريد المكره لأنه مظلوم وذلك موضوع عنه وإن كفر قال ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم على البدل). [معاني القرآن: 2/225-227]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم...}
وظلم. وقد يكون (من) في الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعت (من) رفعا إذا قلت (ظلم) فيكون المعنى: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه، ورخّص له أن يذكره بما فعل؛ لأنه منعه حقّه. ويكون {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول} كلاما تاما، ثم يقول: إلا الظالم فدعوه، فيكون مثل قول الله تبارك وتعالى: {لئلاّ يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا} فإن الظالم لا حجّة له، وكأنه قال إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله: {فذكّر إنما أنت مذكّر} ثم استثنى فقال {إلا من تولّى وكفر} فالاستثناء من قوله: {إنما أنت مذكّر} وليست فيه أسماء. وليس الاستثناء من قوله: {لست عليهم بمصيطر} ومثله مّما يجوز أن يستثنى (الأسماء ليس قبلها) شيء ظاهر قولك: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهم إلاّ رجلا يريد بذلك الله. فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الأسماء؛ لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا بين الآدمييّن). [معاني القرآن: 1/293-294]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا يحبّ الله الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم): (من) في هذا الموضع اسم من فعل).
[مجاز القرآن: 1/142]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم وكان اللّه سميعاً عليماً}
قال: {لاّ يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم} لأنه حين قال: {لاّ يحبّ اللّه} قد أخبر أنه لا يحل. ثم قال: {إلاّ من ظلم} فانه يحل له أن يجهر بالسوء لمن ظلمه. وقال بعضهم {ظلم} على قوله: {مّا يفعل اللّه بعذابكم} [فيكون] {إلاّ من ظلم} [على معنى] "إلاّ بعذاب من ظلم"). [معاني القرآن: 1/213]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم} يقال: منع الضيافة).
[تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم وكان اللّه سميعا عليما (148)
وإلّا من ظلم، يقرأ بهما جميعا.
فالمعنى أن المظلوم جائز أن يظهر بظلامته تشكيا، والظالم يجهر بالسوء من القول ظلما واعتداء، وموضع " من " نصب بالوجهين جميعا، لأنه استثناء ليس من الأول
المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لكن المظلوم يظهر بظلامته تشكيا، ولكن الظالم يجهر بذلك ظلما.
ويجوز أن يكون موضع " من " رفعا على معنى لا يحب اللّه أن يجهر بالسوء من القول إلّا من ظلم فيكون " من " بدلا من معنى أحد، المعنى: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا المظلوم.
وفيها وجه آخر لا أعلم النحويين ذكروه، وهو أن يكون " إلا من ظلم " على معنى لكن الظالم اجهروا له بالسوء من القول، وهذا بعد استثناء ليس من الأول. وهو وجه حسن، وموضعه نصب.
وقد روي أن هذا ورد في الضيف إذا أسيء إليه، فله أن يشكو لك.
وحقيقته ما قلناه. واللّه أعلم). [معاني القرآن: 2/125-126]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق (إلا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال: قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم
وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم فإنه يجهر به اعتداء وقال أبو إسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول وعلى الجوابين الأولين يكون استثناء ليس من الأول أيضا ومن قرأ (إلا من ظلم) ففيه أقوال: أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب إلا من ظلم إنما يريد المكره لأنه مظلوم وذلك موضوع عنه وإن كفر قال ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم على البدل). [معاني القرآن: 2/225-227] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض} قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والإنجيل وكفرت بعيسى والإنجيل وآمنت النصارى بعيسى والإنجيل وكفرت بمحمد والقرآن). [معاني القرآن: 2/228]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما وتركوا دين الله الإسلام الذي لم يرسل نبي إلا به). [معاني القرآن: 2/228]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة