العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 59 إلى 67]

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم...}, هذا لقول النصارى إنه ابنه، إذ لم يكن أب، فأنزل الله تبارك وتعالى علوّاً كبيراً, {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم}, لا أب له, ولا أم، فهو أعجب أمراً من عيسى، ثم قال: {خلقه} لا أن قوله "خلقه" صلة لآدم؛ إنما تكون الصلات للنكرات؛ كقولك: رجل خلقه من تراب، , وإنما فسّر أمر آدم حين ضرب به المثل, فقال: {خلقه}, على الانقطاع والتفسير، ومثله قوله: {مثل الذين حمّلوا التّوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار} , ثم قال: {يحمل أسفاراً}, والأسفار: كتب العلم يحملها, ولا يدري ما فيها, وإن شئت جعلت "يحمل", صلة للحمار، كأنك قلت: كمثل حمار يحمل أسفارا؛ لأن ما فيه الألف واللام قد يوصل فيقال: لا أمرّ إلا بالرجل يقول ذلك، كقولك بالذي يقول ذلك. ولا يجوز في زيد, ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام). [معاني القرآن: 1/219]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فيكون (59) الحقّ من ربك}: انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}). [مجاز القرآن: 1/95] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}, وقال تعالى: {ثمّ قال له كن فيكون} رفع على الابتداء , ومعناه: "كن فكان", كأنّه قال: "فإذا هو كائنٌ"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون}, {آدم} , قد بيّنّا أنه لا ينصرف, وأن اسمه مأخوذ من أديم الأرض, وهو وجهها, ولذا يقال لذي اللون الذي يشبه لون الأرض آدم.
و{خلقه من تراب} ليست بمتصلة بآدم، إنما هو مبين قصة آدم ,ولا يجوز في الكلام أن تقول: مررت بزيد قام؛ لأن زيداً معرفة, لا يتصل به قام, ولا يوصل به, ولا يكون حالاً؛ لأن الماضي لا يكون حالاً أتت فيها، ولكنك تقول: مثلك مثل زيد، تريد أنك تشبهه في فعله,ثم تخبر بقصة زيد , فتقول: فعل كذا وكذا.
وإنما قيل: إن مثله كمثل آدم؛ لأن اللّه أنشأ آدم من غير أب، خلقه من تراب، فكما خلق آدم من غير أب, كذلك خلق عيسى عليه السلام.
ويروى في التفسير أن: قوماً من نصارى نجران, صاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: إنك سببت صاحبنا، قال: ((ومن صاحبكم؟))، قالوا: عيسى، قال: ((وما قلت فيه؟))، قالوا: قلت إنه عبد، فقال -صلى الله عليه وسلم : ((ما ذلك بعار على أخي, ولا نقيصة، هو عبد , وأنا عبد)): قالوا: فأرنا مثله, فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/422]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الحقّ من رّبّك...}, رفعته بإضمار (هو), ومثله في البقرة: {الحقّ من ربّك}, أي: هو الحق، أو ذلك الحق, فلا تمتر). [معاني القرآن: 1/220]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيكون (59) الحقّ من ربك}, انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}, {فلا تكن من الممترين} , أي: الشّاكّين). [مجاز القرآن: 1/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الحقّ من رّبّك فلا تكن مّن الممترين}, قال: {الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}, يقول: "هو الحقّ من ربّك"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين}
{الحقّ من ربّك}, مرفوع على أنه، خبر ابتداء محذوف.
المعنى: الذي أنبأناك به في قصة عيسى عليه السلام: هو الحق من ربك.
{فلا تكن من الممترين} أي: من الشكاكين، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : خطاب للخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشكك في قصة عيسى، ومعنى {من ربّك}, أي: أتاك من عند ربك). [معاني القرآن: 1/422-423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الحق من ربك فلا تكن من الممترين}, الممترون, الشاكون .
فإن قيل: كيف خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؟, فعلى هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى: يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك {فلا تكن من الممترين}.
والقول الآخر: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع الناس, فالمعنى على هذا: فلا تكونوا من الممترين, ويقوي هذا قوله عز وجل: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}). [معاني القرآن: 1/413-414]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ نبتهل},أي: نلتعن؛ يقال: ماله بهله الله، ويقال: عليه بهلة الله؛ والناقة باهلٌ, وباهلة، إذا كانت بغير صرارٍ، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصاً؛ ويقال: أبهلت ناقتى، تركتها بغير صرارٍ). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثم نبتهل}: نلتعن تقول العرب ماله بهله الله أي لعنه الله). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم.
{ثمّ نبتهل} , أي: نتداعى باللّعن, يقال عليه: بهلة اللّه وبهلته، أي: لعنته). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (تعال): تفاعل من علوت، قال الله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}.
ويقال للاثنين من الرجال والنساء: تعاليا، وللنساء: تعالين.
قال الفراء: أصلها عال إلينا، وهو من العلوّ.
ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إيّاها صارت عندهم بمنزلة هلمّ، حتى استجازوا أن يقولوا للرجل وهو فوق شرف: تعال، أي اهبط، وإنما أصلها: الصعود.
ولا يجوز أن ينهى بها، ولكن إذا قال: تعال، قلت: قد تعاليت وإلى شيء أتعالى؟). [تأويل مشكل القرآن: 556]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين}
{فمن حاجّك فيه}, أي: في عيسى.
{من بعد ما جاءك من العلم}, قيل له: هذا بعد أن أوحيت إليه البراهين, والحجج القاطعة في تثبيت أمر عيسى: إنّه عبد، فأمر بالمباهلة بعد إقامة الحجة؛ لأن الحجة قد بلغت النهاية في البيان, فأمر اللّه أن يجتمع هو, والنساء, والأبناء من المؤمنين، وأن يدعوهم إلى أن يتجمعوا هم, وآباؤهم, ونساؤهم، ثم يبتهلون, ومعنى الابتهال في اللغة: المبالغة في الدعاء، , وأصله: الالتعان ويقال: بهله الله, أي: لعنه اللّه، ومعنى لعنة الله: باعده اللّه من رحمته، يقال: ناقة باهل, وباهلة إذا لم يكن عليها صرار، وقد أبهل الرجل ناقته إذا تركها بغير صرار, ورجل باهل إذا لم يكن معه عصا, فتأويل البهل في اللغة: المباعدة والمفارقة للشيء, فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة؛ لأمرين كلاهما فيه بيان أن علماءهم قد وقفوا على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنهم إذا أبوا أن يلاعنوا, دل إباؤهم على أنهم قد علموا أنهم إن باهلوه, نزل بهم مكروه، وأنهم إذا تركوا المبالهة؛ دل ذلك ضعفهم, ومن لا علم عنده أن فرارهم من المباهلة دليل على أنهم كاذبون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، وقيل: إن بعضهم قال لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ولم يبق نصراني, ولا نصرانية إلى يوم القيامة.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((لو باهلوني لاضطرم الوادي عليهم ناراً, وما بقي نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة)), وهذا مكان ينبغي أن ينعم النظر فيه، ويعلم المؤمنون بيان ما هو عليه, وما عليه من الضلال من خالفهم؛ لأنهم لم يرو أحد أنهم باهلوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولا أجابوا إلى ذلك). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
قيل: يعني بالأنفس ههنا: أهل دينهم, كما قال تعالى: {فسلموا على أنفسكم} .
وقال تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} , وأصل الابتهال في اللغة: الاجتهاد, ومنه قول لبيد:
في كهول سادة من قومه = نظر الدهر إليهم فابتهل
أي: اجتهد في هلاكهم, فمعنى الآية : ثم نجتهد في الدعاء باللعنة.
وروي: أن قوماً من النصارى من أهل نجران أتوا النبي صلى الله عليه وسلم, فدعاهم إلى الإسلام, فقالوا: قد كنا مسلمين مثلك، فقال: ((كذبتم, يمنعكم من الإسلام ثلاث: قولكم اتخذ ولداً, وأكلكم لحم الخنزير, وسجودكم للصليب))، فقالوا:من أبو عيسى, فأنزل الله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله تعالى: {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} , فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الالتعان, فقال بعضهم لبعض: إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم ناراً، فقالوا: أما تعرض علينا سوى هذا؟، فقال: ((الإسلام, أو الجزية, أو الحرب)), فأقروا بالجزية
وروى عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: لو خرجوا للابتهال؛ لرجعوا لا يرون أهلاً, ولا ولداً). [معاني القرآن: 1/414-416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{نبتهل} أي: ندعو ونلتعن، والبهلة والبهلة جميعاً: اللعنة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم, {ثم نبتهل} ,أي: نتداعى باللعن, يقال: عليه بهلة الله, وبهلته, أي: لعنته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَبْتَهِلْ}: نلتعن). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّ هذا لهو القصص الحق}, أي: الخبر اليقين). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى قوله عزّ وجلّ: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلّا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم} أي: إن هذا الذي أوحينا إليك من هذه البينات, والحجج التي آتيناك, لهو القصص الحق، ويصلح أن تكون (هو) ههنا فصلاً، وهو الذي يسميه الكوفيون:عماداً، ويكون القصص خبر أن، ويصلح أن يكون (هو) ابتداء، والقصص خبره، وهما جميعا خبر (إنّ).
ومعنى{وما من إله إلّا اللّه}: من دخلت توكيداً, ودليلاً على نفي جميع من ادعى المشركون أنهم آلهة,أي: إن عيسى ليس بإله؛ لأنهم زعموا إنّه إله، فأعلم الله عزّ وجلّ أن لا إله إلا هو، وأن من آتاه اللّه آيات يعجز عنها المخلوقون, فذلك غير مخرج له من العبودية للّه، وتسميته إلهاً كفر باللّه.
ومعنى {العزيز}: هو الذي لا يعجزه شيء, و{الحكيم}: ذو الحكمة الذي لا يأتي إلا ما هو حكمة). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} ,أي: إن هذا الذي أوحينا إليك لهو القصص الحق, وما من إله إلا الله, من زائدة للتوكيد, والمعنى: وما إله إلا الله العزيز الحكيم, ومعنى {العزيز}: الذي لا يغلب , والحكيم:ذو الحكمة). [معاني القرآن: 1/416-417]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإن تولّوا}: فإن كفروا، وتركوا أمر الله). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: { فإن تولّوا فإنّ اللّه عليم بالمفسدين}, أي: فإن أعرضوا عما أتيت به من البيان؛ فإن الله يعلم من يفسد من خلقه, فيجازيه على إفساده). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين}, أي: عليم بمن يفسد عباده, وإذا علم ذلك؛ جازى عليه). [معاني القرآن: 1/417]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...}, وهي في قراءة عبد الله :{إلى كلمة عدل بيننا وبينكم}, وقد يقال في معنى عدل: سوىً وسوىً، قال الله تبارك وتعالى في سورة طه: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً} , وسوىً؛ يراد به عدل ونصف بيننا وبينك.
ثم قال: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه},
فأن في موضع خفض على معنى: تعالوا إلى ألاّ نعبد إلا الله, ولو أنك رفعت {ما نعبد} مع العطوف عليها على نية: تعالوا نتعاقد لا نعبد إلا الله؛ لأن معنى الكلمة: القول، كأنك حكيت: تعالوا نقول: لا نعبد إلا الله. ولو جزمت العطوف؛ لصلح على التوهّم؛ لأن الكلام مجزوم لو لم تكن فيه أن؛ كما تقول: تعالوا لا نقل إلا خيراً.

ومثله مما يرد على التأويل: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ} , فصيّر {ولا تكونن} نهياً في موضع جزم، والأول منصوب، ومثله: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين. وأن أقيموا الصّلاة} , فردّ أن على لام كي؛ لأن (أن) تصلح في موقع اللام, فردّ أن على أن مثلها يصلح في موقع اللام؛ ألا ترى أنه قال في موضع: {يريدون ليطفئوا}, وفي موضع : {يريدون أن يطفئوا}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء بيننا وبينكم} أي: النّصف، يقال: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه.
{إلى كلمةٍ} مفسرة بعد {أن لا نعبد إلاّ الله، ولاّ نشرك به شيئاً}, بهذه الكلمة التي دعاهم إليها). [مجاز القرآن: 1/96]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مّن دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} , قال سبحانه وتعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} , فجر {سواء}؛ لأنها من صفة الكلمة, وهو "العدل", أراد "مستويةٍ" , ولو أراد:"استواءً", لكان النصب, وإن شاء أن يجعله على الاستواء , ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل :"الخلق"؛ لأن "الخلق" , قد يكون صفة, ويكون اسماً, قال الله تعالى: {الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد}؛ لأن "السّواء" للآخر , وهو اسم ليس بصفة, فيجرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء, فإن أراد "مستوياً" جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد؛ لأنها صفة لا تغير عن حالها, ولا تثنى, ولا تجمع على لفظها, ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء, وقال تعالى: {أن نّجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء مّحياهم ومماتهم} , فـ"السواء" للمحيا , والممات، فهذا المبتدأ, وإن شئت أجريته على الأول, وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول, فجرى عليه، فذا إذا جعلته في معنى مستو , فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه}, فهو بدل كأنه قال "تعالوا إلى أن لا نعبد إلاّ اللّه"). [معاني القرآن: 1/172-173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كلمة سواء}: نصف وعدل.
تقول العرب: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه).
[غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} ,أي: نصف, يقال: دعاك إلى السواء، أي: إلى النّصفة, وسواء كلّ شيء: وسطه, ومنه يقال للنصفة: سواء، لأنها عدل, وأعدل الأمور: أوساطها). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}
معنى{سواء}: معنى:عدل، ومعنى كلمة : كلام فيه شرح قصة , وإن طال, وكذلك يقول العرب للقصيدة:كلمة.
يروى أن حسان بن ثابت الأنصاري كان إذا قيل له: أنشد , قال للقائل: هل أنشدت كلمة الحويدرة؟, يعني قصيدته التي أولها:
بكرت سمية بكرة فتمتعي= ويقال للعدل سواء وسوى وسوى.
قال زهير بن أبي سلمى:
أروني خطة لا ضيم فيها= يسوي بيننا فيها السواء
فإن ترك السّواء فليس بيني= وبينكم بني حصن بناء
يريد بالسواء: العدل , كذا يقول أهل اللغة، وهو الحق, وهو من استواء الشيء، ولو كان في غير القرآن لجاز: سواء بيننا وبينكم، فمن قال:سواء جعله نعتاً للكلمة , يريد: ذات سواء، ومن قال: سواء, جعله مصدراً في معنى: استواء، كأن قال: استوت استواء.
وموضع {ألّا نعبد إلّا اللّه}, موضع " أن " خفض على البدل من كلمة.
المعنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلا اللّه، وجائز أن تكون أن في موضع رفع، كأن قائلاً قال: ما الكلمة؟.
فأجيب: فقيل: هي ألا نعبد إلا اللّه، ولو كان ألّا نعبد إلّا اللّه, ولا نشرك به شيئاً؛لجاز على أن يكون تفسيراً للقصة في تأويل أي: كأنهم قالوا: أي: لا نعبد إلا الله كما قال عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا}, وقال قوم معنى أن ههنا معنى يقولون امشوا، والمعنى واحد لأن القول ههنا تفسير لما قصدوا له وكذلك " أي يفسّر بها، ولو كان {ألّا نعبد إلّا اللّه} بالجزم, لجاز على أن يكون " أن " كما فسّرنا في تأويل: أي ويكون {ألّا نعبد} على جهة النهي، والمنهي هو الناهي في الحقيقة؛ كأنّهم نهوا أنفسهم.
ومعنى {ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه},أي: نرجع إلى أن معبودنا اللّه، وأن عيسى بشر، كما أننا بشر؛ فلا نتخذه , ومعنى {فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}, أي: مقرون بالتوحيد, مستسلمون لما أتتنا به الأنبياء من قبل اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} , معنى كلمة قصة فيها شرح , ثم بين الكلمة بقوله: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} , السواء:النصفة, قال زهير:
أروني خطة لا ضيم فيها = يسوى بيننا فيها السواء). [معاني القرآن:1/417-418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({إلى كلمة سواء}, أي: إلى نصفة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سواء بيننا} أي: نصف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَوَاء}: نصفة وعدل). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}, فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّاً على ديننا، وقالت اليهود: كان يهودياً على ديننا، فأكذبهم الله فقال: {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} , أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضاً.
فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}, إلى آخر الآية, ثم بيّن ذلك.
فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...}, إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}, ومعنى {حنيفاً مسلماً}, معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالاً, يكون خلقة لا رجوع فيه أبداً، فمعنى الحنيفية في الإسلام: الميل إليه, والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}
لأن اليهود قالوا كان إبراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله أن اليهودية والنصرانية كانتا بعد إبراهيم عليه السلام وأن دين إبراهيم الإسلام لأن الإسلام هو التوحيد فهو دين جميع الأنبياء
ثم قال تعالى: {ولكن كان حنيفا مسلما} والحنف في اللغة: إقبال صدر القدم على الأخرى إذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف: المائل إلى الإسلام على حقيقته). [معاني القرآن: 1/418-419]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...} إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}
ومعنى {حنيفا مسلما}.
معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالا يكون خلقة لا رجوع فيه أبدا، فمعنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 68 إلى 74]

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}, أي: فهم الذين ينبغي لهم أن يقولوا: إنا على دين إبراهيم, ولهم ولاية.
{واللّه وليّ المؤمنين}, أي: يتولى نصرهم؛ لأن حزبهم هم الغالبون، ويتولى مجازاتهم بالحسنى). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}, والمعنى: والنبي, والذين آمنوا أولى بإبراهيم , ويعني بالنبي: محمد صلى الله عليه وسلم , ومعنى: {والله ولي المؤمنين}: ناصرهم). [معاني القرآن: 1/419]

تفسير قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم}
وكلهم كذا, وإنما من ههنا؛ لبيان الجنس, وقد قيل: إن طائفة بعضهم). [معاني القرآن:1/419-420]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون...}, يقول: تشهدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بصفاته في كتابكم, فذلك قوله: {تشهدون}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لم تكفرون بآيات الله}: بكتب الله, {وأنتم تشهدون},أي: تعرفون). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون}, أي: وأنتم تشهدون أنها آيات اللّه؛ لأنكم كنتم تخبرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، وأصل{لم تكفرون}، لما تكفرون والمعنى: لأي شيء تكفرون.
وكذلك {م تقولون ما لا تفعلون}, وكذلك {عم يتساءلون}, و{فبم تبشرون}, فإذا وقفت على هذه الحروف, وقفت بالهاء، فقلت: لمه، وبمه؛ لأن الألف حذفت في هذه الأسماء التي للاستفهام خاصة, فجوز ذلك، ولا يجوزذلك في الموصلة؛ لأن الألف فيهن, ليست آخر الأسماء, إنما الألف وسط وحذفها؛ لأن حروف الجر عوض منها، فحذفت استخفافاً؛ لأن الفتحة دالة عليها، ولا يجوز إسكان هذه الحروف.
وزعم الكسائي أن الأصل كان في "كم" كما، قال: وكنت أشتهي أن تكون مفتوحة ؛ لالتقاء السّاكنين في قولهم: " كم المال " - بالكسر -, وهذا غلط من أبي الحسن، ولو كان كما يقول لكان " كم مالك ", كما أنك تقول: (لم فعلت),
, وليس هذا القول مما يعرج عليه). [معاني القرآن:1/427-428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}, أي: وأنتم تشهدون بأنها حق؛ لأنكم كنتم تبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث). [معاني القرآن: 1/420]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ...}, لو أنك قلت في الكلام: لم تقوم وتقعد يا رجل؟ , على الصرف لجاز، فلو نصبت {وتكتموا} كان صواباً). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل}, أي: لم تخلطون، يقال: لبست عليّ أمرك).
[مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تلبسون الحق بالباطل}: تخلطون). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون}, أي: لم تغطون الحق بباطلكم, وأنتم تعلمون أنه الحق؛ يقال: لبست عليهم الأمر ألبسه, قال الله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}, ويقال: لبست الثوب ألبسه، وقال الله عزّ وجلّ: {ويلبسون ثياباً خضراً}.
ولو قيل: {وتكتموا الحق} لجاز، على قولك: لم تجمعون هذا وذاك, ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب). [معاني القرآن: 1/428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل}, أي:لم تغطون). [معاني القرآن: 1/420]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَلْبِسُونَ}: تخلطون). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار...} يعني: صلاة الصبح, {واكفروا آخره}, يعني: صلاة الظهر هذا قالته اليهود لمّا صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة؛ فقالت اليهود: صلّوا مع محمد صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم الصبح، فإذا كانت الظهر, فصلّوا إلى قبلتكم ؛ لتشكّكوا أصحاب محمد في قبلتهم؛ لأنكم عندهم أعلم منهم ,فيرجعوا إلى قبلتكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجه النّهار}: أوله، قال ربيع بن زياد العبسي:-
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ= فليأت نسوتنا بوجه نهار
كقولك: بصدر نهار). [مجاز القرآن: 1/96-97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} قال تعالى: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} :جعله ظرفاً).[معاني القرآن: 1/173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وجه النهار}: أول النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار}, أي: صدر النهار, قال قتادة: قال بعضهم لبعض: أعطوهم الرّضا بدينهم أوّل النهار, واكفروا بالعشي، فإنه أجدر أن تصدقكم الناس، ويظنوا أنكم قد رأيتم منهم ما تكرهون فرجعتم، وأجدر أن يرجعوا عن دينهم). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون}, الطائفة: الجماعة، وهم اليهود.
{آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار},أي: أوله.
قال الشاعر:
من كان مسرورا بمقتل مالك= فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء قوائما يندبنه= قد جئن قبل تبلّج الأسحار
أي: في أول النهار,وقد قيل في تفسير هذا غير قول، قال بعضهم: معناه، آمنوا بصلاتهم إلى بيت المقدس, وأكفروا بصلاتهم إلى البيت.
وقيل: إن علماء اليهود قال بعضهم لبعض: قد كنا نخبر أصحابنا بأشياء قد أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم, فإن نحن كفرنا بها كلها, اتهمنا أصحابنا, ولكن نؤمن ببعض , ونكفر ببعض لنوهمهم أننا نصدقه فما يصدق فيه، ونريهم أنا نكذبه فيما ليس عندنا.
وقيل: إنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار, فقالوا له: إنك الذي خبرنا في التوراة بأنك مبعوث، ولكن أنظرنا إلى العشي لننظر في أمرنا، فلما كان بالعشي أتوا الأنصار , فقالوا لها: قد كنا أعلمناكم أن محمداً هو النبي الذي هو المكتوب في التوراة، إلا أننا نظرنا في التوراة فإذا هو من ولد هارون , ومحمد من ولد إسماعيل, فليس هو النبي الذي عندنا, وإنما فعلوا ذلك لعل من آمن به يرجع , فهذا ما قيل في تفسير الآية). [معاني القرآن: 1/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} الطائفة: الفرقة, و{وجه النهار}: أوله, قال الشاعر:
وتضيء في وجه النهار منيرة = كجمانة البحري سل نظامها
قال قتادة : قال بعض اليهود: أظهروا لمحمد الرضا بما جاء به أول النهار, ثم أنكروا ذاك في آخره, فإنه أجدر أن يتوهم أنكم إنما فعلتم ذلك؛ لشيء ظهرت لكم تنكرونه, وأجدر أن يرجع أصحابه). [معاني القرآن: 1/420-421]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وجه النهار}, أي: صدر النهار). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَجْهَ النَّهَارِ}: أوله). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (فأما قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم...}, فأنه يقال: إنها من قول اليهود, يقول: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم, واللام بمنزلة قوله: {عسى أن يكون ردف لكم}, المعنى: ردفكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم...}, يقول: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم, أوقعت {تؤمنوا} على {أن يؤتى}, كأنه قال: ولا تؤمنوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم، فهذا وجه.
ويقال: قد انقطع كلام اليهود عند قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم}، ثم صار الكلام من قوله: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام، وجاءت (أن)؛ لأنّ في قوله: {قل إنّ الهدى} , مثل قوله: إن البيان بيان الله، فقد بيّن أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام. وصلحت (أحد) ؛ لأن معنى أن معنى لا, كما قال تبارك وتعالى: {يبيّن الله لكم أن تضلّوا}, معناه: لا تضلّون, وقال تبارك وتعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به}, أن تصلح في موضع لا, وقوله: {أو يحاجّوكم عند ربّكم} في معنى حتّى, وفي معنى إلاّ؛ كما تقول في الكلام: تعلّق به أبداً أو يعطيك حقّك، فتصلح حتّى , وإلاّ في موضع أو). [معاني القرآن: 1/222-223]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} : لا تقرّوا: لا تصدّقوا). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم أو يحآجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال تعالى: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم}, يقول :لا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم وأن يحاجّوكم به عند ربّكم, أي: ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم). [معاني القرآن: 1/173-174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم}
قيل المعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاءكم به إلا لليهود، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عونا لهم على تصديقه.
وقال أهل اللغة وغيرهم من أهل التفسير: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، أي: لا تصدقوا أن يعطى أحد من علم النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطيتم {أو يحاجّوكم عند ربّكم}.

ومعنى {أو يحاجّوكم عند ربّكم} أي: ليس يكون لأحد حجة عند اللّه في الإيمان به؛ لعلم من عنده إلا من كان مثلكم.
وقد قيل في المعنى: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: الهدى هو هذا الهدى، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
قال بعض النحويين معنى: " أن " ههنا معنى " لا " , وإنما المعنى: أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: لأن لا تؤتى فحذف " لا " ؛ لأن في الكلام دليلاً عليها، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يبين اللّه لكم أن تضلوا}, أي: لئلا تضلوا.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: " لا ", ليست مما يحذف ههنا, ولكن الإضافة ههنا معلومة، فحذفت الأول وأقمت الثاني مقامه، المعنى: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا , وكذلك ههنا قال: إن الهدى هدى اللّه كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم: أي: من خالف دين الإسلام؛ لأن اللّه لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
وقوله عزّ وجلّ: {قل إنّ الفضل بيد اللّه},أي: نبوته , وهداه يؤتيه من يشاء). [معاني القرآن: 1/430-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤته من يشاء}
قال محمد بن يزيد: في الكلام تقديم وتأخير, والمعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم , أو يحاجوكم عند ربكم , قل: إن الهدى هدى الله.
وقيل المعنى: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم, واللام زائدة.
والمعنى: ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من علم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتيتم.
وقيل المعنى: {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: إن الهدى هدى الله, وهو بعيد من الكفار.
وقرأ ابن عباس, ومجاهد, وعيسى:{أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, والمعنى: ألا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
وقرأ الأعمش: {إن يوأتى أحد مثل ما أتيتم}, ومعنى أن معنى ما كما قال تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} .
وقد زعم بعض النحويين أن هذا لحن؛ لأن قوله تعالى: {يحاجوكم} بغير نون, وكان يجب أن يكون يحاجونكم, ولا عامل لها, وهذا القول ليس بشيء ؛ لأن أو تضمر بعدها إن إذا كانت في معنى حتى وإلا أن , كما قال الشاعر:
فقلت له لا تبك عيناك إنما = نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقيل إن معنى :{أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}: لا تصدقوا أن النبوة تكون إلا منكم , واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهداً قال: في قوله عز وجل بعد هذا: {يختص برحمته من يشاء} , أنه يعني النبوة). [معاني القرآن: 1/421-423]

تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 75 إلى 80]

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك...}
كان الأعمش وعاصم يجزمان الهاء في يؤدّه، و"نولّه ما تولّى"، و"أرجه وأخاه"، و"خيرا يره"، و"شرا يره". وفيه لهما مذهبان؛
أمّا أحدهما: فإن القوم ظنّوا أن الجزم في الهاء، وإنما هو فيما قبل الهاء، فهذا وإن كان توهّما؛ خطأٌ.
وأمّا الآخر: فإن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها؛ فيقول ضربته ضربا شديدا، أو يترك الهاء إذ سكّنها وأصلها الرفع بمنزلة رأيتهم وأنتم؛ ألا ترى أن الميم سكنت وأصلها الرفع. ومن العرب من يحرّك الهاء حركة بلا واو، فيقول ضربته (بلا واو) ضربا شديدا.
والوجه الأكثر أن توصل بواو؛ فيقال كلمتهو كلاما، على هذا البناء، وقد قال الشاعر في حذف الواو:

أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن * قناعه مغطيّا فإنّي لمجتلى
وأمّا إذا سكن ما قبل الهاء فإنهم يختارون حذف الواو من الهاء؛ فيقولون: دعه يذهب، ومنه، وعنه.
ولا يكادون يقولون: منهو ولا عنهو، فيصلون بواو إذا سكن ما قبلها؛ وذلك أنهم لا يقدرون على تسكين الهاء وقبلها حرف ساكن، فلمّا صارت متحرّكة لا يجوز تسكينها اكتفوا بحركتها من الواو.

وقوله: {إلاّ ما دمت عليه قائماً} يقول: ما دمت له متقاضيا.
والتفسير في ذلك: أن أهل الكتاب كانوا إذا بايعهم أهل الإسلام أدّى بعضهم الأمانة،
وقال بعضهم: ليس للأمّيّين - وهم العرب - حرمة كحرمة أهل ديننا، فأخبر الله - تبارك وتعالى - أنّ فيهم أمانة وخيانة؛ فقال تبارك وتعالى: {ويقولون على اللّه الكذب} في استحلالهم الذهاب بحقوق المسلمين).
[معاني القرآن: 1/223-224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إّلا ما دمت عليه قائماً} يقول: ما لم تفارقه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم مّن إن تأمنه بدينارٍ لاّ يؤدّه إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {إلاّ ما دمت عليه قائماً}. لأنّها من "دمت" "تدوم". ولغة للعرب "دمت" وهي قراءة مثل "متّ" "تموت" جعله على "فعل" "يفعل" فهذا قليل.
وقال تعالى: {بدينارٍ} أي: على دينار كما تقول: "مررت به" و"عليه"). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا ما دمت عليه قائما}: قالوا مواظبا ومنه {أمة قائمة يتلون آيات الله}). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا ما دمت عليه قائماً} أي: مواظبا بالاقتضاء. وقد بينت هذا في باب المجاز.
{ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ}، كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون، قال بعضهم لبعض: ليس للأميين -يعنون العرب- حرمة أهل ديننا، وأموالهم تحلّ لنا: إذ كانوا مخالفين لنا. واستجازوا الذّهاب بحقوقهم). [تفسير غريب القرآن:106-107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله عز وجل: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: مواظبا بالاقتضاء والمطالبة.
وأصله: أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرّف، والتارك له يقعد عنه.
قال الأعشى:
يقوم على الوَغْمِ في قومه = فيعفو إذا شاء أو ينتقم
أي: يُطالِب بالذَّحْلِ ولا يَقعد عنه). [تأويل مشكل القرآن: 181]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائما ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيل ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
اتفق أبو عمرو، وعاصم والأعمش وحمزة على إسكان الهاء من {يؤده} وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن اتفقوا على إسكان الهاء فيه، نحو {نصله جهنّم}
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إنّه كسر في {ألقه إليهم}
ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها.
أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط.
كان أبو عمرو يختلس الكسرة، وهذا كما غلط عليه في (بارئكم) حكى القراء عنه أنه كان يحذف الهمزة في بارئكم.
وحكى سيبويه عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسرا خفيا،
وأمّا نافع وقراء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا وأثبتوا الياءات مثل (يؤده إليك) وهذا الإسكان الذي حكى عنه هؤلاء غلط بين لا ينبغي أن يقرأ به لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم ولا تسكن في الوصل إنما تسكن في الوقف.

وفي هذه الحروف أربعة أوجه:
1- يجوز إثبات الياء.
2- ويجوز حذفها تقول: يؤده إليك بالكسر.
3- ويجوز: يؤدّ هو إليك بالضم بإثبات الواو بعد الهاء.
4- ويجوز حذف الواو وضم الهاء.
فأما الوقف: فلا وجه له، لأن الهاء حرف خفي بيّن في الوصل بالواو في التذكير، قال سيبويه دخلت الواو في التذكير كما دخلت الألف في التأنيث، (نحو) ضربتهو وضربتها، قال أصحابه اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين والهاء من الحلق، فأبانت الواو
الهاء، وإنما، تحذف الياء لعلة تقلب الواو إليها، فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة فأما في الوقف فلا يجوز ألبتّة.
وقد أكثر الناس في تفسير القنطار، وقد حكينا ما قال الناس فيه.
ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من المال.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا ما دمت عليه قائما}: أكثر القراءة{دمت} بضم الدال، وقد قرئت {دمت} فأما دمت فمن قولك.
دمت: أدوم إدا بقيت على الشيء مثل قمت أقوم، وأما دمت - بالكسر - فعلى قولهم دمت تدام، مثل قولك: خفت تخاف، ويقال قد ديم بفلان وأديم به بمعنى دير به وأدير به، وهو الذي، به دوام كقولهم: به دوام كقولهم: به دوار. ويقال دام المال إذا سكن يدوم فهو دائم ومنه: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم " أي: الساكن، ويقال قد دوّم الطائر في الجو تدويما، وهو يصلح أن يكون من وجهين، من دورانه في طيرانه ويصلح أن يكون من قلة حركة جناحه، لأنه يرى كأنه ساكن الجناح.
ومعنى {قائما} أي: إلا بدوامك قائما على اقتضاء دينك.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّهم قالوا}أي: فعلهم ذلك، بقولهم {ليس علينا في الأمّيّين سبيل} أي ليس علينا طريق في أخذ مالهم وصف اللّه عزّ وجلّ: أكلهم السحت وخيانتهم،
وقد قيل في التفسير: إنهم عاملوا قوما من المشركين فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا ليس علينا لكم سبيل إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك. فأعلم اللّه أنهم يكذبون، قال عزّ وجلّ: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
أي: وهم يعلمون أنهم يكذبون. فرد اللّه قولهم فقال: {بلى}: وهو عندي - واللّه - أعلم - وقف التمام، ثم استأنف فقال عزّ وجلّ:{من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين}). [معاني القرآن: 1/431-434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك}
اختلف في معنى القنطار: فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا: القنطار ألف مثقال.
وقال أبو صالح وقتادة: القنطار مائة رطل.
وروى ابن أبي نجيح وليث عن مجاهد قال: القنطار سبعون ألف دينار.
وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن أبي رباح المكي قال: القنطار سبعة آلاف دينار.
والله أعلم بما أراد.
ومعنى {المقنطرة} في اللغة: المكملة كما تقول ألف مؤلفة). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما} أي: مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله
قال سيبويه: دام بمعنى ثبت.
قال أبو جعفر: وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الدائم، أي: الساكن الثابت.
{ذلك أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}
قيل: أنا ليهود كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لأنهم مخالفون لنا ويعنون بالأميين العرب نسبوا إلى ما عليه الأمة من قبل أن يتعلموا الكتابة
وقيل: نسبوا إلى الأم ومنه النبي الأمي وقيل هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ليس علينا في الأميين سبيل} كانت اليهود تقول: ليس للاميين– يعنون العرب الذين أسلموا– حرمة أهل الكتاب، تحل لنا أموالهم بغير حق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَائِماً}: مواظبا). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين} أي: فإن اللّه يحبه، ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله بلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح.
كقولهم نحن أهل تقوى في فعلنا هذا - فأعلم اللّه أن أهل الوفاء بالعهد والتّقى يحبهم اللّه، وأنهم المتقون، أي: الذين يتقون الخيانة والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}
بلى رد لقولهم ليس علينا في الأميين سبيل). [معاني القرآن: 1/426]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم.
{ولا يزكّيهم} لا يكونون عنده كالمؤمنين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
قال عز وجل: {ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم} فهذا مثل قولك للرجل "ما تنظر إليّ" إذا كان لا ينيلك شيئاً). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
{أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} هذه الجملة خبر (إنّ)، ومعنى الخلاق: النصيب الوافر من الخير.
ومعنى قوله: {لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة}: في قوله: {لا يكلمهم الله} وجهان:
أحدهما: أن يكون إسماع الله أولياءه كلامه بغير سفير، خصوصية يخص اللّه بها أولياءه كما كلم موسى فكان ذلك خصوصية له دون البشر أجمعين.
2- وجائز أن يكون {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} تأويله الغضب عليهم، والإعراض عنهم كما تقول: " فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، وتأويله أنه غضبان عليه، وإن كلمه بكلام سوء لم ينقض ذلك.

ومعنى {ولا يزكيهم}: لا يجعلهم طاهرين ولا يثني عليهم خيرا.
ومعنى {عذاب أليم} أي: موجع). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} الخلاق: النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} إلى آخر الآية.
وفي قوله: {ولا يكلمهم الله} قولان:
أحدهما: أنه روي أن الله يسمع أولياء كلامه.
والقول الآخر: أنه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا.
ومعنى {ولا يزكيهم}: ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم
يقال أألم إذا أوجع فهو مؤلم وأليم على التكثير). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم من الخير، والخلاق: الدين). [ياقوتة الصراط: 189]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلبونه ويحرّفونه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللًّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} بفتح الياء.
وقال: {يلوّون} بضم الياء وأحسبها {يلوون} لأنه قال: {ليّاً بألسنتهم} فلو كان من {يلووّن} لكانت "تلويةً بألسنتهم").
[معاني القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلّبون ألسنتهم بالتحريف، والزيادة.
{الرّبّانيّون} واحدهم ربّاني، وهم: العلماء المعلّمون). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
هذه اللام في {وإنّ منهم لفريقا} تؤكد الكلام زيادة على توكيد (إنّ) لأن (إنّ) معناها توكيد الكلام، ولذلك صار لضم يوصل بها في الإيجاب، تقول: واللّه أن زيدا قائم، وكذلك تصل الضم باللام، فيقول واللّه لزيد قائم ولا تلي هذه اللام (إن) لا يجوز: " إن لزيدا قائم " بإجماع النحويين كلهم وأهل اللغة.
ومعنى {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يحرفون الكتاب، أي يعدلون عن القصد، (ويجوز يلوّون - بضم الياء والتشديد) (لتحسبوه، و- لتحسبوه) - بكسر السين وفتحها - يقال حسب يحسب ويحسب، جميعا، ويقال لويت الشيء إذا عدلته عن القصد ليّا ولويت الغريم ليانا إذا مطلته بدينه قال الشاعر:
قد كنت داينت بها حسانا... مخافة الإفلاس والليانا). [معاني القرآن: 1/434-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب}
قال الشعبي: يلون يحرفون.
وقال أهل اللغة: لويت الشيء إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله). [معاني القرآن: 1/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يلوون ألسنتهم} أي: يقلبونها بالتحريف والزيادة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون...}
تقرأ: تعلّمون وتعلمون، وجاء في التفسير: بقراءتكم الكتب وعلمكم بها.
فكان الوجه (تعلمون) وقرأ الكسائيّ وحمزة (تعلّمون) لأن العالم يقع عليه يعلّم ويعلم).
[معاني القرآن: 1/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن كونوا ربّانيين}: لم يعرفوا ربانيين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لّي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
قال تعالى: {ثمّ يقول للنّاس} نصبٌ على {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه} {ثمّ يقول للنّاس} لأنّ "ثمّ" من حروف العطف). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكن كونوا ربانيين}: قالوا علماء حلماء). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}أي: أن اللّه لا يصطفى لنبوته الكذبة، ولو فعل ذلك بشر لسلبه اللّه عزّ وجلّ: آيات النبوة وعلاماتها ونصب {ثمّ يقول}: على الاشتراك بين أن يؤتيه وبين يقول، أي لا يجتمع لنبي إتيان النبوة والقول للناس كونوا عبادا لي.
{ولكن كونوا ربّانيّين} والربانيون أرباب العلم والبيان، أي: كونوا أصحاب علم، وإنما زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما قالوا للكبير اللحية لحياني ولذي الجمة الوافرة جماني.
وقد قرئ - {بما كنتم تعلّمون الكتاب}. {تعلّمون} - بضم التاء وفتحها.
{وبما كنتم تدرسون} أي: بعلمكم ودرسكم علّموا الناس وبيّنوا لهم.
وجاء في التفسير {كونوا ربّانيّين} أي: علماء فقهاء ليس معناه كما تعلمون فقط، ولكن ليكن هديكم ونيتكم في التعليم هدى العلماء والحكماء، لأن العالم إنما ينبغي أن يقال له عالم إذا عمل بعلمه، وإلا فليس بعالم، قال اللّه: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}
ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: لو كانوا وفّوا العلم حقه - وقد فسرنا ما قيل في هذا في مكانه). [معاني القرآن: 1/435-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولكن كونوا ربانيين}
قال سعيد بن جبير والضحاك: الرباني الفقيه العالم.
وقال أبو رزين: هو العالم الحليم.
والألف والنون يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران، أي: ممتلئ سكرا.
فمعنى الرباني: العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم.
وروي عن ابن الحنيفة أنه قال: لما مات ابن عباس مات رباني هذه الأمة.
ومعنى {ولكن كونوا ربانيين}: ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع.
وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والأحبار العلماء.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار.
قال أبو جعفر: وهذا القول حسن لأن الأحبار هم العلماء والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر للسياسة مأخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير). [معاني القرآن: 1/428-429]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الربانيون) واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رَبَّانِيِّينَ}: علماء). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأمركم...}
أكثر القراء على نصبها؛ يردونها على {أن يؤتيه الله}: ولا أن يأمركم. وهي في قراءة عبد الله (ولن يأمركم) فهذا دليل على انقطاعها من النسق وأنها مستأنفة، فلمّا وقعت (لا) في موقع (لن) رفعت كما قال تبارك وتعالى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وهي في قراءة عبد الله (ولن تسأل) وفي قراءة أبيّ (وما تسأل عن أصحاب الجحيم) ). [معاني القرآن: 1/224-225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مّسلمون}
{ولا يأمركم} أيضاً معطوفٌ بالنّصب على {أن} وإن شئت رفعت؛ تقول {ولا يأمركم} لا تعطفه على الأوّل تريد: هو لا يأمركم). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}أي: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين لأن الذين قالوا: إن عيسى عليه السلام إله عبدوه واتخذوه ربّا، وقال قوم من الكفار إن الملائكة أربابنا، ويقال إنهم الصابئون، ويجوز الرفع في {ولا يأمركم} أي: لا يأمركم اللّه). [معاني القرآن: 1/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}
ومن قرأ {ولا يأمركم} بالنصب، فمعناه عنده: ولا يأمركم البشر لأنه معطوف على ما قبله
ومن قرأ {ولا يأمركم}بالرفع، فمعناه عنده: ولا يأمركم الله كذا قال سيبويه). [معاني القرآن: 1/430]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 81 إلى 92]

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ...}
و{لما آتيتكم} قرأها يحيى بن وثّاب بكسر اللام؛ يريد أخذ الميثاق للذين آتاهم، ثم جعل قوله: {لتؤمننّ به} من الأخذ؛ كما تقول: أخذت ميثاقك لتعملنّ؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. ومن نصب اللام في (لما) جعل اللام لاما زائدة؛ إذ أوقعت على جزاء صيّر على جهة فعل وصيّر جواب الجزاء باللام وبإن وبلا ويما، فكأنّ اللام يمين؛ إذ صارت تلقى بجواب اليمين. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على ذلكم إصري} أي: عهدي). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم مّن الشّاهدين}
قال الله تعالى: {لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به} فاللام التي مع "ما" في أول الكلام هي لام الابتداء نحو "لزيدٌ أفضل منك"، لأن {ما آتيتكم} اسم والذي بعده صلة.
واللام التي في {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم كأنه قال "واللّه لتؤمننّ به" فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: "أما واللّه أن لو اجئتني لكان كذا وكذا"، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لتؤمننّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها.
جعل خبر {ما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ} {لتؤمننّ به} مثل "ما لعبد الله؟ واللّه لتأتينّه". وإن شئت جعلت خبر (ما) {من كتابٍ} تريد {لما آتيتكم كتابٌ وحكمةٌ} وتكون "من" زائدة).
[معاني القرآن: 1/175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إصري}: عهدي). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأخذتم على ذلكم إصري} أي: عهدي. وأصل الإصر الثّقل. فسمي العهد إصرا: لأنه يمنع من الأمر الذي أخذ له وثقّل وشدّد). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي عهدي، لأن العهد ثقل وَمَنْعٌ من الأمر الذي أخذ له). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
{والأغلال}: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك = ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل = سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي: قبلتم عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
موضع (إذ) نصب - المعنى - واللّه أعلم - واذكر في أقاصيصك {إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} - إلى قوله {لتؤمننّ به ولتنصرنّه}.
" ما " ههنا على ضربين: -
1-يصلح أن يكون للشرط.
2-والجزاء، وهو أجود الوجهين، لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته، واللام دخلت في ما كما تدخل في " إن " التي للجزاء إذا كان في جواب القسم، قال اللّه عزّ وجلّ:
{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}
وقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}.
فاللام في "إن " دخلت مؤكدة موطدة للام القسم. ولام القسم هي التي لليمين لأن قولك: واللّه لئن جئتني لأكرمنك... إنما حلفك على فعلك إلا أن الشرط معلق به فلذلك دخلت اللام على الشرط فإذا كانت ما في معنى الجزاء فموضعها نصب بقوله {لما آتيتكم} والجزاء قوله {لتؤمنن به}.
ويجوز أن يكون في معنى الذي ويكون موضعها رفعا.

المعنى أخذ اللّه ميثاقهم أي استحلفهم للذي آتيتكم، والمعنى آتيتكموه {لتؤمنن به} فتكون ما رفعا بالابتداء ويكون خبر الابتداء {لتؤمنن به} وحذفت الهاء من {لما آتيتكم} لطول الاسم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ: أنه عهد إلى كل رسول أن يؤمن بغيره من الرسل فصار العهد مشتملا على الجماعة أن يؤمن بعضهم ببعض وأن ينصر بعضهم بعضا.
ومعنى قوله {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} أي: فتبينوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي وشهادة اللّه للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات.
ويجوز - وقد قرئ به - {لما آتيتكم} فتكون اللام المكسورة معلقة بقوله أخذ المعنى أخذ الميثاق لآتيانكم الكتاب والحكمة.
وقرأ بعضهم {لما آتيناكم من كتاب وحكمة} أي: لما آتيناكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء - كما تقول: لما جئتني أكرمتك). [معاني القرآن: 1/436-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة}
قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء الآخر). [معاني القرآن: 1/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه}
قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه
وقرا ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وقال ابن عباس: إنما أخذ ميثاق النبيين على قومهم
وقال الكسائي: يجوز أن تكون {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} بمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين
وقال البصريون: إذا أخذ الله ميثاق النبيين فقد أخذ ميثاق الذين معهم لأنهم قد اتبعوهم وصدقوهم.
و"ما" بمعنى:
الذي
ويجوز أن تكون للشرط ويقرأ (لما) بكسر اللام فتكون ما أيضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرأ سعيد بن جبير (لما) بالتشديد). [معاني القرآن: 1/430-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري}
قال مجاهد: أي عهدي.
والإصر في اللغة: الثقل فسمي العهد إصرارا لأنه منع وتشديد

ثم قال تعالى: {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}أي: فبينوا لأن الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشيء). [معاني القرآن: 1/432]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إصري} أي: عهدي، وأصله الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِصْرِي}: عهدي). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
ذلك إشارة إلى أخذ الميثاق بالمعنى: {فمن تولى} أي: أعرض عن الإيمان بعد أخذ الميثاق على النبيين.
وأخذ الميثاق على النبيين مشتمل على: الأخذ على أممهم، أي: فمن تولى بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - {فأولئك هم الفاسقون} أي: الذين خرجوا عن القصد وعن جملة الإيمان.
ويصلح أن تكون {هم} ههنا اسما مبتدأ، و {الفاسقون} خبره و "هم" " مع " الفاسقون خبر أولئك.
وصلح أن يكون {الفاسقون} مرتفعا بأولئك " وهم " فصل - وهو الذي يسميه الكوفيون العماد). [معاني القرآن: 1/438]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
أسلم أهل السموات طوعا، وأما أهل الأرض فإنهم لمّا كانت السّنّة فيهم أن يقاتلوا إن لم يسلموا أسلموا طوعا وكرها). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي: يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}أي: أفغير دين اللّه يطلبون، لأنه قد بين أنه دين اللّه وأنهم كفروا وعاندوا وحسدوا بغيا - كما فعل إبليس.
وقوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها}.
جاء في التفسير: أنه أسلم من في السّماوات كلهم طوعا، وأسلم بعض من في الأرض طوعا وبعض كرها.
لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.
ويجوز أن يكون واللّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها - أي: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا
يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
{وإليه يرجعون} يدل على تصديق هذا القول لأن المعنى إنّه بدأكم على إرادته شئتم أو أبيتم.
وهو يبعثكم كما بدأكم.
فالتأويل: أتبغون غير الدين الذي هذه صفته). [معاني القرآن: 1/438-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {أفغير دين الله تبغون}أي: تطلبونن فالمعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
ومن قرأ (يبغون) بالياء فالكلام عنده متناسق لأن قبله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}فالمعنى: أفغير دين الله يبغي هؤلاء). [معاني القرآن: 1/432-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}
معنى {وله أسلم}: خضع ثم قال {طوعا وكرها} قيل لما كانت السنة فيمن خالف أن يقاتل سمي إسلامه كرها وإن كان طوعا لأن سببه القتال). [معاني القرآن: 1/433]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم أمر اللّه - عز وجل - النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته أن يقولوا آمنا باللّه وما أنزل علينا، وأن يقولوا ويعتقدوا إنهم لا يفرقون بين جميع الرسل في الإيمان بهم. لا يكفرون ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى، وأعلم اللّه أنه لا يقبل دينا غير دين الإسلام ولا عملا إلا من أهله). [معاني القرآن: 1/439]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (فقال عز وجلّ: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
{يبتغ} جزم بمن - وقوله: {فلن يقبل منه} الجواب.
ومعنى {من الخاسرين} أي: ممن خسر عمله، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}). [معاني القرآن: 1/439]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} أي: من يطلب). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
يقال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم أرادوا الرجوع إلى الإسلام ونيّتهم الكفر.
فأعلم اللّه أنّه لا جهة لهدايتهم لأنهم قد استحقوا أن يضلوا بكفرهم، لأنهم قد كفروا بعد البينات التي هي دليل على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إنها نزلت في اليهود لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا - قبل مبعثه - مؤمنين.

وكانوا يشهدون بالنبوة له فلما بعث عليه السلام - وجاءهم بالآيات المعجزات وأنبأهم بما في كتبهم مما لا يقدرون على دفعه، وهو - أمّيّ - كفروا به بغيا وحسدا، فأعلم اللّه أن جزاءهم اللعنة، فقال: {أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}). [معاني القرآن: 1/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم}
روى داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من الأنصار ارتد.
قال مجاهد: هو الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
قال ابن عباس: فأسلم.
وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا). [معاني القرآن: 1/433-434]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
ومعنى لعن الناس {أجمعين}: لهم أن بعضهم يوم القيامة يلعن بعضا ومن خالفهم يلعنهم، وتأويل لعنة اللّه لهم: تبعيده إياهم من رحمته وثنائه عليهم بكفرهم). [معاني القرآن: 1/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قال الله عز وجل: {أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}
فإن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم؟ ففي هذا أجوبة
أحدهما: أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة.
وجواب آخر: وهو أنه يعني بالناس المسلمين.
وقيل: وهو أحسنها إن الناس جميعا يلعنونهم لأنهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}
ثم قال تعالى: {خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة}). [معاني القرآن: 1/434-435]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}
ومعنى {خالدين فيها أبدا}أي: فيما توجبه اللعنة أي في عذاب اللعنة {لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي: لا يؤخرون عن الوقت). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم}أي: أظهروا أنهم كانوا على ضلال وأصلحوا ما كانوا أفسدوه وغرّوا به من اتبعهم ممن لا علم عنده {فإنّ اللّه غفور رحيم} أعلم اللّه عزّ وجلّ أن من سعة رحمته وتفضله أن يغفو لمن اجترأ عليه هذا الاجتراء لأن هذا ما لا غاية بعده، وهو أنه كفر بعد تبين الحق). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}
يقال في التفسير: أن هؤلاء هم النفر الذين ارتدوا بعد إسلامهم ثم أظهروا أنهم يريدون الرجوع إلى الإسلام، فأظهر اللّه أمرهم لأنهم كانوا يظهرون أنهم يرجعون إلى الإسلام وعندهم الكفر - والدليل على ذلك - قوله - عزّ وجلّ: {وأولئك هم الضّالّون} لأنهم لو حققوا في التوبة لكانوا غير معتدين، ويدل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} لأن الكافر الذي يعتقد الكفر ويظهر الإيمان عند اللّه كمظهر الكفر لأن الإيمان هو التصديق والتصديق لا يكون إلا بالنية). [معاني القرآن: 1/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}
قال أبو العالية: هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا.
وقال غيره: نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم.
فالمعنى: أنهم أظهروا التوبة أيضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل: {وأولئك هم الضالون} ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون.
ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن أبي العالية.
ويجوز أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الكفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/435-436]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً...}
نصبت الذهب لأنه مفسّر لا يأتي مثله إلا نكرة، فخرج نصبه كنصب قولك: عندي عشرون درهما، ولك خيرهما كبشا. ومثله قوله: {أو عدل ذلك صياماً}
وإنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله، مثل ملء الأرض، أو عدل ذلك، فالعدل مقدار معروف، وملء الأرض مقدار معروف، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شيء له قدر؛ كقولك: عندي قدر قفيز دقيقا، وقدر حملةٍ تبنا، وقدر رطلين عسلا، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسّرا؛ لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أي شيء هو؛ كما أنك إذا قلت: عندي عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره، وجهل جنسه وبقي تفسيره، فصار هذا مفسّرا عنه، فلذلك نصب. ولو رفعته على الاستئناف لجاز؛ كما تقول: عندي عشرون، ثم تقول بعد: رجالٌ، كذلك لو قلت: ملء الأرض، ثم قلت: ذهبٌ، تخبر على غير اتّصال.
وقوله: {ولو افتدى به} الواو ها هنا قد يستغنى عنها، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا وهو بمنزلة قوله: {وليكون من الموقنين} فالواو ها هنا كأن لها فعلا مضمرا بعدها). [معاني القرآن: 1/225-226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم مّن نّاصرين}
قال تعالى: {مّلء الأرض ذهباً} مهموزة من "ملأت" وانتصب {ذهبا} كما تقول: "لي مثلك رجلاً" أي: لي مثلك من الرجال، وذلك لأنك شغلت الإضافة بالاسم الذي دون "الذهب" وهو "الأرض" ثم جاء "الذهب" وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل، وهكذا تفسير الحال، لأنك إذا قلت: "جاء عبد الله راكباً" فقد شغلت الفعل بـ"عبد الله" وليس "راكب" من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره، وتفسير "هذا أحسن منك وجهاً"، لأن "الوجه" غير الكاف التي وقعت عليها "من" و"أحسن" في اللفظ إنما هو الذي تفضله فـ"الوجه" غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب المفعول به بعد الفاعل). [معاني القرآن: 1/176-177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
ومعنى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا}أي: لو عمل من الخير وقدم ملء الأرض ذهبا يتقرب به إلى اللّه لم ينفعه ذلك مع كفره.
قال أبو إسحاق: وكذلك لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه. فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه لا يثيبهم على أعمالهم بالخير ولا يقبل منهم الفداء من العذاب.
وقال بعض النحويين: أن الواو مسقطة - قال المعنى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به - وهذا غلط لأن الفائدة في الواو بينة وليست الواو مما يلغي.
يقال ملأت الشيء أملؤه ملئا، المصدر بالفتح لا غير - قال سيبويه والخليل: الملء - بفتح الميم - الفعل.
وتقول: هذا ملء هذا، أي: مقدار ما يملؤه.
كما يقال: رعيت رعيا والمال في الرعي فهذا فرق بين.
وقال بعض النحويين: يقال ملأت ملئا وملئا وهذا غلط بين لأن الموصوف ههنا إنه لو ملك مقدار ما يملأ الأرض ما قبل منه، وليس يقال. إن قدر أن يفعل، أي: أن يملأ الأرض، إنما المتقرب به الذهب الذي هو ملء الأرض، لا أن يملأ: يقال ملأت الشيء ملئا وقد ملئ فلان ملأ وهو مملوء إذا زكم والملأ أشراف القوم، وتقول أنت أملأ بهذا أي أثرى وأوثق، ورجل مليء بين الملاءة، يا هذا.
فأما ما يكتبه الكتاب، أنت المليّ بالياء فخطأ وهم مجمعون عليه، هذا غلط.
والملاءة التي تلبس، ممدود، والملاوة من الدهر القطعة الطويلة، ومن هذا قولهم. أبل جديدا وتمل حبيبا أي عش مع حبيبك دهرا طويلا.

و{ذهبا} منصوب على التمييز - قال سيبويه وجميع البصريين: إن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب وبين الملء أن يكون جرّا
وحقيقة تفسيره: أن المعنى ما يملؤه من الذهب وكذلك إذا قلت: عندي عشرون درهما أي ما يعادل هذا المقدار من الدراهم.
وجائز أن يكون - واللّه أعلم قوله - عزّ وجلّ -: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}يعني: اليهود لأنهم كانوا تائبين في وقت إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، فأعلم اللّه أن تلك التوبة وذلك الإيمان ليس بمقبول، لأنهم كفروا بعده وزادوا كفرا، فإن كفرهم بما كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتا بعد وقت زيادة في الكفر - وكذلك الإقامة عليه زيادة فيه). [معاني القرآن: 1/441-443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟
فيقول:نعم فيقال له: كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} إلى آخر الآية.
وقال بعض أهل اللغة: الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به.
وقال أهل النظر من النحويين: لا يجوز أن تكون الواو مقحمة لأنها تدل على معنى ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به والملء مقدار ما يملا الشيء والملأ بالفتح المصدر). [معاني القرآن: 1/436-438]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}
قال بعضهم: إن كل ما يتقرب به إلى اللّه من عمل خير فهو إنفاق.
وروي عن ابن عمر أنه اشترى جارية كان هويها فلمّا ملكها أعتقها ولم يصب منها، فقيل له: أعتقتها بعد أن كنت هويتها ولم تصب منها، فتلا هذه الآية {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا}.
وفعل ابن عمر هذا ينبغي أن يقتدي به الناس في أن لا يضنوا بجليل ما يملكونه في التقرب به إلى اللّه تعالى وقوله عزّ وجلّ: {وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}أي: فإن اللّه يجازي عليه لأنه قال: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره} فإذا عمله جوزي عليه.
وتأويل (ما) تأويل الشرط والجزاء، وموضعها نصب بـ " تنفقوا " المعنى: وأي شيء تنفقوا فإن اللّه عليم به والفاء جواب الجزاء). [معاني القرآن: 1/443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون: البر الجنة، يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر.
وقال غيرهما: البر العمل الصالح.
وفي الحديث: ((عليكم بالصدق فإنه يدعو إلى البر والبر يدعو إلى الجنة وإياكم والكذب فإنه يدعو إلى الفجور والفجور يدعو إلى النار))

وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة: أنا أتصدق بأرضي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بها على أقربائه فقسمها بين أبي وحسان.
وروي أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها إليه فلما رآها أعجب بها ثم أعتقها وقرأ {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}
وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه}.
ومعنى {حتى تنفقوا}:حتى تتصدقوا.
ثم قال تعالى: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}أي: إذا علمه جازى عليه). [معاني القرآن: 1/438-440]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة