العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 33 إلى 41]

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين...}
يقال: اصطفى دينهم على جميع الأديان؛ لأنهم كانوا مسلمين، ومثله مما أضمر فيه شيء, فألقي قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها}). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه.
وكقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ولم يصطفهم على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا أممهم على أمّته، ألا تراه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وإنما أراد عالمي أزمنتهم.
وكقوله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وإنما قاله فريق من الأعراب.
وقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] ولم يرد كل الشعراء.
ومنه قوله سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وإنما قاله نعيم بن مسعود لأصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم إنّ النّاس قد جمعوا لكم، يعني: أبا سفيان، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف). [تأويل مشكل القرآن:281-282] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
معنى اصطفاهم في اللغة: اختارهم, أي: جعلهم صفوة خلقه، وهذا تمثيل بما يرى؛ لأن العرب تمثل المعلوم بالشيء المرئي، وإذا سمع السامع ذلك المعلوم , كان عنده بمنزلة ما يشاهده عياناً, فنحن نعين الشيء الصافي أنه النقي من الكدر، فكذلك صفوة اللّه من خلقه، وفيه ثلاث لغات: صفوة, وصفوة, وصفوة, وهم من لا دنس فيهم من جهة من الجهات في الدّين, والخيريّة.
وقيل في معنى اصطفاهم قولان:
1- قال قوم: اصطفى دينهم, أي: اختاره على سائر الأديان؛ لأن دين هؤلاء الجماعة: الإسلام، وقال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}

2- وقال قوم: اصطفى آدم بالرسالة إلى الملائكة, وإلى ولده, واصطفى نوحاً, وإبراهيم, وآله بالرّسالة، ألا ترى قوله عزّ وجلّ: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم}, فأمره اللّه تعالى أن ينبئ عنه ملائكته، وآل عمران هم آل إبراهيم). [معاني القرآن: 1/398-399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
قال أهل التفسير، المعنى: على عالم أهل زمانهم, ومعنى {اصطفى}: اختار, وهذا تمثيل؛ لأن الشيء الصافي هوالنقي من الكدر , فصفوة الله عز وجل هم الأنقياء من الدنس ذوو الخير والفضل). [معاني القرآن: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (ثم قال: {ذرية بعضها من بعضٍ}, فنصب الذرّية على جهتين؛
إحداهما: أن تجعل الذرّية قطعاً من الأسماء قبلها؛ لأنهن معرفة,
2- وإن شئت نصبت على التكرير، اصطفى ذرّية بعضها من بعض، ولو استأنفت
, فرفعت , كان صواباً). [معاني القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ}, قال تعالى: {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ} , فنصبه على الحال, ويكون على البدل على قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم}). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ذرّيّة بعضها من بعض واللّه سميع عليم}, المعنى: اصطفى ذرية بعضها من بعض, فيكون نصب {ذرّيّة} على البدل، وجائزاً أن ينصب على الحال, المعنى: واصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض,
و {ذرّيّة}, قال النحويون: هي فعليّة من الذر، لأن اللّه أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى},
وقال بعض النحويين: {ذرّيّة}, أصلها: ذرورة على وزن فعولة, ولكن التضعيف لمّا كثر أبدل من الراء الأخيرة, فصارت ذروية , ثم أدغمت الواو في الياء, فصارت ذرّيّة,
والقول الأول أقيس, وأجود عند النحويين).
[معاني القرآن: 1/399-400]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً...}, لبيت المقدس: لا أشغله بغيره). [معاني القرآن: 1/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إذ قالت امرأة عمران} معناها: قالت امرأة عمران.
{محرّراً}, أي: عتيقاً لله، أعتقته, وحرّرته واحد). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال تعالى: {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}, فقوله: {محرّراً} على الحال). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({محررا}: عتيقا لله، وقالوا خادما للبيعة في التفسير). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إذ قالت امرأت عمران}, أي: قالت, و{إذ} تزاد في الكلام على ما بينت في «تأويل المشكل».
{محرّراً}, أي: عتيقاً لله عز وجل. تقول: أعتقت الغلام وحرّرته، سواء, وأرادت: إني نذرت أن أجعل ما في بطني محرّراً من التّعبيد للدنيا، ليعبدك , ويلزم بيتك). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم}
قال أبو عبيدة: معناه :{قالت امرأة عمران}, و " إذ " لغو , وكذلك:{وإذ قالت الملائكة يا مريم}, قال معناه: وقالت: ولم يصنع أبو عبيدة في هذا شيئاً.
قال جميع النحويين: إن (إذ) يدل على ما مضى من الوقت, فكيف يكون الدليل على ما مضى من الوقت لغواً, وهي اسم مع ما بعدها,
وقال غير أبي عبيدة منهم أبو الحسن الأخفش، وأبو العباس محمد بن يزيد، المعنى: اذكروا إذ قالت امرأة عمران.

والمعنى عندي - واللّه أعلم -: غير ما ذهبت إليه هذه الجماعة , وإنما العامل في {إذ قالت}, معنى الاصطفاء , المعنى- واللّه أعلم - واصطفى آل عمران {إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرا}, واصطفاهم {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك}, فذكر اصطفاك يدل على ما وصفنا, ومعنى نذرت: يدل على ما وصفنا.
ومعنى {نذرت لك ما في بطني محرّراً}, أي: جعلته خادماً يخدم في متعبّداتنا، وكان ذلك جائزاً لهم، وكان على أولادهم فرضاًأن يطيعوهم في نذرهم، فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادماً في متعبّده, ولعبّادهم، ولم يكن ذلك النذر في النّساء, إنما كان ذلك في الذكورة، فلمّا ولدت امرأة عمران مريم قالت: {ربّ إنّي وضعتها أنثى} , وليست الأنثى مما يصلح للنذر، فجعل الله عزّ وجلّ من الآيات في مريم لما أراده اللّه من أمر عيسى أن جعلها متقبّلة في النذر, فقال عزّ وجلّ: {فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب}). [معاني القرآن: 1/400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا}, روى خصيف عن مجاهد , وعكرمة: أن المحرر الخالص لله عز وجل, لا يشوبه شيء من أمر الدنيا, وهذا معروف في اللغة أن يقال: لكل ما خلص حر, ومحرر بمعناه, قال ذو الرمة:
والقرط في حرة الذفرى معلقة = تباعد الحبل منه فهو يضطرب). [معاني القرآن: 1/385-186]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( (محررا): معتقا معدا لطاعتك في بيت المقدس). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({محرراً} , أي: عتيقا لله، خالصاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُحَرَّراً}: عتيقا لله خادم البيعة). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه أعلم بما وضعت...}, قد يكون من إخبار مريم فيكون{والله أعلم بما وضعت} يسكن العين، وقرأ بها بعض القراء، ويكون من قول الله تبارك وتعالى، فتجزم التاء؛ لأنه خبر عن أنثى غائبة). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى}، وكان النذر في مثل هذا يقع للذكور, ثم قالت: {وليس الذّكر كالأنثى}, فقول اللّه عز وجل: {واللّه أعلم بما وضعت} , في قراءة من قرأ بجزم التاء, وفتح العين مقدّم، ومعناه التأخير. كأنه: إني وضعتها أنثى، وليس الذكر كالأنثى، واللّه أعلم بما وضعت.
ومن قرأه {واللّه أعلم بما وضعت} بضم التاء ؛ فهو كلام متصل من قول أم مريم عليها السلام). [تفسير غريب القرآن: 104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى}
قال ابن عباس: إنما قالت هذا ؛ لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور, فقبل الله مريم). [معاني القرآن: 1/386]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى}
في الكلام تقديم وتأخير, والمعنى: قالت ربي إني وضعتها أنثى, ولبس الذكر كالأنثى , فقال الله عز وجل: {والله أعلم بما وضعت}
وقرأ أبو الرجاء, وإبراهيم النخعي, وعاصم :{والله أعلم بما وضعت}, فعلى هذه القراءة, ليس في الكلام تقديم ولا تأخير.
وقوله تعالى: {وكفلها زكريا}
قال قتادة: كانت مريم بنت عمران -إمامهم وسيدهم-, فقارعوا عليها سهامهم, فخرج سهم زكريا, فكفلها, أي: ضمها إليه.
وفي الحديث: (( كافل اليتيم له كذا))
وقال الحسن: قبلها, وتحملها .
وقال أبو عبيدة: معنى كفلها ضمها, أو ضمن القيام بها). [معاني القرآن: 1/387-388]

تفسير قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وكفّلها زكريّا...}, من شدّد جعل زكريا في موضع نصب؛ كقولك: ضمّنها زكريا، ومن خفف الفاء جعل زكرياء في موضع رفع, وفي زكريا ثلاث لغات: القصر في ألفه، فلا يستبين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمدّ ألفه فتنصب وترفع بلا نون؛ لأنه لا يجري، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدّة والياء الساكنة , فيقال: هذا زكريّ قد جاء, فيجري؛ لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب). [معاني القرآن: 1/208]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبول حسنٍ}: أولاها.
{وكفلها زكريّاء}، أي: ضمّها، وفيها لغتان: كفلها يكفل, وكفلها يكفل.
{المحراب}: سيّد المجالس, ومقدّمها, وأشرفها، وكذلك هو من المساجد.
{أنّى لك هذا}، أي: من أين لك هذا، قال الكميت بن زيد:
أنّي ومن أين آبك الطّرب= من حيث لا صبوةٌ ولا ريب). [مجاز القرآن: 1/91]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللًّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ}
قال تعالى: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريّا},
وقال بعضهم :{وكفلها زكرياء} , و{كفلها زكريّا}أيضاً وبه نقرأ, وهما لغتان,
وقال بعضهم: {وكفلها زكرياء} بكسر الفاء, ومن قال: "كفل", قال: "يكفل", ومن قال: "كفل" , قال: "يكفل", وأما "كفل" فلم أسمعها ,وقد ذكرت.

وقال تعالى: {يرزق من يشاء بغير حسابٍ} , فهذا مثل كلام العرب "يأكل بغير حسابٍ" , أي: لا يتعصّب عليه ولا يضيّق عليه. و{سريع الحساب}, و{أسرع الحاسبين} , يقول: ليس في حسابه فكر, ولا روية , ولا تذّكر). [معاني القرآن: 1/167-168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وكفلها زكريا}: ضمها.
{أنى لك هذا}: من أين لك هذا). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وكفّلها زكريّا}: ضمّها إليه, و{المحراب}: الغرفة, وكذلك روى في التفسير: أن زكريا كان يصعد إليها بسلّم.
والمحراب أيضاً: المسجد, قال: {يعملون له ما يشاء من محاريب}، أي: مساجد.
وقال أبو عبيدة: المحراب سيد المجالس , ومقدمها, وأشرفها، وكذلك هو من المسجد.
{أنّى لك هذا} , أي: من أين لك هذا؟). [تفسير غريب القرآن: 104]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب}
الأصل في العربية: بتقبّل حسن، ولكن قبول محمول على قوله قبلها قبولاً حسناً, يقال: قبلت الشيء قبولاً حسناً، ويجوز: قبولاً إذا رضيته.
وقبلت الريح قبولاً, وهي تقبل، وقبلت بالرجل أقبل قبالة، أي: كفلت به، وقد روى: قبلت بالرجل في معنى: كفلت به على مثال: فعلت، ويقال: سقى فلان إبله قبلاً, أي : صب الماء في الحوض , وهي تشرب منه, فأصابها، وكل ما عاينت, قلت فيه أتاني قبلاً, أي: معاينة، وكل ما استقبلك فهو قبل بالفتح.
وتقول: لا أكملك إلى عشر من ذي قبل وقبل، المعنى: قبل إلى عشر مما نشاهده من هذه الأيام، ومعنى " قبل " عشر نستقبلها، ويقال: قبلت العين تقبل قبلاً إذا أقبل النظر على الأنف.
وقوله عزّ وجلّ: {أو يأتيهم العذاب قبلا}, وقبلا وقبلا: كله جائز، فمن قرأ: (قبلاً) , فهو جمع قبيل , وقبل مثل: رغيف, ورغف، المعنى: أو يأتيها العذاب ضروباً, ومن قرأ:( قبلا ), بالكسر, فالمعنى: أو يأتيهم العذاب معاينة، ومن قرأ: (قبلا) بالفتح فالمعنى: أو يأتيهم العذاب مقابلا، والقبلة: جمع قبل شبيهة بالفلكة، أي: بفلكة المغزل تكون في القلادة.
ومعنى{وأنبتها نباتا حسناً}, أي: جعل نشوءها نشوءاً حسناً, وجاء ( نباتاً) على غير لفظ أنبت، على معنى: نبت نباتاً حسناً,
وقوله عزّ وجلّ: {وكفّلها زكريّا}, في هذا غير وجه،
1- يجوز: (وكفّلها زكريّاء) بالمدّ ,
2- كلّما دخل عليها زكريّاء, {وكفّلها زكريّا} بالقصر ,
3- {كلّما دخل عليها زكريّا} بالقصر.

وفي {زكريّا} ثلاث لغات هي المشهورة المعروفة: زكرياء بالمد, وزكريا بالقصر غير منون في الجهتين جميعاً, وزكريّ بحذف الألف معرب منون, فإما ترك صرفه؛ فلأن في آخره ألفى التأنيث في المد, وألف التأنيث في القصر،
وقال بعض النحويين: إنه لم يصرف؛ لأنّه أعجميّ، وما كانت فيه ألف التأنيث, فهو سواء في العربية والعجمية؛ لأن ما كان أعجمياً, فهو يتصرف في النكرة،
ولا يجوز أن: تصرف الأسماء التي فيها ألف التأنيث في معرفة ولا نكرة ؛ لأن فيها علامة التأنيث, وأنها مصوغة مع الاسم صيغة واحدة، فقد فارقت هاء التأنيث, فلذلك لم تصرف في النكرة.

ويجوز (كفلها زكرياء) بنصب زكرياء، ويجوز في هذا الموضوع (زكريا) بالقصر، فمن قرأ:(كفّلها زكريّاء), رفعه بفعله، فالمعنى: فيما ذكر أبو عبيدة ضمنها، ومعناه: في هذا ضمن القيام بأمرها.
ومن قرأ (كفلها زكرياء) بالنصب, فالمعنى: وكفلها اللّه زكرياء، وأما اللغة الثالثة: فلا تجوز في القرآن؛ لأنها مخالفة المصحف، وهي كثيرة في كلام العرب.
وقوله جلّ وعزّ: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب}, القصر؟, والمد في زكريا, والقراءة بهما كثيرة كما وصفنا, و (المحراب): أشرف المجالس والمقدم فيها، وقد قيل: إن مساجدهم كانت تسمى: المحاريب، والمحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف.
قال الشاعر:
ربّة محراب إذا جئتها= لم ألقها أو ارتقى سلما
ومنه قوله عزّ ونجل:{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب}, ونصب كلّما بقوله: {وجد}, أي: يجد عندها الرزق في كل وقت يدخل عليها المحراب, فيكون ما مع دخل بمنزلة الدخول, أي: كل وقت دخول.
وقوله عزّ وجلّ {قال يا مريم أنّى لك}, أي: من أين لك هذا؟
{هذا قالت هو من عند اللّه},وإنما سأل زكريا عن الرزق؛ لأنه خاف أن يأتيها من غير جهته, فتبين عنده أنه من عند اللّه، وذلك من آيات مريم، قال اللّه تبارك وتعالى: {وجعلناها وابنها آية للعالمين} , فمن آياتها:
1- أنها أول امرأة قبلت في نذر في المتعبد.
2- ومنها أن اللّه أنشأ فيها عيسى - عليه السلام - من كلمة ألقاها إليها.
3- ومنها أن اللّه عزّ وجلّ غذاها برزق من عنده لم يجره على يد عبد من عبيده.
وقد قيل في التفسير: أنّها لم تلقم ثدياً قط.

ومعنى (إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب), أي: بغير تقتير،و {حساب}:
إ
ن شئت فتحت الألف, وألزمتها جهة الفتح،
وإن شئت أملتها إلى الكسر، لانكسار الحاء، وذلك كثير في لغة العرب).
[معاني القرآن: 1/401-404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقاً}
المحراب في اللغة: المكان العالي, ويستعمل لأشرف المواضع , وإن لم يكن عالياً إلا أنه روي: أن زكريا كان يصعد إليها بسلم.
ومعنى {وجد عندها رزقاً} على قول مجاهد: وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف , وفاكهة الصيف في الشتاء). [معاني القرآن: 1/388-389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال يا مريم أنى لك هذا}
قال أبو عبيدة: المعنى: من أين لك ؟, وهذا القول فيه تساهل؛ لأن أين سؤال عن المواضع, وأنى سؤال عن المذاهب, والجهات, والمعنى: من أي المذاهب, ومن أي الجهات لك هذا, وقد فرق الكميت بينهما , فقال:
أنى ومن أين آبك الطرب = من حيث لا صبوة ولا ريب
{قالت هو من عند الله}: من قبل الله, {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}, أي: بغير تقتير). [معاني القرآن: 1/389-390]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وكفلها}: ضمها، وكفلها كضمنها). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وكَفَّلَهَا}: ضمها, {أَنَّى لَكِ هَذَا}: من أين لك هذا؟). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً...}, الذرّية جمع، وقد تكون في معنى واحد. فهذا من ذلك؛ لأنه قد قال: {فهب لي من لدنك ولياً}, ولم يقل أولياء, وإنما قيل "طيبة" , ولم يقل طيباً؛ لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية , فأنثت لتأنيثها، ولو قيل ذرّية طيباً, كان صواباً, ومثله من كلام العرب قول الشاعر:
أبوك خليفةٌ ولدته أخرى = وأنت خليفة ذاك الكمال
فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر, وقال آخر:
فما تزدري من حيّة جبليّةٍ = سكاتٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا
فقال: جبليّة، فأنّث لتأنيث اسم الحيّة، ثم ذكّر إذ قال: إذا ما عضّ , ولم يقل: عضّت, فذهب إلى تذكير المعنى, وقال الآخر:
تجوب بنا الفلاة إلى سعيدٍ= إذا ما الشّاة في الأرطاة قالا
ولا يجوز هذا النحو إلا في الاسم الذي لا يقع عليه فلان؛ مثل: الدابّة, والذرّية, والخليفة؛ فإذا سميت رجلاً بشيء من ذلك فكان في معنى فلان, لم يجز تأنيث فعله ولا نعته, فتقول في ذلك: حدّثنا المغيرة الضّبيّ، ولا يجوز الضّبيّة, ولا يجوز أن تقول: حدّثتنا؛ لأنه في معنى فلان, وليس في معنى فلانة, وأمّا قوله:
وعنترة الفلحاء جاء ملأّماً = كأنّه فندٌ من عماية أسود
فإنه قال: الفلحاء, فنعته بشفته, قال: وسمعت أبا ثروان يقول لرجل من ضبّة, وكان عظيم العينين: هذا عينان قد جاء، جعله كالنعت له, وقال بعض الأعراب لرجل أقصم الثنيّة: قد جاءتكم القصماء، ذهب إلى سنّه). [معاني القرآن: 1/208-209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء}
قال الله تعالى: {ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً}؛ لأن النون في "لدن" ساكنة مثل: نون "من", وهي تترك على حال جزمها في الإضافة ؛ لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال: {من لدنّا}، وقال تعالى: {من لدن حكيمٍ عليمٍ}, فتركت ساكنة.
وقال تعالى: {إنّك سميع الدّعاء}, مثل "كثير الدّعاء"؛ لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول: "أنت السّميع الدّعاء", ومعناه: "إنّك مسموع الدّعاء", أي: "إنّك تسمع ما يدعى به"). [معاني القرآن: 1/168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء}
{زكريا} بالمدّ والقصر على ما وصفنا, المعنى: عند ذلك دعا زكريا ربّه، أي: عندما صادف من أمر مريم، ثم سأل اللّه أن يرزقه ذرية طيبة.
و {هنالك} في موضع نصب؛ لأنه ظرف يقع من المكان والأحوال: أحوال الزّمان.
والمعنى في ذلك المكان من الزمان , ومن الحال دعا زكريا ربه كما تقول: من هنا قلت: كذا وكذا، ومن هنالك قلت: كذا وكذا أي: من ذلك الوجه , وتلك الجهة، وهذا في غير المكان على المثل جرى, وكسر لام (هنالك) وقع لالتقاء الساكنين؛ لأنّ هنالك إشارة إلى مكان متراخ، أو حال من أحوال الزمان نسبتها إلى المكان وقال: (طيبة) للفظ ذرية.
و (هنالك) لا يجب أن يعرف في رفع, ولا جر؛ لأنه في الإشارة إلى المكان بمنزلة الإشارة في هذا وهذاك إلى سائر الأشياء, فهو مضارع للحروف التي جاءت لمعنى). [معاني القرآن: 1/404]

تفسير قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فنادته الملائكة...}, يقرأ بالتذكير , والتأنيث, وكذلك فعل الملائكة , وما أشبههم من الجمع: يؤنّث ويذكّر, وقرأت القراء: {يعرج الملائكة}, { وتعرج}, و{تتوفاهم}, و{يتوفاهم الملائكة}, وكل صواب.
فمن ذكّر ذهب إلى معنى التذكير، ومن أنّث , فلتأنيث الاسم، وأن الجماعة من الرجال, والنساء, وغيرهم يقع عليه التأنيث. والملائكة في هذا الموضع جبريل صلّى الله عليه وسلم وحده, وذلك جائز في العربيّة: أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع؛ كما تقول في الكلام: خرج فلان في السفن، وإنما خرج في سفينة واحدة، وخرج على البغال، وإنما ركب بغلاً واحداص, وتقول: ممّن سمعت هذا الخبر؟, فيقول: من الناس، وإنما سمعه من رجل واحد, وقد قال الله تبارك وتعالى: {وإذا مسّ النّاس ضرّ}، {وإذا مسّ الإنسان ضر}, ومعناهما, والله أعلم واحد: وذلك جائز فيما لم يقصد فيه قصد واحدٍ بعينه.

وقوله: {وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه} تقرأ بالكسر, والنصب فيها أجود في العربيّة فمن فتح (أنّ) أوقع النداء عليها؛ كأنه قال: نادوه بذلك أن الله يبشرك, ومن كسر قال: النداء في مذهب القول، والقول حكاية, فاكسر إنّ بمعنى الحكاية, وفي قراءة عبد الله: {فناداه الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك}, فإذا أوقع النداء على منادىً ظاهر مثل(يا زكريا) , وأشباهه كسرت (إن) ؛ لأن الحكاية تخلص، إذا كان ما فيه (يا) ينادى بها، لا يخلص إليها رفع ولا نصب؛ ألا ترى أنك تقول: يا زيد إنك قائم، ولا يجوز يا زيد أنك قائم. وإذا قلت: ناديت زيداً أنه قائم فنصبت (زيداَ) بالنداء , جاز أن توقع النداء على (أنّ) كما أوقعته على زيد.
ولم يجز أن تجعل إنّ مفتوحة إذا قلت يا زيد؛ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف. وقال في طه: {فلّما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك}, فكسرت (إني), ولو فتحت كان صواباً من الوجهين؛ أحدهما أن تجعل النداء واقعا على (إنّ) خاصّة لا إضمار فيها، فتكون (أنّ) في موضع رفع. وإن شئت جعلت في (نودي) اسم موسى مضمراً, وكانت (أنّ) في موضع نصب تريد: بأني أنا ربك. فإذا خلعت الباء نصبته, فلو قيل في الكلام: نودي أن يا زيد , فجعلت أن يا زيد هو المرفوع بالنداء, كان صواباً, كما قال الله تبارك وتعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدّقت الرؤيا}, فهذا ما في النداء إذا أوقعت (إن), قيل: يا زيد، كأنك قلت: نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها, وإذا ضممت إلى النداء الذي قد أصابه الفعل اسماً منادىً , فلك أن تحدث (أن) معه , فتقول: ناديت أن يا زيد، فلك أن تحذفها من (يا زيد), فتجعلها في الفعل بعده ثم تنصبها, ويجوز الكسر على الحكاية.

ومما يقوّى مذهب من أجاز : {إن الله يبشرك} بالكسر على الحكاية قوله: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} , ولم يقل: أن ليقض علينا ربك, فهذا مذهب الحكاية,
وقال في موضع آخر: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا}, ولم يقل: أفيضوا، وهذا أمر, وذلك أمر؛ لتعلم أن الوجهين صواب, و{يبشرك} قرأها بالتخفيف أصحاب عبد الله في خمسة مواضع من القرآن: في آل عمران حرفان، وفي بني إسرائيل، وفي الكهف، وفي مريم, والتخفيف والتشديد صواب, وكأنّ المشدّد على بشارات البشراء، وكأن التخفيف من وجهة الإفراح والسرور, وهذا شيء كان المشيخة يقولونه, وأنشدني بعض العرب:

بشرت عيالي إذ رأيت صحيفةً = أتتك من الحجّاج يتلى كتابها
وقد قال بعضهم: أبشرت، ولعلّها لغة حجازيّة, وسمعت سفيان بن عيينة يذكرها يبشر, وبشرت لغة سمعتها من عكل، ورواها الكسائيّ عن غيرهم.
وقال أبو ثروان: بشرني بوجه حسن, وأنشدني الكسائيّ:

وإذا رأيت الباهشين إلى العلى = غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به = وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وسائر القرآن يشدّد في قول أصحاب عبد الله, وغيرهم). [معاني القرآن: 1/210-212]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يبشّرك بيحيى مصدّقاً} , نصبت (مصدّقاً), لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
وقوله: {بكلمة} يعني: مصدّقاً بعيسى.

وقوله: {وسيّداً وحصوراً ونبيّاً}, مردودات على قوله: مصدّقاً, ويقال: إن الحصور: الذي لا يأتي النساء). [معاني القرآن: 1/212-213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يبشّرك}، {يبشرك}, واحد.
{بكلمةٍ من الله}, أي: بكتاب من الله؛ تقول العرب للرجل: أنشدني كلمة كذا وكذا، أي: قصيدة فلان وإن طالت.
{وحصوراً}, الحصور له غير موضع, والأصل واحد؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النّدامى , فلا يخرج شيئاً، قال الأخطل:
وشاربٍ مربحٍ للكأس نادمنى= لا بالحصور ولا فيها بسوّار
الذي لا يساور جليسه كما يساور الأسد؛ والحصور: أيضاً الذي لا يخرج سرّا أبداً، قال جرير:
ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا= حصراً بسرّك يا أميم ضنينا). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً ونبيّاً مّن الصّالحين} , قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك} ؛ لأنه كأنه قال: {نادته الملائكة} ,فقالت: {إنّ اللّه يبشّرك}, وما بعد القول حكاية.
وقال بعضهم {أنّ اللّه} يقول: "فنادته الملائكة بذلك ",
وقال تعالى: {بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً}, وقوله: {وسيّداً وحصوراً} معطوف على "مصدّقاً" على الحال).
[معاني القرآن: 1/168-169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سيدا}: قال السيد الحكيم في التفسير.
{والمحصور}:الذي لا يأتي النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسيّداً وحصوراً}, قال ابن عيينة: «السيد: الحليم», وقال هو: «الحصور: الذي لا يأتي النساء», وهو «فعول» بمعنى «مفعول»؛ كأنه محصور عنهن، أي: مأخوذ محبوس عنهن. وأصل الحصر: الحبس, ومثله مما جاء فيه «فعول» بمعنى «مفعول»: ركوب بمعنى: مركوب، وحلوب بمعنى: محلوب, وهيوب بمعنى مهيب). [تفسير غريب القرآن: 104-105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقا بكلمة من اللّه وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصّالحين}
{فنادته الملائكة} , و (فناداه الملائكة), الوجهان جميعاً جائزان؛ لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث؛ لأن معناها معنى جماعة,
ويجوز أن: يعبر عنها بلفظ التذكيركما يقال: جمع الملائكة.

ويجوز أن: تقول نادته الملائكة, وإنما ناداه جبرائيل وحده؛ لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس، كما نقول: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس.
ويجوز (أن اللّه يبشرك), (إن اللّه يبشرك) بفتح إن, وكسرها,
فمن فتح؟, فالمعنى: نادته بأن اللّه يبشرك, أي: نادته بالبشارة.
ومن كسر أراد, قالت الملائكة: إن اللّه يبشرك, و (إنّ) بعد القول أبداً مكسورة.

وفي {يبشرك} ثلاث لغات: {إنّ اللّه يبشّرك}
بفتح الباء,
وتشديد الشين, وهي قراءة كثيرة جداً, ويبشرك - بإسكان الباء وضم الشين-, وقرأ حميد وحده { يبشرك} بضم الياء, وإسكان الباء, وكسر الشين، فمعنى: يبشرك.

ويبشرك: البشارة، ومعنى يبشرك يسرك ويفرحك. يقال بشرت الرجل أبشره وأبشره إذا أفرحته، ويقال بشر الرجل يبشر.
وأنشد الأخفش, والكسائي,وجماعة من النحويين:
وإذا لقيت الباهشين إلى الندا= غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به= وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل
فهذا على بشر يبشر إذا فرح، وأصل هذا كله من أنّ بشرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومن هذا قولهم: فلان يلقاني ببشر، أي : بوجه منبسط.
ويحيى: اسم سماه الله تعالى تولى هو - عزّ وجلّ - ذلك, ولم يسم أحد قبل يحيى بيحيى، ويحيى لا يتصرف عربياً كان, أو أعجميّاً, لأنّه إن كان أعجمياً, فقد اجتمع فيه العجمة, والتعريف: ولو كان عربياً, لم ينصرف لشبهه بالفعل, وأنه معرفة علم.
ونصب {مصدقا} على الحال.
ومعنى {مصدّقا بكلمة من اللّه} ,أي: يصدّق بأمر عيسى؛ لأن يحيى فرض عليه - وإن كان يحيى أسن من عيسى - اتباع عيسى.
ومعنى {سيّدا وحصورا}: السيّد الذي يفوق في الخير قومه، ومعنى {حصورا} أي: لا يأتي النساء، وإنما قيل للذي لا يأتي النساء حصور؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام قد حصر في منطقه، والحصور: الذي لا ينفق على النّدامى، وهو ممن يفضلون عليه.
قال الشاعر:
وشارب مربح بالكأس نادمني= لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى: ولا فيها بسئار، أني نادمني, وهو كريم منفق على الندامي، والسؤار المعربد يساور نديمه , أي: يثب عليه، والسار الذي يفضل في إنائه إذا شرب.
والحصور: الذي يكتم السر، أي: يحبس السر في نفسه, قال جرير:
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا= حصراً بسرك يا أميم ضنينا
والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه، إنما سمي حصيراً؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج, أي: حبس بعضه على بعض.
ويقال للسجن الحصير؛ لأنّ الناس يحصرون فيه، ويقال: حصرت الرجل إذا حبسته، وأحصره المرض إذا منعه من السير، والحصير: الملك, وقول اللّه - جل وعلا: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}, أي: حبساً.
ويقال : أصاب فلاناً حصرإذا احتبس عليه بطنه، ويقال في البول: أصابه أسر إذا احتبس عليه بوله.
ومعنى {من الصّالحين}: الصالح الذي يؤدي إلى اللّه ما عليه , ويؤدي إلى الناس حقوقهم). [معاني القرآن: 1/405-407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فنادته الملائكة}, روي أن جبريل هو الذي ناده وحده, وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول: ركب فلان السفن, وإنما ركب سفينة واحدة, أي: ركب هذا الجنس). [معاني القرآن: 1/390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله}, قال ابن عباس: صدق بعيسى, وقال الضحاك: بشر بعيسى, ومعنى بشرته: أظهرت في بشرته السرور .
فإن قيل: فما معنى تسمية عيسى بالكلمة ؟, ففي هذا أقوال:
أحدهما: أنه لما قال الله عز وجل: كن , فكان , سماه بالكلمة, فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى: {واسأل القرية}.
2- وقيل: سمي بهذا كما يقال عبد الله, وألقاها على اللفظ .
3- وقيل : لما كانت الأنبياء قد بشرت به, وأعلمت أنه يكون من غير فحل, وبشر الله مريم به كما قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}, فلما ولدته على الصفة التي وصف بها, قال الله عز وجل: هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشيء, أو تعده به , فإذا كان قلت: هذا مولي, وهذا كلامي.
والعرب تسمي الكلام الكثير , والكلمة الواحدة كلمة كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان , فقال: لعن الله كلمته تلك , يعني قصيدته .
4- وقيل: سمي كلمة ؛ لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة). [معاني القرآن: 1/390-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين}
قال سعيد بن جبير, والضحاك: السيد: الحليم, وقيل: الرئيس.
وروى يحيى بن سعيد الأنصاري , عن سعيد بن المسيب أنه قرأ: {وسيداً وحصوراً}, فأخذ من الأرض شيئاً, ثم قال: الحصور الذي لا يأتي النساء ,
يقال حصر إذا منع , فـ «حصور» بمعنى محصور , وكأنه منع مما يكون في الرجال .

وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة , قال الشاعر:
فيها اثنثان وأربعون حلوبة = سواد كخافية الغراب الأسحم
ويقال: حصرت الرجل إذا حسبته , وأحصر المرض إذا منعه من السير, والحصير من هذا سمي؛ لأن بعضة حبس على بعض.
وقيل: هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل
وقال ابن عباس: الذي لا ينزل). [معاني القرآن: 1/392-395]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {المحراب}: الفرفة). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {حصوراً} أي: لا يأتي النساء). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({في المحراب} , أي: الغرفة, كذا ذكر المفسرون, {وسيداً وحصوراً} , السيد: الحليم, والحصور: الذي لا يأتي النساء، وهو بمعنى مفعول، كركوب وحلوب, (الآية): العلامة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيِّداً}: حليماً, {حَصُوراً}: لا يقرب النساء). [العمدة في غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقد بلغني الكبر}, أي: بلغت الكبر، والعرب تصنع مثل هذا، تقول: هذا القميص لا يقطعنى, أي: أنت لا تقطعه، أي: إنه لا يبلغ ما أريد من تقديرٍ.
{عاقرٌ}: العاقر: التي لا تلد، والرجل العاقر: الذي لا يولد له، قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً= جباناً فما عذرى لدى كل محضر). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء}
قال تعالى: {وقد بلغني الكبر}, كما تقول "وقد بلغني الجهد" , أي: أنا في الجهد والكبر). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (العاقر): من الرجال والنساء الذي لا يولد له). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال الأخطل:
عَلَى العَيَارَاتِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ = نَجْرَانُ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ
وكان الوجه أن يقول: (سوآتُهم- بالرفع- نجرانَ وهجرَ) فقلب، لأن ما بلغته فقد بلغك.
قال الله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} أي: بلغته.
وقال آخر:
قد سالَمَ الحيَّاتِ مِنْهُ القدَمَا = الأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا
(فنصب) الأفعوان والشجاع، وكان الوجه أن يرفعهما، لأن ما حالفته فقد حالفك، فهما فاعلان ومفعولان.
وقال الشمّاخ يذكر أباه:
منه وُلِدتُ ولَمْ يُؤْشَب به حَسَبي = لَمًّا، كَما عُصِبَ العِلبَاءُ بالعُودِ
وكان الوجه أن يقول: (كما عصب العود بالعلباء) فقلب، لأنك قد تقول: عصبت العلباء على العود، كما تقول: عصبت العود بالعلباء.
وقال ذو الرّمّة:
وتكسو المجنَّ الرَّخو خَصْرًا كأَنَّه = إِهَانٌ ذَوَى عَن صُفْرَةٍ فَهْوَ أَخْلَقُ
وكان الوجه أن يقول: (وتكسو الخصر مجنا) فقلب، لأنّ كسوت يقع على الثوب، وعلى الخصر، وعلى القميص ولابسه، تقول: كسوت الثوب عبد الله، وكسوت عبد الله الثوب.
وقال أبو النّجم:
قبل دنوّ الأفق من جوزائه
وكان الوجه أن يقول: (قبل دنوّ الجوزاء من الأفق) فقلب، لأن كل شيء دنا منك فقد دنوت منه.
وقال الرّاعي يصف ثورا:
فصَبَّحَتْهُ كلابُ الغوثِ يُوسِدُها = مستوضِحون يرون العينَ كالأثرِ
وكان الوجه أن يقول: (يرون الأثر كالعين) لعلمهم بالصيد وآثاره فقلب، لأنهم إذا رأوا الأثر كالعين، فقد رأوا العين كالأثر.
وقال النابغة:
وقد خِفْتُ حتى ما تزيد مَخافتي = على وَعِلٍ في ذي المطَارَةِ عَاقِلِ
وكان الوجه أن يقول: (حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي) فقلب، لأن المخافتين استوتا.
وقال رؤبة بن العجّاج:
ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجاؤُه
كأنّ لون أرضِهِ سَمَاؤُه
وكان الوجه أن يقول: (كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه) فقلب، لأن اللونين استويا.
وقال الآخر:
وصار الجمرُ مثلُ ترابها
أي: صار ترابها مثل الجمر). [تأويل مشكل القرآن:194-197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {قال ربّ أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء (40)}, أي: كيف يكون لي غلام.
قال الكميت:
أنّى ومن أين آبك الطرب من= حيث لا صبوة ولا لعب
أي: كيف ومن أين آبك الطرب, ويقال: كلام بين الغلوميّة, والغلاميّة, والغلومة.
وقوله جلّ وعلا: {وقد بلغني الكبر}, بمعنى: قد بلغت الكبر, وفي موضع آخر: {وقد بلغت من الكبر عتيّا}, وكل شيء صادفته, وبلغته, فقد صادفك وبلغك.
ومعنى {كذلك اللّه يفعل ما يشاء}, أي: مثل ذلك يفعل اللّه الّذي يشاؤه, وإنّما سأل زكريا؛ لأنّه أحبّ أن يعلم : أيأتيه الولد وامراته عاقر وهو مسنّ؟, أم يجعله الله على هيئة من يولد له, ويجعل امرأته كذلك؟, أم يأتيها الولد , وهما على الهيئة التي لا يكون معها ولد؟, فأعلمهما اللّه أنّ ذلك هيّن عليه كما أنشأهما, ولم يكونا شيئاً, وأنه يعطيهما الولد, وهما في هذا السن.
ويقال في {عاقر} , قد عقرت المرأة , وعقرت، وهي عاقر، وهذا دليل أنّ عاقراً وقع على جهة النسب، لأنّ فعلت أسماء الفاعلين فيه على فعيلة, نحو : ظرفت, فهي ظريفة، وإنما عاقر له : ذات عقر، ويقال: قد عقر الرجل يعقر عقراً؛ إذا انقطع عليه الكلام من تعب , وكلال.
والعقار: كل مال له أصل, وقد قيل: إن النخل خاصّة يقال له: عقار, وعقر دار قوم أصل مقامهم الذي عليه معوّلهم، وإذا انتقلوا عنه لنجعة, فرجوعهم إليه.
ويروى عن علي إنّه قال: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا، أي: ما غزوا في المكان الذي هو أصل لمقامهم). [معاني القرآن: 1/408-409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرا}, يقال: كيف استنكر هذا, وهو نبي يعلم أن الله يفعل ما يريد
ففي هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله, وكذلك قيل في قول مريم:{أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر }

والجواب الآخر: أن زكريا أراد أن يعلم هل يرد شاباً, وهل ترد امرأته, وهل يرزقهما الله ولداص من غير رد أو من غيرها؟, فأعلم الله عز وجل أنه يرزقهما ولدا من غير رد فقال عز وجل: {كذلك يفعل الله ما يشاء}
ويقال: عقرت المرأة إذا لم تحمل, وعقر الرجل إذا لم يولد له, والذكر والأنثى عاقر). [معاني القرآن: 1/395-396]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَاقِرٌ}: لا تلد). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألاّ تكلّم النّاس...}, إذا أردت الاستقبال المحض نصبت (تكلّم) , وجعلت (لا) على غير معنى ليس, وإذا أردت: آيتك أنك على هذه الحال ثلاثة أيام رفعت، فقلت: أن لا تكلّم الناس؛ ألا ترى أنه يحسن أن تقول: آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً, والرمز يكون بالشفتين, والحاجبين, والعينين, وأكثره في الشفتين, كلّ ذلك رمز). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلاّ رمزاً}: باللسان من غير أن يبين، ويخفض بالصوت مثل همسٍ.
{والإبكار}: مصدر من قال: أبكر يبكر، وأكثرها: بكرّ , يبكرّ, وباكر). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ اجعل لّي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً واذكر رّبّك كثيراً وسبّح بالعشيّ والإبكار}
قال: {ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً}, يريد: "أن لا تكلّم الناس إلاّ رمزاً" , وجعله استثناء خارجاً من أول الكلام, والرمز: الإيماء). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا رمزا}: قال المفسرون: الإشارة باليد وقالوا تحريك الشفتين). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({اجعل لي آيةً}, أي: علامة, قال: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلّا رمزاً} , أي: وحياً, وإيماء باللسان, أو باليد, أو بالحاجب, يقال: رمز فلان لفلانة، إذا أشار بواحدة من هذه, ومنه قيل للفاجرة: رامزة ورمّازة، لأنها ترمز وتومئ، ولا تعلن.
قال قتادة: إنما كان عقوبة عوقب بها،إذا سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بشّر به). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الوَحْيُ: كُلُّ شَيْءٍ دَلَلْتَ به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
وقال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، أي: أشار إليهم وأومأ.
وقال بعض المفسرين: كتب إليهم.
قال أبو محمد: والتفسير الأول أعجب ُإليَّ، لأنه قال في موضع آخر: {آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}.
والرمز: تحريك الشفتين أو الحاجبين أو العينين، ولا يكون كتابا). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قال ربّ اجعل لي آية قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا واذكر ربّك كثيرا وسبّح بالعشيّ والإبكار (41)}.
ومعنى {ربّ اجعل لي آية}, أي: علامة أعلم بها الوقت الذي تهب له فيه الغلام.
{قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا}, أي: علامة ذلك أن يمسك لسانك عن الكلام وأنت صحيح سوي,
وقال في موضوع آخر: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاث ليال سويّا}, أي: وأنت سوي.

ومعنى الرمز: تحريك الشفتين باللفظ من غير إبانة بصوت ؛ إنما هو إشارة بالشفتين، وقد قيل: أن الرمز هو إشارة بالعينين، أو الحاجبين والفم، والرمز في اللغة: كل ما أشرت به إلى بيان بلفظ، أي: بأي شيء أشرت، أبفم , أم بيد, أم بعينين, والرّمز والترمز في اللغة: الحركة والتحرك.
وقوله عزّ وجلّ: {وسبّح بالعشيّ والإبكار}, قيل سبّح: صل، ويقال: فرغت من سبحتي من صلاتي، وإنما سميت الصلاة تسبيحاً؛ لأن التسبيح تعظيم الله, وتبرئته من السوء, فالصّلاة يوحّد الله فيها ويحمد، ويوصف بكل ما يبرئه من السوء, فلذلك سمّيت الصلاة : السّبحة.
والإبكار يقال فيه: أبكر الرجل يبكر إبكاراً, وبكر يبكر تبكيراً, وبكر يبكر في كل شيء يتقذم فيه، وقول الناس فيما تقدم من الثمار: " قد هرف " خطأ، إنما هي كلمة تبطئة، وإنما تقول العرب في مثل ذلك: قد بكّر، ويسمّى ما يكون منه : الباكورة). [معاني القرآن: 1/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب اجعل لي آية} ,أي: علامة.
{قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا}, قال قتادة: إنما عوقب بهذا؛ لأنه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة
وقال مجاهد: الرمز تحرك الشفتين.
وقال الضحاك : الرمز تحريك اليدين ,والرأس.
والرمز في اللغة: الإشارة كانت بيد, أو رأس, أو حاجب, أو فم, يقال: رمز, أي: أشار, ومنه سميت الفاجرة: رامزة, ورمازة؛ لأنها تومئ, ولا تعلن.

ثم قال تعالى: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} , وقرئ (الأبكار) , وهو جمع بكر, ويقال: بكر, وبكر, وابتكار, وأبكر إذا جاء في أول الوقت, ومنه سميت الباكورة .
ويقال: أبكر إذا خرج من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى, والعشي من حين نزول الشمس إلى أن تغيب, وهو معنى قول مجاهد). [معاني القرآن: 1/396-398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والرمز: الإشارة). [ياقوتة الصراط: 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا رمزا}, أي: إشارة باليد، أو بالحاجب، أو باللسان, وقيل: هو تحريك الشفتين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّمْز}: الإشارة). [العمدة في غريب القرآن: 99]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الايات من 42 إلى 51]

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ قالت الملائكة} مثل: قالت الملائكة). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ) : ({وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}, قال: {وإذ قالت الملائكة يا مريم} , فـ"إذ" ههنا ليس له خبر في اللفظ). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}
معنى {اصطفاك}: اختارك، وقالوا في طهّرك: طهّرك من الحيض , والنفاس , ومعنى: طهّرك -واللّه أعلم - أي: جعلك طاهرة من سائر الأدناس إلا أنّ الأول قد جاء في التفسير.
وقيل إن معنى {اصطفاك على نساء العالمين}, أي: على نساء أهل دهرها,
وجائز أن يكون: على نساء العالمين كلهم، أي: اختارك لعيسى على نساء العالمين كلهم، فلم يجعل مثل عيسى من امرأة من نساء العالمين).
[معاني القرآن: 1/410]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك}, أي: اختارك, وطهرك من الأدناس, وقيل: من الحيض, {واصطفاك على نساء العالمين},فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى على أهل زمانها,
والقول الآخر: على جميع النساء بعيسى., فليس مولود ولد من غير ذكر إلا عيسى عليه السلام).
[معاني القرآن: 1/398]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين}
ومعنى {اقنتي لربّك},أي: اعبديه بالقول, والعمل.
{واسجدي واركعي} معنى الركوع: قيل: السّجود, المعنى: اركعي, واسجدي، إلا أن الواو إذا ذكرت, فمعناها: الاجتماع، وليس فيها دليل أن أحد الشيئين قبل الآخر؛ لأنها تؤذن بالاجتماع، والعمل، والحال تدل على تقدم المتقدّم من الاثنين). [معاني القرآن: 1/410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك} , قيل: القنوت ههنا: القيام , وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : ما أفضل الصلاة ؟, فقال: ((طول القنوت)), أي: طول القيام, وسمي: الدعاء
قنوتاً؛ لأنه يدعى به في القيام.
وروى عمرو بن الحارث, عن دراج, عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة)).
ثم قال تعالى: {واسجدي واركعي مع الراكعين}, وفي هذا جوابان: فبدأ بالسجود قبل الركوع, وفي هذا جوابان:
أحدهما: أن في شريعتهم السجود قبل الركوع.
والقول الآخر: أن الواو تدل على الاجتماع , فإذا قلت: قام زيد وعمر, جاز أن يكون عمر قبل زيد, فعلى هذا يكون المعنى: واركعي واسجدي, ولهذا أجاز النحويون: قام وزيد عمرو, وأنشدوا:
ألا يا نخلة من ذات عرق = عليك ورحمة الله السلام). [معاني القرآن: 1/398-400]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من أنباء الغيب}: من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
{وما كنت لديهم}, أي: عندهم.
{أقلامهم}: قداحهم, {يكفل}, أي: يضمّ). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}
قال الله تعالى: {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}؛ لأنّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول: "أزيدٌ في الدّار"؟, و: "لتعلمنّ أزيدٌ في الدّار",
وقال: {لنعلم أيّ الحزبين}, أي: لننظر, وقال تعالى: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً}, وأمّا قوله: {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً}, فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول؛ لأن قوله: {لننزعنّ} ليس بطلب علم, ولكن لما فتحت "من" و"الذي" في غير موضع "أي" صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها, تركت على لفظ واحد وهو الضم , وليس بإعراب, وجعل {أشدّ} من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس.
وقالوا: "إذا تكلّم بها فإنّه لا يكون فيها إلاّ الأعمال". وقد قرئ {تماماً على الّذي أحسن} فرفعوا, وجعلوه من صلة "الذي" , وفتحه على الفعل أحسن, وزعموا أن بعض العرب قال: "ما أنا بالّذي قائلٌ لك شيئاً" , فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا "ما نحن بالّلذين قائلان لك شيئاً").
[معاني القرآن: 1/169-170]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إذ يلقون أقلامهم}: الأقلام القداح التي كانوا يستقسمون بها والقدح السهم). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({يلقون أقلامهم} , أي: قداحهم، يقترعون على مريم, أيّهم يكفلها ويحضنها, والأقلام, واحدها قلم, وهي: الأزلام أيضاً, واحدها زلم وزلم). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}, أي: الأخبار التي قصصناها عليك في زكريا, ويحيى, ومريم , وعيسى من أنباء الغيب، أي: من أخبار ما غاب عنك، وفي هذا دليل على تثبيت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأ بما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي, وقد أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً.
فإنباؤه إياهم بالأخبار التي في كتبهم علي حقيقتها من غير قراءة الكتب دليل على أنه نبي, وأن اللّه أوحى إليه بها.
ومعنى {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم},أي: هذا أيضاً مما لم تحضره , ومعنى (الأقلام) ههنا القداح , وهي قداح جعلوا
عليها علامات يعرفون بها أيهم يكفل مريم على جهة القرعة, وإنما قيل للسهم القلم؛ لأنه يقلم, أي: يبرى، وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته، من ذلك القلم الذي يكتب به، إنما سمي؛ لأنه قلم مرة بعد مرة، ومن هذا قلمت أظافري.
ومعنى {أيّهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم، وهو الضمان للقيام بأمرها، ومعنى {لديهم}: عندهم, وبحضرتهم.
{إذ يختصمون}: إذ نصب بقوله {ما كنت لديهم}, و (إذ) الثانية معلقة بـ (يختصمون) , أي: إذ يختصمون إذ قالت الملائكة، فإذ منصوبة بـ {يختصمون}.
ويكون المعنى: أنهم اختصموا بسبب مريم, وعيسى، وجائز أن يكون نصب إذ على {وما كنت لديهم}.
(إذ قالت الملائكة), هذا أيضاً مما لم يشاهده). [معاني القرآن: 1/410-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك}, أي: من أخبار ما غاب عنك, ثم قال تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم} , لديهم: معناه عندهم.
قيل الأقلام : السهام يتقارعون بها, وسمي السهم قلماً, لأنه يقلم , أي: يبرى.
ثم قال تعالى: {أيهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم, وفي الكلام حذف, أي: إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها). [معاني القرآن: 1/400]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إذ يلقون أقلامهم} أي: قداحهم، يقترعون من يكفل مريم, وقيل: هي الأزلام، واحدها زلم وزلم، وقيل: هي أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأَقْلاَمَ}: السهام). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه...}
مما ذكرت لك في قوله: {ذرّيّةً طيّبةً}, قيل فيها اسمه بالتذكير للمعنى، ولو أنّث كما قال {ذرّيّةً طيّبةً} , كان صواباً.
وقوله: {وجيهاً} قطعاً من عيسى، ولو خفضت على أن تكون نعتاً للكلمة لأنها هي عيسى, كان صواباً). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بكلمةٍ منه}: الرسالة، هو ما أوحى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولداً.
{وجيهاً}: الوجيه: الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
قوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك}, و{يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً}, وأشباه هذا في "إذ" , و"الحين", وفي "يوم" كثير, وإنما حسن ذلك للمعنى؛لأن القرآن إنما أنزل على الأمر, والذي كأنه قال لهم: "اذكروا كذا وكذا", وهذا في القرآن في غير موضع و"اتّقوا يوم كذا" , أو"حين كذا".
وقال تعالى: {اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً} نصبه على الحال, {ومن المقرّبين} عطف على {وجيهاً},
وكذلك {وكهلاً} معطوف على {وجيهاً} ؛ لأن ذلك منصوب,
وأما قوله تعالى: {بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح}, فإنه جعل "الكلمة" هي "عيسى"؛ لأنه في المعنى كذلك كما قال: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا}, ثم قال: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها}, وكما قالوا: "ذو الثديّة"؛ لأن يده كانت مثل الثدي, كانت قصيرة قريبة من ثديه, فجعلها كأن اسمها "ثديّة", ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير).
[معاني القرآن: 1/171]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({المسيح}: في التفسير الصديق). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({وجيهاً في الدّنيا والآخرة}, أي: ذا جاه فيهما). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
سمّى اللّه عزّ وجلّ عيسى المسيح، وسمّاه عيسى، وسمي ابتداء أمره كلمة {منه}, فهو صلى الله عليه وسلم كلمة من اللّه, ألقاها إلى مريم، ثم كوّن تلك الكلمة بشراً.
وقوله جلّ وعزّ: {اسمه}, وإنما جرى ذكر الكلمة؛ لأن معنى الكلمة معنى الولد، المعنى أن اللّه يبشرك بهذا الولد، {وجيها في الدّنيا والآخرة}.
{وجيها} منصوب على الحال، والوجيه: الذي له المنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة، ويقال: قد وجه الرجل يوجه وجاهة، ولفلان جاه عند الناس ووجاهة عند الناس، أي: منزلة رفيعة.
وقال بعض النحويين: {وجيها} منصوب على القطع من عيسى، وقطع ههنا: كلمة محال؛ لأنه إنما بشر به في هذه الحال، أي : في حال فضله, فكيف يكون قطعها منه، ولم يقل لم نصب هذا القطع، فإن كان القطع إنما هو معنى، فليس ذلك المعنى موجوداً في هذا اللفظ، وإن كان القطع هو العامل , فما بينّ ما هو، وإن كان أراد أن الألف واللام قطعاً منه فهذا محال ؛ لأنّ جميع الأحوال نكرات, والألف واللام لمعهود، فكيف يقطع من الشيء ما لم يكن فيه قط). [معاني القرآن: 1/411-412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين}, الوجيه الذي له القدر , والمنزلة الرفيعة يقال: لفلان جاه وجاهة, وقد وجه يوجه وجاهة). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمَسِيحُ}: الصِّدِّيق). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلاً...}, والكهل مردود على الوجيه, {ويكلّم النّاس} ولو كان في موضع {ويكلّم}, ومكلماً كان نصباً, والعرب تجعل يفعل وفاعلٌ إذا كانا في عطوف مجتمعين في الكلام، قال الشاعر:
بتّ أعشّيها بغضبٍ باتر = يقصد في أسوقها وجائر
وقال آخر:
من الذّريحيّات جعدا آركا= يقصر يمشي ويطول باركا
كأنه قال: يقصر ماشياً فيطول باركاً, فكذلك (فعل) إذا كانت في موضع صلة لنكرة أتبعها (فاعل) وأتبعته, تقول في الكلام: مررت بفتىً ابن عشرين, أو قد قارب ذلك، ومررت بغلام قد احتلم , أو محتلمٍ؛ قال الشاعر:
يا ليتني علقت غير خارج =قبل الصباح ذات خلقٍ بارج
= أمّ الصبيّ قد حبا أو دارج =). [معاني القرآن: 1/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلا ومن الصّالحين}و, معطوف على {وجيهاً}، المعنى: يبشرك به وجيهاً, ومكلماً الناس في المهد,
وجائز أن: يعطف يفعل على فاعل، لمضارعه بفعل فاعل.

قال الشاعر:
بات يعيشها بغضب باتر= يقصد في أسواقها وجائر
{وكهلاً}, أي: ويكلم الناس كهلاً, أعلمها اللّه أن عيسى يبقى إلى حال الكهولة.
وقيل: إن كهلاً، أي: ينزل من السماء لقتل الرجال, وهو كهل, واللّه أعلم). [معاني القرآن: 1/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين}
يقال: اكتهل النبت إذا تم, والكهل ابن الأربعين, أو ما قاربها .
وقال يزيد بن أبي حبيب :الكهل: منتهى الحلم.
والفائدة في قوله تعالى: {وكهلاً},أنه خبرها أنه يعيش إلى أن يصير كهلاً). [معاني القرآن: 1/401]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}, أما قوله: {كذلك اللّه} , فكسر الكاف؛ لأنها مخاطبة امرأة, وإذا كانت الكاف للرجل فتحت, قال للمؤنث: {واستغفري لذنبك إنّك كنت من الخاطئين}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون},
ومعنى {كذلك اللّه يخلق ما يشاء}
أي: يخلق الله ما يشاء مثل ذلك). [معاني القرآن: 1/412-413]

تفسير قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, قوله: {ويعلّمه الكتاب والحكمة}, موضع نصب على {وجيهاً}, و{رسولاً}, معطوف على {وجيهاً}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, أي: يعلمه ذلك وحياً, وإلهاماً). [معاني القرآن: 1/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} قيل: يعني إلهاماً). [معاني القرآن: 1/402]

تفسير قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كهيئة الطّير فأنفخ فيه...}, يذهب إلى الطين، وفي المائدة {فتنفخ فيها}ذهب إلى الهيئة، فأنث لتأنيثها، وفي إحدى القراءتين (فأنفخها), وفي قراءة عبد الله: (فأنفخها) بغير في، وهو مما تقوله العرب: ربّ ليلة قد بتّ فيها وبتّها.
ويقال في الفعل أيضاً:
= ولقد أبيت على الطوى وأظلهّ =
تلقى الصفات, وإن اختلفت في الأسماء والأفاعيل, وقال الشاعر:
إذا قالت حذام فأنصتوها = فإن القول ما قالت حذام
وقال الله تبارك وتعالى وهو أصدق قيلا: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}, يريد: كالوا لهم، وقال الشاعر:
ما شقّ جيب ولا قامتك نائحة = ولا بكتك جياد عند أسلاب
وقوله: {وما تدّخرون} , هي تفتعلون من ذخرت، وتقرأ (وما تدخرون) خفيفة على تفعلون، وبعض العرب يقول: تدّخرون , فيجعل الدال, والذال يعتقبان في تفتعلون من ذخرت، وظلمت تقول: مظّلم ومطّلم، ومذّكر ومدّكر، وسمعت بعض بني أسد يقول: قد اتّغر، وهذه اللغة كثيرة فيهم خاصّة. وغيرهم: قد اثّغر.
فأمّا الذين يقولون: يدّخر, ويدّكر, ومدّكر؛ فإنهم وجدوا التاء إذا سكنت, واستقبلتها ذال, دخلت التاء في الذال , فصارت ذالاً، فكرهوا أن تصير التاء ذالاً, فلا يعرف الافتعال من ذلك، فنظروا إلى حرف يكون عدلاً بينهما في المقاربة، فجعلوه مكان التاء, ومكان الذال.
وأمّا الذين غلّبوا الذال: فأمضوا القياس، ولم يلتفتوا إلى أنه حرف واحد، فأدغموا تاء الافتعال عند الذال, والتاء, والطاء.
ولا تنكرنّ اختيارهم الحرف بين الحرفين؛ فقد قالوا: ازدجر, ومعناها: ازتجر، فجعلوا الدال عدلاً بين التاء والزاي,
ولقد قال بعضهم: مزجّر، فغلّب الزاي كما غلّب التاء, وسمعت بعض بني عقيل يقول: عليك بأبوال الظباء, فاصّعطها ؛ فإنها شفاء للطحل، فغلب الصاد على التاء، وتاء الافتعال تصير مع الصاد , والضاد طاء، كذلك الفصيح من الكلام , كما قال الله عز وجل: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ}, ومعناها: افتعل من الضرر, وقال الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها} , فجعلوا التاء طاء في الافتعال). [معاني القرآن: 1/216]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الأكمه): الذي يولد من أمه أعمى، قال رؤبة:
وكيد مطّالٍ وخصمٍ مندهٍ= هرّجت فارتدّ ارتداد الأكمه
هرّجته حتى هرج، مثل: هرج الحرّ). [مجاز القرآن: 1/93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأكمه}: الذي يولد وهو أعمى).[غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({الأكمه}: الذي يولد أعمى, والجمع كمه). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}, ونصب {ورسولا إلى بني إسرائيل} على وجهين:
أحدهما: ويجعله رسولاًإلى بني إسرائيل،
2- والاختيار عندي - واللّه أعلم -: ويكلم الناس رسولاً إلى بني إسرائيل, والدليل على ذلك: أنّه قال: {أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم}, فالمعنى - واللّه أعلم - ويكلمهم رسولاً بأني قد جئتكم بآية من ربكم، ولو قرئت إني قد جئتكم - بالكسر - كان صواباً, المعنى: إني قد جئتكم بآية من ربكم , أي: بعلامة تثبت رسالتي.

وقوله جلّ وعزّ: {أنّي أخلق لكم من الطّين}, يصلح أن يكون خفضاً, ورفعاً, فالخفض على البدل من (آية) , المعنى: جئتكم بأنّي أخلق لكم من الطّين،
وجائز أن يكون: {إنّي أخلق لكم من الطّين}, يخبرهم بهذه الآية : ما هي؟, أي: أقول لكم أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطير.

يقال: إنّه صنع؛ كهيئة الخفاش , ونفخ فيه , فصار طيراص,
وجاز أن يكون" فأنفخ فيه للفظ الطين، وقال في موضع آخر: {فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني}, للفظ الهيئة.

{وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن اللّه}: {الأكمه} :الذي يولد أعمى.
قال الراجز:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
وقوله عزّ وجلّ: {وأنبّئكم بما تأكلون}, أي: أخبركم بمأكولكم، فجائز أن تكون (ما) ههنا في موضع الذي.
والمعنى: أنبئكم بالذي تأكلونه, وتدخرونه، ويجوز أن يكون " ما ", وما وقع بعدها بمنزلة المصدر.
المعنى: أنبئكم بأكلكم, وادخاركم, والأول أجود.
ومعنى تدخرون: جاء في التفسير ما تأكلون في غدوكم, وتدخرون بالدال والذال.
وقال بعض النحويين: إنما اختير تدخرون ؛ لأن التاء تدغم في الذال نحو تذكرون، فكرهوا تذخرون؛ لأنه لا يشبه ذلك، فطلبوا حرفاً بين التاء والذال, فكان ذلك الحرف الدال
وهذا يحتاج صاحبه إلى أن يعرف الحروف المجهورة والمهموسة: وهي فيما زعم الخليل ضربان: فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه، والمهموس حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه , وجرى معه النفس.
وإنما قيل {تدّخرون} , وأصله: تذخرون، أي: يفتعلون من الذخر؛ لأن الذال حرف مجهور لا يمكن النفس أن يجري معه لشدة اعتماده في مكانه, والتاء مهموسة، فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور يشبه الذال في جهرها, وهو الدال.
فصار تذدخرون, ثم أدغمت الذال في الدال، وهذا أصل الإدغام أن تدغم الأول في الثاني، وتذخرون جائز - فأما ما قال في الملبس فليس تذخرون ملبسا بشيء). [معاني القرآن: 1/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}
{الأكمه }, قال مجاهد: هو الذي يبصر في النهار, ولا يبصر في الليل ,فهو يتكمه.
قال الكسائي: يقال: كمه يكمه كمها, وقال الضحاك: هو الأعمى.
قال أبو عبيدة: هو الذي يولد أعمى, وأنشد لرؤبة:
= هرجت فارتد ارتداد الأكمه
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}
يجوز أن يكون معنى: الكل, وأنشد للبيد:
تراك أمكنه إذا لم أرضها = أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة ؛ لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل .
وقال أبو العباس: معنى أو يرتبط بعض النفوس, أو يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه, أي: أنا أعرفه، ومعنى الآية على بعضها: لأن عيسى إنما أحل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم , وغيرها , ولم يحل لهم القتال, ولا السرقة , ولا الفاحشة منها .
والدليل على هذا: أنه روي عن قتادة أنه قال: جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما؛ لأن موسى جاءهم بتحريم الإبل, وأشياء من الشحوم, فجاءهم عيسى بتحليل بعضها). [معاني القرآن: 1/402-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و{الأكمه}: الذي يولد أعمى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأكْمَهَ}: الذي يولد أعمى). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومصدّقاً...}, نصبت (مصدّقا) على فعل (جئت)، كأنه قال: وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة، وليس نصبه بتابع لقوله (وجيهاً) ؛ لأنه لو كان كذلك لكان (ومصدّقا لما بين يديه).
وقوله: {ولأحلّ لكم} الواو فيها بمنزلة قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين}). [معاني القرآن: 1/216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, بعض يكون شيئاً من الشيء، ويكون كلّ الشيء، قال لبيد بن ربيعة:
تراك أمكنةٍ إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فلا يكون الحمام ينزل ببعض النفوس، فيذهب البعض، ولكنه يأتي على الجميع). [مجاز القرآن: 1/94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومصدّقاً لّما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, قال تعالى: {ومصدّقاً لّما بين يديّ} على قوله: {وجئتكم}, {مصدّقاً لّما بين يديّ}, {رسولاً}؛لأنه قال: {قد جئتكم بآيةٍ مّن رّبّكم}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{ومصدّقا لما بين يديّ من التّوراة ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم فاتّقوا اللّه وأطيعون}, نصب {مصدّقاً} على الحال، المعنى: وجئتكم مصدقاً لما بين يدي , أي: للكتاب الذي أنزل قبلي فهو أمري أن تتبعوني.
{ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم وجئتكم بآية من ربّكم}, أي: لم احل لكم شيئا بغير برهان، فهو حق عليكم اتباعي؛ لأني أنبئكم ببرهان، وتحليل طيبات كانت حرمت عليكم.
(فاتّقوا اللّه وأطيعون) أي: اتبعوني.
قال أبو عبيدة: معنى: {ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم}, قال معناه: كل الذي حرم عليكم، وهذا مستحيل في اللغة, وفي التفسير, وما عليه العمل, فأمّا استحالته في اللغة ؛ فإن البعض والجزء لا يكون الكل , وأنشد في ذلك أبو عبيدة بيتاص غلط في معناه , وهو قول لبيد:
تراك منزلة إذا لم أرضها= أو يعتلق بعض النفوس حمامها
قال: المعنى " أو يعتلق كل النفوس حمامها" , وهذا كلام تستعمله الناس، يقول القائل: بعضنا يعرفك يريد أنا أعرفك، فهذا إنما هو تبعيض صحيح, وإنما جاءهم عيسى بتحليل ما كان حراماً عليهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}, وهي نحو الشحوم وما يتبعها في التحريم، فأما أن يكون أحل لهم القتل, والسرقة, والزنا فمحال). [معاني القرآن: 1/415]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مّستقيمٌ}, قال: {إنّ اللّه ربّي وربّكم} , فـ{إنّ} على الابتداء,
وقال بعضهم {أنّ}, فنصب على {وجئتكم بأنّ اللّه ربّي وربّكم}, هذا معناه).
[معاني القرآن: 1/171-172]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى:{إنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}
{هذا صراط مستقيم}، أي: هذا طريق الدين مستوياً). [معاني القرآن: 1/416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فاعبدوه هذا صراط مستقيم}, أي: هذا طريق واضح). [معاني القرآن: 1/404]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 52 إلى 58]

{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر...}, يقول: وجد عيسى.
والإحساس: الوجود، تقول في الكلام: هل أحسست أحداً, وكذلك قوله: {هل تحسّ منهم من أحدٍ}, فإذا قلت: حسست، بغير ألف, فهي في معنى الإفناء والقتل, من ذلك قول الله عز وجل: {إذ تحسّونهم بإذنه}, والحسّ أيضاً: العطف والرقّة؛ كقول الكميت:

هل من بكى الدار راجٍ أن تحسّ له = أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل
وسمعت بعض العرب يقول: ما رأيت عقيليّاً إلا حسست له، وحسست لغة, والعرب تقول: من أين حسيت هذا الخبر؟, يريدون: من أين تخبّرته؟, وربما قالوا حسيت بالخبر, وأحسيت به، يبدلون من السين ياء, كقول أبي زبيد.
= حسين به فهنّ إليه شوس =
وقد تقول العرب: ما أحست بهم أحداً, فيحذفون السين الأولى، وكذلك في وددت، ومسست وهممت، قال: أنشدني بعضهم:
هل ينفعنك اليوم إن همت بهمّ = كثرة ما تأتى وتعقاد الرتم
وقوله: {من أنصاري إلى اللّه}, المفسّرون يقولون: من أنصاري مع الله، وهو وجه حسن, وإنما يجوز أن تجعل (إلى) موضع (مع) إذا ضممت الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه؛ كقول العرب: إن الذود إلى الذود إبل؛ أي: إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلاً, فإذا كان الشيء مع الشيء لم تصلح مكان مع إلى، ألا ترى أنك تقول: قدم فلان, ومعه مال كثير، ولا تقول في هذا الموضع: قدم فلان, وإليه مال كثير, وكذلك تقول: قدم فلان إلى أهله، ولا تقول: مع أهله، ومنه قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}, معناه: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم.
والحواريّون كانوا خاصّة عيسى, وكذلك خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع عليهم الحواريّون, وكان الزبير يقال له: حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وربما جاء في الحديث لأبي بكر وعمر, وأشباههما حواريّ, وجاء في التفسير أنهم سمّوا حواريين: لبياض ثيابهم). [معاني القرآن: 1/217-218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر}, أي: عرف منهم الكفر.
{قال من أنصاري إلى الله}, أي: من أعواني في ذات الله.
{قال الحواريّون}: صفوة الأنبياء الذين اصطفوهم، وقالوا: القصّارون؛ والحواريات: من النساء اللاتى لا ينزلن البادية، وينزلن القرى، قال الحادي:
لما تضمّنت الحواريّات= وقال أبو جلدة اليشكرىّ:
وقل للحواريات تبكين غيرنا= ولا تبكنا إلاّ الكلاب النوابح). [مجاز القرآن: 1/94-95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون}
قال تعالى: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر}؛ لأنّ هذا من "أحسّ" , "يحسّ", "إحساساً", وليس من قوله: {تحسّونهم بإذنه} إذ ذلك من "حسّ" "يحسّ" "حسّاً", وهو في غير معناه؛ لأن معنى حسست: قتلت, وأحسست هو: ظننت). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): {الحواريون}: قال بعض المفسرين: هم صفوة الأنبياء.
ويقال في القصارين الحواريين لتبيض الثياب ومنه سمي الدقيق الحواري.
وقال أنه سموا لبياض ثيابهم الحواريين وكانوا صيادين، ويقال حرت الثوب، أي: غسلته وبيضته وأحورت القدر إذ ا أبيض لحمها قبل النضج والعين الحوراء النقية المحاجر، وقالوا شديدة بياض البياض وسواد السواد ويقال للنساء اللواتي ينزلن القرى ولا يكن بالبادية حواريات).
[غريب القرآن وتفسيره:105-106]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال من أنصاري إلى اللّه}, أي: من أعواني مع اللّه؟). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): («إلى» مكان «مع»
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}، أي: مع أموالكم. ومثله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، أي: مع الله.
والعرب تقول: الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أي مع الذَّوْدِ.
قال ابن مفرِّغ:
شَدَخَتْ غُرَّةُ السَّوابِقَ فِيهِمْ = فِي وُجُوهٍ إِلَى اللِّمَام ِالجِعَادِ
أراد مع اللِّمَامِ الجِعَادِ). [تأويل مشكل القرآن: 571]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون}
معنى أحسّ في اللغة: علم ووجد، ويقال: هل أحست في معنى هل أحسست ؟, ويقال: حسيت بالشيء إذا علمته وعرفته , وأنشد الأصمعي:
سوى أنّ العتاق من المطايا= أحسن به فهنّ إليه شوس
ويقال: حسّم القائد، أي: قتلهم.
ومعنى {من أنصاري إلى اللّه}:
جاء في التفسير: من أنصاري مع اللّه، و (إلى) ههنا إنما قاربت (مع) معنى بأن صار اللفظ لو عبر عنه بـ " مع " أفاد مثل هذا المعنى، لا أن (إلى) في معنى " مع " , لو قلت ذهب زيد إلى عمرو, لم يجز ذهب زيد مع عمرو، لأن (إلى) غاية, و ( مع ) تضم الشيء إلى الشيء, فالمعنى: يضيف نصرته إياي إلى نصرة اللّه, وقولهم إنّ، (إلى) في معنى (مع) ليس بشيء. والحروف قد تقاربت في الفائدة, فيظن الضعيف العلم باللغة أن معناهما واحد.
من ذلك قوله جلّ وعزّ: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل}, ولو كانت (على) ههنا؛ لأدّت هذه الفائدة، لأنك لو قلت لأصلبنكم على جذوع النخل كان مستقيما.
وأصل (في) إنما هو للوعاء، وأصل " على " لما مع الشيء كقولك: التمر في الجراب, ولو قلت التمر على الجراب لم يصلح في هذا المعنى،
ولكن جاز {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} ؛ لأن الجذع يشتمل على المصلوب، لأنه قد أخذه من أقطاره, ولو قلت زيد على الجبل , وفي الجبل يصلح؛ لأن الجبل قد اشتمل على زيد، فعلى هذا مجاز هذه الحروف.

وقوله جلّ وعزّ: {قال الحواريّون نحن أنصار اللّه}, قال الحذاق باللغة: {الحواريون}: صفوة الأنبياء عليهم السلام الذين خلصوا, وأخلصوا في التصديق بهم, ونصرتهم, فسماهم الله جلّ وعزّ: {الحواريون}, وقد قيل: أنهم كانوا قصارين , فسموا الحواريين لتبييضهم الثياب، ثم صار هذا الاسم يستعمل فيمن أشبههم من المصدقين تشبيهاً بهم.
وقيل: إنهم كانوا ملوكاً, وقيل كانوا صيادين، والذي عليه أهل اللغة أنهم الصفوة كما أخبرتك, ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّه قال: ((الزبير ابن عمتي, وحواريّي من أمتي)), ويقال: لنساء الأنصار حواريات، لأنهن تباعدن عن قشف الأعرابيات بنظافتهن.
وأنشد أبو عبيدة , وغيره لأبي جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا= ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
وقال أهل اللغة في المحور: وهو العود الذي تدور عليه البكرة قولين:-
قال بعضهم: إنما قيل له محور للدوران؛ لأنه يرجع إلى المكان الذي زال منه.
وقيل: إنما قيل له محور؛ لأنه بدورانه ينصقل حتى يصير أبيض، ويقال : دقيق حوّاري من هذا, أي : قد أخذ لبابه, وكذلك عجين محوّر للذي يمسح وجهه بالماء حتى يصفو، ويقال عين حوراء إذا اشتد بياضها, وخلص, واشتد سوادها، ولا يقال امرأة حوراء إلا أن تكون مع حور عينها بيضاء، وما روي، في الحديث: (( نعوذ باللّه من الحور بعد الكور)).
معناه: نعوذ باللّه من الرجوع والخروج عن الجماعة بعد الكور, أي: بعد أن كنا في الكور، أي: في الجماعة, يقال: كار الرجل عمامة إذا لفّها على رأسه، وحار عمامته إذا نقضها، وقد قيل: " بعد الكون " , ومعناه: بعد أن كنا على استقامة، إلا أن مع الكون محذوفاً في الكلام دليلاً عليه). [معاني القرآن: 1/416-418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر}, قال أبو عبيدة : أحس بمعنى: عرف, قال: من أنصاري إلى الله.
قال سفيان، أي: مع الله,
وقد قال هذا بعض أهل اللغة, وذهبوا إلى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض, واحتجوا بقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}, قالوا: معنى في معنى على, وهذا القول عند أهل النظر لا يصح ؛ لأن لكل حرف معناه , وإنما يتفق الحرفان ؛ لتقارب المعنى, فقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}
كان الجذع مشتملاً على من صلب, ولهذا دخلت في؛ لأنه قد صار بمنزلة الظرف .
ومعنى{ من أنصاري إلى الله}: من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله عز وجل.
ثم قال تعالى: {قال الحواريون نحن أنصار الله}
روى سعيد بن جبير, عن ابن عباس أنه قال: إنما سموا حواريين لبياض ثيابهم, وكانوا صيادين.
وقال ابن أرطاة: إنما كانوا غسالين يحورون الثياب, أي: يغسلونها .
وقال أهل اللغة: الحواريون: صفوة الأنبياء, وهم المخلصون.
وروى جابر بن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( الزبير ابن عمتي, وحواري من أمتي )), أي: صفوتي ومنه قيل عن حوراء إذا اشتد بياضها وسوادها, وامرأة حوراء: إذا خلص بياضها مع حور العين، ومنه قيل لنساء الأنصار: حواريات؛ لنظافتهن, وقال أبو جلدة اليشكري:
فقل للحوريات يبكين غيرنا = ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
ومنه: الحواري). [معاني القرآن: 1/404-407]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الحواريون}: الأنصار، و{الحواريون}: الخاصة من الصحابة). [ياقوتة الصراط: 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({من أنصاري إلى الله} أي: من أعواني إلى الله، أي: مع الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْحَوَارِيُّونَ}: الصفوة). [العمدة في غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويكون كتب بمعنى جعل، كقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}.
وقوله: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
وقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}).
[تأويل مشكل القرآن:462-463] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين}, وأما معنى قوله:{فاكتبنا مع الشّاهدين}, أي: اكتبنا مع الذين شهدوا للأنبياء بالتصديق، وحقيقة الشاهد أنه الذي يبين تصحيح دعوى المدعي، فالمعنى: صدقنا باللّه, واعترفنا بصحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, وثبتنا، فاكتبنا مع من فعل فعلنا). [معاني القرآن: 1/418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فاكتبنا مع الشاهدين}, أي: مع الشاهدين لرسولك بالتصديق
وروى إسرائيل, عن سماك بن عكرمة, عن ابن عباس: {فاكتبنا مع الشاهدين}, قال: محمد صلى الله عليه وسلم, وأمته شهدوا له أنه قد بلغ, وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا). [معاني القرآن: 1/407-408]

تفسير قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (ومعنى قوله {ومكروا ومكر اللّه...}:
نزل هذا في شأن عيسى إذ أرادوا قتله، فدخل بيتاً فيه كوّة وقد أيّده الله تبارك وتعالى بجبريل صلى الله عليه وسلم، فرفعه إلى السماء من الكوّة، ودخل عليه رجل منهم ليقتله، فألقى الله على ذلك الرجل شبه عيسى ابن مريم , فلمّا دخل البيت, فلم يجد فيه عيسى خرج إليهم, وهو يقول: ما في البيت أحد، فقتلوه, وهم يرون أنه عيسى.
فذلك قوله: {ومكروا ومكر اللّه}, والمكر من الله استدراج، لا على مكر المخلوقين).
[معاني القرآن: 1/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومكروا ومكر الله} : أهلكهم الله). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أي: يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم: ((اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني))، أي: جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن:277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}المكر من الخلائق خبّ وخداع، والمكر من اللّه المجازاة على ذلك, فسمي باسم ذلك ؛لأنه مجازاة عليه كما قال عزّ وجلّ: {اللّه يستهزئ بهم}، فجعل مجازاتهم على الاستهزاء بالعذاب، لفظه لفظ الاستهزاء.
وكما قال جل وعز: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها}, فالأولى سيئة, والمجازاة عليها سمّيت باسمها، وليست في الحقيقة سيئة.
وجائز أن يكون: مكر اللّه استدراجهم من حيث لا يعلمون ؛ لأن الله سلّط عليهم فارس, فغلبتهم وقتلتهم، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {الم (1) غلبت الرّوم (2) في أدنى الأرض}.
وقيل في التفسير أيضاً: إن مكر اللّه بهم كان في أمر عيسى أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت فيه كوة , فدخل رجل ليقتله، ورفع عيسى من البيت, وخرج الرجل في شبهه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه, وجملة المكر من اللّه مجازاتهم على ما فعلوا). [معاني القرآن: 1/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}, هذا راجع إلى قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر} والمكر من الخلائق خب، ومن الله مجازة كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}). [معاني القرآن: 1/408]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( (ومكروا), أي: ودبروا، ومكر الله، أي: دبر الله, (والله خير الماكرين), أي: خير المدبرين). [ياقوتة الصراط: 188]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ...}, يقال: إن هذا مقدّم ومؤخّر, والمعنى فيه: إني رافعك إليّ, ومطهّرك من الذين كفروا, ومتوفّيك بعد إنزالي إيّاك في الدنيا, فهذا وجه.
وقد يكون الكلام غير مقدّم ولا مؤخّر؛ فيكون معنى متوفّيك: قابضك؛ كما تقول: توفيت مالي من فلان: قبضته من فلان. فيكون التوفّي على أخذه, ورفعه إليه من غير موت). [معاني القرآن: 1/219]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة}، أي: هم عند الله خير من الكفار). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({متوفّيك}: قابضك من الأرض من غير موت). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون},(عيسى) اسم أعجمي عدل عن لفظ الأعجمية إلى هذا البناء، وهو غير مصروف في المعرفة ؛ لاجتماع العجمية والتعريف فيه, ومثال اشتقاقه من كلام العرب أنّ عيسى: فعلى, فالألف يصلح أن تكون للتأنيث، فلا تتصرف في معرفة ولا نكرة، ويكون اشتقاقه من شيئين:
أحدهما: العيس، وهو بياض الإبل،
والآخر: من العوس والعياسة؛ إلا أنه قلبت الواو يا لانكسار ما قبلها, فأمّا عيسى عليه السلام , فمعدول من يشوع كذا يقول أهل السريانية.

وقال النحويون في معنى قوله عزّ وجلّ {إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك}:
التقديم والتأخير، المعنى: إني رافعك, ومطهرك, ومتوفيك.
وقال بعضهم: المعنى على هذا اللفظ كقوله عزّ وجل: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها}, فالمعنى على مذهب هؤلاء: أن الكلام على هذا اللفظ.
ومعنى {وجاعل الذين اتبعوك فوق الّذين كفروا}: القراءة بطرح التنوين، والتنوين جائز، ولكن لا تقرأ به إلا أن تكون ثبتت بذلك رواية.
ومعنى {فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}, فيه قولان:
أحدهما: أنهم فوقهم في الحجة, وإقامة البرهان.

والآخر: أنهم فوقهم في اليد والبسطة والغلبة، ويكون {الذين اتبعوك} : محمداً صلى الله عليه وسلم, ومن اتبعه؛ فهم منصورون عالون). [معاني القرآن: 1/419-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} , في الآية قولان:
أحدهما: أن المعنى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا, ومتوفيك, وهذا جائز في الواو؛ لأنه قد عرف المعنى, وأنه لم يمت بعد.
والقول الآخر: أن يكون معنى {متوفيك}: قابضك من غير موت مثل: توفيت مالي من فلان, أي: قبضته كما قال جل وعز: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}
وقال الربيع بن أنس، يعني: وفاة المنام رفعه الله عز وجل في منامه.
وقال مطر الوراق: متوفيك, ورافعك واحدة, ولم يمت بعد .
وروى ابن أبي طلحة, عن ابن عباس: متوفيك, أي: مميتك.
ثم قال وهب: توفاه الله ثلاث ساعات من النهار.
ومحمد بن جرير يميل إلى قول من قال: إني قابضك من الأرض بغير موت, ورافعك إلي؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(( ليهبطن عيسى ابن مريم إلى الأرض)).
ثم قال تعالى: {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}, قال قتادة: يعني المسلمين؛ لأنهم اتبعوه, فلا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة.
وقال غيره: الذين اتبعوه محمد,والمسلمون؛ لأن دينهم التوحيد كما كان التوحيد دين عيسى صلى الله عليه وسلم.
وروي, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( أنا أولى الناس بابن مريم)).
وروى يونس بن ميسرة بن حلبس, عن معاوية, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لن تبرح طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك)), ونزع بهذه الآية: {يا عيسى أني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك يا محمد فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}.
ثم قال تعالى: {إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون}, أي: فافصل بينكم, وتقع المجازاة عليه؛لأنه قد بين لهم في الدنيا). [معاني القرآن: 1/408-412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({متوفيك}, قابضك من الأرض، {ورافعك}, أي: إلى السماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذابا شديدا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين}, العذاب في الدنيا: القتل الذي نالهم, وينالهم، وسبي الذراري, وأخذ الجزية، وعذاب الآخرة ما أعده اللّه لهم من النار.
{وما لهم من ناصرين}, أي: ما لهم من يمنعهم في الدنيا؛ لأن اللّه عزّ وجلّ قد أظهر الإسلام على دينهم, وجعل الغلبة لأهله، ولا أحد ينصرهم في الآخرة من عذاب اللّه). [معاني القرآن: 1/420-421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة}, عذابهم في الدنيا: القتل, والأسر,وأخذ الجزية, وفي الآخرة: النار, وما لهم من ناصرين؛ لأن المسلمين عالون عليهم , ظاهرون). [معاني القرآن: 1/412]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا يحبّ الظّالمين}: الكافرين). [مجاز القرآن: 1/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم واللّه لا يحبّ الظّالمين}
ومعنى {واللّه لا يحب الظّالمين}, أي: لا يرحمهم، ويعذبهم, ولا يثني عليهم خيراً, هذا معنى البغض من الله، ومعنى المحبة منه: الرحمة , والمغفرة, والثناء والجميل). [معاني القرآن: 1/421]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم},أي: القصيص الذي جرى نتلوه عليك.
{من الآيات},أي: من العلامات, البينات, الدلالات على تثبيت رسالتك إذ كانت أخباراً لا يعلمها إلا قارئ كتاب, أو معلّم, أو من أوحيت إليه, وقد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمّيّاً: لا يكتب, ولا يقرأ الكتب على جهله النظر فيها, والفائدة منها: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمه أحد من الناس, فلم يبق إلا الوحي، والإخبار بهذه الأخبار التي يجتمع أهل الكتاب على الموافقة بالإخبار بها من الآيات المعجزات.
ومعنى {والذّكر الحكيم}، أي: ذو الحكمة في تأليفه, ونظمه, وإبانة الفوائد فيه, ويصلح أن تكون (ذلك) في معنى الذي ويكون (نتلوه) صلة، فيكون المعنى: الذي نتلوه عليك من الآيات, والذكر الحكيم, فيكون ذلك ابتداء, والخبر من الآيات). [معاني القرآن: 1/421-422]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}, أي: من العلامات التي لا تعرف إلا بوحي, أو بقراءة كتاب, ومعنى {الحكيم}: ذو الحكمة). [معاني القرآن: 1/414]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 59 إلى 67]

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم...}, هذا لقول النصارى إنه ابنه، إذ لم يكن أب، فأنزل الله تبارك وتعالى علوّاً كبيراً, {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم}, لا أب له, ولا أم، فهو أعجب أمراً من عيسى، ثم قال: {خلقه} لا أن قوله "خلقه" صلة لآدم؛ إنما تكون الصلات للنكرات؛ كقولك: رجل خلقه من تراب، , وإنما فسّر أمر آدم حين ضرب به المثل, فقال: {خلقه}, على الانقطاع والتفسير، ومثله قوله: {مثل الذين حمّلوا التّوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار} , ثم قال: {يحمل أسفاراً}, والأسفار: كتب العلم يحملها, ولا يدري ما فيها, وإن شئت جعلت "يحمل", صلة للحمار، كأنك قلت: كمثل حمار يحمل أسفارا؛ لأن ما فيه الألف واللام قد يوصل فيقال: لا أمرّ إلا بالرجل يقول ذلك، كقولك بالذي يقول ذلك. ولا يجوز في زيد, ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام). [معاني القرآن: 1/219]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فيكون (59) الحقّ من ربك}: انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}). [مجاز القرآن: 1/95] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}, وقال تعالى: {ثمّ قال له كن فيكون} رفع على الابتداء , ومعناه: "كن فكان", كأنّه قال: "فإذا هو كائنٌ"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون}, {آدم} , قد بيّنّا أنه لا ينصرف, وأن اسمه مأخوذ من أديم الأرض, وهو وجهها, ولذا يقال لذي اللون الذي يشبه لون الأرض آدم.
و{خلقه من تراب} ليست بمتصلة بآدم، إنما هو مبين قصة آدم ,ولا يجوز في الكلام أن تقول: مررت بزيد قام؛ لأن زيداً معرفة, لا يتصل به قام, ولا يوصل به, ولا يكون حالاً؛ لأن الماضي لا يكون حالاً أتت فيها، ولكنك تقول: مثلك مثل زيد، تريد أنك تشبهه في فعله,ثم تخبر بقصة زيد , فتقول: فعل كذا وكذا.
وإنما قيل: إن مثله كمثل آدم؛ لأن اللّه أنشأ آدم من غير أب، خلقه من تراب، فكما خلق آدم من غير أب, كذلك خلق عيسى عليه السلام.
ويروى في التفسير أن: قوماً من نصارى نجران, صاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: إنك سببت صاحبنا، قال: ((ومن صاحبكم؟))، قالوا: عيسى، قال: ((وما قلت فيه؟))، قالوا: قلت إنه عبد، فقال -صلى الله عليه وسلم : ((ما ذلك بعار على أخي, ولا نقيصة، هو عبد , وأنا عبد)): قالوا: فأرنا مثله, فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/422]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الحقّ من رّبّك...}, رفعته بإضمار (هو), ومثله في البقرة: {الحقّ من ربّك}, أي: هو الحق، أو ذلك الحق, فلا تمتر). [معاني القرآن: 1/220]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيكون (59) الحقّ من ربك}, انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}, {فلا تكن من الممترين} , أي: الشّاكّين). [مجاز القرآن: 1/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الحقّ من رّبّك فلا تكن مّن الممترين}, قال: {الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}, يقول: "هو الحقّ من ربّك"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين}
{الحقّ من ربّك}, مرفوع على أنه، خبر ابتداء محذوف.
المعنى: الذي أنبأناك به في قصة عيسى عليه السلام: هو الحق من ربك.
{فلا تكن من الممترين} أي: من الشكاكين، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : خطاب للخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشكك في قصة عيسى، ومعنى {من ربّك}, أي: أتاك من عند ربك). [معاني القرآن: 1/422-423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الحق من ربك فلا تكن من الممترين}, الممترون, الشاكون .
فإن قيل: كيف خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؟, فعلى هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى: يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك {فلا تكن من الممترين}.
والقول الآخر: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع الناس, فالمعنى على هذا: فلا تكونوا من الممترين, ويقوي هذا قوله عز وجل: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}). [معاني القرآن: 1/413-414]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ نبتهل},أي: نلتعن؛ يقال: ماله بهله الله، ويقال: عليه بهلة الله؛ والناقة باهلٌ, وباهلة، إذا كانت بغير صرارٍ، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصاً؛ ويقال: أبهلت ناقتى، تركتها بغير صرارٍ). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثم نبتهل}: نلتعن تقول العرب ماله بهله الله أي لعنه الله). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم.
{ثمّ نبتهل} , أي: نتداعى باللّعن, يقال عليه: بهلة اللّه وبهلته، أي: لعنته). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (تعال): تفاعل من علوت، قال الله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}.
ويقال للاثنين من الرجال والنساء: تعاليا، وللنساء: تعالين.
قال الفراء: أصلها عال إلينا، وهو من العلوّ.
ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إيّاها صارت عندهم بمنزلة هلمّ، حتى استجازوا أن يقولوا للرجل وهو فوق شرف: تعال، أي اهبط، وإنما أصلها: الصعود.
ولا يجوز أن ينهى بها، ولكن إذا قال: تعال، قلت: قد تعاليت وإلى شيء أتعالى؟). [تأويل مشكل القرآن: 556]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين}
{فمن حاجّك فيه}, أي: في عيسى.
{من بعد ما جاءك من العلم}, قيل له: هذا بعد أن أوحيت إليه البراهين, والحجج القاطعة في تثبيت أمر عيسى: إنّه عبد، فأمر بالمباهلة بعد إقامة الحجة؛ لأن الحجة قد بلغت النهاية في البيان, فأمر اللّه أن يجتمع هو, والنساء, والأبناء من المؤمنين، وأن يدعوهم إلى أن يتجمعوا هم, وآباؤهم, ونساؤهم، ثم يبتهلون, ومعنى الابتهال في اللغة: المبالغة في الدعاء، , وأصله: الالتعان ويقال: بهله الله, أي: لعنه اللّه، ومعنى لعنة الله: باعده اللّه من رحمته، يقال: ناقة باهل, وباهلة إذا لم يكن عليها صرار، وقد أبهل الرجل ناقته إذا تركها بغير صرار, ورجل باهل إذا لم يكن معه عصا, فتأويل البهل في اللغة: المباعدة والمفارقة للشيء, فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة؛ لأمرين كلاهما فيه بيان أن علماءهم قد وقفوا على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنهم إذا أبوا أن يلاعنوا, دل إباؤهم على أنهم قد علموا أنهم إن باهلوه, نزل بهم مكروه، وأنهم إذا تركوا المبالهة؛ دل ذلك ضعفهم, ومن لا علم عنده أن فرارهم من المباهلة دليل على أنهم كاذبون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، وقيل: إن بعضهم قال لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ولم يبق نصراني, ولا نصرانية إلى يوم القيامة.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((لو باهلوني لاضطرم الوادي عليهم ناراً, وما بقي نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة)), وهذا مكان ينبغي أن ينعم النظر فيه، ويعلم المؤمنون بيان ما هو عليه, وما عليه من الضلال من خالفهم؛ لأنهم لم يرو أحد أنهم باهلوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولا أجابوا إلى ذلك). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
قيل: يعني بالأنفس ههنا: أهل دينهم, كما قال تعالى: {فسلموا على أنفسكم} .
وقال تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} , وأصل الابتهال في اللغة: الاجتهاد, ومنه قول لبيد:
في كهول سادة من قومه = نظر الدهر إليهم فابتهل
أي: اجتهد في هلاكهم, فمعنى الآية : ثم نجتهد في الدعاء باللعنة.
وروي: أن قوماً من النصارى من أهل نجران أتوا النبي صلى الله عليه وسلم, فدعاهم إلى الإسلام, فقالوا: قد كنا مسلمين مثلك، فقال: ((كذبتم, يمنعكم من الإسلام ثلاث: قولكم اتخذ ولداً, وأكلكم لحم الخنزير, وسجودكم للصليب))، فقالوا:من أبو عيسى, فأنزل الله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله تعالى: {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} , فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الالتعان, فقال بعضهم لبعض: إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم ناراً، فقالوا: أما تعرض علينا سوى هذا؟، فقال: ((الإسلام, أو الجزية, أو الحرب)), فأقروا بالجزية
وروى عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: لو خرجوا للابتهال؛ لرجعوا لا يرون أهلاً, ولا ولداً). [معاني القرآن: 1/414-416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{نبتهل} أي: ندعو ونلتعن، والبهلة والبهلة جميعاً: اللعنة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم, {ثم نبتهل} ,أي: نتداعى باللعن, يقال: عليه بهلة الله, وبهلته, أي: لعنته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَبْتَهِلْ}: نلتعن). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّ هذا لهو القصص الحق}, أي: الخبر اليقين). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى قوله عزّ وجلّ: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلّا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم} أي: إن هذا الذي أوحينا إليك من هذه البينات, والحجج التي آتيناك, لهو القصص الحق، ويصلح أن تكون (هو) ههنا فصلاً، وهو الذي يسميه الكوفيون:عماداً، ويكون القصص خبر أن، ويصلح أن يكون (هو) ابتداء، والقصص خبره، وهما جميعا خبر (إنّ).
ومعنى{وما من إله إلّا اللّه}: من دخلت توكيداً, ودليلاً على نفي جميع من ادعى المشركون أنهم آلهة,أي: إن عيسى ليس بإله؛ لأنهم زعموا إنّه إله، فأعلم الله عزّ وجلّ أن لا إله إلا هو، وأن من آتاه اللّه آيات يعجز عنها المخلوقون, فذلك غير مخرج له من العبودية للّه، وتسميته إلهاً كفر باللّه.
ومعنى {العزيز}: هو الذي لا يعجزه شيء, و{الحكيم}: ذو الحكمة الذي لا يأتي إلا ما هو حكمة). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} ,أي: إن هذا الذي أوحينا إليك لهو القصص الحق, وما من إله إلا الله, من زائدة للتوكيد, والمعنى: وما إله إلا الله العزيز الحكيم, ومعنى {العزيز}: الذي لا يغلب , والحكيم:ذو الحكمة). [معاني القرآن: 1/416-417]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإن تولّوا}: فإن كفروا، وتركوا أمر الله). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: { فإن تولّوا فإنّ اللّه عليم بالمفسدين}, أي: فإن أعرضوا عما أتيت به من البيان؛ فإن الله يعلم من يفسد من خلقه, فيجازيه على إفساده). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين}, أي: عليم بمن يفسد عباده, وإذا علم ذلك؛ جازى عليه). [معاني القرآن: 1/417]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...}, وهي في قراءة عبد الله :{إلى كلمة عدل بيننا وبينكم}, وقد يقال في معنى عدل: سوىً وسوىً، قال الله تبارك وتعالى في سورة طه: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً} , وسوىً؛ يراد به عدل ونصف بيننا وبينك.
ثم قال: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه},
فأن في موضع خفض على معنى: تعالوا إلى ألاّ نعبد إلا الله, ولو أنك رفعت {ما نعبد} مع العطوف عليها على نية: تعالوا نتعاقد لا نعبد إلا الله؛ لأن معنى الكلمة: القول، كأنك حكيت: تعالوا نقول: لا نعبد إلا الله. ولو جزمت العطوف؛ لصلح على التوهّم؛ لأن الكلام مجزوم لو لم تكن فيه أن؛ كما تقول: تعالوا لا نقل إلا خيراً.

ومثله مما يرد على التأويل: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ} , فصيّر {ولا تكونن} نهياً في موضع جزم، والأول منصوب، ومثله: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين. وأن أقيموا الصّلاة} , فردّ أن على لام كي؛ لأن (أن) تصلح في موقع اللام, فردّ أن على أن مثلها يصلح في موقع اللام؛ ألا ترى أنه قال في موضع: {يريدون ليطفئوا}, وفي موضع : {يريدون أن يطفئوا}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء بيننا وبينكم} أي: النّصف، يقال: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه.
{إلى كلمةٍ} مفسرة بعد {أن لا نعبد إلاّ الله، ولاّ نشرك به شيئاً}, بهذه الكلمة التي دعاهم إليها). [مجاز القرآن: 1/96]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مّن دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} , قال سبحانه وتعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} , فجر {سواء}؛ لأنها من صفة الكلمة, وهو "العدل", أراد "مستويةٍ" , ولو أراد:"استواءً", لكان النصب, وإن شاء أن يجعله على الاستواء , ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل :"الخلق"؛ لأن "الخلق" , قد يكون صفة, ويكون اسماً, قال الله تعالى: {الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد}؛ لأن "السّواء" للآخر , وهو اسم ليس بصفة, فيجرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء, فإن أراد "مستوياً" جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد؛ لأنها صفة لا تغير عن حالها, ولا تثنى, ولا تجمع على لفظها, ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء, وقال تعالى: {أن نّجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء مّحياهم ومماتهم} , فـ"السواء" للمحيا , والممات، فهذا المبتدأ, وإن شئت أجريته على الأول, وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول, فجرى عليه، فذا إذا جعلته في معنى مستو , فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه}, فهو بدل كأنه قال "تعالوا إلى أن لا نعبد إلاّ اللّه"). [معاني القرآن: 1/172-173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كلمة سواء}: نصف وعدل.
تقول العرب: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه).
[غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} ,أي: نصف, يقال: دعاك إلى السواء، أي: إلى النّصفة, وسواء كلّ شيء: وسطه, ومنه يقال للنصفة: سواء، لأنها عدل, وأعدل الأمور: أوساطها). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}
معنى{سواء}: معنى:عدل، ومعنى كلمة : كلام فيه شرح قصة , وإن طال, وكذلك يقول العرب للقصيدة:كلمة.
يروى أن حسان بن ثابت الأنصاري كان إذا قيل له: أنشد , قال للقائل: هل أنشدت كلمة الحويدرة؟, يعني قصيدته التي أولها:
بكرت سمية بكرة فتمتعي= ويقال للعدل سواء وسوى وسوى.
قال زهير بن أبي سلمى:
أروني خطة لا ضيم فيها= يسوي بيننا فيها السواء
فإن ترك السّواء فليس بيني= وبينكم بني حصن بناء
يريد بالسواء: العدل , كذا يقول أهل اللغة، وهو الحق, وهو من استواء الشيء، ولو كان في غير القرآن لجاز: سواء بيننا وبينكم، فمن قال:سواء جعله نعتاً للكلمة , يريد: ذات سواء، ومن قال: سواء, جعله مصدراً في معنى: استواء، كأن قال: استوت استواء.
وموضع {ألّا نعبد إلّا اللّه}, موضع " أن " خفض على البدل من كلمة.
المعنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلا اللّه، وجائز أن تكون أن في موضع رفع، كأن قائلاً قال: ما الكلمة؟.
فأجيب: فقيل: هي ألا نعبد إلا اللّه، ولو كان ألّا نعبد إلّا اللّه, ولا نشرك به شيئاً؛لجاز على أن يكون تفسيراً للقصة في تأويل أي: كأنهم قالوا: أي: لا نعبد إلا الله كما قال عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا}, وقال قوم معنى أن ههنا معنى يقولون امشوا، والمعنى واحد لأن القول ههنا تفسير لما قصدوا له وكذلك " أي يفسّر بها، ولو كان {ألّا نعبد إلّا اللّه} بالجزم, لجاز على أن يكون " أن " كما فسّرنا في تأويل: أي ويكون {ألّا نعبد} على جهة النهي، والمنهي هو الناهي في الحقيقة؛ كأنّهم نهوا أنفسهم.
ومعنى {ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه},أي: نرجع إلى أن معبودنا اللّه، وأن عيسى بشر، كما أننا بشر؛ فلا نتخذه , ومعنى {فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}, أي: مقرون بالتوحيد, مستسلمون لما أتتنا به الأنبياء من قبل اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} , معنى كلمة قصة فيها شرح , ثم بين الكلمة بقوله: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} , السواء:النصفة, قال زهير:
أروني خطة لا ضيم فيها = يسوى بيننا فيها السواء). [معاني القرآن:1/417-418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({إلى كلمة سواء}, أي: إلى نصفة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سواء بيننا} أي: نصف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَوَاء}: نصفة وعدل). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}, فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّاً على ديننا، وقالت اليهود: كان يهودياً على ديننا، فأكذبهم الله فقال: {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} , أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضاً.
فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}, إلى آخر الآية, ثم بيّن ذلك.
فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...}, إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}, ومعنى {حنيفاً مسلماً}, معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالاً, يكون خلقة لا رجوع فيه أبداً، فمعنى الحنيفية في الإسلام: الميل إليه, والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}
لأن اليهود قالوا كان إبراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله أن اليهودية والنصرانية كانتا بعد إبراهيم عليه السلام وأن دين إبراهيم الإسلام لأن الإسلام هو التوحيد فهو دين جميع الأنبياء
ثم قال تعالى: {ولكن كان حنيفا مسلما} والحنف في اللغة: إقبال صدر القدم على الأخرى إذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف: المائل إلى الإسلام على حقيقته). [معاني القرآن: 1/418-419]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...} إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}
ومعنى {حنيفا مسلما}.
معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالا يكون خلقة لا رجوع فيه أبدا، فمعنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 68 إلى 74]

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}, أي: فهم الذين ينبغي لهم أن يقولوا: إنا على دين إبراهيم, ولهم ولاية.
{واللّه وليّ المؤمنين}, أي: يتولى نصرهم؛ لأن حزبهم هم الغالبون، ويتولى مجازاتهم بالحسنى). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}, والمعنى: والنبي, والذين آمنوا أولى بإبراهيم , ويعني بالنبي: محمد صلى الله عليه وسلم , ومعنى: {والله ولي المؤمنين}: ناصرهم). [معاني القرآن: 1/419]

تفسير قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم}
وكلهم كذا, وإنما من ههنا؛ لبيان الجنس, وقد قيل: إن طائفة بعضهم). [معاني القرآن:1/419-420]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون...}, يقول: تشهدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بصفاته في كتابكم, فذلك قوله: {تشهدون}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لم تكفرون بآيات الله}: بكتب الله, {وأنتم تشهدون},أي: تعرفون). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون}, أي: وأنتم تشهدون أنها آيات اللّه؛ لأنكم كنتم تخبرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، وأصل{لم تكفرون}، لما تكفرون والمعنى: لأي شيء تكفرون.
وكذلك {م تقولون ما لا تفعلون}, وكذلك {عم يتساءلون}, و{فبم تبشرون}, فإذا وقفت على هذه الحروف, وقفت بالهاء، فقلت: لمه، وبمه؛ لأن الألف حذفت في هذه الأسماء التي للاستفهام خاصة, فجوز ذلك، ولا يجوزذلك في الموصلة؛ لأن الألف فيهن, ليست آخر الأسماء, إنما الألف وسط وحذفها؛ لأن حروف الجر عوض منها، فحذفت استخفافاً؛ لأن الفتحة دالة عليها، ولا يجوز إسكان هذه الحروف.
وزعم الكسائي أن الأصل كان في "كم" كما، قال: وكنت أشتهي أن تكون مفتوحة ؛ لالتقاء السّاكنين في قولهم: " كم المال " - بالكسر -, وهذا غلط من أبي الحسن، ولو كان كما يقول لكان " كم مالك ", كما أنك تقول: (لم فعلت),
, وليس هذا القول مما يعرج عليه). [معاني القرآن:1/427-428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}, أي: وأنتم تشهدون بأنها حق؛ لأنكم كنتم تبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث). [معاني القرآن: 1/420]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ...}, لو أنك قلت في الكلام: لم تقوم وتقعد يا رجل؟ , على الصرف لجاز، فلو نصبت {وتكتموا} كان صواباً). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل}, أي: لم تخلطون، يقال: لبست عليّ أمرك).
[مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تلبسون الحق بالباطل}: تخلطون). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون}, أي: لم تغطون الحق بباطلكم, وأنتم تعلمون أنه الحق؛ يقال: لبست عليهم الأمر ألبسه, قال الله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}, ويقال: لبست الثوب ألبسه، وقال الله عزّ وجلّ: {ويلبسون ثياباً خضراً}.
ولو قيل: {وتكتموا الحق} لجاز، على قولك: لم تجمعون هذا وذاك, ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب). [معاني القرآن: 1/428]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل}, أي:لم تغطون). [معاني القرآن: 1/420]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَلْبِسُونَ}: تخلطون). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار...} يعني: صلاة الصبح, {واكفروا آخره}, يعني: صلاة الظهر هذا قالته اليهود لمّا صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة؛ فقالت اليهود: صلّوا مع محمد صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم الصبح، فإذا كانت الظهر, فصلّوا إلى قبلتكم ؛ لتشكّكوا أصحاب محمد في قبلتهم؛ لأنكم عندهم أعلم منهم ,فيرجعوا إلى قبلتكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجه النّهار}: أوله، قال ربيع بن زياد العبسي:-
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ= فليأت نسوتنا بوجه نهار
كقولك: بصدر نهار). [مجاز القرآن: 1/96-97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} قال تعالى: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} :جعله ظرفاً).[معاني القرآن: 1/173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وجه النهار}: أول النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار}, أي: صدر النهار, قال قتادة: قال بعضهم لبعض: أعطوهم الرّضا بدينهم أوّل النهار, واكفروا بالعشي، فإنه أجدر أن تصدقكم الناس، ويظنوا أنكم قد رأيتم منهم ما تكرهون فرجعتم، وأجدر أن يرجعوا عن دينهم). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون}, الطائفة: الجماعة، وهم اليهود.
{آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار},أي: أوله.
قال الشاعر:
من كان مسرورا بمقتل مالك= فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء قوائما يندبنه= قد جئن قبل تبلّج الأسحار
أي: في أول النهار,وقد قيل في تفسير هذا غير قول، قال بعضهم: معناه، آمنوا بصلاتهم إلى بيت المقدس, وأكفروا بصلاتهم إلى البيت.
وقيل: إن علماء اليهود قال بعضهم لبعض: قد كنا نخبر أصحابنا بأشياء قد أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم, فإن نحن كفرنا بها كلها, اتهمنا أصحابنا, ولكن نؤمن ببعض , ونكفر ببعض لنوهمهم أننا نصدقه فما يصدق فيه، ونريهم أنا نكذبه فيما ليس عندنا.
وقيل: إنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار, فقالوا له: إنك الذي خبرنا في التوراة بأنك مبعوث، ولكن أنظرنا إلى العشي لننظر في أمرنا، فلما كان بالعشي أتوا الأنصار , فقالوا لها: قد كنا أعلمناكم أن محمداً هو النبي الذي هو المكتوب في التوراة، إلا أننا نظرنا في التوراة فإذا هو من ولد هارون , ومحمد من ولد إسماعيل, فليس هو النبي الذي عندنا, وإنما فعلوا ذلك لعل من آمن به يرجع , فهذا ما قيل في تفسير الآية). [معاني القرآن: 1/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} الطائفة: الفرقة, و{وجه النهار}: أوله, قال الشاعر:
وتضيء في وجه النهار منيرة = كجمانة البحري سل نظامها
قال قتادة : قال بعض اليهود: أظهروا لمحمد الرضا بما جاء به أول النهار, ثم أنكروا ذاك في آخره, فإنه أجدر أن يتوهم أنكم إنما فعلتم ذلك؛ لشيء ظهرت لكم تنكرونه, وأجدر أن يرجع أصحابه). [معاني القرآن: 1/420-421]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وجه النهار}, أي: صدر النهار). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَجْهَ النَّهَارِ}: أوله). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (فأما قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم...}, فأنه يقال: إنها من قول اليهود, يقول: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم, واللام بمنزلة قوله: {عسى أن يكون ردف لكم}, المعنى: ردفكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم...}, يقول: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم, أوقعت {تؤمنوا} على {أن يؤتى}, كأنه قال: ولا تؤمنوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم، فهذا وجه.
ويقال: قد انقطع كلام اليهود عند قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم}، ثم صار الكلام من قوله: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام، وجاءت (أن)؛ لأنّ في قوله: {قل إنّ الهدى} , مثل قوله: إن البيان بيان الله، فقد بيّن أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام. وصلحت (أحد) ؛ لأن معنى أن معنى لا, كما قال تبارك وتعالى: {يبيّن الله لكم أن تضلّوا}, معناه: لا تضلّون, وقال تبارك وتعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به}, أن تصلح في موضع لا, وقوله: {أو يحاجّوكم عند ربّكم} في معنى حتّى, وفي معنى إلاّ؛ كما تقول في الكلام: تعلّق به أبداً أو يعطيك حقّك، فتصلح حتّى , وإلاّ في موضع أو). [معاني القرآن: 1/222-223]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} : لا تقرّوا: لا تصدّقوا). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم أو يحآجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال تعالى: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم}, يقول :لا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم وأن يحاجّوكم به عند ربّكم, أي: ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم). [معاني القرآن: 1/173-174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم}
قيل المعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاءكم به إلا لليهود، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عونا لهم على تصديقه.
وقال أهل اللغة وغيرهم من أهل التفسير: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، أي: لا تصدقوا أن يعطى أحد من علم النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطيتم {أو يحاجّوكم عند ربّكم}.

ومعنى {أو يحاجّوكم عند ربّكم} أي: ليس يكون لأحد حجة عند اللّه في الإيمان به؛ لعلم من عنده إلا من كان مثلكم.
وقد قيل في المعنى: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: الهدى هو هذا الهدى، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
قال بعض النحويين معنى: " أن " ههنا معنى " لا " , وإنما المعنى: أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: لأن لا تؤتى فحذف " لا " ؛ لأن في الكلام دليلاً عليها، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يبين اللّه لكم أن تضلوا}, أي: لئلا تضلوا.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: " لا ", ليست مما يحذف ههنا, ولكن الإضافة ههنا معلومة، فحذفت الأول وأقمت الثاني مقامه، المعنى: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا , وكذلك ههنا قال: إن الهدى هدى اللّه كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم: أي: من خالف دين الإسلام؛ لأن اللّه لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
وقوله عزّ وجلّ: {قل إنّ الفضل بيد اللّه},أي: نبوته , وهداه يؤتيه من يشاء). [معاني القرآن: 1/430-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤته من يشاء}
قال محمد بن يزيد: في الكلام تقديم وتأخير, والمعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم , أو يحاجوكم عند ربكم , قل: إن الهدى هدى الله.
وقيل المعنى: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم, واللام زائدة.
والمعنى: ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من علم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتيتم.
وقيل المعنى: {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: إن الهدى هدى الله, وهو بعيد من الكفار.
وقرأ ابن عباس, ومجاهد, وعيسى:{أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, والمعنى: ألا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
وقرأ الأعمش: {إن يوأتى أحد مثل ما أتيتم}, ومعنى أن معنى ما كما قال تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} .
وقد زعم بعض النحويين أن هذا لحن؛ لأن قوله تعالى: {يحاجوكم} بغير نون, وكان يجب أن يكون يحاجونكم, ولا عامل لها, وهذا القول ليس بشيء ؛ لأن أو تضمر بعدها إن إذا كانت في معنى حتى وإلا أن , كما قال الشاعر:
فقلت له لا تبك عيناك إنما = نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقيل إن معنى :{أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}: لا تصدقوا أن النبوة تكون إلا منكم , واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهداً قال: في قوله عز وجل بعد هذا: {يختص برحمته من يشاء} , أنه يعني النبوة). [معاني القرآن: 1/421-423]

تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 75 إلى 80]

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك...}
كان الأعمش وعاصم يجزمان الهاء في يؤدّه، و"نولّه ما تولّى"، و"أرجه وأخاه"، و"خيرا يره"، و"شرا يره". وفيه لهما مذهبان؛
أمّا أحدهما: فإن القوم ظنّوا أن الجزم في الهاء، وإنما هو فيما قبل الهاء، فهذا وإن كان توهّما؛ خطأٌ.
وأمّا الآخر: فإن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها؛ فيقول ضربته ضربا شديدا، أو يترك الهاء إذ سكّنها وأصلها الرفع بمنزلة رأيتهم وأنتم؛ ألا ترى أن الميم سكنت وأصلها الرفع. ومن العرب من يحرّك الهاء حركة بلا واو، فيقول ضربته (بلا واو) ضربا شديدا.
والوجه الأكثر أن توصل بواو؛ فيقال كلمتهو كلاما، على هذا البناء، وقد قال الشاعر في حذف الواو:

أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن * قناعه مغطيّا فإنّي لمجتلى
وأمّا إذا سكن ما قبل الهاء فإنهم يختارون حذف الواو من الهاء؛ فيقولون: دعه يذهب، ومنه، وعنه.
ولا يكادون يقولون: منهو ولا عنهو، فيصلون بواو إذا سكن ما قبلها؛ وذلك أنهم لا يقدرون على تسكين الهاء وقبلها حرف ساكن، فلمّا صارت متحرّكة لا يجوز تسكينها اكتفوا بحركتها من الواو.

وقوله: {إلاّ ما دمت عليه قائماً} يقول: ما دمت له متقاضيا.
والتفسير في ذلك: أن أهل الكتاب كانوا إذا بايعهم أهل الإسلام أدّى بعضهم الأمانة،
وقال بعضهم: ليس للأمّيّين - وهم العرب - حرمة كحرمة أهل ديننا، فأخبر الله - تبارك وتعالى - أنّ فيهم أمانة وخيانة؛ فقال تبارك وتعالى: {ويقولون على اللّه الكذب} في استحلالهم الذهاب بحقوق المسلمين).
[معاني القرآن: 1/223-224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إّلا ما دمت عليه قائماً} يقول: ما لم تفارقه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم مّن إن تأمنه بدينارٍ لاّ يؤدّه إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {إلاّ ما دمت عليه قائماً}. لأنّها من "دمت" "تدوم". ولغة للعرب "دمت" وهي قراءة مثل "متّ" "تموت" جعله على "فعل" "يفعل" فهذا قليل.
وقال تعالى: {بدينارٍ} أي: على دينار كما تقول: "مررت به" و"عليه"). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا ما دمت عليه قائما}: قالوا مواظبا ومنه {أمة قائمة يتلون آيات الله}). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا ما دمت عليه قائماً} أي: مواظبا بالاقتضاء. وقد بينت هذا في باب المجاز.
{ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ}، كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون، قال بعضهم لبعض: ليس للأميين -يعنون العرب- حرمة أهل ديننا، وأموالهم تحلّ لنا: إذ كانوا مخالفين لنا. واستجازوا الذّهاب بحقوقهم). [تفسير غريب القرآن:106-107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله عز وجل: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: مواظبا بالاقتضاء والمطالبة.
وأصله: أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرّف، والتارك له يقعد عنه.
قال الأعشى:
يقوم على الوَغْمِ في قومه = فيعفو إذا شاء أو ينتقم
أي: يُطالِب بالذَّحْلِ ولا يَقعد عنه). [تأويل مشكل القرآن: 181]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائما ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيل ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
اتفق أبو عمرو، وعاصم والأعمش وحمزة على إسكان الهاء من {يؤده} وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن اتفقوا على إسكان الهاء فيه، نحو {نصله جهنّم}
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إنّه كسر في {ألقه إليهم}
ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها.
أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط.
كان أبو عمرو يختلس الكسرة، وهذا كما غلط عليه في (بارئكم) حكى القراء عنه أنه كان يحذف الهمزة في بارئكم.
وحكى سيبويه عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسرا خفيا،
وأمّا نافع وقراء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا وأثبتوا الياءات مثل (يؤده إليك) وهذا الإسكان الذي حكى عنه هؤلاء غلط بين لا ينبغي أن يقرأ به لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم ولا تسكن في الوصل إنما تسكن في الوقف.

وفي هذه الحروف أربعة أوجه:
1- يجوز إثبات الياء.
2- ويجوز حذفها تقول: يؤده إليك بالكسر.
3- ويجوز: يؤدّ هو إليك بالضم بإثبات الواو بعد الهاء.
4- ويجوز حذف الواو وضم الهاء.
فأما الوقف: فلا وجه له، لأن الهاء حرف خفي بيّن في الوصل بالواو في التذكير، قال سيبويه دخلت الواو في التذكير كما دخلت الألف في التأنيث، (نحو) ضربتهو وضربتها، قال أصحابه اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين والهاء من الحلق، فأبانت الواو
الهاء، وإنما، تحذف الياء لعلة تقلب الواو إليها، فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة فأما في الوقف فلا يجوز ألبتّة.
وقد أكثر الناس في تفسير القنطار، وقد حكينا ما قال الناس فيه.
ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من المال.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا ما دمت عليه قائما}: أكثر القراءة{دمت} بضم الدال، وقد قرئت {دمت} فأما دمت فمن قولك.
دمت: أدوم إدا بقيت على الشيء مثل قمت أقوم، وأما دمت - بالكسر - فعلى قولهم دمت تدام، مثل قولك: خفت تخاف، ويقال قد ديم بفلان وأديم به بمعنى دير به وأدير به، وهو الذي، به دوام كقولهم: به دوام كقولهم: به دوار. ويقال دام المال إذا سكن يدوم فهو دائم ومنه: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم " أي: الساكن، ويقال قد دوّم الطائر في الجو تدويما، وهو يصلح أن يكون من وجهين، من دورانه في طيرانه ويصلح أن يكون من قلة حركة جناحه، لأنه يرى كأنه ساكن الجناح.
ومعنى {قائما} أي: إلا بدوامك قائما على اقتضاء دينك.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّهم قالوا}أي: فعلهم ذلك، بقولهم {ليس علينا في الأمّيّين سبيل} أي ليس علينا طريق في أخذ مالهم وصف اللّه عزّ وجلّ: أكلهم السحت وخيانتهم،
وقد قيل في التفسير: إنهم عاملوا قوما من المشركين فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا ليس علينا لكم سبيل إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك. فأعلم اللّه أنهم يكذبون، قال عزّ وجلّ: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
أي: وهم يعلمون أنهم يكذبون. فرد اللّه قولهم فقال: {بلى}: وهو عندي - واللّه - أعلم - وقف التمام، ثم استأنف فقال عزّ وجلّ:{من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين}). [معاني القرآن: 1/431-434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك}
اختلف في معنى القنطار: فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا: القنطار ألف مثقال.
وقال أبو صالح وقتادة: القنطار مائة رطل.
وروى ابن أبي نجيح وليث عن مجاهد قال: القنطار سبعون ألف دينار.
وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن أبي رباح المكي قال: القنطار سبعة آلاف دينار.
والله أعلم بما أراد.
ومعنى {المقنطرة} في اللغة: المكملة كما تقول ألف مؤلفة). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما} أي: مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله
قال سيبويه: دام بمعنى ثبت.
قال أبو جعفر: وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الدائم، أي: الساكن الثابت.
{ذلك أنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}
قيل: أنا ليهود كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لأنهم مخالفون لنا ويعنون بالأميين العرب نسبوا إلى ما عليه الأمة من قبل أن يتعلموا الكتابة
وقيل: نسبوا إلى الأم ومنه النبي الأمي وقيل هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ليس علينا في الأميين سبيل} كانت اليهود تقول: ليس للاميين– يعنون العرب الذين أسلموا– حرمة أهل الكتاب، تحل لنا أموالهم بغير حق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَائِماً}: مواظبا). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين} أي: فإن اللّه يحبه، ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله بلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح.
كقولهم نحن أهل تقوى في فعلنا هذا - فأعلم اللّه أن أهل الوفاء بالعهد والتّقى يحبهم اللّه، وأنهم المتقون، أي: الذين يتقون الخيانة والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}
بلى رد لقولهم ليس علينا في الأميين سبيل). [معاني القرآن: 1/426]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم.
{ولا يزكّيهم} لا يكونون عنده كالمؤمنين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
قال عز وجل: {ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم} فهذا مثل قولك للرجل "ما تنظر إليّ" إذا كان لا ينيلك شيئاً). [معاني القرآن: 1/174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
{أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} هذه الجملة خبر (إنّ)، ومعنى الخلاق: النصيب الوافر من الخير.
ومعنى قوله: {لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة}: في قوله: {لا يكلمهم الله} وجهان:
أحدهما: أن يكون إسماع الله أولياءه كلامه بغير سفير، خصوصية يخص اللّه بها أولياءه كما كلم موسى فكان ذلك خصوصية له دون البشر أجمعين.
2- وجائز أن يكون {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} تأويله الغضب عليهم، والإعراض عنهم كما تقول: " فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، وتأويله أنه غضبان عليه، وإن كلمه بكلام سوء لم ينقض ذلك.

ومعنى {ولا يزكيهم}: لا يجعلهم طاهرين ولا يثني عليهم خيرا.
ومعنى {عذاب أليم} أي: موجع). [معاني القرآن: 1/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} الخلاق: النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} إلى آخر الآية.
وفي قوله: {ولا يكلمهم الله} قولان:
أحدهما: أنه روي أن الله يسمع أولياء كلامه.
والقول الآخر: أنه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا.
ومعنى {ولا يزكيهم}: ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم
يقال أألم إذا أوجع فهو مؤلم وأليم على التكثير). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {لا خلاق لهم} أي: لا نصيب لهم من الخير، والخلاق: الدين). [ياقوتة الصراط: 189]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلبونه ويحرّفونه). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللًّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
قال تعالى: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} بفتح الياء.
وقال: {يلوّون} بضم الياء وأحسبها {يلوون} لأنه قال: {ليّاً بألسنتهم} فلو كان من {يلووّن} لكانت "تلويةً بألسنتهم").
[معاني القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقلّبون ألسنتهم بالتحريف، والزيادة.
{الرّبّانيّون} واحدهم ربّاني، وهم: العلماء المعلّمون). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
هذه اللام في {وإنّ منهم لفريقا} تؤكد الكلام زيادة على توكيد (إنّ) لأن (إنّ) معناها توكيد الكلام، ولذلك صار لضم يوصل بها في الإيجاب، تقول: واللّه أن زيدا قائم، وكذلك تصل الضم باللام، فيقول واللّه لزيد قائم ولا تلي هذه اللام (إن) لا يجوز: " إن لزيدا قائم " بإجماع النحويين كلهم وأهل اللغة.
ومعنى {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يحرفون الكتاب، أي يعدلون عن القصد، (ويجوز يلوّون - بضم الياء والتشديد) (لتحسبوه، و- لتحسبوه) - بكسر السين وفتحها - يقال حسب يحسب ويحسب، جميعا، ويقال لويت الشيء إذا عدلته عن القصد ليّا ولويت الغريم ليانا إذا مطلته بدينه قال الشاعر:
قد كنت داينت بها حسانا... مخافة الإفلاس والليانا). [معاني القرآن: 1/434-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب}
قال الشعبي: يلون يحرفون.
وقال أهل اللغة: لويت الشيء إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله). [معاني القرآن: 1/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يلوون ألسنتهم} أي: يقلبونها بالتحريف والزيادة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون...}
تقرأ: تعلّمون وتعلمون، وجاء في التفسير: بقراءتكم الكتب وعلمكم بها.
فكان الوجه (تعلمون) وقرأ الكسائيّ وحمزة (تعلّمون) لأن العالم يقع عليه يعلّم ويعلم).
[معاني القرآن: 1/224]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن كونوا ربّانيين}: لم يعرفوا ربانيين). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لّي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}
قال تعالى: {ثمّ يقول للنّاس} نصبٌ على {ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه} {ثمّ يقول للنّاس} لأنّ "ثمّ" من حروف العطف). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكن كونوا ربانيين}: قالوا علماء حلماء). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون اللّه ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}أي: أن اللّه لا يصطفى لنبوته الكذبة، ولو فعل ذلك بشر لسلبه اللّه عزّ وجلّ: آيات النبوة وعلاماتها ونصب {ثمّ يقول}: على الاشتراك بين أن يؤتيه وبين يقول، أي لا يجتمع لنبي إتيان النبوة والقول للناس كونوا عبادا لي.
{ولكن كونوا ربّانيّين} والربانيون أرباب العلم والبيان، أي: كونوا أصحاب علم، وإنما زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب، كما قالوا للكبير اللحية لحياني ولذي الجمة الوافرة جماني.
وقد قرئ - {بما كنتم تعلّمون الكتاب}. {تعلّمون} - بضم التاء وفتحها.
{وبما كنتم تدرسون} أي: بعلمكم ودرسكم علّموا الناس وبيّنوا لهم.
وجاء في التفسير {كونوا ربّانيّين} أي: علماء فقهاء ليس معناه كما تعلمون فقط، ولكن ليكن هديكم ونيتكم في التعليم هدى العلماء والحكماء، لأن العالم إنما ينبغي أن يقال له عالم إذا عمل بعلمه، وإلا فليس بعالم، قال اللّه: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}
ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: لو كانوا وفّوا العلم حقه - وقد فسرنا ما قيل في هذا في مكانه). [معاني القرآن: 1/435-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولكن كونوا ربانيين}
قال سعيد بن جبير والضحاك: الرباني الفقيه العالم.
وقال أبو رزين: هو العالم الحليم.
والألف والنون يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران، أي: ممتلئ سكرا.
فمعنى الرباني: العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم.
وروي عن ابن الحنيفة أنه قال: لما مات ابن عباس مات رباني هذه الأمة.
ومعنى {ولكن كونوا ربانيين}: ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع.
وقال ابن زيد: الربانيون الولاة والأحبار العلماء.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار.
قال أبو جعفر: وهذا القول حسن لأن الأحبار هم العلماء والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر للسياسة مأخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير). [معاني القرآن: 1/428-429]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الربانيون) واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({رَبَّانِيِّينَ}: علماء). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأمركم...}
أكثر القراء على نصبها؛ يردونها على {أن يؤتيه الله}: ولا أن يأمركم. وهي في قراءة عبد الله (ولن يأمركم) فهذا دليل على انقطاعها من النسق وأنها مستأنفة، فلمّا وقعت (لا) في موقع (لن) رفعت كما قال تبارك وتعالى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وهي في قراءة عبد الله (ولن تسأل) وفي قراءة أبيّ (وما تسأل عن أصحاب الجحيم) ). [معاني القرآن: 1/224-225]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مّسلمون}
{ولا يأمركم} أيضاً معطوفٌ بالنّصب على {أن} وإن شئت رفعت؛ تقول {ولا يأمركم} لا تعطفه على الأوّل تريد: هو لا يأمركم). [معاني القرآن: 1/175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنّبيّين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}أي: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين لأن الذين قالوا: إن عيسى عليه السلام إله عبدوه واتخذوه ربّا، وقال قوم من الكفار إن الملائكة أربابنا، ويقال إنهم الصابئون، ويجوز الرفع في {ولا يأمركم} أي: لا يأمركم اللّه). [معاني القرآن: 1/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}
ومن قرأ {ولا يأمركم} بالنصب، فمعناه عنده: ولا يأمركم البشر لأنه معطوف على ما قبله
ومن قرأ {ولا يأمركم}بالرفع، فمعناه عنده: ولا يأمركم الله كذا قال سيبويه). [معاني القرآن: 1/430]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 11:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 81 إلى 92]

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ...}
و{لما آتيتكم} قرأها يحيى بن وثّاب بكسر اللام؛ يريد أخذ الميثاق للذين آتاهم، ثم جعل قوله: {لتؤمننّ به} من الأخذ؛ كما تقول: أخذت ميثاقك لتعملنّ؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. ومن نصب اللام في (لما) جعل اللام لاما زائدة؛ إذ أوقعت على جزاء صيّر على جهة فعل وصيّر جواب الجزاء باللام وبإن وبلا ويما، فكأنّ اللام يمين؛ إذ صارت تلقى بجواب اليمين. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/225]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على ذلكم إصري} أي: عهدي). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم مّن الشّاهدين}
قال الله تعالى: {لما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مّصدّقٌ لّما معكم لتؤمننّ به} فاللام التي مع "ما" في أول الكلام هي لام الابتداء نحو "لزيدٌ أفضل منك"، لأن {ما آتيتكم} اسم والذي بعده صلة.
واللام التي في {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم كأنه قال "واللّه لتؤمننّ به" فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: "أما واللّه أن لو اجئتني لكان كذا وكذا"، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لتؤمننّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها.
جعل خبر {ما آتيتكم مّن كتابٍ وحكمةٍ} {لتؤمننّ به} مثل "ما لعبد الله؟ واللّه لتأتينّه". وإن شئت جعلت خبر (ما) {من كتابٍ} تريد {لما آتيتكم كتابٌ وحكمةٌ} وتكون "من" زائدة).
[معاني القرآن: 1/175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إصري}: عهدي). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأخذتم على ذلكم إصري} أي: عهدي. وأصل الإصر الثّقل. فسمي العهد إصرا: لأنه يمنع من الأمر الذي أخذ له وثقّل وشدّد). [تفسير غريب القرآن: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي عهدي، لأن العهد ثقل وَمَنْعٌ من الأمر الذي أخذ له). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الإصر: الثُّقْلُ الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين، ولذلك قيل للعهد: إِصْر.
قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
{والأغلال}: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب:
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك = ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل = سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبَسَّط في كل شيء ولا نتوقَّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرِّقاب القابضة للأيدي). [تأويل مشكل القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}أي: قبلتم عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
موضع (إذ) نصب - المعنى - واللّه أعلم - واذكر في أقاصيصك {إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} - إلى قوله {لتؤمننّ به ولتنصرنّه}.
" ما " ههنا على ضربين: -
1-يصلح أن يكون للشرط.
2-والجزاء، وهو أجود الوجهين، لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته، واللام دخلت في ما كما تدخل في " إن " التي للجزاء إذا كان في جواب القسم، قال اللّه عزّ وجلّ:
{ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}
وقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}.
فاللام في "إن " دخلت مؤكدة موطدة للام القسم. ولام القسم هي التي لليمين لأن قولك: واللّه لئن جئتني لأكرمنك... إنما حلفك على فعلك إلا أن الشرط معلق به فلذلك دخلت اللام على الشرط فإذا كانت ما في معنى الجزاء فموضعها نصب بقوله {لما آتيتكم} والجزاء قوله {لتؤمنن به}.
ويجوز أن يكون في معنى الذي ويكون موضعها رفعا.

المعنى أخذ اللّه ميثاقهم أي استحلفهم للذي آتيتكم، والمعنى آتيتكموه {لتؤمنن به} فتكون ما رفعا بالابتداء ويكون خبر الابتداء {لتؤمنن به} وحذفت الهاء من {لما آتيتكم} لطول الاسم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ: أنه عهد إلى كل رسول أن يؤمن بغيره من الرسل فصار العهد مشتملا على الجماعة أن يؤمن بعضهم ببعض وأن ينصر بعضهم بعضا.
ومعنى قوله {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} أي: فتبينوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي وشهادة اللّه للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات.
ويجوز - وقد قرئ به - {لما آتيتكم} فتكون اللام المكسورة معلقة بقوله أخذ المعنى أخذ الميثاق لآتيانكم الكتاب والحكمة.
وقرأ بعضهم {لما آتيناكم من كتاب وحكمة} أي: لما آتيناكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء - كما تقول: لما جئتني أكرمتك). [معاني القرآن: 1/436-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة}
قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء الآخر). [معاني القرآن: 1/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه}
قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه
وقرا ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وقال ابن عباس: إنما أخذ ميثاق النبيين على قومهم
وقال الكسائي: يجوز أن تكون {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} بمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين
وقال البصريون: إذا أخذ الله ميثاق النبيين فقد أخذ ميثاق الذين معهم لأنهم قد اتبعوهم وصدقوهم.
و"ما" بمعنى:
الذي
ويجوز أن تكون للشرط ويقرأ (لما) بكسر اللام فتكون ما أيضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرأ سعيد بن جبير (لما) بالتشديد). [معاني القرآن: 1/430-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري}
قال مجاهد: أي عهدي.
والإصر في اللغة: الثقل فسمي العهد إصرارا لأنه منع وتشديد

ثم قال تعالى: {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}أي: فبينوا لأن الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشيء). [معاني القرآن: 1/432]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إصري} أي: عهدي، وأصله الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِصْرِي}: عهدي). [العمدة في غريب القرآن: 101]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
ذلك إشارة إلى أخذ الميثاق بالمعنى: {فمن تولى} أي: أعرض عن الإيمان بعد أخذ الميثاق على النبيين.
وأخذ الميثاق على النبيين مشتمل على: الأخذ على أممهم، أي: فمن تولى بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - {فأولئك هم الفاسقون} أي: الذين خرجوا عن القصد وعن جملة الإيمان.
ويصلح أن تكون {هم} ههنا اسما مبتدأ، و {الفاسقون} خبره و "هم" " مع " الفاسقون خبر أولئك.
وصلح أن يكون {الفاسقون} مرتفعا بأولئك " وهم " فصل - وهو الذي يسميه الكوفيون العماد). [معاني القرآن: 1/438]

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
أسلم أهل السموات طوعا، وأما أهل الأرض فإنهم لمّا كانت السّنّة فيهم أن يقاتلوا إن لم يسلموا أسلموا طوعا وكرها). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي: يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}أي: أفغير دين اللّه يطلبون، لأنه قد بين أنه دين اللّه وأنهم كفروا وعاندوا وحسدوا بغيا - كما فعل إبليس.
وقوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها}.
جاء في التفسير: أنه أسلم من في السّماوات كلهم طوعا، وأسلم بعض من في الأرض طوعا وبعض كرها.
لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.
ويجوز أن يكون واللّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها - أي: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا
يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
{وإليه يرجعون} يدل على تصديق هذا القول لأن المعنى إنّه بدأكم على إرادته شئتم أو أبيتم.
وهو يبعثكم كما بدأكم.
فالتأويل: أتبغون غير الدين الذي هذه صفته). [معاني القرآن: 1/438-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {أفغير دين الله تبغون}أي: تطلبونن فالمعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
ومن قرأ (يبغون) بالياء فالكلام عنده متناسق لأن قبله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}فالمعنى: أفغير دين الله يبغي هؤلاء). [معاني القرآن: 1/432-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}
معنى {وله أسلم}: خضع ثم قال {طوعا وكرها} قيل لما كانت السنة فيمن خالف أن يقاتل سمي إسلامه كرها وإن كان طوعا لأن سببه القتال). [معاني القرآن: 1/433]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم أمر اللّه - عز وجل - النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته أن يقولوا آمنا باللّه وما أنزل علينا، وأن يقولوا ويعتقدوا إنهم لا يفرقون بين جميع الرسل في الإيمان بهم. لا يكفرون ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى، وأعلم اللّه أنه لا يقبل دينا غير دين الإسلام ولا عملا إلا من أهله). [معاني القرآن: 1/439]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (فقال عز وجلّ: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
{يبتغ} جزم بمن - وقوله: {فلن يقبل منه} الجواب.
ومعنى {من الخاسرين} أي: ممن خسر عمله، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}). [معاني القرآن: 1/439]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} أي: من يطلب). [ياقوتة الصراط: 190]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
يقال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم أرادوا الرجوع إلى الإسلام ونيّتهم الكفر.
فأعلم اللّه أنّه لا جهة لهدايتهم لأنهم قد استحقوا أن يضلوا بكفرهم، لأنهم قد كفروا بعد البينات التي هي دليل على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إنها نزلت في اليهود لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا - قبل مبعثه - مؤمنين.

وكانوا يشهدون بالنبوة له فلما بعث عليه السلام - وجاءهم بالآيات المعجزات وأنبأهم بما في كتبهم مما لا يقدرون على دفعه، وهو - أمّيّ - كفروا به بغيا وحسدا، فأعلم اللّه أن جزاءهم اللعنة، فقال: {أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}). [معاني القرآن: 1/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم}
روى داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من الأنصار ارتد.
قال مجاهد: هو الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
قال ابن عباس: فأسلم.
وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا). [معاني القرآن: 1/433-434]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
ومعنى لعن الناس {أجمعين}: لهم أن بعضهم يوم القيامة يلعن بعضا ومن خالفهم يلعنهم، وتأويل لعنة اللّه لهم: تبعيده إياهم من رحمته وثنائه عليهم بكفرهم). [معاني القرآن: 1/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قال الله عز وجل: {أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}
فإن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم؟ ففي هذا أجوبة
أحدهما: أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة.
وجواب آخر: وهو أنه يعني بالناس المسلمين.
وقيل: وهو أحسنها إن الناس جميعا يلعنونهم لأنهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}
ثم قال تعالى: {خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة}). [معاني القرآن: 1/434-435]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}
ومعنى {خالدين فيها أبدا}أي: فيما توجبه اللعنة أي في عذاب اللعنة {لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي: لا يؤخرون عن الوقت). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم}أي: أظهروا أنهم كانوا على ضلال وأصلحوا ما كانوا أفسدوه وغرّوا به من اتبعهم ممن لا علم عنده {فإنّ اللّه غفور رحيم} أعلم اللّه عزّ وجلّ أن من سعة رحمته وتفضله أن يغفو لمن اجترأ عليه هذا الاجتراء لأن هذا ما لا غاية بعده، وهو أنه كفر بعد تبين الحق). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}
يقال في التفسير: أن هؤلاء هم النفر الذين ارتدوا بعد إسلامهم ثم أظهروا أنهم يريدون الرجوع إلى الإسلام، فأظهر اللّه أمرهم لأنهم كانوا يظهرون أنهم يرجعون إلى الإسلام وعندهم الكفر - والدليل على ذلك - قوله - عزّ وجلّ: {وأولئك هم الضّالّون} لأنهم لو حققوا في التوبة لكانوا غير معتدين، ويدل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} لأن الكافر الذي يعتقد الكفر ويظهر الإيمان عند اللّه كمظهر الكفر لأن الإيمان هو التصديق والتصديق لا يكون إلا بالنية). [معاني القرآن: 1/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}
قال أبو العالية: هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا.
وقال غيره: نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم.
فالمعنى: أنهم أظهروا التوبة أيضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل: {وأولئك هم الضالون} ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون.
ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن أبي العالية.
ويجوز أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الكفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/435-436]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً...}
نصبت الذهب لأنه مفسّر لا يأتي مثله إلا نكرة، فخرج نصبه كنصب قولك: عندي عشرون درهما، ولك خيرهما كبشا. ومثله قوله: {أو عدل ذلك صياماً}
وإنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله، مثل ملء الأرض، أو عدل ذلك، فالعدل مقدار معروف، وملء الأرض مقدار معروف، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شيء له قدر؛ كقولك: عندي قدر قفيز دقيقا، وقدر حملةٍ تبنا، وقدر رطلين عسلا، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسّرا؛ لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أي شيء هو؛ كما أنك إذا قلت: عندي عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره، وجهل جنسه وبقي تفسيره، فصار هذا مفسّرا عنه، فلذلك نصب. ولو رفعته على الاستئناف لجاز؛ كما تقول: عندي عشرون، ثم تقول بعد: رجالٌ، كذلك لو قلت: ملء الأرض، ثم قلت: ذهبٌ، تخبر على غير اتّصال.
وقوله: {ولو افتدى به} الواو ها هنا قد يستغنى عنها، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا وهو بمنزلة قوله: {وليكون من الموقنين} فالواو ها هنا كأن لها فعلا مضمرا بعدها). [معاني القرآن: 1/225-226]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم مّلء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم مّن نّاصرين}
قال تعالى: {مّلء الأرض ذهباً} مهموزة من "ملأت" وانتصب {ذهبا} كما تقول: "لي مثلك رجلاً" أي: لي مثلك من الرجال، وذلك لأنك شغلت الإضافة بالاسم الذي دون "الذهب" وهو "الأرض" ثم جاء "الذهب" وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول إذا جاء من بعد الفاعل، وهكذا تفسير الحال، لأنك إذا قلت: "جاء عبد الله راكباً" فقد شغلت الفعل بـ"عبد الله" وليس "راكب" من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره، وتفسير "هذا أحسن منك وجهاً"، لأن "الوجه" غير الكاف التي وقعت عليها "من" و"أحسن" في اللفظ إنما هو الذي تفضله فـ"الوجه" غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب المفعول به بعد الفاعل). [معاني القرآن: 1/176-177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
ومعنى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا}أي: لو عمل من الخير وقدم ملء الأرض ذهبا يتقرب به إلى اللّه لم ينفعه ذلك مع كفره.
قال أبو إسحاق: وكذلك لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه. فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه لا يثيبهم على أعمالهم بالخير ولا يقبل منهم الفداء من العذاب.
وقال بعض النحويين: أن الواو مسقطة - قال المعنى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به - وهذا غلط لأن الفائدة في الواو بينة وليست الواو مما يلغي.
يقال ملأت الشيء أملؤه ملئا، المصدر بالفتح لا غير - قال سيبويه والخليل: الملء - بفتح الميم - الفعل.
وتقول: هذا ملء هذا، أي: مقدار ما يملؤه.
كما يقال: رعيت رعيا والمال في الرعي فهذا فرق بين.
وقال بعض النحويين: يقال ملأت ملئا وملئا وهذا غلط بين لأن الموصوف ههنا إنه لو ملك مقدار ما يملأ الأرض ما قبل منه، وليس يقال. إن قدر أن يفعل، أي: أن يملأ الأرض، إنما المتقرب به الذهب الذي هو ملء الأرض، لا أن يملأ: يقال ملأت الشيء ملئا وقد ملئ فلان ملأ وهو مملوء إذا زكم والملأ أشراف القوم، وتقول أنت أملأ بهذا أي أثرى وأوثق، ورجل مليء بين الملاءة، يا هذا.
فأما ما يكتبه الكتاب، أنت المليّ بالياء فخطأ وهم مجمعون عليه، هذا غلط.
والملاءة التي تلبس، ممدود، والملاوة من الدهر القطعة الطويلة، ومن هذا قولهم. أبل جديدا وتمل حبيبا أي عش مع حبيبك دهرا طويلا.

و{ذهبا} منصوب على التمييز - قال سيبويه وجميع البصريين: إن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب وبين الملء أن يكون جرّا
وحقيقة تفسيره: أن المعنى ما يملؤه من الذهب وكذلك إذا قلت: عندي عشرون درهما أي ما يعادل هذا المقدار من الدراهم.
وجائز أن يكون - واللّه أعلم قوله - عزّ وجلّ -: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}يعني: اليهود لأنهم كانوا تائبين في وقت إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، فأعلم اللّه أن تلك التوبة وذلك الإيمان ليس بمقبول، لأنهم كفروا بعده وزادوا كفرا، فإن كفرهم بما كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتا بعد وقت زيادة في الكفر - وكذلك الإقامة عليه زيادة فيه). [معاني القرآن: 1/441-443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}
روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟
فيقول:نعم فيقال له: كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} إلى آخر الآية.
وقال بعض أهل اللغة: الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به.
وقال أهل النظر من النحويين: لا يجوز أن تكون الواو مقحمة لأنها تدل على معنى ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به والملء مقدار ما يملا الشيء والملأ بالفتح المصدر). [معاني القرآن: 1/436-438]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}
قال بعضهم: إن كل ما يتقرب به إلى اللّه من عمل خير فهو إنفاق.
وروي عن ابن عمر أنه اشترى جارية كان هويها فلمّا ملكها أعتقها ولم يصب منها، فقيل له: أعتقتها بعد أن كنت هويتها ولم تصب منها، فتلا هذه الآية {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا}.
وفعل ابن عمر هذا ينبغي أن يقتدي به الناس في أن لا يضنوا بجليل ما يملكونه في التقرب به إلى اللّه تعالى وقوله عزّ وجلّ: {وما تنفقوا من شيء فإنّ اللّه به عليم}أي: فإن اللّه يجازي عليه لأنه قال: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره} فإذا عمله جوزي عليه.
وتأويل (ما) تأويل الشرط والجزاء، وموضعها نصب بـ " تنفقوا " المعنى: وأي شيء تنفقوا فإن اللّه عليم به والفاء جواب الجزاء). [معاني القرآن: 1/443]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون: البر الجنة، يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر.
وقال غيرهما: البر العمل الصالح.
وفي الحديث: ((عليكم بالصدق فإنه يدعو إلى البر والبر يدعو إلى الجنة وإياكم والكذب فإنه يدعو إلى الفجور والفجور يدعو إلى النار))

وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة: أنا أتصدق بأرضي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بها على أقربائه فقسمها بين أبي وحسان.
وروي أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها إليه فلما رآها أعجب بها ثم أعتقها وقرأ {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}
وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه}.
ومعنى {حتى تنفقوا}:حتى تتصدقوا.
ثم قال تعالى: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}أي: إذا علمه جازى عليه). [معاني القرآن: 1/438-440]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة