العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 158 إلى 176]

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما...}
كان المسلمون قد كرهوا الطواف بين الصفا والمروة؛ لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذلك تعظيماً للصنمين، فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} , وقد قرأها بعضهم :{ألاّ يطّوف}, وهذا يكون على وجهين؛
أحدهما أن تجعل "لا" مع "أن" صلة على معنى الإلغاء؛ كما قال: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} , والمعنى: ما منعك أن تسجد,
والوجه الآخر أن تجعل الطواف بينهما يرخّص في تركه, والأوّل المعمول به).
[معاني القرآن: 1/95]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن تطوّع خيراً...}
تنصب على جهة فعل, وأصحاب عبد الله وحمزة :{ومن يطّوّع}؛ لأنها في مصحف عبد الله:{يتطوع}). [معاني القرآن: 1/95]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شعائر الله}: واحدتها شعيرة، وهي في هذا الموضع: ما أشعر لموقفٍ, أو مشعرٍ, أو منحرٍ , أي: أعلم لذاك, وفي موضع آخر: الهدى، إذا أشعرها، وهو أن يقلّدها، أو يحللّها, فأعلم أنها هدىٌ، والأصل: أن يشعرها بحديدة في سنامها من جانبها الأيمن: يطعنها حتى يخرج الدم). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ}
قال: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}, "إطّوّف" , "يطّوّف"؛ وهي من "تطوّف", فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها ألفاً حتى يقدر على الابتداء بها, وإنما قال:{لا جناح عليه}؛ لأن ذلك كان مكروهاً في الجاهلية في الجاهلية, فأخبر أنه ليس بمكروه عنده). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شعائر الله} واحدتها شعيرة وهي في هذا الموضع ما أشعر لموقف أو مسعى أو منحر أي صير علما، والمشاعر المواضع التي صيرت أعلاما مثل عرفة والمزدلفة وغير ذلك، وهي في موضع آخر الهدى إذ أشعرتها، والأشعار أن تبضع من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم.
والتقليد ما تقلد من نعل أو غيرها).
[غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا جناح عليه}, أي: لا إثم عليه.
{أن يطّوّف بهما}, أي: يتطوّف, فأدغمت التاء في الطاء, وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما، حتى أنزل اللّه هذا, وقرأ بعضهم: ألا يطوف بهما, وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يجعل الطواف مرخّصا في تركه بينهما.
والوجه الآخر: أن يجعل «لا» مع «أن» صلة, كما قال: {ما منعك ألّا تسجد}, هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 66-67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ اللّه شاكر عليم}
الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا، وهو جمع , واحدته: ضفاة وصفا، مث:ل حصاة وحصى،
والمروة والمرو: الحجارة اللينة.

وهذان الموضعان من شعائر اللّه، أي: من أعلام متعبداته , وواحدة الشعائر : شعيرة، والشعائر كلى ما كان من موقف , أو مسعى, أوذبح.
وإنما قيل شعائر : لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم شعرت به: علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات شعائر.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما، فقيل إنّ نصب الأوثان بيتهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام والمشاعر طهّرت بالإسلام من الأوثان وغيرها.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذين من شعائره , وأنه لا جناح في الطواف بينهما , وأن من تطوع بذلك, فاللّه شاكر عليم.
والشكر من الله عزّ وجلّ: المجازاة والثناء الجميل، والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا - والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة إلا أنه يطوف بالبيت الحاجّ والمعتمر، وغير الحاجّ والمعتمر، ومعنى قولهم حججت في اللغة قصدت، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف... قاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر في قوله اعتمر أي قصد:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله عزّ وجلّ: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
أي: لا إثم عليه،
والجناح: أخذ من جنح إذا مال, وعدل عن القصد, وأصل ذلك من جناح الطائر، و{أن يطّوّف بهما}, فيه غير وجه:
يجوز: أن يطوّف, وأن يطوّف، وأن يطوف بهما، فمن قرأ: أن يطوّف بهما, أراد: أن يتطوف , فأدمغت التاء في الطاء لقرب المخرجين،
ومن قرأ: أن يطوّف بهما, فهو من طوّف إذا أكثرا التّطواف.

وفي قوله عزّ وجلّ: {ومن تطوّع خيراً}, وجهان:-
إن شئت قلت: {ومن تطوّع خيراً} على لفظ المضي , ومعناه: الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء, فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال,
ومن قرأ: يطّوّع, فالأصل يتطوع , فأدغمت التاء في الطاء, ولست تدغم حرفاً من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه).
[معاني القرآن: 1/233-235]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والجناح: الإثم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشعائر: المناسك، واحدتها: شعيرة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا جناح}: فلا إثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ اللَّهِ}: مناســـك). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون...}
قال ابن عباس: {اللاعنون}: كلّ شيء على وجه الأرض إلا الثقلين,
قال عبد الله بن مسعود: إذا تلا عن الرجلان , فلعن أحدهما صاحبه , وليس أحدهما مستحقّ اللعن رجعت اللعنة على المستحقّ لها، فإن لم يستحقّها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تبارك وتعالى, فجعل اللعنة من المتلاعنين من الناس على ما فسّر).
[معاني القرآن: 1/95-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ويلعنهم اللّاعنون}, قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان, وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون}
هذا إخبار عن علماء اليهود الذين كتموا ما علموه من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: {من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب}, يعني: به القرآن.
ومعنى {ويلعنهم اللّاعنون}: فيه غير قول، أما ما يروى عن ابن عباس فقال: {اللّاعنون}: كل شيء في الأرض إلا الثقلين.
ويروى عن ابن مسعود أنه قال:{اللّاعنون}: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة بمستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما , رجعت على اليهود، وقيل:{اللّاعنون}, هم المؤمنون، فكل من آمن باللّه من الإنس والجن والملائكة فهم اللاعنون لليهود , وجميع الكفرة , فهذا ما روي في قوله: {اللّاعنون}, واللّه عزّ وجلّ أعلم). [معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}, أي: بيّنوا التوبة بالإخلاص ,والعمل). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}
{الذين} في موضع نصب على الاستثناء، والمعنى: أن من تاب بعد هذا, وتبين منهم أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم حق، قبل الله توبته.
فأعلم الله عزّ وجلّ: أنه يقبل التوبة ويرحم , ويغفر الذنب الذي لا غاية بعده).
[معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين...}
فـ "الملائكة والناس" في موضع خفض؛ تضاف اللعنة إليهم على معنى: عليهم لعنة الله , ولعنة الملائكة, ولعنة الناس, وقرأها الحسن:{لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعون}, وهو جائز في العربية , وإن كان مخالفاً للكتاب, وذلك أن قولك:{عليهم لعنة الله}, كقولك: يلعنهم الله , ويلعنهم الملائكة والناس,
والعرب تقول: عجبت من ظلمك نفسك، فينصبون النفس؛ لأن تأويل الكاف رففع, ويقولون: عجبت من غلبتك نفسك، فيرفعون النفس؛ لأن تأويل الكاف نصب, فابن على ذا ما ورد عليك.

ومن ذلك قول العرب: عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض، وبعضها على بعض, فمن رفع ردّ البعض إلى تأويل البيوت؛ لأنها رفع؛ ألا ترى أن المعنى: عجبت من أن تساقطت بعضها على بعض, ومن خفض أجراه على لفظ البيوت، كأنه قال: من تساقط بعضها على بعض.
وأجود ما يكون فيه الرفع أن يكون الأوّل الذي في تأويل رفع, أو نصب قد كنى عنه؛ مثل قولك: عجبت من تساقطها, فتقول ها هنا: عجبت من تساقطها بعضها على بعض؛ لأن الخفض إذا كنيت عنه قبح أن ينعت بظاهر، فردّ إلى المعنى الذي يكون رفعا في الظاهر، والخفض جائز, وتعمل فيما تأويله النصب بمثل هذا فتقول: عجبت من إدخالهم بعضهم في إثر بعض؛ تؤثر النصب في (بعضهم)، ويجوز الخفض). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
قال: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}؛ لأنه أضاف اللعنة , ثم قال: {خالدين فيها}نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/121]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} يعني: لم يتوبوا قبل موتهم من كفرهم.
{أولئك عليهم لعنة اللّه}: واللعنة هي إبعاد اللّه، وإبعاده عذابه.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة والنّاس أجمعين} ا لمعنى: لعنة الملائكة , ولعنة الناس أجمعين.
فإن قال قائل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟, قيل له: إنّهم يلعنونه في الآخرة، كما قال عزّ وجلّ:{ ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}
وقرأ الحسن: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}: وهو جيد في العربية إلا أني أكرهه لمخالفته المصحف، والقراءة، إنما ينبغي أن يلزم فيها السنة، ولزوم السنة فيها أيضًا أقوى عند أهل العربية؛ لأن الإجماع في القراءة إنما يقع على الشيء الجيّد البالغ , ورفع الملائكة في قراءة الحسن على تأويل: أولئك جزاؤهم أن لعنهم اللّه , والملائكة، فعطف الملائكة على موضع إعراب لله في التأويل.
ويجوز على هذا: عجبت من ضرب زيد وعمرو , ومن قيامك وأخوك, المعنى: عجبت من أن ضرب زيد وعمرو , ومن أن قمت أنت وأخوك.
ومعنى {خالدين فيها} أي: في اللعنة, وخلودهم فيها: خلود في العذاب). [معاني القرآن: 1/235-236]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}

تفسير قوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم}
أخبر عزّ وجلّ بوحدانيته , ثم أخبر بالاحتجاج في الدلالة على أنه واحد , فقال:{إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}). [معاني القرآن: 1/237]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتصريف الرّياح...}, تأتى مرّة جنوباً, ومرّة شمالاً,وقبولاً, ودبوراً, فذلك تصريفها). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفلك}: تقع على الواحد، وعلى الجميع، وهي السفينة والسّفن، والعرب تفعل ذلك قالوا: هي الطّرفاء، وهذه الطّرفاء.
{وبثّ فيها}, أي: فرّق وبسط، {وزرابيّ مبثوثةٌ}, أي: متفرقة مبسوطة). [مجاز القرآن: 1/62]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الفلك}: السفن وهو جميع واحدة فلكه ويذكر ويؤنث، قال {في الفلك المشحون} وفي موضع آخر {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ويقال الفلك واحد وجميع.
{وبث فيها}: فرق فيها ومنه {زرابي مبثوثة}). [غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والفلك}: السّفن، واحد , وجمع بلفظ واحد). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}
فهذه الآيات تدل على أنه واحد - عزّ وجلّ - فأما الآية في أمر السماء فمن أعظم الآية لأنهها سقف بغير عمد، والآية في الأرض عظيمة فيما يرى من سهلها وجبلها وبحارها. وما فيها من معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد اللاتي لا يمكن أحد أن ينشئ مثلها، وكذلك في تصريف الرياح، وتصريفها أنها تأتي من كل أفق فتكون شمالا مرة وجنوبا مرة ودبورا مرة وصبا مرة، وتأتي لواقح للسحاب.
فهذه الأشياء وجميع ما بث الله في الأرض دالة على أنه واحد.
كما قال عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد} - لا إله غيره لأنه لا يأتي آت بمثل هذه الآيات (إلا واحدا) ). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْفُلْكِ}: السفن, {وَبـــَثَّ}: فرق, {الأَسْبَابُ}: الحبال). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه...}
يريد - والله أعلم - يحبّون الأنداد، كما يحبّ المؤمنون الله, ثم قال: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه} من أولئك الأنداد). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب...}
يوقع "يرى" على "أن القوة لله وأن الله" وجوابه متروك, والله أعلم,و قوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت}, وترك الجواب في القرآن كثير؛ لأن معاني الجنة والنار مكرر معروف, وإن شئت كسرت إنّ , وإنّ وأوقعت "يرى" على "إذ" في المعنى , وفتح أنّ وأنّ مع الياء أحسن من كسرها.
ومن قرأ :{ولو ترى الّذين ظلموا} بالتاء كان وجه الكلام أن يقول: "إن القوة..." بالكسر ", وإن..."؛ لأن "ترى" قد وقعت على {الذين ظلموا}
فاستؤنفت "إن ", "وإنّ" , ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من "ترى" , ومن "يرى" لكان صواباً؛ كأنه قال: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يرون {أنّ القوّة للّه جميعاً}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولو يرى الذين ظلموا}, أي: يعلم، وليس برؤية عين.). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب}
قال: {ولو ترى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوّة للّه جميعاً}, فـ"إنّ" مكسورة على الابتداء إذ قال: {ولو ترى},
وقال بعضهم : {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة للّه جميعاً} , يقول: "ولو يرون أنّ القوّة للّه", أي: "لو يعلمون" ؛ لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قال: {ولو ترى}, فإنما يخاطب النبي صلى الله عله وسلم , ولو كسر "إنّ" إذا قال: {ولو يرى الذين ظلموا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم, وقد تكون في معنى لا يحتاج معها إلى شيء , تقول للرجل: "أما واللّه لو تعلم" , و"لو يعلم" , قال الشاعر:

إن يكن طبّك الدّلال فلوفي = سالف الدّهر والسنين الخوالي
فهذا ليس له جواب إلاّ في المعننى, وقال:
فبحظٍّ مما تعيش ولا تذ = هب بك التّرهات في الأهوال
فأضمر "فعيشي", وقال بعضهم {ولو ترى}, وفتح {أنّ} على {ترى}, وليس ذلك ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال: {أم يقولون افتراه} , ليخبر الناس عن جهلهم , وكما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض}). [معاني القرآن: 1/121-122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه شديد العذاب}
فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان؛ تتخذ من دونه الأنداد, وهي الأمثال، فأبان أن من الناس من يتخذ ندّا يعلم أنه لا ينفع , ولا يضر , ولا يأتي بشيء مما ذكرنا، وعنى بهذا مشركي العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {يحبّونهم كحبّ الله}
أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه, وهذا قول ليس بشيء, ودليل نقضه قوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه}
والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقاً.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو يرى الّذين ظلموا- إذ يرون العذاب - أنّ القوّة للّه جميعاً}.
في هذا غير وجه:
1- يجوز أنّ القوة للّه, وأن اللّه،
2- ويجوز أن القوة للّه, وإن الله، ولو ترى الذين ظلموا , وتفتح أن مع ترى، وتكسر، وكل ذلك قد قرئ به.

قرأ الحسن:{ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة، وإنّ اللّه}: ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا إن شاء اللّه.
من قرأ : {أنّ القوة}, فموضع أن نصب بقوله :{ولو يرى الذين ظلموا أن القوة للّه جميعاً}, وكذلك نصب أن الثانية , والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدّة عذاب اللّه وقوته , لعلموا مضرةاتخاذهم الأنداد، وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً}:
ويجوز أن يكون: العامل في أنّ الجواب على ما جاء في التفسير: يروى في تفسير هذا : أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة , لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعاً, ففتح أنّ أجود وأكثر في القراءة، وموضعها نصب في هاتين الجهتين على ما وصفنا،
ويجوز أن تكون: " إنّ " مكسورة مستأنفة، فيكون جواب {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}, لرأوا أمرا عظيماً لا تبلغ صفته؛ لأن جواب لو إنما يترك لعظيم الموصوف نحو قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى}

المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف, وتكون:{أنّ القوّة للّه جميعاً}, على الاستئناف.
يخبر بقوله: أن القوة للّه جميعاً, ويكون الجواب المتروك غير معلق بإنّ.
ومن قرأ:{ولو ترى الذين ظلموا}, فإن التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : يراد به الناس
كما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
فهو بمنزلة: ألم تعلموا, وكذلك : ولو ترى الذين ظلموا بمنزلة: ولو ترون, وتكون {أنّ القوّة للّه جميعاً} مستأنفة كما وصفنا.
ويكون الجواب - واللّه أعلم - : لرأيتم أمرا عظيما, كما يقول: لو رأيت فلانً, ا والسياط تأخذه، فيستغنى عن " الجواب ؛ لأن المعنى معلوم.
ويجوز فتح أن مع ترى , فيكون: لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة للّه جميعا، أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع، وإنما بلغت الغاية في الضرر ؛ لأن القوة للّه جميعا.
و{جميعا}منصوبة - على الحال: المعنى أن القوة ثابتة للّه عزّ وجلّ في حال اجتماعها). [معاني القرآن: 1/237-239]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا، واحدتها: وصلة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وتقطعت بهم الأسباب}: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا. والسبب الحبل وكل شيء بين اثنين من عهد أو رحم فهو سبب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)).). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وتقطّعت بهم}, يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا).[تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}
يعني به: السادة , والأشراف {من الّذين اتّبعوا}, وهم الأتباع, والسفلة.
{ورأوا العذاب}, يعنى به: التابعون , والمتبوعون، {وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: انقطع وصلهم الذي كان جمعهم.
كما قال:{لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} : فبينهم وصلهم, والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا.
وإنما ضمّت الألف في قوله {اتّبعوا}لضمّة التاء، والتاء ضمت علامة ما لم يسمّ فاعله.
فإن قال قائل: فما لم يسم فاعله مضموم الأول، والتاء المضمومة في {اتّبعوا} ثالثة، قيل إنما يضم لما لم يسم فاعله الأول من متحركات الفعل، فإذا كان في الأول ساكن اجتلبت له ألف الوصل، وضم ما كان متحركاً, فكان المتحرك من اتبعوا التاء الثانية فضمت دليلاً على ترك الفاعل، وأيضاً فإن في {اتّبعوا}ألف وصل دخلت من أجل سكون فاء الفعل؛ لأن مثاله من الفعل افتعلوا، فالألف ألف وصل, ولا يبنى عليه ضمة الأول في فعل لم يسمّ فاعله، والفاء ساكنة، والسّاكن لا يبنى عليه فلم يبق إلا الثالث، وهو التاء فضمت علماً للفعل الذي لم يسم فاعله، فكان الثالث لهذه العلة هو الأول). [معاني القرآن: 1/239-240]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حسراتٍ} : الحسرة: أشدّ الندامة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الحسرة): أشد الندامة). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لو أنّ لنا كرّةً}, أي: رجعة, {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم} ,يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالاً لغير اللّه، فضاعت, وبطلت). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار}
أي: عودة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، موضع "أن" رفع، المعنى : لو وقع لنا كرور , لتبرأنا منهم، كما تبرأوا منا، يقال : تبرأت منهم تبرؤا، وبرئت منه براءة , وبرئت من المرض , وبرأت أيضاً, لغتان: أبرأ، برءا، وبريت القلم , وغيره , وأبريه غير مهموز، وبرأ اللّه الخلق برءاً.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات}
أي: كـ تبرّي بعضهم من بعض , يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم؛ لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عزّ وجلّ:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {حبطت أعمالهم}, ومعنى:{أضلّ أعمالهم}, لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملاً, لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كرة}, أي: رجعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَسْـــــرَةِ}: أشد الندامـــة). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({خطوات الشّيطان}, هي الخطى، واحدتها: خطوة، ومعناها: أثر الشيطان). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خطوات الشيطان}: قالوا خطاه، وكل معصية فهي من خطوات الشيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}, أي: لا تتبعوا سبيله, ومسلكه, وهي جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين - بضم الخاء - , والخطوة: الفعلة الواحدة، بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها اللّه، ويحلون أشياء حرمها الله). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
هذا على ضربين: أحدهما الإباحة لأكل جميع الأشياء إلا ما قد حظر الله عزّ وجلّ من الميتة , وما ذكر معها، فيكون {طيّباً}نعتاً للحلال، ويكون طيباً نعتا لما يستطاب، والأجود أن يكون {طيّباً} من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا وتنفقوا مما يحرم عليكم , كقوله عزّ وجلّ:
{ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}: أكثر القراءة خطوات بضم الخاء والطاء، وإن شئت أسكنت الطاء.
{خطوات} لثقل الضمة، وإن شئت خطوات، وهي قراءة شاذة , ولكنها جائزة في العربية قوية، وأنشد الخليل, وسيبويه, وجميع البصريين النحويين:
ولما رأونا باديا ركباتنا= على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرقه، أي: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان). [معاني القرآن: 1/241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خطوات الشيطان}, أي: سبيله , ومسلكه، وهو جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين, والخطوة بالفتح: الفعلة الواحدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُطُــــوَاتِ}: طرق المعاصــي). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولو كان آباؤهم...}
تنصب هذه الواو؛ لأنها ولو عطفٍ أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست بـ (أو) التي واوها ساكنة؛ لأن الألف من , أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط؛ فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت.
وإنما عيّرهم الله بهذا لما قالوا: {بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا} , قال الله تبارك وتعالى: يا محمد قل {أولو كان آباؤهم}, فقال "آباؤهم" لغيبتهم، ولو كانت "آباؤكم" لجاز؛ لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا؛ مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم, ومثله:{أولو كان الشّيطان يدعوهم}، {أولم يسيروا}.
ومن سكّن الواو من قوله: {أو آباؤنا الأوّلون} في الواقعة , وأشباه ذلك في القرآن، جعلها "أو" التي تثبت الواحد من الاثنين, وهذه الواو في فتحها بمنزلة قوله: {أثمّ إذا ما وقع} دخلت ألف الاستفهام على "ثمّ" , وكذلك :{أفلم يسيروا}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألفينا عليه آباءنا}: أي: وجدنا). [مجاز القرآن: 1/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً}, الألف ليست ألف الاستفهام, أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريراً بغير الاستفهام,{أولو كان آباؤهم لا يعلقون شيئاً}, أي: وإن كان آباؤهم.
{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, إنما الذي ينعق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به وهي الغنم؛ تقول: كالغنم التي لا تسمع التي ينعق بها راعيها؛ والعرب تريد الشيء فتحوّله إلى شيء من سببه، يقولون: أعرض الحوض على الناقة وإنما تعرض الناقة على الحوض، ويقولون: هذا القميص لا يقطعني، ويقولون: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما أدخلت رأسك في القلنسوة، وكذلك الخفّ، وهذا الجنس؛ وفي القرآن:{ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة}, ما إنّ العصبة لتنوء بالمفاتح: أي: تثقلها, والنعيق: الصياح بها، قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما= منّتك نفسك في الخلاء ضلالا). [مجاز القرآن: 1/63-64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (في التفسير {ألفينا}: وجدنا). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا}, أي: وجدنا عليه آباءنا). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
معنى: {ألفينا}: صادفنا، فعنّفهم اللّه , وعاب عليهم تقليدهم آباءهم.
فقال: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
المعنى: أيتبعون آباءهم , وإن كانوا جهالاً, وهذه الواو مفتوحة ؛ لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف التوبيخ، وهي ألف الاستفهام , فبقيت الواو مفتوحة على ما يجب لها). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ألفينا عليه آباءنا},أي: وجدنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَلْفَيْنَـــا}: وجدنـــا). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق...}
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبّههم بالراعي,ولم يقل: كالغنم, والمعنى - والله أعلم - : مثل الذين كفرواكمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها, فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن , وإنذار الرسول, فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى - والله أعلم - في المرعي, وهو ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف, وقال الشاعر:
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذى المطارة عاقل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة , وعلٍ على مخافتي,وقال الآخر:
كانت فريضة ما تقول كما = كان الزناء فريضة الرّجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء, فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها ؛ لإتّضاح المعنى عند العرب, وأنشدني بعضهم:
إن سراجا لكريم مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين: لا تحلى به، إنما يحلى هو بها.
وفيها معنىً آخر: تضيف المثل إلى الذين كفروا, وإضافته في المعنى إلى الوعظ؛ كقولك : مثل وعظ الذين كفروا , وواعظهم كمثل الناعق؛ كما تقول: إذا لقيت فلاناً, فسلّم عليه تسليم الأمير, وإنما تريد به: كما تسلّم على الأمير,وقال الشاعر:
فلست مسلّما ما دمت حيّاً = على زيدٍ بتسليم الأمير
وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون...}
رفع؛ وهو وجه الكلام؛ لأنه مستأنف خبرٍ، يدلّ عليه قوله: {فهم لا يعقلون} كما تقول في الكلام: هو أصمّ فلا يسمع، وهو أخرس فلا يتكلّم, ولو نصب على الشتمّ مثل الحروف في أوّل سورة البقرة في قراءة عبد الله:{وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون صمّاً بكماً عمي}لجاز). [معاني القرآن: 1/100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كمثل الذي ينعق}: يصوت للغنم، كالراعي. شبه النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه من لا يتفهم عنه بالراعي يصوت للغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً}, أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم, فحذف «ومثلنا» اختصاراً, إذ كان في الكلام ما يدل عليه، على ما بينت في «تأويل المشكل».
{كمثل الّذي ينعق}, وهو: الراعي، يقال: نعق بالغنم ينعق بها إذا صاح بها.
{بما لا يسمع} , يعني: الغنم.
{إلّا دعاءً ونداءً}حسب، ولا يفهم قولاً). [تفسير غريب القرآن: 68-69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}
وضرب اللّه عزّ وجلّ لهم هذا المثل، وشبههم بالغنم المنعوق بها بما لا يسمع منه إلا الصوت، فالمعنى: مثلك يا محمد، ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به، بما لا يسمع، لأن سمعهم ما كان ينفعهم، فكانوا في شركهم ,وعدم قبول ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع، والعرب تقول لمن يسمع , ولا يعمل بما يسمع: أصم.
قال الشاعر:
= أصمّ عمّا ساءه سميع
وقوله عزّ وجلّ :{صمّ بكم عمي}
وصفهم بالبكم , وهو الخرس، وبالعمى؛ لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمي, وقد شرحنا هذا في أول السورة شرحا كافيا إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومثل الذين كفروا.. }الآية, أراد: ومثل الذين كفروا , ومثلنا في وعظهم كمثل الراعي الذي ينعق بما لا يسمع، وهي الغنم, وفي الكلام حذف, واختصار معجز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يَعْقِلُونَ}: لا يميزون, {يَنْعِقُ}: يصيح بالغنم). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير...}
نصب لوقوع "حرّم" عليها, وذلك أن قولك "إنّما" على وجهين:-
أحدهم: ا أن تجعل "إنّما" حرفا واحدا، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها في الأسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت؛ فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنّما مالي مالك, فهذا حرف واحد.
وأمّا الوجه الآخر: فأن بجعل "ما" منفصلة من (إنّ) , فيكون "ما" على معنى الذي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة؛ كقولك إنّ ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابّتك, تريد: إن الذي ركبت دابتك، وإن الذي أخذت مالك, فأجرهما على هذا.
وهو في التنزيل في غير ما موضع؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى: {إنّما الل‍ّه إلهٌ واحدٌ}، {إنّما أنت نذيرٌ} فهذه حرف واحد، هي وإنّ، لأن "الذي" لا تحسن في موضع "ما".
وأمّا التي في مذهب (الذي) فقوله: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحرٍ, ولو قرأ قارئ:{إنما صنعوا كيد ساحر}, نصباً, كان صواباً إذا جعل إنّ وما حرفاً واحداً, وقوله: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثاناً مودّة بينكم} قد نصب المودّة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله:{إنما مودّة بينكم في الحياة الدنيا}, فهذه حجّة لمن رفع المودّة؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الذي صنعتموه ليس بنافع، مودّة بينكم ثم تنقطع ببعد , فإن شئت رفعت المودّة بـ "بين"؛ وإن شئت أضمرت لها اسماً قبلها يرفعها؛ كقوله :{سورةٌ أنزلناها}, وكقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك}.
فإذا رأيت "إنّما" في آخرها اسم من الناس, وأشباههم ممّا يقع عليه "من" فلا تجعلنّ "ما" فيه على جهة (الذي)؛ لأن العرب لا تكاد تجعل "ما" للناس. من ذلك: إنّما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك؛ لأن "ما" لا تكون للناس.
فإذا كان الاسم بعد "إنّما" وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان؛ فقلت: إنّما سكنت دارك., وإن شئت: دارك, وقد تجعل العرب "ما" في بعض الكلام للناس، وليس بالكثير.
وفي قراءة عبد الله: {والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى}, وفي قراءتنا: {وما خلق الذّكر والأنثى}, فمن جعل {ما خلق} للذكر والأنثى , جاز أن يخفض "الذكر والأنثى", كأنه قال : والذي خلق الذكر والأنثى., ومن نصب "الذكر" جعل "ما" و"خلق" كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه, والخفض فيه على قراءة عبد الله حسن، والنصب أكثر.
ولو رفعت {إنّما حرّم عليكم الميتة}, كان وجهاً,
وقد قرأ بعضهم: {إنما حرّم عليكم المّيتة}, ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة , والدم؛ لأنك إن جعلت "إنّما"حرفا واحدا رفعت الميتة والدم؛ لأنه فعل لم يسمّ فاعله، وإن جعلت "ما" على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم؛ لأنه خبر لـ"ما").
[معاني القرآن: 1/100-102]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ به لغير اللّه...}
الإهلال: ما نودي به لغير الله على الذباح , وقوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}, غير في هذا الموضع حال للمضطرّ؛ كأنك قلت: فمن اضطرّ , لا باغياً, ولا عادياً, فهو له حلال, والنصب ها هنا بمنزلة قوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد}, ومثله : {إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , و"غير" ها هنا لا تصلح , "لا" في موضعها؛ لأنّ "لا" تصلح في موضع غير. وإذا رأيت "غير" يصلح "لا" في موضعها , فهي مخالفة "لغير" التي لا تصلح "لا" في موضعها.
ولا تحلّ الميتة للمضطرّ إذا عدا على الناس بسيفه، أو كان في سبيل من سبل المعاصي, ويقال: إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها، ولا أن يتزوّد منها شيئاً, إنما رخّص له فيما يمسك نفسه). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما أهلّ به},أي: وما أريد به، وله مجاز آخر، أي: ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم، ولم يرد به الله عز وجل, جاء في الحديث: أرأيت من لا شرب , ولا أكل , ولا صاح , فاستهلّ : أليس مثل ذلك يطل؟.
{غير باغٍ ولا عادٍ}, أي: لا يبغي , فيأكله غير مضطر إليه، ولا عادٍ شبعه). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {إنّما حرّم عليكم الميتة} , وإنما هي "الميّتة" خففت , وكذلك قوله: {بلدةً ميتاً} , يريد به "ميّتا" , ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" , و"ليّن": هين" و"لين" خفيفة, قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتٍ = إنّما الميت ميّت الأحياء
فثقل وخفف في معنى واحد, فأما {الميتة}, فهي الموت). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أهل به}: أريد به.
{غير باغ ولا عاد}: لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عاد شبعه). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن اضطرّ غير باغٍ}, أي: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه, ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع , ويتزوّد.
{وما أهلّ به لغير اللّه},أي: ما ذبح لغير اللّه, وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم اللّه، فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به, وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتّلبية, واستهلال الصبيّ منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء). [تفسير غريب القرآن: 69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
النّصب في {الميتة}, وما عطف عليها هو القراءة، ونصبه لأنه مفعول به، دخلت " ما " تمنع إنّ من العمل، ويليها الفعل، وقد شرحنا دخول ما مع إن، ويجوز : إنما حرم عليكم الميتة، والذي أختاره أن يكون ما تمنع أن من العمل، ويكون المعنى : ما حرم عليكم إلا الميتة، والدم , ولحم الخنزير؛ لأن " إنما " تأتي إثباتاً لما يذكر بعدها لما سواه.
قال الشاعر:
أنا الزائد الحامي الذمار وإنما= يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، فالاختيار ما عليه جماعة القراء ؛ لإتباع السنة، وصحته في المعنى..
ومعنى {ما أهلّ به لغير الله} أي: ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله عليه , وهذا موجود في اللغة, ومنه الإهلال بالحج , إنما هو رفع الصوت بالتلبية.
والميتة: أصلها الميّتة، فحذقت الياء الثانية استخفافاً, لثقل الياءين , والكسرة , والأجود في القراءة الميتة بالتخفيف.
وكذلك في قوله: {أومن كان ميتاً فأحييناه} أصله: أو من كان ميّتا بالتشديد، وتفسير الحذف, والتخفيف فيه كتفسيره في الميتة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}
في تفسيرها ’ ومعناها ثلاثة أوجه:
1- قال بعضهم: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}, أي : فمن اضطر جائعاً غير باغ - غير آكلها تلذذا - ولا عاد, ولا مجاوز ما يدفع عن نفسه الجوع، فلا إثم عليه.

2- وقالوا: {غير باغ}: غير مجاوز قدر حاجته , وغير مقصر عما يقيم به حياته،
3- وقالوا: أيضا: معنى غير باغ على إمام, وغير متعد على أمته.

ومعنى البغي في اللغة: قصد الفساد، يقال: بغى الجرح يبغي بغياً, إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة, ويقال: بغى الرجل حاجته يبغيها بغاء., والعرب تقول خرج في بغاء إبله , قال الشاعر:
لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم= إنّ الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
ويقال: بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت, قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً}أي: على الفجور .
ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا, أي: صلح له أن يفعل كذا, وكأنه قال: طلب فعل كذا , فانطلب له، أي: طاوعه، ولكن اجتزئ , بقولهم ابتغى،
والبغايا في اللغة شيئان:
1- البغايا الفواجر.
2- والبغايا الإماء، قال الأعشى:

والبغايا يركضن أكسية ألا= ضريج والشرعبيّ ذا الأذيال
ونصب {غير باغ} على الحال). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وما أهل به لغير الله} أي: ما ذبح لغير الله تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غير باغ}, أي: على المسلمين، مفارق للجماعة، {ولا عاد} عليهم بسيفه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ بِهِ}: أريد به, {بَاغٍ}: يأكل من غير مجاعة, {عَادٍ}: يشبع منها). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
يعني: علماء اليهود الذين كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ويشترون به ثمناً قليلاً} , أي: كتموه ؛ لأنهم أخذوا على كتمانه الرّشى.
{أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}: المعنى: أن الذين يأكلونه , يعذبون به، فكأنهم: إنما أكلوا النار, وكذلك قوله عزّ وجلّ:ئ{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}
أي: يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة.
و (الّذين) نصب ب (إنّ)، وخبر (إنّ) جملة الكلام , وهي {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}, و (أولئك) رفع بالابتداء , وخبر (أولئك}: {ما يأكلون في بطونهم إلّا الار}.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة}
فيه غير قول:
1-
قال بعضهم معناه يغضب عليهم، كما تقول: فلان لا يكلم فلاناً, تريد هو غضبان عليه.

2- وقال بعضهم معنى {لا يكلمهم اللّه يوم القيامة}: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية،
3- وجائز إن يكون: {لا يكلمهم الله}: لا يسمعهم الله كلامه، ويكون الأبرار , وأهل المنزلة الذين رضي اللّه عنهم يسمعون كلامه.

وقوله عزّ وجلّ: {ولا يزكّيهم}
أي: لا يثنى عليهم، ومن لا يثني اللّه عليه , فهو معذب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم}
معنى {أليم}: مؤلم , ومعنى مؤلم : مبالغ في الوجع). [معاني القرآن: 1/245]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار...}
فيه وجهان:
أحدهما معناه: فما الذي صبّرهم على النار؟,
والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! .

قال الكسائيّ: سألني قاضى اليمن وهو بمكّة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حقّ صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! , وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلامً, كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: (ما) في هذا الموضع في معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبّرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
قال: {فما أصبرهم على النّار}, فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجباً من كفره,وقال بعضهم {فما أصبرهم}, أي: ما أصبرهم، و: ما الذي أصبرهم). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فما أصبرهم على النار}: ما أجراهم عليها.
قالوا في التفسير ما أعملهم بأعمال أهل النار،
وقالوا معناها: فما الذي صبرهم على النار. ويقال اختصم رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له الآخر: ما أصبرك على الله أي ما أصبرك على عذاب الله كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم).
[غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: ما أجرأهم,
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه, فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه, ويقال منه قوله: {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} .

قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار, وهو وجه حسن, يريد ما أدومهم على أعمال النار, وتحذف الأعمال.
قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار، بمعنى : ما الذي أصبرهم على ذلك , ودعاهم إليه,وليس بتعجب). [تفسير غريب القرآن: 69-70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
{فما أصبرهم على النّار}: وفيه غير وجه:
1- قال بعضهم: أيّ شيء أصبرهم على النار؟.

2- وقال بعضهم: فما أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار ؛ لأن هؤلاء كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى النار.
كما تقول: ما أصبر فلاناً على الجنس ,أي: ما أبقاه منه). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فما أصبرهم على النار} , أي:
1-
أجرأهم,
2-وقيل: ما أعملهم بعمل أهل النار,
3-وقيل: المعنى ما الذي يصبرهم على ذلك، وهو تقرير بلفظ الاستفهام).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}
قال: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} , فالخبر مضمر , كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم : بأن الله نزل الكتاب؛ لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم , فالكتاب حق). [معاني القرآن: 1/122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
المعنى: الأمر ذلك، أو ذلك الأمر , فذلك مرفوع بالابتداء, أو بخبر الابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
بتباعد بعضهم في مشاقّة بعض؛ لأن اليهود والنصارى هم الّذين اختلفوا في الكتاب, ومشاقتهم بعيدة). [معاني القرآن: 1/246]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [لآيات من 177 إلى 188]

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم...}
إن شئت رفعت "البرّ" , وجعلت "أن تولوا" في موضع نصب,
وإن شئت نصبته وجعلت "أن تولّوا" في موضع رفع؛ كما قال: {فكان عاقبتهما أنّهما في النّار} في كثير من القرآن, وفي إحدى القراءتين "ليس البرّ بأن"، فلذلك اخترنا الرفع في "البرّ"، والمعنى في قوله: {ليس البرّ بأن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} , أي: ليس البرّ كله في توجّهكم إلى الصلاة , واختلاف القبلتين , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه}, ثم وصف ما وصف إلى آخر الآية, وهي من صفات الأنبياء لا لغيرهم.

وأمّا قوله: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} , فإنه من كلام العرب أن يقولوا: إنما البرّ الصادق الذي يصل رحمه، ويخفى صدقته , فيجعل الاسم خبرا للفعل والفعل خبراً للاسم؛ لأنه أمر معروف المعنى.
فأمّا الفعل الذي جعل خبراً للاسم فقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم}, فـ (هو) كناية عن البخل. فهذا لمن جعل "الذين" في موضع نصبٍ , وقرأها "تحسبنّ" بالتاء, ومن قرأ بياء جعل "الذين" في موضع رفع، وجعل (هو) عماداً للبخل المضمر، فاكتفى بما ظهر في "يبخلون" من ذكر البخل؛ ومثله في الكلام:
هم الملوك وأبناء الملوك لهم = والآخذون به والساسة الأول
قوله: به يريد: بالملك، وقال آخر:
إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
يريد : إلى السفه.
وأما الأفعال التي جعلت أخباراً للناس , فقول الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى= ولكنما الفتان كلّ فتىً ندي
فجعل "أن" خبراً للفتيان.
وقوله: {من آمن باللّه} , (من) في موضع رفع، وما بعدها صلة لها، حتى ينتهي إلى قوله: {والموفون بعهدهم}, فتردّ "الموفون" على "من" , و"والموفون" من صفة "من" ؛ كأنه: من آمن , ومن فعل , وأوفى, ونصبت{الصابرين}؛ لأنها من صفة "من" , وإنما نصبت لأنها من صفة اسم واحد، فكأنه ذهب به إلى المدح؛ والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذمّ , فيرفعون إذا كان الاسم رفعاً, وينصبون بعض المدح ؛ فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجدّدٍ غير متبع لأوّل الكلام؛ من ذلك قول الشاعر:
لا يبعدن قومى الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ= والطيّبين معاقد الأزر
وربما رفعوا (النازلون) , و(الطيبون)، وربما نصبوهما على المدح، والرفع على أن يتبع آخر الكلام أوّله, وقال بعض الشعراء:
إلى الملك القرم وابن الهمام = وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغمّ الأمور = بذات الصليل وذات الّلجم
فنصب (ليث الكتيبة) , و(ذا الرأي) على المدح والاسم قبلهما مخفوض؛ لأنه من صفة واحدٍ، فلو كان الليث غير الملك لم يكن إلا تابعاً, كما تقول مررت بالرجل والمرأة، وأشباهه, قال: , وأنشدني بعضهم:
فليت التي فيها النجوم تواضعت = على كل غثّ منهم وسمين
غيوث الحيا في كل محلٍ ولزبةٍ = أسود الشّرى يحمين كلّ عرين
فنصب, ونرى أنّ قوله: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة}, أنّ نصب "المقيمين" على أنه نعت للراسخين، فطال نعته , ونصب على ما فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله : "والمقيمون - والمؤتون" , وفي قراءة أبيّ : "والمقيمين" , ولم يجتمع في قراءتنا وفي قراءة أبيّ إلا على صوابٍ, و الله أعلم.
حدّثنا الفرّاء قال: وقد حدثني أبو معاوية الصرير , عن هشام بن عروة , عن أبيه, عن عائشة : أنها سئلت عن قوله: {إنّ هذان لساحران}, وعن قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} , وعن قوله: {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة} , فقالت: يا ابن أخي , هذا كان خطأ من الكاتب.
وقال فيه الكسائيّ: "والمقيمين" موضعه خفض يردّ على قوله: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هم , والمؤتون الزكاة, قال: وهو بمنزلة قوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين},
وكان النحويّون يقولون: "المقيمين" مردودة على {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك... إلى المقيمين} , وبعضهم:{لكن الراسخون في العلم منهم}, ومن "المقيمين" , وبعضهم "من قبلك" , ومن قبل "المقيمين".

وإنما امتنع من مذهب المدح - يعني الكسائيّ - الذي فسّرت لك ؛ لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم يتمم الكلام في سورة النساء, ألا ترى أنك حين قلت: {لكن الراسخون في العلم منهم }, إلى قوله:{والمقيمين ... والمؤتون}, كأنك منتظر لخبره وخبره في قوله: {أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً} , والكلام أكثره على ما وصف الكسائي, ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام في الناقص , وفي التامّ كالواحد؛ ألا ترى أنهم قالوا في الشعر:
حتى إذا قملت بطونكم= ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا = إنّ اللئيم العاجز الخبّ
فجعل جواب {حتى إذا}بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فيه واو، فاجتزئ بالإتباع , ولا خبر بعد ذلك, وهذا أشدّ ما وصفت لك.
ومثله في قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها}
, ومثله, وفي قوله: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم} جعل بالواو, وفي قراءة عبد الله :{فلمّا جهّزهم بجهازهم وجعل السّقاية}, وفي قراءتنا بغير واو, وكلٌّ عربيّ حسن.

وقد قال بعضهم:{وآتى المال على حبه ذوي القربى ...والصابرين}, فنصب الصابرين على إيقاع الفعل عليهم, والوجه أن يكون نصباً على نيّة المدح؛ لأنه من صفة شيء واحد, والعرب تقول في النكرات كما يقولونه في المعرفة , فيقولون: مررت برجل جميل وشابّاً بعد، ومررت برجل عاقل وشرمحاً طوالا؛ وينشدون قوله:
ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ = وشعثاً مراضيع مثل السّعالي
(وشعثٍ) , فيجعلونها خفضا بإتباعها أوّل الكلام، ونصباً على نية ذمّ في هذا الموضع). [معاني القرآن: 1/103-108]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله}, فالعرب تجعل المصادر صفاتٍ، فمجاز البرّ ها هنا: مجاز صفة ل(من آمن بالله)، وفي الكلام: ولكن البارّ من آمن بالله، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي= على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
{والموفون بعهدهم}: رفعت على موالاة قوله: {ولكنّ البرّ من آمن بالله}, وفي وفعل {والموفون بعهدهم}, ثم أخرجوا :{والصّابرين في البأساء} من الأسماء المرفوعة، والعرب تفعل ذلك إذا كثر الكلام؛ سمعت من ينشد بيت خرنق بنت هفّان من بني سعد بن ضبيعة، رهط الأعشى:
لا يبعدن قومي الذين هم= سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معتركٍ= والطيبين معاقد الأزر
فيخرجون البيت الثاني من الرفع إلى النصب، ومنهم من يرفعه على موالاة أوله في موضع الرفع). [مجاز القرآن: 1/65-66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين}, ثم قال: {وآتى المال على حبّه} , {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} , فهو على أول الكلام :{ولكنّ البرّ برّ من آمن باللّه وأقام الصلاة وآتى الزكاة} , ثم قال: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين}, فـ{الموفون} رفع على "ولكنّ الموفين" يريد "برّ الموفين" , فلما لم يذكر "البرّ" , أقام {الموفون} مقام البرّ كما قال: {وسأل القرية} فنصبها على {اسأل} , وهو يريد "أهل القرية"، ثم نصب {الصّابرين} على فعل مضمر كما قال: {لّكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون} , ثم قال: {والمقيمين}, فنصب على فعل مضمر , ثم قال: {والمؤتون الزّكاة} , فيكون رفعاً على الابتداء , أو بعطفه على "الراسخين", قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ = والطّيّبون معاقد الأزر
ومنهم من يقول "النازلون" و"الطيبين",
ومنهم من يرفعهما جميعاً, وينصبهما جميعاً كما فسرت لك, ويكون {الصّابرين} معطوفاً على {ذوي القربى} , {وآتى الصّابرين}.

وقال: {في البأساء والضّرّاء} , فبناه على "فعلاء" وليس له "أفعل" لأنه اسم، كما قد جاء "أفعل" في الأسماء ليس معه "فعلاء" نحو "أحمد".
وقد قالوا "أفعل" في الصفة ولم يجئ له "فعلاء"، قالوا: "أنت من ذاك أوجل" و"أوجر" , ولم يقولوا: "وجلاء" ولا "وجراء" , وهما من الخوف, ومنه "رجلٌ أوجل" و"أوجر").
[معاني القرآن: 1/124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابن السّبيل}: الضّيف , و{والصّابرين في البأساء},أي: في الفقر,وهو من البؤس.
{والضّرّاء}: المرض والزّمانة والضر, ومنه يقال: ضرير بيّن الضّر, فأما الضّر - بفتح الضاد - فهو ضدّ النفع.
{وحين البأس}, أي : حين الشدّة, ومنه يقال: لا بأس عليك, وقيل للحرب: البأس). [تفسير غريب القرآن: 70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
المعنى: ليس البر كله في الصلاة , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه } إلى آخر الآية،
فقيل:إن هذا خصوص في الأنبياء وحدهم؛ لأن هذه الأشياء التي وصفت لا يؤديها بكليتها على حق الواجب إلا الأنبياء عليهم السلام, وجائز أن يكون لسائر الناس، لأن اللّه عزّ وجلّ قد أمر الخلق بجميع ما في هذه الآية.

ولك في البرّ وجهان:
1- لك أن تقرأ :{ليس البرّ أن تولّوا}, و {ليس البرّ أن تولّوا}, فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم، فيكون المعنى: ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه، ومن رفع البر فالمعنى: ليس البّر كله توليتكم، فيكون البر اسم ليس، وتكون{أن تولّوا} الخبر.

وقوله عزّ وجلّ: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}
إذا شددت (لكنّ) نصبت البر، وإذا خففت رفعت البر، فقلت ولكن البر من آمن باللّه، وكسرت النون من التخفيف لالتقاء السّاكنين، والمعنى: ولكن ذا البر من آمن باللّه،
ويجوز أن تكون: ولكن البر بر من آمن باللّه، كما قال الشاعر:

وكيف تواصل من أصبحت= خلالته كأبي مرحب
المعنى كخلالة أبي مرحب, ومثله:{واسأل القرية الّتي كنّا فيها}
المعنى: وأسال أهل القرية.
وقوله عزّ وجلّ: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}.
في رفعها قولان:
الأجود أن يكون: مرفوعاً على المدح؛ لأن النعت إذا طال , وكثر رفع بعضه , ونصب على المدح.

المعنى: هم الموفون بعهدهم , وجائز أن يكون معطوفاً على من, المعنى: ولكن البر، وذو البر المؤمنون, والموفون بعهدهم.
وقوله عزّ وجلّ: {والصّابرين}
في نصبها وجهان: أجودهما: المدح كما وصفنا في النعت إذا طال.
المعنى: أعني الصابرين،
قال بعض النحويين: إنه معطوف على ذوي القربى.

كأنه قال: وآتي المال على حبه ذوي القربى , والصابرين , وهذا لا يصلح إلا أن يكون: والموفون رفع على المدح للمضمرين؛ لأن ما في الصلة لا يعطف عليه بعد المعطوف على الموصول.
ومعنى {وحين البأس},أي: شدة الحرب، يقال: قد بأس الرجل يبأس بأساً وباساً, وبؤساً, يا هذا إذا افتقر, وقد بؤس الرجل ببؤس، فهو بئيس ؛ إذا اشتدت شجاعته). [معاني القرآن: 1/246-248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وابن السبيل}: المسافر المحتاج، وقيل: الضيف الغريب, {في البأساء}: في الفقر , {والضراء}: الزمانة، والضر بالضم: الوجع والمرض، والضر بالفتح: ضد النفع, {وحين البأس}: حين الشدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى...}
فإنه نزل في حيّين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف، فكانوا يتزوّجون نساءهم بغير مهور، فقتل الأوضع من الحيّين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلنّ الذكر بالأنثى والحرّ بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات، فأنزل الله تبارك وتعالى هذا على نبيّه، ثم نسخه قوله: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} إلى آخر الآية.
فالأولى منسوخة لا يحكم بها.

وأما قوله: {فاتّباعٌ بالمعروف وأداء إليه بإحسانٍ} فإنه رفع. وهو بمنزلة الأمر في الظاهر؛ كما تقول: من لقي العدوّ فصبرا واحتسابا, فهذا نصب؛ ورفعه جائز, وقوله تبارك وتعالى: {فاتّباعٌ بالمعروف} , رفع ونصبه جائز. وإنما كان الرفع فيه وجه الكلام؛ لأنها عامّة فيمن فعل ويراد بها من لم يفعل, فكأنه قال: فالأمر فيها على هذا، فيرفع, وينصب الفعل إذا كان أمرا عند الشيء يقع ليس بدائم؛ مثل قولك للرجل: إذا أخذت في عملك فجدّاً جدّاً , وسيرا سيرا, نصبت؛ لأنك لم تنو به العموم , فيصير كالشيء الواجب على من أتاه وفعله؛ ومثله قوله: {ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم} , ومثله : {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}, ومثله في القرآن كثير، رفع كله؛ لأنها عامّة. فكأنه قال: من فعل هذا فعليه هذا.
وأمّا قوله: {فضرب الرّقاب}, فإنه حثّهم على القتل إذا لقوا العدوّ؛ ولم يكن الحثّ كالشيء الذي يجب بفعلٍ قبله؛ فلذلك نصب، وهو بمنزلة قولك: إذا لقيتم العدوّ فتهليلا وتكبيرا , وصدقا عند تلك الوقعة .
قال الفرّاء: ذلك وتلك لغة قريشٍ، وتميم تقول : ذاك وتيك الوقعة , كأنه حثّ لهم، وليس بالمفروض عليهم أن يكبّروا، وليس شيء من هذا إلا نصبه جائز على أن توقع عليه الأمر؛ فليصم ثلاثة أيّامٍ، فليمسك إمساكاً بالمعروف, أو يسرّح تسريحاً بإحسانٍ). [معاني القرآن: 1/109-110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمن عفى له من أخيه شيءٌ }:أي: ترك له). [مجاز القرآن: 1/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان ذلك تخفيفٌ مّن رّبّكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ}
قال: {فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان}, أي: "فعليه اتباعٌ بالمعروف أو أداءٌ إليه بإحسان" , على الذي يطلب). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فمن عفي له من أخيه شيء}: ترك له). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم القصاص}, قال ابن عباس: كان القصاص في بني إسرائيل , ولم تكن فيهم الدّية, فقال اللّه عز وجل لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص}.
والكتاب يتصرّف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل».
{فمن عفي له من أخيه شيءٌ}, قال: قبول الدية في العمد، والعفو عن الدم.
{فاتّباعٌ بالمعروف},أي: مطالبة بالمعروف, يري: د ليطالب آخذ الدية الجاني مطالبة لا يرهقه فيها.
{وأداءٌ إليه بإحسانٍ}, أي: ليوأد المطالب ما عليه أداء بإحسان, لا يبخسه, ولا يمطله مطل مدافع.
{ذلك تخفيفٌ من ربّكم}: عما كان على من قبلكم, يعني: القصاص, {ورحمةٌ}لكم.
{فمن اعتدى بعد ذلك},أي: قتل بعد أخذ الدية، فله عذاب أليم , قال قتادة: يقتل, ولا تؤخذ منه الدية.
وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم: ((لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذه الدية)).). [تفسير غريب القرآن: 71-72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}
معنى {كتب عليكم}: فرض عليكم،
وقوله {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثثى} يقال : إنه كان لقوم من العرب طول على آخرين , فكانوا يتزوجون فيهم بغير مهور، ويطلبون بالدم أكثر من مقداره، فيقتلون بالعبد من عبيدهم الحر من الذين لهم عليهم طول , فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} أي: من ترك له القتل , ورضي منه بالدّية , وهو قاتل متعمد للقتل , عفي له بأن ترك له دمه، ورضي منه بالدية , قال اللّه عز وجلّ: {ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة}, وذكر أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم إلا النفس , كما قال عزّ وجلّ: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس}, أي: في التوراة -, فتفضل اللّه على هذه الأمة بالتخفيف , والدية إذا رضي بها , وفي الدم.

ومعنى {فاتّباع بالمعروف}على ضربين:
جائز أن يكون: فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي: المطالبة بالدية، وعلى القاتل أداء بإحسان ,
وجائز أن يكون: الإتباع بالمعروف , والأداء بإحسان جميعاً على القاتل , واللّه أعلم.

وقوله غز وجلّ: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}أي: بعد أخذ الدية، ومعنى اعتدى: ظلم، فوثب فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية ,{فله عذاب أليم},أي: موجع.
ورفع {فاتّباع بالمعروف}على معنى فعليه اتباع , ولو كان في غير القرآن لجاز , فاتباعاً بالمعروف , وأداء على معنى , فليتبع أتباعاً, ويؤد أداء, ولكن الرفع أجود في العربية, وهو على ما في المصحف, وإجماع القراء ,فلا سبيل إلى غيره). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كتب عليكم}, أي: فرض عليكم.
{فمن عفي له}, أي ترك، وقيل: يسر، وقيل: هي قبول الدية في العمد.
{فمن اعتدى بعد ذلك}, أي: قتل بعد أن أخذ الدية من الجاني، قال قتادة: يقتل , ولا تقبل منه الدية,وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أعافي أحداً بعد أخذ الدية)).). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عُفِيَ لَهُ}: ترك ما له). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكم في القصاص حياةٌ...}: يقول: إذا علم الجاني أنه يقتصّ منه: إن قتل قتل انتهى عن القتل , فحيى, فذلك قوله: "حياة"). [معاني القرآن: 1/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولكم في القصاص حياةٌ} , يريد: أن سافك الدم إذا أقيد منه، ارتدع من يهمّ بالقتل , فلم يقتل خوفاًَ على نفسه أن يقتل, فكان في ذلك حياة). [تفسير غريب القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون}
{حياة}رفع على ضربين:
1-
على الابتداء،
2- وعلى لكم؛ كأنّه قال: وثبت لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب, أي: يا ذوي العقول.

ومعنى الحياة في القصاص: أن الرجل - إذا علم أنّه يقتل إن قتل - أمسك عن القتل , ففي إمساكه عن القتل حياة الذي همّ هو بقتله, وحياة له؛ لأنه من أجل القصاص , أمسك عن القتل , فسلم أن يقتل). [معاني القرآن: 1/249]

تفسير قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم...}: معناه في كلّ القرآن: فرض عليكم). [معاني القرآن: 1/110]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين...}
كان الرجل يوصى بما أحبّ من ماله لمن شاء من وارثٍ أو غيره، فنسختها آية المواريث, فلا وصية لوارثٍ، والوصيّة في الثلث لا يجاوز، وكانوا قبل هذا يوصى بماله كلّه , وبما أحبّ منه.
و "الوصيّة" مرفوعة بـ "كتب"، وإن شئت جعلت "كتب" في مذهب , قيل: فترفع الوصية باللام في "الوالدين" كقوله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين}). [معاني القرآن: 1/110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين}
قال: {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} , فـ{الوصيّة} على الاستئناف، كأنه - والله أعلم - : {إن ترك خيراً} , فالوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً}). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً}, أي: مالًا.
{الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف}, أي: يوصي لهم , ويقتصد في ذلك، لا يسرف , ولا يضر, وهذه منسوخة بالمواريث). [تفسير غريب القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين}
المعنى: وكتب عليكم إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو،
وعلم أن معناه معني الواو؛ ولأن القصة الأولى قد استتمّت, وانقضى معنى الفرض فيها،
فعلم أن المعنى : فرض عليكم القصاص , وفرض عليكم الوصية.

ومعنى{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين}: هذا الفرض بإجماع نسخته آيات المواريث في سورة النساء وهذا مجمع عليه، ولكن لا بد من تفسيره ليعلم كيف كان وجه الحكمة فيه؛ لأن اللّه عزّ وجلّ لا يتعبد في وقت من الأوقات إلا بما فيه الحكمة البالغة,
فمعنى {كتب عليكم}: فرض عليكم - إن ترك أحدكم مالاً - الوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف}, فرفع الوصية على ضربين:
أحدهما: على ما لم يسم فاعله، كأنه قال: كتب عليكم الوصية للوالدين، أي: فرض عليكم،
ويجوز أن تكون: رفع الوصية على الابتداء، ويجوز أن تكون للوالدين الخبر، ويكون على مذهب الحكاية؛ لأن معنى كتب عليكم : قيل لكم: الوصية للوالدين والأقربين, وإنما أمروا بالوصية في ذلك الوقت ؛ لأنهم كانوا ربما جاوزوا بدفع المال إلى البعداء طلباً للرياء والسمعة.

ومعنى{حضر أحدكم الموت}: ليس هو إنّه كتب عليه أن يوصي إذا حضره الموت؛ لأنه إذا عاين الموت يكون في شغل عن الوصية وغيرها.
ولكن المعنى: كتب عليكم أن توصّوا , وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل :إذا حضرني الموت، أي : إذا أنا مت , فلفلان كذا، على قدر - ما أمر به - , والذي أمر به أن يجتهد في العدل في وقت الإمهال، فيوصي بالمعروف كما قال اللّه عزّ وجلّ :لوالديه ولأقربيه, ومعنى بالمعروف : بالشيء الذي يعلم ذو التمييز : أنه لا جنف فيه , ولا جور، وقد قال قوم: إن المنسوخ من هذا ما نسخته المواريث, وأمر الوصية في الثلث باق، وهذا القول ليس بشيء؛ لأن إجماع المسلمين أن ثلث الرجل له , إن شاء أن يوصي بشي فله، وإن ترك فجائز , فالآية في قوله: {كتب عليكم}, الوصية منسوخة بإجماع, وكما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقّاً على المتّقين}: نصب على حق ذلك عليكم حقاً, ولو كان في غير القرآن فرفع كان جائزاً, على معنى : ذلك حق على المتقين). [معاني القرآن: 1/249-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إن ترك خيرا}, أي: مالاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن بدّله بعد ما سمعه}, أي: بدل الوصية , فإثم ما بدّل عليه).
[تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميع عليم }
يعني: فمن بدل أمر الوصية بعد سماعه إيّاها، فإنما إثمه على مبدله، ليس على الموصى إذا احتاط , أو اجتهد فيمن يوصى إليه إثم، ولا على الموصى له إثم , وإنما الإثم على الموصي إن بدل.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه سميع علم}
أي: قد سمع ما قاله الموصي، وعلم ما يفعله الموصى إليه؛ لأنه عزّ وجلّ عالم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/251]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن خاف من مّوصٍ جنفاً...}
والعرب تقول: وصيّتك , وأوصيتك، وفي إحدى القراءتين :{وأوصى بها إبراهيم}, بالألف, والجنف: الجور, {فأصلح بينهم}, وإنما ذكر الموصي وحده , فإنه أنما قال "بينهم" , يريد : أهل المواريث, وأهل الوصايا؛ فلذلك قال "بينهم", ولم يذكرهم؛ لأن المعنى يدلّ على أن الصلح إنما يكون في الورثة والموصى لهم). [معاني القرآن: 1/111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من موصٍ جنفاً},أي: جوراً عن الحق، وعدولاً، قال عامر الخصفّي:
هم المولى وقد جنفوا علينا= وإنّا من لقائهم لزور
جنفوا: أي: جاروا، والمولى هاهنا في موضع الموالى، أي: بنى العم، كقوله: {يخرجكم طفلاً}). [مجاز القرآن: 1/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الجنف): الجور والعدول عن الحق ومنه {غير متجانف لإثم}). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الجنف): الميل عن الحق, يقال: جنف يجنف جنفاً.
يقول: إن خاف , أي : علم من الرجل في وصيته ميلاً عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفّه عن الجنف؛ فلا إثم عليه، أي: على الموصي.
قال طاوس: هو الرجل يوصي لولد ابنته , يريد: ابنته). [تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
أي: ميلاً, أو إثماً, أو قصداًلإثم,{فأصلح بينهم}, أي: عمل بالإصلاح بين الموصى لهم , فلا إثم عليه، أي: لأنه إنما يقصد إلى إصلاح بعد أن يكون الموصي قد جعل الوصية بغير المعروف مخالفاً لأمر اللّه , فإذا ردها الموصى إليه إلى المعروف، فقد ردها إلى ما أمر اللّه به). [معاني القرآن: 1/251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (الجنف: الميل عن الحق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الجَنَـــف}: الميـــل). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم...}:dقال: ما كتب على الذين قبلنا، ونحن نرى النصارى يصومون أكثر من صيامنا وفي غير شهرنا،؟ >
... وحدثني محمد بن أبان القرشي , عن أبى أميّة الطنافسيّ , عن الشّعبيّ أنه قال: لو صمت السنة كلها ,لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه, فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان, وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحوّلوه إلى الفصل,وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ فعدّوه ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة في أنفسهم, فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستّن سنّة الأوّل حتى صارت إلى خمسين, فذلك قوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}). [معاني القرآن: 1/111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كتب عليكم الصّيام}, أي: فرض عليكم). [مجاز القرآن: 1/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}
قال: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم الصّيام}: فرض). [تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}
المعنى: فرض عليكم الصيام فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم.
وقيل: إنه قد كان فرض على النصارى صوم رمضان فنقلوه عن وقته، وزادوا فيه، ولا أدري كيف وجه هذا الحديث، ولا ثقة ناقليه، ولكن الجملة أن اللّه عزّ وجلّ قد أعلمنا أنه فرض على من كان قبلنا الصيام، وأنه فرض علينا كما فرضه على الذين من قبلنا.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّكم تتّقون}
المعنى: أنّ الصّيام وصلة إلى التقي، لأنه من البر الذي يكف الإنسان عن كثير مما تتطلع إليه النفس من المعاصي، فلذلك قيل :{لعلّكم تتّقون}
و " لعل " ههنا على ترجي العباد، والله عزّ وجلّ من وراء العلم أتتقون أم لا, ولكن المعنى : أنه ينبغي لكم بالصوم أن يقوى رجاؤكم في التقوى). [معاني القرآن: 1/252]

تفسير قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أيّاماً مّعدوداتٍ...}
نصبت على أن كلّ ما لم تسمّ فاعله إذا كان فيها اسمان أحدهما غير صاحبه رفعت واحداً, ونصبت الآخر؛ كما تقول: أعطي عبد الله المال, ولا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة, فإن كان الآخر نعتا للأوّل , وكانا ظاهرين رفعتهما جميعاً, فقلت: ضرب عبد الله الظريف، رفعته؛ لأنه عبد الله, وإن كان نكرة نصبته , فقلت: ضرب عبد الله راكباً, ومظلوماً, وماشياً, وراكباً). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر...}
رفع على ما فسرت لك في قوله :{فاتباع بالمعروف}, ولو كانت نصبا ً, كان صواباً). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ...}
يقال: وعلى الذين يطيقون الصوم, ولا يصومون أن يطعم مسكيناً مكان كل يومٍ يفطره, ويقال: على الذين يطيقونه الفدية يريد الفداء، ثم نسخ هذا فقال تبارك وتعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لّكم} من الإطعام). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أيّاماً مّعدوداتٍ فمن كان منكم مّريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ لّه وأن تصوموا خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
ثم قال: {أيّاماً}, أي: كتب الصّيام أياماً؛ لأنك شغلت الفعل بالصيام حتى صار هو يقوم مقام الفاعل، وصارت الأيّام كأنك قد ذكرت من فعل بها.
وقال: {فمن كان منكم مّريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر} , يقول: "فعليه عدّةٌ" رفع، وإن شئت نصبت "العدّة" على "فليصم عدّةً" إلاّ أنّه لم يقرأ.
وقال: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} وقد قرئت {فدية طعام مسكين} , وهذا ليس بالجيد، إنما الطعام تفسير للفدية، وليست الفديةبإ ضافة إلى الطعام, وقوله: {يطيقونه}, يعني : الصيام, وقال بعضهم {يطوّقونه}, أي: يتكلّفون الصيام, ومن قال: {مساكين} , فهو يعني : جماعة الشهر ؛ لأن لكل يوم مسكيناً, ومن قال: {مسكين} , فإنما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد.
وقال: {وأن تصوموا خيرٌ لّكم}؛ لأن "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال:" والصيام خيرٌ لكم"). [معاني القرآن: 1/125-126]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} , أي: فعليه عدّة من أيام أخر مثل عدّة ما فاته.
{وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له} , وهذا منسوخ بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}, والشهر منصوب لأنه ظرف, ولم ينصب بإيقاع شهد عليه, كأنه قال: فمن شهد منكم في الشهر , ولم يكن مسافرا فليصم؛ لأن الشهادة للشهر قد تكون للحاضر والمسافر). [تفسير غريب القرآن: 73-74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاًأو على سفر فعدّة من أيّام أخر وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوّع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}
نصب (أيّاما) على ضربين:
أجودهما: أن تكون على الظرف كأنه كتب عليكم الصيام في هذه الأيام , والعامل فيه الصيام , كان المعنى : كتب عليكم أن تصوموا أياماً معدودات.

وقال بعض النحويين: إنه منصوب مفعول ما لم يسمّ فاعله , نحو: أعطي زيد المال, وليس هذا بشيء ؛ لأن الأيام ههنا معلقة بالصوم, وزيد والمال مفعولان لأعطى, فلك أن تقيم أيهما شئت مقام الفاعل, وليس في هذا إلا نصب الأيام بالصيام.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر}أي: فعليه عدة، أو فالذي ينوب عن صومه في وقت الصوم عدة من أيام أخر.
و( أخر) في موضع جر، إلا أنها لا تنصرف ففتح فيها المجرور.
ومعنى {وعلى الذين يطيقونه} أي: يطيقون الصوم فدية طعام مسكين، أي: إن أفطر , وترك الصوم , كان فدية تركه طعام مسكين.
وقد قرئ {طعام مساكين}فمعنى: طعام مساكين فدية أيام يفطر فيها , وهذا بإجماع , وبنص القرآن منسوخ, نسخته الآية التي تلي هذه.
وقوله عزّ وجلّ:{وأن تصوموا خير لكم}
رفع خير خبر الابتداء, المعنى : صومكم خير لكم, هذا كان خيراً لهم مع جواز الفدية، فأما ما بعد النسخ , فليس بجائز أن يقال: الصوم خير من الفدية والإفطار في هذا الوقت؛ لأنه ما لا يجوز ألبتّة فلا يقع تفضيل عليه فيوهم فيه أنه جائز, وقد قيل: إن الصوم الذي كان فرض في أول الإسلام: صوم ثلاثة أيام في كل شهر , ويوم عاشوراء، ولكن شهر رمضان نسخ الفرض في ذلك الصوم كله). [معاني القرآن: 1/253]

تفسير قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {شهر رمضان...}
رفع مستأنف أي: ولكم "شهر رمضان" {الّذي أنزل فيه القرآن} , وقرأ الحسن نصباً على التكرير "وان تصوموا" شهر رمضان "خير لكم" , والرفع أجود, وقد تكون نصباً من قوله :{كتب عليكم الصيام}, شهر رمضان, توقع الصيام عليه: أن تصوموا شهر رمضان.
وقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} دليل على نسخ الإطعام, يقول: من كان سالماً ليس بمريض, أو مقيماً, ليس بمسافر فليصم , {ومن كان مريضاً أو على سفرٍ} قضى ذلك, {يريد اللّه بكم اليسر} في الإفطار في السفر , {ولا يريد بكم العسر}: الصوم فيه). [معاني القرآن: 1/112-113]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولتكملوا العدّة...}
في قضاء ما أفطرتم, وهذه اللام في قوله:{ولتكملوا العدّة}, لام كى , لو ألقيت كان صواباً,والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعلٍ بعدها, ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواوألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إليّ، ولا تقول جئتك ولتحسن إليّ, فإذا قلته ,فأنت تريد: ولتحسن إليّ جئتك, وهو في القرآن كثير, منه قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} , ومنه قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين} , لو لم تكن فيه الواو كان شرطاً على قولك: أريناه ملكوت السموات ليكون, فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها {وليكون من الموقنين} أريناه, ومنه في غيراللام قوله: {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب}, ثم قال :{وحفظاً}, لو لم تكن الواو , كان الحفظ منصوباً بـ "زينا", فإذا كانت فيه الواو , وليس قبله شيء , ينسق عليه , فهو دليل على أنه منصوب بفعلٍ مضمرٍ بعد الحفظ؛ كقولك في الكلام: قد أتاك أخوك ومكرما لك، فإنما ينصب المكرم على أن تضمر أتاك بعده). [معاني القرآن: 1/113-114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى لّلنّاس وبيّناتٍ مّن الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون}
{ولتكملوا العدّة}, وهو معطوف على ما قبله كأنه قال "ويريد لتكملوا العدّة" , {ولتكبّروا اللّه}, وأما قوله: {يريد اللّه ليبيّن لكم}, فإنما معناه : يريد هذا ليبين لكم, قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما = تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
فمعناه: أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها, أو يكون أضمر "أن" بعد اللام وأوصل الفعل إليها بحرف الجر.
قال: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه}, فعدّى الفعل بحرف الجر، والمعنى: عرّفهم الاختلاف حتى تركوه".
ثم قال: {شهر رمضان} على تفسير الأيام، كأنه حين قال: {أيّاماً مّعدوداتٍ}, فسرها فقال: "هي شهر رمضان", وقد نصب بعضهم {شهر رمضان} , وذلك جائز على الأمر، كأنه قال: "شهر رمضان فصوموا"، أو جعله ظرفاً على {كتب عليكم الصّيام} , {شهر رمضان}, أي: "في شهر رمضان" , و"رمضان" في موضع جر ؛ لأن الشهر أضيف إليه ,ولكنه لا ينصرف.
وقال: {الّذي أنزل فيه القرآن هدىً لّلنّاس وبيّناتٍ مّن الهدى} فموضع {هدىً} و{بيّناتٌ} نصب لأنه قد شغل الفعل بـ{القرآن} , وهو كقولك: "وجد عبد الله ظريفا".
وأما قوله: {والفرقان} , فجرّ على{وبيناتٍ من الفرقان}). [معاني القرآن: 1/127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون}
القراءة بالرفع , ويجوز النصب، وهي قراءة ليست بالكثيرة , ورفعه على ثلاثة أضرب:
أحدها: الاستئناف, المعنى: الصيام الذي كتب عليكم, أو الأيام التي كتبت عليكم شهر رمضان،
ويجوز أن يكون: رفعه على البدل من الصيام , فيكون مرفوعاً على ما لم يسم فاعله، المعنى : كتب عليكم شهر رمضان.

ويجوز أن يكون: رفعه على الابتداء , ويكون الخبر: {الّذي أنزل فيه القرآن}, والوجهان اللذان شرحناهما :" الذي " فيهما رفع على صفة الشهر، ويكون الأمر بالفرض فيه :{فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}
ومعنى من شهد: من كان شاهدا غير مسافر , فليصم، ومن كان مسافراً, أو مريضاً , فقد جعل له أن يصوم عدة أيام المرض , وأيام السفر من أيام أخر، ومن نصب شهر رمضان , نصبه على وجهين:
أحدهما: أن يكون بدلا من أيام معدودات.

والوجه الثاني: على الأمر، كأنه قال : عليكم شهر رمضان, على الإغراء.
وقوله عزّ وجلّ: {يريد اللّه بكم اليسر}أي: أن ييسّر عليكم بوضعه عنكم الصوم في السفر , والمرض.
وقوله عزّ وجلّ: {ولتكمّلوا العدّة}, قرئ بالتشديد، ولتكملوا بالتخفيف, من كمّل يكمّل، وأكمل يكمل.
ومعنى اللام والعطف ههنا معنى لطيف هذا الكلام معطوف محمول على المعنى
(المعنى: فعل اللّه ذلك ؛ ليسهل عليكم , ولتكملوا العدة.
قال الشاعر:
بادت وغيّر آيهن مع البلي= إلاّ رواكد جمرهنّ هباء
ومشجج أما سواء قذا له= فبدا وغيره ساره المعزاء
فعطف مشجج على معنى بها رواكد ومشجج، لأنه إذ قال بادت إلاّ رواكد , علم أن المعنى : بقيت رواكد ومشجج). [معاني القرآن: 1/253-254]

تفسير قوله تعالى: {و إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ...}
قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف يكون ربّنا قريبا يسمع دعاءنا، وأنت تخبرنا أن بيننا وبينه سبع سموات غلظ كلّ سماءٍ مسيرة خمسمائة عامٍ وبينهما مثل ذلك؟ !, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} أسمع ما يدعون .
{فليستجيبوا لي} : يقال: إنها التلبية). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني, قال كعب الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يحبه عند ذاك مجيب). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
قوله: {يرشدون}؛ لأنها من: "رشد" "يرشد" , ولغة للعرب "رشد" "يرشد" , وقد قرئت: {يرشدون}). [معاني القرآن: 1/127]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يجبه). [تفسير غريب القرآن: 74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
المعنى: إذا قال قائل: اين اللّه؟, فالله عزّ وجلّ قريب, لا يخلو منه مكان
كما قال: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم}, وكما قال: {وهو معكم أين ما كنتم}
{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
وقوله عزّ وجلّ: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}
إن شئت قلت: إذا دعاني بياء , وإن شئت بغير ياء إلا أن المصحف يتبع, فيوقف على الحرف كما هو فيه.
ومعنى الدعاء للّه عزّ وجلّ على ثلاثة أضرب:-
فضرب منها: توحيده , والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ,وقولك: ربّنا لك الحمد، فقد دعوته: بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد, ومثله: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}
أي : يستكبرون عن توحيدي , والثناء عليّ، فهذا ضرب من الدعاء.
وضرب ثان: هو مسألة الله العفو والرحمة، وما يقرب منه , كقولك : اللهم اغفر لنا.
وضرب ثالث : هو مسألته من الدنياو كقولك:اللهم ارزقني مالا وولدا وما أشبه ذلك.
وإنما سمي هذا أجمع دعاء ؛ لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله: يا اللّه، ويا رب، ويا حي, فكذلك سمي :دعاء.
وقوله عزّ وجلّ:{فليستجيبوا لي }, أي: فليجيبوني.
قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : فلم يجبه أحد). [معاني القرآن: 1/254-255]

تفسير قوله تعالى: {حِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم...}
وفي قراءة عبد الله :{فلا رفوث ولا فسوق}, وهو الجماع فيما ذكروا؛ رفعته بـ {أحل لكم}, لأنك لم تسمّ فاعله). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فالآن باشروهنّ...}
يقول: عند الرّخصة التي نزلت ولم تكن قبل ذلك لهم, وقوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم}, يقال: الولد، ويقال: "اتبعوا" بالعين, وسئل عنهما ابن عباس , فقال: سواء). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود...}
فقال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أهو الخيط الأبيض , والخيط الأسود؟ , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(( إنك لعريض القفا؛ هو الليل من النهار)).). [معاني القرآن: 1/114-115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليلة الصّيام}: مجازها ليل الصيام، والعرب تضع الواحد في موضع الجميع، قال عامر الخصفّي:
هم المولى وقد جنفوا علينا= وإنّا من لقائهم لزور
{الرّفث}, أي: الإفضاء إلى نسائكم، أي: النكاح.
{هنّ لباسٌ لكم}: يقال لامرأة الرجل: هي فراشه، ولباسه وإزاره، ومحل إزاره، قال الجعديّ:
= تثنّت عليه فكانت لباساً). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الخيط الأبيض: هو الصبح المصدّق، والخيط الأسود : هو الليل، والخيط: هو اللون). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الليل من النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الرّفث}: الجماع, ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح.
{تختانون أنفسكم}, أي : تخونونها بارتكاب ما حرّم اللّه عليكم.
{وابتغوا ما كتب اللّه لكم}, يعني من الولد, أمر تأديب , لا فرض.
{وكلوا واشربوا}: أمر إباحة.
{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض} , وهو بياض النهار.
{من الخيط الأسود} , وهو سواد الليل, ويتبين هذا من هذا عند الفجر الثاني.
{عاكفون في المساجد}, أي : مقيمون, والعاكف: المقيم في المسجد الذي أوجب العكوف فيه على نفسه). [تفسير غريب القرآن: 74-75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون}
{الرفث}: كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة، والمعنى ههنا : كناية عن الجماع, أي : أحل لكم ليلة الصيام الجماع، لأنه كان في أول فرض الصيام الجماع محرما ًفي ليلة الصيام، والأكل والشرب بعد العشاء الآخرة والنوم, فأحل الله الجماع والأكل والشراب إلى وقت طلوع الفجر.
وقوله عزّ وجلّ: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ}
قد قيل فيه غير قول: قيل المعنى: فتعانقوهن , ويعانقنكم، وقيل : كل فريق منكم يسكن إلى صاحبه , ويلابسه , كما قال عزّ وجلّ: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها}
والعرب تسمى المرأة لباسا ً, وإزارا ً, قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ثنى عطفه= تثنّت فكانت عليه لباساً
وقال أيضا:
ألا أبلغ أبا حفص رسولاً= فدى لك من أخي ثقة إزاري
قال أهل اللغة: فدى لك امرأتي.
قوله عزّ وجلّ: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم}
قالوا معناه : الولد, ويجوز أن يكون -, وهو الصحيح عندي , واللّه أعلم .
{ وابتغوا ما كتب اللّه لكم}: اتبعوا القرآن فيما أبيح لكم فيه , وأمرتم به, فهو المبتغى.
وقوله عزّ وجلّ:{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}هما فجران:
أحدهما يبد, و أسود معترضا , وهو الخيط الأسود، والأبيض يطلع ساطعاً يملأ الأفق، وحقيقته حتّى يتبين لكم الليل من النهار، وجعل اللّه عزّ وجلّ حدود الصيام طلوع الفجر الواضح، إلا أن اللّه عزّ وجلّ بين في فرضه ما يستوي في علمه أكثر الناس.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}
معنى الباشرة هنا: الجماع, وكان الرجل يخرج من المسجد, وهو معتكف , فيجامع , ثم يعود إلى المسجد، والاعتكاف أن يحبس الرجل نفسه في مسجد جماعة يتعبّد فيه، فعليه إذا فعل ذلك ألا يجامع , وألا يتصرّف إلا فيما لا بد له منه من حاجته.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}
معنى الحدود: ما منع الله عزّ وجلّ من مخالفتها، ومعنى الحدّاد في اللغة: الحاجب، وكل من منع شيئا فهو حدّاد, وقولهم: أحدّت المرأة على زوجها , معناه: قطعت الزينة , وامتنعت منها، والحديد إنما سمي حديداً؛ لأنه يمتنع به من الأعداء, وحدّ الدّار هو ما يمنع غيرها أن تدخل فيها.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس} أي: مثل البيان الذي ذكر، المعنى: ما أمرهم به يبين لهم). [معاني القرآن: 1/255-257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الرفث}: الجماع). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الرفث}: الجماع, ورفث القول: هو الإفصاح بالخنا عن الجماع, ونحوه.
{تختانون أنفسكم} : أي: تخونونها بارتكاب ما حرم الله عليكم.
{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} تخرجون الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي: سواد الليل من بياض الفجر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36-37]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْخَيْطُ الأَبْيَضُ}: النهار, {الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} : الليل). [العمدة في غريب القرآن: 87-88]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام}, وفي قراءة أبيّ:{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تدلوا بها إلى الحكّام} فهذا مثل قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ}, معناه: ولا تكتموا, وإن شئت جعلته إذا ألقيت منه "لا" نصبا على الصرف؛ كما تقول: لا تسرق وتصدّق, معناه: لا تجمع بين هذين كذا وكذا؛ وقال الشاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله = عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
والجزم في هذا البيت جائز , أي: لا تفعلن واحداً من هذين). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فريقاً}: الفريق : هي الطائفة). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً مّن أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
قال: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام}, جزم على العطف ونصب , إذا جعله جواباً بالواو). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور.
{وتدلوا بها إلى الحكّام},أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم, ليحكم لك به , وأنت تعلم أنك ظالم له, فإن قضاءه باحتيالك في ذلك عليك , لا يحل لك شيئاً كان محرماً عليك.
وهو مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله: ((فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)).). [تفسير غريب القرآن: 75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
{تأكلوا} جزم بلا؛ لأن " لا " التي ينهي بها تلزم الأفعال دون الأسماء تأثيرها فيها بالجزم؛ لأن الرفع يدخلها، بوقوعها موضع الأسماء والنصب يدخلها لمضارعة الناصب فيها الناصب للأسماء، وليس فيها بعد هذين الحيزين إلا الجزم, ومعنى {بالباطل },أي: بالظلم.
{وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم , ويتركون ما قد علمتم أنه الحق، ومعنى تدلوا في اللغة: إنّما أصله من أدليت الدلو إذا أرسلتها للمليء، ودلوتها إذا أخرجتها، ومعنى أدلى لي فلان بحجته : أرسلها, وأتى بها على صحة، فمعنى {وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجة، وتخونون في الأمانة.
{لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} أي: وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن، وإن ظهرخلافها.
ويجوز أن يكون: موضع:{وتدلوا }جزماً, ونصباً, فأما الجزم , فعلى النهي.
معطوف على : {ولا تأكلوا},
ويجوز أن تكون: نصباً على ما تنصب الواو، وهو الذي يسميه بعض النحويين: الصرف، ونصبه بإضمار أن، المعنى : لا تجمعوا بين الأكل بالباطل , والإدلاء إلى الحكام، وقد شرحنا هذا قبل هذا المكان).
[معاني القرآن: 1/257-258]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: شهادات الزور، {وتدلوا بها}, أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم , وأنت تعلم أنك ظالم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 189 إلى 196]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الأهلّة...}
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان القمر وزيادته, ما هو؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ذلك لمواقيت حجكم, وعمرتكم, وحلّ ديونكم, وانقضاء عدد نسائكم). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها...}
وذلك أن أهل الجاهلية ألا قريشاً, ومن ولدته قريش من العرب , كان الرجل منهم إذا أحرم في غير أشهر الحج في بيت مدرٍ , أو شعرٍ , أو خباءٍ نقب في بيته نقباً من مؤخّره , فخرج منه ودخل , ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية , والفساطيط خرج من مؤخّره , ودخل منه, فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو محرم, ورجل محرم يراه، دخل من باب حائطٍ , فاتّبعه ذلك الرجل، فقال له: ((تنحّ عني)) .
قال: ولم؟ .
قال: ((دخلت من الباب, وأنت محرم)).
قال: إني قد رضيت بسنّتك وهديك.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني أحمس)).
قال: فإذا كنت أحمس , فإني أحمس, فوفّق الله الرجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}). [معاني القرآن: 1/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} : البرّ هنافي موضع البار، ومجازها: أي: اطلبوا البرّ من أهله, ووجهه, ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
قال: {هي مواقيت للنّاس والحجّ}, فجر {الحجّ}؛ لأنه عطفه على "الناس" , فانجر باللام.
وقال: {ولكنّ البرّ من اتّقى}يريد "برّ من اتقّى"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
قال الزّهري: كان أناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك. فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى},أي برّ من اتقى , كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}, أي: بر من آمن باله). [تفسير غريب القرآن: 75-76]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
كان النّبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الهلال في بدئه دقيقاً, وعن عظمه بعد، وعن رجوعه دقيقاً كالعرجون القديم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه جعل ذلك ليعلم الناس، أوقاتهم في حجهم وعدد نسائهم، وجميع ما يريدون عدمه مشاهرة؛ لأن هذا أسهل على الناس من حفظ عدد الأيام، ويستوي فيه الحاسب , وغير الحاسب.
ومعنى الهلال واشتقاقه: من قولهم : استهل الصبي إذا بكى حين يولد , أو صاح، وكأن قولهم أهل القوم بالحج والعمرة,أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية، وإنما قيل له هلال ؛ لأنه حين يرى , يهل الناس بذكره , ويقال: أهل الهلال , واستهل، ولا يقال: أهلّ، ويقال: أهللنا, أي : رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا، إذا دخلنا فيه.
وأخبرني من أثق به من رواة البصريين والكوفيين جميعاً بما أذكره في أسماء الهلال , وصفات الليالي التي في كل شهر.
فأول ذلك: إنما سمي الشهر شهراً لشهرته وبيانه، وسمّي هلالاً لما وصفنا من رفع الصوت بالإخبار عنه،
وقد اختلف الناس في تسميته هلالاً, وكم ليلة يسمّى؟ , ومتى يسمّى قمراً؟,
1- فقال بعضهم يسمى هلالاً لليلتين من الشهر, ثم لا يسمى هلالاً إلى أن يعود في الشهر التالي،
2-وقال بعضهم يسمى هلالاً ثلاث ليال, ثم يسمى قمراً,
3- وقال بعضهم : يسمى هلالاً إلى أن يحجّر , وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة, وهو قول الأصمعي,
4-وقال بعضهم يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، فإذا غلب ضوؤة سواد الليل , قيل له: قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة، والذي عندي, وما عليه الأكثر أنه يسمى هلالاً ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه,
واسم القمر: الزبرقان، واسم دارته: الهالة، واسم ضوئ: ه الفخت
وقد قال بعض أهل اللغة : لا أدري الفخت اسم ضوئه أم ظلمته، واسم ظلمته على الحقيقة (واسم ظله) : السّمر، ولهذا قيل للمتحدثين ليلاً: سمّار، ويقال: ضاء القمر , وأضاء، ويقال: طلع القمر، ولا يقال: أضاءت القمر , أو ضاءت.

قال أبو إسحاق وحدثني من أثق به, عن الرّياشي , عن أبي زيد، وأخبرني أيضاً من أثق ب, ه عن ابن الأعرابي بما أذكره في هذا الفصل: قال أبو زيد الأنصاري، يقال للقمر ابن ليلة: عتمة سخيلة حل أهلها برميلة، وابن ليلتين: حديث أمتين كذب ومين , ورواه ابن الأعرابي بكذب ومين، وابن ثلاث : حديث فتيات غير جد مؤتلفات.
وقيل ابن ثلاث: قليل اللباث، وابن أربع عتمة ربع , لا جائع /, ولا مرضع، وعن ابن الأعرابي : عتمة أم الربع، وابن خمس حديث وأنس،وقال أبو زيد : عشا خلفات قعس، وابن ست سمروبت, وابن سبع : دلجة الضبع , وابن ثمان : قمر أضحيان , وابن تسع , عن أبي زيد: انقطع السشسع، وعن غيره : يلتقط فيه الجزع، وابن عشر : ثلث الشهر، وعن أبي زيد , وغيره : محنق الفجر,
ولم تقل العرب بعد العشر في صفته ليلة ليلة كما قالت في هده العشر , ولكنهم جزأوا صفته أجزاء عشرة، فجعلوا لكل ثلاث ليال صفة, فقالوا:
ثلاث غرر، وبعضهم يقول غز، وثلاث شهب، وثلاث بهر وبهر، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع، ودرع،
ومعنى الدرع: سواد مقدّم الشاة , وبياض مؤخرها، وإنما قيل لها : درع ودرع ؛ لأن القمر يغيب في أولها, فيكون أول الليل أدرع ؛ لأن أوله أسود, وما بعده مضي، وثلاث خنس؛ لأن القمر ينخنس فيها , أي: يتأخر، وثلاث دهم، وإنما قيل لها دهم ؛ لأنها تظلم حتى تدهامّ، وقال بعضهم : ثلاث حنادس، وثلاث فحم ؛ لأن القمر يتفحم فيها، أي: يطلع في آخر الليل , وثلاث دادي، وهي أواخر الشهر , وإنما أخذت من الدأداء , وهو ضرب من السير تسرع فيه الإبل نقل أرجلها إلى موضع أيديها, فالدأدأة آخر نقل القوائم، فكذلك الدأدي في آخر الشهر.

وجمع هلال: أهله،لأدنى العدد وأكثره؛ لأن فعالاً يجمع في أقل العدد على أفعلة , مثل, مثال,وأمثلة,وحمار, وأحمرة , وإذا جاوز أفعلة جمع على فعل، مثل:حمر , ومثل,فكرهوا في التضعيف فعل نحو : هلل, وخلل، فقالوا: أهلة, وأخلة، فاقتصروا على جمع أدنى العدد، كما اقتصروا في ذوات الواو , والياء على ذلك، نحو كساء , وأكسية , ورداء, وأردية.
وقوله عزّ وجلّ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}
قيل: إنه كان قوم من قريش , وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها, ولم تتيسر له رجع , فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيراً, فأعلمهم اللّه عزّ وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السّنة ليس ببر،
وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة , وثقيف , وخزاعة، كانوا إذا أحرموا , لا يأقطون الأقط، ولا ينفون الوبر , ولا يسلون السّمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، وإنما سمّوا الحمس؛ لأنهم تحمّسوا في دينهم , أي: تشددوا.

وقال أهل اللغة الحماسة الشدة في الغضب, والشدة في القتال، والحماسة على الحقيقة الشدة في كل شيء.
وقال العجاج:
= وكم قطعنا من قفاف حمس =
أي: شداد, فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن تشددهم في هذا الإحرام ليس ببر, وأعلمهم أن البر التقي, فقال:{ولكنّ البرّ من اتّقى}.
المعنى: ولكن البر برّ من اتقى مخالفة أمر اللّه عزّ وجلّ، فقال:
{وأتوا البيوت من أبوابها}, فأمرهم اللّه بترك سنة الجاهلية في هذه الحماسة). [معاني القرآن: 1/257-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}
سبب نزول هذه الآية: أن بعض المسلمين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة , فأنزل الله عز وجل: {قل هي مواقيت للناس والحج} : فجعلها الله عز وجل مواقيت لحج المسلمين , وإفطارهم , وصومهم , ومناسكهم , ولعدة نسائهم , ومحل دينهم , والله أعلم بما يصلح خلقه .
قال أبو إسحاق: هلال مشتق من استهل الصبي إذا بكى , وأهل القوم بحجة وعمرة , أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية , فقيل له: هلال ؛ لأنه حين يرى يهل الناس بذكره , وأهل , واستهل , ولا يقال: أهللنا, أي: رأينا الهلال, وأهللنا شهر كذا وكذا إذا دخلنا فيه, وسمي شهر لشهرته , وبيانه .
قال الأصمعي: ولا يسمى هلالاً حتى يحجر, وتحجيره : ةأن يستدير بخطة دقيقة , وقيل: ليلتين, وثلاث.
وقيل: حتى يغلب ضوءه, وهذا في السابعة .
قال أبو إسحاق: والأجود عندي أن يسمى هلالاً لليلتين ؛ لأنه في الثالثة يتبين ضوءه). [معاني القرآن: 1/103-104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}
روى شعبة , عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: نزلت فينا هذه الآية , كانت الأنصار إذا حجوا , فجاءوا , لم يدخلوا البيوت من أبوابها ,ولكن من ظهورها, فجاء رجل من الأنصار , فدخل من قبل بابه , فنزلت هذه الآية: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}). [معاني القرآن: 1/105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة , لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون بمن ذلك، فاذا خرج الرجل مهلاً,ثم بدت له حاجة رجع , فدخل بيته من ظهره، من أجل السقف، لئلا يحول بينه وبين السماء، فاعلموا أنه ليس من البر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}, أي: لا تعتدوا على من وادعكم , وعاقدكم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}
قالوا في تفسيره : قاتلوا أهل مكة،
وقال قوم : هذا أول فرض الجهاد , ثم نسخه:{وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}

وقوله عزّ وجلّ:{ولا تعتدوا}أي: لا تظلموا، والاعتداء: مجاوزة الحق، وقيل في تفسيره قولان:
قيل: {لا تعتدوا} : لا تقاتلوا غير من أمرتم بقتاله, ولا تقتلوا غيرهم،
وقيل: {لا تعتدوا}أي: لا تجاوزوا إلى قتل النساء والأطفال).
[معاني القرآن: 1/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}
قبل, أي: ولا تقاتلوا من عاهدتم , وعاقدتم.
وقيل: لا تقاتلوا من لم يقاتلكم
قال ابن زيد ثم نسخ ذلك فقال جل وعز: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}, أي: وجدتموهم .
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}, يعني: مكة). [معاني القرآن: 1/105-106]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم...}
فهذا وجه قد قرأت به العامّة, وقرأ أصحاب عبد الله: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}, والمعنى هاهنا: فإن بدءوكم بالقتل , فاقتلوهم, والعرب تقول: قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد, فعلى هذا قراءة أصحاب عبد الله, وكلّ حسن.
وقوله: {فإن انتهوا} فلم يبدءوكم ,{فلا عدوان} على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم: على من بدأكم , ولم ينته.
فإن قال قائل: أرأيت قوله: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}, أعدوانٌ هو وقد أباحه الله لهم؟ , قلنا: ليس بعدوان في المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق قبله؛
ألا ترى أنه قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى، والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنما هو قصاص. فلا يكون القصاص ظلماً, وإن كان لفظه واحداً, ومثله قول الله تبارك وتعالى:{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}, وليست من الله على مثل معناها من المسيء؛ لأنها جزاء). [معاني القرآن: 1/116-117]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفتنة أشدّ من القتل},أي: الكفر أشدّ من القتل في أشهر الحرم، يقال: رجل مفتون في دينه , أي: كافر). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({والفتنة أشد من القتل}: الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واقتلوهم حيث ثقفتموهم},أي: حيث وجدتموهم.
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم},يعني: من مكة.
{والفتنة أشدّ من القتل},يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
أي: حيث وجدتموهم، يقال: ثقفته أثقفه ثقفاًوثقافة، ويقال: رجل ثقف لقف, ومعنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {والفتنة أشدّ من القتل}
أي: فكفرهم في هذه الأمكنة أشد من القتل.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}
كانوا قد نهوا عن ابتدائهم بقتل , أو قتال حتى يبتدي المشركون بذلك.
وتقرأ: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه}, أي: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجائز : ولا تقتلوهم, وإن وقع القتل ببعض دون بعض؛ لأن اللغة يجوز فيها قتلت القوم , وإنّما قتل بعضهم إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم). [معاني القرآن: 1/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والفتنة أشد من القتل}
قال مجاهد: ارتداد المؤمن أشد عليه من القتل.
والفتنة في الأصل الاختبار , فتأويل الكلام : الاختبار الخبيث الذي يؤدي إلى الكفر أشد من القتل , وفتنته فلانة , أي: صارت له كالمختبرة , أي: اختبر بجمالها, وفتنت الذهب في النار , أي: اختبرته لأعلم خالص هو أم مشوب ؟.
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته ؛ لأنه بذلك كالمختبر .
وقيل في قوله عز وجل: {يوم هم على النار يفتتنون} , هو من هذا , أي: يشوون.
قال أبو العباس: والقول عندي - والله أعلم - : إنما هو يحرقون بفتنتهم , أي: يعذبون بكفرهم من فتن الكافر .
وقيل: يختبرون, فيقال : ما سلككم في سقر ؟, وأفتنه العذاب , أي: جزاه بفتنته, كقولك: كرب , وأكربته ,والعلم لله تعالى .
يقال: فتن الرجال وفتن وأفتنته , أي: جعلت فيه فتنته كقولك: دهشته , وكحلته , هذا قول الخليل , وأفتنته جعلته فاتناً, وهذا خضر فتن .
وقال الأخفش في قوله عز وجل: {بأيكم المفتنون} , قال يعني : الفتنة, كقولك خذ ميسوره , ودع معسوره.
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول, ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه). [معاني القرآن: 1/107-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
قال قتادة: ثم نسخ ذلك بعد فقال:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} .
قال ابن عباس : أي: شرك , قال: ويكون الدين لله , ويخلص التوحيد لله). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثقفتموهم}, وجدتموهم.
{والفتنة أشد من القتل} في الأشهر الحرم؛ لأنهم استعظموا قتل المسلمين في رجب، فأعلموا أن الشرك الذي هم عليه أشد من ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
أما قوله: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} , يريد: فإنّ اللّه لهم). [معاني القرآن: 1/128]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}
قوله:{فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}؛ لأنه يجوز أن يقول {إن انتهوا}, وهو قد علم: أنهم لا ينتهون إلا بعضهم , فكأنه قال: {إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم},فأضمركما قال: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر}, أي: فعليه ما استيسر كما تقول: "زيداً أكرمت" , وأنت تريد : "أكرمته" , وكما تقول : إلى من تقصد ؟. أقصد, تريد : "إليه"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ},أي : لا سبيل.
وأصل العدوان: الظلم, وأراد بالعدوان: الجزاء, يقول: لا جزاء ظلم إلّا على ظالم, وقد بينت هذا في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين (193)}
هذا أمر من اللّه عزّ وجلّ أن يقاتل كل كافر ؛ لأن المعنى ههنا في الفتنة والكفر). [معاني القرآن: 1/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}
قال قتادة: والظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا عدوان}, أي: لا سبيل، وأصل العدوان: الظلم، وأراد به هاهنا: الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أما قوله: {فاعتدوا عليه} , فإن الله لم يأمر بالعدوان، وإنما يقول: إيتوا إليهم , الذي كان يسمى بالاعتداء, أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إن تعاطيت مني ظلماً تعاطيته منك" , والثاني ليس بظالم, قال عمرو بن شأس:
جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله = قصاصاً سواءً حذوك النّعل بالنّعل). [معاني القرآن: 1/128-129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}, قال مجاهد: فخرت قريش أن صدّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام, فأقصّه اللّه , فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام, وأنزل اللّه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجزاؤه جزاء الاعتداء على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77-78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{الشّهر)} رفع بالابتداء , وخبره {بالشّهر الحرام}, ومعناه: قتال الشهر الحرام.
ويروى أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام : هل فيه قتال؟, فأنزل الله عز وجلّ أن القتل فيه كبير، أي : عظيم في الإثم، وإنما سألوا ليغرّوا المسلمين، فإن علموا أنهم لم يؤمروا بقتلهم قاتلوهم، فأعلمهم الله عزّ وجلّ أن القتال فيه محرم إلا أن يبتدئ المشركون بالقتال فيه , فيقاتلهم المسلمون.
فالمعنى في قوله: {الشّهر الحرام}, أي : قتال الشهر الحرام، أي: في الشهر الحرام، بالشهر الحرام.
وأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه الحرمات قصاص، أي : لا يجوز للمسلمين إلا قصاصاً.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن اعتدى عليكم}
أي: من ظلم , فقاتل , فقد اعتدى، {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, وسمي الثاني اعتداء ؛ لأنه مجازاة اعتداء , فسمي بمثل اسمه؛ لأن صورة الفعلين واحدة, وإن كان أحدهما طاعة , والآخر معصية، والعرب تقول ظلمني فلان , فظلمته , أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ , فجهلت عليه , أي: جازيته بجهله.
قال الشاعر:
ألا لا يجهلنّ أحد علينا= فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أي: فنكافئ على الجهل بأكثر من مقداره.
وقال اللّه عزّ وجلّ:{ومكروا ومكر اللّه}
وقال: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}
جعل اسم مجازاتهم مكراً كما مكروا، وجعل اسم مجازاتهم على سخريتهم سخرياً, فكذلك: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}). [معاني القرآن: 1/263-265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}
أي: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام .
قال مجاهد: صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , فأقضه الله منهم من قابل , فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , وقضى عمرة .
وقال غيره : قال الله عز وجل: {والحرمات قصاص} , فجمع ؛ لأنه جل ثناؤه أراد : الشهر الحرام , والبلد الحرام , وحرمة الإحرام). [معاني القرآن: 1/109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {فمن اعتدى عليكم}
قال مجاهد : أي: من قاتلكم فيه , {فاعتدوا عليه} , فاقتلوه فيه, سمي الثاني اعتداء ؛ لأنه جزاء الأول). [معاني القرآن: 1/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجازوه بمثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({التّهلكة}: والهلاك، والهلك، والهلك واحد). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
قال: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} , يقول: "إلى الهلكة", والباء زائدة نحو زيادتها في قوله: {تنبت بالدّهن}, وإنما هي: تنبت الدهن, قال الشاعر:
كثيراً بما يتركن في كلّ حفرةٍ = زفير القواضي نحبها وسعالها
يقول: "كثيراً يتركن" , وجعل الباء , و"ما" زائدتين). [معاني القرآن: 1/129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({التهلكة}: الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: في الجهاد في سبيل اللّه، وكل ما أمر اللّه به من الخير , فهو من سبيل الله، أي: من الطريق إلى اللّه عزّ وجلّ؛ لأن السبيل في اللغة: الطريق، وإنما استعمل في الجهاد أكثر ؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصل بأيديكم:بأيديكم بكسر الياء, ولكن الكسرة لا تثبت في الياء إذا كان ما قبلها مكسوراً لثقل الكسرة في الياء.
{وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
وقوله عزّ وجلّ: {إلى التّهلكة)}, معناه: إلى الهلاك، يقال: هلك الرجل يهلك , هلاكاً, وهلكا وتهلكة , وتهلكة.
وتهلكة اسم, ومعناه: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي : عصيتم الله فهلكتم، وجائز أن يكون هلكتم بتقوية عدوكم عليكم , واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: أنفقوا في سبيل الله , فمن أنفق في سبيل اللّه , فمحسن). [معاني القرآن: 1/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصح ما قيل في هذا: أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس, لا تمسكوا النفقة في سبيل الله, فتهلكوا.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري, قال: حدثنا عبد الله بن يحيى, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا قيس بن الربيع, عن الأعمش, عن شقيق,
قال حذيفة : التهلكة ترك النفقة .

وقال البراء, والنعمان بن بشير : هو الرجل يذنب الذنب , فيلقي بيده , ثم يقول: لا يغفر لي .
وقال عبيدة: هو الرجل يعمل الذنوب والكبائر , ثم يقول: ليس لي توبة , فيلقي بيديه إلى التهلكة .
وقال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب , فيقول: ليس لي توبة , فينهمك في الذنوب.
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ؛ لأن أبا أيوب الأنصاري يروي قال : نزلت فينا معاشر الأنصار لما أعز الله دينه , قلنا سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت , فلو أقمنا فيها, وأصلحنا منها ما ضاع , فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به: {أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} , فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا, ونصلحها, فأمرنا بالغزو.,
قال أبو جعفر : فدل على وجوب الجهاد على المسلمين , وقيل أيض: اً معنى : وأحسنوا , وأنفقوا.
قال أبو إسحاق : وأحسنوا في أداء الفرائض .
وقال عكرمة : أي: أحسنوا الظن بالله.
وقال ابن زيد: عودوا على من ليس في يده شيء , والمعنى في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} على ما تقدم , أي: إن امتنعتم من النفقة في سبيل الله , عصيتم الله , فهلكتم , ويجوز أن يكون المعنى: قويتم عدوكم , فهلكتم). [معاني القرآن: 1/110-112]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({التَّهْلُكَــــةِ}: الهلاك، إلحاد الأموال). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه...}
وفي قراءة عبد الله :{وأتمّوا الحجّ والعمرة إلى البيت لله}, فلو قرأ قارئ :{والعمرة لله}, فرفع العمرة ؛ لأن المعتمر إذا أتى البيت, فطاف به , وبين الصفا والمروة , حلّ من عمرته, والحج يأتي فيه عرفاتٍ , وجميع المناسك؛ وذلك قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} يقول: أتموا العمرة إلى البيت في الحج إلى أقصى مناسكه.
{فإن أحصرتم} العرب تقول للذي يمنعه من الوصول إلى إتمام حجّه , أو عمرته: خوف , أو مرض، وكل ما لم يكن مقهوراً كالحبس , والسّجن .
يقال للمريض: قد أحصر، وفي الحبس , والقهر: قد حصر, فهذا فرق بينهما, ولو نويت في قهر السلطان : أنها علّة مانعة, ولم تذهب إلى فعل الفاعل, جاز لك أن تقول: قد أحصر الرجل, ولو قلت في المرض وشبهه: إن المرض قد حصره , أو الخوف، جاز أن تقول: حصرتم, وقوله:{وسيّداًوحصوراً}, يقال: إنه المحصر عن النساء؛ لأنها علّة , وليس بمحبوس, فعلى هذا , فابن). [معاني القرآن: 1/117-118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{فما استيسر من الهدي...}
"ما" في موضع رفع؛ لأن أكثر ما جاء من أشباهه في القرآن مرفوع, ولو نصبت على قولك: أهدوا ما استيسر, وتفسير الهدى في هذا الموضع بدنة , أو بقرة , أو شاة.
{فمن لم يجد} الهدى , صام ثلاثة أيامٍ , يكون آخرها: يوم عرفة، واليومان في العشر، فأمّا السبعة فيصومها إذا رجع في طريقه، وإن شاء إذا وصل إلى أهله , و"السبعة" فيها الخفض على الإتباع للثلاثة, وإن نصبتها , فجائز على فعل مجدّد؛ كما تقول في الكلام: لا بدّ من لقاء أخيك , وزيدٍ , وزيداً). [معاني القرآن: 1/118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} , يقول: ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكّة، فأمّا أهل مكة , فليس ذلك عليهم, و"ذلك" في موضع رففع, وعلى تصلح في موضع اللام؛ أي: ذلك على الغرباء). [معاني القرآن: 1/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة لله}, والمعنى: أن العمرة ليست بمفترضة، وإنما نصبت على ما قبلها.
قال أبو عبيدة: وأخبرنا ابن عون , عن الشّعبي : أنه كان يقرأ {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} يرفع العمرة، ويقول: إنها ليست بمفترضة, ومن نصبها أيضاً جعلها غير مفترضة.
{فإن أحصرتم}: أي: إن قام بكم بعير، أو مرضتم، أو ذهبت نفقتكم، أوفاتكم الحجّ، فهذاكله محصر، والمحصور: الذي جعل في بيت، أو دار، أو سجنٍ.
{الهدي}, قال يونس: كان أبو عمرو يقول في واحد الهدى: هدية، تقديرها: جدية السرج، والجميع : الجدى مخفف, قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفاً يشبهه.
{أو نسك} : النّسك أن ينسك، يذبح لله، فالذبيحة النسيكة.
{فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}, العرب تؤكد الشيء , وقد فرغ منه , فتعيده بلفظ غيره تفهيماً , وتوكيدا). [مجاز القرآن: 1/68-70]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مّريضاً أو به أذًى مّن رّأسه ففديةٌ مّن صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
أما قوله: {فإن أحصرتم}, فلأنك تقول: "أحصرني بولي" , و"أحصرني مرضي" , أي: جعلني أحصر نفسي, وتقول: "حصرت الرجل" , أي: حبسته، فهو "محصور", وزعم يونس , عن أبي عمرو أنه يقول: "حصرته إذا منعتهه عن كلّ وجهٍ" , وإذا منعته من التقدم خاصة ,فقد "أحصرته"، ويقول بعض العرب في المرض , وما أشبهه من الإعياء , والكلال: "أحصرته".
وقال: {ففديةٌ مّن صيامٍ}, أي: فعليه فدية.
وقال: {فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} , فإنما قال: {عشرةٌ كاملةٌ}, وقد ذكر سبعة, وثلاثة , ليخبر أنها مجزية، وليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله: {كاملةٌ} إنما هي "وافية".
وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعودٍ :{تسعٌ وتسعون نعجةً} أنثى , وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه , كما قال: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون},وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب ألا ترى أنك تقول: "رأيت أخويك كليهما" ,. ولو قلت: "رأيت أخويك", أستغنيت , فتجيء بـ"كليهما" توكيداً, وقال بعضهم في قول ابن مسعود :{أنثى}, أنه إنما أراد "مؤنّثة" يصفها بذلك ؛ لأن ذلك قد يستحب من النساء.
وقال: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}, وإذا وقفت قلت: {حاضري}؛ لأن الياء إنما ذهبت في الوصل لسكون اللام من "المسجد"، وكذلك {غير محلّي الصّيد}, وقوله: {عمّ يتساءلون} , و{فيم أنت من ذكراها}, وأشباه هذا مما ليس هو حرف إعراب, وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع, والنصب, والجر , ونحو "هو" , و"هي"، فإذا وقفت عليه , فأنت فيه بالخيار, إن شئت ألحقت الهاء , وإن شئت لم تلحق, وقد قالت العرب في نون الجميع , ونون الاثنين في الوقف بالهاء , فقالوا: "هما رجلانه" , و"مسلمونه" , و"قد قمته" إذا أرادوا: "قد قمت",
وكذلك ما لم يكن حرف إعراب إلا أن بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح أكثر, فأما "مررت بأحمر" , و"يعمر" , فلا يكون الوقف في هذا بالهاء ؛ لأن هذا قد ينصرف عن هذا الوجه, وكذلك ما لم يكن حرف إعراب , ثم كان يتغير عن حاله , فإنه لا تلحق فيه الهاء إذا سكت عليه, وأما قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} , فإذا وقفت قلت : "تبوء" ؛ لأنها "أن تفعل" , فإذا وقفت على "تفعل" لم تحرّك.

قال: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا} , إذا وقفت عليه, لأنه "أن تفعّلا" , وأنت تعني فعل الاثنين , فهكذا الوقف عليه , قال: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} , فإذا وقفت , قلت: "مبوّأ" , ولا تقول: "مبوّءا" ؛ لأنه مضاف، فإذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الألف , لقلت في وقف {غير محلّي الصّيد}: "محلين", ولكنه مثل "رأيت غلامي زيد" , فإذا وقفت قلت: "غلامي".
وقال: {فلمّا تراءى الجمعان}, فإذا وقفت قلت: "تراءى" , ولم تقل: "تراءيا" ؛ لأنك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: "تراءيا" كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل , وهو الألف , ويكون قولك: "الجمعان" ليس بكلام إلا على وجه آخر). [معاني القرآن: 1/130-131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وأتموا الحج والعمرة لله}: قالوا العمرة الزيارة والمعتمر الزائر
{فإن أحصرتم}: الإحصار كل ما حبس عن المضي للحج من مرض أو خوف أو غيره، والحصر الحبس، وفلان محصور، وفي الأول محصر.
{النسك}: الذبح لله والنسيكة الذبيحة). [غريب القرآن وتفسيره:88-89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإن أحصرتم} من الإحصار, وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه , وبين الحج من مرض, أو كسر , أو عدو, يقال: أحصر الرجل إحصاراً فهو محصر, فإن حبس في سجن , أو دار , قيل: قد حصر , فهو محصور.
{فما استيسر من الهدي}, أي: فما تيسّر من الهدى وأمكن, والهدي: ما أهدي إلى البيت, وأصله هديّ مشدد فخفف, وقد قرئ:{حتّى يبلغ الهدي محلّه} بالتشديد, واحده: هديّة, ثم يخفف , فيقال: هدية.
{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}, هو من حلّ يحل، والمحلّ: الموضع الذي يحل به نحره.
{فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه}, أراد : فحلق, {ففديةٌ من صيامٍ}, فحذف: فحلق ؛ اختصاراً على ما بينت في «تأويل المشكل» .
{أو نسكٍ}, أي: ذبح, يقال: نسكت للّه، أي: ذبحت له). [تفسير غريب القرآن: 78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
يجوز في العمرة:
1-النصب
2-والرفع:
والمعنى في النصب: أتموهما.

والمعنى في الرفع: وأتموا الحج، والعمرة لله، أي: هي مما تتقرّبون به إلى اللّه عزّ وجلّ, وليس بفرض.
وقيل أيضاً في قوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة} غير قول: يروى عن علي , وابن مسعود - رحمة الله عليهما - أنهما قالا: إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك.
ويروى عن غيرهما , إنّه قال : إتمامهما أن تكون النفقة حلالًا, وينتهي عما نهى الله عنه.
وقال بعضهم: إن الحج والعمرة لهما مواقف , ومشاعر، كالطواف, والموقف بعرفة , وغير ذلك، فإتمامهما تأدية كل ما فيهما، وهذا بين.
ومعنى: اعتمر في اللغة , قيل فيه قولان: قال بعضهم:اعتمر : قصد.
قال الشاعر:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر= مغزى بعيدا من بعيد وضبر
المعنى: حين قصد مغزى بعيداً, وقال بعضهم : معنى : اعتمر: زار من الزيارة.
ومعنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت , والسعي بين الصفا والمروة فقط، والعمرة للإنسان في كل السنة، والحج وقته وقت واحد من السنة.
ومعنى اعتمر عندي في قصد البيت, أنه إنما خص بهذا - أعني بذكر اعتمر - ؛ لأنه قصد العمل في وضع عامر , لهذا قيل معتمر.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}
الرواية عند أهل اللغة: أنه يقال للرجل الذي يمنعه الخوف , أو المرض من التصرف : قد احصر , فهو محصر, ويقال للرجل الذي حبس : قد حصر , فهو محصور.
وقال الفراء: لو قيل للذي حبس أحصر لجاز، كأنه يجعل حابسه بمنزلة المرض , والخوف الذيمنعه من التصرف، وألحق في هذا ما عليه أهل اللغة من أنه يقال للذي يمنعه الخوف , والمرض : أحصر , وللمحبوس حصر، وإنما كان ذلك هو الحق ؛ لأن الرجل إذا امتنع من التصرف , فقد حبس نفسه، فكأن المرض أحبسه , أي: جعله يحبس نفسه، وقوله : حصرت فلاناً, إنما هو حبسته، لا أنه حبس نفسه، ولا يجوز فيه أحصر.
وقوله عزّ وجلّ: {فما استيسر من الهدي}
موضع " ما " رفع المعنى , فواجب عليه ما استيسر من الهدي، وقد قيل في الهدى: الهدي, والهدي جمع هدية, وهدي، كقولهم في حذية السرج حذيّة وحذي, وقال بعضهم:ما استيسر : ما تيسر من الإبل , والبقر.
وقال بعضهم : بعير , أو بقرة , أو شاة , وهذا هو الأجود.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محله}
قالوا في محله : من كان حاجاً, محله يوم النحر، ولمن كان معتمراً: يوم بدخل مكة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن كان منكم مريضاص أو به أذى من رأسه ففدية}أي: فعليه فدية، ولو نصب جاز في اللغة على إضمار , فليعط فدية , أو فليأت بفدية، وإنما عليه الفدية إذا حلق رأسه, وحل من إحرامه , وقوله :{أو نسك}, أي: أو نسيكة يذبحها، والنسيكة الذبيحة..
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي}أي: فعليه ما استيسر من الهدي، وموضع (ما) رفع , ويجوز أن يكون نصباً على إضمار : فليهد ما استيسر من الهدي.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم}معناه: فعليه صيام، والنصب جائز على : فليصم هذا الصيام، ولكن القراءة لا تجوز بما لم يقرأ به.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك عشرة كاملة}
قيل فيها غير قول:
1- قال بعضهم: {كاملة}, أي: تكمل الثواب.

2- وقال بعضهم :{كاملة}في البدل من الهدي.
والذي في هذا - واللّه أعلم - أنه لما قيل :{فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}: جاز أن يتوهم المتوهم أن الفرض ثلاثة أيام في الحج , أو سبعة في الرجوع , - فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن العشرة مفترضة كلها، فالمعنى المفروض عليكم : صوم عشرة كاملة على ما ذكر من تفرقها في الحج والرجوع.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}أي: هذا الفرض على من لم يكن من أهله بمكة , و{حاضري المسجد الحرام}, أصله: حاضرين المسجد الحرام , فسقطت النون للإضافة , وسقطت الياء في الوصل لسكونها , وسكون اللام في المسجد، وأما الوقف , فتقول فيه: متى اضطررت إلى أن تقف{حاضري}). [معاني القرآن: 1/267-269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأتموا الحج والعمرة لله}
يروى عن عمر: أن إتمامهما ترك الفسخ؛لأن الفسخ كان جائزا ًفي أول الإسلام
وقال عبد الله بن سلمة: سألت عليا عن قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله},ما إتمامهما ؟، قال:إن تحرم بهما من دويرة أهلك .
قال أبو جعفر :و ذهب إلى هذا جماعة من الكوفيين, وقال:وجعل الميقات حتى لا يتجاوز,فأما الأفضل فما قال علي.
وروى علقمة,عن عبد الله قال: لا يجاور بهما البيت .
وقال مجاهد,وإبراهيم : إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما , وهذا كأنه إجماع؛لأن عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به,وبذلك يتم حجه,فأما الإحرام من بلده,فلو كان من الإتمام
لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الحسن:أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه , فأنكر ذلك عمر عليه,وقال: أيحرم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من داره ؟!.
وقيل: إتمامهما: أن تكون النفقة حلالاً.
وقال سفيان : إتمامهما: أن يحرم لهما قاصداً, لالتجارة
وقرأ الشعبي : والعمرة لله بالرفع , وقال العمرة: تطوع, والناس جميعاً يقرؤنها بالنصب,وفي المعنى قولان:
قال ابن عمر,والحسن,وسعيد بن جبير ,و طاووس,وعطاء,وابن سيرين : هي فريضة .
وقال جابر بن عبد الله ,و الشعبي:هي تطوع .
وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب أنها فرض ؛ لأنه ينبغي لمن دخل في عمل هو لله أن يتمه .
قيل: معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا ,
أي :تعرفت كذا , فالحاج يأتي مواضع بتعرفها .
قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف = فاست الطبيب قذاها كالمغاريد). [معاني القرآن: 1/112-115]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن أحصرتم},يعنني:منعتم عن إتمامهما
وفي الإحصار قولان:
أحدهما: قاله ابن عمر : وهو مذهب أهل المدينة,قال:لا يكون إلا من عدو .
قال أبو جعفر : والقول الآخر قاله ابن مسعود , وهو قول أهل الكوفة : أنه من العدو , ومن المرض , وأن من أصابه من ذينك شيء , بعث بهدي , فإذا نحر حل ., وروى سعيد بن جبير , عن ابن عباس مثله .
وروى طاووس , عن ابن عباس مثل الأول , وتلا {فإذا آمنتم} , قال : فهل الأمن إلا من خوف؟
فقد صار في الآية إشكال ؛ لأن الإحصار عند جميع أهل اللغة: إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشيء , فأما من العدو , فلا يقال فيه إلا حصر يقال : حصر حصراً, وفي الأول أحصر إحصاراً.
والقول في الآية على مذهب ابن عمر أنه يقال: وأقتلت الرجل , عرضته للقتل , وأقبره جعل له قبراً, وأحصرته على هذا عرضته للحصر كما يقال: أحبسته , أي: عرضته للحبس , وأحصر أي : أصيب بما كان مسببا للحصر , وهو فوت الحج.

وقد روي,عن عكرمة, عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( من عرج , أو كسر, فقد حل , وعليه حجة أخرى )), قال : فحدثت بذا ابن عباس, وأبا هريرة, فقالا : صدق , وإنما روي هذا , عن عكرمة حجاج الصواف , وروى الجلة خلاف هذا .
روى سفيان , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس وابن طاووس , عن أبيه , عن ابن عباس : لا حصر إلا من عدو .
وروى أبو نجيح , عن عكرمة : أن المحصر يبعث بالهدي , فإذا بلغ الهدي محله حل , وعليه الحج من قابل). [معاني القرآن: 1/116-118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فما استيسر من الهدي}
قال ابن عمر, وابن الزبير, وعائشة : من الإبل , والبقر خاصة , شيء دون شيء .
وروى جعفر , عن أبيه , عن علي رضوان الله عنه : فما استيسر من الهدي شاة.
وقال ابن عباس: يكون من الغنم , ويكون شركاً في دم , وهو مذهب سعد). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}
قال: قال مجاهد : يعني : يوم النحر.
وقال خالد بن أبي عمران , عن القاسم بن محمد: حتى ينحر .
وقال أكثر الكوفيين : ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم.
وقال الكسائي في قوله: {محله}, إنما كسرت الحاء ؛ لأنه من حل يحل , حيث يحل أمره , ولو أراد حيث يحل ؛ لكان محله , وإنما هو على الحلال). [معاني القرآن: 1/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}
روى مجاهد , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن كعب بن عجرة : أنه لما كان مع الرسول , فآذاه القمل في رأسه , فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه , وقال: ((صم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان, أو انسك بشاة)) .
قال أبو جعفر : أي : ذلك فعلت , أجزأ عنك
وقال عطاء : هذا لمن كان به قمل, أو صداع , و ما أشبهما .
قال أبو جعفر : وفي الكلام حذف , والمعنى : فحلق , أو اكتحل , أو تداوى بشيء فيه طيب , فعليه فدية). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
قال الربيع بن أنس : إذا أمن من خوفه , وبرأ من مرضه, أي: من خوف العدو , والمرض .
وقال علقمة: إذا برأ من مرضه). [معاني القرآن: 1/121]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
التمتع عند الفقهاء المدنيين, والكوفيين: أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في أشهر الحج , ويحل من عمرته, ثم يحج في تلك السنة , ولم يرجع إلى أهله بين العمرة والحج , فقد تمتع من العمرة إلى الحج , أي : انتفع بما ينتفع به الحلال , والمتعة , والمتاع في اللغة الانتفاع, ومنه قوله تعالى: {ومتعوهن}
وقال أهل المدينة: وكذلك إذا اعتمر قبل أشهر الحج , ثم دخلت عليه أشهر الحج , ولم يحل , فحل في أشهر الحج , ثم حج.
وقال الكوفيون: إن كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج , فليس بتمتع , وإن كان قد بقي عليه الأكثر , فهو متمتع .
وقال طاووس: من اعتمر في السنة كلها في المحرم , فما سواه من الشهور , فأقام حتى يحج , فهو متمتع .
وروى ابن أبي طلحة , عن ابن عباس : {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج.
وروى عنه عطاء : العمرة لمن أحصر , ولمن خليت سبيله , أصابتهما هذه الآية .
وروى عنه سعيد بن جبير : على من أحصر الحج في العام القابل , فإن حج , فاعتمر في أشهر الحج, فإن عليه الفدية , فهذه الأقوال , عن ابن عباس متفقة , وأصحها ما رواه سعيد بن جبير ؛ لأن اتساق الكلام على مخاطبة من أحصر , وإن كان ممن لم يحصر , فتمتع , فحكمه هذا الحكم .
فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه , وكذلك ما رواه علي بن أبي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر .
وقال عبد الله بن الزبير : ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم , يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج , ولكن الحاج إذا فاته الحج ,أو ضلت راحلته, أو كسر حتى يفوته الحج , فإنه يجعله عمرة , وعليه الحج من قابل , وعليه ما استيسر من الهدي,
فتأويل ابن الزبير: أنه لا يكون إلا لمن فاته الحج ؛ لأنه تعالى قال: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر .

وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب, وسعد, فقالوا هذا للمحصرين , وغيرهم, ويدلك على أن حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}, فهذا للمحصر , وغيره سواء , وكذلك التمتع). [معاني القرآن: 1/121-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}
قالت عائشة, وابن عمر : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة , ومن لم يصم , صام أيام منى .,
وكان ابن عمر يستحب أن يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة .

وقال الشعبي, وعطاء وطاووس, وإبراهيم : {فصيام ثلاثة أيام في الحج} : قبل يوم التروية يوماً, ويوم التروية, ويوم عرفة). [معاني القرآن: 1/124-125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسبعة إذا رجعتم}
روى شعبة , عن محمد بن أبي النور , عن حيان السلمي قال: سألت ابن عمر عن قوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم}, قال: إذا رجعتم إلى أهليكم .
وروى سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال : إن شاء صامها في الطريق, إنما هي رخصة, وكذا قال عكرمة والحسن.
والتقدير عند بعض أهل اللغة: إذا رجعتم من الحج , أي: إذا رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل.
وقال عطاء: إذا رجعتم إلى أهليكم , وهذا كأنه إجماع). [معاني القرآن: 1/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {تلك عشرة كاملة}
وقد علم أنها عشرة, وأحسن ما قيل في هذا: أنه لو لم يقل تلك عشرة كاملة , جاز أن يتوهم السامع أنه إنما عليه أن يصوم ثلاثة في الحج , أو سبعة إذا رجع ؛ لأنه لم يقل وسبعة أخرى
كما يقول أنا آخذ منك في سفرك درهماً, وإذا قدمت إلا اثنين , أي: لا آخذ إذا قدمت إلا اثنين .
وقال محمد بن يزيد: لو لم يقل تلك عشرة , جاز أن يتوهم السامع أن بعدها شيئا آخر , فقوله: {تلك عشرة} , بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا
وأما معنى:{كاملة}, فروى هشيم فيه , عن عباد بن راشد, عن الحسن قال : كاملة من الهدي, أي: قد كملت في المعنى الذي جعلت له, فلم يجعل معها غيرها, وهي كاملة الأجر ككمال الهدي). [معاني القرآن: 1/126-127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
قال مجاهد : أهل الحرم.
وقال الحسن, وإبراهيم, والأعرج, ونافع: هم أهل مكة خاصة .
وقال عطاء, وقال مكحول: هم أهل المواقيت , ومن بعدهم إلى مكة .
قال أبو جعفر, وقول الحسن , ومن معه أولى ؛لأن الحاضر للشيء هو الذي معه ,وليس كذا أهل المواقيت , وأهل منى , وكلام العرب لأهل مكة أن يقولوا : هم أهل المسجد الحرام .
قال أبو جعفر: فتبين أن معنى {حاضري المسجد}: لأهل مكة , ومن يليهم ممن بينه و بين مكة ما لا تقصر فيه الصلاة ؛لأن
الحاضر للشيء: هو الشاهد له ولنفسه,وإنما يكون المسافر مسافراًلشخوصه إلى ما يقصر فيه,وإن لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فإن أحصرتم} الإحصار: كل ما حبس من الحاج، من مرض, أو خوف، والحصر في السجن, والأول يقال فيه: أحصر , فهو محصر, والثاني يقال فيه: حصر , فهو محصور.
{الهدي}: ما أهدي إلى البيت، وأصله التشديد للياء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُمْرَةَ}: الزيارة. {أُحْصِرْتُمْ}: حبستم. {النُسُك}: الذبح لله). [العمدة في غريب القرآن: 88]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 197 إلى 207]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}

تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} معناه: وقت الحج هذه الأشهر.
فهي وإن كانت "فى" تصلح فيها فلا يقال إلاّ بالرفع، كذلك كلام العرب، يقولون: البرد شهران، والحرّ شهران، لا ينصبون؛ لأنه مقدار الحج. ومثله قوله: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح فيه النصب.
ووجه الكلام الرفع؛ لأن الاسم إذا كان في معنى صفةٍ أو محلّ قوي إذا أسند إلى شيء؛ ألا ترى أن العرب يقولون: هو رجل دونك وهو رجل دونٌ، فيرفعون إذا أفردوا، وينصبون إذا أضافوا.
ومن كلامهم المسلمون جانبٌ، والكفّار جانب، فإذا قالوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن الصاحب يدلّ على محلّ كما تقول: نحو صاحبهم، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلاّ تقيده قرب شيء أو بعده.

والأشهر المعلومات: شوّالٌ وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأشهر الحرم المحرّم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
وإنما جاز أن يقال له: أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالثٍ؛ لأن العرب إذا كان الوقت لشيء يكون فيه الحج وشبهه جعلوه في التسمية للثلاثة والاثنين، كما قال الله تبارك وتعالى: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين} وإنما يتعجّل في يومٍ ونصف، وكذلك هو في اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شيء تامّ، وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائزٍ في غير المواقيت، لأن العرب قد تفعل الفعل في أقلّ من الساعة، ثم يوقعونه على اليوم وعلى
العام والليالي والأيام، فيقال: زرته العام، وأتيتك اليوم، وقتل فلان ليالي الحجّاج أمير، لأنه لا يراد أوّل الوقت وآخره، فلم يذهب به على معنى العدد كله، وإنما يراد به (إذ ذاك الحين).
وأما قوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال} يقال: إن الرفث: الجماع، والفسوق: السباب، والجدال: المماراة.
{في الحجّ} فالقراء على نصب ذلك كله بالتبرئة إلا مجاهدا فإنه رفع الرفث والفسوق ونصب الجدال.
وكلّ ذلك جائز:
1- فمن نصب أتبع آخر الكلام أوّله،
2- ومن رفع بعضا ونصب بعضا فلان التبرئة فيها وجهان:
1-
الرفع بالنون،
2- والنصب بحذف النون. ولو نصب الفسوق والجدال بالنون لجاز ذلك في غير القرآن؛ لأن العرب إذا بدأت بالتبرئة فنصبوها لم تنصب بنونٍ، فإذا عطفوا عليها بـ "لا" كان فيها وجهان:
1- إن شئت جعلت "لا" معلّقة يجوز حذفها فنصبت على هذه النية بالنون؛ لأن "لا" في معنى صلةٍ،
2- وإن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها، ولم تكن معلّقة فتنصب بلا نونٍ؛ قال في ذلك الشاعر:

رأت إبلى برمل جدود أ[ن] لا * مقيل لها ولا شرباً نقوعا
فنوّن في الشرب، ونوى بـ "لا" الحذف؛ كما قال الآخر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا
وهو في مذهبه بمنزلة المدعوّ تقول: يا عمرو والصّلت أقبلا. فتجعل الصلت تابعا لعمرٍو وفيه الألف واللام؛ لأنك نويت به أن يتبعه بلا نيّة "يا" في الألف واللام.
فإن نويتها قلت: يا زيد ويأيها الصّلت أقبلا. فإن حذفت "يأيها" وأنت تريدها نصبت؛ كقول الله عز وجل: {يا جبال أوّبي معه والطّير} نصب الطير على جهتين:
1- على نيّة النداء المجدّد له إذ لم يستقم دعاؤه بما دعيت به الجبال،
2- وإن شئت أوقعت عليه فعلا: وسخرنا له "الطير" فتكون النية على سخرنا. فهو في ذلك متبع؛ كقول الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى * متقلّدا سيفا ورمحا
وإن شئت رفعت بعض التبرئة ونصبت بعضا، وليس من قراءة القراء ولكنه يأتي في الأشعار؛ قال أميّة:
فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها * وما فاهوا به لهم مقيم
وقال الآخر:
ذاكم - وجدّكم - الصّغار بعينه * لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
وقبله:
وإذا تكون شديدةٌ أدعى لها * وإذا يحاس الحيس يدعى جندب). [معاني القرآن: 1/119-122]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمن فرض فيهنّ الحجّ} من أو ذم في الحج: أي فرضه عليه أي ألزمه نفسه.
{فلا رفث}أي: لا لغا من الكلام، قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم
{ولا جدال في الحجّ} أي: لا شك فيه أنه لازمٌ في ذي الحجة، هذا فيمن قال: (جدال) ومن قال: (لا جدالٌ في الحجّ): من المجادلة). [مجاز القرآن: 1/70]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فلا رفث}: فلا لغو من الكلام. واللغو واللغا التكلم بما لا يبغي.
وقال المفسرون: هو الجماع في هذا الموضع).
[غريب القرآن وتفسيره: 89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
{فمن فرض فيهنّ الحجّ} أي: أحرم. فلا رفث أي لا جماع.
{ولا فسوق} أي: لا سباب.
{ولا جدال} أي: لا مراء).
[تفسير غريب القرآن:78-79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الحجّ أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خير يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب}
قال أكثر الناس: إن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
{فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث}.
وقال بعضهم: لو كانت الشهور التي هي أشهر الحج شوالا، وذا القعدة لما جاز للذي منزله بينه وبين مكة مسافة أكثر من هذه الأشهر أن يفرض على نفسه الحج.
وهذا حقيقته عندي أنه لا ينبغي للإنسان أن يبتدئ بعمل من أعمال الحج قبل هذا الوقت نحو الإحرام، لأنه إذا ابتدأ قبل هذا الوقت أضر بنفسه - فأمر الله عزّ وجل - أن يكون أقصى الأوقات التي ينبغي للإنسان ألا يتقدمها في عقد فرض الحج على نفسه شوالا،
وقال بعض أهل اللغة: معنى الحج إنما هو في السنة في وقت بعينه، وإنما هو في الأيام التي يأخذ الإنسان فيها في عمل الحج لأن العمرة له - في طول السنة، فينبغي له في ذلك الوقت ألا يرفث ولا يفسق.

وتأويل {فلا رفث ولا فسوق}، لا جماع ولا كلمة من أسباب الجماع قال الراجز:
عن اللّغا ورفث التكلم والرفث كلمة جامعة لما يريده الرجل من أهله.
وأمّا {فلا فسوق} فإذا نهي عن الجماع كلّه فالفسوق داخل فيه - ولكن المعنى - واللّه أعلم - {فلا فسوق} أي: لا يخرج عن شيء من أمر الحج - وقالوا في قوله {ولا جدال في الحج} قولين:
1- قالوا: {لا جدال في الحجّ} - لا شك في الحج،
2- وقالوا لا ينبغي للرجل أن يجادل أخاه فيخرجه الجدال إلى ما لا ينبغي تعظيما لأمر الحج، وكلّ صواب، ويجوز فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.

وبعضهم يقرأ - وهو أبو عمرو - (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). وكلّ صواب.
وقد شرحنا (أن) لا تنصب النكرات بغير تنوين وبيّنّا حقيقة نصبها وزعم سيبويه والخليل أنه يجوز أن ترفع النكرات بتنوين
وأن قول العجاج:
تالله لولا أن يحشّن الطّبّخ... بي الجحيم حين لا مستصرخ
يجب أن يكون رفع مستصرخ بلا، وأن قوله.
من صدّ عن نيرانها... فأنا ابن قيس لا براح
وحقيقة ما ارتفع بعدها عند بعض أصحابه على الابتداء لأنه إذا لم تنصب فإنّما يجري ما بعدها كما يجرى ما بعد هل، أي: لا تعمل فيه شيئا،
فيجوز أن يكون: لا رفث على ما قال سيبويه
ويجوز أن يكون: على الابتداء كما وصفنا، ويكون في الحج هو خبر لهذه المرفوعات، ويجوز إذا نصبت ما قبل المرفوع بغير تنوين وأتيت بما بعده مرفوعا أن يكون عطفا على الموضع، ويجوز أن يكون: رفعه على ما وصفنا، فأما العطف على الموضع إذا قلت لا رجل وغلام في الدار فكأنك قلت ما رجل ولا غلام في الدار.

وقوله عزّ وجلّ: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى}.
يروى أن قوما كانوا يخرجون في حجهم يتأكّلون الناس، يخرجون بغير زاد، فأمروا بأن يتزودوا، وأعلموا مع ذلك أن خير ما تزود به تقوى اللّه عزّ وجلّ.
وقوله عزّ وجلّ: {واتّقون يا أولي الألباب}.
(الألباب) واحدها لب، وهي العقول {أولي} نصب لأنه نداء مضاف). [معاني القرآن: 1/269-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال أخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج: قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج؟، قال: نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة.
وقال ابن عباس: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وقال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى شيء واحد لأن ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لأن فيه الحج وهو شهر حج). [معاني القرآن: 1/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن فرض فيهن الحج}
قال ابن مسعود وابن عمر: فرض لبى.
وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الإحرام بالعزم وإن لم يلب

قال أبو جعفر: وحقيقته في اللغة إن فرض أوجب
والمعنى: أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل أن يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن .
واحتمل أن يكون المعنى: من أوجب على نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن
إلا أن محمد بن جعفر الأنباري حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال أخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج} فلا ينبغي لأحد أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض). [معاني القرآن: 1/129-131]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال: الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. وكذا قال ابن عمر.
وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا
وقال عطاء وقتادة: الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه.
وروى أبو يحيى عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء.
وروى عنه ابن أبي نجيح لا جدال ولا شك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء.
وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال
وهذه الأقوال متقاربة لأن التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفحاش ثم يكنى به الجماع ويبين لك أنه يقع للجماع قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
والفسوق في اللغة: الخروج عن الشيء، فسباب المسلم خروج عن طاعة الله
وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسق وقتاله كفر))
وقيل قول عطاء وقتادة: الفسوق المعاصي. حسن جدا
على أنه قد روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم، أي: من صيد وغيره
فهذا قول جامع لأن سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال
ومعنى قول مجاهد لا شك فيه أنه في ذي الحجة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن الحج في ذي الحجة))
وقال أبو زيد قال أبو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شيء يخرج من الحج
ثم ابتدأ النفي فقال: {ولا جدال في الحج} فأخبر أن الأول نهي). [معاني القرآن: 1/131-134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: كان أناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد.
وقال مجاهد: كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون من الناس فأمروا أن يتزودوا.
وقال قتادة نحو منه). [معاني القرآن: 1/134-135]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن خير الزاد التقوى} أي: فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة). [معاني القرآن: 1/135]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {واتقون يا أولي الألباب} أي: العقول ولب كل شيء خالصه). [معاني القرآن: 1/135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (أشهر الحج) شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
{فلا رفث} لا جماع، وقيل: لا لغو من الكلام
{ولا فسوق}
أي: لا سباب.
{ولا جدال}
أي: لا مراء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المَّعْلُومَات}: أيام العشر.
{الرَفَثَ}: اللغو، الجماع). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا أفضتم}أي: رجعتم من حيث جئتم). [مجاز القرآن: 1/71]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً مّن رّبّكم فإذا أفضتم مّن عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم مّن قبله لمن الضّالّين}
قال: {فإذا أفضتم مّن عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} فصرف "عرفاتٍ" لأنها تلك الجماعة التي كانت تتصرف، وإنما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في "مسلمين" و"مسلمون" لأنه تذكيره، وصارت التنوين في نحو "عرفاتٍ" و"مسلماتٍ" بمنزلة النون.
فلما سمي به ترك على حاله كما يترك "مسلمون" إذا سمي به على حاله حكاية.
ومن العرب من لا يصرف [ذا] إذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث [في] نحو "حمدة" وذلك قبيح ضعيف. قال الشاعر:

تنوّرتها من أذرعاتٍ وأهلها = بيثرب أدنى دارها نظرٌ عال
ومنهم من لا ينوّن "اذرعات" = ولا "عانات" وهو مكان). [معاني القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أفضتم}: رجعتم من حيث جئتم). [غريب القرآن وتفسيره: 89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم} أي: نفعا بالتجارة في حجّكم.
{فإذا أفضتم} أي: دفعتم {من عرفاتٍ}). [تفسير غريب القرآن: 79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربّكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين}
قيل إنهم كانوا يزعمون أنه ليس لحمّال ولا أجير ولا تاجر حج فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك مباح، واف لا جناح فيه، أي: لا إثم فيه، وجناح اسم ليس، والخبر عليكم،
وموضع أن نصب على تقدير ليس عليكم جناح في أن تبتغوا فلما أسقطت " في " عمل فيها معنى جناح.

المعنى: لستم تأثمون أن تبتغوا، أي في أن تبتغوا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أفضتم من عرفات}.
قد دل بهذا اللفظ أن الوقوف بها واجب لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف، ومعنى {أفضتم}: دفعتم بكثرة، ويقال أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه وأكثروا التصرف.
وأفاض الرجل إناءه إذا صبه وأفاض البعير بجرته إذا رمى بها متفرقة كثيرة.
قال الراعي:
وأفضن بعد كظومهن بجرة... من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا
وأفاض الرجل بالقداح إذا ضرب بها، لأنها تقع منبعثة متفرقة
قال أبو ذؤلب:
وكأنهنّ ربابة وكأنّه... يسر يفيض على القداح ويصدع
وكل ما في اللغة من باب الإفاضة فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة.
وقوله عزّ وجلّ: {من عرفات}
القراءة والوجه الكسر والتنوين، وعرفات اسم لمكان واحد ولفظه لفظ الجمع، والوجه فيه الصرف عند جميع النحويين لأنه بمنزلة الزيدين يستوي نصبه وجره، وليس بمنزلة هاء التأنيث -، وقد يجوز منعه من الصرف إذا كان اسما لواحد، إلا أنه لا يكون إلا مكسورا وإن أسقطت التنوين.
قال امرؤ القيس:
تنورثها من أذرعات وأهلها... بيثرب أدنى دارها نظر عال
فهذا أكثر الرواية، وقد أنشد بالكسر بغير تنوين، وأما الفتح فخطأ لأن نصب الجمع وفتحه كسر.
وقوله عزّ وجلّ: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام}.
هو مزدلفة، وهي جمع، يسمى بهما جميعا المشعر المتعبد
وقوله عزّ وجلّ:{واذكروه كما هداكم}.
موضع الكاف نصب، والمعنى: واذكروه ذكرا مثل هدايته إياكم أي يكون جزاء لهدايته إياكم، واذكروه بتوحيده، والثناء عليه والشكر.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين}.
معنى (من قبله) أي: من قبل هدايته، ومعنى: كنتم من قبله {لمن الضالين} هذا من التوكيد للأمر، كأنه قيل وما كنتم من قبله إلا ضالين). [معاني القرآن: 1/271-273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان عن عمر بن دينار قال: قال ابن عباس: كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج). [معاني القرآن: 1/135-136]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} أي: اندفعتم.
ويقال فاض الإناء إذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي: يتدفق بالعطاء
قال زهير:
وأبيض فياض يداه غمامة = على معتفيه ما تغب نوافله
وحديث مستعيض أي متتابع
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال: إنما سميت عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات.
وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن أبي هند نحوا منه.
وقال ابن المسيب قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريل إلى إبراهيم صلى الله عليهما حتى إذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة).[معاني القرآن: 1/136-137]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام}
قال ابن عباس وسعيد بن جبير: ما بيت الجبلين مشعر.
قال قتادة: هي جمع قال وإنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء.
قال أبو إسحاق: المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه {وإن كنتم من قبله} أي من قبل هدايته). [معاني القرآن: 1/137-138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَفَضْتُــــم}: دفعتــــم). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس} كانت قريش لا تخرج من الحرم، وتقول: لسنا كسائر الناس، نحن أهل اللّه وقطّان حرمه:
فلا نخرج منه، وكان الناس يقفون خارج الحرم ويفيضون منه، فأمرهم اللّه أن يقفوا حيث يقف الناس: ويفيضوا من حيث أفاض الناس). [تفسير غريب القرآن: 79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم}
قيل كانت الحمس من قريش وغيرها (وقد بيّنّا الحمس فيما تقدم) لا تفيض مع الناس في عرفة - تتمسك بسنتها في الجاهلية، وتفعل ذلك افتخارا على الناس وتعاليا عليهم، فأمرهم الله عزّ وجلّ أن يساووا الناس في الفرض، وأن يقفوا مواقفهم وألا يفيضوا من حيث أفاضوا.
قوله عزّ وجلّ: (واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم) أي: سلوه أن يغفر لكم من مخالفتكم الناس في الإفاضة والموقف). [معاني القرآن: 1/273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
قالت عائشة وابن عباس: كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفات مع الناس.
وقال الضحاك: الناس إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: والأول أولى.
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت والله إن هذا من الحُمْس فما شأنه واقفا ههنا.
قال أبو جعفر: الحُمْس: الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة.
ويقال ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال الله تعالى بعد: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}

وإنما الإفاضة من عرفات قبل المجيء إلى المشعر الحرام، وفي هذا جوابان:
أحدهما: أن ثم بمعنى الواو
والجواب الثاني: وهو المختار أن ثم على بابها، والمعنى: ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث أفاض الناس.
وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المشعر الحرام وأفاضوا من عرفات ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث أفاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض.
وقال تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب} ويقال فلان كريم ثم إنه يتفقدنا وفلان يقاتل الناس ثم إنه رديء في نفسه أي ثم أزيدك في خبره .
وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك: الناس إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام ويكون هذا مثل {الذين قال لهم الناس} وذلك نعيم بن مسعود الأشجعي
وقد روي عنه أنه قال: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسي} يعني آدم وهذه قراءة شاذة). [معاني القرآن: 1/138-141]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً...}
كانت العرب إذا حجّوا في جاهلّيتهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، فذكر أحدهم أباه بأحسن أفاعيله: اللهمّ كان يصل الرحم، ويقري الضيف، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً} فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبهم). [معاني القرآن: 1/122]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا...}
كان أهل الجاهلية يسألون المال والإبل والغنم فأنزل الله: "منهم من يسأل الدنيا فليس له في الآخرة خلاق" يعني نصيبا). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({من خلاق}: من نصيب). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم} كانوا في الجاهلية إذا فرغوا من حجهم ذكروا آباءهم بأحسن أفعالهم. فيقول أحدهم: كان أبي يقرى الضيف ويصل الرحم ويفعل كذا ويفعل كذا، قال اللّه عز وجل: فاذكروني كذكركم آباءكم {أو أشدّ ذكراً}، فأنا فعلت ذلك بكم وبهم). [تفسير غريب القرآن: 79]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرا فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاق}أي: متعبداتكم التي أمرتم بها في الحج.
{فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}.
وكانت العرب إذا قضت مناسكها، وقفت بين المسجد بمنى وبين الجبل فتعدد فضائل آبائها وتذكر محاسن أيامها، فأمرهم اللّه أن يجعبوا ذلك الذكر له، وأن يزيدوا على ذلك الذكر فيذكروا اللّه بتوحيده وتعديد نعمه، لأنه إن كانت لآبائهم نعم فهي من اللّه عزّ وجلّ، وهو المشكور عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {أو أشدّ ذكرا}.
{أشدّ} في موضع خفض ولكنه لا يتصرف لأنه على مثال أفعل، وهو صفته، وإن شئت كان نصبا على واذكروه أشد ذكرا.
و{ذكرا} منصوب على التميز.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا}.
{آتنا} وقف لأنه دعاء، ومعناه: أعطنا في الدنيا، وهؤلاء مشركو العرب كانوا يسألون التوسعة عليهم في الدنيا ولا يسألون حظا من الآخرة لأنهم كانوا غير مؤمنين بالآخرة.
وقوله عزّ وجلّ: {وما له في الآخرة من خلاق}.
يعني هؤلاء، والخلاق النصيب الوافر من الخير). [معاني القرآن: 1/273-274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} قال مجاهد: إراقة الدماء). [معاني القرآن: 1/141]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}
روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى فيقوم الرجال فيسأل الله فيقول اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فأعطني مثل ما أعطيته،أي: ليس يذكر الله تعالى إنما يذكر أباه ثم يسأل أن يعطى في الدنيا). [معاني القرآن: 1/141-142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}
قال ابن عباس: الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: المال {وفي الآخرة حسنة} قال: الجنة). [معاني القرآن: 1/142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَـــلاَقٍ}: نصيــــب). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({آتنا في الدّنيا حسنةً}أي: نعمة.
وقال في موضع آخر: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم} [التوبة:50] أي: نعمة). [تفسير غريب القرآن: 79]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار}
هؤلاء المؤمنون يسألون الحظ في الدنيا والآخرة.
والأصل في " قنا " او قينا - ولكن الواو سقطت كما سقطت من يقي، لأن الأصل " يوقي " فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وسقطت ألف الوصل للاستغناء عنها لأنها اجتلبت لسكون الواو، فإذا أسقطت الواو فلا حاجة بالمتكلم إليها، وسقطت الياء للوقف - وللجزم في قول الكوفيين - والمعنى أجعلنا موقين من عذاب النار). [معاني القرآن: 1/274-275]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا} أي: لهم نصيب من حجهم بالثواب). [تفسير غريب القرآن: 80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} أي: دعاؤهم مستجاب لأن كسبهم ههنا الذي ذكر هو الدعاء وقد ضمن اللّه الإجابة لدعاء من دعاه إذا كان مؤمنا، لأنه قد أعلمنا أنه يضل أعمال الكافرين، ويحبطها، ودعاؤهم من أعمالهم.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سريع الحساب} المعنى: أنه قد علم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه، فالفائدة في الحساب علم حقيقته - وقد قيل في بعض التفسير - إن حساب العبد أسرع من لمح البصر - واللّه أعلم).[معاني القرآن: 1/275]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قال ابن عباس: الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: المال {وفي الآخرة حسنة} قال: الجنة.
وقال هشام عن الحسن {آتنا في الدنيا حسنة} قال: العلم والعبادة {وفي الآخرة حسنة} قال الجنة.
وروى معمر عن قتادة قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد إلى أن الحسنة والنعمة من الله.
ثم قال تعالى: {وقنا} أي: اصرف عنا.
يقال منه وقيته كذا أقيه وقاية ووقاية ووفاء وقد يقال وقاك الله وقيا). [معاني القرآن: 1/142-143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {والله سريع الحساب} أي: اعلم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه وهو يحاسبه بغير تذكر ولا روية وليس الآدمي كذلك). [معاني القرآن: 1/144]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واذكروا اللّه في أيّامٍ مّعدوداتٍ...}
هي العشر
[و] المعلومات: أيام التشريق كلها، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق.
فمن المفسرين من يجعل المعدودات: أيام التشريق أيضا، وأما المعلومات فإنهم
يجعلونها يوم النحر ويومين من أيام التشريق؛ لأن الذبح إنما يكون في هذه الثلاثة الأيام،
ومنهم من يجعل: الذبح في آخر أيام التشريق فيقع عليها المعدودات والمعلومات فلا تدخل فيها العشر). [معاني القرآن: 1/122-123]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لمن اتّقى...} يقول: قتل الصيد في الحرم). [معاني القرآن: 1/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {معدوداتٍ}: المعدودات: أيام التشريق؛ المعلومات: عشر ذي الحجة). [مجاز القرآن: 1/71]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واذكروا اللّه في أيّامٍ مّعدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون}
قال: {ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى} كأنه حين ذكر هذه الرخصة قد أخبر عن أمر فقال: {لمن اتّقى} أي: ذلك لمن اتقى). [معاني القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({واذكروا الله في أيام معدودات}: الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ}: أيام التّشريق. والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة). [تفسير غريب القرآن: 80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واذكروا اللّه في أيّام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون}
قالوا: هي أيام التشريق، {معدودات} يستعمل كثيرا في اللغة للشيء القليل - وكل عدد قل أو كثر فهو معدود، ولكن معدودات أدل على القلة، لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء، نحو دريهمات وجماعات.
وقد يجوز وهو حسن كثير أن تقع الألف والتاء للكثير، وقد ذكر أنه عيب على القائل:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقيل له لم قلّلت الجفنات ولم تقل: الجفان.
وهذا الخبر - عندي - مصنوع لأن الألف والتاء قد تأتي للكثرة - قال اللّه عزّ وجلّ:
{إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات}.
وقال: {في جنات}، وقال {في الغرفات آمنون}، فالمسلمون ليسوا في جنات قليلة، ولكن إذا خص القليل في الجمع بالألف والتاء، فالألف والتاء أدل عليه، لأنه يلي التثنية، تقول: حمام، وحمامان وحمامات، فتؤدى بتاء الواحد، فهذا أدل على القليل، وجائز حسن أن يراد به الكثير، ويدل المعنى المشاهد على الإرادة، كما أن قولك جمع يدل على القليل والكثير.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن تعجّل في يومين}أي: من نفر في يومين.
{فلا إثم عليه لمن اتّقى} قيل: لمن اتقى قتل الصيد، وقالوا: لمن اتقى التفريط في كل حدود الحج.
فموسع عليه في التعجل في نفره). [معاني القرآن: 1/275-276]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} أي: بالتوحيد والتعظيم في أيام معدودات أي: محصيات
أمروا بالتكبير أدبار الصلوات وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار.
وروى سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن الديلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام منى ثلاثة أيام التشريق {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}.
وروى نافع عن ابن عمر الأيام المعلومات والمعدودات جمعيهن أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه}.
وروي عن عبدا لله بن مسعود وابن عمر وابن عباس فلا إثم عليه مغفور له.
وقال عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتادة: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجيله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره ثم قال تعالى: {لمن اتقى}.
قال عبد الله بن عمر: أبيح ذا لتعجيل من اتقى فالتقدير على هذا الإباحة لمن أتقى.
وقال ابن مسعود: إنها مغفرة للذنوب لمن اتقى في حجه.
قال أبو جعفر: وهذا القول مثل قوله الأول وأما قول إبراهيم {ومن تأخر فلا إثم عليه} في تأخيره فتأويل بعيد لأن المتأخر قد بلغ الغاية ولا يقال لا حرج عليه
وقد قيل: يجوز أن يقال لا حرج عليه لأن رخص الله يحسن الأخذ بها فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا إثم عليه في تركه الأخذ بالرخص ويدل على صحة قول ابن مسعود حديث شعبة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)).
والمعنى على هذا: من حج فاتقى في حجه ما ينقصه فلا إثم عليه من الذنوب الخالية،أي: قد كفر الحج عنه والتقدير تكفير الإثم لمن اتقى.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))
قال أبو جعفر: وقول أبي العالية: {لا إثم عليه} ذهب إثمه كله إن اتقى الله فيما بقي، أي: من عمره). [معاني القرآن: 1/144-147]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الأيام المعدودات) ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، و(المعلومات) يوم النحر ويومان بعده، وقيل هي العشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن:38-39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المَّعْدُودَات}: أيام التشريــق). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويشهد اللّه على ما في قلبه...}
كان ذلك رجلا يعجب النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، ويعلمه أنه معه ويحلف على ذلك فيقول: (الله يعلم). فذلك قوله "ويشهد الله" أي ويستشهد الله. وقد تقرأ "ويشهد اللّه" رفع "على ما في قلبه"). [معاني القرآن: 1/123]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو ألدّ الخصام...} يقال للرجل: هو ألدّ من قوم لدّ، والمرأة لدّاء ونسوة لدّ، وقال الشاعر:
اللدّ أقران الرجال اللدّ * ثم أردّي بهم من يردي
ويقال: ما كنت ألدّ فقد لددت، وأنت تلدّ. فإذا غلبت الرجل في الخصومة (قلت: لددته) فأنا ألدّه لدّاً
وقول الله تبارك وتعالى: {ويهلك الحرث والنّسل} نصبت، ومنهم من يرفع "ويهلك" رفع لا يردّه على "ليفسد" ولكنه يجعله مردودا على قوله: {ومن الناس من يعجبك قوله...ويهلك} والوجه الأوّل أحسن). [معاني القرآن: 1/123-124]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألدّ الخصام}: شديد الخصومة، ويقال للفاجر: أبلّ وألدّ، ويقال: قد بللت ولددت بعدي؛ مصدره اللدد، والجميع: قوم لدّ، قال المسيّب بن علس:
ألا تتّقون الله يا آل عامرٍوهل يتّقى الله الأبلّ المصمّم). [مجاز القرآن: 1/71]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام}
قال: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} إذا كان هو يشهد وقال بعضهم: {ويشهد اللّه} أي: إن الله هو الذي يشهد.
وقال: {وهو ألدّ الخصام} من "لددت" "تلدّ" و"هو ألدّ" و"هم قومٌ لدٌّ" و"امرأةٌ لدّاء" و"نسوةٌ لدّ"). [معاني القرآن: 1/132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ألد الخصام}: شديد الخصومة ويروى كاذب القول والجميع قوم لد). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ألدّ الخصام}: أشدّهم خصومة.
يقال: رجل ألدّ، بين اللّدد. وقوم لدّ. والخصام جمع خصم. ويجمع على فعول وفعال.
يقال:
خصم وخصام وخصوم). [تفسير غريب القرآن: 80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام}
- موضع (من) رفع على ضربين:
1- على الابتداء،
2- وبالعامل في (من) وقد شرحنا هذا الباب.

ويروى أن رجلا من ثقيف كان يعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامه، ويظهر له من الجميل خلاف ما في نفسه.
وقوله عزّ وجلّ: {ويشهد اللّه على ما في قلبه} وإن قلت: ويشهد اللّه على ما في قلبه فهو جائز إن كان قد قرئ به والمعنى فيه أن الله عالم بما يسرّه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقة أمر هذا المنافق - وقال: {وهو ألدّ الخصام}.
ومعنى خصم ألدّ في اللغة - الشديد الخصومة والجدل، واشتقاقه من لديدي العنق، وهما صفحتا العنق، وتأويله، أن خصمه في أي وجه أخذ - من يمين أو شمال - من أبواب الخصومة غلبه في ذلك.
يقال رجل ألدّ، وامرأة لدّاء وقوم لدّ - وقد لددت فلانا ألده - إذا جادلته فغلبته.
وخصام جمع خصم، لأن فعلا يجمع إذا كان صفة على فعال، نحو صعب وصعاب، وخدل وخدال.
وكذلك أن جعلت خصما صفة، فهو يجمع على أقل العدد، وأكثره على فعول وفعال جميعا، يقال خصم وخصام وخصوم، وإن كان اسما ففعال فيه أكثر العدد، نحو فرخ وأفراخ، لأقل العدد، وفراخ وفروخ لما جاوز العشرة). [معاني القرآن: 1/276-277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا}
قال ابن عباس: علانيته ويشهد الله في الخصومة أن ما يريد الحق ولا يطلب الظلم وهو ألد الخصام ظالم.
وقال محمد بن كعب: هم المنافقون.
وقرأ ابن محيصن (ويشهد الله) بفتح الياء الهاء والرفع، ومعناه: يعلم الله.
ثم قال تعالى: {وهو ألد الخصام}
قال مجاهد: أي ظالم لا يستقيم .
وقال قتادة: شديد جدل بالباطل.
والألد في اللغة: الشديد الخصومة مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب كما قال الشاعر:
إن تحت الأحجار حزما وجودا = وخصيما ألد ذا مغلاق
ويروى معلاق ويقال هو من لديدي الوادي أي جانبيه
فصاحب هذه الصفة يأخذ من جانب ويدع الاستقامة واللدود في أحد الشقين
وقال أبو إسحاق الخصام جمع خصم). [معاني القرآن: 1/148-150]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ألد الخصام} أي: أشدهم خصومة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الأَلَــــدُّ}: الشـــديـد الخصومــة). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقول الله تبارك وتعالى: {ويهلك الحرث والنّسل} نصبت، ومنهم من يرفع "ويهلك" رفع لا يردّه على "ليفسد" ولكنه يجعله مردودا على قوله: {ومن الناس من يعجبك قوله...ويهلك} والوجه الأوّل أحسن). [معاني القرآن: 1/124] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه لا يحبّ الفساد...}
من العرب من يقول: فسد الشيء فسودا، مثل قولهم: ذهب ذهوبا وذهابا، وكسد كسودا وكسادا). [معاني القرآن: 1/124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإذا تولّى} أي: فارقك.
{سعى في الأرض} أي: أسرع فيها.
{ليفسد فيها ويهلك الحرث}
يعني: الزرع.
{والنّسل} يريد الحيوان. أي: يحرق ويقتل ويخرب). [تفسير غريب القرآن: 80]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لا يحبّ الفساد}
نصب {ليفسد} على إضمار أن، المعنى لأن يفسد فيها، وعطف ويهلك علي ويفسد،
ويجوز أن يكون: {يهلك الحرث والنسل} على الاستئناف، أي: وهو يهلك الحرث والنسل، أي يعتقد ذلك.

وقالوا في {الحرث والنسل}: إن الحرث النساء والنسل الأولاد.
وهذا غير منكر لأن المرأة تسمّى حرثا - قال اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم}
وأصل هذا إنما هو في الزرع، وكل ما حرث. فيشبه ما منه الولد بذلك. وقالوا في الحرث هو ما تعرفه من الزرع. لأنه إذا أفسد في الأرض أبطل - بإفساده وإلقائه الفتنة - أمر الزراعة). [معاني القرآن: 1/277-278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل}أي: إذا فارقك أسرع في فساد الحرث والنسل
وروى أبو مالك عن ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر.
وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال: الحرث حرث الناس والنسل نسل كل دابة.
قال قتادة: الحرث الزرع والنسل نسل كل شيء.
وحدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي عن علي بن الحكم عن الضحاك أما قوله: {ويهلك الحرث والنسل} فالناس وكل دابة وأما الحرث فهي الجنان والأصل النابت
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة المعاني والمعنى يحرق ويخرب ويقتل). [معاني القرآن: 1/150-151]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وإذا تولى سعى في الأرض} أي: فارقك.
{ويهلك الحرث} أي: الزرع بالحرق.
{والنسل} أي: الحيوان بالقتل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولبئس المهاد}: الفراش). [مجاز القرآن: 1/71]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({والمهاد}: الفراش). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولبئس المهاد} أي: الفراش. ومنه يقال: مهّدت فلانا إذا وطّأت له. ومهد الصبيّ منه). [تفسير غريب القرآن: 80]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله كفى بالرجل إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول عليك نفسك أأنت تأمرني). [معاني القرآن: 1/151]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المهاد} الفراش). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمِهَــــادُ}: الفـــــراش). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يشري نفسه}: يبيعها). [مجاز القرآن: 1/71]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رؤوفٌ بالعباد}
قال: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} يقول: "يبيعها" كما تقول: "شريت هذا المتاع" أي: بعته و"شريته"": اشتريته أيضاً، يجوز في المعنيين جميعا، كما تقول: "إنّ الجلّ لأفضل المتاع"، و"إنّ "الجلّ لأردؤه"، وعلى ذلك يجوز مع كثير مثله. وكذلك "الجلل" يكون العظيم ويكون الصغير. وكذلك "السّدف" يكون الظلمة والضوء. وقال الشاعر:
وأرى أربد قد فارقني = ومن الآرزاء رزء ذو جلل
أي: عظيم. وقال الآخر:
ألا إنّما أبكي ليومٍ لقيته = بجرثم صادٍ كلّ ما بعده جلل
أي: صغير.
وأما قوله: {ابتغاء مرضات اللّه} فإن انتصابه على الفعل وهو على "يشري" كأنه قال "لابتغاء مرضاة الله" فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله {حذر الموت} وأشباه هذا كثير.
قال الشاعر:

واغفر عوراء الكريم ادّخاره = وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما
لما حذف اللام عمل فيه الفعل). [معاني القرآن: 1/133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يشري نفسه}: يبيعها). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه} أي: يبيعها. يقال: شربت الشيء، إذا بعته واشتريته. وهو من الأضداد). [تفسير غريب القرآن:80-81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوف بالعباد}
قال أهل اللغة: {يشري نفسه} يبيع نفسه، ومعنى بيعه نفسه بذلها في الجهاد في سبيل اللّه.
قال الشاعر في شريت بمعنى بعت:
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
وقال أهل التفسير: هذا رجل كان يقال له صهيب بن سنان أراده المشركون مع نفر معه على ترك الإسلام، وقتلوا بعض النفر الذين كانوا معه فقال لهم صهيب: أنا شيخ كبير، إن كنت عليكم لم أضركم " وإن كنت معكم لم أنفعكم فخلوني وما أنا عليه، وخذوا مالي فقبلوا منه ماله، وأتى المدينة فلقيه أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فقال له: ربح البيع يا صهيب، فرد عليه وأنت فربح بيعك يا أبا بكر وتلا الآية عليه.
ونصب {ابتغاء مرضات اللّه} على معنى المفعول له.
المعنى يشريها لابتغاء مرضاة اللّه). [معاني القرآن: 1/278-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}أي: يبيع ومعنى يبيع نفسه يبذلها في سبيل الله.
قال سعيد بن المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته فانتثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه ففعل فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أبا يحيى ربح البيع)) فأنزل الله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}
وقال قتادة: هم المهاجرون والأنصار). [معاني القرآن: 1/152-153]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يشري نفسه} أي: يبيعها، وهو من الأضداد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَشْــــرِي}: يبيـــــع). [العمدة في غريب القرآن: 89]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 208 إلى 218]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان...}أي: لا تتبعوا آثاره؛ فإنها معصية). [معاني القرآن: 1/124]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {السّلم}: الإسلام، والسّلم يؤنث ويذكر، قال حاجز الأزديّ:
وإنّ السّلم زائدةٌ نواه وفي موضع آخر الصلح،
{كافّةً}: جميعاً، يقال: إنه لحسن السّلم).
[مجاز القرآن: 1/71-72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مّبينٌ}
قال: {ادخلوا في السّلم كافّةً} و"السّلم": الإسلام. وقوله: {وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون} ذلك: الصلح.
وقد قال بعضهم في "الصلح": "السّلم.
وقال: {ويلقوا إليكم السّلم} وهو الاستسلام.
وقال: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} أي: قالوا "براءةً منكم" لأنّ "السّلام" في بعض الكلام هو: البراءة. تقول: "إنّما فلان سلامٌ بسلام" أي: لا يخالط أحداً. قال الشاعر:

سلامك ربّنا في كلّ فجرٍ = بريئا ما تغنّثك الذّموم
يعني تأوّبك، يقول: "براءتك".
وقال: {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ} وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيراً. كأنه - والله أعلم - سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف أنهم موحدون قال: "سلامٌ عليكم" فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء.
وقال بعضهم: "ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام". وهذا ضعيف ليس بحجة.
وقال: {فاصفح عنهم وقل سلامٌ} فهذا يجوز على معنى: "سلامٌ عليكم" في التسليم. أو يكون على البراءة إلا أنه جعله خبر المبتدأ كأنه قال "أمري سلامٌ". أي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر:

فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ = وبين النّقا آأنت أم أم سالم
على: "أأنت هي أم أم سالم" أي: أشكلت عليّ بشبه أمّ سالم بك. وكل هذا قد أضمر الخبر فيه.
ومثل ذلك {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} فلما قال: {أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} كان فيه دليلٌ على معنى {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح} "ومن أنفق من بعد الفتح" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.

وقال: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} لأن كل اسم على "فعلة" خفيف إذا جمع حرك ثانية بالضم نحو" ظلمات" و"غرفات" لأن مخرج الحرفين بلفظ واحد إذا قرب أحدهما من صاحبه [كان] أيسر عليهم.
وقد فتحه بعضهم فقال: "الركبات" و"الغرفات" و"الظلمات"،
وأسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو "كليات" أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فأسكنها في "خطوات" لأن الواو أخت الياء. وما كان على "فعلة" نحو: "سلوة" و"شهوة" حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو "سلوات" و"شهوات" فإذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو "كسره" و"كسرات"، و"سدرة"، و"سدرات".
وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين.
وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك، نحو: "دومة" و"دومات"، و"وعوذة" و"عوذات" وهي: المعاذة، و"بيضة" و"بيضات" و"ميتة" و"ميتات". لأن هذا لو حرّك لتغير وصار ألفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك.
وقالوا: "عضةٌ" و"عضات" فلم يحركوا لأن هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا أنه حرك لضعف وأكثر [ما] في "الظلمات" و"الكسرات" وما أشبههما أن يحرك الثاني على الأول.
وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا "أذكر" فضموا الألف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق.
وقد قال بعضهم: "أنا أنبوك" و"أنا أجوك" فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد، فهذا أشد من ذاك.
وقال: "هذا هو منحدرٌ من الجبل" يريد "منحدرٌ" فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في "أنبوك" و"أجوك").
[معاني القرآن: 1/134-136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في السلم كافة}: السلم الإسلام. كافة جميعا). [غريب القرآن وتفسيره: 90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ادخلوا في السّلم كافّةً} الإسلام. وتقرأ في السّلم بفتح السين أيضا وأصل السّلم والسّلم الصلح. فإذا نصبت اللام فهو الاستسلام والانقياد. قال: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام}[النساء: 94] أي: استسلم وانقاد.
{كافّةً} أي: جميعا). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
{كافة} بمعنى: الجميع الإحاطة،
فيجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعا،
ويجوز أن يكون معناه: ادخلوا في السلم كله، أي: في جميع شرائعه، ويقال السلم والسلم -
{جميعا}، ويعني به: الإسلام والصلح، وفيه ثلاث لغات:
يقال: السّلم، والسّلم، والسّلم، وقد قرئ به:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}.

ومعنى {كافة} في اشتقاق اللغة: ما يكف الشيء من آخره، من ذلك كفة القميص، يقال لحاشية القميص كفة، وكل مستطيل فحرفه كفه، ويقال في كل مستدير كفّه، وذلك نحو كفّة الميزان، ويقال إنّما سميت كفّة الثوب لأنها تمنعه أن ينتشر، وأصل الكف المنع، ومن هذا قيل لطرف اليد " كف " لأنها يكف بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأصابع، ومن هذا قيل رجل مكفوف، أي قد كف بصره من أن ينظر
فمعنى الآية: ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه، فكفوا من أن تعدوا شرائعه.

أو: ادخلوا كلكم حتى يكف عن عدد وأحد لم يدخل فيه.
وقيل في معنى الآية: أن قوما من اليهود أسلموا فأقاموا على تحريم السبت وتحريم أكل لحوم الإبل، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ - أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام
وقال بعض أهل اللغة: جائز أن يكون أمرهم - وهم مؤمنون - أن يدخلوا في الإيمان، أي بأن يقيموا على الإيمان ويكونوا فيما يستقبلون عليه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل}، وكلا القولين
جائز لأن الله عزّ وجلّ، قد أمر بالإقامة على الإسلام فقال: {ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}أي: لا تقتفوا آثاره، لأنّ ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان.
{خطوات}جمع خطوة، وفيها ثلاث لغات:
خطوات، وخطوات، وخطوات، وقد بيّنّا العلة في هذا الجمع فيما سلف (من الكتاب) ).
[معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}
قال مجاهد: يعني الإسلام.
وروى أبو مالك عن ابن عباس قال: يقول في الإسلام جميعا.
قال أبو جعفر: وأصل السلم الصلح والمسالمة،
فيجوز أن يكون المعنى: اثبتوا على الإسلام.
ويجوز أن يكون المعنى: لمن آمن بلسانه.

وقد روي أن قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم الله أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}
قال الضحاك: هي الخطايا التي يأمر بها.
قال أبو إسحاق، أي: لا تقفوا آثاره لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان). [معاني القرآن: 1/154]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والكافة: الجماعة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({في السلم} أي: الإسلام، وأصله الصلح، ومثله من فتح السين، وقيل: هما لغتان، وقيل: الفتح معناه الصلح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({السِّلْمِ}: الصلح. {كَافَّةً}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}
يقال زل يزل زلا وزللا جميعا، ومزلّة، وزل - في الطين زليلا، ومعنى {زللتم} تنحيتم عن القصد والشرائع.
{فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}.
ومعنى {عزيز}: لا يعجزونه ولا يعجزه شيء.
ومعنى{حكيم} أي: حكيم فيما فطركم عليه، وفيما شرع لكم من دينه).
[معاني القرآن: 1/280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} أي: تنحيتم عن القصد.
{فاعلموا أن الله عزيز} لا تعجزونه ولا يعجزه شيء.
{حكيم}
فيما فطركم عليه وشرع لكم من دينه).
[معاني القرآن: 1/154]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة...}
رفع مردود على (الله) تبارك وتعالى، وقد خفضها بعض أهل المدينة. يريد "في ظللٍ من الغمام وفي الملائكة". والرفع أجود؛ لأنها في قراءة عبد الله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظللٍ من الغمام}). [معاني القرآن: 1/124]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ مّن الغمام والملائكة} على "وفي الملائكة".
وقال بعضهم {والملائكة} أي: وتأتيهم الملائكة. والرفع هو الوجه وبه نقرأ. لأنه قد قال ذلك في غير مكان قال: {وجاء ربّك والملك} وقال: {إلاّ أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك} و"الملك" في هذا الموضع جماعة كما تقول: "أهلك الناس الدينار والدرهم" و"هلك البعير والشّاء" تريد: جماعة الإبل والشاء.
وقوله: {إلاّ أن يأتيهم اللّه} يعني أمره، لأنّ اللّه تبارك وتعالى لا يزول كما تقول: "قد خشينا أن تأتينا بنو أميّة". وإنما تعني حكمهم).
[معاني القرآن: 1/136-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه} أي: هل ينتظرون إلّا ذلك يوم القيامة.
{وقضي الأمر} أي: فرغ منه). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال أهل اللغة معناه: يأتيهم اللّه بما وعدهم من العذاب، والحساب كما قال: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: آتاهم بخذلانه إياهم.
و{ظلل} جمع ظلّة. و{الملائكة} تقرأ على وجهين:
بالضم والكسر.
فمن قرأ الملائكة بالرفع،
فالمعنى ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة، والرفع هو الوجه المختار عند أهل اللغة في القراءة،
ومن قرأ والملائكة، فالمعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وظلل من الملائكة.

ومعنى {وقضي الأمر} أي: فرغ لهم ما كانوا يوعدون.
ومعنى{وإلى اللّه ترجع الأمور}
وترجع الأمور - يقرأان جميعا – تردّ فإن قال قائل أليست الأمور - الآن وفي كل وقت - راجعة إلى الله عزّ وجلّ، فالمعنى في هذا: الإعلام في أمر الحساب والثواب والعقاب، أي إليه تصيرون فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء). [معاني القرآن: 1/280-281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام}
قال مجاهد: إن الله يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام.
وقيل هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحسنات والعذاب
فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، أي: بخذلانه إياهم وهذا قول أبي إسحاق
وقال الأخفش سعيد: أن يأتيهم الله يعني أمره لأن الله تعالى لا يزول كما تقول خشينا أن تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم
{وقضي الأمر} أي: فرغ لهم ما كانوا يوعدون). [معاني القرآن: 1/155-156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وإلى الله ترجع الأمور} وهي راجعة إليه في كل وقت.
قال قطرب: المعنى أن المسألة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع إليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسؤولين عنها.
وقال غيره: وقد كانت في الدنيا أمور إلى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله إلى الله يحكم فيه بالحق.
3- وبعده وقضي بالحق، أي: فصل القضاء بالعدل الخلق). [معاني القرآن: 1/156]

تفسير قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {سل بني إسرائيل...}
لا تهمز في شيء من القرآن؛ لأنها لو همزت كانت "اسأل" بألفٍ. وإنما (ترك همزها) في الأمر خاصّة؛ لأنها كثيرة الدّور في الكلام؛ فلذلك ترك همزه كما قالوا: كل، وخذ، فلم يهمزوا في الأمر، وهمزوه في النهي وما سواه.
وقد تهمزه العرب. فأمّا في القرآن فقد جاء بترك الهمز. وكان حمزة الزّيات يهمز الأمر إذا كانت فيه الفاء أو الواو؛ مثل قوله: {واسأل القرية التي كنّا فيها} ومثل قوله: {فاسأل الّذين يقرءون الكتاب} ولست أشتهي ذلك؛ لأنها لو كانت مهموزة لكتبت فيها الألف كما كتبوها في قوله: {فاضرب لهم طريقاً}، {واضرب لهم مثلاً} بالألف).
[معاني القرآن: 1/124-125]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كم آتيناهم...}
معناه: جئناهم به [من آية]. والعرب تقول: أتيتك بآيةٍ، فإذا ألقوا الباء قالوا: آتيتك آية؛ كما جاء في الكهف "آتنا غداءنا" والمعنى: ايتنا بغدائنا). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فإنّ اللّه شديد العقاب}
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى له ولسائر المؤمنين وغيرهم. المعنى أنهم أعطوا آيات بينات قد تقدم ذكرها، وقد علموا صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجحدوا، وهم عالمون بحقيقته.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته}.
يعني به في هذا الموضع حجج اللّه الدالة على أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن الله شديد العقاب (أي شديد التعذيب) ). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}أي: في تصحيح أمر النبي صلى الله عليه وسلم
وقال مجاهد: ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود). [معاني القرآن: 1/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته}
قال مجاهد: أي يكفر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم). [معاني القرآن: 1/157]

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا...}
ولم يقل "زينت" وذلك جائز، وإنّما ذكّر الفعل والاسم مؤنث؛ لأنه مشتّق من فعل في مذهب مصدر. فمن أنّث أخرج الكلام على اللفظ، ومن ذكّر ذهب إلى تذكير المصدر.
ومثله {فمن جاءه موعظةٌ من ربّه فانتهى} و{قد جاءكم بصائر من ربّكم}، {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} على ما فسّرت لك.
فأمّا في الأسماء الموضوعة فلا تكاد العرب تذكّر فعل مؤنّثٍ إلا في الشعر لضرورته.

وقد يكون الاسم غير مخلوقٍ من فعلٍ، ويكون فيه معنى تأنيثٍ وهو مذكّر فيجوز فيه تأنيث الفعل وتذكيره على اللفظ مرّة وعلى المعنى مرّة؛ من ذلك قوله عزّ وجلّ: {وكذّب به قومك وهو الحق} ولم يقل "كذّبت" ولو قيلت لكان صوابا؛ كما قال {كذّبت قوم نوحٍ} و{كذّبت قوم لوطٍ} ذهب إلى تأنيث الأمّة، ومثله من الكلام في الشعر كثير؛ منه قول الشاعر:
فإن كلاباً هذه عشر أبطنٍ * وأنت برئ من قبائلها العشر
وكان ينبغي أن يقول: عشرة أبطنٍ؛ لأن البطن ذكر، ولكنه في هذا الموضع في معنى قبيلة، فأنّث لتأنيث القبيلة في المعنى. وكذلك قول الآخر:
وقائع في مضرٍ تسعة * وفي وائلٍ كانت العاشره
فقال: تسعة، وكان ينبغي له أن يقول: تسع؛ لأن الوقعة أنثى، ولكنه ذهب إلى الأيام؛ لأن العرب تقول في معنى الوقائع: الأيام؛ فيقال هو عالم بأيّام العرب، يريد وقائعها.
فأمّا قول الله تبارك وتعالى: {وجمع الشّمس والقمر} فإنه أريد به - والله أعلم -: جمع الضياءان. وليس قولهم: إنما ذكّر فعل الشمس لأن الوقوف لا يحسن في الشمس حتى يكون معها القمر بشيء، ولو كان هذا على ما قيل لقالوا: الشمس جمع والقمر. ومثل هذا غير جائزٍ، وإن شئت ذكّرته؛
لأن الشمس اسم مؤنث ليس فيها هاء تدلّ على التأنيث، والعرب ربما ذكّرت فعل المؤنث إذا سقطت منه علامات التأنيث. قال الفرّاء: أنشدني بعضهم:
فهي أحوى من الربعي خاذلة * والعين بالإثمد الحاري مكحول
ولم يقل: مكحولة والعين أنثى للعلة التي أنبأتك بها. قال: وأنشدني بعضهم:
فلا مزنةٌ ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها
قال: وأنشدني يونس - يعني النحويّ البصريّ - عن العرب قول الأعشى:
إلى رجلٍ منهم أسيفٍ كأنما * يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضبا
وأمّا قوله: {السّماء منفطرٌ به} فإن شئت جعلت السماء مؤنثة بمنزلة العين فلمّا لم يكن فيها هاء مما يدلّ على التأنيث ذكّر فعلها كما فعل بالعين والأرض في البيتين.
ومن العرب من يذكّر السماء؛ لأنه جمع كأن واحدته سماوة أو سماءة. قال: وأنشدني بعضهم:
فلو رفع السماء إليه قوما * لحقنا بالسماء مع السحاب
فإن قال قائل: أرأيت الفعل إذا جاء بعد المصادر المؤنثة أيجوز تذكيره بعد الأسماء كما جاز قبلها؟
قلت: ذلك قبيح وهو جائز، وإنما قبح لأن الفعل إذا أتى بعد الاسم كان فيه مكنّى من الاسم فاستقبحوا أن يضمروا مذكّرا قبله مؤنث، والذين استجازوا ذلك قالوا: يذهب به إلى المعنى، وهو في التقديم والتأخير سواء؛ قال الشاعر:

فإن تعهدي لامرئ لمّة * فإن الحوادث أزرى بها
ولم يقل: أزرين بها ولا أزرت بها. والحوادث جمع ولكنه ذهب بها إلى معنى الحدثان. وكذلك قال الآخر:
هنيئا لسعدٍ ما اقتضى بعد وقعتي * بناقة سعدٍ والعشيّة بارد
كأن العشية في معنى العشي؛ ألا ترى قول الله {أن سبّحوا بكرةً وعشيّاً} وقال الآخر:
إن السماحة والشجاعة ضمّنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح
ولم يقل: ضمنتا، والسماحة والشجاعة مؤنثتان للهاء التي فيهما. قال: فهل يجوز أن تذهب بالحدثان إلى الحوادث فتؤنّث فعله قبله فتقول أهلكتنا الحدثان؟ قلت نعم؛ أنشدني الكسائي:
ألا هلك الشهاب المستنير * ومدرهنا الكميّ إذا نغير
وحمّال المئين إذا ألمّت * بنا الحدثان والأنف النصور
فهذا كافٍ مما يحتاج إليه من هذا النوع. وأما قوله: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه} ولم يقل "بطونها" والأنعام هي مؤنثة؛ لأنه ذهب به إلى النعم والنعم ذكر وإنما جاز أن تذهب به إلى واحدها لأن الواحد يأتي في المعنى على معنى الجمع؛ كما قال الشاعر:
إذا رأيت أنجما من الأسد * جبهته أو الخرات والكتد
بال سهيلٌ في الفضيخ ففسد * وطاب ألبان اللقاح فبرد
ألا ترى أن اللبن جمع يكفى من الألبان. وقد كان الكسائيّ يذهب بتذكير الأنعام إلى مثل قول الشاعر:
ولا تذهبن عيناك في كل شرمح * طوالٍ فإن الأقصرين أمازره
ولم يقل: أمازرهم، فذكّر وهو يريد أمازر ما ذكرنا. ولو كان كذلك لجاز أن تقول هو أحسنكم وأجمله، ولكنه ذهب إلى أن هذا الجنس يظهر مع نكرةٍ غير مؤقّتة يضمر فيها مثل معنى النكرة؛ فلذلك قالت العرب: هو أحسن الرجلين وأجمله؛ لأن ضمير الواحد يصلح في معنى الكلام أن تقول هو أحسن رجل في الاثنين، وكذلك قولك هي أحسن النساء وأجمله. من قال وأجمله قال: أجمل شيء في النساء، ومن قال: وأجملهن أخرجه على اللفظ؛ واحتجّ بقول الشاعر:
* مثل الفراخ نتقت حواصله *
ولم يقل حواصلها. وإنما ذكّر لأن الفراخ جمع لم يبن على واحده، فجاز أن يذهب بالجمع إلى الواحد. قال الفرّاء: أنشدني المفضّل:
ألا إن جيراني العشية رائح * دعتهم دواعٍ من هوى ومنازح
فقال: رائح ولم يقل رائحون؛ لأن الجيران قد خرج مخرج الواحد من الجمع إذ لم يبن جمعه على واحده.
فلو قلت: الصالحون فإن ذلك لم يجز، لأن الجمع منه قد بني على صورة واحده. وكذلك الصالحات نقول، ذاك غير جائز؛ لأن صورة الواحدة في الجمع قد ذهب عنه توهّم الواحدة. ألا ترى أن العرب تقول: عندي عشرون صالحون فيرفعون ويقولون عندي عشرون جيادا فينصبون الجياد؛ لأنها لم تبن على واحدها، فذهب بها إلى الواحد ولم يفعل ذلك بالصالحين؛ قال عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً * سوداً كخافية العراب الأسحم
فقال: سودا ولم يقل: سود وهي من نعت الاثنتين والأربعين؛ للعلة التي أخبرتك بها. وقد قرأ بعض القرّاء {زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا} ويقال إنه مجاهد فقط). [معاني القرآن: 1/125-131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين اتّقوا فوقهم} أي: أفضل منهم.
{بغير حسابٍ} بغير محاسبة). [مجاز القرآن: 1/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بغير حساب}: بغير محاسبة). [غريب القرآن وتفسيره: 91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا ويسخرون من الّذين آمنوا والّذين اتّقوا فوقهم يوم القيامة واللّه يرزق من يشاء بغير حساب}
رفع على ما لم يسم فاعله، و (زيّن) جاز فيه لفظ التذكير، ولو كانت زيّنت لكان صوابا. وزين صواب حسن، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأن معنى الحياة ومعنى العيش واحد، وقد فصل أيضا بين الفعل وبين الاسم المؤنث.
وقيل في قوله {زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا} قولان:
1- قال بعضهم زينها لهم إبليس، لأن اللّه عزّ وجلّ قد زهّد فيها وأعلم أنها متاع الغرور.
2- وقال بعضهم: معناه أن اللّه عزّ وجلّ خلق فيها الأشياء المعجبة فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدارها، ودليل قول هؤلاء قوله تعالى: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة}
وكلّ جائز.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسخرون من الّذين آمنوا}.
كان قوم من المشركين يسخرون من المسلمين لأن حالهم في ذات اليد كانت قليلة، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - بأن الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة. لأن المسلمين في عليين والفجّار في الجحيم، قال اللّه - عزّ وجلّ - {إنّ الّذين أجرموا كانوا من الّذين آمنوا يضحكو}
ومعنى: {واللّه يرزق من يشاء بغير حساب}أي: ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره.
فهذا معنى {بغير حساب} - أي: ليس يحاسبه بالرزق في الدنيا على قدر العمل، ولكن الرزق في الآخرة على قدر العمل وما يتفضل اللّه به جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 1/281-282]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا}
قال أبو إسحاق: أي: زينها لهم إبليس لأن الله قد زهد فيها وأعلم أنها متاع الغرور.
وقيل معناه أن الله خلق الأشياء المعجبة فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدورها). [معاني القرآن: 1/157-158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {ويسخرون من الذين آمنوا} قال، أي: في ذات اليد.
قال ابن جريح: يسخرون منهم في طلب الآخرة.
قال قتادة: {فوقهم} أي الجنة). [معاني القرآن: 1/158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {والله يرزق من يشاء بغير حساب}
ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره،أي: ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل.
وقال قطرب: المعنى والله أعلم أنه يعطي العباد من الشيء المقسوم لا من عدد أكثر منه أخذه منه كالمعطي من الآدميين الألف من الألفين.
قال: ووجه آخر أن من أنفق شيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب). [معاني القرآن: 1/158-159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حِسَـــابِ}: محاسبــــة). [العمدة في غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه...}
ففيها معنيان؛
أحدهما: أن تجعل اختلافهم كفر بعضهم بكتاب بعضٍ {فهدى اللّه الّذين آمنوا} للإيمان بما أنزل كلّه وهو حقّ.
والوجه الآخر: أن تذهب باختلافهم إلى التبديل كما بدّلت التوراة.
ثم قال {فهدى اللّه الّذين آمنوا} به للحق مما اختلفوا فيه.
وجاز أن تكون اللام في الاختلاف ومن في الحق كما قال الله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} والمعنى - والله أعلم - كمثل المنعوق به؛ لأنه وصفهم فقال تبارك وتعالى: {صمّ بكم عمى} كمثل البهائم، وقال الشاعر:

كانت فريضة ما تقول كما * كان الزناء فريضة الرجم
وإنما الرجم فريضة الزناء، وقال:
إن سراجا لكريم مفخره * تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين لا تحلى إنما يحلى بها سراج، لأنك تقول: حليت بعيني، ولا تقول حليت عيني بك إلاّ في الشعر). [معاني القرآن: 1/131-132]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمةً واحدةً} أي: ملّةً واحدةً). [مجاز القرآن: 1/72]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
قال: {وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم} يقول: "وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه بغياً بينهم من بعد ما جاءتهم البيّنات"). [معاني القرآن: 1/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كان الناس أمة واحدة}: ملة واحدة يعني على عهد آدم كانوا على الإسلام). [غريب القرآن وتفسيره:91-92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كان النّاس أمّةً واحدةً} أي: ملّة واحدة. يعني كانوا كفارا كلهم). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {كان النّاس أمّة واحدة فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيا بينهم فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} أي: على دين واحد، والأمة في اللغة أشياء،
فمنها الأمة الدين، وهو هذا،
والأمة القامة يقال فلان حسن الأمّة، أي حسن القامة.

قال الشاعر:
وأن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم أي طوال القامات، والأمة القرن من الناس، يقولون قد مضت أمم أي قرون، والأمة الرجل الذي لا نظير له.
ومنه قوله عزّ وجلّ - {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا}
قال أبو عبيدة: معنى {كان أمّة} كان إماما، والأمة في اللغة النعمة والخير.
قال عدي بن زيد.
ثم بعد الفلاح والرشد والأمّة وارتهم هناك القبور.
أي: بعد النعمة والخير، وذكر أبو عمرو الشيباني أن العرب تقول للشيخ إذا كان باقي القوة فلان بأمّة، ومعناه راجع إلى الخير والنعمة، لأن بقاء قوته من أعظم النعمة، وأصل هذا كله من القصد، يقال أممت الشيء إذا قصدته، فمعنى الأمة في الدين أن مقصدهم مقصد واحد، ومعنى الأمة في الرجل المنفرد الذي لا نظير له، أن قصده منفرد من قصد سائر الناس.
ويروى أن زيد بن عدي بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده وإنما ذلك لأنه أسلم في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فمات موحدا فهذا أمة في وقته لانفراده، وبيت النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
ويروى ذو أمة، وذو إمة، ويحتمل ضربين من التفسير: ذو أمة: ذو دين وذو أمة: ذو نعمة أسديت إليه، ومعنى الأمة القامة: سائر مقصد الجسد.
فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى أممت أي قصدت، ويقال إمامنا هذا حسن الأمة أي يقوم بإمامته بنا في صلاته ويحسن ذلك.
وقالوا في معنى الآية غير قول:
1- قالوا كان الناس فيما بين آدم ونوح عليهما السلام - كفارا، فبعث الله النبيين يبشرون من أطاع بالجنة، وينذرون من عصي بالنار،
2- وقال قوم: معنى كان الناس أمّة واحدة، كان كل من بعث إليه الأنبياء كفارا:
{فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين}
ونصب (مبشّرين ومنذرين) على الحال، فالمعنى أن أمم الأنبياء الذين بعث إليهم الأنبياء كانوا كفارا - كما كانت هذه الأمة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله عزّ وجلّ: {ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه}أي: ليفصل بينهم بالحكمة.
وقوله عزّ وجلّ: ({وما اختلف فيه إلّا الّذين أوتوه} أي: ما اختلف في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الذين أعطوا علم حقيقته.
وقوله: {بغيا بينهم} نصب (بغيا) على معنى مفعول له، المعنى لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي، لأنهم عالمون حقيقة أمره في كتبهم.
وقوله عزّ وجلّ: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ} أي: للحق الذي اختلف فيه أهل الزيغ.
وقوله عزّ وجلّ: {بإذنه} أي: بعلمه، أي: من الحق الذي أمر به.
وقوله عزّ وجلّ: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}أي: إلى طريق الدين الواضح، ومعنى (يهدي من يشاء): يدله على طريق الهدى إذا طلبه غير متعنت ولا باغ). [معاني القرآن: 1/282-285]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة}
قال مجاهد: آدم أمة واحدة.
وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا
قال أبو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته
فمعنى أمة: أن مقصدهم واحد، ويقال للمنفرد أمة، أي: مقصده غير مقصد الناس.
الأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن الإمة بالكسر النعمة لأن الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لأن الناس يقصدون قصد ما يفعل). [معاني القرآن: 1/159-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}أي: يفصل الكتاب بالحكم.
وقرأ الجحدري (ليحكم) بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرزدق:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها = وقضى عليك به الكتاب المنزل). [معاني القرآن: 1/160-161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} أي: وما اختلف في الكتاب إلا الذين أعطوه.
قال أبو إسحاق: أي: وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة والسلام
بغيا بينهم أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي). [معاني القرآن: 1/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}
وروى أبو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخول الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى))
وفي بعض الحديث ((هدانا الله ليوم الجمعة))
وقال زيد بن أسلم: اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى الله أمة محمد للجمعة.
واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار.
واختلفوا في إبراهيم فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
قال أبو زيد: واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى الله المؤمنين.
قال أبو إسحاق: {بإذنه} أي: بعلمه). [معاني القرآن: 1/162-163]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُمَّــــةً}: ................). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم حسبتم...}
استفهم بأم في ابتداءٍ ليس قبله ألف فيكون أم ردّاً عليه، فهذا مما أعلمتك أنه يجوز إذا كان قبله كلام يتّصل به. ولو كان ابتداء ليس قبله كلام؛ كقولك للرجل: أعندك خير؟ لم يجز ها هنا أن تقول: أم عندك خير. ولو قلت: أنت رجل لا تنصف أم لك سلطان تدلّ به، لجاز ذلك؛ إذ تقدّمه كلام فاتّصل به.
وقوله: {أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مّثل الّذين خلوا من قبلكم} [معناه: أظننتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب الذين قبلكم] فتختبروا.
ومثله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}
وكذلك في التوبة {أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم}).
[معاني القرآن: 1/132]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول...}
قرأها القرّاء بالنصب إلا مجاهدا وبعض أهل المدينة فإنهما رفعاها. ولها وجهان في العربية: نصب، ورفع.
فأمّا النصب: فلأن الفعل الذي قبلها مما يتطاول كالترداد. فإذا كان الفعل على ذلك المعنى نصب بعده بحتّى وهو
في المعنى ماضٍ.
فإذا كان الفعل الذي قبل حتى لا يتطاول وهو ماضٍ رفع الفعل بعد حتّى إذا كان ماضيا.

فأمّا الفعل الذي يتطاول وهو ماضٍ فقولك: جعل فلان يديم النظر حتى يعرفك؛ ألا ترى أن إدامة النظر تطول. فإذا طال ما قبل حتّى ذهب بما بعدها إلى النصب إن كان ماضيا بتطاوله. قال: وأنشدني [بعض العرب وهو] المفضّل:
مطوت بهم حتّى تكلّ غزاتهم * وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
فنصب (تكلّ) والفعل الذي أدّاه قبل حتّى ماض؛ لأنّ المطو بالإبل يتطاول حتى تكلّ عنه. ويدلّك على أنه ماض أنك تقول: مطوت بهم حتى كلّت غزاتهم. فبحسن فعل مكان يفعل تعرف الماضي من المستقبل. ولا يحسن مكان المستقبل فعل؛ ألا ترى أنك لا تقول: أضرب زيدا حتى أقرّ، لأنك تريد: حتى يكون ذلك منه.
وإنما رفع مجاهد لأنّ فعل يحسن في مثله من الكلام؛ كقولك: زلزلوا حتى قال الرسول. وقد كان الكسائيّ قرأ بالرفع دهرا ثم رجع إلى النصب. وهي في قراءة عبد الله: "وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول الرسول" وهو دليل على معنى النصب.
ولحتى:
ثلاثة معان في يفعل.
وثلاثة معان في الأسماء.
فإذا رأيت قبلها فعل ماضيا وبعدها يفعل في معنى مضي وليس ما قبل (حتّى يفعل) يطول فارفع يفعل بعدها؛ كقولك جئت حتى أكون معك قريبا. وكان أكثر النحويين ينصبون الفعل بعد حتّى وإن كان ماضيا إذا كان لغير الأوّل، فيقولون: سرت حتى يدخلها زيد، فزعم الكسائيّ أنه سمع العرب تقول: سرنا حتى تطلع لنا الشمس بزبالة، فرفع والفعل للشمس، وسمع: إنا لجلوس فما نشعر حتى يسقط حجر بيننا، رفعا. قال: وأنشدني الكسائي:

وقد خضن الهجير وعمن حتى * يفرّج ذاك عنهنّ المساء
وأنشد (قول الآخر):
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا * من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
فنصب ها هنا؛ لأنّ الإنكار يتطاول. وهو الوجه الثاني من باب حتى.
وذلك أن يكون ما قبل حتى وما بعدها ماضيين، وهما مما يتطاول، فيكون يفعل فيه وهو ماضٍ في المعنى أحسن من فعل، فنصب وهو ماضٍ لحسن يفعل فيه.
قال الكسائيّ: سمعت العرب تقول: إنّ البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجّه. وهو أمر قد مضى، و(يجعل) فيه أحسن من (جعل). وإنما حسنت
لأنها صفة تكون في الواحد على معنى الجميع، معناه: إنّ هذا ليكون كثيراً في الإبل.
ومثله: إنّ الرجل ليتعظّم حتى يمرّ فلا يسلم على الناس. فتنصب (يمرّ) لحسن يفعل فيه وهو ماضٍ؛ وأنشدني أبو ثروان:

أحبّ لحبّها السودان حتى * أحبّ لحبّها سود الكلاب
ولو رفع لمضيه في المعنى لكان صوابا. وقد أنشدنيه بعض بني أسد رفعا. فإذا أدخلت فيه "لا" اعتدل فيه الرفع والنصب؛ كقولك: إنّ الرجل ليصادقك حتى لا يكتمك سرّا، ترفع لدخول "لا" إذا كان المعنى ماضيا. والنصب مع دخول لا جائز.
ومثله ما يرفع وينصب إذ دخلت "لا" في قول الله تبارك وتعالى: {وحسبوا ألاّ تكون فتنة} رفعا ونصبا. ومثله: "أفلا يرون ألاّ يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا" ينصبان ويرفعان، وإذا ألقيت منه "لا" لم يقولوه إلاّ نصبا؛ وذلك أنّ "ليس" تصلح مكان "لا" فيمن رفع بحتّى وفيمن رفع بـ "أن"؛ ألا ترى أنك تقول: إنه ليؤاخيك حتى ليس يكتمك شيئا، وتقول في "أن": حسبت أن لست تذهب فتخلّفت. وكلّ موضع حسنت فيه "ليس" مكان "لا" فافعل به هذا: الرفع مرّة، والنصب مرّة. ولو رفع الفعل في "أن" بغير "لا" لكان صوابا؛ كقولك حسبت أن تقول ذاك؛ لأنّ الهاء تحسن في "أن" فتقول حسبت أنه يقول ذاك؛ وأنشدني القاسم بن معنٍ:
إني زعيم يا نويـ * قة إن نجوت من الزواح
وسلمت من عرض الحتو * ف من الغدوّ إلي الرواح
أن تهبطين بلاد قو * م يرتعون من الطلاح
فرفع (أن تهبطين) ولم يقل: أن تهبطي.
فإذا كانت "لا" لا تصلح مكانها "ليس" في "حتى" ولا في "أن" فليس إلا النصب، مثل قولك: لا أبرح حتى لا أحكم أمرك. ومثله في "أن": أردت أن لا تقول ذاك. لا يجوز ههنا الرفع.
والوجه الثالث: في يفعل من "حتى" أن يكون ما بعد "حتى" مستقبلا، - ولا تبال كيف كان الذي قبلها - فتنصب؛ كقول الله جل وعز {لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى}، و{فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي} وهو كثير في القرآن.
وأمّا الأوجه الثلاثة في الأسماء:
1- فإن ترى بعد حتى اسما وليس قبلها شيء يشاكله يصلح عطف ما بعد حتّى عليه، أو أن ترى بعدها اسما وليس قبلها شيء.

فالحرف بعد حتّى مخفوض في الوجهين؛ من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {تمتّعوا حتى حينٍ} و{سلامٌ هي حتّى مطلع الفجر} لا يكونان إلا خفضا؛ لأنه ليس قبلهما اسم يعطف عليه ما بعد حتى، فذهب بحتى إلى معنى "إلى".
والعرب تقول: أضمنه حتى الأربعاء أو الخميس، خفضا لا غير، وأضمن القوم حتى الأربعاء.
والمعنى: أن أضمن القوم في الأربعاء؛ لأنّ الأربعاء يوم من الأيام، وليس بمشاكل للقوم فيعطف عليهم.

والوجه الثاني: أن يكون ما قبل حتى من الأسماء عددا يكثر ثم يأتي بعد ذلك الاسم الواحد أو القليل من الأسماء. فإذا كان كذلك فانظر إلى ما بعد حتى؛ فإن كانت الأسماء التي بعدها قد وقع عليها من الخفض والرفع والنصب ما قد وقع على ما قبل حتى ففيها وجهان: الخفض والإتباع لما قبل حتى؛ من ذلك: قد ضرب القوم حتى كبيرهم، وحتى كبيرهم، وهو مفعول به، في الوجهين قد أصابه الضرب. وذلك أنّ إلى قد تحسن فيما قد أصابه الفعل، وفيما لم يصبه؛ من ذلك أن تقول: أعتق عبيدك حتى أكرمهم عليك. تريد: وأعتق أكرمهم عليك، فهذا مما يحسن فيه إلى، وقد أصابه الفعل. وتقول فيما لا يحسن فيه أن يصيب الفعل ما بعد حتى: الأيام تصام كلها حتى يوم الفطر وأيام التشريق. معناه يمسك عن هذه الأيام فلا تصام. وقد حسنت فيها إلى.
والوجه الثالث: أن يكون ما بعد حتى لم يصبه شيء مما أصاب ما قبل حتّى؛ فذلك خفض لا يجوز غيره؛ كقولك: هو يصوم النهار حتى الليل، لا يكون الليل إلا خفضا، وأكلت السمكة حتى رأسها، إذا لم يؤكل الرأس لم يكن إلا خفضا.
وأمّا قول الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب تسبّني * كأنّ أباها نهشل أو مجاشع
فإنّ الرفع فيه جيّد وإن لم يكن قبله اسم؛ لأنّ الأسماء التي تصلح بعد حتى منفردة إنما تأتى من المواقيت؛ كقولك: أقم حتى الليل. ولا تقول أضرب حتى زيدٍ؛ لأنه ليس بوقت؛ فلذلك لم يحسن إفراد زيد وأشباهه، فرفع بفعله، فكأنه قال: يا عجبا أتسّبني اللئام حتى يسبني كليبيّ. فكأنه عطفه على نيّة أسماء قبله. والذين خفضوا توهموا في كليبٍ ما توهموا في المواقيت، وجعلوا الفعل كأنه مستأنف بعد كليبٍ، كأنه قال: قد انتهى بي الأمر إلى كليبٍ، فسكت، ثم قال: تسبني). [معاني القرآن: 1/132-138]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} أي أحسبتم {أن تدخلوا الجنّة}.
{خلوا من قبلكم}أي: مضّوا.
{وزلزلوا} أي: خوّفوا). [مجاز القرآن: 1/72]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مسّتهم البأساء}: الشدة. {والضّرّاء}: البلاء.
{وزلزلوا}: خوّفوا وأرهبوا). [تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب}
معناه: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم}.
معنى {مثل الذين} أي: صفة الذين، أي ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين خلوا من قبلكم، و{خلوا} - مضوا.
{مسّتهم البأساء والضّرّاء} البأساء والضراء: القتل والفقر.
و {زلزلوا} معنى {زلزلوا} - خوّفوا وحركوا بما يؤذي،.
وأصل الزلزلة في اللغة: من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلة فتأويله كررت زلزلته من مكانه، وكل ما فيه ترجع كررت فيه فاء التفعيل، تقول أقل فلان الشيء إذا رفعه من مكانه فإذا كرر رفعه ورده قيل قلقله، وكذا صل، وصلصل وصر وصرصر، فعلى هذا قياس هذا الباب.

فالمعنى أنه يكرر عليهم التحريك بالخوف.
وقوله عزّ وجلّ: {حتى يقول الرسول}. قرئت حتى يقول الرسول - بالنصب - ويقول - بالرفع.
وإذا نصبت بحتى فقلت سرت حتى أدخلها.
فزعم سيبويه والخليل وجميع أهل النحو الموثوق بعلمهم أن هذا ينتصب على وجهين:
فأحد الوجهين: أن يكون الدخول غاية السير، والسير والدخول قد نصبا جميعا، فالمعنى: سرت إلى دخولها، وقد مضى الدخول، فعلى هذا نصبت الآية: المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرسول. وكأنه حتى قول الرسول.
ووجهها الآخر: في النصب أعني سرت حتى أدخلها أن يكون السير قد وقع والدخول لم يقع، ويكون المعنى سرت كي أدخلها - وليس هذا وجه نصب الآية.

ورفع ما بعد حتى على وجهين، فأحد الوجهين هو وجه الرفع في الآية.
والمعنى سرت حتى أدخلها، وقد مضى السير والدخول كأنّه بمنزلة قولك سرت فأدخلها. بمنزلة: (سرت) فدخلتها، وصارت حتى ههنا مما لا يعمل في الفعل شيئا، لأنها تلي الجمل، تقول سرت حتى أني داخل – وقول الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب تسبّني... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع
فعملها في الجمل في معناها لا في لفظها.
والتأويل سرت حتى دخولها وعلى هذا وجه الآية.
ويجوز أن يكون السير قد مضى والدخول واقع الآن وقد انقطع السير، تقول سرت حتى أدخلها الآن ما أمنع فهذه جملة باب حتى..

ومعنى الآية: أن الجهد قد بلغ بالأمم التي قبل هذه الأمة حتى استبطأوا النصر، فقال الله عزّ وجلّ: {ألا إنّ نصر اللّه قريب}.
فأعلم أولياءه أنّه ناصرهم لا محالة، وأن ذلك قريب منهم كما قال: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}). [معاني القرآن: 1/285-287]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة}
(أم) ههنا للخروج من حديث إلى حديث). [معاني القرآن: 1/163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
حكى النضر بن شميل أن مثل يكون بمعنى صفه.
ويجوز أن يكون المعنى: ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا، أي: مضوا.
{مستهم البأساء والضراء} أي: الفقر والمرض.
{وزلزلوا} خوفوا وحركوا بما يؤذي.
قال أبو إسحاق: أصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه). [معاني القرآن: 1/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي: بلغ الجهد بهم حتى استبطأوا النصر). [معاني القرآن: 1/164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} أي: هو ناصر أوليائه لا محالة). [معاني القرآن: 1/165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وزلزلوا} خوفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يسألونك ماذا ينفقون...}
تجعل "ما" في موضع نصب وتوزقع عليها "ينفقون"، ولا تنصبها بـ (يسألونك) لأنّ المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون. وإن شئت رفعتها من وجهين؛
أحدهما: أن تجعل "ذا" اسما يرفع ما، كأنك قلت: ما الذي ينفقون. والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي؛ فيقولون: ومن ذا يقول ذاك؟ في معنى: من الذي يقول ذاك؟ وأنشدوا:

عدس ما لعبّادٍ عليك إمارة * أمنت وهذا تحملين طليق
كأنه قال: والذي تحملين طليق.
والرفع الآخر: أن تجعل كلّ استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا؛ لأنّ الفعل لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام، فجعلوه بمنزلة الذي؛ إذ لم يعمل فيه الفعل الذي يكون بعدها. ألا ترى أنك تقول: الذي ضربت أخوك، فيكون الذي في موضع رفع بالأخ، ولا يقع الفعل الذي يليها عليها. فإذا نويت ذلك رفعت قوله: {قل العفو كذلك}؛ كما قال الشاعر:

ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطل
رفع النحب؛ لأنه نوى أن يجعل "ما" في موضع رفع. ولو قال: أنحبا فيقضى أم ضلالا وباطلا كان أبين في كلام العرب.
وأكثر العرب تقول: وأيّهم لم أضرب وأيّهم إلاّ قد ضربت رفع؛ للعلّة من الاستئناف من حروف الاستفهام وألاّ يسبقها شيء.

ومما يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخّر عنه الفعل الذي يقع عليه قولهم: كلّ الناس ضربت. وذلك أن في (كلّ) مثل معنى هل أحدٌ [إلاّ] ضربت، ومثل معنى أي رجل لم أضرب، وأيّ بلدة لم أدخل؛ ألا ترى أنك إذا قلت: كلّ الناس ضربت؛ كان فيها معنى: ما منهم أحد إلا قد ضربت، ومعنى أيهم لم أضرب. وأنشدني أبو ثروان:
وقالوا تعرّفها المنازل ممن منىً * وما كلّ من يغشى منىً أنا عارف
رفعا، ولم أسمع أحدا نصب كل. قال: وأنشدونا:
وما كلّ من يظّنّني أنا معتب * وما كلّ ما يروى عليّ أقول
ولا تتوهّم أنهم رفعوه بالفعل الذي سبق إليه؛ لأنهم قد أنشدونا:
قد علقت أمّ الخيار تدّعي * عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
رفعا. وأنشدني أبو الجراح:
أرجزا تريد أم قريضا * أم هكذا بينهما تعريضا
* كلاهما أجد مستريضا *
فرفع كلاّ وبعدها (أجد)؛ لأن المعنى: ما منهما واحد إلا أجده هيّنا مستريضا. ويدلّك على أن فيه ضمير جحد قول الشاعر:
فكلهم جاشاك إلا وجدته * كعين الكذوب جهدها واحتفالها). [معاني القرآن: 1/138-140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسألونك ما ذا ينفقون} أي: ماذا يعطون ويتصدقون؟
{قل ما أنفقتم}: ما أعطيتم.
{من خيرٍ}أي: من مال).
[تفسير غريب القرآن: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه به عليم}
قيل إنهم كانوا سألوا: على من ينبغي أن يفضلوا - فأعلم اللّه عزّ وجل أن أول من تفضّل عليه الوالدان والأقربون، فقال: {قل ما أنفقتم من خير} أي: من مال: {فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه به عليم} أي: يحصيه، وإذا أحصاه جازى عليه، كما قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} أي: يرى المجازاة عليه، لأن رؤية فعله الماضي لا فائدة فيه.
ولا يرى لأنه قد مضى.
ومعنى " ماذا " في اللغة على ضربين:
فأحدهما: أن يكون " ذا " في معنى الذي، ويكون ينفقون من صلته، المعنى يسألونك أي شيء الذي ينفقون كأنه أي شيء وجه الذي ينفقون، لأنهم يعلمون ما المنفق ولكنهم أرادوا علم اللّه وجهه.

ومثل جعلهم " ذا " في معنى الذي قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة... أمنت وهذا تحملين طليق
والمعنى: والذي تحملينه طليق، فيكون ما رفعا بالابتداء، ويكون ذا خبرها.
وجائز أن يكون: " ما " " مع " " ذا " بمنزلة اسم واحد، ويكون الموضع نصبا بـ (ينفقون).
المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون، وهذا إجماع النحويين، وكذلك الوجه الأول إجماع أيضا، ومثل جعلهم ذا بمنزلة اسم واحد، قول
الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه... ولكن بالمغيب فنبئيني
كأنه بمنزلة: دعي الذي علمت.
وجزم (وما تفعلوا) بالشرط، واسم الشرط " ما " والجواب (فإنّ اللّه به عليم) وموضع " ما " نصب بقوله (تفعلوا) ). [معاني القرآن: 1/287-288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون} أي: يتصدقون ويعطون {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل}
قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا؟
فقيل أولى من أفضل عليه هؤلاء ثم قال تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} أي: يحصيه وإذا أحصاه جازى عليه).[معاني القرآن: 1/165-166]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ماذا ينفقون} أي: يعطون ويتصدقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لّكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لّكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم}.
وقال بعضهم {حملته أمه كرها}.
وقال بعضهم: {كرها} وهما لغتان: مثل "الغسل" و"الغسل"، و"الضعف" و"الضّعف" إلا أنه قد قال بعضهم أنه إذا كان في موضع المصدر كان "كرهاً" كما تقول: "لا تقوم إلا كرهاً" وتقول: "لا تقوم إلا على كرهٍ" وهما سواء مثل "الرّهب" و"الرّهب".
وقال بعضهم: "الرّهب" كما قالوا: "البخل" و"البخل" و"البخل".
وإنما قال: {كرهٌ لكم} أي: ذو كرهٍ وحذف "ذو".
كما قال: {وسئل القرية}).
[معاني القرآن: 1/137-138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم الجهاد،
{وهو كرهٌ لكم} أي: مشقّة).
[تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
معنى {كتب عليكم}: فرض عليكم، والكره يقال فيه كرهت الشيء كرها وكرها، وكراهة، وكراهية، وكل ما في كتاب الله عزّ وجلّ من الكره فالفتح جائز فيه، تقول الكره والكره إلا أن هذا الحرف الذي في هذا الآية - ذكر أبو عبيدة - أن الناس مجمعون على ضمه، كذلك قراءة أهل الحجاز وأهل الكوفة جميعا {وهو كره لكم} فضموا هذا الحرف.
ارتفع (كره) لأنه خبر الابتداء - وتأويله ذو كره - ومعنى كراهتهم القتال أنهم إنما كرهوه على جنس غلظه عليهم ومشقته، لا أن المؤمنين يكرهون فرض اللّه - عزّ وجلّ - لأن اللّه - عزّ وجلّ - لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والصلاح.
وقوله: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}.
{وهو خير لكم} يعني به ههنا القتال، فمعنى الخير فيه، أن من قتل فهو شهيد وهذا غاية الخير، وهو إن قتل مثاب (أيضا) وهادم أمر الكفر.
وهو مع ذلك يغنم، وجائز أن يستدعي دخول من يقاتله في الإسلام، لأن أمر قتال أهل الإسلام كله كان من الدلالات التي تثبت أمر النبوة - والإسلام، لأن الله أخبر أنّه ينصر دينه، ثم أبان النصر بأن العدد القليل يغلب العدد الكثير فهذا ما في القتال من الخير الذي كانوا كرهوه.
ومعنى: {وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم}أي: عسى أن تحبوا القعود عن القتال فتحرموا ما وصف من الخير الذي في القتال). [معاني القرآن: 1/288-289]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}
أكثر أهل التفسير على أن: الجهاد فرض وأن المعنى فرض عليكم القتال إلا أن بعضهم يكفي من بعض.
قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله}
قال أبو طلحة في قوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا} ما سمعت الله عذر أحدا.
إلا أن سفيان الثوري قال: الجهاد تطوع ومعنى {كتب عليكم القتال} على تفضيله.
ثم قال: {وهو كره لكم}
قال أبو إسحاق: التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية.
وقال الكسائي: كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه.
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}أي: إن قتل كان شهيد وإن قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الإسلام.
{وعسى أن تحبوا شيئا} القعود عن القتال). [معاني القرآن: 1/166-167]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم. و(الكره) بالضم: المشقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه...}
وهي في قراءة عبد الله "عن قتال فيه" فخفضته على نيّة (عن) مضمرة.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه}
ففي الصدّ وجهان:
1- إن شئت جعلته مردودا على الكبير، تريد: قل القتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله وكفر به.
2- وإن شئت جعلت الصدّ كبيرا؛ تريد: قل القتال فيه كبير؛ وكبير الصدّ عن سبيل الله والكفر به.

{والمسجد الحرام} مخفوض بقوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد. فقال الله تبارك وتعالى: {وإخراج أهله}، أهل المسجد {منه أكبر عند اللّه} من القتال في الشهر الحرام. ثم فسّر فقال تبارك وتعالى: {والفتنة} - يريد الشرك - أشدّ من القتال فيه). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}مجرور بالجوار لما كان بعده (فيه) كنايةٌ للشهر الحرام، وقال الأعشى:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته... تقضّى لباناتٍ ويسأم سائم
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت وذهبت). [مجاز القرآن: 1/72-73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولـئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
قال: {وصدٌّ عن سبيل اللّه}.
وقال: {وكفرٌ به والمسجد الحرام} على "وصدٌّ عن المسجد الحرام".
ثم قال: {وإخراج أهله منه أكبر} على الابتداء.
وقال: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم} فضعّف لأن أهل الحجاز إذا أسكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ههنا ساكنة أسكنها بالجزاء.
وقال: {ومن يرتدّ منكم عن دينه فسوف} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف كثير).
[معاني القرآن: 1/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({حبطت أعمالهم}: بطلت أعمالهم). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ} أي: القتال فيه عظيم عند اللّه. وتم الكلام.
ثم قال {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام} وخفض المسجد الحرام نسقا على سبيل اللّه. فكأنه قال: صدّ عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام، وكفر به، أي: باللّه.

{وإخراج أهله منه} أي: أهل المسجد منه، {أكبر عند اللّه} يريد: من القتال في الشهر الحرام.
{والفتنة أكبر من القتل} أي: الشرك أعظم من القتل.
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
{قتال} مخفوض على البدل من الشهر الحرام.
المعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، وقد فسرنا ما في هذه الآية فيما مضى من الكتاب.
ورفع {قل قتال فيه كبير} {قتال} مرتفع بالابتداء، و {كبير} خبره.
ورفع {وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به} على الابتداء، وخبر هذه الأشياء {أكبر عند اللّه} والمعنى: وصد عن سبيل اللّه، وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند اللّه، أي: أعظم إثما.
{والفتنة أكبر من القتل}أي: والكفر أكبر من القتل، المعنى وهذه الأشياء كفر، والكفر أكبر من القتل.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر}.
يرتدد جزم بالشرط، والتضعيف يظهر مع الجزم، لسكون الحرف الثاني - وهو أكثر في اللغة - وقرئ: {يا أيها الذين امنوا من يرتدّ} بالإدغام والفتح وهي قراءة الناس إلا أهل المدينة فإن في مصحفهم من يرتدد وكلاهما صواب، والذي في سورة البقرة لا يجوز فيه إلا من يرتدد لإطباق أهل الأمصار على إظهار التضعيف وكذلك هو في مصاحفهم، والقراءة سنة لا تخالف، إذا كان في كل المصحف الحرف على صورة لم تجز القراءة بغيره.
ويجوز أن تقول: من يرتدّ منكم فتكسر لالتقاء السّاكنين إلا أن الفتح أجود لانفتاح التاء، وإطباق القراء عليه). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}.
روى سعيد عن قتادة قال: فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}.
روى أبو السيار عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: ((لا تكرهن أصحابك على المسير)) فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال: سمعا وطاعة لله ورسوله، قال: فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب، فقال المشركون: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام} الآية.
وقيل إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله} إلى آخر الآية.
قال مجاهد: {قل قتال فيه كبير} أي: عظيم.
وتم الكلام ثم ابتداء فقال: {وصد عن سبيل الله وكفر به} أي: بالله.
{والمسجد الحرام} أي: وصد عن المسجد الحرام

{وإخراج أهله منه} يعني: المسجد الحرام {أكبر عند الله} من القتل في الشهر الحرام {والفتنة أكبر من القتل}
قال الشعبي: أي: الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام). [معاني القرآن: 1/168-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}
قال مجاهد: يعني كفار قريش). [معاني القرآن: 1/170]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَبِطَتْ}: بطلت). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه واللّه غفور رحيم}
{الذين} نصب بأنّ، و {أولئك} رفع بالابتداء، و {يرجون} خبر {أولئك} و{أولئك يرجون} خبر {إنّ الذين} - وإنما قيل في المؤمنين المجاهدين ههنا أنهم إنما يرجون رحمة اللّه لأنهم عند أنفسهم غير بالغين ما يجب للّه عليهم، ولا يعملون ما يختمون به أمرهم.
وجملة ما أخبر الله به عن المؤمنين العاملين الصالحات أنّهم يجازون بالجنة.
قال الله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة (7) جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن} ). [معاني القرآن: 1/290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله}
ومعنى يرجون رحمة الله وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به). [معاني القرآن: 1/170]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 219 إلى 225]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {قل العفو...}
وجه الكلام فيه النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] نسخته الزكاة [تقول: قد عفا]). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الميسر} القمار.
{قل العفو}أي: الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي: ما صفا لك). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نّفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} إذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما).
وإن جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قل العفو} والأولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي ينفقون} فقال: "الذي ينفقون العفو".
وإذا نصبت فكأنه قال: "ما ينفقون" فقال: "ينفقون العفو" لأن (ما) إذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفو" منصوب بـ"ينفقون".
وإن جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} جعل {مّاذا} بمنزلة "الذي"
وقال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما".
وقد يكون إذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: "ما صنعت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان أيضاً جيدا لأنه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعت خيراً. كان صوابا. قال الشاعر:

دعي ماذا علمت سأتّقيه = ولكن بالمغيّب نبئّيني
جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز أن يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لأنك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما.
وقال أهل التأويل في قوله: {ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنتم أساطير الأولين" ليس على "أنزل ربّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم).
[معاني القرآن: 1/139-140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الميسر}: القمار كله.
{قل العفو}: العفو في التفسير ما فضل عن أهلك، وقال بعضهم: هو ما أطقته منن غير أن تجهد نفسك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والميسر}: القمار.
وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.

{ويسألونك ماذا ينفقون}؟ أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟
{قل العفو} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: «خذ ما عفا لك» أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف:199]، أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم). [تفسير غريب القرآن:82-83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
{الخمر} المجمع عليه، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر.
وأن يكون في التحريم بمنزلتها.
وتأويل الخمر في اللغة: أنه كل ما ستر العقل، يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "، ويقال دخل فلان في خمار أي في الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها، وإنما قيل له خمار لأنه يغطي، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض، وقيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه، وليس يقول أحد للشارب إلا مخمور - من كل سكر - وبه خمار، فهذا بيّن واضح.
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله عزّ وجلّ: {قل فيهما إثم كبير} وقرئت " كثير " قال قوم زهّد فيها في هذا الموضع وبين تحريمها في سورة المائدة في قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}: التحضيض على الانتهاء والتفديد على ترك الانتهاء.
وقال قوم: لا بل تحرم بما بين ههنا مما دل عليه الكتاب في موضع آخر.
لأنه قال: {إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصّا فقال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
والقمار: يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
وأما المنافع للناس فيه: فاللذة في الخمر والربح في المتجّر فيها، وكذلك المنفعة في
القمار، يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب فأعلم اللّه أن الإثم فيهما {إثم} أكبر من نفعهما.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون}.
النصنب والرفع في {العفو} جميعا، من " جعل {ماذا} اسما واحدا رد العفو عليه ومن جعل " ما " اسما و " إذا " خبرها وهي في معنى الذي رد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، ويجوز أن ينصب العفو وإن كان ما وحدها اسما فتحمل العفو علي ينفقون، كأنه قيل أنفقوا العفو.
ويجوز أيضا أن ترفع - وإن جعلت {ماذا} بمنزلة شيء واحد على "قل هو العفو".
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا.
فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه هذا قد روي في التفسير، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها.

وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر {يبين الله لكم الآيات}: لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}
ومثل هذا في القرآن كثير يحكي مخاطبة الإجماع بذلك، وذلكم أكثر في اللغة، وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " للجماعة - قال اللّه تعالى:
{يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا } -
والأصل ذلكن، إلا أن الجماعة في معنى القبيل.
وقوله عز وجل: {لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}يجوز أن يكون:
(تتفكرون في الدنيا والآخرة) من صلة تتفكرون المعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا وأمر الآخرة -،
ويجوز أن يكون في الدنيا والآخرة من صلة كذلك يبين الله لكم الآيات).

أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا وأمر الآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/291-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} ثم أنزل {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت {إنما الخمر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرمت)).
وقال عمرو بن شرحبيل: فقال عمر: انتهينا فإنها تذهب المال والعقل.
وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا.
وقال بعض الفقهاء: المحرم لها آيتان:
إحداهما: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم}.
قال أبو إسحاق: الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة: أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس، أي: الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة: قناعها لأنه يغطي الرأس.
والخمرة: التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد التحريم). [معاني القرآن: 1/170-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قال طاووس: اليسير من كل شيء .
وقال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى.
وقال قتادة: هو الفضل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى))
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر.
قال مجاهد: هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول). [معاني القرآن: 1/174-176]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال أبو جعفر: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال: يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
قال أبو جعفر: والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({والميسر}: القمار). [ياقوتة الصراط:179-180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والميسر} القمار.
{قل العفو} أي: يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله...). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَيْسِرِ}: القمار.
{الْعَفْوَ}:
ما عفي عنه ولم يطالبه به).
[العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويسألونك عن اليتامى...}
يقال للغلام يتم ييتم يتماً ويتماً. قال: وحكي لي يتم ييتم.
{وإن تخالطوهم فإخوانكم} ترفع الإخوان على الضمير (فهم)؛ كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا؛ يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} ولو نصبت ههنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم).
وفي قراءة عبد الله "إن تغذّبهم فعبادك" وفي قراءتنا "فإنّهم عبادك" وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فيه "هو" مع المرفوع. فإذا لم يحسن فيه "هو" أجريته على ما قبله؛ فقلت: إن اشتريت طعاما فجيّدا، أي فاشتر الجّيد، وإن لبست ثيابا فالبياض؛ تنصب لأن "هو" لا يحسن ههنا، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كلّ ما يلبس بياضا، ولا كلّ ما يشترى جيّدا. فإن نويت أن ما ولي شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول الله {فإن خفتم فرجالا} نصب؛ لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فيه "هو" ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلّوا قياما فصلّوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجّالة] فنصبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.

{واللّه يعلم المفسد من المصلح} المعنى في مثله من الكلام: الله يعلم أيّهم يفسد وأيّهم يصلح. فلو وضعت أيّا أو من مكان الأوّل رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعد،
قال [الفرّاء] سمعت العرب تقول: ما يعرف أي من أيّ. وذلك أن (أيّ) و(من) استفهامان، والمفسد خبر.
ومثله ما أبالى قيامك أو قعودك، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به).
[معاني القرآن: 1/141-142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم...} يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته الله إعناتا). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأعنتكم} أي: لأهلككم، من العنت). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولو شاء الله لأعنتكم}: أهلككم. والعنت الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها - خير.
{وإن تخالطوهم} فتوآكلوهم {فإخوانكم} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{ولو شاء اللّه لأعنتكم} أي: ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت). [تفسير غريب القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيز حكيم}
هذا مما نحكم تفسيره في سورة النساء إن شاء الله، إلا أن جملته أنهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوجون العشر ويأكلون أموالهم مع أموالهم، فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التزويج بنساء اليتامى ومخالطتهم، فأعلمهم اللّه أن الإصلاح لهم هو خير الأشياء، وأن مخالطتهم في التزويج وغيره جائزة مع تحري الإصلاح فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم.
فالرفع على هذا. والنصب جائز {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فإخوانكم تخالطون، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}
قال أبو عبيدة معناه: لأهلككم، وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون،
وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.

وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عزيز حكيم} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه دافع.
{حكيم} أي: ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} إلى آخرها). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم}
قال مجاهد: أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في الأدم والمرعى.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لأعنتكم قال: لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا.
وقال أبو عبيدة: لأعنتكم لأهلككم.
وقال أبو إسحاق: حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون.
قال: وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
{إن الله عزيز} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد.
{حكيم} ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/177-179]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والإعنات: تكليف غير الطاقة). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لأعْنَتَكُـــمْ}: لأهلككــم). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تنكحوا المشركات...}
يريد: لا تزوّجوا، والقرّاء على هذا، ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي: لا تزوّجوهن المسلمين كان صوابا.
ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.

وقوله: {ولو أعجبتكم...}
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان في المعنى.
ولذلك جاز أن يجازى لو بجواب إن، إن بجواب لو في قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون}. وقوله: "فرأوه" يعني بالهاء الزّرع).
[معاني القرآن: 1/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} أي: لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{ولا تنكحوا المشركين} [أي لا تزوجوا المشركين] {حتّى يؤمنّ}). [تفسير غريب القرآن:83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
معنى {لا تنكحوا}: لا تتزوجوا المشركات، ولو قرئت ولا تنكحوا المشركات كان وجها، ولا أعلم أحدا قرأ بها، والمعنى في هذا: ولا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن،
ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}

فإن قال قائل: من أين يقال لمن كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك وإن قال إن اللّه عزّ وجل واحد؟
فالجواب: في ذلك أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنما هو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
{ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم مسلمة.
وقوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} معناه: وإن أعجبكم، إلا أن " لو " تأتي فتنوب عن أن في الفعل الماضي.
ومعنى الكلام: أن الكافر شر من المؤمن لكم وإن أعجبكم أي أعجبكم أمره في باب الدنيا، لان الكافر والكافرة يدعوان إلى النار أي يعملان بأعمال أهل النار - فكأن نسلكم يتربى مع من هذه حاله.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي: يدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة.
ومعنى {بإذنه} أي: بعلمه الذي أعلم إنّه وصلة لكم إليها.

{ويبيّن آياته} أي: علاماته، يقال آية وآي، وآيات أكثر وعليها أتى القرآن الكريم.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّهم يتذكّرون}
معنى لعل ههنا: الترجي لهم أي ليكونوا هم راجين - واللّه أعلم أيتذكرون أم لا، ولكنهم خوطبوا على قدر لفظهم واستعمالهم). [معاني القرآن: 1/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
أكثر أهل العلم على هذه الآية: منسوخة نسخها {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والأوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به قال قلت فإن الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فقال: أهل الأوثان والمجوس.
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال: المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء). [معاني القرآن: 1/179-180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار
{أولئك يدعون إلى النار} أي: يعملون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}أي: يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة.
{والمغفرة بإذنه} أي: بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما.
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
{لعلهم يتذكرون} ليكونوا على رجاء التذكر). [معاني القرآن: 1/180-181]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى يطهرن...}
بالياء. وهي في قراءة عبد الله إن شاء الله "يتطهرن" بالتاء، والقرّاء بعد يقرءون "حتى يطهرن، ويطّهّرن" [يطهرن]: ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن: يغتسلن بالماء. وهو أحبّ الوجهين إلينا: يطّهّرن.
{فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} ولم يقل: في حيث، وهو الفرج. وإنما قال: من حيث كما تقول للرجل: ايت زيدا من مأتاه من الوجه الذي يؤتى منه. فلو ظهر الفرج ولم يكن عنه قلت في الكلام: ايت المرأة في فرجها. {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقال: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
قال: {ويسألونك عن المحيض} وهو: الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به "المفعل" نحو قولك: "ما في برّك مكالٌ" أي: كيلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مكيلٌ" وهو مثل "محيضٍ" من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّةٍ = لا يستطيع بها القراد مقيلا
يريد: "قيلولةً". وتقول: "جئت مجيئاً حسناً". فبنوه على "مفعل" وهو مصدره.
وقال: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} لأنك تقول: "طهرت المرأة" فـ"هي تطهر".
وقال بعضهم "طهرت".
وقالوا: "طلقت" "تطلق" "و "طلقت" "تطلق" أيضا.
ويقال للنفساء إذا أصابها النفاس: "نفست" فإذا أصابها الطلق [قيل]: طلقت").
[معاني القرآن: 1/140-141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} أي: ينقطع عنهن الدم.
يقال: طهرت وطهرت، إذا رأت الطّهر، وإن لم تغتسل بالماء.
ومن قرأ (يطّهرن) أراد: يغتسلن بالماء.
والأصل: «يتطهرون». فأدغم التاء في الطاء).
[تفسير غريب القرآن: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا،
وعند النحويين أن المصدر في هذا الباب "المفعل"، و "المفعل" جيّد بالغ فيه يقال ما في برّك "مكال" أي كيل ويجوز ما فيه "مكيل".

قال الشاعر وهو الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلّة... لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة،
ومعنى الآية: أن العرب كانت تفعل في أمر الحائض ما كانت تفعل المجوس، فكانوا يجتنبون تكليفها عمل أي شيء وتجتنب في الجماع وسائر ما تكلّفه النساء، يريدون أنها نجس، فأعلم اللّه أن الذي ينبغي أن يجتنب منها بضع فقط، وأنها لا تنخس شيئا، وأعلم أن المحيض أذى،
أي: مستقذر، ونهى أن تقرب المرأة حتى تتطهر من حيضها - بالماء بعد أن تطهر من الدم أي تنقى منه، فقال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} -
المعنى يتطهرن أي: يغتسلن بالماء، بعد انقطاع الدم - وقرئت حتى يطهّرن " ولكن {فإذا تطهّرن} يدل على {ولا تقربوهن حتى يطهرن}
وكلاهما (يطهرن) ويطهّرن - وقرئ بهما - جيّدان.
ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} أي: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب، أعني ولا تقربوهن صاحبات ولا عشيقات،
وقد قيل في التفسير: {من حيث أمركم اللّه} في الفروج، ولا يجوز أن يقربن في الدبر، والذي يروى عن مالك ليس بصحيح لأن إجماع المسلمين أن الوطء، حيث يبتغى
النسل، وأن أمر الدّبر فاحشة، وقد جاء الحديث أن محاشّ النساء حرام.
ويكنى به عن الدبر). [معاني القرآن: 1/296-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
قال قتادة: أي قذر.
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح))
فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع). [معاني القرآن: 1/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} أي: حتى ينقطع الدم عنهن.
وقرأ أهل الكوفة (يطهرن) أي: يغتسلن.
وكذا معنى يتطهرن قرأ به ابن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لأنه لا يحل المسيس حتى يغتسلن.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم
فيجوز أن يكون معناه كمعنى يطهرن.
ويجوز أن يكون معناه حتى يحل لهن أن يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله: {فإذا تطهرن}). [معاني القرآن: 1/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}
قال مجاهد: من حيث نهوا عنه في محيضهن.
وقال إبراهيم: في الفرج.
وقال ابن الحنيفة: من قبل التزويج من قبل الحلال.
وقال أبو رزين: من قبل الطهر.
وقال أبو العالية: ويحب المتطهرين من الذنوب.
وقال عطاء: بالماء.
قال أبو جعفر: وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء: ((إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني)) قالوا: يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}). [معاني القرآن: 1/183-184]

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم...}
[أي] كيف شئتم. حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني شيخ عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس: إن اليهود تزعم أن الرجل إذا أتى امرأته من ورائها في قبلها خرج الولد أحول، قال: فقال ابن عباس: كذبت يهود {نساؤكم حرثٌ لّكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نساؤكم حرثٌ لكم} كنايةٌ، وتشبيه، قال: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نساؤكم حرثٌ} لكم كناية.
وأصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.

{فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم.
{وقدّموا لأنفسكم}: في طلب الولد). [تفسير غريب القرآن:84-85]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
زعم أبو عبيدة أنه كناية، والقول عندي فيه أن معناه أن نساءكم حرث لكم منهن تحرثون الولد واللذة.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}أي: كيف شئتم، أي ائتوا موضع حرثكم كيف شئتم، وإنما قيل لهم كيف شئتم، لأن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل المرأة من خلف خرج الولد أحول، فأعلم اللّه أن الجماع إذا كان في الفرج حلال على كل جهة.
وقوله عزّ وجلّ: {وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه} أي: اتقوا الله فيما حدّ لكم من الجماع وأمر الحيض،
{وقدّموا لأنفسكم}
أي: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدّم لنفسه خيرا). [معاني القرآن: 1/298]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}أي: موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد). [معاني القرآن: 1/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}
أصح ما روي في هذا أن مالك بن أنس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول فأنزل الله: {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وكذلك قال مجاهد: قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج .
وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
قال أبو جعفر وقال الضحاك: {أنى شئتم} متى شئتم.
ومعناه: من أين شئتم، أي: من أي الجهات شئتم
قال أبو جعفر: وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد). [معاني القرآن: 1/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {واتقوا الله} فدل على العظة في أن لا يجاوزوا هذا). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وقدموا لأنفسكم} أي: الطاعة. وقيل في طلب الولد). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نساؤكم حرث لكم} أي: هن لكم للولد بمنزلة الأرض للزارع.
{أنى شئتم} أي: كيف شئتم في موضع الولد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا...}
يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا {أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} يقول: لا يمتنعنّ أحدكم أن يبرّ ليمين إن حلف عليها، ولكن ليكفّر يمينه ويأت الذي هو خير). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم) (224) أي نصباً). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عرضة لأيمانكم}: نصبا كقولك جعلت فلانا عرضة للناس). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا} يقول لا تجعلوا اللّه بالحلف به - مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر -: فكفّروا، أوتوا الذي هو خير). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميع عليم}
موضع " أن " نصب بمعنى عرضة المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبروا - فلما سقطت " في " أفضى لمعنى الاعتراض، فنصب أن.
وقال غير واحد من النحويين إن موضعها جائز أن يكون خفضا وإن سقطت " في " لأن " أن " الحذف معها مستعمل، تقول جئت لأن تضرب زيدا، وجئت أن تضرب زيدا، فحذفت اللام مع " أن " ولو قلت جئت ضرب زيد تريد لضرب زيد لم يجز كما جاز مع " أن " لأن " أن " إذا وصلت - دل ما بعدها على الاستقبال.
والمعنى: كما تقول: جئتك أن ضربت زيدا، وجئتك أن تضرب زيدا، فلذلك جاز حذف اللام.
وإذا قلت: جئتك ضرب زيد لم يدل الضرب على معنى الاستقبال.

والنصب في " أن " في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النحويين.
ومعنى الآية: أنهم كانوا يعتلون في البر بأنهم حلفوا، فأعلم اللّه أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقوى، وإن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور، فقال عزّ وجلّ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}). [معاني القرآن: 1/298-299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}
قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة أن تبروا). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي: لا تجعلوا يمينكم به مانعا لكم {أن تبروا وتتقوا}، ولكن إذا حلفتم على ألا تطيعوا، أو على أن تعصوا، فكفروا وأطيعوا، ولا تعصوا. وقيل {عرضة} نصبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عُرْضَــةً}: حجة تصدون بها). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم...}
فيه قولان:
يقال: هو ممّا جرى في الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله.
والقول الآخر: الأيمان أربع. فيمينان فيهما الكفّارة والاستغفار، وهو قولك: والله لا أفعل، ثم تفعل، ووالله لأفعلنّ ثم لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل]. واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو؛ إذ لم تكن فيهما كفّارة. وكان القول الأوّل - وهو قول عائشة: إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد - أشبه بكلام العرب). [معاني القرآن: 1/144]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):{اللّغو}: لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم} نقول: "لغوت في اليمين" فـ"أنا ألغو" "لغواً" ومن قال: "هو يمحا" قال: "هو يلغا" "لغواً" و"محواً".
وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لغيت باسم فلان" فـ"أنا ألغى به" "لغى" أي: أذكره). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}: ذكر بعض الفقهاء أنه لا والله وبلى والله وكل يمين لا تقتطع بها مالا ولا تظلم بها أحدا، وقال آخرون هو أن يحلف الرجل على اليمين لا يرى أنه كما حلف. وقال بعضهم هو الحلف على المعصية). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}،
واللغو في اليمين:
ما يجري في الكلام على غير عقد. ويقال: اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك، يقول: لا يؤاخذكم اللّه بهذا، {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي: بما تحلفون عليه وقلوبكم متعمدة، وتعلمون أنكم فيه كاذبون). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}
فقيل في معنى اللغو غير قول،
1- قال بعضهم معناه:
" لا واللّه " و " بلى واللّه "
2- وقيل: إن معنى اللغو الإثم - فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم.

وإنّما قيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}أي: بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم، ويقال: لغوت ألغو لغوا، ولغوت ألغى لغوا، مثل محوت أمحو محوا، وأمحى، ويقال لغيت في الكلام ألغى لغى، إذا أتيت بلغو، وكل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغى.
قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلم
وجملة الحلف أنه على أربعة أوجه،
فوجهان: منها الفقهاء يجمعون أن
الكفارة فيهما واجبة، وهو قولك: واللّه لا أفعل أو واللّه لأفعلنّ، ففي هاتين الكفارة إذا آثر أن يخالف ما حلف عليه، إذا رأى غيره خيرا منه فهذا فيه الكفارة لا محالة.
ووجهان: أكثر الفقهاء لا يرون فيهما الكفارة، وهما قولك: " واللّه ما قد فعلت "،. وقد فعل أو " واللّه لقد فعلت " ولم يفعل.
فهذا هو كذب أكّده بيمين، فينبغي أن يستغفر اللّه منه، فهذا جملة ما في اليمين.
ويجوز أن يكون موضع " أن ": رفعا، فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي البر والتقى أولى، ويكون أولى محذوفا كما جاء حذف أشياء في القرآن.
لأن في الكلام دليلا عليها، يشبه هذا منه: {طاعة وقول معروف} أي: طاعة وقول معروف أمثل.
والنصب في أن والجر مذهب النحويين ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد، ولأن الاتباع أحب وإن كان غيره جائزا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سميع عليم}معناه: في هذا الموضع يسمع أيمانكم ويعلم ما تقصدون بها). [معاني القرآن: 1/299-300]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه أقوال:
قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ أبي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك.
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك.
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله، وقال بهذا الشعبي.
وقال سعيد بن جبير: هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه.
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا: قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا
{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال قول عائشة لأن يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله.
فهذا إخبار منها عن علمها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية.
واللغو في اللغة: ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه.
وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم.
فأما قول سعيد بن جبير: فبعيد لأن ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر الله.
وقول زيد بن أسلم: محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين
وقيل اللغو قد ألغي إثمه.
ثم قال تعالى: {والله غفور رحيم}أي: غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا ألزمكم عقوبة {حليم} في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله أعلم). [معاني القرآن: 1/187-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال ابن جريج: قلت لعطاء قلت لشيء أعمده والله لا أفعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال عطاء: والتعقيد والله الذي لا إله إلا هو.

ففسر عطاء أن قوله والله لا أفعل مما اكتسبه القلب وفيه الكفارة وأن اليمين والله الذي لا إله إلا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال: بما عقدتم عليه). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{اللغو}: ما لم يكن باعتقاد منه). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (واللغو في اليمين: أن يحلف على الشيء بتحققه، ثم يظهر له أنه بخلاف ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اللَّغْـــوِ}: ما لم تعقــده). [العمدة في غريب القرآن: 90]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 226 إلى 232]

{الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تربّص أربعة أشهرٍ...}
التربّص إلى الأربعة, وعليه القرّاء, ولو قيل في مثله من الكلام: تربّصٌ أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا "أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيما ذا مقربة" وكما قال {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتا} والمعنى تكفتهم أحياء وأمواتا.
ولو قيل في مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا.
ولو قيل: تربصٌ: أربعة أشهر كما يقال في الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران؛ تجعل السير هو الشهر، والتربّص هو الأربعة.
ومثله {فشهادة أحدهم أربع شهادات} وأربع شهادات.
ومثله {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله "فجزاؤه" بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزي مثل ما قتل من النّعم.

{فإن فاءوا} يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يولون}: يولى يحلف، من الأليّة وهي اليمين، ألوة، وأليّة اليمين قال أوس بن حجر:
علىّ أليّةٌ عتقت قديماً... فليس لها وإن طلبت مرام). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإن فاؤوا} أي: رجعوا عن اليمين). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّلّذين يؤلون من نّسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {لّلّذين يؤلون من نّسائهم} تقول: "آلى من امرأته" "يؤلي" "إيلاءً" و"ظاهر منها" "ظهاراً" كما تقول: "قاتل" "قتالاً".
{تربّص أربعة أشهرٍ}{لّلّذين يؤلون}
جعل ذلك لهم أجلا {فإن فاءوا} يعني: "فإن رجعوا" لأنك تقول: "فئت إلى الحقّ"). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فاؤوا}: رجعوا عن اليمين). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يؤلون من نسائهم}: يحلفون. يقال: أليت من امرأتي أولي إيلاء، إذا حلف أن لا يجامعها. والاسم الأليّة.
{فإن فاؤوا} أي: رجعوا إلى نسائهم). [تفسير غريب القرآن:85-86]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم}
معنى (يؤلون): يحلفون، ومعناه في هذا الموضع: أن الرجل كان لا يريد المرأة فيحلف ألا يقربها أبدا، ولا يحب أن يزوجها غيره، فكان يتركها لا أيما ولا ذات زوج، كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام، فجعل اللّه الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة آخر مداه نهاية أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر ثم لم يفئ الرجل إلى امرأته، أي لم يرجع إليها، فإن امرأته بعد الأربعة - في قول بعضهم - قد بانت منه، ذكر الطلاق بلسانه أم لم يذكره.
وقال قوم: يؤخذ بعد الأربعة بأن يطلق أو يفيء.
ويقال آليت أولي إيلاء والية، والوّة، وإلوّة، و (إيل).
" والكسر أقل اللغات، ومعنى التربص في اللغة الانتظار.
وقال الذين احتجوا بأنه لا بد أن يذكر الطلاق بقوله عزّ وجلّ: {وإن عزموا الطلاق فإن اللّه سميع عليم}.
وقالوا {سميع} يدل على أنه استماع الطلاق في هذا الموضع، وهذا في اللغة غير ممتنع، وجائز أن يكون إنما ذكر {سميع} ههنا من أجل حلفه.
أي: اللّه قد سمع حلفه وعلم ما أراده، وكلا الوجهين في اللغة محتمل). [معاني القرآن: 1/300-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}
قال أبو جعفر: والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم، أي: أن يعدلوا نسائهم.
روى عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاءه منهم أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا أن يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا أن لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع إلى وطء امرأته فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس.
وقرأ أبي بن كعب (فإن فاءوا فيهن)
وقال قوم: لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر فإذا تمت له أربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه أخذ بالجماع أو الطلاق.
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي الدرداء رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال مسروق والشعبي: الفيء الجماع.
قال أبو جعفر: والفيء في اللغة: الرجوع فهو على هذا الرجوع إلى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا أن أملك فلان معناه صير يملك المرأة إلا أن المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت). [معاني القرآن: 1/192-194]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يؤلون} يحلفون ألا يقربوا نساءهم، والاسم الألية.
{فإن فاءوا} رجعوا إلى وطء نسائهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُؤْلُونَ}: يحلفون.
{فَاؤُوا}: رجعوا). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ...}وفي قراءة عبد الله "بردتهن"). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يتربّصن}: والتّربّص (أن) لا تقدم على زوج حتى تقضى ثلاثة قروءٍ؛ واحدها: قرءٌ،
فجعله بعضهم (الحيضة)،
وقال بعضهم: الطهر، قال الأعشى:

وفي كل عام أنت جاشم غزوةٍ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مؤرّثةٍ مالاً وفي الأصل رفعةً... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وكل قد أصاب، لأنه خروج من شيء إلى شيء فخرجت من الطهر إلى الحيض،
ومن قال: بل هو الطهر فخرجت من الحيض إلى الطهر. وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت.

{وبعولتهنّ}: الأزواج، واحدها بعل.
{درجةٌ}: منزلة). [مجاز القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {ثلاثة قروءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القرء" خفيفة مهموزة مثل: "القرع" وتقول: "قد أقرأت المرأة" "إقراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قرأت حيضةً قط" مثل: "ما قرأت قرآناً". و: "قد قرأت حيضةً أو حيضتين" بالهمز، و"ما قرأت جنينا قطّ" مثلها. أي: ما حملت. و"القرء": انقطاع الحيض.
وقال بعضهم: "ما بين الحيضتين قال الشاعر:

ذراعي بكرةٍ أدماء بكرٍ = هجان اللّون لم تقرأ جنينا
وأما قول الشاعر:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل
فإن "المقراة": المسيل وليس بمهموز). [معاني القرآن: 1/141-142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثلاثة قروء}: واحدها قرء.
وقال بعضهم: هو الحيض.
وقال آخرون: هو الطهر من الحيض وهما جميعا في اللغة،
يقال أقرت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت.
{وبعولتهن}: أزواجهن). [غريب القرآن وتفسيره:93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} وهي الحيض: وهي: الأطهار أيضا. واحدها قرء. ويجمع على أقراء أيضا.
قال الأعشى:

وفي كلّ عم أنت جاشم غزوة تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءه، فأضاع قروءهنّ، أي أطهارهن.
وقال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: ((تقعد عن الصلاة أيام أقرائها))، يريد أيام حيضها قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض له قروء كقروء الحائض
فالقروء في هذا البيت: الحيض. يريد: أن عدواته تهيج في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جعل الحيض قرأ والطهر قرأ: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذليّ:
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبّت لقارئها الرّياح
أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
{ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يعني: الحمل.
{وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} في ذلك، يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
{ولهنّ على الأزواج مثل الّذي عليهنّ} للأزواج.
{وللرّجال عليهنّ} في الحق.
{درجةٌ} أي: فضيلة).
[تفسير غريب القرآن:86-87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة واللّه عزيز حكيم}
يقال طلقت المرأة طلاقا فهي طالق، وقد حكوا طلقت وقد زعم قوم أن تاء التأنيث حذفت من " طالقة " لأنه للمؤنث لاحظ للذكر فيه، وهذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئا كثيرا يشترك فيه المذكر والمؤنث لا تثبت فيه الهاء في المؤنث، نحو تولهم بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل وناقة ساعل، وهذا أكثر من أن يحصى.
وزعم سيبويه وأصحابه أن هذا وقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث لأن المعنى شيء طالق، وحقيقته عندهم أنه على جهة النسب نحو قولهم امرأة مذكار ورجل مذكار، وامرأة مئناث ورجل مئناث، وإنما معناه ذات ذكران وذات إناث، وكذلك مطفل ذات طفل.
وكذلك طالق معناه ذات طلاق.
فإذا أجريته على الفعل قلت طالقة.
قال الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة... كذاك امور النّاس غاد وطارقة
وأما {ثلاثة قروء} فقد اختلف الفقهاء وأهل اللغة في تفسيرها وقد ذكرنا في هذا الكتاب جملة قول الفقهاء وجملة قول أهل اللغة:
فأما أهل الكوفة فيقولون: الأقراء الحيض،
وأما أهل الحجاز ومالك فيقولون: الأقراء الطهر،
وحجة أهل الكوفة في أن الأقراء و (القراء) والقروء الحيض ما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت
مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).
وصلّي ما بين القرء إلى القرء، فهذا مذهب الكوفيين، والذي يقويه من مذهب أهل اللغة أن الأصمعي كان يقول: القرء الحيض، ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعا: أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ،
وقال القراء: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.

وأنشدوا في القرء الحيض وهو بالوقت أشبه:
له قروء كقروء الحائض فهذا؛ هو مذهب أهل الكوفة في الأقراء، وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم،
وقال الأخفش أيضا: أقرأت المرأة إذا حاضت، وما قرأت حيضة ما ضمّت رحمها على حيضة.

وقال أهل الحجاز: الأقراء والقروء واحد، وأحدهما قرء، مثل قولك: فرع، وهما الأطهار، واحتجوا في ذلك بما يروى عن عائشة أنها قالت: الأقراء الأطهار، وهذا مذهب ابن عمرو ومالك، وفقهاء أهل المدينة، والذي يقوي مذهب أهل المدينة في أن الأقراء الأطهار.
قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الأصل رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.
وفي هذا مذهب آخر، وهو أن القرء الطهر، والقرء الحيض.
قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت، وأخبرني من أثق به يدفعه إلى يونس أن الإقراء عنده يصلح للحيض والطهر، وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء - الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: " هذا قارئ الرّياح ": لوقت هبوبها.
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها، ويقال " ما قرأت الناقة سلا قط! أي لم تضم رحمها على ولد، وقال عمرو بن كلثوم:
نريك إذا دخلت على خلاء... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر... هجين اللون لم تقرأ جنينا
وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنها: لم تجمع ولدا قط في رحمها وذكر قطرب هذا القول أيضا، وزاد في لم تقرأ جنينا أي لم تلقه مجموعا.
فهذا جميع ما قال الفقهاء وأهل اللغة في القرء.
والذي عندي أن القرء في اللغة الجمع، " وأن قولهم قريت الماء في الحوض من هذا، وإن كان قد ألزم الماء - فهو جمعته، وقولك قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعا، والقرد يقرئ، أي: يجمع ما يأكل في بيته، فإنما القرء اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، بل هو تحقيق المذهبين، والمقرأة الحوض الذي يقرأ فيه الماء أي يجمع، والمقرأ الإناء الذي يقرأ فيه الضيف.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ}.
قيل فيه: لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه.
وقد قال قوم هو الحيض. وهو بالولد أشبه لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد، لأن اللّه جلّ وعزّ قال: {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}
وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.
ومعنى: (إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر).
تأويله إن كن يصدقن باللّه وبما أرهب به وخوف من عذابه لأهل الكبائر فلا يكتمن، كما تقول لرجل يظلم إن كنت مؤمنا فلا تظلم، لا إنّه يقول له هذا مطلقا الظلم لغير المؤمن.
ولكن المعنى: إن كنت مؤمنا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي.
وقوله عزّ وجلّ: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك).
بعولة جمع بعل، مثل ذكر وذكورة، وعم وعمومة أشبه ببعل وبعولة.
ويقال في جمع ذكر ذكارة وحجر حجارة.
وإنما هذه الهاء زيادة مؤكدة معنى تأنيث الجماعة، ولكنك لا تدخلها إلا في الأمكنة التي رواها أهل اللغة، لا تقول في كعب كعوبة ولا في كلب كلابة، لأن القياس في هذه الأشياء معلوم، وقد شرحنا كثيرا مما فيه فيما تقدم من الكتاب.

ومعنى (في ذلك) أي: في الأجل الذي أمرن أن يتربصن فيه، فأزواج قبل انقضاء القروء الثلاثة أحق بردهن إن ردّوهنّ على جهة الإصلاح، ألا ترى قوله: (إن أرادوا إصلاحا).
ومعنى قوله عزّ وجلّ: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف) أي: للنساء مثل الذي عليهنّ بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة.
وهو معنى (بالمعروف).
وقوله عزّ وجلّ: (وللرّجال عليهنّ درجة)معناه: زيادة فيما للنساء عليهن كما قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والمعنى: أن المرأة تنال من اللّذة من الرجل كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه بما يصلحها.
وقوله عزّ وجلّ: (واللّه عزيز حكيم):معناه ملك يحكم بما أراد، ويمتحن بما أحب، إلا أن ذلك لا يكون إلا بحكمة بالغة - فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك). [معاني القرآن: 1/301-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء وأبو موسى: ثلاث حيض.
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: ثلاثة أطهار.
ويحتج للقول الأول بان: عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت
والقرء عند أهل اللغة: الوقت فهو يقع لهما جميعا.
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها
وحدثني أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن أبي يزيد النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا). [معاني القرآن: 1/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}
وقال ابن عمر وابن عباس: يعني الحبل والحيض.
وقال قتادة: علم أن منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد إلى غيره فنهاهن الله عن ذلك). [معاني القرآن:1/196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} فليس هذا على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم وإنما هذا كقولك إن كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي أن يحجزك الإيمان عنه لأنه ليس من فعل أهل الإيمان). [معاني القرآن:1/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل). [معاني القرآن: 1/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن أرادوا إصلاحا} أي: إن أراد الأزواج بردهن الإصلاح لا الإضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس إن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.
وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم
ثم قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة}
قال مجاهد: هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وقال أبو مالك: له أن يطلقها وليس لها من الأمر شيء). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):(القُرُوءٍ): الأوقات، الواحد: قرء، وهو: الوقت يكون حيضا ، ويكون طهرا). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والقروء) الحيض،
وقال مالك: هي الأطهار،
وقال أهل اللغة: هو من الأضداد، وأصله الوقت.

{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني: لهم الرجعة ما لم تدخل في الحيضة الثالثة.
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي: لهن على الأزواج مثل الذي للأزواج عليهن.
{وللرجال عليهن درجة} أي: فضيلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القرْء}: الحيض، الأطهار.
{بُعُولَتُهُنَّ}
: أزواجهن).
[العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه...}
وفي قراءة عبد الله "إلا أن تخافوا" فقرأها حمزة على هذا المعنى "ألا أن يخافا" ولا يعجبني ذلك.
وقرأها بعض أهل المدينة كما قرأها حمزة.
وهي في قراءة أبّي
"إلا أن يظنّا ألاّ يقيما حدود الله" والخوف والظنّ متقاربان في كلام العرب.
من ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر:

أتاني كلام عن نصيب بقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
وقال الآخر:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كرمة * تروّي عظامي بعد موتى عروقها
[ولا تدفننّي في الفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها]
والخوف في هذا الموضع كالظنّ. رفع "أذوقها" كما رفعوا {وحسبوا ألا تكون فتنة} وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردنّ)) كما تقول: ظنّ ليذهبنّ.
وما ما قال حمزة فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم يصبه - والله أعلم - لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن؛ ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسمّ فاعله. فلو أراد ألاّ يخاف على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير اعتبار قول عبد الله [كان] جائزا؛ كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك....
وقوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما} يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح - فيما يذهب إليه الناس - على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان:
1- أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا؛ في سورة الرحمن {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه "نسيا حوتهما" وإنما الناسي صاحب موسى وحده.
ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابّتان أركبهما وأستقى عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى؛ وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها. ومثله من كتاب الله {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فيستقيم في الكلام أن تقول: قد جعل الله لنا ليلا ونهارا نتعيّش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيّش إلى النهار.

والوجه الآخر: أن يشتركا جميعا في ألاّ يكون عليهما جناح؛ إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فيه الإثم، أشركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هي إلى مثل ذلك. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} وإنما موضع طرح الإثم في المتعجّل، فجعل للمتأخّر - وهو الذي لم يقصّر - مثل ما جعل على المقصّر. ومثله في الكلام قولك: إن تصدّقت سرّاً فحسن [وإن تصدّقت جهرا فحسن].
وفي قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه} وجه آخر؛ وذلك أن يريد: لا يقولنّ هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصّر، ولا المتأخّر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله: {فلا إثم عليه} أي: فلا يؤثّمنّ أحدهما صاحبه.
وقوله: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يريد: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، (أن) في موضع نصب إذا نزعت الصفة، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائيّ يقول: موضعه خفض. قال الفرّاء: ولا أعرف ذلك.
وقوله: {إن ظنّا أن يقيما} (أن) في موضع نصب لوقوع الظنّ عليها). [معاني القرآن: 1/145-148]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} معناها: إلاّ أن يوقنا.
{فإن خفتم} ها هنا: فإن أيقنتم). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الطّلاق مرّتان} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان.
{فإمساكٌ} بعد ذلك {بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أي: تطليق الثالثة بإحسان.
{إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أي: يعلمان أنهما لا يقيمان حدود اللّه.
{فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه} أي: علمتم ذلك، {فلا جناح عليهما} أي: لا جناح على المرأة والزوج {فيما افتدت به} المرأة نفسها من الزوج). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}
{الطلاق} رفع بالابتداء، و {مرتان} الخبر، والمعنى الطلاق الذي تملك فيه الرجعة مرتان، يدل عليه {فإمساك بمعروف} المعنى: فالواجب عليكم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ولو كان في الكلام فإمساكا بمعروف كان جائزا.
على فأمسكوهن إمساكا بمعروف كما قال عزّ وجلّ: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، ومعنى {بمعروف} بما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا} أي: مما أعطيتموهن من مهر وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه}.
قرئت {يخافا}، ويحافا - بالفتح والضم - قال أبو عبيدة وغيره: معنى {إلّا أن يخافا} إلا أن يوقنا، وحقيقة قوله: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أنهما على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف في أن لا يقيما حدود اللّه - ومعنى {حدود اللّه} ما حدّه الله جلّ وعزّ مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره، وأصل الحدّ في اللغة المنع، يقال حددت الدار.
وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها.
وحددت الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة، ويقال أحدت المرأة على زوجها وحدت فهي حادّ ومحدّ، إذا امتنعت عن الزينة، وأحددت إليه النظر إذا منعت نظري من غيره وصرفته كله إليه، وأحددت السكين إحدادا.
قال الشاعر:
إن العبادي أحدّ فأسه... فعاد حدّ فأسه برأسه
وإنّما قيل للحديد حديد لأنه أمنع ما يمتنع به، والعرب تقول للحاجب والبواب وصاحب السجن: الحدّاد، وإنما قيل له حداد لأنه يمنع من يدخل ومن يخرج، وقول الأعشى:
فقمنا ولمّا يصح ديكنا... إلى خمرة عند حدّادها
أي: عند ربها الذي منع منها إلا بما يريد.
ومعنى: (فلا تعتدوها) أي: لا تجاوزوها). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الطلاق مرتان}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الطلاق مرتان} قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.
وقال عروة بن الزبير: كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل أن تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك رجل مرارا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق.
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع أكثر منه الرجعة مرتان.
ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأين الثالثة؟: فقال: ((التسريح بإحسان))
ثم قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي: فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق {أو تسريح بإحسان} أي: يستهل أمرها بأن يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل). [معاني القرآن: 1/199-201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال أبو عبيدة: الخوف ههنا بمعنى اليقين.
قال أبو إسحاق: حقيقته عندي أن يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة.
قال ابن جريج: كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا أغتسل من جنابة ولكنه كان يقول إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
والمعنى على هذه القراءة: إلا أن يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة (إلا أن يخافا) بضم الياء.
وفي قراءة (عبد الله إلا أن تخافوا) بالتاء.
وقيل المعنى على هاتين القراءتين: إلا أن يخاف السلطان ويكون الخلع إلى السلطان.
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من أخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال: أخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما.
قال أبو جعفر: وأكثر العلماء على أن ذلك إلى الزوجين). [معاني القرآن: 1/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقد قال في موضع آخر {فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا}
وروى معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل أن تختلع امرأته إلا أن يؤتى ذلك منها فإما أن يكون يؤتى ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فإن ذلك لا يصلح.
وقال أهل الكوفة: حظر عليه ما كان ساقه إلى المرأة من الصداق في قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ثم أطلقه {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} فلا يحل له أن يأخذ أكثر مما ساقه إليها
وليس في الآية ما يدل على أنه لا يحل له أكثر مما أعطاها
وقول الزهري بين ويكون قوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} يبين قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا}أي: لا تأخذوا منهن شيئا غصبا.
ومعنى {حدود الله}: ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش وأحدت المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى {فلا تعتدوها} فلا تتجاوزها). [معاني القرآن: 1/203-205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطلاق مرتان} أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان، والثالثة هي قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن ظنّا أن يقيما حدود الله)} أي: أيقنا). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون} أي: فإن طلقها الثالثة، لأن الثنتين قد جرى ذكرهما، أي: فلا تحل له حتى تتزوج زوجا غيره، وفعل الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل، فحرم عليه التزوج بعد الثلاث لئلا يعجلوا بالطلاق، وأن يتثبتوا.
وقوله عزّ وجلّ: (بعد ذلك أمرا) يدل على ما قلناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا، وموضع أن نصب، المعنى لا يأثمان في أن يتراجعا.
فلما سقطت " في " وصل معنى الفعل فنصب - ويجيز الخليل أن يكون موضع أن خفضا على إسقاط " في " ومعنى إرادتها في الكلام.
وكذلك قال الكسائي.
والذي قالاه صواب لأن " أن " يقع فيها الحذف، ويكون جعلها موصولة عوضا مما حذف، ألا ترى أنك لو قلت لا جناح عليهما الرجوع لم يصلح.
والحذف مع أن سائغ فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضع جر على إرادة في.

ومعنى (إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه)أي: إن كان الأغلب عليهما أن يقيما حدود اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون).
ويقرأ "نبينها" بالياء والنون جميعا.
(لقوم يعلمون) أي: يعلمون أن وعد اللّه حق وأن ما أتى به رسوله صدق). [معاني القرآن: 1/308-309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} المعنى: فإن طلقها الثالثة.
وأهل العلم على أن: النكاح ههنا الجماع لأنه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال: النكاح ههنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قال أبو جعفر: ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة
وعن علي حتى يهزها به). [معاني القرآن: 1/205-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال: ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فمازلت أدرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت أن الرجل الآخر إذا طلقها رجعت إلى زوجها الأول إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}
قال طاووس: إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه
وقال مجاهد: إن علما أن نكاحهما على غير دلسة). [معاني القرآن: 1/207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون}أي: يعلمون أن أمر الله حق لا ينبغي أن يتجاوز). [معاني القرآن: 1/208]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تمسكوهنّ ضراراً لّتعتدوا...}
كان الرجل منهم إذا طلّق امرأته فهو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثانية. وكان إذا أراد أن يضرّ بها تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة ثم يراجعها، ويفعل ذلك في التطليقة الثانية. فتطويله لرجعتها هو الضرار بها). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا}، كانوا إذا طلق أحدهم امرأته: فهو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فإذا أراد أن يضر بامرأته: تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة، ثم راجعها. ويفعل ذلك من التطليقة الثالثة. فتطويله عليها هو: الضّرار). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم} أي: وقت انقضاء عدتهن.
{فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف} أي: اتركوهن حتى ينقضي تمام أجلهن ويكن أملك بأنفسهن.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تمسكوهنّ ضرارا} أي: لا تمسكوهن وأنتم لا حاجة بكم إليهن، وقيل إنه كان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب انقضاء أجلها ثم يراجعها إضرارا بها، فنهاهم الله عن هذا الإضرار بهن.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}أي: عرّضها لعذاب اللّه عزّ وجلّ: لأن إتيان ما نهى اللّه عنه تعرض لعذابه، وأصل الظلم وضع الشيء - في غير موضعه وقد شرحنا ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا} أي: ما قد بينه لكم من دلالاته، وعلاماته في أمر الطلاق وغيره.
وقيل في هذا قولان:
1- قال بعضهم: كان الرجل يطلّق ويعتق ويقول: كنت لاعبا، فأعلم الله عز وجل أن فرائضه لا لعب فيها،
2- وقال قوم: معنى {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا} أي: لا تتركوا العمل بما حدّد اللّه لكم فتكونوا مقصرين لاعبين كما تقول للرجل الذي لا يقوم بما يكلفه، - ويتوانى فيه: إنما أنت لاعب).
[معاني القرآن: 1/309-310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} أجلهن وقت انقضاء العدة
ومعنى {فبلغن أجلهن}: على قرب البلوغ كما تقول إذا بلغت مكة فاغتسل قبل أن تدخلها). [معاني القرآن: 1/208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}
روى أبو الضحاك عن مسروق ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا .
قال يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها أيضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخذ آيات الله هزوا .
وقال مجاهد وقتادة نحوه). [معاني القرآن: 1/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} أي: عرضها لعذاب الله). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزوا}
يروى عن الحسن أن الرجل كان يطلق ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة))
وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ آيات الله هزوا.
وروي عن عائشة أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول: والله لا أورثك ولا أدعك وكيف ذاك وقال إذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت: {ولا تتخذوا آيات الله هزوا}
قال أبو جعفر: وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من أجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لأنه يقال لمن سخر من آيات الله اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية
وآيات الله دلائله وأمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/210-212]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلا تعضلوهنّ...}
يقول: فلا تضيّقوا عليهنّ أن يراجعن أزواجهنّ بمهر جديد إذا بانت إحداهنّ من زوجها، وكانت هذه أخت معقل، أرادت أن تزوّج زوجها الأوّل بعدما انقضت عدّتها فقال معقل لها: وجهي من وجهك حرام إن راجعته، فأنزل الله عز وجل: {فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}.
وقوله: {ذلك يوعظ به} ولم يقل: ذلكم، وكلاهما صواب. وإنما جاز أن يخاطب القوم "بذلك" لأنه حرف قد كثر في الكلام حتى توهّم بالكاف أنها (من الحرف) وليست بخطاب.
ومن قال "ذلك" جعل الكاف منصوبة وإن خاطب امرأة أو امرأتين أو نسوة.
ومن قال "ذلكم" أسقط التوهّم، فقال إذا خاطب الواحد: ما فعل ذلك الرجل، وذلك الرجلان، وأولئك الرجال. [و] يقاس على هذا ما ورد. ولا يجوز أن تقول في سائر الأسماء إذا خاطبت إلا بإخراج المخاطب في الاثنين والجميع والمؤنّث؛ كقولك للمرأة: غلامك فعل ذلك؛ لا يجوز نصب الكاف ولا توحيدها في الغلام؛ لأن الكاف ههنا لا يتوهّم أنها من الغلام. ويجوز أن تقول: غلامك فعل ذاك وذاك، على ما فسّرت لك: من الذهاب بالكاف إلى أنها من الاسم).
[معاني القرآن: 1/148-149]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فبلغن أجلهنّ}: منتهى كل قرءٍ أو شهر، فإذا فبلغن أجلهن {فلا تعضلوهنّ}في هذا الموضع: منتهى العدّة الوقت الذي وقّت الله؛ ثم قال: {تراضوا بينهم بالمعروف} أي تزويجاً صحيحاً؛ {لا تعضلوهنّ} أي لا تحبسوهن، ونرى أن أصله من التعضيل). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر ذالكم أزكى لكم وأطهر واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
قال: {فلا تعضلوهنّ} ينهى أزواجهن أن يمنعوهن من الأزواج.
وقال: {ذلك يوعظ به} و{ذالكم أزكى لكم وأطهر} لأنه خاطب رجالا،
وقال في موضع آخر "ذلكنّ الذي لمتنّني فيه" لأنه خاطب نساء، ولو ترك "ذلك " ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا. وقال: {من يأت منكنّ بفاحشةٍ مّبيّنةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيراً} ولم يقل {ذلكنّ}
وقال: {فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
وقال في المجادلة {ذلك خيرٌ لّكم وأطهر} وليس بأبعد من قوله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فخاطب ثم حدّث عن غائب لأن الغائب هو الشاهد في ذا المكان.
وقال: {هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً}).
[معاني القرآن: 1/142-143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فلا تعضلوهن} أي: تمنعوهن من التزويج). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ} أي: لا تحبسوهن. يقال: عضل الرجل أيّمه، إذا منعها من التزويج. {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} يعني: تزويجا صحيحا). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
{فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}
هذا مخاطبة للأولياء، وفي هذا دليل أن أمر الأولياء بين.
لأنّ المطلّقة التي تراجع إنما هي مالكة بضعها إلا أن الولي لا بد منه، ومعنى {تعضلوهنّ}: تمنعوهنّ وتحبسوهنّ، من أن ينكحن أزواجهنّ.
والأصل في هذا: فيما روي أن معقل بن يسار طلق أخته زوجها، فأبى معقل بن يسار أن يزوجها إيّاه، ومنعها بحقّ الولاية من ذلك، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال معقل: رغم أنفي لأمر اللّه.
وأصل العضل من قولهم: عضلت الدجاجة، فهي معضل، إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج، ويقال عضلت الناقة أيضا، فهي معضل إذا احتبس ما في بطنها...
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر}أي: بأمر الله الذي تلا عليكم، {يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر}، أي: من صدق بأمر اللّه ووعيده والبعث وأطاع اللّه في هذه الحدود.
وقال {ذلك يوعظ به} وهو يخاطب جميعا، وقد شرحنا القول فيه فيما تقدم.
وقال بعض أهل اللغة: إنه توهّم أنّ ذا مع المعارف كلمة واحدة.
ولا أدري - من غير قائل هذا - بهذا التوهم. الله خاطب العرب بما يعقلونه وخاطبهم بأفصح اللغات، وليس في القرآن توهم، تعالى اللّه - عن هذا، وإنما حقيقة ذلك وذلكم مخاطبة الجميع، فالجميع لفظه لفظ واحد، فالمعنى ذلك أيها القبيل يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه، وقوله عزّ وجلّ بعد هذا.
{ذلكم أزكى لكم وأطهر}
يدل على أنّ " ذلك " - و " ذلكم " مخاطبة للجماعة.
ومعنى {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} أي: الله يعلم ما لكم فيه الصلاح في العاجل والآجل، وأنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم). [معاني القرآن: 1/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}
روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان أو يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان أن أخته كانت عند رجل فطلقها ثم أراد أن يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.
قال أبو جعفر: ومعنى لا تعضلوهن في اللغة لا تحسبوهن.
وحكى الخليل دجاجة معضل، أي: قد احتبس بيضها .
وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لأن المخاطبة لهم مثل قوله: {ولا تمسكوهن ضرارا}
وقد يجوز أن يكون:للأولياء وخوطبوا بهذا لأنهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الأزواج.
والأجود: أن يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا أيها الناس إذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن.
قال أبو جعفر: وحقيقة فلا تعضلوهن فلا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء في مراجعة أزواجهن.
وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج
ومعنى والله يعلم أي ما لكم فيه الصلاح). [معاني القرآن: 1/212-214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تعضلوهن} أي: تحبسوهن عن التزويج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَعْضُلُوهُـــنَّ}: تمنعوهـــن). [العمدة في غريب القرآن: 91]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 233 إلى 245]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الرّضاعة...}
القرّاء تقرأ بفتح الراء.
وزعم الكسائيّ أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر.
فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشيء مهارة ومهارة؛ والرّضاع والرّضاع فيه مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد).
[معاني القرآن: 1/149]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يريد: لا تضارّر، وهو في موضع جزم. والكسر فيه جائز "لا تضارّ والدة" ولا يجوز رفع الراء على نيّة الجزم، ولكن نرفعه على الخبر.
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا} فقد يجوز أن يكون: رفعا على نيّة الجزم؛ لأن الراء الأوّلى مرفوعة في الأصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز {لا تضارّ} بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهي مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون في معنى رفع. وقد قرأ عمر بن الخطّاب "ولا يضار كاتب ولا شهيد".

ومعنى {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول: لا ينزعنّ ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها.
{ولا مولودٌ لّه بولده}
يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيّها وألفها وعرفها فلا تضارّنّ الزوج في دفع ولده إليه).
[معاني القرآن: 1/149-150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تضارّ والدةٌ بولدها} رفعٌ، خبر، ومن قال: {لا تضارّ} بالنصب؛ فإنما أراد {لا تضارر}، نهىٌ). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ لّه بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ مّنهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم مّا آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} لأنه يقول: "بيني وبينك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللّؤم والرّضاعة" وهي في كل شيء مفتوحة.
وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول "الرّضاعة".

وقال: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينبغي" فلما حذف "ينبغي" وصار "تضارّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} فخبر {والّذين يتوفّون}{يتربّصن} بعد موتهم" ولم يذكر "بعد موتهم" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينبغي لهنّ أن يتربّصن" فلما حذف "ينبغي" وقع "يتربّصن" موقعه. قال الشاعر:
على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى = قضيّته أن لا يجور ويقصد
فرفع "ويقصد" على قوله: "وينبغي". ومن جعل {لا تضارّ} على النهي قال: {لا تضارّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فأما من ضعف فإنه يقول {لا تضارر} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت "لا تفاعل" وأنت تنهي. إلا أن "تضار" ههنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة). [معاني القرآن: 1/143-144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها} أي: طاقتها.
{لا تضارّ والدةٌ بولدها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{ولا مولودٌ له بولده}يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
و(الفصال): الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فصل عن أمه.
وأصل الفصل: التفريق).
[تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.

ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.

ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى {حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.

ومعنى {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.

الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى {لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك} أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الإلزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال: تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال {وفصاله في عامين}.
وقال ابن عباس: فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر.
والفائدة في {كاملين}: أن المعنى كاملين للرضاعة.
كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي: من الهدي.
وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن يأتي بعد هذا شيء آخر أو تكون العشرة ساعات.
ثم قال تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي: ذلك وقت لتمام الرضاعة وليس بعد تمام الرضاعة رضاع). [معاني القرآن: 1/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي: على الأب الذي ولد له {رزقهن وكسوتهن} أي: رزق الأمهات وكسوتهن {بالمعروف} أي: لا تقصير في النفقة والكسوة ولا شطط). [معاني القرآن: 1/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على النهي
وقرا أبان عن عاصم {لا تضارر والدة} بكسر الراء الأولى.
وقيل المعنى: لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على أبيه.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا تضار والدة} بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الإلزام.
وروى يونس عن الحسن قال: يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا أرضعه.
ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: {وعلى الوارث} أن لا يضار.
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك.
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع.
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه.
قال أبو جعفر: وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا
قال أبو جعفر: والقول الأول أبين لأن الأب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن). [معاني القرآن: 1/217-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}
قال مجاهد وقتادة: أي فطاما دون الحولين.
قال أبو جعفر: وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير إضرار منهما بالولد.
ثم قال: {فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أي: تسترضعوهم قوما
قال أبو إسحاق: أي: لأولادكم غير الوالدة.
{فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم} أي: سلمتم ما أعطيتم من ترك الإضرار.
وقال مجاهد: إذا سلمتم حساب ما أرضع به الصبي). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وسعها} طاقتها.
(والفصال) الفطام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن...}
يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن (الذين)؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر،
وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى.
قال: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إنّ ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلّة حلّت
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة * على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال: لعلّي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم} إلا أن الهاء من قوله: {وصيّة لأزواجهم} رجعت على {الذين} فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا؛ كقولك: عبد الله ضربته.
وقال: {وعشراً} ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام.
فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما} فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالي أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلّبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأمّا المختلط فقول الشاعر:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام.
وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام.
ومثل ذلك في الكلام أن تقول:
عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر.
وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة؛ فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة.
ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث.

وقوله: {من خطبة النّساء} الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة؛ يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول]: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا، ولو أراد مرّة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة؛ كما قال المشية.
وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعةٍ لي من أرضي؛ يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

وقوله: {أو أكننتم} للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ * من اللاتي تكنّ من الصقيع
وبعضهم [يرويه] تكنّ من أكننت. وأمّا قوله: "لؤلؤ مكنون" و"بيض مكنون" فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى). [معاني القرآن: 1/150-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ} أي: منتهى العدة.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح). [تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير}
هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة.
وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول:
1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم،
2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب.

3- وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك " الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول.
قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن.
وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما
المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه.
وهذا القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه.
والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين.
ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام.
زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب.
وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة "
أنشد سيبوبه:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا
قال سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور.
(قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ} أي: غاية هذه الأشهر والعشر.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها.
وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {والذين يتوفون منكم} بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون أعمارهم أي يستوفونها والله أعلم). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
العشر: عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها.
قال محمد بن يزيد: المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها إن كانت حاملا.
قال الأصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض.
وقال غيره: أركضت فهي مركض وأنشد:

ومركضة صريحي أبوها = تهان له الغلامة والغلام). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
قال الضحاك: أجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: النكاح الحلال الطيب). [معاني القرآن: 1/223-224]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} يقول: لا يصفنّ أحدكم نفسه في عدّتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه.
حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: السرّ في هذا الموضع النكاح.
وأنشد عنه بيت امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وألاّ يشهد السرّ أمثالي
قال الفرّاء: ويرى أنه مما كنى الله عنه قال: "أو جاء احد منكم من الغائط"). [معاني القرآن: 1/153]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} أي: في عدّتهن أن تقول: إني أريد أن أتزوجك وإن قضى شيء كان.
{لا تواعدوهنّ سرّاً} السّر: الإفضاء بالنكاح، قال الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
أي: ما استأنفت؛ وقال رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن إسرارها بعد العسق
يعني: غشيانها، أراد الجماع. قال امرؤ القيس بن حجر الكنديّ:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني... كبرت وألاّ يحسن السرّ أمثالي). [مجاز القرآن: 1/75-76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا قولاً مّعروفاً ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} فـ"الخطبة" الذكر، و"الخطبة": التشهّد.
وقال: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} لأنه لما قال: {لا جناح عليكم} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا} استثناء خارج على "ولكن"). [معاني القرآن: 1/144-145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تواعدهن سرا}: ذكر الفقهاء أنه كناية عن الفجور). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} وهو: أن يعرّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: واللّه إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمن حاجتي، ولعل اللّه أن يسوق إليك خيرا. هذا وما أشبهه.
{ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} أي: نكاحا.
يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك.
{إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً}
: لا تذكرون فيه نكاحا ولا رفثا.

{ولا تعزموا عقدة النّكاح} أي: لا تواقعوا عقدة النكاح {حتّى يبلغ الكتاب أجله}، يريد: حتى تنقضي العدة التي كتب على المرأة أن تعتدّها. أي فرض عليها.
{واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} أي: يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد، فاحذروه). [تفسير غريب القرآن: 89-90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفور حليم} المعنى: أنه لا جناح على الرجل أن يعرّض للمرأة التي هي في عدّة بالتزويج. والتعريض أن يقول إني فيك لراغب.
وإن قضى الله أمرا كان، وما أشبه هذا من القول.
ولا يجوز أن: يقطع أمر التزويج والمرأة لم تخرج من عدتها، ومعنى خطبة كمعنى خطب، أما خطبة فهو ماله أول وآخر نحو الرسالة، وحكي عن بعض العرب " اللهم ارفع عنا هذه الضغطة " فالضغطة ضغط له أول وآخر متصل.
ومعنى{أو أكننتم في أنفسكم}: يقال في كل شيء تستره أكننته وكننته، وأكننته فيما يستره أكثر، وما صنته تقول فيه كننته فهو مكنون.
قال اللّه عزّ وجلّ: {كأنّهنّ بيض مكنون} أي: مصون، وكل واحدة منهما قريبة من الأخرى.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرّا}.
قال أبو عبيدة: السّر الإفصاح بالنكاح وأنشد:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال غيره: كأن السّر كناية عن الجماع - كما أن الغائط كناية عن الموضع وهذا القول عندي صحيح.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النّكاح} معناه: لا تعزموا على عقد النكاح، وحذف " على " استخفافا كما تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، معناه على الظهر والبطن،
وقال سيبويه: إن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس.

وقوله عزّ وجلّ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} فعناه: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله،
ويجوز أن يكون: الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى حتى يبلغ الفرض أجله - كما قال: عزّ وجلّ: (كتب عليكم الصّيام) أي: فرض عليكم، وإنّما جاز أن يقع {كتب} في معنى فرض، لأن ما يكتب يقع في النفوس أنه ثبت، ومعنى هذا الفرض الذي يبلغ أجله أيام عدة المطلقة والمتوفي عنها زوجها).
[معاني القرآن: 1/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: هو أن يقول أريد أن أتزوج وكره أن يقول لا تسبقيني بنفسك في العدة.
وقال القاسم بن محمد: هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول.
وقالت: سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم ثم قال: كيف أصبحت فقلت: بخير جعلك الله بخير فقال: أنا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الإسلام وشرفي في العرب قالت: فقلت له غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال: ما فعلت إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى أثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة.
ثم قال تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} قيل: من أمر النكاح.
ثم قال تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن}
قال الحسن: أي في الخطبة.
وقال مجاهد: أي في نفسه.
ثم قال تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا}
قال سعيد بن جبير: السر أن يعاقدها على أن لا تتزوج غيره.
وقال مجاهد: هو أن يقول لا تفوتيني بنفسك.
وقال أبو مجلز وإبراهيم والحسن هو الزنا
وقال أبو عبيدة هو الإفصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد: قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطأ إنما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا} فليس هذا موضع الزنا
قال أبو جعفر: الذي قال محمد بن يزيد من أن السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال إلا أن الأشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير أن المعنى لا تواعدوهن نكاحا فسمي النكاح سرا لأن الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير أن أولى الأقوال بالصواب أن السر الزنا ولا يصح قول من قال السر أن يقول لها لا تسبقيني بنفسك لأنه قول علانية فإن أراد أن يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله أحد ولا يكون السر النكاح الصحيح لأنه لا يكون إلا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى {ستذكرونهن}: ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فيغرها بذلك حتى يصل إلى جماعها زنا.
ثم قال تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا}
قال مجاهد: هو التعريض.
وقال سعيد بن جبير: أن يقول لها إني لأرجو أن نجتمع وإني إليك لمائل.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} حتى تنقضي العدة.
والتقدير في اللغة: حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا.
ثم قال تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}أي: يعلم ما تحتالون به). [معاني القرآن: 1/224-230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا تواعدهن سرا} نكاحا في العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سِــــرّاً}: الزنـا النكــاح). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره...}
بالرفع. ولو نصب كان صوابا على تكرير الفعل على النيّة، أي: ليعط الموسع قدره، والمقتر قدره.
وهو مثل قول العرب: أخذت صدقاتهم، لكل أربعين شاةً شاة؛ ولو نصبت الشاة الآخرة كان صوابا.

وقوله: {متاعاً بالمعروف} منصوب خارجا من القدر؛ لأنه نكرة والقدر معرفة. وإن شئت كان خارجا من قوله "ومتّعوهنّ" متاعاً ومتعة.
فأمّا {حقّاً} فإنه نصب من نيّة الخبر لا أنه من نعت المتاع.
وهو كقولك في الكلام: عبد الله في الدار حقاً.
إنما نصب الحق من نيّة كلام المخبر؛ كأنه قال: أخبركم خبرا حقا، وبذلك حقا؛ وقبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنكرات؛ لأن الحق والباطل لا يكونان في أنفس الأسماء؛ إنما يأتي بالأخبار.
من ذلك أن تقول: لي عليك المال حقّا، وقبيح أن تقول: لي عليك المال الحق، أو: لي عليك مال حقّ، إلا أن تذهب به إلى أنه حقّ لي عليك، فتخرجه مخرج المال لا على مذهب الخبر.

وكل ما كان في القرآن مما فيه من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان في معنى الحق فوجه الكلام فيه النصب؛ مثل قوله "وعد الحق" و"وعد الصدق" ومثل قوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد اللّه حقاً} هذا على تفسير الأوّل.
وأمّا قوله: {هنالك الولاية للّه الحقّ} فالنصب في الحقّ جائز؛ يريد حقّا، أي أخبركم أن ذلك حقّ.
وإن شئت خفضت الحقّ، تجعله من صفة الله تبارك وتعالى.
وإن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية.
وكذلك قوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} تجعله من صفة الله عز وجلّ. ولو نصبت كان صوابا، ولو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا؛ كما قال {الحقّ من ربّك
فلا تكوننّ من الممترين} وأنت قائل إذا سمعت رجلا يحدث: [حقّا أي] قلت حقا، والحقّ، أي ذلك الحقّ.
وأمّا قوله في ص {قال فالحقّ والحقّ أقول} فإن الفرّاء قد رفعت الأوّل ونصبته.
وروي عن مجاهد وابن عباس أنهما رفعا الأوّل وقالا تفسيره: الحقّ مني، وأقول الحق؛ فينصبان الثاني بـ "أقول". ونصبهما جميعا كثير منهم؛ فجعلوا الأوّل على معنى: والحقّ "لأملأنّ جهنّم" وينصب الثاني بوقوع القول عليه. وقوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ} رفعه حمزة والكسائيّ، وجعلا الحق هو الله تبارك وتعالى، لأنها في حرف عبد الله " ذلك عيسى بن مريم قال اللّه" كقولك: كلمة الله، فيجعلون (قال) بمنزلة القول؛ كما قالوا: العاب والعيب. وقد نصبه قوم يريدون: ذلك عيسى ابن مريم قولا حقّا).
[معاني القرآن: 1/153-155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المقتر} يقال: قد أقتر فلان، إذا كان كان مقّلاً، قال الشاعر:
ولا من ربيع المقترين رزئته... بذي علقٍ فاقنى حياءك واصبري). [مجاز القرآن: 1/76]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وعلى المقتر قدره}: المقتر المقل). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو تفرضوا لهنّ فريضةً} يعني: المهر.
{ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} أي: أعطوهن متعة الطلاق على قدر الغنى والفقر). [تفسير غريب القرآن: 90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين}
فقد أعلم الله في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها من غير مهر كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بمهر، وأمر بأن تمتع المتزوج بها بغير مهر إذا طلقت ولم يدخل بها فقال الله عزّ وجلّ: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
و{قدره}، يقرآن جميعا، فقالوا إن التمتّع يكون بأشياء بأن تخدم المرأة وبأن تكسى، وبأن تعطى ما تنفقه، أيّ ذلك فعل يمتع، فذلك جائز له على قدر إمكانه.
وقوله عزّ وجلّ: {متاعا بالمعروف} أي: بما تعرفون أنه القصد وقدر الإمكان، ويجوز أن يكون نصب {متاعا بالمعروف}، على قوله: ومتعوهن متاعا، يجوز أن يكون: منصوبا على الخروج من قوله: على الموسع قدره متاعا أي ممتّعا متاعا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقا على المحسنين}.
منصوب على حق ذلك عليهم حقا، كما يقال حققت عليه القضاء وأحققته، أي أوجبته). [معاني القرآن: 1/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}
قال ابن عباس: الجماع.
{أو تفرضوا لهن فريضة} الفريضة ههنا المهر
قال أبو جعفر: وأصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي ومنه فرض السلطان لفلان.
ثم قال تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره} وهو الغني {وعلى المقتر قدره} وهو الفقير.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة.
وقال شريح: لا يقضى عليه لأنه قال {حقا على المحسنين}). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمُقْتـــِرِ}: المقــل). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ...}
تماسّوهن وتمسّوهن واحد، وهو الجماع؛ المماسّة والمسّ.
وإنما قال {إلاّ أن يعفون} بالنون لأنه فعل النسوة، وفعل النسوة بالنون في كل حال.
يقال: هنّ يضربن، ولم يضربن، ولن يضربن؛ لأنك لو أسقطت النون منهن للنصب أو الجزم لم يستبن لهنّ تأنيث. وإنّما قالت العرب "لن يعفوا" للقوم، و"لن يعفوا" للرجلين لأنهم زادوا للاثنين في الفعل ألفا ونونا، فإذا أسقطوا نون الاثنين للجزم أو للنصب دلّت الألف على الاثنين. وكذلك واو يفعلون تدلّ على الجمع إذا أسقطت النون جزما أو نصبا.
{أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}
وهو الزوج).
[معاني القرآن: 1/155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يعفون} هن: يتركن، يهبن، عفوت لك عن كذا وكذا: تركته لك). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {فنصف ما فرضتم}أي: فعليكم نصف ما فرضتم {إلاّ أن يعفون} وإن شئت نصبت {نصف ما فرضتم} على الأمر.
وقال: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}
وقال بعضهم (ولا تناسوا)، وكلٌّ صوابٌ.
وقال بعضهم {ولا تنسوا الفضل} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال: {اشتروا الضّلالة}).
[معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فنصف ما فرضتم}: من المهر، أي: فلهن نصف ذلك {إلّا أن يعفون} أي: يهبن، {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} يعني: الزوج.
وهذا في المرأة تطلّق من قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها المهر فلها نصف ما فرض لها، إلّا أن تهبه، أو يتمم لها الزوج الصداق كاملا.
وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأب. يراد: إلّا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك، فيكون عفوه جائزا عن ابنته.
{وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} حضّهم اللّه على العفو). [تفسير غريب القرآن:90-91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصير}أي: فعليكم نصف ما فرضتم، ويجوز النصب - {فنصف ما فرضتم}.
المعنى: فأدّوا نصف ما فرضتم، ولا أعلم أحدا قرأ بها فإن لم تثبت بها رواية فلا تقرأنّ بها.
وقوله عزّ وجلّ: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النّكاح} المعنى: إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا.
ومعنى عفو المرأة: - أن تعفو عن النصف المواجب لها من المهر فتتركه للزوج، أو يعفو الزوج عن النصف فيعطيها الكل.
وموضع {أن يعفون} نصب بأن، إلا أن جماعة المؤنث في الفعل المضارع تستوي في الرفع والنصب، والجزم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}.
ظاهر هذا الخطاب للرجال خاصة دون النساء، وهو محتمل أن يكون للفريقين لأن الخطاب إذا وقع على مذكرين ومؤنثين غلب التذكير لأن الأول أمكن.
والأجود في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} الضم.
ويجوز {ولا تنسوا الفضل بينكم} - وقد شرحنا العلة فيه). [معاني القرآن: 1/319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد بن جبير:لكل مطلقة متعة.
وقال آخرون: لا متعة لها.
روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي.
ثم قال تعالى: {إلا أن يعفون} قال الزهري والضحاك: المرأة إذا طلقت تدع النصف الذي جعل لها.
ثم قال تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى بن عاصم عن شريح قال: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب.
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم: هو الولي يعنون الأب خاصة.
قال أبو جعفر: حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي.
وأصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس.
قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس إن الله رضي العفو وأمر به فإن عفت فذلك وإن عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وإن أبت.
قال أبو جعفر: والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة أنه الولي وهو الذي يجوز أن يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال {ولا تعزموا عقدة النكاح} وإنما بيد الزوج أن يطلق
فإن قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله: {وقد فرضتم لهن فريضة} فلو كان للزوج لقيل أو تعفو وهذا أشبه بسياق الكلام وإن كان يجوز تحويل المخاطبة إلى الإخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب: إذا أعطي الصداق كاملا أن لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لأن العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك.
ثم قال جل وعز: {وأن تعفو أقرب للتقوى} قيل يعنى به:الأزواج وقيل يعني به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لأنه يقل وأن تعفون فيكون للنساء وأن يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح). [معاني القرآن: 1/231-237]

تفسير قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى...}
في قراءة عبد الله "وعلى الصلاة الوسطى" فلذلك آثرت القرّاء الخفض، ولو نصب على الحثّ عليها بفعل مضمر لكان وجها حسنا.
وهو كقولك في الكلام: عليك بقرابتك والأمّ، فخصّها بالبرّ).
[معاني القرآن: 1/156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قانتين}: مطيعين). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الصّلاة الوسطى} صلاة العصر. لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل.
{وقوموا للّه قانتين} أي: مطيعين. ويقال: قائمين. ويقال: ممسكين عن الكلام.
والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}
قالوا: {الصلاة الوسطى} العصر - وهو أكثر الرواية، وقيل إنها الغداة وقيل إنها الظهر.
واللّه قد أمر بالمحافظة على جميع الصلوات إلا أن هذه الواو إذا جاءت مخصصة فهي دالة على الفضل للذي تخصصه كما قال: عز وجل: {من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال} فذكرا مخصوصين لفضلهما على الملائكة، وقال يونس النحوي في قوله عزّ وجلّ: {فيهما فاكهة ونخل ورمّان} إنما خص النخل والرمان وقد ذكرت الفاكهة لفضلها على سائرها.
وقوله عزّ وجلّ: {وقوموا للّه قانتين}.
القانت المطيع والقانت - الذاكر اللّه، كما قال عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما} وقيل القانت العابد - وقالوا في قوله عزّ وجلّ: (وكانت من القانتين) أي: العابدين.
والمشهور في اللغة والاستعمال: أن القنوت الدعاء في القيام، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر اللّه، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له قانت،
لأنه ذاكر الله عزّ وجلّ وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله في حال القيام.
ويجوز أن: يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياما بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية). [معاني القرآن: 1/320-321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم وقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات} قال مسروق: على وقتها.
{والصلاة الوسطى}
روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال: هي صلاة الصبح.
وكذا روى عنه عكرمة إلا أنه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار.
وقيل: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال: هي الظهر.
وفيها قول ثالث هو: أولاها.
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا أبو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعز: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ((هي صلاة العصر))
وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس أن تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا واملأ بيوتهم نارا واملأ قبورهم نارا))
قال زر: قال علي: كنا نرى أنها صلاة الفجر.
وقيل لها الوسطى: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
ثم قال تعالى: {وقوموا لله قانتين}
قال ابن عباس والشعبي: القنوت الطاعة.
وقال مجاهد: القنوت السكوت.
قال أبو جعفر: وهذان القولان يرجعان إلى شيء واحد لأن السكوت في الصلاة طاعة.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا يحيى أخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}فأمرنا بالسكوت.
وقيل: هو القنوت في الصبح وهو طول القيام.
وروى الجعفي عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف في القرآن من القنوت فهو الطاعة)) ). [معاني القرآن: 1/237-242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَانِتِيـــنَ}: طائعين قائمين). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرجال}: واحدها: راجل، مثل قيام وقائم). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}
قال: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} يقول: "صلّوا رجالاً أو صلّوا ركبانا"). [معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}: الرجال الرجالة واحدها راجل مثل قائم وقيام). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإن خفتم} يريد: إن خفتم عدوا، {فرجالًا} أي: مشاة، جمع راجل، مثل قائم وقيام. {أو ركباناً} يقول: تصلي ما أمنت قائما، فإذا خفت صلّيت: راكبا، وماشيا. والخوف هاهنا بالتّيقن، لا بالظن). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فصلوا ركبانا أو رجالا، ورجال جمع راجل ورجال، مثل صاحب وصحاب، أي إن لم يمكنكم أن تقوموا قانتين أي عابدين موفّين الصّلاة حقها لخوف ينالكم، فصلوا رجالا أو ركبانا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فإذا أمنتم فقوموا قانتين مؤدّين للفرض). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}
روى أبو مالك عن ابن عباس أما رجالا فعلى أرجلكم إذا قاتلتم يصلي الرجل يومي برأسه أينما توجه.
وقال مجاهد: وكيف قدر). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَرِجَالاً}: رجالــة). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً...}
وهي في قراءة عبد الله: "كتب عليهم الوصية لأزواجهم" وفي قراءة أبيّ: "يتوفون منكم ويذرون أزواجا فمتاع لأزواجهم" فهذه حجّة لرفع الوصيّة.
وقد نصبها قوم منهم حمزة على إضمار فعل كأنه أمر؛ أي ليوصوا لأزواجهم وصيّة. ولا يكون نصبا في إيقاع "ويذرون" عليه.

{غير إخراجٍ} يقول: من غير أن تخرجوهن؛ ومثله في الكلام: أتيتك رغبة إليك.
ومثله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍٍ} لو ألقيت "من" لقلت: غير سوء. والسوء ههنا البرص.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء، قال حدثنا شريك عن يزيد بن زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: من غير برص.
قال الفراء كأنه قال: تخرج بيضاء غير برصاء).
[معاني القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من مّعروفٍ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {وصيّةً لأزواجهم} كأنه [قال]: "لأزواجهم وصيّةٌ {مّتاعاً إلى الحول} ونصب {متاعاً} لأنه حين قال: {لأزواجهم}{وصيّةً} فكأنه قد قال: "فمتّعوهنّ" {متاعاً} فعلى هذا انتصب قوله: {مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ} يقول "لا إخراجاً" أي: "متاعاً لا إخراجاً" أي: لا تخرجوهن إخراجاً. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود {كتب عليكم وصيّةٌ لأزواجكم}). [معاني القرآن: 1/145-146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال بعضهم {وصيّةٌ لأزواجهم}(240) فنصب على الأمر [ورفع] أي: عليكم وصيةٌ بذلك " [و] "أوصوا لهنّ وصيّةً"). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من معروف واللّه عزيز حكيم}
{وصيّة لأزواجهم} و {وصية لأزواجهم} يقرءان جميعا.
فمن نصب أراد فليوصوا وصية لأزواجهم.
ومن رفع فالمعنى فعليهم وصية لأزواجهم.
{متاعا إلى الحول غير إخراج}أي: متعوهنّ متاعا إلى الحول، ولا تخرجوهن، وهذا منسوخ بإجماع.
نسخه ما قبله وقد بيناه.
وقيل إنه نسخته آية المواريث وكلاهما - أعني ما أمر الله به من تربص أربعة أشهر وعشرا، وما جعل لهن من المواريث قد نسخه). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}
روى حبيب بن الشهيد عن ابن أبي ملكية عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} لم أثبتها وقد نسختها الآية الأخرى قال يا ابن أخي لا أغير شيئا عن مكانه.
وروى حميد عن نافع عن زينب بنت أم سلمة كانت المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر سنة ثم تعطى بعرة فترمي بها فأنزل الله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شاءت خرجت فاعتدت في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها إلى الحول ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشر.
وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله)) ). [معاني القرآن: 1/242-244]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف}: كانوا إذا طّلقوا يمتعونها من المقنعة فما فوق ذلك؛ متعها وحمّمها، أي: أعطاها). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ):
({وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً على المتّقين}

قال: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً} أي: أحقّ ذلك حقّاً). [معاني القرآن: 1/146]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تعقلون}
آياته علاماته ودلالاته على ما فرض عليكم، أي: مثل هذا البيان يبين لكم ما هو فرض عليكم، وما فرض عليكم.
ومعنى {لعلّكم تعقلون}: معنى يحتاج إلى تفسير يبالغ فيه، لأن أهل اللغة والتفسير أخبروا في هذا بما هو ظاهر، وحقيقة هذا أن العاقل ههنا أهو، الذي يعمل بما افترض عليه، لأنه إن فهم الفرض ولم يعمل به فهو جاهل ليس بعاقل، وحقيقة العقل هو استعمال الأشياء المستقيمة متى علمت، ألا ترى إلى قوله عزّ وجلّ: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب}، لو كان هؤلاء جهالا غير مميزين ألبتّة لسقط عنهم التكليف، لأن الله لا يكلف من لا يميز، ويقال جهال وإن كانوا مميزين. لأنهم آثروا هواهم على ما علموا أنه الحق). [معاني القرآن: 1/321-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}أي: لعلكم تتجنبون ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم). [معاني القرآن: 1/244]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم} على جهة التعجب.
كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!!). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}
معنى {ألم تر}: ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء وهذه الألف ألف التوقيف، و {تر} متروكة الهمزة، وأصله ألم ترء إلى الذين.
والعرب مجمعة على ترك الهمزة في هذا.

ونصب {حذر الموت} على أنه مفعول له والمعنى خرجوا لحذر الموت، فلما سقطت اللام نصب على أنه مفعول له وجاز أن يكون نصبه على المصدر، لأن خروجهم يدل على حذر الموت حذرا.
وقيل في تفسير الآية: إنهم كانوا ثمانية ألوف، أمروا في أيام بني إسرائيل إسرائيل أن يجاهدوا العدوّ، فاعتلوا بأن الموضع الذي ندبوا إليه ذو طاعون.
{فقال لهم اللّه موتوا} معناه: فأماتهم اللّه، ويقال إنهم أميتوا ثمانية أيام ثم أحيوا، وفي ذكر هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - احتجاج على مشركي العرب وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه أنبأ أهل الكتاب بما لا يدفعون صحته، وهو لم يقرأ كتابا - صلى الله عليه وسلم -.
فالذين تلا عليهم يعلمون إنّه لم يقرأ كتابا وأنه أمي، فلا يعلم هذه الأقاصيص إلا بوحي، إذ كانت لم تعلم من كتاب فعلم مشركو العرب أن كل من قرأ الكتب يصدقه - صلى الله عليه وسلم - في إخباره أنها كانت في كتبهم، ويعلم العرب الذين نشأ معهم مثل ذلك وأنه ما غاب غيبة يعلّم في مثلها أقاصيص الأمم وأخبارها على حقيقة وصحة، وفي هذه الآية أيضا معنى الحث على الجهاد وأن الموت لا يدفع بالهرب منه.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لذو فضل على النّاس} أي: تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد موتهم فأراهم البصيرة التي لا غاية بعدها.
وقوله عزّ وجلّ: يعقب هذه الآية:
{وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم}). [معاني القرآن: 1/322-323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء الذين سمعتم خبرهم، فلا ينفعكم الهرب.
ومعنى قوله عزّ وجلّ مع ذكر القتال: {واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: إن قلتم كما قال الذين تقدم ذكرهم بعلة الهرب من الموت سمع قولكم وعلم ما تريدون). [معاني القرآن: 1/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247] (م)

تفسير قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له...}
تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا لـ (من)؛ لأنها استفهام، والذي في الحديد مثلها). [معاني القرآن: 1/157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قال: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له}
وقال بعضهم {فيضعّفه له}.
وتقرأ نصبا أيضاً إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله: {فيضاعفه} "أن" حتى تكّون اسما فتجريه على الأوّل إذا نوى به الاسم.
والرفع لغة بني تميم لأنهم لا ينوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله: {يقرض اللّه} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: "لك عندي قرض صدقٍ" و"قرض سوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرّته أو مساءته. قال الشاعر:

لا تخلطنّ خبيثاتٍ بطيّبةٍ = واخلع ثيابك منها وانج عريانا
كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسناً = أو سيّئاً أو مدينا مثل ما دانا
فـ"القرض": ما سلف من صالح أو من سيء). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
معنى القرض في اللغة: البلاء السيئ، والبلاء الحسن، والعرب تقول: لك عندي قرض حسن وقرض سيئ، وأصله ما يعطيه الرجل أو يعمله ليجازى عليه، واللّه عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو الأخبار، فالقرض كما وصفنا، قال أمية بن أبي الصلت:
لا تخلطن خبيثات بطيبة... وأخلع ثيابك منها وانج عريانا
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا... أو سيئا أو مدينا كالذي دانا
وقال الشاعر:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
فمعنى القرض ما ذكرناه.
فأعلم اللّه أن ما يعمل وينفق يراد به الجزاء فاللّه يضاعفه أضعافا كثيرة.
والقراءة فيضاعفه، و(قرأوا): فيضاعفه، بالنّصب والرفع فمن رفع عطف على يقرض، ومن عطف نصب على جواب الاستفهام وقد بينا الجواب بالفاء - ولو كان قرضا ههنا مصدرا لكان إقراضا، ولكن قرضا ههنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء.
فأما قرضته أقرضه قرضا: فجاوزته، وأصل القرض في اللغة القطع.
والقراض من هذا أخذ، فإنما أقرضته قطعت له قطعة يجازى عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يقبض ويبسط}قيل في هذا غير قول:
1-
قال بعضهم: معناه يقتر ويوسع،
2- وقال بعضهم يسلب قوما ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين (وقيل معنى - يقبض) أي يقبض الصدقات ويخلفها، وإخلافها:
-جائز أن يكون ما يعطي من الثواب في الآخرة،
-وجائز أن يكون مع الثواب أن يخلفها في الدنيا).
[معاني القرآن: 1/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} أصل القرض: ما يفعل ليجازى عليه كما قال:
وإذا أجزيت قرضا فاجزه = إنما يجزي الفتى غير الجمل
ثم قال تعالى: {والله يقبض ويبسط} أي: يقتر ويوسع.
وقيل: يسلب قوما ما أنعم به عليهم ويوسع على آخرين.
وقيل: يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب أو في الدنيا). [معاني القرآن: 1/248]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 246 إلى 252]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه...}
{نقاتل} مجزومة لا يجوز رفعها. فإن قرئت بالياء "يقاتل" جاز رفعها وجزمها. فأمّا الجزم فعلى المجازاة بالأمر، وأمّا الرفع فإن تجعل (يقاتل) صلة للملك؛ كأنك قلت: ابعث لنا الذي يقاتل.
فإذا رأيت بعد الأمر اسما نكرة بعده فعل يرجع بذكره أو يصلح في ذلك الفعل إضمار الاسم، جاز فيه الرفع والجزم؛ تقول في الكلام: علّمني علما أنتفع به، كأنك قلت: علمني الذي أنتفع به، وإن جزمت (أنتفع) على أن تجعلها شرطا للأمر وكأنك لم تذكر العلم جاز ذلك. فإن ألقيت "به" لم يكن إلا جزما؛ لأن الضمير لا يجوز في (انتفع)؛ ألا ترى أنك لا تقول: علّمني علما انتفعه.
فإن قلت: فهلاّ رفعت وأنت تريد إضمار (به)؟
قلت: لا يجوز إضمار حرفين، فلذلك لم يجز في قوله (نقاتل) إلا الجزم.
ومثله {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} لا يجوز إلا الجزم لأن "يخل" لم يعد بذكر الأرض، ولو كان "أرضا تخل لكم" جاز الرفع والجزم؛ كما قال: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} وكما قال الله تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم
صدقة تطهّرهم وتزكّيهم} ولو كان جزما كان صوابا؛ لأن في قراءة عبد الله "أنزل علينا مائدة من السماء تكن لنا عيدا" وفي قراءتنا بالواو "تكون".
ومنه ما يكون الجزم فيه أحسن؛ وذلك بأن يكون الفعل الذي قد يجزم ويرفع في آية،
والاسم الذي يكون الفعل صلة له في الآية التي قبله، فيحسن الجزم لانقطاع الاسم من صلته؛ من ذلك: {فهب لي من لدنك وليّاً. يرثني} جزمه يحيى ابن وثّاب والأعمش -
ورفعه حمزة "يرثني" لهذه العلّة، وبعض القراء رفعه أيضا - لمّا كانت {وليا} رأس آية انقطع منها قوله {يرثني}، فحسن الجزم.
ومن ذلك قوله: {وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك} على الجزم. ولو كانت رفعا على صلة "الحاشرين" قلت: يأتوك.

فإذا كان الاسم الذي بعده فعل معرفةً يرجع بذكره، مما جاز في نكرته وجهان جزمت فقلت: ابعث إليّ أخاك يصب خبرا، لم يكن إلا جزما؛ لأن الأخ معرفة والمعرفة لا توصل. ومنه قوله: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} الهاء معرفة و"غدا" معرفة فليس فيه إلا الجزم، ومثل قوله: {قاتلوهم يعذّبهم الله} جزم لا غير.
ومن هذا نوع إذا كان بعد معرفته فعلٌ لها جاز فيه الرفع والجزم؛ مثل قوله: {فذروها تأكل في أرض الله} وقوله: {ذرهم يأكلوا} ولو كان رفعا لكان صوابا؛ كما قال تبارك وتعالى: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} ولم يقل: يلعبوا. فأمّا رفعه فأن تجعل "يلعبون" في موضع نصب كأنك قلت في الكلام: ذرهم لاعبين.
وكذلك دعهم وخلّهم واتركهم.
وكلّ فعل صلح أن يقع على اسم معرفة وعلى فعله ففيه هذان الوجهان، والجزم فيه وجه الكلام؛ لأن الشرط يحسن فيه، ولأن الأمر فيه سهل، ألا ترى أنك تقول: قل له فليقم معك.
فإن رأيت الفعل الثاني يحسن فيه محنة الأمر ففيه الوجهان بمذهب كالواحد، وفي إحدى القراءتين: "ذرهم يأكلون ويتمتّعون ويلهيهم الأمل".

وفيه وجه آخر يحسن في الفعل الأوّل من ذلك: أوصه يأت زيدا، أو مره، أو أرسل إليه فهذا يذهب إلى مذهب القول، ويكون جزمه على شبيه بأمر ينوى له مجدّدا.
وإنما يجزم على أنه شرط لأوّله. من ذلك قولك: مر عبد الله يذهب معنا؛ ألا ترى أن القول يصلح أن يوضع في موضع (مر)، وقال الله تبارك وتعالى: {قل للّذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} فـ "يغفروا" في موضع جزم، والتأويل - والله أعلم -: قل للذين آمنوا اغفروا، على أنه شرط للأمر فيه تأويل الحكاية.
ومثله: {قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} فتجزمه بالشرط "قل"، وقال قوم: بنيّه الأمر في هذه الحروف: من القول والأمر والوصيّة. قيل لهم: إن كان جزم على الحكاية فينبغي لكم أن تقولوا للرجل في وجهه: قلت لك تقم، وينبغي أن تقول: أمرتك تذهب معنا، فهذا دليل على أنه شرط للأمر.

فإن قلت: فقد قال الشاعر:
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي * ولكن يكن للخير فيك نصيب
قلت: هذا مجزوم بنيّة الأمر؛ لأن أوّل الكلام نهي، وقوله (ولكن) نسق وليست بجواب. فأراد: ولكن ليكن للخير فيك نصيب. ومثله قول الآخر:
من كان لا يزعم أنى شاعر * فيدن مني تنهه المزاجر
فجعل الفاء جوابا للجزاء، وضّمن (فيدن) لاما يجزم [بها]. وقال الآخر:
فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى * لصوتٍ أن ينادي داعيان
أراد: ولأدع.
وفي قوله (وأدع) طرف من الجزاء وإن كان أمرا قد نسق أوّله على آخره. وهو مثل قول الله عزّ وجلّ: {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} والله أعلم. وأما قوله: {ذروني أقتل موسى وليدع ربّه} فليس تأويل جزاء، إنما هو أمر محض؛ لأن إلقاء الواو وردّه إلى الجزاء (لا يحسن فليس إلى الجزاء)؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول ذروني أقتله يدع؛ كما حسن "اتّبعوا سبيلنا تحمل خطاياكم"، والعرب لا تجازي بالنهي كما تجازي بالأمر، وذلك أن النهي يأتي بالجحد، ولم تجاز العرب بشيء من الجحود، وإنما يجيبونه بالفاء وألحقوا النهي إذا كان بلا، بليس وما وأخواتهن من الجحود.
فإذا رأيت نهيا بعد اسمه فعل فارفع ذلك الفعل فتقول: لا تدعنّه يضربه، ولا تتركه يضربك. جعلوه رفعا إذ لم يكن آخره يشاكل أوّله؛ إذ كان في أوّله جحد وليس في آخره جحد، فلو قلت: لا تدعه لا يؤذك جاز الجزم والرفع؛ إذ كان أوّله كآخره؛ كما تقول في الأمر: دعه ينام، ودعه ينم؛ إذ كان لا جحد فيهما. فإذا أمرت ثم جعلت في الفعل (لا) رفعت؛ لاختلافهما
أيضا، فقلت: ايتنا لا نسيء إليك؛ كقول الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا} [لمّا كان] أوّل الكلام أمرا وآخره نهيا فيه (لا) فاختلفا، جعلت (لا) على معنى ليس فرفعت.
ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلاّ نفسك}
وقوله: {يأيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} رفع،
ومنه قوله: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه} ترفع، ولو نويت الجزاء لجاز في قياس النحو.
وقد قرأ يحيى بن وثّاب وحمزة: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبساً لا تخف دركا ولا تخشى" بالجزاء المحض.

فإن قلت: فكيف أثبتت الياء في (تخشى)؟ قلت: في ذلك ثلاثة أوجه؛
1- إن شئت استأنفت "ولا تخشى" بعد الجزم،
2- وإن شئت جعلت (تخشى) في موضع جزم وإن كانت فيها الياء؛ لأن من العرب من يفعل ذلك؛ قال بعض بني عبس:

ألم يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لبون بني زياد
فأثبتت الياء في (يأتيك) وهي في موضع جزم؛ لأنه رآها ساكنة، فتركها على سكونا؛ كما تفعل بسائر الحروف. وأنشدني بعض بني حنيفة:
قال لها من تحتها وما استوى * هزّي إليك الجذع يجنيك الجنى
وكان ينبغي أن تقول: يجنك. وأنشدني بعضهم في الواو:
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا * من سبّ زبّان لم تهجو ولم تدع
والوجه الثالث: أن يكون الياء صلة لفتحة الشين؛ كما قال امرؤ القيس:
* ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي *
فهذه الياء ليست بلام الفعل؛ هي صلة لكسرة اللام؛ كما توصل القوافي بإعراب رويّها؛ مثل قول الأعشى:
* بانت سعاد وأمسى حبلها انقطاعا *
وقول الآخر:
* أمن أمّ أوفى دمنةٌ لم تكلمي *
وقد يكون جزم الثاني إذا كانت فيه (لا) على نيّة النهي وفيه معنىً من الجزاء؛ كما كان في قوله: {ولنحمل خطاياكم} طرف من الجزاء وهو أمر.
فمن ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده} المعنى والله أعلم: إن؟ تدخلن حطّمتنّ، وهو نهي محض؛ لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة؛ ألا ترى أنك لا تقول: إن تضربني أضربنّك إلا في ضرورة شعر؛ كقوله:

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم * ومهما تشأ منه فزارة تمنعا). [معاني القرآن: 1/157-162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما لنا ألاّ نقاتل...}
جاءت (أن) في موضع، وأسقطت من آخر؛ فقال في موضع آخر: {وما لكم لا تؤمنون بالله والرّسول يدعوكم}، وقال في موضع آخر: {وما لنا ألاّ نتوكّل على الله} فمن ألقى (أن) فالكلمة على جهة العربيّة التي لا علة فيها، والفعل في موضع نصب؛ كقول الله - عزّ وجل -: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} وكقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} فهذا وجه الكلام في قولك: مالك؟ وما بالك؟ وما شأنك: أن تنصب فعلها إذا كان اسما، وترفعه إذا كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ كقول الشاعر:
* مالك ترغين ولا ترغو الخلف *
الخلفة: التي في بطنها ولدها.
وأما إذا قال (أن) فإنه مما ذهب إلى المعنى الذي يحتمل دخول (أن)؛ ألا ترى أن قولك للرجل: مالك لا تصلي في الجماعة؟ بمعنى: ما يمنعك أن تصلي، فأدخلت (أن) في (مالك) إذ وافق معناها معنى المنع والدليل على ذلك قول الله عزّ وجلّ: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} وفي موضع آخر: {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} وقصة إبليس واحدة، فقال فيه بلفظين ومعناهما واحد وإن اختلفا. ومثله ما حمل على معنى هو مخالف لصاحبه في اللفظ قول الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت * ألا هل أخو عيشٍ لذيذ بدائم
فأدخل الباء في (هل) وهي استفهام، وإنما تدخل الباء في ما الجحد؛ كقولك: ما أنت بقائل. فلمّا كانت النيّة في (هل) يراد بها الجحد أدخلت لها الباء.
ومثله قوله في قراءة عبد الله "كيف يكون للمشركين عهدٌ": ليس للمشركين. وكذلك قول الشاعر:

فاذهب فأيّ فتىً في الناس أحرزه * من يومه ظلمٌ دعج ولا جبل
(رد عليه بلا) كأن معنى أي فتى في الناس أحرزه معناه: ليس يحرز الفتى من يومه ظلم دعج ولا جبل.
وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: أين كنت لتنجو مني! لأن المعنى: ما كنت لتنجو مني، فأدخل اللام في (أين) لأن معناها جحد: ما كنت لتنجو مني.
وقال الشاعر:

فهذي سيوف يا صديّ بن مالك * كثير ولكن أين بالسيف ضارب
أراد: ليس بالسيف ضارب، ولو لم يرد (ليس) لم يجز الكلمة؛ لأن الباء من صلة (ضارب) ولا تقدّم صلة اسم قبله؛ ألا ترى أنك لا تقول: ضربت بالجارية كفيلا، حتى تقول: ضربت كفيلا بالجارية.
وجاز أن تقول: ليس بالجارية كفيل؛ لأن (ليس) نظيرة لـ (ما)؛ لأنها لا ينبغي لها أن ترفع الاسم كما أن (ما) لا ترفعه.

وقال الكسائي في إدخالهم (أن) في (مالك): هو بمنزلة قوله: "مالكم في ألا تقاتلوا" ولو كان ذلك على ما قال لجاز في الكلام أن تقول: مالك أن قمت، ومالك أنك قائم؛ لأنك تقول: في قيامك، ماضيا ومستقبلا، وذلك غير جائز؛ لأن المنع إنما يأتي بالاستقبال؛ تقول: منعتك أن تقوم، ولا تقول: منعتك أن قمت. فلذلك جاءت في (مالك) في المستقبل ولم تأت في دائم ولا ماض فذلك شاهد على اتفاق معنى مالك وما منعك.
وقد قال بعض النحويين: هي مما أضمرت فيه الواو، حذفت من نحو قولك في الكلام: مالك ولأن تذهب إلى فلان؟ فألقى الواو منها؛ لأن (أن) حرف ليس بمتمكن في الأسماء.

فيقال: أتجيز أن أقول: مالك أن تقوم، ولا أجيز: مالك القيام [فقال]: لأن القيام اسم صحيح و(أن) اسم ليس بالصحيح. واحتجّ بقول العرب: إياك أن تتكلم، وزعم أن المعنى إياك وأن تتكلم.
فردّ ذلك عليه أن العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق، فلو كانت الواو مضمرة في (أن) لم يجز لما بعد الواو من الأفاعيل أن تقع على ما قبلها؛ ألا ترى أنه غير جائز أن تقول: ضربتك بالجارية وأنت كفيل، تريد: وأنت كفيل بالجارية، وأنك تقول: رأيتك وإيّانا تريد، ولا يجوز رأيتك إيّانا وتريد؛ قال الشاعر:

فبح بالسرائر في أهلها * وإيّاك في غيرهم أن تبوحا
فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (في غيرهم)، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو في (أن) لا يجوز.
وأمّا قول الشاعر: * فإياك المحاين أن تحينا *
فإنه حذّره فقال: إياك، ثم نوى الوقفة، ثم استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحاين، ولو أراد مثل قوله: (إيّاك والباطل) لم يجز إلقاء الواو؛ لأنه اسم أتبع اسما في نصبه، فكان بمنزلة قوله في [غير] الأمر: أنت ورأيك وكلّ ثوب وثمنه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كلّ ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز: (إيّاك الباطل) وأنت تريد: إيّاك والباطل). [معاني القرآن: 1/163-166]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الملإ من بني إسرائيل}: وجوههم، وأشرافهم، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجعوا من بدر سمع رجلاً من الأنصار يقول: إنما قتلنا عجائز صلعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أولئك الملأ من قريشٍ لو احتضرت فعالهم))، أي: حضرت، احتقرت فعالك مع فعالهم). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هل عسيتم}: هل تعدون أن تفعلوا ذلك). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لّهم ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً مّنهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}
قال: {وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} فـ{أن} ههنا زائدة كما زيدت بعد "فلما" و"لما" و"لو" فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه "ومالنا لا نقاتل" فأعمل "أن" وهي زائدة كما قال: "ما أتاني من أحدٍ" فأعمل "من" وهي زائدة قال الفرزدق:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها = إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا
المعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوب. و"لا" زائدة وأعملها). [معاني القرآن: 1/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الملأ من بني إسرائيل}: وجوههم وأشرافهم). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلا منهم واللّه عليم بالظّالمين}
{الملأ}: أشراف القوم ووجوههم، ويروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز ضلعا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أولئك الملاء من قريش، لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك))،
والملأ في اللغة: الخلق، يقال أحسنوا ملأكم، أي: أخلاقكم قال الشاعر:

تنادوا يآل بهثة إذ رأونا... فقلنا أحسني ملأ جهينا
أي: خلقا، ويقال: أحسني ممالأة أي معاونة، ويقال رجل مليء - مهموز - أي: بين الملآء يا هذا - وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد.
فالملأ الرؤساء إنما سمّوا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم. والملأ الذي في الخلق، إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه، والملا: المتسع من الأرض غير مهموز، يكتب بالألف - والياء في قول قوم - وأما البصريون فيكتبون بالألف، قال الشاعر في الملا المقصور الذي يدل على المتسع من الأرض:
ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا
وقوله عزّ وجلّ: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه}.
الجزم في {نقاتل في سبيل اللّه} الوجه على الجواب للمسألة الّتي في لفظ الأمر، أي: ابعث لنا - ملكا نقاتل، أي: إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، ومن قرأ " ملكا يقاتل " بالياء، فهو على صفة الملك ولكن نقاتل هو الوجه الذي عليه القراء، والرفع فيه بعيد، يجوز على معنى فإنا نقاتل في سبيل الله، وكثير من النّحوّيين، لا يجيز الرفع في نقاتل. -
وقوله عزّ وجلّ: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا} أي: لعلكم أن تجبنبوا عن القتال،
وقرأ بعضهم: هل عسيتم بكسر السين إن كتب عليكم القتال، وهي قراءة نافع،
وأهل اللغة كلهم يقولون عسيت أن أفعل ويختارونه، وموضع {ألّا تقاتلوا} نصب أعني موضع " أن " لأن (أنّ) وما عملت فيه كالمصدر، إذا قلت عسيت أن أفعل ذاك فكأنك قلت عسيت فعل ذلك.

وقوله عزّ وجلّ: {قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه}.
زعم - أبو الحسن الأخفش أن " أن " ههنا زائدة - قال: المعنى وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه،
وقال غيره: وما لنا في ألا نقاتل في سبيل اللّه
وأسقط " في "
وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن" لأنّ " ما " معناه ما يمنعنا فلذلك دخلت " أن " لأن الكلام ما لك تفعل كذا وكذا.

والقول الصحيح عندي: أنّ " أن " لا تلغى ههنا، وأن المعنى وأي شي لنا في أن لا نقاتل في سبيل اللّه، أي: أي شيء لنا في ترك القتال.
{وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}
ومعني {وأبنائنا} أي: سبيت ذرارينا.

ولكنّ " في " سقطت مع " أن " لأن الفعل مستعمل مع أن دالا على وقت معلوم،
فيجوز مع " أن " يحذف حرف الجر كما تقول: هربت أن أقول لك كذا وكذا، تريد هربت أن أقول لك كذا وكذا.

وقوله عزّ وجلّ؛ {تولّوا إلّا قليلا منهم}
{قليلا} منصوب على الاستثناء، فأما - من روى " تولوا إلا قليل منهم " فلا أعرف هذه القراءة، ولا لها عندي وجه، لأن المصحف على النصب والنحو يوجبها، لأن الاستثناء - إذا كان أول الكلام إيجابا - نحو قولك جاءني القوم إلا زيدا - فليس في زيد المستثنى إلا النصب - والمعنى تولوا أستثني قليلا منهم - وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى " فشربوا منه إلا قليل منهم " وهذا عندي ما لا وجه له). [معاني القرآن: 1/325-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى}
قال مجاهد: هم الذين قال الله فيهم {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم}
قال الضحاك: وأما قوله: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الإيمان وسلط على بني إسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا فقالوا: {أنى يكون له الملك علينا} لأن الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الإنكار). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الملا}: الرؤساء من الناس). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الملأ من بني إسرائيل} وجوههم وأشرافهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بسطةً في العلم والجسم} أي: زيادة، وفضلاً وكثرة.
{إنّ في ذلك لآياتٍ}: علامات، وحججاً). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وزاده بسطة في العلم والجسم}: يقال فلان بسيط اللسان). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وزاده بسطةً في العلم والجسم} أي: سعة في العلم والجسم. وهو من قولك: بسطت الشيء، إذا كان مجموعا: ففتحته ووسعته). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع عليم} أي: قد أجابكم إلى ما سألتم. من بعث ملك يقاتل، وتقاتلون معه وطالوت وجالوت وداود. لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان - التعريف والعجمة، وأما جاموس فلو سميت به رجلا لانصرف، وإن كان عجميا لأنه قد تمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام، فتقول الجاموس والراقود.
فعلى هذا (قياس جميع) الباب.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: من أي جهة يكون ذلك.
{ولم يؤت سعة من المال} أي: لم يؤت ما تتملّك به الملوك.
فأعلمهم اللّه أنه {اصطفاه} ومعناه: اختاره، وهو " افتعل " من الصفوة.
والأصل: اصتفاه فالتاء إذا وقعت بعد الصاد أبدلت طاء لأن التاء من مخرج الطاء، والطاء مطبقة، كما أن الصاد مطبقة، فأبدلوا الطاء من التاء، ليسهل النطق بما بعد الصاد، وكذلك افتعل من الضرب: اضطرب، ومن الظلم اظطلم، ويجوز في اظطلم وجهان آخران:
1- يجوز اطّلم بطاء مشددة غير معجمة
2- واظّلم بظاء مشددة قال زهير:

هو الجواد الذي يعطيك نائله... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
و " فيطّلم " و " فيظّلم ".
أعلمهم الله أنه اختاره، وأنه قد زيد في العلم والجسم بسطة، وأعلمهم أن العلم أهو، الذي به يجب أن يقع الاختيار ليس أن اللّه - جلّ وعزّ -:
لا يملك إلا ذا مال، وأعلم أن الزيادة في الجسم مما يهب به العدو، وأعلمهم أنه يؤتي ملكه من يشاء، وهو جلّ وعزّ لا يشاء إلا ما هو الحكمة والعدل.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه واسع عليم}أي: يوسع على من يشاء ويعلم أين ينبغي أن تكون السعة). [معاني القرآن: 1/327-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بسطة} أي: سعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَسْطَـــةً}: في اللسان والعلم بالحرب). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ مّن رّبّكم وبقيّةٌ مّمّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لّكم إن كنتم مّؤمنين}
قال: {فيه سكينةٌ مّن رّبّكم}. و"السّكينة" هي: الوقار.
وأما الحديد فهو: "السّكّين، مشدد الكاف.
وقال بعضهم: "هي السّكّين" مثلها في التشديد إلا أنّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قشير يقولون: "سخّين" للسكين وقال: {وآتت كلّ واحدةٍ مّنهنّ سكّيناً}).
[معاني القرآن: 1/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إنّ آية ملكه} أي: علامة ملكه.
{فيه سكينةٌ} السّكينة فعيلة: من السكون.
{وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون}، يقال: شيء من المنّ الذي كان ينزل عليهم، وشيء من رضاض الألواح). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينة من ربّكم وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}أي: علامة تمليك اللّه إياه {أن يأتيكم التّابوت}.
وموضع (أن) رفع المعنى: إن آية ملكه إتيان التابوت أتاكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فيه سكينة من ربّكم}أي: فيه ما تسكنون به إذا أتاكم، وقيل في التفسير إن السكينة لها رأس كرأس الهر من زبرجد أو ياقوت، ولها جناحان.
وقوله عزّ وجلّ: {وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون}.
قيل في تفسيره: البقية رضاض الألواح وأن التوراة فيه وكتاب آخر جمع التوراة وعصا موسى. فهذا ما روي مما فيه، والظاهر، أن فيه (بقية) جائز أن يكون بقية من شيء من علامات الأنبياء، وجائز أن يكون البقية من العلم، وجائز أن يتضمنها جميعا.
والفائدة - كانت - في هذا التابوت أن الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - كانت تستفتح به في الحروب، فكان التابوت يكون بين أيديهم فإذا سمع من جوفه أنين دف التابوت أي سار والجميع خلفه - واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
وروي في التفسير: أنه كان من خشب الشمشار وكان قد غلب جالوت وأصحابه عليه فنزلهم بسببه داء، قيل هو الناسور الذي يكون في العنب فعلموا أن الآفة بسببه نزلت، فوضعوه على ثورين فيما يقال،
وقيل معنى {تحمله الملائكة}: إنها كانت تسوق الثورين.
وجائز أن يقال في اللغة: تحمله الملائكة، وإنما كانت تسوق ما يحمله، كما تقول حملت متاعي إلى مكة، أي كنت سببا لحمله إلى مكة.

ومعنى {إنّ في ذلك لآية لكم}أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله ملك طالوت عليكم إذ أنبأكم في قصته بغيب.
{إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/329-330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي بعد ريح هفافة.
وروى خالد بن عرعرة عن علي قال: أرسل الله السكينة إلى إبراهيم وهي ريح خجوج لها رأس.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فإذا التقى الجمعان أخرجت يدها ونظرت إليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب.
وقال الضحاك: السكينة الرحمة والبقية القتال.
وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الأنبياء.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} قال: عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة.
وقال أبو مالك: السكينة طست من ذهب ألقى فيها موسى الألواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الألواح التي كتب فيها التوراة.
وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن أبيه قال: قال مجاهد: أما السكينة فما تعرفون من الآيات التي تسكنون إليها قال والبقية العلم والتوراة.
وقال أبو جعفر: وهذا القول من أحسنها وأجمعها لأن السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون إليها.
وبين معنى تحمله الملائكة أنه روي إن جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فابتلاهم الله بالناسور فعلموا أنه من أجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم حملت متاعي إلى موضع كذا
ثم قال تعالى: {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: إن في رد التابوت بعد أن أخذه عدوكم لآية لكم إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/249-252]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {والسكينة} فعيلة من السكون: وهو ما تسكن إليه النفس إذا رأته.
{وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} يقال: هي شيء من المن الذي كان ينزل، وشيء من رضاض، الألواح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فشربوا منه إلاّ قليلاً مّنهم...}
وفي إحدى القراءتين: "إلا قليلٌ منهم".
والوجه في (إلاّ) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فيه، فإذا كان ما قبل إلاّ فيه جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها؛ معرفة كان أو نكرة.
فأمّا المعرفة: فقولك ما ذهب الناس إلا زيد.
وأمّا النكرة: فقولك ما فيها أحدٌ إلاّ غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد إلا ما قبلها.
وقال الله تبارك تعالى: {ما فعلوه إلاّ قليل منهم} لأن في {فعلوه} اسما معرفة، فكان الرفع الوجه في الجحد الذي ينفي الفعل عنهم، ويثبته لما بعد إلاّ.
وهي في قراءة أبيّ "ما فعلوه إلا قليلا" كأنه نفى الفعل وجعل ما بعد إلاّ كالمنقطع عن أوّل الكلام؛ كقولك: ما قام القوم، اللهم إلاّ رجلا.

فإذا نويت الانقطاع نصبت وإذا نويت الاتّصال رفعت.
ومثله قوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} فهذا على هذا المعنى،
ومثله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض} ثم قال: {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} فأوّل الكلام - وإن كان استفهاما - جحد؛ لأن لولا بمنزلة هلاّ؛ ألا ترى أنك إذا قلت للرجل: (هلاّ قمت) أنّ معناه: لم تقم. ولو كان ما بعد (إلاّ) في هاتين الآيتين رفعا على نيّة الوصل لكان صوابا؛
مثل قوله: {لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا} فهذا نيّة وصل؛ لأنه غير جائز أن يوقف على ما قبل (إلا).

وإذا لم تر قبل (إلا) اسما فأعمل ما قبلها فيما بعدها فتقول: (ما قام إلا زيد) رفعت (زيدا) لإعمالك (قام)؛ إذ لم تجد (قام) اسما بعدها، وكذلك: ما ضربت إلا أخاك، وما مررت إلا بأخيك.
وإذا كان الذي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد إلا ما قبلها؛ كقولك: ما عندي أحد إلاّ أخوك فإن قدّمت إلاّ نصبت الذي كنت ترفعه؛ فقلت: ما أتاني ألا أخوك أحد. وذلك أن (إلاّ) كانت مسوقة على ما قبلها فاتّبعه، فلما قدّمت فمنع أن يتبع شيئا هو بعدها فاختاروا الاستثناء.
ومثله قول الشاعر:

لميّة موحشاً طللٌ * يلوح كأنه خلل
المعنى: لمية طلل موحش، فصلح رفعه لأنه أتبع الطلل، فلمّا قدّم لم يجز أن يتبع الطلل وهو قبله.
وقد يجوز رفعه عل أن تجعله كالاسم يكون الطلل ترجمة عنه؛ كما تقول: عندي خراسانيّةٌ جاريةٌ، والوجه النصب في خراسانية. ومن العرب من يرفع ما تقدّم في إلاّ على هذا التفسير. قال: وأنشدونا:

بالثنى أسفل من جمّاء ليس له * إلاّ بنيه وإلا عرسه شيع
وينشد: إلا بنوه وإلاّ عرسه. وأنشد أبو ثروان:
ما كان منذ تركنا أهل أسمنةٍ * إلا الوجيف لها رعىٌ ولا علف
ورفع غيره.
وقال ذو الرّمة:

مقزّعٌ أطلس الأطمار ليس له * إلا الضراء وإلا صيدها نشب
ورفعه على أنه بنى كلامه على: ليس له إلا الضراء وإلا صيدها، ثم ذكر في آخر الكلام (نشب) ويبيّنه أن تجعل موضعه في أوّل الكلام.
{كم مّن فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةًً} وفي قراءة أبيّ "كأيّن من فئةٍ قليلة غلبت" وهما لغتان.
وكذلك {وكأيّن من نبي} هي لغات: كلّها معناهنّ معنى كم. فإذا ألقيت (من) كان في الاسم النكرة النصب والخفض.
من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رأيت، وكم جيشا جرّارا قد هزمت. فهذان وجهان، ينصبان ويخفضان والفعل في المعنى واقع. فإن كان الفعل ليس بواقع وكان للاسم جاز النصب أيضا
والخفض. وجاز أن تعمل الفعل فترفع به النكرة، فتقول: كم رجلٌ كريمٌ قد أتاني، ترفعه بفعله، وتعمل فيه الفعل إن كان واقعا عليه؛ فتقول: كم جيشا جرّارا قد هزمت، نصبته بهزمت. وأنشدوا قول الشاعر:
كم عمّة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام، وما بعدها من النكرة مفسّر كتفسير العدد، فتركناها في الخبر على جهتها وما كانت عليه في الاستفهام؛ فنصبنا ما بعد (كم) من النكرات؛ كما تقول: عندي كذا وكذا درهما، ومن خفض قال: طالت صحبة من للنكرة في كم، فلمّا حذفناها أعملنا إرادتها، فخفضنا، كما قالت العرب إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك الله، فخفض، يريد: بخير. وأمّا من رفع فأعمل الفعل الآخر، [و] نوى تقديم الفعل كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم.
وقال امرؤ القيس:

تبوص وكم من دونها من مفازةٍ * وكم أرض جدب دونها ولصوص
فرفع على نيّة تقديم الفعل. وإنما جعلت الفعل مقدّما في النية لأن النكرات لا تسبق أفاعيلها؛ ألا ترى أنك تقول: ما عندي شيء، ولا تقول ما شيء عندي). [معاني القرآن: 1/166-169]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مبتليكم بنهرٍ}: مختبركم.
{غرفةً} الغرفة مصدر، والغرفة: ملء الكف.
{يظنّون أنّهم ملاقوا الله} يوقنون.
{فئةٍ}: جماعة). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يظنون أنهم ملاقو الله}: يستيقنون.
{الفئة}: الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مبتليكم بنهرٍ} أي: مختبركم.
{قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: يعلمون {كم من فئةٍ} الفئة: الجماعة). [تفسير غريب القرآن:92-93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلّا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلّا قليلا منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}
{إنّ اللّه مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم وممتحنكم بنهر، وهذا لا يجوز أن يقوله إلا نبي، لأن اللّه عزّ وجلّ قال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلّا من ارتضى من رسول} ومعنى الاختبار بهذا النهر: كان ليعلم طالوت من له نيّة القتال معه ومن ليست له نيّة. فقال: {فمن شرب منه فليس مني} أي: ليس من أصحابي ولا ممن تبعني، ومن لم يطعمه.
{ومن لم يطعمه فإنه منّي} أي: لم يتطعم به.
{إلّا من اغترف غرفة بيده}، غرفة وغرفة قرئ بهما جميعا فمن قال غرفة كان معناه غرفة واحدة باليد.
ومن قال غرفة كان معناه مقدار ملء اليد.
ومعنى {فشربوا منه إلا قليلا منهم}: شربوا منه ليرجعوا عن الحرب، لأنه قد أعلمهم ذلك.
وذكر في التفسير: أن القليل الذين لم يشربوا كان عدتهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كعدد أهل بدر.
وقوله عزّ وجلّ؛ {فلمّا جاوزه} أي: جاوز النهر هو والّذين معه.
قيل لما رأوا قلتهم، قال بعضهم لبعض: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} أي: لا قوة، يقال أطقت الشيء إطاقة وطوقا، مثل أطعت طاعة وإطاعة وطوعا.
وقوله عزّ وجلّ: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} قيل فيه قولان:
1- قال بعضهم وهو مذهب أهل اللغة - قال الذين يوقنون أنهم ملاقو اللّه قالوا ولو كانوا شاكين لكانوا ضلالا كافرين وظننت في اللغة بمعنى أيقنت موجود.

قال الشاعر - وهو دريد:
فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أي أيقنوا.
2- وقال أهل التفسير: معنى {يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: أنهم كانوا يتوهمون أنهم في هذه الموقعة يقتلون في سبيل الله لقلّة عددهم، وعظم عدد عدوهم وهم أصحاب جالوت.
وقوله عزّ وجلّ: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه} أي: كم من فرقة، وإنما قيل للفرقة فئة - من قولهم فأوت رأسه بالعصا.
وفأيت إذا شققته، فالفئة الفرقة من هذا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه مع الصّابرين} أي: أن اللّه ينصر الصّابرين، إذا صبروا على طاعته، وما يزلف عنده). [معاني القرآن: 1/330-332]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل.
قال عكرمة وقتادة: هو نهر بين الأردن وفلسطين.
وقال قتادة: كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
قال أبو جعفر: الغرفة في اللغة: ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة.
ومعنى {فإنه مني}: فإنه من أصحابي
وحكى سيبويه أنت مني فرسخين
ثم قال تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم}
روى أبو إسحاق عن البراء كنا نتحدث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه إلا مؤمن فلما جازوه يعني النهر ورأوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله} أي: يوقنون
وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم
و{الفئة}: الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته). [معاني القرآن: 1/252-254]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطاقة: القوة). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مبتليكم بنهر} مختبركم وممتحنكم به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَظُنُّونَ}: يوقنون.
{فِئَةٍ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفرغ علينا صبراً}: أنزل علينا). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أفرغ علينا صبرا}: أنزل والإفراغ الصب. يقال أفرغ عليك الماء وأفرغ عليك الكوز). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أفرغ علينا صبراً} أي: صبّه علينا، كما يفرغ الدّلو). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
{ربّنا أفرغ علينا صبرا} أي: أصبب علينا الصبر صبّا، كما تقول: أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه). [معاني القرآن: 1/332]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَفْرِغْ}: صُبَّ). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين}
قال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} فنصبت {النّاس} على إيقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم {بعضهم} للتفسير). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فهزموهم بإذن اللّه وقتل داوود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضل على العالمين}
{فهزموهم بإذن اللّه}معناه: كسروهم وردوهم،
وأصل الهزم في اللغة: كسر الشيء، وثنى بعضه على بعض، يقال سقاء مهزوم، إذا كان بعضه قد ثنى على بعض مع جفاف، وقصب متهزّم، ومهزوم، قد كسر وشقق، والعرب تقول هزمت على زيد أي عطفت عليه.

قال الشاعر:
هزمت عليك اليوم يا بنت مالك... فجودي علينا بالنوال وأنعمي
ويقال: سمعت هزمة الرعد
قال الأصمعي: كأنه صوت فيه تشقق: وقوله عزّ وجلّ: {وآتاه اللّه الملك والحكمة} أي: آتى داود - عليه السلام - الملك لأنه ملك بعد قتله جالوت وأوتي العلم.
ومعنى {وعلّمه ممّا يشاء}: قيل ممّا علّمه عمل الدروع، ومنطق الطير.
وقوله عزّ وجلّ: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} أي: لولا ما أمر الله به المسلمين من حرب الكافرين لفسدت الأرض وقيل أيضا: لولا دفع اللّه الكافرين بالمسلمين لكثر الكفر فنزلت بالناس السخطة واستؤصل أهل الأرض.
ويجوز {ولولا دفع اللّه}، ولولا دفاع اللّه.
ونصب {بعضهم} بدلا من الناس، المعنى: ولولا دفع اللّه بعض الناس ببعض، و (دفع) مرفوع بالابتداء، وقد فسرنا هذا فيما مضى). [معاني القرآن: 1/332-333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({فهزموهم} أي: كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم إذا كان منثنيا جافا). [معاني القرآن: 1/254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يقول لولا دفع الله بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
قال أبو جعفر: وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير، أي: لولا أن الله يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم.
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لعم الكفر فأهلك جميع الناس
وذا راجع إلى الأول
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لكان إفسادهم على المسلمين أكثر
ويقرأ {ولولا دفاع الله}
حكى أبو حاتم أن العرب تقول: أحسن الله عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشيء). [معاني القرآن: 1/255-256]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين} أي: هذه الآيات التي أنبأت بها وأنبئت، آيات الله، أي: علاماته التي تدل على توحيده، وتثبيت رسالات أنبيائه، إذ كان يعجز عن الإتيان بمثلها المخلقون.
وقوله عزّ وجل: {وإنّك لمن المرسلين} أي: وأنت من هؤلاء الذين قصصت آياتهم، لأنك قد أعطيت من الآيات مثل الذي أعطوا وزدت على ما أعطوا.
ونحن نبين ذلك في الآية التي تليها إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/333]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة