سورة الزمر
[ من الآية (8) إلى الآية (10) ]
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)} قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ليضل عن سبيله} بفتح الياء أي ليضل هو وحجتهما قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله}
[حجة القراءات: 619]
وقرأ الباقون {ليضل} بضم الياء أي ليضل غيره وإنّما وصفه بالإضلال لأن الّذي اخبر الله عنه ذلك قد ثبت له أنه ضال بقوله {وجعل لله أندادا} فلم يكن لإعادة الوصف له بالضلال معنى وكان صفته بإضلال النّاس يزيد الكلام فائدة لم تكن وصف بها فكان ذلك ابلغ في ذمه مع ما تقدم من كفرهم). [حجة القراءات: 620]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [آية/ 8] بفتح الياء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب -يس-.
وقرأ الباقون ويعقوب -ح- {لِيُضِلَّ} بضم الياء.
[الموضح: 1111]
وقد سبق الكلام عليه في سورة الأنعام). [الموضح: 1112]
قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل)
قرأ ابن كثير ونافع وحمزة، (أمن هو قانتٌ)، بتخفيف الميم. وقرأ الباقون (أمّن هو قانتٌ) بتشديد الميم.
قال أبو منصور: من قرأ (أمن) بتخفيف الميم فله وجهان:
أحدهما: أمن قانتٌ، كهذا الذي ذكرنا ممّن جعل لله أندادًا، ويجوز فيه معنىً آخر، وهو: بل أمن هو قانتٌ كغيره، أي: أمن هو مطيع كمن هو عاصٍ.
وهذا كله قول أبي إسحاق النحوي.
[معاني القراءات وعللها: 2/335]
وقال الفرّاء: من قرأ (أمن هو قانت) مخففًا فمعناه: يا من هو قانت.
قال: والعرب تدعو بألف كما يدعو بياء، فيقولون: يا زيد أقبل، أزيد أقبل.
وأنشد:
أبني لبينى لستما بيدٍ... إلاّ يداً ليست لها عضد
أراد: يا بني لبينى.
قال: وهو كثير في الشعر.
قال الفرّاء: فيكون المعنى مردودًا بالدعاء كالمنسوق؛ لأنه ذكر الناسي الكافر ثم قصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول في كلام: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم ويصلي أبشر.
فهذا هو معناه والله أعلم.
قال: وقد يكون الألف استفهامًا بتأويل (أم)؛ لأن العرب قد تضع (أم) في موضع الألف إذا سبقها كلام.
قال: ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف.
وهو الوجه. فإن قال قائل: فأين جواب (أمّن هو قانتٌ) فقد تبين في سياق الكلام أنه مضمر قد جرى معناه في أول الكلمة إذ ذكر الضال ثم المهتدي بالاستفهام، فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا؟، أو: هذا أفضل أم هذا؟.
ومثل هذا كثير في القرآن، وفي كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 2/336]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي أمن هو قانت [الزمر/ 9] مشددة الميم.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة أمن هو قانت خفيفة الميم.
من قال: أم من هو قانت احتمل قراءته ضربين: أحدهما أن تكون الجملة التي عادلت أم قد حذفت، المعنى: أالجاحد الكافر بربه خير أم من هو قانت، ومن* موصولة، وليست باستفهام، المعنى: أالجاحد الكافر خير أم الذي هو قانت، ودلّ على الجملة المحذوفة المعادلة لأم ما جاء بعده من قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] ودلّ عليها أيضا ما قبل من قوله: قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [الزمر/ 8] ومثل حذف هذه الجملة المعادلة لأم للدلالة عليها من الفحوى قوله: وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار؟ [ص/ 62، 63] فالمعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، ومثله قوله: فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين [النحل/ 20] وقد تقدّم ذكر ذلك، فأمّا من خفّف وقال: أمن هو
[الحجة للقراء السبعة: 6/92]
قانت فالمعنى: أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه للنداء هاهنا، لأنّ هذا موضع معادلة فليس النداء مما يقع في هذا الموضع، إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون إخبارا، وليس النداء كذلك، ويدلّ على المحذوف هنا قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] لأنّ التسوية لا تكون بين شيئين وفي جملتين في الخبر، فالمعنى: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله.
وقال أبو الحسن في قراءة من قرأ: أمن هو قانت بالتخفيف، ذا ضعيف، لأنّ الاستفهام إنّما يبتدأ ما بعده ولا يحمل على ما قبل الاستفهام. وذا الكلام ليس قبله شيء يحمل عليه إلّا في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 6/93]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أم من هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} 9
قرأ نافع وابن كثير وحمزة {آمن} خفيفة الميم وقرأ الباقون بالتّشديد والجملة الّتي قد عادلت أم قد حذفت
المعنى الجاحد الكافر بربه خير أم من هو قانت ويجوز أن يكون التّقدير أأصحاب النّار خير أم من هو قانت ويدل على الجملة المحذوفة المعادلة ل {أم} ما جاء بعد من قوله {قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون} وفيه وجه آخر ذكره الزّجاج قال من قرأ {آمن} بالتّشديد فمعناه بل أمن هو قانت كغيره أي أم من هو مطيع كمن هو عاص ويكون على هذا الخبر محذوفا لدلالة الكلام عليه كقوله {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} {أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب} ومن قرأ {آمن} بالتّخفيف فإن
[حجة القراءات: 620]
معناه يا من هو قانت والعرب تنادي بالألف كما تنادي بياء فتقول يا زيد أقبل وأزيد أقبل قال الشّاعر
أبني لبيني لستم بيد ... إلّا يد ليست لها عضد
أراد يا بني لبينى قال الفراء فيكون المعنى مردودا بالدّعاء كالمنسوق لأنّه ذكر النّاسي الكافر ثمّ قصّ قصّة الصّالح بالنداء كما تقول في الكلام فلان لا يصوم ولا يصلّي فيا من يصوم ويصلي أبشر هذا هو معناه فكذلك قوله {أم من هو قانت} أي يا من هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائمًا أبشر وفيه وجه آخر يجوز أن تكون الألف في أمن ألف استفهام المعنى أمن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائمًا كغيره فكف عن الجواب وقال الزّجاج {آمن} بالتّخفيف تأويله أمن هو قانت كهذا الّذي ذكرنا ممّن جعل الله أندادا). [حجة القراءات: 621]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {أمن هو قانت} قرأ الحرميان وحمزة بالتخفيف، وشدد الباقون.
وحجة من شدد أنه أدخل «أم» على «من» وأضمر استفهامًا معادلًا لـ «أم» تقديره: الجاحدون بربهم خير أم الذي هو قانت، و«من» بمعنى «الذي» ليست باستفهام، ودل على هذا الحرف دخول «أم» وحاجتها إلى معادل لها، ودل عليها أيضًا قوله: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
4- وحجة من خففه أنه جعله نداء، فالألف للنداء، ودليله قوله: {هل يستوي} ناداه، شبهه بالنداء، ثم أمره، ويحسن أن تكون الألف للاستفهام، على أن تضمر معادلًا للألف في آخر الكلام، تقديره: أمن هو قانت كمن هو بخلاف ذلك، ودل عليه قوله: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ولابد من هذا الإضمار؛ لأن التسوية تحتاج إلى اثنين، وإلى جملتين، والقراءتان متقاربتان حسنتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/237]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ} [آية/ 9] بتخفيف الميم:-
قرأها ابن كثير ونافع وحمزة.
والوجه أن الألف للاستفهام، و{مَنْ} موصولة بمعنى الذي، و{هُوَ قَانِتٌ} صلتها، والتقدير: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادًا، وليس للنداء ههنا موضع.
وقرأ الباقون {أَمْ مَنْ} بتشديد الميم.
والوجه أنها {أَمْ} دخلت على {مَنْ} فأدغمت الميم في الميم فبقي {أَمْ مَنْ}، والجملة التي تعادل بها {أَمْ} محذوفة، والتقدير: أألكافر بربه خير أم من هو قانت؟ فحذفت الجملة، وأم تدل عليها، ويؤيد أن المقدر هو ما ذكرناه، قوله قبله {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} ). [الموضح: 1112]
قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- فصل:
والمشهور عن كل القراء في قوله: {يا عباد الذين آمنوا}، وقوله: {فبشر عباد * الذين} أنه بغير ياء في الوقف والوصل، على لفظ الوصل، وحذف الياء من النداء كثير، كما يحذف التنوين منه؛ لأن الياء تعاقب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/237]
التنوين، وأما قوله: {فبشر عباد الذين} فأصله أن يكون بالياء؛ لأنه ليس بمنادى، لكن لما حذفت الياء سكنت وأتت اللام بعدها ساكنة في الوصل أجري الوقف على ذلك، ولا يتعمد الوقف عليه، وقد روى الأعمش عن أبي بكر أنه فتح الياء في قوله: {قل يا عبادي الذين آمنوا} في الوصل، ووقف بغير ياء اتباعًا للخط، والمشهور عن أبي بكر في قوله: {فبشر عبادي الذين} أنهم قرؤوها بياء مفتوحة، ويقفون عليها بالياء، والذي قرأت به للجميع بالحذف في الحالن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/238] (م)