تفسير سورة يس
[ من الآية (1) إلى الآية (12) ]
{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}
قوله تعالى: {يس (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (يس (1) والقرآن الحكيم (2) )
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب
(يس) مفتوحة الياء - وقرأها حمزة ويحيى عن أبي بكر بين الفتح والكسر.
وكسرها الكسائي -
وقرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي (يس (1) والقرآن) و(ن والقلم) مدغمتي النون.
وروى الكسائي عن أبي بكر، وروى يحيى عن أبى بكر، (يس) مدغمة، و(ن) مظهرة.
وقرأ الباقون بإظهار النونين جميعًا.
قال أبو منصور: ما لغتان: إدغام النون، لإظهارها - فاقرأ كيف شئت).
والإمالة في ياء (يس) والتفخيم جائزان.
وروي عن الحسن أنه
[معاني القراءات وعللها: 2/303]
قال: (يس) معناه: يا رجل - وجاء في التفسير أن معنى يس: يا إنسان - وجاء: يا محمد.
والذي هو أصبح عند أهل اللغة والعربية أنه افتتاحٌ لسورة. وجاء أن معناه: القسم.
وقرأ بعضهم (يس والقرآن الحكيم) كأن المعنى فيه: اتل يس.
والقراءة بالتسكين؛ لأنه حرف هجاء وعليه القراء). [معاني القراءات وعللها: 2/304]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- وقوله تعالى: {يس} [1].
قرأ عاصم برواية أبي بكر والكسائي وابن عامر وورش: {يسو القرءان الحكيم} لا يثبتون النون عند الواو، لأن النون والتنوين إنما يظهران عند حروف الحلق.
والباقون يظهرون {يس} و(نون) فإنما أظهروا لأن (ياسين) كلمة منفردة عما بعدها، وكذلك حروف التهجي ينوي بها السكت والانقطاع عما بعده.
وكان حمزة يميل {يس} غير مفرط، والكسائي أشد إماله منها، وقد ذكرت ذلك فيما سلف من أن حروف الهجاء تمال وتفخم وتمد وتقصر وتذكر وتؤنث.
حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: قال الحسن {يس} معناه: يا رجل، وقال غيره: {يس} يا محمد وقال آخرون: {يس} افتتاح السورة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/228]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: يس [1] ونون* [القلم/ 1] نونهما ظاهرة.
الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: لا يبيّن النون.
الأعشى عن أبي بكر [عن عاصم]: يبيّن النون. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: لا يبيّن النون فيهما، وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم: يبيّن النون، والكسائي لا يبين النون.
وكان حمزة والكسائي: يميلان الياء في يس غير مفرطين.
وحمزة إلى الفتح أقرب من الكسائي في يس وقياس قول أبي بكر عن عاصم يس بالإمالة.
وكان ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو وابن عامر يقرءون يس مفتوحة الياء، نافع قراءته وسط من ذلك. وقال ورش، وقالون: الياء مفتوحة شيئا. وقال محمد بن إسحاق وابن
[الحجة للقراء السبعة: 6/34]
جمّاز: الياء مفتوحة والنون مبيّنة في السّورتين جميعا. وقال يعقوب بن جعفر [عن نافع]: النون فيهما غير مبيّنة.
قال أبو علي: من بين النون في يس فإنّما جاز ذلك، وإن كانت النون الساكنة تخفى مع حروف الفم ولا تبيّن، فإنّما بيّنه لأنّ هذه الحروف مبينة على الوقف، وممّا يدلّك على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين، كما يجتمعان في الكلم التي يوقف عليها، ولولا ذلك لم يجز فيها التبيين، فكما جاز فيها الجمع بين الساكنين من حيث كان التقدير فيهما الوقف، كذلك استجيز معها تبيين النون في الدّرج، لأنّ التقدير فيهما الوقف. فكما جاز التبيين في الوقف، كذلك جاز التبيين في هذه الحروف من حيث كان في تقدير الوقف.
وأمّا قول من لم يبين فلأنّه، وإن كان في تقدير الوقف، لم يقطع فيه همزة الوصل، وذلك قولهم: الم الله [آل عمران/ 1]. ألا ترى أنّهم حذفوا همزة الوصل، ولم يثبتوها كما لم يثبتوها مع غيرها من الكلم التي توصل؟ فلا يكون التقدير فيها الوقف عليها. وكذلك قالوا واحد اثنان، فحذفوا همزة الوصل، فكذلك لم يبين النون من لم يبين، لأنّها قد صارت في تقدير الوصل من حيث حذفت معها همزة الوصل، فإذا صار في تقدير الوصل، وجب أن لا تبين معها النون، كما
[الحجة للقراء السبعة: 6/35]
لم تبين مع سائر الكلم التي ليست بحروف هجاء، وأمّا القول في انتحاء فتحة الياء من يس نحو الكسرة فقد مضى القول فيه. وممّا يحسن إمالة الفتحة فيها نحو الكسرة أنّهم قالوا: يا زيد. في النداء، فأمالوا الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء، وإن كان قولهم يا* حرف على حرفين، والحروف التي على حرفين لا يمال منها شيء نحو لا، وما. فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء، فأن يميلوا الاسم الذي هويا* من يس أجدر. ألا ترى أنّ هذه الحروف أسماء لما يلفظ به ؟. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميلون). [الحجة للقراء السبعة: 6/36]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ: [يَاسِينَ والقُرْآنِ]، بفتح النون ابن أبي إسحاق -بخلاف- والثقفي.
وقرأ: [يَاسِينِ]، بكسر النون أبو السمال وابن ابي إسحاق، بخلاف.
وهارون عن أبي بكر الهُذَليّ عن الكلبي: [يَاسِينُ]، بالرفع. قال: فلقيت الكلبي فسألته، فقال: هي بلغة طيء: يا إنسان.
قال أبو الفتح: أما الكسر والفتح جميعا فكلاهما لالتقاء الساكنين؛ لأنه بنى الكلام على الإدراج، لا على وقف حروف المعجم؛ فحُرِّك فيه لذلك.
ومَن فتح هرب إلى خفة الفتحة لأجل ثقل الياء قبلها والكسرة.
ومن كسر جاء به على أصل حركة التقاء الساكنين. ونظيره قولهم: جَيْرِ، وهَيْتِ لك، وإيهِ وسيبويه وعَمْرَوَيْهِ، وبابهما.
ومَن ضم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون أيضا لالتقاء الساكنين، كحَوْبُ في الزجر، ونحن، وهَيْتُ لك.
والآخر أن يكون على ما ذهب إليه الكلبيّ، ورُوّينا فيه عن قطرب:
فَيَا لَيْتَنِي من بعدِ فَاطا وأهلِهَا ... هلكْتُ ولم أسمَعْ بِها صوتَ إيسانِ
[المحتسب: 2/203]
ورواه أيضا: من بعد ما طاف أهلها، وقال: معناه صوت إنسان.
ويحتمل ذلك عندي وجها آخر ثالثا، وهو أن يكون أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، "فيا" فيه الآن حرف نداء، كقولك: يا رجل. ونظير حذف بعض الاسم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى "بالسيف شا"، أي: شاهدا، فحذف العين واللام. وكذلك حذف من إنسان الفاء والعين، غير أنه جعل ما بقي منه اسما قائما برأسه، وهو السين، فقيل: ياسين، كقولك: لو قست عليه في نداء زيد: يا دال. ويؤكد ذلك ما ذهب إليه ابن عباس في "حم عسق" ونحوه أنها حروف من جملة أسماء الله "عز وجل"، وهي: رحيم، وعليم، وسميع، وقدير. ونحو ذلك. وشبيه به قوله:
قُلْنا لها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ
أي: وقفَتْ، فاكتفت بالحرف منه الكلمة). [المحتسب: 2/204]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {يس} بكسر الياء وقرأ الباقون بفتح الياء
قال سيبويهٍ إنّما جازت الإمالة في يا وطا وها لأنّها أسماء ما تكتبه وإنّما أملتها لتفصل بينها وبين الحروف لأن الإمالة إنّما تلحق الأسماء والأفعال ومن لم يمل فإن كثيرا من العرب لا يميلون
قرأ ابن عامر والكسائيّ وأبو بكر {يس} والقرآن بإخفاء النّون عند الواو وقرأ الباقون بإظهار النّون عند الواو وإنّما جاز إظهار النّون وإن كانت تخفى مع حروف الفم ولا تتبين لأن هذه الحروف مبنيّة على الوقف وممّا يدل على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين كما يجتمعان في الكلمة الّتي يوقف عليها ولولا ذلك لم يجز فيها الجمع بينهما وحجّة من لم يبين هي وإن كانت في تقدير الوقف لم تقطع فيه همزة الوصل وذلك قوله {الم الله} ألا ترى أنهم حذفوا همزة الوصل ولم يبينوها كما لم يبينوها مع غيرها فلا يكون التّقدير فيها وهي تجري مجرى قوله {من واق}). [حجة القراءات: 595]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {يس * والقرآن} قد ذكرنا الإمالة في الياء من {يس} وعلتها، قرأ ورش وأبو بكر والكسائي وابن عامر بإدغام النون من {يس} في الواو من {والقرآن}، على نية الوصل، وقرأ الباقون بالإظهار، على نية الوقف على النون إذ هي حروف مقطعة غير معربة، فحقها أن يوقف على كل حرف منها، والوقف على الحرف يوجب إظهاره، ويمنع من إدغامه، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، ولأنه الأصل، وقد تقدم ذكر علل هذه الحروف في إمالتها وإدغامها وإظهارها بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {يس} [آية/ 1] بكسر الياء:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم –ياش- ويعقوب –ح-، وحمزة كان مائلًا إلى الفتح.
والوجه في جواز الإمالة في هذا الحرف وأمثاله قد تقدم في سورة مريم. وسبق القول بأن هذه الحروف أسماء لهذه الأصوات المخصوصة، فيجوز الإمالة فيها جوازها في الأسماء، ثم إن الذي حسَّن في هذا الحرف الإمالة كون الياء قبل الألف.
ونافعٌ يُضجع الحرف مكان الإمالة، وطريقته معروفة في الإضجاع، وقد ذكرنا وجهها.
وقرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر و-ص- عن عاصم و-يس- عن
[الموضح: 1068]
يعقوب بفتح الياء، وهو الأصل.
وأدغم النون من يس في الواو. ابن عامر والكسائي ويعقوب، وكذلك: {ن وَالْقَلَمِ}.
والوجه أن إدغام النون في الواو حسنٌ؛ لأن الواو تشبه الميم من جهة اشتراكهما في المخرج، فإذا أُدغم النون في الميم لتقاربهما في الصوت والغُنّة فكذلك ينبغي أن يدغم في الواو أيضًا.
وأظهر ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة و-ص- عن عاصم النون.
والوجه أن النون والواو ليسا بمثلين ولا متقاربين أيضًا غاية التقارب، والإدغام أيضًا ليس مما يجب، فاختاروا الإظهار لذلك). [الموضح: 1069]
قوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)}
قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)}
قوله تعالى: {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)}
قوله تعالى: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تنزيل العزيز الرّحيم (5)
قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي (تنزيل) بالنصب.
وقرأ الباقون (تنزيل) بالرفع -
قال أبو منصور: من قرأ بالنصب فعلى المصدر، على معنى: نزّل اللّه ذلك تنزيلاً.
ومن قرأ بالرفع فعلى معنى: الذي أنزل إليك (تنزيل العزيز الرّحيم) ). [معاني القراءات وعللها: 2/304]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {تنزيل العزيز الرحيم} [5].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/228]
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وحفص عن عاصم: {تنزيل} بالنصب على المصدر، كما قال: {صنع الله الذي أتقن} وقال الفراء: كما قال: {صبغة الله}.
وقرأ الباقون: {تنزيل} بالرفع جعلوه خبر ابتداء مضمر على تقدير: هذا تنزيل، وهو تنزيل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/229]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى: تنزيل العزيز الرحيم [يس/ 5] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى [بن آدم] عن أبي بكر: تنزيل العزيز رفعا، حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عن عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي: تنزيل العزيز نصبا [قال أبو علي]: من رفع فعلى: هو تنزيل العزيز، أو على: تنزيل العزيز الرحيم هذا، والنصب على نزّل تنزيل العزيز). [الحجة للقراء السبعة: 6/36]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تنزيل العزيز الرّحيم}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {تنزيل العزيز الرّحيم}
[حجة القراءات: 595]
بالرّفع وقرأ الباقون بالنّصب
فمن نصب فعلى المصدر على معنى نزل الله ذلك تنزيلا مثل قوله {صنع الله} وهو مصدر صدر من غير لفظه لأنّه لما قال {إنّك لمن المرسلين على صراط مستقيم} كأنّه قال نزل ذلك في كتابه تنزيلا فأخرج المصدر على المعنى المفهوم من الكلام ومن قرأ بالرّفع فإنّه جعله خبر ابتداء محذوف على تقدير هذا تنزيل وهو تنزيل قال الزّجاج من قرأ بالرّفع فعلى معنى الّذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرّحيم أو تنزيل العزيز الرّحيم هذا). [حجة القراءات: 596]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {تنزيل العزير الرحيم} قرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالنصب على المصدر، وقرأ الباقون بالرفع، جعلوه خبر ابتداء محذوف، أي: هو تنزيل العزيز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [آية/ 5] بالنصب:
قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {تَنْزِيلَ} منصوبٌ، على أنه مصدر فعلٍ محذوفٍ، والتقدير: نُزِّل تنزيل العزيز.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ} بالرفع.
[الموضح: 1069]
والوجه أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو تنزيل العزيز. ويجوز أن يكون مبتدأً، وخبره محذوف، والتقدير: تنزيل العزيز الرحيم هذا). [الموضح: 1070]
قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)}
قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)}
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {من بين أيديهم ومن خلفهم سدا} [9].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {سدا} و{سدا} بالفتح.
وقرأ الباقون بالضم، فقال قوم: هما لغتان.
وقال آخرون: ما كان من فعل بني آدم فهو السد، وما وجد مخلوفًا فهو السد.
وقال أبو عمرو: ما كان من فعل الله فهو السد بالضم، فما كان في العين فهو من فعل الله. فلذلك قرأها هنا: {من بين أيديهم سدا} إلا أن قومًا آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوه ومكروا به فأغشي الله أبصارهم. يقال: غشي وغطي وختم وطبع وستر بمعنى واحد.
وقرأ الحسن وأبو رجاء: {فأعشيناهم} بالعين يقال: عشيت
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/229]
العين: إذا عمشت، وعشيت، عميت، تعشي عشيا بالألف، يقال: رجل أعشي وامرأة عشواء، والجميع عشو مثل حمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/230]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى: سدا
[الحجة للقراء السبعة: 6/36]
[يس/ 9] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سدا ومن خلفهم سدا مفتوحة السين.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: سدا* وسدا* مضمومتي السين.
[قال أبو علي]: قال أبو الحسن الضّمّ أكثر القراءتين واللّغتين، وحكي عن بعض المفسّرين ما كان من الخلق، فهو سد بالضّمّ، وما كان من البناء مفتوح، وقال غيره: السّدّ بالضّمّ في كل ما صنع الله والعباد، وهما سواء، وقال العجّاج:
سيل الجراد السدّ يرتاد الخضر يريد: زعموا قطعة من الجراد سدّ بطيرانه الأفق.
قال أبو علي: فقوله: السّدّ، يجوز أن يجعله صفة كالحلو والمرّ، ويجوز أن يكون يريد: ذي السّدّ، أي: يسدّ الأفق كما يسدّ السّدّ، فحذف المضاف. وإن كان السّدّ مصدرا جاز أن تصفه به.
والمصدر فيما زعم بعض أهل اللّغة السّدّ سددته سدّا، وقال بعضهم: السّدّ: فعل الإنسان وخلقه المسدود: السّدّ، وقيل في تفسيره قولان:
أحدهما: أنّ جماعة أرادوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم سوءا، فحال اللّه بينهم وبينه،
[الحجة للقراء السبعة: 6/37]
فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، والآخر: أنّ اللّه سبحانه وصف ضلالتهم، فقال: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا [يس/ 8] فأمسكوا أيديهم عن الإنفاق، كما قيل في اليهود: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا [المائدة/ 64] ويقوّي هذا الوجه [قوله سبحانه]: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [يس/ 10] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/38]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وابن يعمَرَ ويزيد البربري وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب والنخعي وابن سيرين، بخلاف: [فَأَعْشَيْنَاهُمْ].
قال أبو الفتح: هذا منقول من عَشِيَ يَعْشَى: إذا ضعف بصره فَعَشِيَ وأعشَيْتُه، كعَمِيَ وأعْمَيْتُه. وأما قراءة العامة: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} فهو على حذف المضاف، أي: فأغشيْنا أبصارَهُم: فجعلنا عليها غِشاوَة.
وينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي معناها مع غ ش و؛ وذلك أن الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو، وما على
[المحتسب: 2/204]
القلب بالياء؛ من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب؛ لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدل عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه. ولهذا في هذه اللغة من النظائر ما لو أودع كتابا لكبر حجما، وكثر وزنا. ومحصول الحال واسع وكثير، لكن المحصل له نزر قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل). [المحتسب: 2/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {سدا ومن خلفهم سدا} بفتح السّين وقرأ الباقون بالضّمّ
قال أبو عمرو السد الحاجز بينك وبين الشّيء والسد بالضّمّ في العين وأبو عمرو ذهب في سورة الكهف إلى الحاجز بين الفريقين ففتح وذهب ها هنا إلى سدة العين فرفع والعرب تقول بعينه سدة والّذي يدل على هذا قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فلم يبصروا طريق الهدى والحق وقال أبو عبيدة كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال
[حجة القراءات: 596]
والشعاب فهو سد بالضّمّ وما بناه الآدميون فهو سد فمن رفع في سورة الكهف ذهب أنه من صنع الله وهو قوله تعالى {بين السدين} وذهب في يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيها على معنى المصدر الّذي صدر من غير لفظه لأنّه لما قال {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنّه قال وسددنا من بين أيديهم سدا فأخرج المصدر على معنى الجعل إذ كان معلوما أنه لم يرد بقوله {سدا} ما أريد في قوله {بين السدين} لأنّهما في ذلك الموضع جبلان وهما ها هنا عارض في العين). [حجة القراءات: 597]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {سدًا} قرأه حفص وحمزة والكسائي بفتح السين في الموضعين في هذه السورة، وقرأ الباقون بالضم فيهما، وقد تقدمت علة ذلك في الكهب والاختيار فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [آية/ 9] بفتح السين فيهما:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصمٍ.
وقرأ الباقون {سُدًّا} و{سُدًّا} بضم السين فيهما.
والوجه أنهما لغتان لمعنى واحدٍ.
وقيل السدُّ بالضم: الاسم، والسدُّ بالفتح: المصدر، قد يأتي بمعنى المسود كالضرب بمعنى المضروب). [الموضح: 1070]
قوله تعالى: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10)} قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن والزهري: [أَنْذَرْتَهُمْ]، بهمزة واحدة على الخبر.
قال أبو الفتح: الذي ينبغي أن يعتقد في هذا أن يكون أراد همزة الاستفهام كقراءة العامة: {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، إلا أنه حذف الهمزة تخفيفا وهو يريدها، كما قال الكميت:
طَرِبْتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطْرَبُ ... ولا لَعِبًا مِنِي وذُو الشَّيبِ يَلْعَبُ
قالوا: معناه: أو ذو الشيب يلعب؟ تناكُرًا لذلك، وتعجُّبًا. وكبيتِ الكتاب:
لعمْرُكَ ما أدْرِي وإن كنْتُ دارِيًا ... شُعيْثُ ابنُ سَهْمٍ أمْ شُعيْثُ ابنُ مِنْقَرِ
يريد: أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر؟
ويدل على إرادة هذه القراءة الهمزة وأنها إنما حذفت لما ذكرنا بقاء "أم" بعدها، ولو أراد الخبر لقال: أولم تنذرهم. فإن قيل: تكون "أم" هذه منقطعة، كقولهم: إنها لإبِل أمْ شَاءٌ، قيل: إذا قدرت ذلك بقي قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِم} منقطعا لا ثاني له، وأقل ما يكون خبر سواء اثنان. فقد علمت بهذا أن قول ابن مجاهد على الخبر لا وجه له، اللهم إلا أن يُتحمَّل له، فيقال: أراد بلفظ الخبر وفيه من الصنعة ما تراه). [المحتسب: 2/205]
قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}
قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}