العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:24 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (15) إلى الآية (16) ]
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}


قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ ليقطع.. (15) (ثم ليقضوا تفثهم (29)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا) بكسر اللام فيهما.
وقرأ ابن عامر (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا)... وليوفوا... وليطوٌفوا) بكسر اللام في الأربعة أحرف.
وروى ورشٌ وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع مثل أبي عمرو.
وقال قنبل عن ابن كثير (ثم ليقضوا) بكسر اللام في هذه وحدها.
وقرأ الباقون بالجزم فيهن كلهن.
وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليوفوا نذورهم) بتشديد الفاء، وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هذه اللامات في هذه المواضع مكسورة في الأصل، وإنما سكنها من سكنها إذا وصلت بحروف العطف؛ لأن التسكين أخف كما قال "وهو على ذلك قدير" "وهي قالت ذلك" تسكّن الهاء إذا وصلت بحروف العطف، أعنى: الواو والفاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/176]
وأما من اختار كسر اللام في (ثم ليقضوا) فلأن الوقوف على (ثم) يحسن، ولا يحسن على الفاء والواو، وعلى أن أكثر القراءة على تسكين اللام.
وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قوله: (ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق (29).
قوله: (وليوفوا... وليطوفوا)
مجزومتان مع الواو والفاء.
فأما قوله: (ثم ليقطع) (ثمّ ليقضوا) فمكسورتان حين لم يكن لهما عماد: واو ولا فاء.
والعماد: ما يلزق باللام، و(ثمّ) لا يلزق باللام.
وأنشد لـ لبيد:
فإن لم تجد من دون عدنان باقيا... ودون معا فالتزعك العواذل
جزمت اللام بالعماد للأمر.
وقال: (وليكتب بينكم). (فليملل وليّه)، (فلتقم طائفة... ولتأت طائفة) مجزومات للواو والفاء). [معاني القراءات وعللها: 2/177] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر لام الأمر وإسكانها من قوله: ثم ليقطع [الحج/ 15] ثم ليقضوا [الحج/ 29].
فقرأ ابن كثير: (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، ولم يكسر غيرها، هذه رواية القواس عنه. وقال البزي: اللام مدرجة. قال: يعني بمدرجة: ساكنة.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: (ثمّ ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، زاد ابن عامر: (وليوفوا) [الحج/ 29]، (وليطوفوا) [الحج/ 29] بكسر لام الأمر فيهما.
واختلف عن نافع، فقال إسماعيل بن جعفر وأحمد والقاضي عن قالون وإسحاق وإسماعيل بن أبي أويس: ثم ليقطع ثم ليقضوا ساكنتي اللام، وقال ورش وأبو بكر بن أبي أويس: (ثم ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورتي اللام مثل أبي عمرو.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ثم ليقضوا وليفوا، ثم ليقطع، وليطوفوا اللام للأمر ساكنة في كلّ القرآن، إذا كان ما قبلها واو أو فاء أو ثم.
قال أبو علي: أصل هذه اللام الكسر، يدلّ على ذلك أنك إذا ابتدأت بها فقلت: ليقم زيد، كسرتها لا غير، فإذا ألحقت الكلام الذي فيه اللام الواو أو الفاء أو ثمّ، فمن أسكن مع الفاء والواو فلأن الفاء والواو يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: كتف، لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كتف وفخذ، فقلت:
[الحجة للقراء السبعة: 5/269]
وليقضوا. فإذا كان موضع الفاء والواو (ثمّ) لم يسكنه أبو عمرو، لأن ثمّ ينفصل بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فليست في هذا كالفاء والواو، ومن قال: ثم ليقضوا شبّه الميم من ثم، بالفاء والواو، فيجعل فليقضوا، من (ثم ليقضوا) بمنزلة الفاء والواو، وجعله كقولهم:
«أراك منتفخا» فجعل «تفخا» من منتفخا مثل كتف، فأسكن اللام وعلى هذا قول العجاج:
فبات منتصبا وما تكردسا ومثل ذلك قولهم: (وهي) [هود/ 42] فهي كالحجارة [البقرة/ 74].
وأما اختلاف الرواية عن نافع فإحداهما على قول من قال: (فهي) (وهي) والأخرى على قول من قال: (فهو) [الإسراء/ 97] (وهو) [البقرة/ 85] ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا لاجتماعهما في الجواز). [الحجة للقراء السبعة: 5/270] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} 15 و30
قرأ أبو عمرو وورش عن نافع وابن عامر (ثمّ ليقطع ثمّ ليقضوا) بكسر اللّام فيهما دخل القواس معهم في قوله {ثمّ ليقضوا} وحجتهم أن أصل هذه اللّام الكسر إذا كانت مبتدأة فلمّا جاءت بعد كلمة يمكن السّكوت عليها والابتداء بما بعدها كانت اللّام كالمبتدأ فأتوا بها على أصلها لذلك وزاد ابن عامر {وليوفوا} و{وليطوفوا}
وقرأ الباقون {ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا} بسكون اللّام وحجتهم أن أصلها السّكون وإنّما تكسر إذا وقعت ابتداء فإذا كان قبلها حرف متّصل بها رجعت اللّام على الأصل وأصلها السّكون ويقوّي هذا إجماع الجميع على إسكان قوله {فليعمل عملا صالحا} و{وليضربن بخمرهنّ} فإن قيل لم فصل أبو عمرو بين ثمّ والواو فكسر عند ثمّ ولم يكسر عند الواو قيل إنّما فصل بينهما لأن ثمّ تنفصل من اللّام وأصل لام الأمر الكسر إذا ابتدئ بها وسكن إذا كان ما قبلها ما لا ينفصل منها وهو الواو والفاء أما ثمّ فإنّك تقف عليها إذا شئت وتستأنف بعدها فلذلك فرق
[حجة القراءات: 473]
أبو عمرو بينهما ومثل هذا {ثمّ هو يوم القيامة} بالتثقيل وهو فهو بالتّخفيف). [حجة القراءات: 474] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ثم ليقطع}، {ثم ليقضوا}، {وليوفوا}، {وليطوفوا} قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر: «ثم لقطع» بكسر اللام، وأسكن الباقون، ومثله في {ثم ليقضوا} غير أن قنبلا معهم على الكسر. وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/116]
ابن ذكوان {وليوفوا}، {وليطوفوا} بكسر اللام فيهما، وقرأ الباقون بالإسكان، وتفرد أبو بكر بتشديد الفاء، وفتح الواو في {وليوفوا}.
وحجة من كسر أنها لامات أمر، أصلها الكسر، فأتى بها على الأصل، كما لو ابتدأ بها لم تكن إلا مكسورة، فأجارها مع حرف العطف مجراها بغير حرف في الابتداء وكأنه لم يعتد بحرف العطف، وهو الاختيار.
4- وحجة من أسكن أنه على التخفيف للكسرة، فأسكنها وكأنه اعتد بحرف العطف، وقد منع المبرد إسكان اللام مع {ثم} لأنها كلمة يوقف عليها وكذلك منع الإسكان في {ثم هو} ولم يجزه.
5- وحجة من شدد الفاء أنه بناه على {وفّى} للتكثير، كما قال: {وإبراهيم الذي وفّى} «النجم 37».
6- وحجة من خففه أنه بناه على «أوفى» الذي يقع للقليل والكثير كما قال: {وأوفوا بعهد الله} «النحل 91» هما لغتان، فأما من أسكن اللام مع الواو وكسرها مع {ثم} فإنه لما رأى {ثم} قد تنفصل من اللام ويمكن الوقف عليها قدر أن اللام يبتدأ بها فكسرها، ولما رأى الواو لا تنفصل من اللام ولا يوقف عليها دون اللام قدر اللام متوسط فأسكن استخفافًا. وقد مضى نحو هذه العلة في {ثم هو} وهو أول البقرة، فأما من أسكن معها، أو كسر، ولم يفرق بينهما، فإنه لما رآهما حرفي عطف، متصلين بلام أجرى اللام معها مجرى واحد، فأسكن استخفافًا أو كسر على الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/117] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}[آية/ 15] {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، {وَلْيُوفُوا}، {وَلْيَطَّوَّفُوا}[آية/ 29] بكسر اللام في الأحرف الأربعة:
قرأها ابن عامر.
والوجه أنه هو الأصل في لام الأمر؛ لأن الأصل في هذه اللام أن تكون مكسورة، نحو قولك: ليذهب زيد، وإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام الابتداء الداخلة على الاسم نحو لزيد أفضل من عمروٍ، وإن هذا لزيد، فإنها مفتوحة، وكسرت هذه للفرق.
[الموضح: 873]
فقراءة ابن عامر على الأصل في كسر هذه اللام.
وقرأ أبو عمرو ونافعٌ- ش- ويعقوب- يس- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}{ثُمَّ لْيَقْضُوا}مكسورتي اللام، وأسكنوا الآخريين.
والوجه أنهم يجرون لام الأمر إذا كان يتقدمه ثم على الأصل من الكسر، وإذا تقدمه الفاء أو الواو فإنهم يجعلونهما مع اللام بمنزلة ما هو من نفس الكلمة؛ لأن كل واحدٍ من الواو والفاء لا ينفرد بنفسه، فصار مع الكلمة بمنزلة كتفٍ وفخذٍ، فكما جاز إسكان الأوسط من كتفٍ وفخذٍ فكذلك يجوز إسكان هذا اللام.
وأما ترك إسكان اللام مع ثم، فلأن ثم ينفصل عن الكلمة وينفرد بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فلا يصير بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، وليس كذلك الفاء والواو.
وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في الأحرف الأربعة، وكذلك البزي عن ابن كثير، و- ن- و- يل- عن نافع، و- ح- عن يعقوب.
والوجه أنهم جعلوا الفاء والواو بمنزلة ما هو من نفس الكلمة على ما تقدم، وأجروا ثم أيضًا مجرى الفاء والواو، فأسكنوا اللام مع الكل؛ لأنهم شبهوا الميم من ثم بمنزلة الواو أو الفاء، فكأنهم جعلوا مليقضوا بمنزلة فليقضوا، قال العجاج:
[الموضح: 874]
99- فبات منتصبًا وما تكردسا
فأجرى: تصبًا من منتصبًا بمنزلة فخذٍ، فأسكن الصاد، هذا في المتصلِ، ومثله في المنفصلِ قول الآخر:
100- قالت سليمى اشتر لنا دقيقً
أجرى: ترل بمنزلة فخذ فأسكن الراء.
وروى- ل- عن ابن كثير حرفًا واحداً بالكسر {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، وأسكن الباقي.
والوجه أنه أراد الأخذ بالوجهين؛ لاشتراكهما في الجواز). [الموضح: 875] (م)

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:25 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (17) إلى الآية (18) ]
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) }


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {الصَّابِينَ}[آية/ 17] بلا همز:
قرأها نافع وحده.
[الموضح: 875]
وقرأ الباقون {الصَّابِئِينَ}بالهمز.
وقد سبق الكلام فيه). [الموضح: 876]

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [والدَّوَابُ]، خفيفة الياء. ولا أعلم أحدًا خففها سواه.
قال أبو الفتح: لعمري إن تخفيفها قليل ضعيف قياسا وسماعا.
أما القياس فلأن المدة الزائدة في الألف عوض من اجتماع الساكنين حتى كأن الألف حرف متحرك، وإذا كان كذلك فكأنه لم يلتق ساكنان. ويدل على أن زيادة المد في الألف جار مجرى تحريكها أنك لو أظهرت التضعيف فقلت: دوابِب، لقصرت الألف وإذا أدغمت أتممت صدى الألف فقلت دوابّ؛ فصارت تلك الزيادة في الصوت عوضا من تحريك الألف.
وأما السماع فإنه لا يعرف فيه التخفيف، لكن له من بعد ذلك ضرب من العذر، وذلك أنهم إذا كرهوا تضعيف الحرف فقد يحذفون أحدهما، من ذلك قولهم: ظَلْت، ومَسْت، وأَحَسْت. يريدون: ظَلِلْت، ومَسِسْت، وأَحسست، قال أبو زبيد:
خَلَا أنَّ العِتَاقَ من المَطايا ... أَحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إليهِ شُوسُ
وقال:
قَدْ كُنْتُ عِنْدَكَ حَوْلًا لا تُرَوِّعُني ... فِيهِ رَوَائِعُ من إنس ولا جَانِ
[المحتسب: 2/76]
يريد: جانٌّ، فحذف إحدى النونين. وأنشدنا أبو علي:
حتَّى إذا مَا لَمْ أجِدْ غيْرَ الشَّرِ ... كُنْتُ امرأً من مَالِكِ بنِ جَعْفَرِ أراد: غير الشرّ، فحذف الراء الثانية. وإذا كانوا قد حذفوا بعض الكلمة من غير تضعيف فحذف ذلك مع التضعيف أحرى. ألا ترى إلى قول لبيد:
دَرَسَ المنا بِمُتَالِعٍ فَأَبَانِ؟
وقال علقمة بن عبدة:
كأنَّ إبرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ ... مُقَدَّمٌ بِسَبَا الكَتَّانِ مَلْثُومُ
أراد بسبائب الكتَّان.
وقد ذكرنا نحو ذلك، إلا أن هذا باب إنما يحمله الشعر، غير أن فيه لتخفيف [الدوابّ] عذرا ما، هو أولى من أن يتلقى بالرد وقد وجدت له وجها). [المحتسب: 2/77]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:39 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (19) إلى الآية (25) ]
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) }


قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {هذان خصمان} [19].
قرأ ابن كثير وحده {هذان} بتشديد النون.
والباقون يخففون، وقد ذكرت علته.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/74]
فإن سأل سائل فقال: لم قال: {هذان} ثم قال: {اختصموا}؟
فالجواب في ذلك: أن الخصم، وإن كان لفظه واحدًا. فإن معناه الجمع. تقول العرب: هؤلاء خصمي، كما تقول: هؤلاء ضيفي، وكان الأصل في ذلك أن يهوديًا قال لنصراني: ديننا خير من دينكم، لأنا سبقناكم بالإيمان، فقال مسلم: بل ديننا خير من ديناكما؛ لأنا آمنا بأنبيائكما وكفرتما بنبينا؛ لأنا صدقنا نبينا ونبيكم وكذبتم بنبينا، وحرفتم ما قال نبيكم في نبينا فصرتم بذلك كافرين بهما. فذلك قوله: {هذان خصمان اختصموا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/75]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير: (هذان خصمان) [الحج/ 19] مشدّدة النون، وقرأ الباقون: هذان خفيفة النون.
[الحجة للقراء السبعة: 5/274]
قد تقدّم القول في تثقيل هذه النون). [الحجة للقراء السبعة: 5/275]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذان خصمان اختصموا في ربهم}
قرأ ابن كثير {هذان} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وقد ذكرت الحجّة في سورة النّساء وطه). [حجة القراءات: 474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {هَذَانِ}[آية/ 19] بالألف وتشديد النون:
قرأها ابن كثير وحده.
وقرأ الباقون بتخفيف النون.
وقد مضى الكلام على هذا فيما تقدم). [الموضح: 876]

قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولؤلؤًا (23).. هنا وفي فاطر.
[معاني القراءات وعللها: 2/177]
قرأ نافع وعاصم (ولؤلؤًا) نصبًا في السورتين، وهمز أبو بكر عن عاصم الثانية وطرح الأولى من (لولؤًا) حيث وقع.
وروى عنه معلّى بن منصور في همز الأولى وطرح الثانية في جميع القرآن.
وقرأ الحضرمي في الحج (ولولؤا) نصبًا وفي فاطر (ولولؤ) خفضًا وقرأ الباقون بالخفض في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (لولؤا) بالنصب فعلى معنى: ويحلّون لولؤا.
ومن قرأ (ولولؤ) فعلى العطف على قوله: (من ذهبٍ ومن لؤلؤ).
فأما من همز إحدى الهمزتين وحذف الأخرى فإنه كره الجمع بينهما في كلمة واحدة.
وأما من نصب التي في الحج وجر التي في الملائكة فلأنّ مصاحف أهل البصرة وأهل الكوفة اجتمعت على الألف (ولولؤا) في الحج، وعلى حذف الألف من التي في سورة الملائكة فاتبعوا المصحف.
وأما من رأى جر (ولولؤ) في السورتين فإنهم اعتلوا بأن الهمزات قد كتبت بالألف على كل حال في مصحف ابن مسعود سواء كان ما قبلها واوًا مكسورة أو مفتوحة.
[معاني القراءات وعللها: 2/178]
قال أبو منصور: وكل ما قرئ به من هذه الوجوه فهو جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/179]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ولؤلؤا} [23].
قرأ نافع وعاصم بألف ها هنا، وفي (الملئكة) تبعا في ذلك المصحف؛ لأنه كذلك كتب بألف بعد الواو ونصبه على تقدير يحلون فيها من أساور ويحلون لؤلؤًا، غير أن عاصمًا اختلف عنه. فروى يحيي عن أبي بكر {ولولؤا} لا يهمز الواو الأولي، ويهمز الواو النانية؛ كأنه كره أن يجمع بينهما في كلمة واحدة.
وروى المعلى عن عاصم ضد رواية يحيى عن أبي بكر {ولؤلوًا}.
قال ابن مجاهد: وهو خطأ. فإن كان خطأه من أجل الرواية سقط الكلام. وإن كان خطأه من أجل العربية فإن العربية تحتمل همزتهما، وترك الهمز فيهما، وهمز إحداهما، كل ذلك جائز، والأصل الهمز، وتركه تخفيف بالواو. والؤلؤ: الكبار [من الللآلي] واحدها لؤلؤة. والمرجان: الصغار من الللآلئ، واحدها مرجانة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/73]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (ولؤلؤ) [الحج/ 23].
فقرأ ابن كثير (ولؤلؤ) وفي الملائكة [فاطر/ 33] كذلك، وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر هاهنا وفي الملائكة ولؤلؤا بالنصب. عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر بهمزة واحدة وهي الثانية. المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضد قول يحيى عن أبي بكر وهذا غلط.
حفص عن عاصم يهمزهما وينصب.
[الحجة للقراء السبعة: 5/267]
وجه الجر في قوله: (ولؤلؤ) أنهم: يحلّون أساور من ذهب ومن لؤلؤ، أي: منهما، وهذا هو الوجه، لأنه إذا نصب فقال: يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ حمله على: ويحلّون لؤلؤا. وللؤلؤ إذا انفرد من الذهب والفضة لا يكون حلية. فإن قلت: فقد قال:
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [النحل/ 14]. فهذا على أن يكون حلية إذا رصّع في الذهب أو الفضّة صار حلية، كما قال في العصر:
إني أراني أعصر خمرا [يوسف/ 36] لأنه قد يستحيل إليها بالشدّة، كما يكون ذلك حلية على الوجه الذي يحلّى به، وكذلك القول في التي في الملائكة.
ويحتمل قوله: ولؤلؤا فيمن نصب وجها آخر، وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور لأن موضعهما نصب، ألا ترى أن معنى: يحلون فيها من أساور يحلّون فيها أساور، فتحمله على الموضع.
فأما ما رواه معلّى عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضدّ قول يحيى، قال أحمد: هذا غلط، فالأشبه أن يريد أنه غلط من طريق الرواية، ولا يمتنع في قياس العربية أن يهمز الأولى دون الثانية، والثانية دون الأولى وأن يهمزهما جميعا، فإن همز الأولى دون الثانية حقّق الهمزة الأولى فقال: (لؤلؤا) وإن خفّف الهمزة أبدل منها الواو فقال: (لؤلؤا) مثل: بوس وجونة، وإن خفّف الثانية، وقد نصب الاسم قال: (ولؤلؤا) فأبدل من الهمزة الواو لانفتاح الهمزة وانضمام ما قبلها فيكون كقولهم: جون في جمع جؤنة، والتودة في التؤدة، وإن خفّفهما جميعا قال: لولوا. وأمّا من جرّ فقال: (ولؤلؤ) فتخفيف الثانية عنده أن يقلبها واوا كما تقول: مررت بأكموك، فيقول: (ولؤلؤ) وقد تقدم ذلك في سورة البقرة). [الحجة للقراء السبعة: 5/268]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [يَحْلَوْنَ]، بفتح الياء وتخفيف اللام، من حَلِيَ يَحْلَى.
قال أبو الفتح: هذا من قولهم: لم أحْلَ منه بطائل، أي: لم أظفر منه بطائل؛ فيجعل ما يُحَلَّوْن به هناك أمرا ظفِروا به، وأُوصلوا إليه. والحلية راجعة المعنى إليه، وذلك أن النفس تعتدها مظفورا به موصلا إليه. وليست الحلية من لفظ: حَلِيَ الشيءُ بِعَيْنِي؛ لأن الحلية من الحَلْي، فهي من الياء. وحلي بعيني من الواو، لقولهم: حَلِيَ بعيني يَحْلَى حلاوة، فهي كشَقِيَ يشْقَى شَقَاوَةً، وغَبِيَ يغْبَى غَباوَةً. ولكن قولهم: امرأةٌ حالية أي: ذات حَلْي من الياء، فحالية إذًا من قوله: {يُحَلَّوْنَ} على هذه القراءة وهما من الياء، فكأنه أقوى عندهم من قولهم ما حليْتُ من بطائل؛ لأن ذلك لا يستعمل إلا في غير الواجب. لا يقولون: حليت منه،
[المحتسب: 2/77]
ولا حليت بكذا. فأما المثل وهو قولهم: حَلَأَتْ حالِئَة عن كُوعها فهو مهموز، وأمره ظاهر). [المحتسب: 2/78]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري وسلام ويعقوب: [وَلُؤْلُؤا]، بالنصب.
قال أبو الفتح: هو محمول على فِعْل يدل عليه قوله: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ}، أي ويؤتون لؤلؤا، ويلبسون لؤلؤا.
ومثله قراءة أبي: [وحورًا عينًا] أي ويؤتون حورا عينا، ويُزَوَّجون حورا عينا.
ومثله مما نصب على إضمار فعل يدل عليه ما قبله قوله:
جئْنِي بِمِثلِ بني بَدْرٍ لِقَوْمِهِمُ ... أو مِثْلَ أسرة مَنْظُورِ بنِ سيَّارِ
فكأنه قال: أو هاتِ مثلَ أسرة. وعليه قول الآخر:
بَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُه أَتانَا ... مُعَلِّق وَفْضَةٍ وزنادَ راعٍ
فكأنه قال: وحاملا زناد راع، ومعلقا زناد راع، وهو كثير). [المحتسب: 2/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا}
قرأ نافع وعاصم {ولؤلؤا} بالألف أي يحلون فيها من أساور ويحلون لؤلؤا ويجوز أن يكون عطفا على موضع الجار والمجرور لأن المعنى في {يحلون فيها من أساور} يحلون أساور وفي الشواذ قراءة ابن عبّاس (ويحلون) بفتح الياء وتخفيف اللّام قال ابن جني (ويحلون) من حلي يحلى يقال لم أحل منه بطائل أي لم أظفر ويجوز أن يكون من قولهم امرأة حالية أي ذات حلي
وقرأ الباقون (ولؤلؤ) أي يحلون فيها من أساور من ذهب ومن لؤلؤ قال الزّجاج وجائز أن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ يكون ذلك فيما خلط خلطا من الصّنفين). [حجة القراءات: 474]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {ولؤلؤا} قرأه نافع وعاصم بالنصب، هنا وفي سورة فاطر، عطفاه على موضع {أساور} لأن «من» زائدة. والتقدير: يحلَّون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/117]
فيها أساور من ذهب ولؤلؤا، وقرأ الباقون بالخفض عطفوه على لفظ {من أساور}، والقراءتان بمعنى، وقد ذكرنا الاختلاف في الوقف عليه وكيف تخفف الهمزة فيه، وكل القراء همز الهمزة الأولى الساكنة على أصلها، إلا أبا بكر فإنه لم يهمز استخفافًا، لاجتماع همزتين في الكلمة، بينهما حرف، وكذلك يفعل أبو عمرو إذا ترك الهمزة الساكنة، فأما حمزة فإنه يقف على الهمزتين بالتخفيف، ووافقه هشام على تخفيف الثانية، وقد تقدم ذكر كل هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/118]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلُؤْلُؤًا}[آية/ 23] بالنصب:
قرأها نافع وعاصم، وكذلك في فاطر.
واختلف عن عاصم في الهمز، فـ - ياش- عنه بهمزة واحدة وهي الثانية، و- ص- بهمزتين.
وقرأ يعقوب {لُؤْلُؤًا}بالنصب في هذه السورة، وبالجر في فاطر.
والوجه في نصبه أنه محمول على قوله {يُحَلَّوْنَ}، كأنه قال: ويحلون لؤلؤا، يقال حليته بالذهب وحليته الذهب.
وأما الهمزتان في اللؤلؤ فيجوز تحقيقهما على الأصل، وتخفيفهما أيضًا بأن تقلب كل واحدة منهما واواً، ويجوز أن تخفف الأولى وتحقق الثانية، وأن تحقق الأولى وتخفف الثانية، والتخفيف ههنا بأن تقلب الهمزة واواً، والتحقيق بأن تترك همزة.
[الموضح: 876]
وقرأ الباقون {وَلُؤْلُؤً}بالجر في السورتين.
والوجه أنه معطوف على {ذَهَبٍ}من قوله {أَسْاوِرَ مِّن ذَهَبٍ}، كأنه قال: أساور من ذهبٍ ومن لؤلؤٍ). [الموضح: 877]

قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سواءً العاكف فيه والباد (25)
قرأ حفص وحده (سواءً العاكف فيه) بالنصب.
وقرأ الباقون (سواءٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من نصب (سواءً) فعلى إضمار (جعلناه سواء).
ويرتفع (العاكف فيه والباد) بمعنى: سواء، كما تقول: رأيت زيدًا قائمًا أبوه فأتبعت (قائما) (زيدًا)، فهو في المعنى مرافع لقولك (أبوه).
وهذا يسمى (التضمين) عند بعض أهل النحو.
ومن قرأ (سواء) هو وقف التمام (الذي جعلناه للناس)، ومعنى (سواء العاكف).
ف (سواء) مرفوع بالابتداء ومرافعه (العاكف)، وإنما اختير الرفع في (سواء العاكف فيه والباد) أي: سواء في تفصيله وإقامة المناسك العاكف فيه، أي: المقيم بالحرم، والنازع إليه من الآفاق.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد في قوله (سواءً العاكف) قال: من أوقع عليه (جعلنا) نصبه، ويجوز رفعه، ومن ابتدأ لم يكن إلا رفعًا.
[معاني القراءات وعللها: 2/179]
قال والعرب تقول: مررت برجل سواءٍ عليه الخير والشرّ، وسواءٌ عليه الخير والشرّ. كلٌّ تقوله العرب). [معاني القراءات وعللها: 2/180]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {سواء العاكف فيه} [25].
روى حفص عن عاصم {سواء} بالنصب، جعله مفعولاً ثانيًا من قوله: {جعلنه للناس سواء} أي: مستويًا كما قال: {إنا جعلنه قرءانًا عربيًا} والعاكف: يرتفع بفعله في هذه القراءة. أي استوى العاكف فيه والباد.
وقرأ الباقون سواء بالرفع ابتداء وخبر كما تقول: مررت برجل سواء عنده الخير والشر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/74]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {والباد ومن يرد} [25].
قرأ ابن كثير {البادي} بالياء، على أصل الكلمة، لأنك تقول: بدا يبدو: إذا دخل البادية فهو باد مثل الداعي والأصل البادو، فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فكان يثبتها وصلا، ووقفا.
وكان أبو عمرو ونافع يثبتان الياء وصلا، ويحذفانها وقفًا، ليكونا قد تبعا الأصل تارة، والمصحف أخرى، وهو الاختيار.
وقرأ الباقون {الباد} بغير ياء. ولهم ثلث حجج:
اتباع المصحف.
والاجتزاء بالكسرة عن الياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/75]
والحجة الثالثة: ما حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء أن العرب تقول: مررت بباد، ومهتد، فيخزلون الياء لسكونها، وسكون التنوين.
فإذا أدخلوا الألف واللام لم يردوا الياء، لأنهم بنوا المعرفة على النكرة. قال سيبويه فإذا أضافوا فإن العرب كلها ترد الياء. فيقولون مررت بقاضيك، وداعيك. فإذا اضطر الشاعر حذف مع الإضافة، وأنشد:
كنواح ريش حمامة نجدية = ومسحت باللثتين عصف الإثمد
أي: «كنواحي ريش» فخزل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/76]

قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: (سواء العاكف فيه) [الحج/ 25] رفعا غير عاصم فإنه قرأ في رواية حفص: سواء نصبا.
أبو عبيدة: العاكف: المقيم، والبادي غير العاكف وهو الذي لا يقيم.
وجه الرفع في (سواء) أنه خبر ابتداء مقدّم، والمعنى: العاكف
[الحجة للقراء السبعة: 5/270]
والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحقّ به من صاحبه، واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيها أولى بها من البادي بحقّ ملكه، ولكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليها، فسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال: (سواء العاكف) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع العاكف فيه كما يرفع بمستو، ولو قال: مستويا فيه العاكف والبادي فرفع العاكف فيه بمستو، فكذلك يرفعه بسواء، والأكثر الرفع في نحو هذا، وأن لا تجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة اسم الفاعل في الإعمال. ووجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة نحو: رجل عدل فيصير عدل كعادل، وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره فلولا أن النون كاسم الفاعل لم يكسره تكسيره، وكذلك قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 5/271]
وكنت لقا تجري عليك السوائل ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء در همه، وقال: مررت برجل سواء هو والعدم، كما تقول: مستو هو والعدم، فقال: (سواء العاكف فيه والباد) كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد. ويجوز في نصب قوله: سواء العاكف فيه وجه آخر، وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله:
للناس مستقرا، جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل، وذو الحال الذكر الذي في المستقر، ويجوز أيضا في الحال أن يكون من الفعل الذي هو جعلناه. فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان ذا الحال الضمير، والعامل فيها الفعل، وجواز للناس مستقرا، على أن يكون المعنى أنه جعل للناس ونصب لهم منسكا ومتعبّدا، كما قال: وضع للناس [آل عمران/ 96]. ويدلّ على جواز كون قوله: للناس مستقرا، أنه قد حكي أن بعض القرّاء قرأ: (الذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد) فهذا يدلّ على أنه أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فقوله: للناس يكون على هذا مستقرّا في موضع المفعول الثاني لجعلناه، فكما كان في هذا مستقرا، كذلك يكون مستقرا في الوجه الذي تقدمه، ومعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء: أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالمعنى، فأما قوله: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم [الجاثية/ 21] فقال سيبويه فيه: اعلم أنّ ما كان من النكرة رفعا غير صفة، فإنه في المعرفة رفع، فذلك قوله: أم حسب الذين اجترحوا... فتلا
[الحجة للقراء السبعة: 5/272]
الآية، وهذا إنما يراد به، أنه إذا لم يرتفع الاسم مع النكرة في نحو: مررت برجل سواء أبوه وأمه، لم يرتفع به مع المعرفة في نحو: ظننت زيدا سواء أبوه وأمه، ولكن تقول: سواء أبوه وأمه، قد رفع سواء إذا جرى على معرفة بأنه خبر مبتدأ، والجملة التي سواء منها في موضع نصب بأنه مفعول ثان أو حال. والمعنى في الآية أن مجترحي السيّئات لا يستوون مع الذين آمنوا كما قال: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [السجدة/ 18]. وكما قال: هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور [الرعد/ 16] فالمراد في الآية هذا المعنى. والضمير في قوله: محياهم ومماتهم لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو كاللذين اجترحوا من دون المؤمنين، أو لهما، فيجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين آمنوا دون غيرهم، ويكون المعنى: كالذين آمنوا، مستويا محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع حال من الذين آمنوا، كما تكون الحال من المجرور في نحو: مررت بزيد، ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من نجعل أي: نجعلهم مستويا محياهم ومماتهم كالذين آمنوا، لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين اجترحوا السيئات، في المعنى، ألا ترى أن الضمير في نجعلهم للذين اجترحوا السيئات، ومحياهم ومماتهم من قوله: سواء محياهم ومماتهم يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في نجعلهم، ويدلّ على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا (سواء محياهم ومماتهم) فنصب الممات، وقد حكى عن الأعمش، فهذا يدلّ على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل بنجعلهم فيكون في البدل
[الحجة للقراء السبعة: 5/273]
كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فيكون الذكر في محياهم ومماتهم على هذا في المعنى للذين اجترحوا السيّئات.
ويجوز أن تجعل قوله: كالذين آمنوا [الجاثية/ 21] في موضع المفعول الثاني ل (نجعل) فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين، ويكون العامل في الحال أن نجعلهم الذي هو مفعول الحسبان، ويكون المعنى: أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات. وقد روى عن مجاهد أنه قال في تفسير هذه الآية أنه قال:
يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه، فهذا يكون على هذا الوجه الثالث، يجوز أن يكون حالا من نجعلهم والضمير للقبيلين، فإن قلت: إن من الكفّار من يلحقه مكانة في الدنيا، ويكون له نعم ومزيّة، فالذي يلحقه ذلك ليس يخلو من أن يكون من أهل الذمة أو من أهل الحرب، فإن كان من أهل الذمّة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلّة في الحكم، نحو أن يحشروا إلى مؤدّى الجزية، والصّغار الذي يلحقه في الحكم. وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله بكونه حربا، أو من أن يكون ذلك جاريا عليه في الفعل من المسلمين ذلك بهم أو الحكم، والمؤمن مكرّم في الدنيا لغلبته بالحجّة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة، ومنازله الكريمة). [الحجة للقراء السبعة: 5/274]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (البادي) [الحج/ 25] بالياء في الوصل، ووقفا بغير ياء.
واختلف عن نافع، فقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر وورش ويعقوب عن نافع: (والبادي) بالياء في الوصل. وقال المسيبي وأبو بكر وإسماعيل ابنا أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: (والبادي) فقلت: أهكذا كتابها؟ فقال: لا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف.
قد تقدم القول في ذلك ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/275]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد} 25
قرأ حفص {سواء العاكف فيه} نصبا جعله مفعولا ثانيًا من قوله {جعلناه للنّاس سواء} أي مستويا كما قال {إنّا جعلناه قرآنًا عربيا} و{العاكف} يرتفع بفعله في هذه القراءة أي استوى العاكف فيه والباد
وقرأ الباقون {سواء} بالرّفع على الابتداء والعاكف خبره
قرأ ابن كثير (والبادي) بالياء في الوصل والوقف على أصل الكلمة لأنّك تقول بدا يبدو إذا دخل البادية فهو باد مثل راع والراعي والأصل البادو فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها فصارت والبادي
قرأ أبو عمرو وإسماعيل وورش (والبادي) بالياء في الوصل وبالحذف في الوقف وهو الاختيار ليكونوا قد تبعوا الأصل تارة والمصحف أخرى
وقرأ الباقون بغير ياء اتباعا للمصحف واجتزاء بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تدل على الياء). [حجة القراءات: 475]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {سواءً العاكف فيه} قرأ حفص {سواء} بالنصب وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من نصب أنه جعله مصدرًا عمل فيه جعلناه عمل فيه {جعلناه}، كأنه قال: سوينا فيه بين الناس سواء، وارتفع العاكف بـ {سواء} وكأنه قال: مستويًا فيه العاكف، فهو مصدر في معنى اسم الفاعل، كما قالوا: رجل عدل أي: عادل، وعلى هذا أجازوا: مررت برجل سواء درهمه، أي مستويًا درهمه، ويجو أن يكون {سواء} انتصب على الحال، وإذا نصبته على الحال جعلته حالًا من المضمر، في قوله: {للناس} المرتفع بالظرف، ويكون الظرف عاملًا في الحال؛ لأنه هو العامل في المضمر الذي هو صاحب الحال، أو يكون حالًا من الهاء في {جعلناه} ويكون العامل في الحال «جعلنا» كما عملت في الهاء التي هي صاحب الحال.
9- وحجة من رفع أنه جعله خبرًا لـ {العاكف} مقدمًا عليه، والتقدير: العاكف والباد سواء فيه، أي: ليس أحدهما أحق به من الآخر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/118]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[آية/ 25] بالنصب في {سَوَاءً}:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه في نصبه أنه يجوز أن يكون مفعولاً ثانيًا لـ {جَعَلْنَاهَ}. وسواءً بمعنى مستوٍ، كأنه قال: جعلناه للناس مستويًا فيه العاكف والبادِ؛ لأن {سَوَاءً}مصدر بمعنى اسم الفاعل، كعدلٍ بمعنى عادل، فلما قام مقام اسم الفاعل صار يعمل عمله، فلهذا ارتفع به العاكف، فإن العاكف إنما ارتفع بأنه فاعلٌ لسواء، وسواءٌ عمل عمل الفعل، والتقدير: جعلناه يستوي فيه العاكف والبادي.
ويجوز أن يكون {سَوَاءً}منصوبًا على الحال من الضمير في {جَعَلْنَاهَ}، والعامل فيه جعلنا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى الفعل الذي في قوله {لِلنَّاسِ}؛ لأن الجار والمجرور يتضمن معنى الفعل، وذو الحال الضمير المستكن الذي فيه، كأنه قال: استقر هو للناس في حال كونه سواءً.
وقرأ الباقون {سَوَاءً}بالرفع.
والوجه أنه مرتفع بأنه خبر مبتدإ تقدم على المبتدأ، والتقدير: العاكف
[الموضح: 877]
والبادي فيه سواءٌ، فقوله {العَاكِفُ}مبتدأٌ و{الْبَادِي}معطوف عليه، و{سَوَاءً}هو الخبر تقدم على المبتدأ.
والعاكف هو المقيم، يعني من كان من أهله، والبادي من نزع إليه لحجٍ أو عمرةٍ، يعني أنهما سواءٌ في تعظيم الحرمة وقضاء النسك، وقيل: هما سواءٌ في النزول به). [الموضح: 878]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:41 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (26) إلى الآية (29) ]
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}


قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بيتي للطّائفين (26)
حرك الياء نافع وحفص عن عاصم. وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/186]

قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن محيص: [وَأَذِنَ فِي النَّاسِ]، بالتخفيف.
قال أبو الفتح: [أَذِنَ] معطوف على [بَوَّأْنَا]، فكأنه قال: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، وأذن، فأما قوله على هذا: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} فإنه انجزم لأنه جواب قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}، وهو على قراءة الجماعة جواب قوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} ). [المحتسب: 2/78]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي مِجْلَز ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي عبد الله جعفر بن محمد: [رُجَّالًا].
وقرأ: [رُجَالًا]، بضم الراء، وتخفيف الجيم منونة - عكرمة وابن أبي إسحاق وأبو مجلز والحسن البصري والزهري.
وقرأ: [رُجَال]، على فُعَال مخففة - عكرمة.
قال أبو الفتح: أما [رُجَّالًا] فجمع راجل، ككَاتِب وكُتَّاب، وعالِم وعُلَّام، وعامِل وعُمَّال.
وأما [رُجَالًا]، مضمومة الراء، خفيفة الجيم، منونة - فغريب. وهو مما ذكرناه مما جاء من الجمع على فُعَال: كظُؤار، وعُراق، ورُخال.
وأما [رُجَالَى] فمثل: حُبارَى، وسُكارَى. ويقال: أراجِل، وأراجِيل، ورَجَالَى، ورُجَالَى، ورُجْلَان. قال كثير:
لَهُ بجنوبِ القادِسِيَّة فَالشَّبا ... مَوَاطِنُ لا يَمْشِي بِهِنَّ الأراجِلُ
وقال أبو الأسود:
كأنَّ مَصامَاتِ الأُسُودِ بِبَطْنِه ... مَرَاغٌ وآثارَ الملاعِيبِ مَلْعَبُ
وأنشد الأصمعي:
وَمَرْكَبٍ يَخْلِطُني بالرُّكْبَانْ ... يَقِي بِهِ اللهُ أذَاةَ الرُّجْلَانْ
ورُوِّينا عن ابن الأعرابي: رَجُل رَجْلَان، ورَجَل أي: رَاجِل.
وقراءة الكافة: {رِجَالًا} جَمْع رَاجِل أيضا، كصائِم وصِيام، وصَاحِب وصِحَاب). [المحتسب: 2/79]

قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ ليقطع.. (15) (ثم ليقضوا تفثهم (29)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا) بكسر اللام فيهما.
وقرأ ابن عامر (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا)... وليوفوا... وليطوٌفوا) بكسر اللام في الأربعة أحرف.
وروى ورشٌ وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع مثل أبي عمرو.
وقال قنبل عن ابن كثير (ثم ليقضوا) بكسر اللام في هذه وحدها.
وقرأ الباقون بالجزم فيهن كلهن.
وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليوفوا نذورهم) بتشديد الفاء، وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هذه اللامات في هذه المواضع مكسورة في الأصل، وإنما سكنها من سكنها إذا وصلت بحروف العطف؛ لأن التسكين أخف كما قال "وهو على ذلك قدير" "وهي قالت ذلك" تسكّن الهاء إذا وصلت بحروف العطف، أعنى: الواو والفاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/176]
وأما من اختار كسر اللام في (ثم ليقضوا) فلأن الوقوف على (ثم) يحسن، ولا يحسن على الفاء والواو، وعلى أن أكثر القراءة على تسكين اللام.
وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قوله: (ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق (29).
قوله: (وليوفوا... وليطوفوا)
مجزومتان مع الواو والفاء.
فأما قوله: (ثم ليقطع) (ثمّ ليقضوا) فمكسورتان حين لم يكن لهما عماد: واو ولا فاء.
والعماد: ما يلزق باللام، و(ثمّ) لا يلزق باللام.
وأنشد لـ لبيد:
فإن لم تجد من دون عدنان باقيا... ودون معا فالتزعك العواذل
جزمت اللام بالعماد للأمر.
وقال: (وليكتب بينكم). (فليملل وليّه)، (فلتقم طائفة... ولتأت طائفة) مجزومات للواو والفاء). [معاني القراءات وعللها: 2/177] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} [29].
قرأ ابن كثيرٍ برواية قنبل وأبو عمرو: بكسر لام الأمر مع {ثم} فقط، لأن ثم ينفصل من اللام، وأصل اللام الكسر؛ وإنما يجوز إسكانها تخفيفًا إذا اتصلت بحرف، وقد ذكرت علة ذلك في (البقر) والتفث: نتف الإبط،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/73]
وحلق العانة، وقص الشارب، وأخذ الظفر إذا حل الرجل من إحرامه، وكذلك قرآ: {ثم ليقطع} [15] وورش عن نافع مثلهما.
وقرأ ابن عامر بكسر لام الأمر مع «ثم»، ومع الواو في هذه السورة فقرأ {وليوفوا} و{ليطوفوا} كل ذلك بالكسر. وأما في قوله: {ليوفوا، ليطوفوا} [فـ] قرأ ابن عامر برواية اين ذكوان {ليوفوا.... وليطوفوا} بالكسر فيهما.
وقرأ الباقون مسكنا كل ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/74]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [29].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، {وليوفوا} مشددا.
وقرأ الباقون مخففا، وهما لغتان، فمن شدد فحجته {وإبراهيم الذي وفي} ومن خفف فحجته {وأفوا بعهد الله} وفيها لغة ثالثة: وفي، تقول العرب: وفي زيد يفي، وأوفي يوفي، ووفي يوفي. قال الشاعر فجمع بين اللغتين:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/76]
أما ابن عوف فقد أوفي بذمته = كما وفي بقلاص النجم حاديها
والأمر من أوفي: أوف يازيد. ومن وفي: وف يازيد، ومن وفي: فه، لابد من هاء في الوقف وفي الكتابة؛ لأن الكلمة لا تكون على حرف واحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/77]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر لام الأمر وإسكانها من قوله: ثم ليقطع [الحج/ 15] ثم ليقضوا [الحج/ 29].
فقرأ ابن كثير: (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، ولم يكسر غيرها، هذه رواية القواس عنه. وقال البزي: اللام مدرجة. قال: يعني بمدرجة: ساكنة.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: (ثمّ ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، زاد ابن عامر: (وليوفوا) [الحج/ 29]، (وليطوفوا) [الحج/ 29] بكسر لام الأمر فيهما.
واختلف عن نافع، فقال إسماعيل بن جعفر وأحمد والقاضي عن قالون وإسحاق وإسماعيل بن أبي أويس: ثم ليقطع ثم ليقضوا ساكنتي اللام، وقال ورش وأبو بكر بن أبي أويس: (ثم ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورتي اللام مثل أبي عمرو.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ثم ليقضوا وليفوا، ثم ليقطع، وليطوفوا اللام للأمر ساكنة في كلّ القرآن، إذا كان ما قبلها واو أو فاء أو ثم.
قال أبو علي: أصل هذه اللام الكسر، يدلّ على ذلك أنك إذا ابتدأت بها فقلت: ليقم زيد، كسرتها لا غير، فإذا ألحقت الكلام الذي فيه اللام الواو أو الفاء أو ثمّ، فمن أسكن مع الفاء والواو فلأن الفاء والواو يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: كتف، لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كتف وفخذ، فقلت:
[الحجة للقراء السبعة: 5/269]
وليقضوا. فإذا كان موضع الفاء والواو (ثمّ) لم يسكنه أبو عمرو، لأن ثمّ ينفصل بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فليست في هذا كالفاء والواو، ومن قال: ثم ليقضوا شبّه الميم من ثم، بالفاء والواو، فيجعل فليقضوا، من (ثم ليقضوا) بمنزلة الفاء والواو، وجعله كقولهم:
«أراك منتفخا» فجعل «تفخا» من منتفخا مثل كتف، فأسكن اللام وعلى هذا قول العجاج:
فبات منتصبا وما تكردسا ومثل ذلك قولهم: (وهي) [هود/ 42] فهي كالحجارة [البقرة/ 74].
وأما اختلاف الرواية عن نافع فإحداهما على قول من قال: (فهي) (وهي) والأخرى على قول من قال: (فهو) [الإسراء/ 97] (وهو) [البقرة/ 85] ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا لاجتماعهما في الجواز). [الحجة للقراء السبعة: 5/270] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (عاصم في رواية أبي بكر (وليوفوا نذورهم) [الحج/ 29] مشدّدة الفاء ساكنة اللام. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: وليوفوا خفيفة ساكنة اللام غير ابن عامر فإنه كسر اللام.
قال أبو علي: (وليوفّوا) حجّته: وإبراهيم الذي وفي [النّجم/ 37] وسكون اللام قد تقدم القول فيه.
وحجة وليوفوا قوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم [النحل/ 91]. وأوفوا بالعقود [المائدة/ 1] والأكثر في التنزيل
[الحجة للقراء السبعة: 5/275]
وأوفوا، ووفّي وأوفي ووفي لغات مستعملة، قال الشاعر:
أما ابن طوق فقد أوفي بذمّته... كما وفي بقلاص النجم حاديها). [الحجة للقراء السبعة: 5/276]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} 15 و30
قرأ أبو عمرو وورش عن نافع وابن عامر (ثمّ ليقطع ثمّ ليقضوا) بكسر اللّام فيهما دخل القواس معهم في قوله {ثمّ ليقضوا} وحجتهم أن أصل هذه اللّام الكسر إذا كانت مبتدأة فلمّا جاءت بعد كلمة يمكن السّكوت عليها والابتداء بما بعدها كانت اللّام كالمبتدأ فأتوا بها على أصلها لذلك وزاد ابن عامر {وليوفوا} و{وليطوفوا}
وقرأ الباقون {ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا} بسكون اللّام وحجتهم أن أصلها السّكون وإنّما تكسر إذا وقعت ابتداء فإذا كان قبلها حرف متّصل بها رجعت اللّام على الأصل وأصلها السّكون ويقوّي هذا إجماع الجميع على إسكان قوله {فليعمل عملا صالحا} و{وليضربن بخمرهنّ} فإن قيل لم فصل أبو عمرو بين ثمّ والواو فكسر عند ثمّ ولم يكسر عند الواو قيل إنّما فصل بينهما لأن ثمّ تنفصل من اللّام وأصل لام الأمر الكسر إذا ابتدئ بها وسكن إذا كان ما قبلها ما لا ينفصل منها وهو الواو والفاء أما ثمّ فإنّك تقف عليها إذا شئت وتستأنف بعدها فلذلك فرق
[حجة القراءات: 473]
أبو عمرو بينهما ومثل هذا {ثمّ هو يوم القيامة} بالتثقيل وهو فهو بالتّخفيف). [حجة القراءات: 474] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليوفوا نذورهم}
قرأ عاصم {وليوفوا نذورهم} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وهما لغتان تقول وفي يوفى توفية إذا أكمل وحجتهم
[حجة القراءات: 475]
{وإبراهيم الّذي وفى} والتّخفيف من أوفى يوفي وحجتهم قوله {وأوفوا بعهد الله} ). [حجة القراءات: 476]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ثم ليقطع}، {ثم ليقضوا}، {وليوفوا}، {وليطوفوا} قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر: «ثم لقطع» بكسر اللام، وأسكن الباقون، ومثله في {ثم ليقضوا} غير أن قنبلا معهم على الكسر. وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/116]
ابن ذكوان {وليوفوا}، {وليطوفوا} بكسر اللام فيهما، وقرأ الباقون بالإسكان، وتفرد أبو بكر بتشديد الفاء، وفتح الواو في {وليوفوا}.
وحجة من كسر أنها لامات أمر، أصلها الكسر، فأتى بها على الأصل، كما لو ابتدأ بها لم تكن إلا مكسورة، فأجارها مع حرف العطف مجراها بغير حرف في الابتداء وكأنه لم يعتد بحرف العطف، وهو الاختيار.
4- وحجة من أسكن أنه على التخفيف للكسرة، فأسكنها وكأنه اعتد بحرف العطف، وقد منع المبرد إسكان اللام مع {ثم} لأنها كلمة يوقف عليها وكذلك منع الإسكان في {ثم هو} ولم يجزه.
5- وحجة من شدد الفاء أنه بناه على {وفّى} للتكثير، كما قال: {وإبراهيم الذي وفّى} «النجم 37».
6- وحجة من خففه أنه بناه على «أوفى» الذي يقع للقليل والكثير كما قال: {وأوفوا بعهد الله} «النحل 91» هما لغتان، فأما من أسكن اللام مع الواو وكسرها مع {ثم} فإنه لما رأى {ثم} قد تنفصل من اللام ويمكن الوقف عليها قدر أن اللام يبتدأ بها فكسرها، ولما رأى الواو لا تنفصل من اللام ولا يوقف عليها دون اللام قدر اللام متوسط فأسكن استخفافًا. وقد مضى نحو هذه العلة في {ثم هو} وهو أول البقرة، فأما من أسكن معها، أو كسر، ولم يفرق بينهما، فإنه لما رآهما حرفي عطف، متصلين بلام أجرى اللام معها مجرى واحد، فأسكن استخفافًا أو كسر على الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/117] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}[آية/ 15] {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، {وَلْيُوفُوا}، {وَلْيَطَّوَّفُوا}[آية/ 29] بكسر اللام في الأحرف الأربعة:
قرأها ابن عامر.
والوجه أنه هو الأصل في لام الأمر؛ لأن الأصل في هذه اللام أن تكون مكسورة، نحو قولك: ليذهب زيد، وإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام الابتداء الداخلة على الاسم نحو لزيد أفضل من عمروٍ، وإن هذا لزيد، فإنها مفتوحة، وكسرت هذه للفرق.
[الموضح: 873]
فقراءة ابن عامر على الأصل في كسر هذه اللام.
وقرأ أبو عمرو ونافعٌ- ش- ويعقوب- يس- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}{ثُمَّ لْيَقْضُوا}مكسورتي اللام، وأسكنوا الآخريين.
والوجه أنهم يجرون لام الأمر إذا كان يتقدمه ثم على الأصل من الكسر، وإذا تقدمه الفاء أو الواو فإنهم يجعلونهما مع اللام بمنزلة ما هو من نفس الكلمة؛ لأن كل واحدٍ من الواو والفاء لا ينفرد بنفسه، فصار مع الكلمة بمنزلة كتفٍ وفخذٍ، فكما جاز إسكان الأوسط من كتفٍ وفخذٍ فكذلك يجوز إسكان هذا اللام.
وأما ترك إسكان اللام مع ثم، فلأن ثم ينفصل عن الكلمة وينفرد بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فلا يصير بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، وليس كذلك الفاء والواو.
وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في الأحرف الأربعة، وكذلك البزي عن ابن كثير، و- ن- و- يل- عن نافع، و- ح- عن يعقوب.
والوجه أنهم جعلوا الفاء والواو بمنزلة ما هو من نفس الكلمة على ما تقدم، وأجروا ثم أيضًا مجرى الفاء والواو، فأسكنوا اللام مع الكل؛ لأنهم شبهوا الميم من ثم بمنزلة الواو أو الفاء، فكأنهم جعلوا مليقضوا بمنزلة فليقضوا، قال العجاج:
[الموضح: 874]
99- فبات منتصبًا وما تكردسا
فأجرى: تصبًا من منتصبًا بمنزلة فخذٍ، فأسكن الصاد، هذا في المتصلِ، ومثله في المنفصلِ قول الآخر:
100- قالت سليمى اشتر لنا دقيقً
أجرى: ترل بمنزلة فخذ فأسكن الراء.
وروى- ل- عن ابن كثير حرفًا واحداً بالكسر {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، وأسكن الباقي.
والوجه أنه أراد الأخذ بالوجهين؛ لاشتراكهما في الجواز). [الموضح: 875] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَلْيُوفُوا}[آية/ 29] بفتح الواو وتشديد الفاء:
قرأها عاصم وحده- ياش- .
والوجه أنه من وفى الذي بمعنى أوفى، لا فرق بينهما في المعنى، قال الله تعالى {وإبْرَاهِيمَ الَّذِي وفَّى}.
وقال بعضهم: {وفَّى}بالتشديد بمعنى وفى بالتخفيف، وقال بعضهم: بل معناه وفى مرة بعد مرةٍ؛ لأنه بناءُ مبالغةٍ وتكثير، فعلى هذا يجوز أن يكون {يُوفُوا}بالتشديد أريد به معنى الكثرة؛ لأن النذور جمع.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {وَلْيُوفُوا}بسكون الواو وتخفيف الفاء.
والوجه أن وفى وأوفى لغتان، قال:
101- أما عمير فقد أوفى بذمته = كما وفى بقلاص النجم حاديها
[الموضح: 878]
قال الله تعالى {وأَوْفُوا بِعَهْدِ الله}، وقال {وْفُوا بِالْعُقُودِ} ). [الموضح: 879]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (30) إلى الآية (33) ]
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}


قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فتخطّفه الطّير (31)
قرأ نافع وحده (فتخطّفه الطّير)، بفتح الخاء وتشديد الطاء.
وقرأ الباقون (فتخطفه الطّير).
قال أبو منصور: من قرأه (فتخطّفه) فالأصل (فتختطه) فأدغم التاء في الطاء، وألقيت حركة التاء على الخاء ففتحت.
ومن قرأ (فتخطفه) فهو من خطف يخطف). [معاني القراءات وعللها: 2/180]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فتخطفه الطير} [31].
قرأ نافع {فتخطفه الطير}.
أراد فاختطفه، فنقل فتحة التاء إلى الخاء. وأدغم التاء في الطاء فالتشديد من جلل ذلك.
وقرأ الباقون {فتخطفه الطير} مخففًا، وهو الاختيار، لقوله تعالى: {إلا من خطف الخطفة} ولم يقل (اختطف).
وقد وافق نافع الجميع على التخفيف في قوله: {يكاد البرق يخطف} والقرآن يشهد بعضه لبعض، وإن كانت اللغتان فصيحتين، تقول العرب: خطف يخطف، واختطف يختطف، واستلب يستلب، وامتلع يمتلع بمعنى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/77]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحده: (فتخطفه) [الحج/ 31] مشدّدة الطاء. وقرأ الباقون: فتخطفه خفيفة.
قالوا: خطف يخطف، وخطف يخطف، وهذه أعلى، فأما قول نافع: (فتخطّفه الطّير) فإنما هو: تتخطّف تتفعّل، من الخطف، فحذف تاء التفعل فصار: فتخطّفه، وتخطّف في كلتا القراءتين حكاية حال تكون، والمعنى في قوله: (فتخطّفه الطير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق) أنه قوبل به قوله: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها [البقرة/ 256] فكما كان المؤمن في إيمانه متمسّكا بالعروة الوثقى، كان المشرك بعكس ذلك الوصف، فلم يتمسّك لكفره وشركه بشيء يتعلّق به، ولم يتمسّك بماله فيه أمان من الخرور ونجاة من الهوى واختطاف الطير له، كالمؤمن المتمسّك بإيمانه، فصار كمن خرّ من السماء، فهوت به الريح، فلم يكن له في شيء من ذلك متعلّق ولا معتصم فيكون له ثبات، ومثل هذا قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 5/276]
ولمّا رأيت الأمر عرش هويّة... تسليت حاجات النفوس بصيعرا
فالعرش مكان المستقي والماتح، وليس بموضع طمأنينة ولا استقرار إلّا على الخطر وخلاف الثقة بالموقف، يقول: لما رأيت الأمر لاثبات بعدت منه، وقريب منه قول الآخر:
فلا يرمى بي الرّجوان إنّي... أقلّ القوم من يغني غنائي
أي: لا أدفع إلى شيء لا يكون لي معه ثبات ولا قرار، كما أن من رمي به الرّجوان لم يقدر على استقرار ولا اطمئنان). [الحجة للقراء السبعة: 5/277]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فكأنّما خر من السّماء فتخطفه الطير}
قرأ نافع {فتخطفه} بفتح التّاء وتشديد الطّاء والأصل فتختطفه فأدغم التّاء في الطّاء وألقى حركة التّاء على الخاء ففتحها
وقرأ الباقون {فتخطفه} مخففا من خطف يخطف وهو الاختيار وحجتهم قوله تعالى {إلّا من خطف الخطفة} ولم يقل اختطف وهما لغتان تقول العرب خطف يخطف واختطف يختطف). [حجة القراءات: 476]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {فتخطفه} قرأه نافع بفتح الخاء مشددا. وقرأ الباقون بإسكان الخاء مخففا.
وحجة من شدد أنه بناه على «تتفعل» أي: فتخطفه، لكن حذفت إحدى التاءين كما حذفت في: تظاهرون وتساءلون، وفي: {لا تكلم نفس} «هود 105» أصله «تتكلم» ثم حذفت إحدى التاءين لاجتماع المثلين استخفافًا.
11- وحجة من خفف أنه بناه على خط «يخطف» فالتاء في {فتخطفه} للاستقبال ولتأنيث جماعة الطير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/119]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ}[آية/ 31] بفتح الخاء والطاء، مشددة الطاء:
قرأها نافع وحده.
والوجه أن أصله: تتخطفه بتاءين، فحذفت تاء التفعل لاجتماع التاءين فبقي تخطفه.
وقرأ الباقون {فَتَخْطَفُهُ}بإسكان الخاء وفتح الطاء وتخفيفها.
والوجه أنه مضارع خطف بكسر الطاء، يخطف بفتحها، وفيه لغتان: خطف يخطف كعلم يعلم وخطف يخطف كضرب يضرب، والأول أعلى). [الموضح: 879]

قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:45 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (34) إلى الآية (37) ]
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}


قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (منسكًا (34)
قرأ حمزة والكسائي (منسكًا) بكسر السين في الحرفين، وقرأ الباقون (منسكًا) بفتح السين فيهما.
[معاني القراءات وعللها: 2/180]
قال أبو منصور: من قرأ (منسكًا) جعله اسمًا، فمن جعله من نسك ينسك فلا سؤال فيه، ومن جعله من نسك ينسك عدّه في الحروف التي جاءت على (مفعل) من باب (فعل يفعل) نحو: المطلع، والمشرق، والمغرب، والمفرق.
ومن قرأ (منسكًا) فهو القياس في هذا الباب مصدرًا كان أو اسمًا؛ لأن أكثر الكلام في (المفعل) الذي يكون من باب (فعل يفعل) يجيء بفتح العين مثل: المحضر، المقعد، المخرج، إلا ما شذّ عنه). [معاني القراءات وعللها: 2/181]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {جعلنا منسكًا} [34].
قرأ حمزة والكسائي بكسر السين.
والباقون بالفتح.
وهما لغتان؛ المنسك والمنسك - وهما المكان المعتاد المألوف يقصده الناس وقتًا بعد وقت، وقال آخرون: النسيكة الذبيحة، يقال نسكت الشاة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/77]
ذبحتها، فكأن المذبح الموضع الذي يذبح فيه، وهو الاختيار في كل ما كان على فعل يفعل مثل قتل يقتل أن يجئ المصدر واسم المكان على مفعل مثل المقتل، ولا يقال المقتل إلا في أحرف جئن نوادر وهي المسجد والمنسك والمجزر. وقد ذكرت علة ذلك في سورة (الكهف) فأغني عن الإعادة ها هنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/78]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح السين وكسرها من قوله عز وجل: (منسكا) [الحج/ 34 - 67].
فقرأ حمزة والكسائي، (منسكا) بكسر السين في الحرفين جميعا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/277]
وقرأ الباقون: منسكا بفتح السين في الحرفين جميعا.
قال أبو علي: الفتح أولى لأنه لا يخلو من أن يكون مصدرا أو مكانا، وكلاهما مفتوح العين، إذا كان الفعل على: فعل يفعل، نحو:
قتل يقتل مقتلا، وهذا مقتلنا.
ووجه الكسر: أنه قد يجيء اسم المكان على المفعل من هذا النحو، نحو: المطلع، وإنما هو من طلع يطلع، والمسجد وهو من يسجد، فيمكن أن يكون هذا مما شذّ أيضا عن قياس الجمهور، فجاء اسم المكان على غير القياس، ولا يقدم على هذا إلا بالسمع، ولعلّ الكسائي سمع ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/278] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}
قرأ حمزة والكسائيّ {ولكل أمة جعلنا منسكا} بكسر السّين
[حجة القراءات: 476]
وهو المكان الّذي ينحر فيه كما يقال مجلس لمكان الجلوس قال الفراء هو المكان المألوف الّذي يقصده النّاس وقتا بعد وقت والمناسك سميت بذلك
وقرأ الباقون {منسكا} بالفتح والمنسك بمعنى المصدر وحجتهم ما روي عن مجاهد في قوله {منسكا} قال ذبحا تقول نسكت الشّاة أي ذبحتها المعنى جعلنا لكل أمة أن تتقرب بأن تذبح الذّبائح لله ويدل على ذلك قول {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم} أي عند ذبحها إيّاها ويقوّي المصدر قوله {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} فصار فعلا وقال بعض النّحويين من قال نسك ينسك قال منسكا بالفتح كما تقول دخل يدخل مدخلًا ومن قال نسك ينسك قال منسكا بالكسر فعلى هذا القول الفتح أولى لأنّه لا يخلو من أن يكون مصدرا أو مكانا وكلاهما مفتوح العين وإذا كان الفعل منه على فعل يفعل فالمصدر منه واسم المكان على مفعل نحو قتل يقتل مقتلا وهذا مقتلنا ودخل يدخل مدخلًا وهذا مدخلنا وكل ما كان على فعل يفعل مثل جلس يجلس فالاسم منه بالكسر والمصدر مفعل بالفتح والمكان مفعل بالكسر مثل مغرس اسما ومغرس مصدرا فلهذا قلنا الفتح أولى لأنّه يدل على المصدر والمكان والكسر يدل على المكان فحسب). [حجة القراءات: 477]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {منسكًا} قرأه حمزة والكسائي بكسر السين، وقرأ الباقون بالفتح على أنه مصدر أو اسم للمكان، لأن الفعل إذا كان على «فعل يفعل» أتى المصدر واسم المكان على «مفعل»، تقول: قتلته مقتلًا، أي قتلًا، وتقول: هذا مقتل القوم، فأما الكسر فهو اسم المكان، فقد يأتي اسم المكان من «فعل يفعل» بالكسر، قالوا: المطلع والمسجد، وهو خارج عن القياس، وكذلك «المنسك» بالكسر اسم المكان خارج عن القياس، وهذا لا يوجد إلا سماعا من العرب، لأن فيه خروجًا عن الأصول، والفتح هو الاختيار، لأنه الأصل في المصدر والمكان من «فعل يفعل» ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/119]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {مَنْسَكًا}[آية/ 34 و67] بكسر السين في الحرفين:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه يقال: نسك ينسك وينسك بالضم والكسر في المضارع، فيجوز أن يكون قوله {مَنْسَكًا}بكسر السين اسم المكان من نسك ينسك بالكسر، فيكون على القياس؛ لأن القياس يقتضي في المكان من يفعل بالكسر أن يكون على مفعل بالكسر أيضًا، ويجوز أن يكون من نسك ينسك
[الموضح: 879]
بالضم، فيكون شاذاً، كما قالوا: المطلع، من طلع، والمسجد من سجد، على الشذوذ، ويتوقف فيه على السماع. والكسائي لم يقرأ إلا بما سمع.
ويجوز أن يكون {مَنْسَكًا}مصدراً جاء شاذاً أيضًا، والقياس يقتضي الفتح، إلا أنه مثل المرجع مصدراً، كقوله تعالى {إلَى الله مَرْجِعُكُمْ}أي رجوعكم.
وقرأ الباقون {مَنْسَكًا}بفتح السين في الحرفين.
والوجه أنه إذا كان من نسك ينسك بالضم، فإنه يصح أن يكون مصدراً أو مكانًا، فكلاهما مفتوح العين، إذا كان الفعل على فعل يفعل بالضم نحو قتل يقتل مقتلاً وهذا مقتلنا، وأما إذا كان من نسك ينسك بالكسر، فإنه يكون مصدراً، فإن المصدر في القياس لا يكون إلا بالفتح، سواء كان المضارع بضم العين أو بكسرها.
وأما المعنى فإنه إذا كان مكانًا فالمراد: لكل أمة جعلها موضع عبادة، وإذا كان مصدراً فالمراد: لكل أمة جعلنا ذبيحة يُتنسك بها، والذبيحة تسمى نسكاً ومنسكاً على المصدر، ويجوز أن يكون المراد به وإن كان مصدراً: المكان أيضًا، فيكون على حذف المضاف، كأنه قال: موضع منسكٍ). [الموضح: 880] (م)

قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق، ورويت عن أبي عمرو: [وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ]، بالنصب.
قال أبو الفتح: أراد "المقيمين"، فحذف النون تخفيفا، لا لِتُعَاقِبَها الإضافة، وشبه ذلك باللذين والذين في قوله:
فإنَّ الذِي حانَتْ بفلجٍ دماؤهُم ... هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
حذف النون من الذين تخفيفا لطول الاسم، فأما الإضافة فساقطة هنا، وعليه قول الأخطل:
أبَنِي كُلَيبٍ إنَّ عَمِّيَّ اللَّذا ... قَتَلا الملوكَ وفَكَّكَا الأغلالا
حذف نون "اللذان" لما ذكرنا، لكنّ الغريبَ من ذلك ما حكاه أبو زيد عن أبي السمال أو غيره أنه قرأ: [غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ]، بالنصب. فهذا يكاد يكون لحنا؛ لأنه ليست مع لام التعريف المشابهة للذي ونحوه، غير أنه شبه "معجزي" بالمعجزي، وسوغ له ذلك علمه بأن "معجزي" هذه لا تتعرف بإضافتها إلى اسم الله تعالى ، كما لا يتعرف بها ما فيه الألف واللام، وهو [الْمُقِيمِي الصَّلاةَ] فكما جاز النصب في [الْمُقِيمِي الصَّلاةَ] كذلك شبه به [غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ]. ونحو [الْمُقِيمِي الصَّلاةَ]
بيت الكتاب:
الحافِظُو عَوْرَةَ العشِيرَةَ لَا ... يأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَفُ
بنصب "العورةَ" على ما ذكرتُ لك. وقال آخر:
قَتَلْنَا ناجيًا بقتِيلِ عَمْرِو ... وَخَيْرُ الطَّالِبي التِّرَةَ الغَشُومُ
ومثل قراءة من قرأ: [غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ]، بالنصب قول سويد:
ومَسَامِيحُ بِِمَا ضَنَّ بِهِ ... حَابِسُو الأنْفُسَ عنْ سُوءِ الطَّمَعْ
[المحتسب: 2/80]
وقرأ بعض الأعراب: [إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابَ الْأَلِيمَ]، بالنصب.
وأخبرنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس، قال: سمعت عمارة يقرأ: [وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ]، فقلت له: ما أردت؟ فقال: أردت: سابقٌ النهارَ، فقلت له: فهلا قلته. فقال: لو قلته لكان أوزن، يريد: أقوى وأقيس. وقد ذكرنا هذا ونحوه في كتابنا الخصائص وغيره من كتبنا). [المحتسب: 2/81]

قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وإبراهيم وأبي جعفر محمد بن علي والأعمش، واختلف عنهما، وعطاء بن أبي رباح والضحاك والكلبي: [صَوَافِنَ].
وقرأ: [صَوَافِيَ] أبو موسى الأشعري والحسن وشفيق وزيد بن أسلم وسليمان التيمي، ورويت عن الأعرج.
قال أبو الفتح: هي [الصافنات] في قول الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد}، إلا أنها استعملت هنا في الإبل. والصافن: الرافع إحدى رجليه، واعتماده منها على سنبكها. قال عمرو بن كلثوم:
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عاكِفَةً عَلَيْهِ ... مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا
[المحتسب: 2/81]
و[صَوَافِيَ] أي: خوالص لوجهه وطاعته. وقال العجاج:
حتَّى إذا ما آضَ ذا أعرافِ ... كالْكَوْدَنِ المَشْدُودِ بالْوِكَافِ
قالَ الذِي عِنْدَكَ لِي صَوَافِي). [المحتسب: 2/82]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [القنِعَ].
قال أبو الفتح: يريد {القانع}، وهي قراءة العامة، إلا أنه حذف الألف تخفيفا وهو يريدها وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وأنشدنا فيه قوله:
أصبحَ قَلْبِي صَرِدَا ... لا يشْتِهِي أنْ يَرِدَا
إلا عِرَادًا عِرَادَا ... وصِلِّيَانًا بَرٍدَا
وَعَنْكَثًا مُلْتَبِدَا
يريد عارِدًا وبارِدًا. ونحوه ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر:
أَلَا لَا بارَكَ اللهُ في سُهَيْلِ ... إذا مَا اللهُ بارَكَ في الرِّجالِ
أراد: لا بارَكَ اللهُ، فحذف الألف تخفيفًا. وعليه قول الآخر:
مثل النَّقا لّبده ضرب الطَّلَلْ
يريد الطَّلال، كما قال القحيف العقيلي:
ديارُ الْحَيِّ تضرِبُها الطِّلالُ ... بِها أهلٌ مِنَ الخافي ومالُ). [المحتسب: 2/82]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء وعمرو بن عبيد: [والْمُعْتَرِي] خفيفة، من اعتريت.
[المحتسب: 2/82]
قال أبو الفتح: يقال: عَرَاهُ يَعْرُوهُ عَرْوًا فهو عَارٍ، والمفعول مَعْرُوّ. واعتراه يعتريه اعتراء فهو مُعتَرٍ. والمفعول مُعترًى. وعرَّه يَعَرُّه عرًّا فهو عَارٌّ. والمفعول معرور. واعتره يعترُّه اعترارًا فهو معتَرٌّ، والمفعول مُعْتَرٌّ أيضا. لفظ الفاعل والمفعول به سواء. وكله: أتاه وقصده. والقانع: السائل، والمعتر: المتعرض لك من غير مسألة. قال ابن أحمر:
ثُمّ تَعُرُّ الماءَ فِيمَنْ يَعُر
قال طرفة:
في جِفَانٍ تَعتَرِي نَادِيَنَا ... وسَدِيف حِينَ هَاجَ الصِّنَّبِرْ). [المحتسب: 2/83]

قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم (37)
قرأ يعقوب وحده (لن تنال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن تناله التّقوى منكم) بالتاء في الحرفين.
وقرأ الباقون بالياء فيهما.
قال أبو منصور: إذا تقدم فعل الجماعة فأنت بالخيار إن شئت أنّثت وإن شئت ذكّرت.
فمن ذكّره ذهب به إلى الجمع وهو مذكر، ومن أنّث ذهب به إلى الجماعة وهي مؤنثة). [معاني القراءات وعللها: 2/181]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى}[آية/ 37] بالتاء، وكذلك فيما قبله:
قرأهما يعقوب وحده.
[الموضح: 880]
والوجه أنه إنما أُنث الفعل فيهما لتأنيث الفاعل.
أما الأول وهو قوله {لَن تَنَالَ الله لُحُومُهَا}فإنما أُنث {تَنَالَ}؛ لأن فاعله جماعة، وهي قوله {لُحُومُهَا}. وأما الثاني وهو قوله {تَنَالُهُ التَّقْوَى}فإنما أُنث؛ لأن فاعله {التَّقْوَى}وهي مصدر مؤنث؛ لكونه على فعلى.
وقرأ الباقون بالياء فيهما.
والوجه أن تذكير الفعل إنما هو للفصل بين الفعل وفاعله.
أما الأول فقد فصل بين الفعل منه وهو {يَنَالَ}وبين فاعله وهو: اللحوم، بلفظ {الله}، وأكد التذكير أن تأنيث اللحوم تأنيث جمع، فيجوز تذكيره.
وأما الثاني فقد فصل بين الفعل منه وفاعله بالهاء وهو ضمير المفعول في قوله {يَنَالُهُ التَّقْوَى}، والتأنيث في الفاعلين كلاهما غير حقيقي، فالأمر فيه أسهل). [الموضح: 881]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (38) إلى الآية (41) ]
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) }


قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا (38)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إن الله يدفع) بغير ألف. وقرأ الباقون (يدافع) بألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/181]
قال أبو منصور: من قرأ (يدافع) فهو من دافع يدافع، بمعنى: دفع.
وقد جاءت حروفٌ على (فاعل) للواحد، منها: قاتله اللّه، وعافاه اللّه، وعاهدت الله.
ومن قرأ (يدفع) فهو من دفع يدفع). [معاني القراءات وعللها: 2/182]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) [الحج/ 38] ولو لادفع الله الناس [الحج/ 40] بغير ألف.
وقرأ نافع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، (ولولا دفاع الله) بألف.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إن الله يدافع بألف، ولولا دفع الله بغير ألف.
قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله جعلوا الدفع مصدر دفع، وقراءة نافع: إن الله يدافع (ولولا دفاع الله)، فدفاع يكون مصدر دافع، كما أن القتال مصدر قاتل. فأما من فصل بين الفعل والمصدر وقرأ: إن الله يدافع ولولا دفع الله فيجوز
[الحجة للقراء السبعة: 5/278]
أن يكون وافق قراءة من قرأ: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله وذلك أن فاعل في معنى فعل مثل: طارقت النّعل، ولا يصح أن يكون مثل قاتل وضارب، فهو مثل واعد التي يراد به فعل، فجاء يدفع على أن معنى الفعل فعل، وإن كان لفظه على فاعل، مثل: طارقت النّعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله.
ولو قرأ قارئ: (ولولا دفاع الله الناس) وقرأ: (إن الله يدفع) لجاز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، لا يريد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والعتاب، وقال أبو الحسن: أكثر الكلام: (إن الله يدفع) بغير ألف. قال: وتقولون: دفع الله عنك، قال: ودافع عربية إلا أن الأول أكثر). [الحجة للقراء السبعة: 5/279] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الله يدافع عن الّذين آمنوا} 38
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إن الله يدفع عن الّذين آمنوا) بغير ألف من دفع يدفع دفعا وحجتهما أن الله جلّ وعز لا يدافعه
[حجة القراءات: 477]
شيء وهو يدفع عن النّاس فالفعل وحده له لا لغيره
وقرأ الباقون {إن الله يدافع} بالألف وحجتهم أن يدافع عن مرّات متواليات لأن قول القائل دافعت عن زيد يجوز أن يراد به دفعت عنه مرّة بعد مرّة وليس ينحى به نحو قاتلت زيدا بل ينحى به نحو قوله {قاتلهم الله} والفعل له لا لغيره ونحو هذا طارقت النّعل وسافرت). [حجة القراءات: 478]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {إن الله يدافع} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/119]
وإسكان الدال من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الياء وبألف بعد الدال.
وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعل الفعل من واحد، وهو الله جل ذكره، يدفع عمن يشاء، ولما كان في إثبات الألف احتمال أن يكون الفعل من اثنين، والله وحده هو الدافع، كان ترك إثبات الألف أولى لزوال الاحتمال، وهو الاختيار، لما في إثبات الألف من الاحتمال ان يكون الدفع من اثنين من دافع ومن مدفوع عنه، والمدفوع عنه لا حظ له في الدفع، لكن يُحمل على تكرير الفعل، أي يدفع عنهم مرة بعد مرة، فيصح لفظ {يدافع} من واحد، ومثله: {قاتلهم الله} «التوبة 30» ليس هو من اثنين، والعرب تخرج «فاعل» من واحد، نحو: سافر زيد.
14- وحجة من قرأ بألف أنه حمله أيضًا على الواحد، لأن المفاعلة قد تكون من واحد، نحو: عاقبت اللص، وداويت العليل، وقد تكون «فَاعَل» للتكرير، أي يدفع عنهم مرة بعد مرة، وقد يأتي «فاعل» من واحد، قالوا: سافر زيد، وقد ذكرناه، وقد تقدم ذكر «دفع» وعلته في البقرة، والكلام عليه كالكلام في {يدافع} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/120]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {إنَّ الله يُدَفِعُ}[آية/ 38] بغير ألف:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أنه مضارع دفع، يقال: دفع يدفع دفعًا، والمعنى يدفع السوء.
وقرأ الباقون {يُدَافِعُ}بالألف.
والوجه أنه مضارع دافع، يقال: دافع يدافع مدافعة ودفاعًا، ودافع ههنا بمعنى دفع؛ لأن الفعل من واحد، كطارقت النعل وعاقبت اللص، وهم للدفاع في هذا المعنى أكثر استعمالاً منهم للدفع، وإن كان المعنى واحداً). [الموضح: 881]

قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أذن للّذين يقاتلون (39)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (أذن للّذين) بفتح الألف (يقاتلون) بكسر التاء.
وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (أذن للّذين) بضم الألف (يقاتلون) بكسر التاء.
وقرأ ابن عامر (أذن للّذين يقاتلون) بفتح الألف والتاء جميعًا.
وقرأ نافع وحفص: (أذن) - بضم الألف -، (يقاتل) - بفتح التاء -.
قال أبو منصور: من قرأ (أذن) بفتح الألف فالمعنى: أذن اللّه للذين يقاتلون أو: يقاتلون، و(أنهم ظلموا)، أي: أذن لهم بسبب ما ظلموا أن يقاتلوا، وكذلك المعنى فيمن قرأ (أذن)، وإذا قرئ (يقاتلون) فهم فاعلون، وإذا قرئ (يقاتلون) فهم مفعولون). [معاني القراءات وعللها: 2/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون} [39].
قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي (أذن) بفتح الألف و(يقتلون) بكسر التاء، والتقدير: أذن الله تعالى يقاتلون من ظلمهم، وكذلك التقدير في قراءة الباقين.
وقرأ أبو عمر، وأبو بكر عن عاصم: بكسر التاء وضم الألف.
وقرأ ابن عامر: بفتح التاء، والألف جميعًا.
وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: {أذن} بالضم {يقتلون} بالفتح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وضمّها من قوله تعالى: أذن للذين يقاتلون [الحج/ 39].
فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (أذن للذين) مفتوحة الألف مكسورة التاء.
وقرأ نافع وأبو عمارة وابن اليتيم وهبيرة عن حفص عن عاصم:
أذن برفع الألف يقاتلون مفتوحة التاء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو أذن للذين يقاتلون مضمومة الألف مكسورة التاء. وقرأ ابن عامر (أذن للذين يقاتلون) مفتوحة الألف والتاء.
قال أبو علي: المأذون لهم في القتال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما ظلموا به: أنّ المشركين أخرجوهم من ديارهم وشرّدوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوّءوا المدينة بعد، فمن قرأ: (أذن) فبنى الفعل للفاعل فلما تقدّم من ذكر الله تعالى وقوله: الذين يقاتلون في موضع نصب.
ومن قرأ: أذن فبنى الفعل للمفعول به، فالمعنى على أن الله
[الحجة للقراء السبعة: 5/280]
سبحانه أذن لهم في القتال، والجار والمجرور في موضع رفع لإسناد الفعل المبني للمفعول إليهما.
ومن قرأ: (يقاتلون) فالمعنى أنهم يقاتلون عدوهم، والظالمين لهم بإخراجهم عن ديارهم.
ومن قرأ: أذن للذين يقاتلون فالمعنى فيه: أذن الله للذين يقاتلون بالقتال، ومعاني هذه القراءات متقاربة. وزعموا أن في بعض القراءات: في سبيل الله وهذا يصلح أن يكون في قراءة من قرأ:
(يقاتلون) ويقاتلون لأن من يقاتل المشركين ومن يقاتل من المسلمين، فقتاله في سبيل الله، وحذف مثل هذا في الكلام للدّلالة عليه حسن كثير، والذي أظهره أخرج ما حذفه الجمهور من اللفظ إلى اللفظ.
وممّا يقوي قول من قال: يقاتلون بأنهم ظلموا بأن الفعل الذي بعده مسند إلى المفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 5/281]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم {أذن للّذين يقاتلون} بضم الألف أي اذن الله للّذين يقاتلون ثمّ رد إلى ما لم يسم فاعله
وقرأ الباقون {آذن} بفتح الألف وحجتهم أنه قرب من قوله قبلها {إن الله لا يحب كل خوان كفور} فأسندوا الفعل إلى الله لتقدم اسمه وأن الفعل قرب منه وأخرى وهي أن الكلام عقيبه جرى بتسمية الله وهو قوله {وإن الله على نصرهم لقدير} فكان الأولى أن يكون ما بينهما في سياق الكلام بلفظهما ليأتلف الكلام على نظام واحد عن مجاهد في قوله {أذن للّذين يقاتلون} قال ناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكّة إلى المدينة وكانوا يمنعون فأدركهم الكفّار فأذن للمؤمنين بقتال الكفّار فقاتلوهم قال مجاهد هو أول قتال أذن به للمؤمنين
قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التّاء على ما لم يسم فاعله أي
[حجة القراءات: 478]
يقاتلهم الكفّار ويقوّي هذا قوله {بأنّهم ظلموا} أن الفعل بعده مسند إلى المفعول به قال عاصم لو كانت يقاتلون بكسر التّاء ففيم أذن لهم فكأنهم ذهبوا إلى أن المشركين قد كانوا بدؤوهم بالقتال فأذن الله لهم حين قاتلوا أن يقاتلوا من قاتلهم وهو وجه حسن لأن المشركين قد كانوا يقتلون أصحاب النّبي صلى الله عليه وكان المؤمنون ممسكين عن القتال لأنهم لم يؤمروا به فأذن الله لهم أن يقاتلوا من قاتلهم
وقرأ الباقون بكسر التّاء لأنهم فاعلون المعنى يقاتلون عدوهم الظّالمين لهم بإخراجهم من ديارهم وحجتهم في حرف أبي (أذن للّذين قاتلوا) ). [حجة القراءات: 479]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {أذن للذين} قرأه نافع وأبو عمرو وعاصم بضم الهمزة، على ما لم يسم فاعله، فـ «الذين» يقوم مقام الفاعل، والله هو الفاعل، وقرأ الباقون {أذن} بفتح الهمزة، على أنهم بنوا الفعل للفاعل المتقدم الذكر، وهو الله جل ذكره، فهو مضمر في {أذن}، و{للذين} في موضع نصب يتعدى الفعل إليهم بحرف الجر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/120]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {يقاتلون} قرأه نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء، على ما لم يسم فاعله، على معنى: أذن الله للذين يقاتلون عدوهم بالقتال لعدوهم، ويقوي هذه القراءة قوله: {بأنهم ظلموا} فدل ذلك على أنهم قوتلوا، فأتى الفعلان على ما لم يسم فاعله، وهو الاختيار، لصحة معناه؛ لأنهم لما قوتلوا وظلموا بالقتال أذن الله لهم بقتال عدوهم، وقد قيل: إنها أول آية نزلت في إباحة قتال المشركين، وقرأ الباقون بكسر التاء، أضافوا الفعل إلى الفاعل، على تقدير: أذن الله للذين يريدون قتال عدوهم بالقتال، وقد تقدم ذكر «قتلوا، ومدخلا، وكأين، وليضل، وترجع الأمور» وشبه ذلك، فأغنى عن إعادته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/121]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أُذِنَ لِلَّذِينَ}[آية/ 39] بضم الألف:
قرأها نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به، والجار والمجرور في موضع رفع بإسناد الفعل الذي لم يسم فاعله إليه، والله تعالى هو الذي أذن لهم في القتال، والمأذون لهم في القتال هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما لم يشتبه المعنى بني الفعل للمفعول به، إذ الفاعل غير مشتبه، وما بعده أيضًا على ما لم يسم فاعله وهو قوله {ظَلَمُوا}وفاعل الظلم أيضًا لا يشتبه، لأنهم هم المشركون.
وقرأ الباقون {أُذِنَ}بفتح الألف.
والوجه أن الفعل بني للفاعل، والفاعل هو الله تعالى والمعنى أذن الله للذين يقاتلون في قتال الكفار بسبب أنهم ظلموا، وذلك أن المشركين أخرجوهم من ديارهم). [الموضح: 882]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {يُقَاتِلُونَ}[آية/ 39] بفتح التاء:
قرأها نافع وابن عامر و- ص- عن عاصم.
والوجه أن المراد يقاتلهم الذين ظلموهم بإخراجهم من ديارهم، فهم مفعولون.
وقرأ الباقون {يُقَاتِلُونَ}بكسر التاء.
[الموضح: 882]
والوجه أنه أراد أنهم يقاتلون ظالميهم، فهم فاعلون). [الموضح: 883]

قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لهدّمت صوامع (40)
قرأ ابن كثير ونافع (لهدمت) خفيفة الدال.
وقرأ الباقون (لهدمت) مشددة.
قال أبو منصور: (لهدّمت) للتكثير، ومن خفف فهو جائز، كقولك: قتل الرجال، وقتّلوا). [معاني القراءات وعللها: 2/183]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- قوله تعالى: {لهدمت صومع} [40].
قرأ ابن كثير ونافع {لهدمت} خفيفًا.
وقرأ الباقون مشددًا، وهما لغتان، غير أن التشديد للتكثير. هدمت شيئًا بعد شيء مثل ذبحت، وذبحت، فقال الحسن: تهديمها: تعطيلها، فهذا شاهد لمن شدد.
فإن قيل لك: كيف تهدم الصلوات؟
ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أن تهدم موضع الصلوات وهي المساجد، فإذا هدموا موضع الصلوات فقد هدموا الصلاة وأبطلوها.
والجواب الآخر: أن الصلوات ها هنا بيوت النصارى يسمونها صلواتًا.
حدثني ابن مجاهد قال: حدثنا إدريس عن خلف عن محبوب عن داود عن أبي العالية في قوله: {وصلوت ومسجد} قال: الصلوات: بيوت الصابئين يسمونها صلواتًا. قال الشاعر:
إتق الله والصلاة فدعها = إن في الصوم والصلاة فسادا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/78]
يعني بالصلاة في هذا البيت: بيت النصارى، وبالصوم ذوق النعام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس} [40].
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {دفع الله} بغير ألف. {وإن الله يدفع} [38] كمثل.
وكان أبو عمرو يقول: {يدفع} لحن.
وقرأ نافع {يدفع}، {ولولا دفع الله} بألف فيهما.
وقرأ الباقون، {يدفع} بألف {ولولا دفع الله} بغير ألف، وهما لغتان غير أن الدفاع: فعل من اثنين دافعته مثل ناظرته، والدفع: من واحد, وقد يكون فاعلت من واحد، كقولهم: طارقت النعل، وعافاك الله وقد أشبعت ذلك في سورة (البقرة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) [الحج/ 38] ولو لادفع الله الناس [الحج/ 40] بغير ألف.
وقرأ نافع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، (ولولا دفاع الله) بألف.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إن الله يدافع بألف، ولولا دفع الله بغير ألف.
قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله جعلوا الدفع مصدر دفع، وقراءة نافع: إن الله يدافع (ولولا دفاع الله)، فدفاع يكون مصدر دافع، كما أن القتال مصدر قاتل. فأما من فصل بين الفعل والمصدر وقرأ: إن الله يدافع ولولا دفع الله فيجوز
[الحجة للقراء السبعة: 5/278]
أن يكون وافق قراءة من قرأ: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله وذلك أن فاعل في معنى فعل مثل: طارقت النّعل، ولا يصح أن يكون مثل قاتل وضارب، فهو مثل واعد التي يراد به فعل، فجاء يدفع على أن معنى الفعل فعل، وإن كان لفظه على فاعل، مثل: طارقت النّعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله.
ولو قرأ قارئ: (ولولا دفاع الله الناس) وقرأ: (إن الله يدفع) لجاز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، لا يريد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والعتاب، وقال أبو الحسن: أكثر الكلام: (إن الله يدفع) بغير ألف. قال: وتقولون: دفع الله عنك، قال: ودافع عربية إلا أن الأول أكثر). [الحجة للقراء السبعة: 5/279] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الدال وتخفيفها من قوله: لهدمت صوامع [الحج/ 40].
فقرأ ابن كثير ونافع: (لهدمت صوامع) خفيفة الدال وقرأ الباقون: لهدمت مشدّدة الدال.
هدمت يكون للقليل والكثير، يدلّك على ذلك أنك تقول:
ضربت زيدا ضربة، وضربته ألف ضربة، فاللفظ في القلة والكثرة على حالة واحدة، وهدّمت يختص به الكثير، كما أن الرّكبة والجلسة تختص بالحال التي هو عليها، وفي التنزيل: وغلقت الأبواب [يوسف/ 23]، وقال الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 5/279]
ما زلت أفتح أبوابا
وأغلقها... حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار
فهذا وجه من قال: (لهدمت صوامع) بالتخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 5/280]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري بخلاف: [وصُلُوتٌ] بضم الصاد واللام، وإسكان الواو، والتاء.
وروى عنه: [وصِلْواتٌ]. بكسر الصاد، وجزم اللام بعد الواو. بالتاء.
وقرأ: [وصُلُوتٌ] أبو العالية -بخلاف- والحجاج بن يوسف- بخلاف- والكلبي.
وقرأ: [وصُلُوتٌ] الحجاج. ورويت عن الجحدري.
وقرأ: [وَصُلُوَتٌ] جعفر بن محمد.
وقرأ: [وصُلُوتًا] مجاهد.
وقرأ: [وصلَوَاتٌ] الجحدري والكلبي بخلاف.
وقرأ: [وصِلْوِيتًا] عكرمة.
قال أبو الفتح: اعلم أن أقوى القراءات في هذا الحرف هو ما عليه العامة، وهو: {صَلَوَاتٌ}
[المحتسب: 2/83]
ويلي ذلك [صُلُواتٌ] و [صُلَوَات] و[صِلْوَاتٌ]. فأما بقية القراءات فيه فتحريف وتشبث باللغة السريانية واليهودية.
وذلك أن الصلاة عندنا من الواو، يدلك على ذلك ما كان رآه أبو علي فيها، وذلك أنها من الصَّلَوَيْن وهما مكتنِفا ذنَب الفرس وغيره مما يجري مجرى ذلك، قال: واشتقاقه منه أن تحريك الصَّلَوَيْنِ أول ما يظهر من أفعال الصلاة، فأما الاستفتاح ونحوه من القراءة والقيام فأمر لا يظهر، ولا يخص ما ظهر منه الصلاة، لكن الركوع أول ما يظهر من أفعال المصلي. وقولهم أيضا في الجمع: صلواتٌ، قاطع بكون اللام واوا، وإنما ذكرنا وجه اشتقاقها من الصَّلَوَيْن. فصلوات جمع صلاة، كقنوات من قناة.
وأما [صُلُوَات] و[صُلَوَات] فجمع صُلْوَة، وإن كانت غير مستعملة. ونظيرها حُجْرَة وحُجُرَات وحُجَرَات. وأما [صِلْوَات] فكأنه جمع صِلْوَة كرِشْوَة ورِشْوَات، وهي أيضا مقدرة وغير مستعملة، كتقدير [صُلْوَة]. وقد تكون [صُلَوَات] بفتح اللام أيضا جمع صُلاة كطُلاة وطُلَيَات. وإنما بدأنا بقولنا إنها جمع صُلْوَة كحُجُرات جمع حُجْرَة، ولم تقدم ذكر صلاة المتقدرة ليقل تقدير ما لم يخرج إلى الاستعمال.
ومعنى [صَلَوات] هنا: المساجد، وهي على حذف المضاف، أي: مواضع [الصَّلَوَات]، ومنه قولهم: صلى المسجد، أي: أهله. وأذن المسجد، أي: مؤذنه. وقال:
نبِّئْتُ أنّ النارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ ... وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ
قال أبو حاتم: ضاقت صدورهم لما سمعوا {هُدِّمَتْ صَلَوَاتٌ}، فعدلوا إلى بقية القراءات، وقال الكلبي: [صُلُواتٌ]: مساجد اليهود، وقال الجحدري: [صُلُواتٌ]: مساجد النصارى. وعندنا من خارج باب الموصل بيوت يدفن فيها النصارى تعرف بالباصَلُوث، بثاء منقوطة
[المحتسب: 2/84]
بثلاث، وقال قطرب: صُلُوث بالثاء: بعض بيوت النصارى، قال: والصُّلُوثُ: الصوامع الصغار لم يسمع لها بواحد، قال: وقال ابن عباس: [صَلَوَات]: كنائس اليهود، وصوامع الرهبان، وبِيَع النصارى.
وقال أبو حاتم: قال الحسن: تهديمها: تعطيلها، وقول الله سبحانه: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، ثم قال: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، فهذا يدل على أن المراد: لا تقربوا المسجد، فقال: "الصلاة"). [المحتسب: 2/85]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع}
قرأ نافع (ولولا دفاع الله النّاس) بالألف وقرأ الباقون {ولولا دفع الله} وقد بيّنت في سورة البقرة
قرأ نافع وابن كثير {لهدمت} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد وهما لغتان غير أن التّشديد للتكثير {لهدمت} شيئا بعد شيء مثل ذبحت وذبحت). [حجة القراءات: 479]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {لهدمت} قرأ الحرميان بالتخفيف؛ لأنه يقع للقليل والكثير، وهو أخف، وقرأ الباقون بالتشديد، ليخلصوا الفعل إلى التكثير، لكثرة الصوامع والبيع والصلوات والمساجد، فالتشديد الذي يدل على التكثير أولى وهو الاختيار لكثرة ما دفع الله من الهدم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/121]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {ولَوْلا دَفْاعُ الله}[آية/ 40] بالألف وكسر الدال:
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أن دفاعًا مصدر دافع، والفعل من واحد كطارقت النعل، وقد سبق.
ويجوز أن يكون الدفاع مصدراً من دفع كالكتاب من كتب.
وقرأ الباقون {ولَوْلا دَفْعُ الله}بغير ألف.
والوجه أنه مصدر دفع يدفع، وهو الأصل في الباب). [الموضح: 883]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ}[آية/ 40] بتخفيف الدال:
قرأها ابن كثير ونافع.
والوجه أن الفعل إذا كان مخففًا فإنه ينطلق على القلة والكثرة جميعًا، بدليل قولهم: ضربته ضربة وضربتين وألف ضربةٍ، فالمخفف إذاً يكون ههنا بمعنى الكثرة.
وقرأ الباقون {هُدِّمَتْ}بالتشديد.
والوجه أن التفعيل يختص الكثرة، فاختير ههنا؛ لأن الصوامع جمع. وأدغم التاء أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.
[الموضح: 883]
والوجه أن إدغام التاء في الصاد جائز حسن لتقاربهما في المخرج واشتراكهما في الهمس.
وقرأ الباقون بالإظهار.
والوجه أنهما حرفان غير مثلين، والإظهار أصل، فأجروه على الأصل). [الموضح: 884]

قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:48 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (42) إلى الآية (45) ]

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)}


قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)}
قوله تعالى: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)}
قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)}
قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فكأيّن من قريةٍ أهلكتها (45)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (أهلكتها) بالتاء.
وقرأ الباقون (أهلكناها) بالنون.
قال أحمد بن يحيى: ما كان من هذا للّه وحده دون أعوانه فهو على التوحيد، وما كان على لفظ الجمع فهو ما فعله بأعدائه، وجائز أن يكون اللفظ لفظ الجميع، وقد تفرد به أبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 2/183]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وبئرٍ معطّلةٍ (45)
أخبرني المنذري عن ابن السكيت قال: البئر أنثى، تصغيرها بؤيرة، وتجمع ثلاث أبؤر، وتجمع أبئارا، ويقلب فيقال آبار، وتجمع أيضًا بيار وروي لورش عن نافع، وابن جماز، ويعقوب، وخارجة (وبيرٍ معطّلةٍ) بلا همزة.
[معاني القراءات وعللها: 2/183]
قال الأصمعي: سألت نافعًا عن (البير) و(الذيب) أتهمز؟
فقال: إن كان العرب تهمزها فاهمزها. والباقون يهمزون. وكذلك قرئ لنافع بالهمز.
قال أبو منصور: كلام العرب الجيد في (البئر) و(الذئب) الهمز.
ويقال للحفرة البؤرة وبأرت بئرا، أي: احتفرت بئرًا). [معاني القراءات وعللها: 2/184]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {أهلكناها} [45].
قرأ أبو عمرو وحده {أهلكتها} بالتاء كقوله: {فكيف كان نكير} الله تعالى يخبر عن نفسه بلفظ الواحد.
وقرأ الباقون {أهلكناها} بالنون على لفظ الجمع، وإن كان الله هو المخبر عن نفسه. كما قال {نحن قمسنا بينهم معيشتهم} والقرية لا تهلك، إنما يهلك أهلها. فإذا هلك الأهل تعطلت القرية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/80]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {وبئر معطلة} [45].
كان نافع لا يهمز البئر في رواية ورش.
وأبو عمرو يخير فيها إذا قرأ بترك الهمز.
والباقون يهمزون وهو الأصل. تقول العرب: بأرت البئر أبار وجمع البئر: أبار. ويقال لحفرة تحفر كالشور: البؤرة بالهمز تشبيها بذلك. ويقال: للبئر الجب، ويقال لناحيتها الجال.
ويقال لها الركية، والطوى وبئر ذمة قليلة الماء، والماتح الذي يسقى الماء، والمائح الذي ينزل إلى أسفل البشر فيغرف الماء بيده إذا قل ماء الركية. قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/80]
يأيها الماتح دلوى دونكا
إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرً ويمجدنكا
ويقال البئر: الجهنام والرس والبئر مؤنثة، تصغيرها بئيرة.
سمعت ابن مجاهد يقول: قال الأصمعي: سألت نافعًا عن همز البئر فقال: إن كانت العرب تهمزها فهمزها. ويقال للبئر إذا كانت كثيرة الماء: بئر زغرب وغيلم، وقليذم، وعرية كل ذلك بمعنى قليذم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/81]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ أبو عمرو وحده: (أهلكتها) [الحج/ 45] بالتاء.
وقرأ الباقون: أهلكناها بالنون، وروى عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم: (أهلكتها) بالتاء.
وجه قراءة: (أهلكتها) أن قبله: وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير [الحج/ 44] وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها [الحج/ 48] فهو أشبه بما قبله وما بعده مع أن الأصل في هذا النحو الأفراد.
ومن قرأ: أهلكناها فيشبه أن يكون لما رأى من كثرة ذلك في
[الحجة للقراء السبعة: 5/281]
التنزيل بلفظ الجمع نحو: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا [الأعراف/ 4] ولقد أهلكنا القرون من قبلكم [يونس/ 13] وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/282]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز البئر وترك همزها [من قوله تعالى: وبئر معطلة] [الحج/ 45].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: وبئر مهموزة.
وقرأ نافع في رواية ورش، وابن جماز ويعقوب وخارجة: (وبير) بغير همز. وقال الأصمعي: سألت نافعا عن البير والذيب فقال: إن كانت العرب تهمزها فأهمز. واختلف عن المسيّبي، فروى ابن المسيّبي عن أبيه عن نافع أنه لم يهمز، وروى أبو عمارة عن المسيبي عن نافع أنه همز. حدثني عبد الله بن الصقر عن محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع [أنه] لم يهمز (وبير).
وروى عبيد عن هارون عن أبي عمرو: وبئر مهموز.
قال أبو علي: تحقيق الهمز حسن وتخفيفه حسن، وتخفيفه أن تقلب ياء بحسب الحركة التي قبلها، وكذلك الذئب وما أشبه ذلك من همزة ساكنة قبلها كسرة). [الحجة للقراء السبعة: 5/282]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري: [وَبِئْرٍ مُعَطَلَةٍ]، ساكنة العين.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ذلك على عَطَلَتْ أو أَعْطَلَتْ أو عَطِلَتْ فهي عَاطِل، وأَعْطَلْتُها فهي مُعْطَلة، فيكون منقولا من ثلاثي على فَعَلْتُ أو فَعِلْتُ، والفتح أولى بالعين فيه من الكسر؛ لأن عَطِلَ يقال للمرأة إذا عَطِلَتْ من الحَلْي، كما قال في ضِده: حَلِيَت فهي حالِيَة، وقالوا: امرأة عاطل بلا هاء، كأخواتها من طاهر وطامث). [المحتسب: 2/85]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة} 45
قرأ أبو عمرو (أهلكتها) بالتّاء وحجته ما تقدم وما تأخّر فأما ما تقدم فقوله {وكذب موسى فأمليت للكافرين ثمّ أخذتهم}
[حجة القراءات: 479]
44 - {وما تأخّر} قوله {وكأين من قرية أمليت لها} 48 فكان الأولى ما يكون بينهما في لفظهما ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون {أهلكناها} بالنّون وحجتهم إجماع الجميع على قوله {وكم أهلكنا من قرية} {وكم من قرية أهلكناها} {ألم نهلك الأوّلين} ولم يأت شيء من ذكر الإهلاك بلفظ الواحد بل كله أتى بلفظ الجمع فكان إلحاق هذا الحرف بنظائره أولى). [حجة القراءات: 480]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {أهلكنا} قرأه أبو عمرو بالتاء بلفظ التوحيد. وقرأ الباقون بالنون والألف، على لفظ الجمع.
19- وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على لفظ التوحيد الذي أتى بالتاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/121]
قبله، وهو قوله: {فأمليت للكافرين ثم أخذتهم} «44» وحمله أيضًا على لفظ التوحيد بعده في قوله: {ثم أخذتها} «48» فكان حمل الكلام على ما قبله وما بعده أليق وأحسن.
20- وحجة من قرأ بلفظ الجمع أنه أفخم، وفيه معنى التعظيم، وبه جاء القرآن في مواضع، قد تقدم ذكرها، وعلى ذلك أتى الإخبار بالإهلاك بلفظ الجمع إجماعًا، في نحو قوله: {وكم من قرية أهلكناها} «الأعراف 4»، {وكم أهلكنا من القرون} «الإسراء 17»، وهو كثير، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/122]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْتُهَا}[آية/ 45] بالتاء:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن الفعل لله سبحانه وتعالى، فجاء على أصله من الإفراد؛ لأن ما قبله كذلك وهو قوله {وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ}بالتاء.
وقرأ الباقون {أَهْلَكْنَاهَا}بالنون.
والوجه أنه قد جاء في التنزيل كثير مما جاء بلفظ التعظيم من مثله، نحو قوله {وكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}، {ولَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ}، {وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} ). [الموضح: 884]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وَبِيرٍ مُّعَطَّلَةٍ}[آية/ 45] غير مهموزة:
قرأها نافع- ش- وأبو عمرو إذا أدرج.
والوجه أنه على تخفيف الهمزة، وتخفيفها ههنا بقلبها ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، كذيبٍ ونحوه، وتخفيف كل همزة ساكنة أن تقلب إلى الحرف المجانس لحركة ما قبلها.
وقرأ الباقون {وَبِئْرٍ}بالهمز.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن الأصل في الهمزة التحقيق). [الموضح: 885]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 10:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الحج

[من الآية (46) إلى الآية (48) ]
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}


قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون (47)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، وفي (السجدة) بالتاء.
وقرأ الباقون بالتاء في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطب، ومن قرأ بالياء فللغيبة.
والمعنى: إن يوما عند ربك من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا). [معاني القراءات وعللها: 2/184]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( 14- وقوله تعالى: {كألف سنة مما تعدون} [47]
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء {مما تعدون}. فالتاء للخطاب، والياء للغيب. ولم يختلفوا في (السجدة).
فإن قال قائل: لم قال تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة} وقال في موضع آخر: {في يوم كان مقداره خمسين الف سنة}؟
فالجواب في ذلك: أن يوم القيامة طويل له أول، ولا آخر له. فقيل {خمسين ألف سنة} أي: في شدة العذاب، لن له منتهي). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/82]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: ومما تعدون [الحج/ 47].
فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (ممّا يعدّون) بالياء هاهنا،
[الحجة للقراء السبعة: 5/282]
وقرءوا في السجدة: مما تعدون [47] بالتاء. وقرأ الباقون: بالتاء جميعا.
حجة من قرأ بالياء أن قبله: ويستعجلونك بالعذاب [الحج/ 47] فيكون الكلام من وجه واحد، وزعموا أن الحسن قرأ:
(ممّا يعدّون) وقال: مما يعدّون يا محمد.
وحجّة التاء أنهم زعموا أنه أكثر في القراءة وهو مع ذلك أعمّ، ألا ترى أنه يجوز أن يعنى به من ذكر في قوله: (يعدّون) وغيرهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وغيرهم، وقد جاء في كلامهم وصف اليوم ذي الشدائد والجهد بالطول، وجاء وصف خلافه بالقصر، أنشد عن أبي زيد:
تطاولت أيّام معن بنا... فيوم كشهرين إذ يستهل
وقال الآخر:
يطول اليوم لا ألقاك فيه... ويوم نلتقي فيه قصير
وقال آخر:
ويوم كإبهام الحبارى لهوته). [الحجة للقراء السبعة: 5/283]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن يومًا عند ربك كألف سنة ممّا تعدون}
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (ممّا يعدون) بالياء وحجتهم أن قبله {ويستعجلونك بالعذاب} فكذلك {يعدون} إخبار عنهم
وقرأ الباقون {تعدون} بالتّاء وحجتهم أن التّاء أعم لأنّه عنى النّاس كلهم فكأنّه قال كألف سنة ممّا تعدون أنتم وهم ويقوّي التّاء قوله تعالى {وإن يومًا عند ربك كألف سنة} ممّا تعده أنت يا محمّد ومن استعجلك بعذابي). [حجة القراءات: 480]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {مما تعدون} قرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
وحجة من قرأ بالياء أنه حمله على لفظ الغيبة الذي قبله، في قوله: {يستعجلونك بالعذاب} وروي عن الحسن أنه قرأ: «مما يعدون يا محمد» فهذا يدل على الياء.
22- وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على العموم؛ لأنه يُحتمل أن يكون خطابًا للمسلمين وللكفار، إذا قرئ بالتاء، والياء إنما هو إخبار عن الكفار خاصة، فالتاء أعم، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/122]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا يَعُدُّونَ}[آية/ 47] بالياء:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
والوجه أن القراءة بها حسنة؛ لأنه يجوز أن يكون اللفظ شاملاً للكل، والمعنى مما يعده الناس، وأيضًا فإن ما قبله على الغيبة، وهو قوله {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ}، فيجوز أن يكون راجعًا إليهم.
وقرأ الباقون {تَعُدُّونَ}بالتاء.
والوجه أن القراءة بهذا أكثر، والعموم يجوز أن يكون حاصلاً ههنا أيضًا؛ لأنه يحتمل أن يراد به من ذكروا في قوله {يَسْتَعْجِلُونَكَ}وغيرهم من النبي
[الموضح: 885]
والمسلمين، خوطبوا جميعًا بذلك؛ لأنه إذا اجتمع الخطاب والغيبة غُلِّبَ الخطاب). [الموضح: 886]

قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة