سورة إبراهيم
[من الآية ( 42) إلى الآية ( 46) ]
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّما يؤخّرهم ليوم (42)
روى عباس عن أبي عمرو (إنّما نؤخرهم) بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: المعنى واحد في النون والياء، اللّه مؤخر لهم، والقراءة المختارة بالياء.
من قرأ بالنون فاللّه يقول: إنما نؤخرهم نحن ليوم، ومن قرأ بالياء فهو إخبار عن فعله). [معاني القراءات وعللها: 2/64]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم ....} [42].
روى عباس عن أبي عمرو: {إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون {يؤخرهم} بالياء وهو الاختيار؛ لأن الله تعالى قال: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم} وقرأ بالنون أيضًا من غير السبعة الحسن وأبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنهما.
وقرأ السلمي أيضًا {ونبين لكم كيف فعلنا بهم} بالنون.
وقرأ الباقون {وتبين} بالتاء {كيف فعلنا بهم} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/336]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: روى عبّاس عن أبي عمرو: (إنما نؤخرهم ليوم) [إبراهيم/ 42] بالنون ولم يروها غيره.
وقرأ الباقون بالياء. اليزيديّ وغيره عن أبي عمرو يؤخرهم على ياء.
وجه الياء أنّ لفظ الغيبة المفرد قد تقدّم، فيكون بالياء: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم [42].
[الحجة للقراء السبعة: 5/30]
ووجه النون أنّه قرأ في المعنى. مثل الياء، وقد تقدّم مثله). [الحجة للقراء السبعة: 5/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} [آية/ 42] بالنون:
رواها عباسٌ عن أبي عمرو ولم يروها غيره.
والوجه أن فاعل التأخير هو الله تعالى، سواء كان بلفظ النون أم الياء، والتفخيم في النون أكثر.
وقرأ الباقون واليزيدي عن أبي عمرو {يُؤَخِّرُهُمْ} بالياء.
والوجه أن الفعل مسندٌ إلى ضمير اسم الله في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا} والتقدير: إنما يؤخرهم الله، وهذا أولى لموافقة ما قبله). [الموضح: 712]
قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لتزول منه الجبال (46)
قرأ الكسائي وحده (لتزول منه الجبال) بفتح اللام الأولى وضم الثانية، وقرأ الباقون (لتزول) بكسر الأولى وفتح الثانية.
قال أبو منصور: من قرأ (لتزول) فمعناه؛ ما كان مكرهم لأن تزول، وأن بمعنى (ما) الجحد، والتأويل: ما مكرهم ليزول به أمر نبوة محمد صلى الله عليه وهي ثابتة كثبوت الجبال الرواسي؛ لأن الله تبارك وتعالى وعده أن يظهر دينه على الأديان كلها، ودليل هذ قوله: (فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله).
أي: لا يخلفهم ما وعدهم من نصره.
[معاني القراءات وعللها: 2/64]
ومن قرأ (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) فمعناه: وقد كان مكرهم يبلغ في المكيدة إلى إزالة الجبال، غير أن الله ناصر دينه، ومزيل مكر الكفار وماحقه.
وما روى أبو بكر عن عاصم، وورش عن نافع (يوخركم) و(نوخرهم)
و (يواخذهم) و(لا تواخذنا) بغير همز، وسائر القراء يهمزون.
قال أبو منصور: الأصل في هذه ظهور الهمزة، لأنها من ياءات الهمز من التأخير والأخذ، فمن اختار تخفيف الهمز فهو مصيب من جهة اللغة، ومن همز فهو أتمّ وأفصح، ومن أبدل من الهمز واوًا فهي لغة معروفة). [معاني القراءات وعللها: 2/65]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {لتزول منه الجبال} [46].
قرأ الكسائي وحده {لتزول} بفتح اللام الأولى وضم الأخيرة، فالأولى لام التوكيد، والأخيرة أصلية لام الفعل، وضمتها علامة الفعل، المضارع كما تقول: إن زيدًا ليقول.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/336]
من هذه القراءة يوجب أن الجبال قد زالت لعظم مكرهم، وقد جاء ذلك في التفسير.
قال أبو عبيد: لو كان: وإن كاد مكرهم بالدال لتزول كان أسهل؛ لأن «كاد» معناه: قرب أن تزول، ولم تزل.
وقرأ الباقون {لتزول} بكسر اللام الأولى وفتح الأخيرة على معنى ما كان مكرهم لتزول، أي: كان مكرهم أضعف من أن تزول له الجبال فـ «إن» بمعنى «ما» واللام لام الجحد، كما قال تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
حدثني محمد بن الحسن النحوي قال: حدثنا محمد بن عيسى عن القطعي عن عبيد عن هارون عن إسماعيل المكي عن الأعمش عن الحارث بن سويد أنه سمع عليا رضي الله عنه يقرأ: {وإن كاد مكرهم} بالدال وقد قرأ بذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأُبّي بن كعب وابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/337]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر اللام الأولى وفتح الثانية من قوله: لتزول منه الجبال [46].
فقرأ الكسائي وحده: (لتزول منه الجبال) بفتح اللام الأولى من (تزول) وضمّ الثانية.
وقرأ الباقون: (لتزول) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية.
من قرأ: وإن كان مكرهم لتزول منه فإن (إن) على قوله: بمعنى «ما» التقدير: ما كان مكرهم لتزول، وإن مثل التي في قوله: إن الكافرون إلا في غرور [الملك/ 20] وهذا مثل
قوله: ما كان الله ليذر المؤمنين... وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179]. والمعنى: وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم أي: جزاء مكرهم، فحذف المضاف كما حذف من قوله: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، أي: جزاؤه، أي: قد عرف الله مكرهم فهو يجازيهم عليه، وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، والجبال كأنه أمر النبيّ، وأعلامه ودلالته، أي: ما كان مكرهم لتزول منه ما هو مثل الجبال في امتناعه ممّن أراد إزالته.
ومن قرأ: (وإن كان مكرهم لتزول منه) كانت (إن)
[الحجة للقراء السبعة: 5/31]
المخفّفة من الثقيلة على تعظيم أمر مكرهم، على خلاف القراءة الأخرى، وهو في تعظيم مكرهم، كقوله: ومكروا مكرا كبارا [نوح/ 22] أي: قد كان مكرهم من كبره وعظمه يكاد يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالته وثباتها، ومثل هذا في تعظيم الأمر قول الشاعر:
ألم تر صدعا في السماء مبيّنا... على ابن لبينى الحارث بن هشام
وقال:
بكى حارث الجولان من موت ربّه... وحوران منه خاشع متضائل
وقال أوس:
ألم تكسف الشمس شمس النّهار... مع النّجم والقمر الواجب
[الحجة للقراء السبعة: 5/32]
فهذا كلّه على تعظيم الأمر وتفخيمه. ويدلّ على أن الجبال يعنى به أمر النبي، صلّى الله عليه وسلم، قوله بعد: (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) [إبراهيم/ 47] أي: فقد وعدك الظهور عليهم والغلبة لهم في قوله: ليظهره على الدين كله [التوبة/ 33 الفتح/ 28 الصف/ 9]، وقوله: قل للذين كفروا ستغلبون [آل عمران/ 12]، وقد استعمل لفظ الجبال في غير هذا في تعظيم الشيء وتفخيمه، قال ابن مقبل:
إذا متّ عن ذكر القوافي فلن ترى... لها شاعرا مثلي أطبّ وأشعرا
وأكثر بيتا شاعرا ضربت به... بطون جبال الشعر حتى تيسّرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/33]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود -واختلف عنه- وأبي بن كعب وأبي إسحاق السبيعي: [وإنْ كاد] بالدال [مَكْرُهم لَتزُولُ] بفتح اللام الأولى وضم الثانية.
[المحتسب: 1/365]
قال أبو الفتح: هذه [إِنْ] مخففة من الثقيلة، واللام في قوله: [لَتَزُول] هي التي تدخل بعد [إنْ] هذه المخففة من الثقيلة؛ فصلًا بينها وبين [إنْ] التي للنفي في قوله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} أي: ما الكافرون إلا في غرور، فكأنه قال: وإنه كاد مكرهم تزول منه الجبال.
ودخلت يومًا على أبي علي بُعيد عوده من شيراز سنة تسع وستين، فقال لي: ألا أحدثك؟ قلت له: قل! قال: دخل إليَّ هذ الأندلسي فظننته قد تعلم، فإذا هو يظن أن اللام التي تصحب إنْ المخففة من الثقيلة هي لام الابتداء، قلت: لا تعجب، فأكثر مَن ترى هكذا). [المحتسب: 1/366]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
قرأ الكسائي {وإن كان مكرهم لتزول} بفتح اللّام الأولى وضم الثّانية اللّام لام التوكيد وتزول رفع بالمضارعة كما تقول إن زيدا ليقول وإن في قوله {وإن كان مكرهم} مخفّفة من الثّقيلة أي وإن مكر هؤلاء لو بلغ مكر ذلك يعني نمرود لم ينتفعوا به وحجته قراءة عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن مسعود (وإن كاد مكرهم لتزول) بالدّال وهذا دليل على تعظيم مكرهم
قال الزّجاج {وإن كان مكرهم لتزول} معناه معنى حسن المعنى وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إزالة الجبال فإن الله جلّ وعز ينصر دينه ومكرهم عنده لا يخفى
وقرأ الباقون {وإن كان مكرهم لتزول} بكسر اللّام الأولى وفتح اللّام الأخيرة بمعنى ما واللّام لام الجحود والمعنى وما كان مكرهم لتزول منه الجبال أي ما كان مكرهم ليزول به أمر النّبي وأمر دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسيات لأن
[حجة القراءات: 379]
الله جلّ وعز وعد نبيه صلى الله عليه إظهار دينه على الأديان فقال {ليظهره على الدّين كله} ودليل هذا قوله بعدها {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} أي لا يخلفهم ما وعدهم من نصره وإظهار نبوتهم وكلمتهم وحجتهم ما روي عن الحسن أنه قال كان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال). [حجة القراءات: 380]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {وإن كان مكرهم لتزول} قرأه الكسائي بفتح اللام الأولى، ورفع الثانية، وقرأ الباقون بكسر اللام الأولى، ونصب الثانية.
وحجة من فتح اللام الأولى وضم الثانية، أنه جعل {إن} في قوله: {وإن كان} مخففة من الثقيلة، وجعل اللام الأولى لام توكيد، دخلت لتوكيد الخبر، كما دخلت {إن} لتوكيد الجملة، والفعل مع لام التوكيد مرفوع على أصله، إذ لا ناصب معه ولا جازم، والهاء مضمرة مع {إن}، تقديره: وإنه كان مكرهم لتزول منه الجبال، يعني أمر النبي عليه السلام، والتقدير: مثل الجبال في القوة والثبات، فمعنى هذه القراءة أن الله جل ذكره عظم مكرهم، كما قال: {ومكروا مكرًا كبارًا} «نوح 22»، وقال: {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا} «مريم 90- 91» وفي مصحف أبي ما يدل على هذه القراءة، روي أن فيه هذه الآية: «ومكروا مكرهم وعند الله مكرهم ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال» وروي عن عمر وعلي وابن مسعود أنهم قرؤوا: «وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/27]
تكاد» فهذا دليل على تعظيم مكرهم لأن «كاد» في كلام العرب تكون لمقاربة الفعل، وربما وقعت لوجوبه.
5- وحجة من كسر اللام الأولى وفتح الثانية أنه جعل «إن» بمعنى «ما»، وجعل اللام الأولى لام نفي، لوقوعها بعد نفي، ونصب الفعل بها، والتقدير: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، كما قال تعالى ذكره: {ما كان الله ليذر المؤمنين} «آل عمران 179» ومعنى هذه القراءة تصغير مكرهم وتحقيره، أي: لم يكن مكرهم ليزيل الجبال، والجبال يراد بها ما ثبت من الحق والدين والقرآن، أي: لم يكن مكرهم ليذهب به الحق، والضمير في {مكرهم} قيل هو لقريش، وقيل لمن تقدم بالعتو والكفر من الجبابرة الماضية، وكسر اللام الاختيار، لأنه أبين في المعنى، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/28]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ} [آية/ 46] بفتح اللام الأولى ورفع الثانية:
قرأها الكسائي وحده.
والوجه أن قوله {إِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} على تقدير إنه كان مكرهم، فإن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر أو الشأن وهو محذوف، والجملة خبر إن، والمعنى إن الأمر أو الشأن كان مكرهم لتزول منه الجبال، واللام في قوله {لَتزول} هي اللام التي يفصل بها بين إن النافية وإن المؤكدة التي خُففت من الثقيلة، وهي كما في قوله تعالى {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً}، والمراد قد كان مكرهم من عظمه يكاد يزول منه ما هو مثل الجبال في العظمة والثبوت، وأراد به محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الباقون {لِتَزُولَ} بكسر اللام الأولى ونصب الثانية.
والوجه أن {إِنْ} التي في قوله {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} هي النافية، وهي التي بمعنى ما، وأما اللام في قوله تعالى {لِتَزُولَ} فهي لام الجحد ههنا مثل التي في قوله تعالى {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}، والمعنى: ما كان مكرهم لتزول منه ما هو كالجبال، وأراد به أمر محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أي ليس من شأن مكرهم أن يزول منه ما هو في العظمة كالجبال). [الموضح: 713]