العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 09:53 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ الآيتين (23) ، (24) ]

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) }

قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {هيت لك} [23].
قرأ ابن كثير {هيت لك} بضم التاء.
وقرأ نافع {هيت لك} بكسر الهاء، وابن عامر مثله إلا أن ابن عامر يهمز برواية هشام، وأما هشام فإنه قرأ بضم التاء والخلاف مثله.
وقرأ الباقون {هيت} وهي اللغة الفصحى.
ومعنى {هيت لك} هلم لك فـــ «هيت» و«هلم» و«ادنه» بمعنى. قال أعرابي يخاطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/307]
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا
أن الحجاز وأهله عنق إليك فهيت هيتا
وإنما صار الفتح أجود؛ لأن الساكن الأول ياء كقولك «كيف» و«أين» و«ليت»، ولا يقال: «كيف» و«أين» و«ليت»، ولو قيل لجاز؛ لأن العرب تكسر لالتقاء الساكنين وتفتح وتضم فالفتح نحو «أين» و«حيث» حكاهما الخليل رضي الله عنه. وبالضم حيث، وهو الأكثر؛ لأن القرآن نزل به. وتقول: جير لأفعلن كذا وكذا كما تقول: والله لأفعلن كذا.
وأخبرني أحمد بن عبدان عن علي عن أبي عبيد أن ابن أبي إسحاق قرأ {وقالت هيت لك} بكسر الياء.
وقرأ يحيى بن وثاب وابن عباس {هئت} بكسر الهاء والهمزة. أخبرنا ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: قال أبو أحمد وكان لألاء، وكان مع القضاة ثم جلس في بيته إنه سأل أبا عمرو عن {هئت لك} قال: نبسي، أي: باطل؟! انظر من الخندق إلى أقصى حجر بالشام هل يقوم أحد (هئت)؟! ولكنه فعلت من تهيأت لك.
وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «ها أنا لك» فــ «ها» تنبيه. وروى عنه: {هيت لك}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/308]
فذلك سبع قراءات {هيت) و(هيتُ) و(هِيْتَ) و(هَيِتَ) و(هِئتُ) و(ها أنا) و(هُيَّتْ) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/309]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: هيت لك [يوسف/ 23].
فقرأ ابن كثير: هيت لك بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء.
وقرأ نافع وابن عامر: هيت* بكسر الهاء، وسكون الياء، ونصب التاء.
وروى هشام بن عامر بإسناده عن ابن عامر: هئت لك من تهيّأت لك بكسر الهاء وهمز الياء وضمّ التاء.
وكذلك حدّثني ابن بكر مولى بني سليم عن هشام. وقال
[الحجة للقراء السبعة: 4/416]
الحلواني عن هشام: هئت لك مهموز بكسر الهاء وفتح التاء، وهو خطأ، ولم يذكره ابن ذكوان.
أبو عبيدة: هيت لك أي: هلمّ لك، قال رجل لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه:
أبلغ أمير المؤمنين... أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله... عنق إليك فهيت هيتا
أي: هلمّ إلينا.
وقال أبو الحسن: وقد كسر بعضهم التاء، وهي لغة في ذا المعنى، ورفعت في ذا المعنى.
قال: وقراءة أهل المدينة: هيت لك في ذا المعنى، الهاء مكسورة، والتاء مفتوحة، قال: وقال بعضهم: هئت لك مهموز، جعلها من تهيّأت لك، وهي حسنة، إلا أن المعنى الآخر أثبت، لأنها دعته، والمفتوحة في ذا المعنى أكثر اللغات.
[الحجة للقراء السبعة: 4/417]
فأما قولهم: هيّت فلان بفلان: إذا دعاه، فينبغي أن يكون مأخوذا من قوله: هيت لك.
كما أن قولهم: أفف مأخوذ من أفّ، وجعلوها بمنزلة الأصوات، لموافقتها لها في البناء، واشتقوا منها كما اشتقوا من الأصوات نحو: دعدع إذا قالوا: داع داع، ويجري هذا المجرى: سبّح ولبّى إذا قال: سبحان الله، ولبّيك. وأنشد بعض البغداديين:
قد رابني أنّ الكريّ أسكتا... لو كان معنيا بنا لهيّتا
أسكت: صار ذا سكوت، مثل: أجرب وأقطف.
قد تقدم من قول أبي الحسن الأخفش ما يعلم منه: أن في هيت، الذي يراد به اسم الفعل، ثلاث لغات: هيت لك، وهيت لك، وهيت لك إلا أن الهاء مكسورة وذلك قراءة نافع وابن عامر، ونسبه أبو الحسن إلى أهل المدينة ومثل هذه الكلمة في أن الآخر منها قد جازت فيه الحركات الثلاث لالتقاء
[الحجة للقراء السبعة: 4/418]
الساكنين قولهم: كان من الأمر ذيت وذيت وذيت، ولو قرأ قارئ: هيت لك كان اسما للفعل، وفتح كما فتح الآخر من رويد، ألا ترى أنه اسم فعل، كما أن رويد اسم فعل، ولك على هذا للتبيين، بمنزلة لك في قولهم: هلمّ لك، ومثل تبيينهم إياه ب: لك، تبيينهم رويد بالكاف في رويدك، وتبيينهم ها، وهاء بقولهم: هاك، وهاءك، ولك في: هلمّ لك، يتعلق بهذا الاسم الذي سمّي الفعل به، ولا يجوز أن يتعلق بمضمر، لأنك لو علقته بمضمر لصار وصفا، وهذه الأسماء التي سمّيت بها الأفعال لا توصف، لأنها بمنزلة مثال الأمر، فكما لا يوصف مثال الأمر، كذلك لا توصف هذه الأسماء، وقول ابن كثير:
هيت لك بضم التاء لغة في ذا المعنى وحرّك الآخر بالضم، كما حرّك آخر ما ذكرته من ذيت، وحيث في أنه حرّك مرّة بالضم وأخرى بالفتح لالتقاء الساكنين. ومعنى هيت: هلمّ، وقد تقدم تفسيره بقول أبي عبيدة.
وقراءة ابن عامر فيما روى هشام عنه: هئت لك بكسر الهاء والهمزة وضم التاء، وجهها أنه فعلت من الهيئة، والتاء في هئت ضمير الفاعل المسند إليه الفعل.
قال أبو زيد: هئت للأمر أهيء هيئة، وهيّأت، فهئت:
فعلت، وقال غير أبي زيد: رجل هيّئ صيّر شيّر، إذا كان حسن الهيئة والصورة، والشارة، ونظير ما حكاه أبو زيد من هئت وتهيأت قولهم: فئت وتفيّأت، وفي التنزيل يتفيأ ظلاله [النحل/ 48]، وحتى تفيء إلى أمر الله [الحجرات/ 9]، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم [البقرة/ 226].
[الحجة للقراء السبعة: 4/419]
ويجوز في قراءة من حذف الهمزة أن يقول: هيت لك بغير همز، والتاء ضمير الفاعل، أن يكون خفّف الهمزة كما تخفّف من: جئت، وشئت، وفئت، ومن الأسماء نحو: ذيب، وبير. فإن قلت: فلم لا يكون: هئت* في الآية من: هؤت بالرجل خيرا أهوء به هوءا؛ إذا أزننته به، حكاه أبو زيد، ويكون الفعل مبنيا للمفعول دون الفاعل مثل: سؤت زيدا، وسيء زيد، وسيئت، قيل: لا يشبه ذلك، لأن سياق الآية يدلّ على التهيؤ الذي هو استعداد، وليس المعنى على التّهمة والإزنان، ألا ترى أن المراودة وتغليق الأبواب إنما هو تهيّؤ وتعمّل لطلب الخلوة وما تلتمسه المرأة فيها! وأما ما رواه الحلواني عن هشام: هئت* مهموزا بفتح التاء وكسر الهاء، فهو أن يشبه أن يكون وهما من الراوي، لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف، وهو لم يتهيأ لها، يبيّن ذلك أن في السورة مواضع تدلّ على خلاف ذلك من قوله: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه [يوسف/ 23]، وقوله: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه [يوسف/ 30] وقوله: أنا راودته عن نفسه [يوسف/ 32] وقوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب [يوسف/ 32]، ولو كان على هذه الرواية لقالت له: هيت لي، فالوهم في هذه الرواية ظاهر). [الحجة للقراء السبعة: 4/420]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك: [هِئْتُ لك] بالهمز وضم التاء، قرأ بها علي -عليه السلام- وأبو وائل وأبو رجاء ويحيى، واختُلف عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وطلحة بن مُصَرِّف وأبي عبد الرحمن. وقرأ: [هَيْتِ لَكَ] بفتح الهاء وكسر التاء ابن عباس بخلاف وابن محيصن وابن أبي إسحاق وأبو الأسود وعيسى الثقفي. وقرأ: [هُيِّئْتُ لَكَ] ابن عباس.
قال أبو الفتح: فيها لغات: هَيْتَ لك، وهِيتَ لك، وهَيْتُ لك، وهَيْتِ لك. وكلها أسماء سمي بها الفعل بمنزلة صَه ومَه وإيه في ذلك.
ومعنى [هَيْتَ] وبقية أخواتها: أَسْرِعْ وبادرْ، وقال:
أبلغ أمير المؤمنين ... أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق وأهله ... عُنُق إليك فهَيْتَ هَيْتَا
وقال طرفة:
ليس قومي بالأَبعدين إذا ما ... قال داع من العشيرة: هَيْتُ
هم يجيبون: وا هَلُمَّ سراعا ... كالأَبَابِيل لا يُغَادَرُ بيْتُ
والحركات في أواخرها لالتقاء الساكنين.
وأما [هِئْتُ] بالهمز وضم التاء فَفِعْل، يقال فيه: هِئْتُ أَهِيءُ هيئة كجئت أجيء جيئة؛ أي: تهيأت. وقالوا أيضًا: هِئْتُ أَهَاءُ كخفت أخاف، هذا بمعنى خذ. قال:
أفاطم هائي السيف غير مُذَمَّمِ
[المحتسب: 1/337]
أي: خذي السيف.
فأما قول الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ}، فحديث غير هذا وتصريف سواه، وفيه طول. وقد ذكرناه في كتاب الخصائص.
وأما [هُيِّئْتُ لك] ففعل صريح كهِئْتُ لك، كقولك: أُصْلِحْتُ لك؛ أي: فدونك، وما انتظارك؟ واللام متعلقة بنفس هَيْتَ وهَيْتِ وهِيتَ وهَيْتُ كتعلقها بنفس هلم من قولهم: هَلُمَّ لك، وإن شئت كانت خبر مبتدأ محذوف؛ أي: إرادتي لذلك.
فأما [هئتُ لك] و[هيِّئتُ] فاللام فيه متعلقة بالفعل نفسه، كقولك: أُصْلِحْتُ لكذا وصَلَحْت لكذا). [المحتسب: 1/338]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالت هيت لك}
قرأ أهل العراق هيت لك بفتح الهاء والتّاء أي هلمّ وتعال وأقبل إلى ما أدعوك إليه وحجتهم قول الشّاعر
ابلغ أمير المؤمنين ... أخا العراق إذا أتيتا
أن العراق وأهله .... عنق إليك فهيت هيتا
[حجة القراءات: 357]
قال الزّجاج أما فتح التّاء في هيت فلأنّها بمنزلة أصوات ليس منها فعل يتصرّف ففتحت التّاء لسكونها وسكون الياء واختير الفتح لأن قبل التّاء ياء كما قالوا كيف وأين
وقرأ أهل المدينة والشّام {هيت} وهي لغة وقرأ ابن كثير {هيت} بفتح الهاء وضم التّاء وحجته قول الشّاعر
ليس قومي بالأبعدين إذا ما ... قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلمّ سراعًا ... كالأبابيل لا يغادر بيت
فأما الضّم من {هيت} فلأنّها بمعنى الغايات كأنّها قالت دعائي لك فلمّا حذفت الإضافة وتضمنت هيت معناها بنيت على الضّم كما بنيت حيث
وقرأ هشام (هئت) بالهمز من الهيئة كأنّها قالت تهيأت لك). [حجة القراءات: 358]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {هيت لك} قرأه نافع وابن عامر بكسر الهاء وفتح التاء، غير أن هشامًا همز موضع الياء همزة ساكنة، وقرأ الباقون بفتح التاء والهاء، من غير همز، غير أن ابن كثير ضم التاء، وفتح الهاء وكسرها لغتان، وفتح التاء على المخاطبة من المرأة ليوسف على معنى الدعاء له والاستجلاب له إلى نفسها، على معنى: هلم لك، أي تعالى يا يوسف إلي، فأما من ضم التاء فعلى الإخبار عن نفسها بالإتيان إلى يوسف، ودل على ذلك قراءة من همز؛ لأنه يجعله من «هيأت لك» تخبر عن نفسها أنها متصنعة له متهيئة، وقد تحتمل قراءة من لم يهمز أن تكون على إرادة الهمز، لكن خفف الهمزة، فيكون من «تهيأت» فيكون فعلًا، ولا يحسن ذلك ويتمكن إلا على قراءة من ضم الياء؛ لأنها تخبر عن نفسها بذلك، والتاء مضمومة، ويبعد الهمز في قراءة من فتح التاء لأنه إذا فتح التاء فإنه يخاطب، وتاء المخاطب مفتوحة، فيصير المعنى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/8]
أنها تخبره أنه تهيأ لها، والمعنى على خلاف ذلك، لأنها هي التي دعته وتهيأت له، لم يدعها هو لا تهيأ لها، يعيذه الله من ذلك، حكى أبو زيد «هيت للأمر أهيء هيئة وتهيأت» ويجوز أن يكون على هذا الاشتقاق «هيت» فعلًا، ويكون الفعل إذا كسرت الهاء مبنيًا للمفعول على «فعلت» والأول أليق بالمعنى، لأن معناه في الهمز الاستعداد، والتهيؤ له، وليس المعنى على التهمة والارتياب. وقرأه هشام بالهمز وفتح التاء، وهو وهم عند النحويين؛ لأن فتح التاء للخطاب ليوسف، فيجب أن يكون اللفظ: قالت هيت لي؛ أي تهيأت لي يا يوسف، ولم يقرأ بذلك أحد. وأيضًا فإن المعنى على خلافه؛ لأنه كان يفر منها ويتباعد عنها، وهي تراوده وتطلبه، وتقدُّ قميصه، فكيف تخبره عن نفسه أنه تهيأ لها، هذا ضد حالهما، وقد قال يوسف: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} «52» وهو الصادق في ذلك، فلو كان تهيأ لها لم يقل هذا، ولا ادعاه، والاختيار فتح التاء لصحة معناه، والهمز وتكره سواء، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: أقرأني النبي عليه السلام {هيت لك} بفتح الهاء والتاء وبذلك كان هو يقرأ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/9]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {هِيْتَ لَكَ} [آية/ 23] بكسر الهاء وفتح التاء:
قرأها نافع وابن عامر.
والوجه أن «هيتَ» بمعنى هلُم، وهو من الأسماء التي سُميت بها الأفعال، وإنما فُتح؛ لأنه التقى ساكنان أولهما ياء ففُتح الآخر كما في كيف لذلك.
وقرأ ابن كثير {هَيْتُ} بفتح الهاء وضم التاء.
وقرأ الباقون {هَيْتَ} بفتح الهاء والتاء جميعًا.
والوجه أن في هذه الكلمة ثلاث لغات:
هِيتَ بكسر الهاء وفتح التاء، وقد ذكرناه، وهَيْتُ بفتح الهاء وضم التاء، وهَيْتَ بفتح الهاء والتاء، والكل بمعنى هلُم.
والكلمة مبنية على ما سبق؛ لأنها اسم سمي به الفعل، والحركات الثلاث كلها جائزة فيها؛ لالتقاء الساكنين، فالفتح ككيف، والضم كحيث، والكسر كجير.
[الموضح: 675]
وقوله {لك} للتبين، بمنزلته في قولهم هلم لك، يدل على المقصود بالخطاب.
وقرأ بعضهم {هِئْتُ لك} بكسر الهاء وضم التاء وهمز بينهما على مثال جِئْتُ، وهي قراءة شاذة.
والوجه أنها فعلت من الهيئة، والتاء ضمير الفاعل، ويجوز فيه تخفيف الهمزة كما جاز في جبت وشيت وذئب وبئر). [الموضح: 676]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {من عبادنا المخلصين} [24].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {المخلصين} بكسر اللام في جميع القرآن؛ لأن الله تعالى وصفهم بالإخلاص كما قال: {مخلصين له الدين} يقال: أخلص يخلص إخلاصًا فهو مخلص.
وقرأ الباقون {مخلصين} بفتح اللام على أنهم مفعولون، الله أخلصهم فصاروا مخلصين، وحجتهم قوله تعالى: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} وقد شاركوا أبا عمرو وأصحابه في (مريم) بكسر اللام: {إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا} وإنما كسروا هذا الحرف ليبينوا أن اللغتين جائزتان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/309]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر اللام وفتحها من قوله جلّ وعزّ: المخلصين*، [24].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: المخلصين ومخلصا* [مريم/ 51] بكسر اللام، وتابعهم نافع في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/420]
إنه كان مخلصا في مريم بكسر اللام، وقرأ سائر القرآن المخلصين بفتح اللام، فأما ما فيه الدين [الأعراف/ 29، والزمر/ 11] أو ديني [الزمر/ 14]، فلم: يختلف فيه أنه بكسر اللام.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: المخلصين، ومخلصا في سائر القرآن بفتح اللام.
حجّة من كسر اللام من المخلصين* ومخلصا* قوله:
وأخلصوا دينهم لله [النساء/ 146]. فأما قراءة نافع في مريم: مخلصا بكسر اللام فعلى معنى أنه كان مخلصا دينه، أو مخلصا عبادته.
فأما ما فيه الدين كقوله: مخلصين له الدين [غافر/ 14] قل الله أعبد مخلصا له ديني [الزمر/ 14] فلأن الدين وديني مفعول به، وفي اسم الفاعل ذكر مرتفع بأنه فاعل. ومعنى: مخلصا له ديني: أي: أتوجه في عبادتي إليه، من غير مراءاة في ذلك، وكذلك مخلصين له الدين أي: لا يشركون في عبادته أحدا، كما قال: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف/ 110]، ولم يكونوا كمن قال: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر/ 3]. وأقول في ذلك: أخلصت ديني لله، ولا يكون أخلصت ديني لله، كما لا يكون: أخلصوا دينهم لله، ويجوز في التي في الزّمر: وهو مخلصا له ديني أي: أخلصه أنا، ومخلصا له ديني أي: يخلص ديني له، يكون هو المخلص في المعنى، إلّا أنه بني الفعل للمفعول به، وهذا يجوز في العربية.
[الحجة للقراء السبعة: 4/421]
وحجة من كسر اللام قوله: وأخلصوا دينهم لله، فإذا أخلصوا فهم مخلصون، كما أنهم إذا أخلصوا لهم كانوا مخلصين). [الحجة للقراء السبعة: 4/422]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّه من عبادنا المخلصين}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {المخلصين} بكسر اللّام في جميع القرآن أي أخلصوا دينهم وأعمالهم من الرّياء وحجتهم قوله {وأخلصوا دينهم} وقوله {مخلصا له ديني} فإذا
[حجة القراءات: 358]
أخلصوا فهم مخلصون تقول رجل مخلص مؤمن فترى الفعل في اللّفظ له
وقرأ أهل المدينة والكوفة {المخلصين} بفتح اللّام أي الله أخلصهم من الأسواء والفواحش فصاروا مخلصين وحجتهم قوله تعالى {إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدّار} فصاروا مخلصين بإخلاص الله إيّاهم). [حجة القراءات: 359]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {المخلصين} قرأ نافع وأهل الكوفة بفتح اللام، حيث وقع، فيما فيه ألف ولام، بنوا الفعل للمفعول من «أخلص» فهو مخلص؛ لأن الله جل ذكره أخلصهم، أي اختارهم لعبادته، وقرأ الباقون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/9]
بكسر اللام، بنوا الفعل للفعل من «أخلص» فهو ملخص، والمفعول محذوف فأضافوه إلى العبادة؛ لأنهم أخلصوا أنفسهم لعبادة الله.
وفتح اللام أحب إلي لأنهم لم يخلصوا أنفسهم لعبادة الله إلا من بعد ما اختارهم الله وأخلصهم لذلك، وقد قال تعالى ذكره: {وأخلصوا دينهم لله} «النساء 146» وأيضًا فإن عليه الأكثر، فأما قوله: {مخلصًا} في «مريم 15».
فإن الكوفيين قرؤوه بفتح اللام، وهو الاختيار وقرأه الباقون بكسر اللام. والحجة فيه كالحجة فيما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/10]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {المخلِصِينَ} [آية/ 24] بكسر اللام في كل القرآن:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب، وكذلك في مريم {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا}، وتابعهم نافع في سورة مريم في قوله {مُخْلِصًا} فكسرها.
واتفقوا على كسر اللام فيما فيه الدين نحو {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} و{مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} ونحوهما.
[الموضح: 676]
والوجه أن المعنى المخلصين دينهم، فحُذف المفعول بدلالة ما ظهر فيه الدين مما قدمناه.
وإنما اتفقوا على كسر اللام فيما فيه الدين؛ لأنهم لو فتحوا اللام لبقي الدين المنصوب بلا ناصب، فكسروا اللام؛ لأن المعنى هم الذين أخلصوا الدين، وما ليس فيه ذكر الدين فإنه محمول على ما فيه ذكره.
وقرأ الباقون {المُخْلَصِينَ} و{مُخْلَصًا} بفتح اللام في كل القرآن إذا لم يكن فيه ذكر الدين.
والوجه أن الفعل فيه مبنيٌّ للمفعول به؛ لأن المعنى أُخلصوا فهم مخلصون، والمراد أخلصهم الله تعالى). [الموضح: 677]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 09:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (25) إلى الآية (29) ]

{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) }


قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)}

قوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر والجارود بن أبي سبرة بخلاف وابن أبي إسحاق ونوح القارئ ورُويت عن أبي رجاء: [من قُبُلُ]، و[من دُبُرُ] بثلاث ضمات من غير تنوين.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكونا غايتين؛ كقول الله سبحانه: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} كأنه يريد: وقَدَّت قميصه من دُبُره، وإن كان قميصه قُدَّ من قُبُله، فلما حذف المضاف إليه -أعني: الهاء، وهي مرادة- صار المضاف غاية نفسه بعدما كان المضاف إليه غاية له. وهذا حديث مفهوم في قول الله سبحانه: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، فبنَى هنا كما بُني هناك على الضم، ووَكَّد البناء أن قُبُل ودُبُر يكونان طرفين، ألا ترى إلى قول الفرزدق:
يُطَاعِن قُبْلَ الخيل وهو أمامَها ... ويطعنُ عن أدبارها إن تولَّتِ
وقال الله سبحانه: [وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ النُّجُومِ] فنصبه على الظرف، وهو جمع دُبُر). [المحتسب: 1/338] (م)

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر والجارود بن أبي سبرة بخلاف وابن أبي إسحاق ونوح القارئ ورُويت عن أبي رجاء: [من قُبُلُ]، و[من دُبُرُ] بثلاث ضمات من غير تنوين.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكونا غايتين؛ كقول الله سبحانه: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} كأنه يريد: وقَدَّت قميصه من دُبُره، وإن كان قميصه قُدَّ من قُبُله، فلما حذف المضاف إليه -أعني: الهاء، وهي مرادة- صار المضاف غاية نفسه بعدما كان المضاف إليه غاية له. وهذا حديث مفهوم في قول الله سبحانه: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، فبنَى هنا كما بُني هناك على الضم، ووَكَّد البناء أن قُبُل ودُبُر يكونان طرفين، ألا ترى إلى قول الفرزدق:
يُطَاعِن قُبْلَ الخيل وهو أمامَها ... ويطعنُ عن أدبارها إن تولَّتِ
وقال الله سبحانه: [وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ النُّجُومِ] فنصبه على الظرف، وهو جمع دُبُر). [المحتسب: 1/338] (م)

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)}

قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:01 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (30) إلى الآية (35) ]

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}

قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- والحسن بخلاف وأبي رجاء ويحيى بن يعمر وقتادة بخلاف وثابت البناني وعوف الأعرابي وابن أبي مريم والأعرج بخلاف ومجاهد بخلاف وحميد بخلاف والزهري بخلاف وابن محيصن ومحمد بن السميفع وعلي بن حسين بن علي وجعفر بن محمد: [قد شَعفها] بالعين.
قال أبو الفتح: معناه: وصل حبه إلى قلبها، فكاد يحرقه لحدته، وأصله من البعير يُهْنَأ بالقطران فيصل حرارة ذلك إلى قبله. قال الشاعر:
أيقتلني وقد شَعَفْتُ فؤادها ... كما شَعَفَ الْمَهْنُوءَةَ الرجلُ الطَّالِي؟
وأما قراءة الجماعة: {شَغَفَهَا} بالغين معجمة، فتأويله أنه خرَّق شَغاف قلبها؛ وهو غلافه، فوصل إلى قلبها). [المحتسب: 1/339]

قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {حاش لله} [31].
قرأ أبو عمرو وحده {حاشا} بألف، وصل أو وقف.
وقرأ الباقون: {حاش لله} بغير ألف في الوصل، ويجب في قراءتهم أن يقفوا بغير ألف، لأن في مصحف عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما: {حاش لله} بغير ألف فيهما، كما قال أبو عبيد عن أبي توبة عن الكسائي قال: في مصحف عبد الله بألف. قال: وذهب أبو عمرو إلى محض الفعل، لأن العرب تقول: حاشى يُحاشي محاشاة فهو محاش: إذا استثنى كقولك: جاءني القوم حاشى زيد،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/309]
قال النابغة:
* وما أحاشي من الأقوام من أحد *
وقال الحذاق من النحويين: اجءني القوم حاش زيدًا، أي: نحيت زيدًا عنهم، كما تقول: أنا في حشى فلان، وفي ذرى فلان، وفي ظل فلان، أي: في ناحيته.
وقال المفسرون: {وقلن حاش الله} معناه: معاذ الله، وفيه أربع لغات: حاشى زيد وحاش زيد وحاش لزيد وحاشى لزيد، وحشى لزيد لغة خامسة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/310]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وروى عبد الله عن أبيه عن عامر عن خارجة عن نافع: وقالت اخرج بكسر التاء [يوسف/ 31]، ولم يروه غيره.
[الحجة للقراء السبعة: 4/409]
الباقون عن نافع: وقالت اخرج بضم التاء.
وقد ذكرته). [الحجة للقراء السبعة: 4/410]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: حاشا لله [31].
فقرأ أبو عمرو وحده: حاشا لله بألف.
وقرأ الباقون: حاش لله بغير ألف.
حدّثني عبيد الله بن علي قال: حدّثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعيّ قال: سمعت نافعا يقرأ: حاشا لله فيها بألف ساكنة، كذا في الحديث.
أبو عبيدة: حاش لله وحاشا لله يطلقونها، وهي تبرئة واستثناء. وأنشد:
حاشا أبي ثوبان إنّ به... ضنّا على الملحاة والشّتم
قال أبو علي: لا يخلو قولهم: حاش لله من أن يكون الحرف الجارّ، في الاستثناء، أو يكون فاعل من قولهم: حاشا يحاشي، فلا يجوز أن يكون الحرف الجارّ، لأن الحرف الجارّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/422]
لا يدخل على مثله، ولأنّ الحروف لا تحذف إذا لم يكن فيها تضعيف، فإذا لم يكن الجارّ ثبت أنه الذي على فاعل، وهو مأخوذ من الحشا الذي يعنى به: الناحية. قال الهذليّ:
يقول الذي يمشي إلى الحرز أهله... بأيّ الحشا صار الخليط المباين
فحاشا: فاعل من هذا، والمعنى أنه صار في حشا، أي:
في ناحية مما قرف فيه، أي: لم يقترفه، ولم يلابسه، وصار في عزلة عنه وناحية، وإذا كان فعلا من هذا الذي ذكرنا، فلا بدّ له من فاعل، وفاعله يوسف، كأنّ المعنى: بعد من هذا الذي رمي به لله، أي: لخوفه ومراقبة أمره.
فأما حذف الألف فيه، فلأن الأفعال قد حذف منها نحو: لم يك، ولا أدر، ولم أبل. وقد حذفوا الألف من الفعل في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فإنما هو:
ترى؛ فحذفت الألف المنقلبة عن اللام، كما حذفت من حاشا من قوله: حاش لله.
ومن حجة الحذف: أنهم زعموا أنه في الخطّ محذوف، وقد قال رؤبة:
[الحجة للقراء السبعة: 4/423]
وصّاني العجّاج فيما وصّني ومن ذلك قول الشاعر:
ولا يتحشّى الفحل إن أعرضت به... ولا يمنع المرباع منها فصيلها
فحاشا وحشّى بمنزلة: ضاعف وضعّف، وتحشّى مطاوع حشّ، وإن لم أسمع فيه حشّى، فهذا لم يستعمل ما هو مطاوع له، كما أنّ قولهم: انطلق كذلك، والمعنى: لا يصير الفحل من عقره في ناحية، أي: لا يمنعه ذلك من عقره للنحر وإطعام الضيف، وكذلك: لا يمنع المرباع فصيلها، أي: لا يمنع المرباع من عقره لها فصيلها إشفاقا عليه، ولكن يعقرها، كما يعقر الفحل.
وأما قول أبي عمرو: حاشا فإنه جاء به على التمام، والأصل، قال أبو الحسن: ولم أسمعها إلا أنها قد كثرت في القراءة، فكأنه تمّم لأنه رأى الحذف في هذا النحو قليلا، ويدلّ على جودة التمام: أنّ «ترى» وإن كانت قد حذفت في بعض المواضع، فإتمامها جيّد، فكذلك حاشا). [الحجة للقراء السبعة: 4/424]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري وأبي جعفر وشيبة [مُتَّكًا]، مشدد من غير همز، وقرأ: [مُتْكًا] ساكنة التاء غير مهموز ابن عباس وابن عمر والجحدري وقتادة والضحاك والكلبي وأبان بن تغلب، ورُويت عن الأعمش. وقرأ: [مُتَّكَاءً] بزيادة ألف الحسن. وقراءة الناس: {مُتَّكَأً} في وزن مُفْتَعَل.
قال أبو الفتح: أما [مُتَّكًَا] غير مهموز فمبدل من مُتَّكَأ، وهو مفتَعَل من تَوَكَّأْتُ، كمُتَّجَهٍ من تَوَجَّهْتُ، ومُتَّعَد من وعدت. وهذا الإبدال عندنا لا يجوز في السعة؛ وإنما هو في
[المحتسب: 1/339]
ضرورة الشعر؛ فلذلك كانت القراءة به ضعيفة. وعلى أن له وجهًا آخر؛ وهو أن يكون مفتعَلًا من قوله:
إذا شرب الْمُرِضَّة قال أَوْكِي ... على ما في سقائك قد رَوِينا
يقال: أَوْكَيْتُ السقاء: إذا شددته، فيكون راجعًا إلى معنى مُتَّكَأ المهموز؛ وذلك أن الشيء إذا شُد اعتمد على ما شده كما يعتمد المتكئ على المتكَأ عليه. فإن سلكت هذه الطريق لم يكن فيه بدل ولا ضعف، فيكون مُتَّكًا على هذا كمُتَّقًى من وقيت، ومُتَّلًى من وَلِيتُ.
وأما [مُتْكًا] ساكنة التاء فقالوا: هو الأُتْرُجُّ، ويقال أيضًا: هو الزُّمَاوَرْدُ.
وأما [مُتَّكَاءً] فعلي إشباع فتحة الكاف من [متَّكأ]، وقد جاء نحو هذا، أنشدناه أبو علي لابن هَرْمة يرثي ابنه:
فأنتَ من الغَوَائلِ حين تُرْمى ... ومن ذمِّ الرجال بِمُنْتَزَاح
يريد: بِمُنْتَزَح، وعليه قول عنترة، وأنشدناه أيضًا سنة إحدى وأربعين بالموصل:
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جسْرةٍ
وقال: أراد يَنْبَع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عليه ألفًا. ولعمري إن هذا مما تختص به ضرورة الشعر وقلما يجيء في النثر، فوزن [مُتَّكَاء] على هذا مفتعال، كما أن وزن [يَنْبَاعُ] على هذا يَفْعَال، ولو سميت به رجلًا لصرفته في المعرفة؛ لأنه قد فارق شبه الفعل وَزْنًا، ولو سميته بينبع لم تصرفه، كما أنك لو سميته بينظر لم تصرفه، فإن سميته بأَنظور، تريد: فأنظر؛ لصرفته معرفة لزوال مثال الفعل. وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بسر الصناعة). [المحتسب: 1/340]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي الحويرث الحنفي: [ما هذا بِشِرًى] بكسر الباء والشين.
قال أبو الفتح: تحتمل هذه القراءة وجهين:
أحدهما: أن يكون أراد: ما هذا يِمَشْرِيٍّ، من قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي:
[المحتسب: 1/342]
باعوه؛ أي: ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوُضع المصدر موضع اسم المفعول، كقول الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} أي: مصيده، وكقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي: المخلوق، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الراجع في هبته ... " أي: في موهوبه، وهذا الثوب نسْج اليمن، أي: منسوجه؛ وذلك أن الأفعال لا يمكننا إعادتها. ومنه قولهم: غفر الله لك عِلْمَه فيك؛ أي: معلومه. ومنه قولهم: هذا الدرهم ضَرْب الأمير؛ أي: مضروبه.
والآخر: أن تكون الباء غير زائدة للتوكيد كالوجه الأول؛ لكنها كالتي في قولك: هذا الثوب بمائة درهم، وهذا العبد بألف درهم؛ أي: هذا بهذا، فيكون معناه: ما هذا بثمن؛ أي: مثله لا يُقَوَّم ولا يُثَمَّنُ، فيكون "الشِّري" هنا يراد به المفعول به؛ أي: الثمن المشترَى به، كقولك: ما هذا بألف، وهو نفي قولك: هذا بألف، فالباء إذن متعلقة بمحذوف هو الخبر، مثلها كقولك: كُرُّ البر بستين، ومنوَا السمن بدرهم). [المحتسب: 1/343]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقلن حاش لله}
قرأ أبو عمرو (وقلن حاشا لله) بالألف وحجته ذكرها اليزيدي فقال يقال حاشاك وحاشا لك وليس أحد من العرب يقول حاشك ولا حاش لك
وقرأ الباقون {حاش لله} وحجتهم أنّها مكتوبة في المصاحف بغير ألف حكى أبو عبيد عن الكسائي أنّها في مصحف عبد الله كذلك وأصل الكلمة التبرئة والاستثناء واختلف النحويون في حاشا منهم من قال إنّه فعل ومنهم من قال إنّه حرف). [حجة القراءات: 359]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {حاش لله} قرأه أبو عمرو بألف في الوصل خاصة، في الموضعين في هذه السورة، وقرأهما الباقون بغير ألف.
وحجة من حذف الألف أنه جعله فعلًا على «فاعل» «كقاض» وحمله على الحذف لحرف اللين، كما حذفت النون من «لم يك» على التنبيه بحرف اللين، مع كثرة الاستعمال، وحذف الألف أقوى؛ لأن الفتحة تدل عليها، ولا تدل الضمة في «لم يك» على النون، وأيضًا فإنه اتبع خط المصحف، وهي في مصحف عثمان وابن مسعود بغير ألف، وأصلها الألف، لأنه «فاعل» مثل «رامي» وإنما حذفت الألف استخفافًا، ولأن الفتحة تدل عليها، وكأنهم جعلوا اللام في «لله» عوضًا منها، ومعنى {حاش لله} أي: بعُد يوسف عمّا رُمي به لخوفه لله ومراقبته له، وهي التنزيه عن الشر.
17- وحجة من أثبت الألف في الوصل أنه أتى بها على الأصل، وحذف الألف في الوقف لاتباع المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/10]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {وَقَالَتِ اخْرُجْ} [آية/ 31] بكسر التاء في الوصل:
قرأها أبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب.
والوجه أن التاء من {قَالَت} ساكنةٌ في الأصل؛ لأنها تاء ضمير المؤنث، وهو الذي أُسند القول إليه، وإنما تحركت هذه التاء بالكسر لالتقائها مع ساكن بعدها وهو الخاء من {اخْرُجْ}، وحق التقاء الساكنين الكسر.
وقرأ الباقون {وَقَالَتُ اخْرُجْ} بضم التاء في الوصل.
والوجه أنهم جعلوا حركة التقاء الساكنين ههنا ضمة؛ لأن الحركة التي بعدها ضمة، فأتبعوا الضمة الضمة؛ لئلا يخرجوا من الكسر إلى الضم، ولا اعتداد بالحرف الذي بينهما؛ لأنه ساكن). [الموضح: 677]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {حَاشَا للهِ} [آية/ 31 و51] بالألف في الحرفين:
قرأها أبو عمرو وحده، ووقف عليها بغير ألف.
والوجه في حاشا أنه فعلٌ على وزن فاعل، وهو مأخوذ من الحشا الذي هو الناحية، ومعناه جانب وباعد، كأنه صار في حشًا أي في ناحية، والمراد صار يوسف في ناحية ممات قُرف به، لله، أي لخوفه ومراقبته.
وقال بعضهم: حاشا لله وحاشا الله بمعنى معاذ الله، كما يُقال هيهات كذا وهيهات كذا، باللام وغير اللام، قال: وحاشا فعل في الأصل، ولكنه جُعل كالاسم أُضيف باللام مرة وبغير اللام أخرى، وأُريد به المجانبة، وإضافته إلى الله تعالى على معنى أنه لا يفعل ذلك.
والقول الأول أقوى.
وأما حذف أبي عمرو في الوقف؛ فلأن الوقف موضع حذف وتغيير.
وقرأ الباقون {حَاشَ} بغير ألف في الحالين.
والوجه أن الأفعال التي اعتلّت لاماتها قد يُحذف منها اللام تخفيفًا نحو قولك: لا أدْرِ، وكقولهم: أصاب الناس جُهدٌ ولو تر أهل مكة، وكقول الرؤية:
62- وصّاني العجاج فيما وصني
[الموضح: 678]
ويؤيد هذه القراءة أنهم زعموا أن الألف في المصحف محذوفٌ، وهذا الذي دعا أبا عمرو إلى أن قرأها في حال الوقف بغير ألف؛ لأن الكتابة مبنية على الوقف). [الموضح: 679] (م)

قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)}

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {قَالَ رَبِّ السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [آية/ 33] بفتح السين:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه مصدر سجنه سجنًا، أي سجنهم إياي أحب إلي مما يدعونني إليه من المعصية.
وقرأ الباقون {السِّجْنُ} بكسر السين.
واتفقوا على كسر السين في قوله {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْن}.
والوجه في قراءة الباقين أن السجن بالكسر هو الموضع الذي يُحبس فيه المسجون، والمعنى دخول السجن أحب إلي مما يدعونني إليه). [الموضح: 679]

قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}

قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن عمر أنه سمع رجلًا يقرأ: [عَتَّى حِينٍ]، فقال: مَن أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله عز وجل أنزل هذا القرآن فجلعه عربيًّا، وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.
قال أبو الفتح: العرب تُبْدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج، كقولهم: بُحْثِر ما في القبور؛ أي: بعثر، وضبعت الخيل؛ أي: ضبحت، وهو يُحنْظِي ويُعَنْظِي: إذا جاء بالكلام الفاحش، فعلى هذا يكون عتَّى وحتَّى؛ لكن الأخذ بالأكثر استعمالًا، وهذا الآخر جائز وغير خطأ). [المحتسب: 1/343]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (36) إلى الآية (40) ]

{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) }

قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [إنِّي أَرانِي أَعْصِرُ عِنَبًا].
قال أبو الفتح: هذه القراءة هي مراد قراءة الجماعة: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ؛ وذلك أن
[المحتسب: 1/343]
المعصور حينئذ هو العنب، فسماه خمرًا لما يصير إليه من بعدُ حكايةً لحاله المستأنفة، كقول الآخر:
إذا ما مات مَيْتٌ من تميم ... فسرَّك أن يعيش فجيء بزاد
أراد: إذا مات حيٌّ فصار ميْتًا كان كذا، أو فليكن كذا. وعليه قول الفرزدق:
قتلت قتيلًا لم يَرَ الناسُ مثلَه ... أُقَلِّبُهُ ذا تُومتين مُسَوَّرَا
وقد مضى هذا قبل). [المحتسب: 1/344]

قوله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)}

قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}

قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)}

قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:04 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ الآيتين (41) ، (42) ]

{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) }

قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة والجحدري: [فَيُسْقَى ربُّهُ خَمْرًا].
قال أبو الفتح: هذا في الخير يضاهي في الشر قوله: [فيُصْلَبُ]؛ لأن تلك نعمة، وهي نَقِمة). [المحتسب: 1/344]

قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (43) إلى الآية (49) ]

{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) }

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} [43].
قرأ الكسائي {للرؤيا} بالإمالة بالياء، وألف التأنيث لأن رؤيا (فُعلى) بمنزلة (حُبلى) و(بُشرى).
وقرأ الباقون بتفخيم ذلك على أصل الكلمة.
وروى أبو الحارث عن الكسائي {لا تقصص رؤياك} بالفتح و{للرؤيا} [3-5] بالكسر، فكأنه قدر أن النصب والجر يبينان فيها فيفتح {لا تقصص رؤياك} لأنه في موضع نصب، وأمال {الرؤيا} لأنه في موضع جر، وذلك خطأ، لأن الرؤيا رفعه ونصبه وجره سواء، لأنه مقصور لا يتبين فيه الإعراب، وإن كان أمال أحدهما وفخم الآخر على أن يعلم أن اللغتين جائزتان فقد أصاب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/300]

قوله تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وابن عمر بخلاف وعكرمة ومجاهد بخلاف عنهما والضحاك وأبي رجاء وقتادة وشُبيل بن عَزْرَة الضُّبْعِي وربيعة بن عمرو وزيد بن علي: [وادَّكَرَ بَعْد أَمَهٍ]، وقرأ: [بعْد إِمَّةٍ] الأشهب العقيلي.
قال أبو الفتح: [الأَمَهُ]: النسيان، أَمِهَ الرجل يَأمَهُ أَمَهًا: أي نسي. [والإِمَّةُ]: النعمة؛ أي: بعد أن أنعم عليه بالنجاة). [المحتسب: 1/344]

قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}

قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {سبع سنين دأبا} [47].
روى حفص عن عاصم {دأبا} بفتح الهمزة.
وقرأ الباقون {دأبا} ساكنة، وهما لغتان: الدأب والدأب مثل النهر والنهر والسمع والسمع {ويوم ظعنكم} و{ظعنكم} وكل اسم كان ثانيه حرفًا من حرف الحلق جاز حركته وإسكانه، وقد شرحت ذلك في (الأنعام) عند قوله تعالى: {ومن المعز اثنين} والدأب في الشيء: الملازمة والعادة يقال: ما زال ذلك دأبه وديدنه وعادته واهجيراه وهجيراه وأجرياه وأجرياؤه بمعنى واحد، والاختيار: الإسكان؛ لأنهم قد أجمعوا على إسكان الهمزة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/310]
في قوله: {كدأب آل فرعون} وهذا مثله.
وقال آخرون: الدأب: الاسم، والدأب: المصدر، قال الكميت:
هل تبلغنيكم المذكرة الـ = ـوجناء والسير مني الدأب
وفيها قراءة ثالثة: كان أبو عمرو إذا أدرج القراءة لم يهمز {سبع سنين دابا} قد ذكرت علة ذلك فيما سلف من الكتاب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/311]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إسكان الهمزة وتحريكها وإسقاطها من قوله تعالى: دأبا [يوسف/ 47].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وحمزة،
[الحجة للقراء السبعة: 4/424]
والكسائي: دأبا ساكنة الهمزة؛ إلا أنّ أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها.
وروى حفص عن عاصم: دأبا بفتح الهمزة. وروى أبو بكر [عنه] ساكنة الهمزة، وكذلك روى موسى الزابي عن عاصم بالفتح.
الأكثر في دأب* الإسكان، ولعلّ الفتح لغة فيكون كشمع وشمع، ونهر ونهر. وقصّ وقصص، وانتصاب دأبا لمّا قال: تزرعون [يوسف/ 47] دلّ على تدأبون فانتصب دأبا بما دلّ عليه تزرعون وغير سيبويه يجيز أن يكون انتصابه ب تزرعون كأنه إذا قال: تزرعون وفيه علاج ودءوب؛ فقد قال: تدأبون، فانتصب دأبا به لا بالمضمر). [الحجة للقراء السبعة: 4/425]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال تزرعون سبع سنين دأبا} {وفيه يعصرون} 47 و49
قرأ حفص {سبع سنين دأبا} بفتح الهمزة وقرأ الباقون ساكنة الهمزة وهما لغتان مثل النّهر والنّهر والظعن والظعن وكل اسم كان ثانيه حرفا من حروف الحلق جاز حركته وإسكانه
قرأ حمزة والكسائيّ (وفيه تعصرون) بالتّاء أي تنجون من
[حجة القراءات: 359]
البلاء وتعتصمون بالخصب قال عدي بن زيد:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وقال مؤرج العصر الملجأ فعنى (تعصرون) أي تلجؤون إلى العصر وحجتهما قوله {تزرعون سبع سنين} و{تأكلون} و{ممّا تحصنون} كأنّما وجه الخطاب إلى المستفتين الّذين قالوا أفتنا في كذا
وقرأ الباقون {يعصرون} بالياء أي يعصرون الزّيت والعنب وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال يعني النّاس ذهب اليزيدي إلى أنه لما قرب الفعل من النّاس جعله لهم). [حجة القراءات: 360]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- {دأبًا} قرأه حفص بفتح الهمزة، وأسكن الباقون، وهما لغتان مثل: النَّهْر والنَّهَر والسمْع والسمَع، والإسكان أولى به للإجماع عليه لأنه أخف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/11]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {سِنِينَ دَأَبًا} [آية/ 47] بفتح الهمزة مقصورة:
قرأها عاصم وحده ص-.
وقرأ الباقون {دَأْبًا} بسكون الهمزة، لكن أبا عمرو إذا أدرج لم يهمز، وكذلك حمزة إذا وقف.
[الموضح: 679]
والوجه أن الدأْب والدأَب بإسكان الهمزة وفتحها لغتان كالشمْع والشمَع والنهْر والنهَر والشأْن والضأَن، ومن لم يهمز فإنه خفف الهمزة). [الموضح: 680]

قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}

قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {فيه يعصرون} [49].
قرأ حمزة والكسائي: {تعصرون} بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وفيها قراءة ثالثة قرأ عيسى الأعرج: {وفيه يعصرون} أي: يمطرون من قوله: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}.
فمن قرأ بالياء فمعناه: يعصرون بعد أربع عشرة سنة الزيت والعنب. ومن قرأ بالتاء فمعناه: يلجأون إلى العصر وهو الملجأ والموئل والوزر. وينجون من النجاة قال عدي بن زيد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/311]
لو بغير الماء حلقى شرق = كنت كالغصان بالماء اعتصاري
يقال: شرق بالماء وغص بالطعام.
ومن قرأ بالتاء يجوز أن يكون معناه كمعنى الياء أيضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/312]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: وفيه يعصرون [يوسف/ 49].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: يعصرون بالياء.
وقرأ حمزة والكسائي: تعصرون بالتاء.
قوله: يعصرون يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون العصر الذي يراد به الضغط الذي يلحق ما فيه دهن أو ماء، نحو: الزيتون، والسّمسم والعنب والتمر ليخرج ذلك منه! وهذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/425]
يمكن أن يكون تأويل الآية عليه، لأن من المتأولين من يحكي أنهم لم يعصروا أربع عشرة سنة زيتا ولا عنبا، فيكون المعنى: تعصرون للخصب الذي أتاكم، كما كنتم تعصرون أيام الخصب وقبل الجدب الذي دفعتم إليه، ويكون: يعصرون من العصر الذي هو الالتجاء إلى ما تقدّر النجاة به، قال ابن مقبل:
وصاحبي وهوه مستوهل زعل... يحول بين حمار الوحش
والعصر أي: يحول بينه وبين الملجأ الذي يقدّر به النجاة.
وقال آخر:
في ضريح عليه عبء ثقيل... ولقد كان عصرة المنجود
[الحجة للقراء السبعة: 4/426]
وقال أبو عبيدة: تعصرون: تنجون. وأنشد للبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم... وما كان وقّافا بغير معصّر
قال: والعصر: المنجاة، قال عدي:
لو بغير الماء حلقي شرق... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري
فأما من قال: يعصرون بالياء، فإنه جعل الفاعلين الناس، لأن ذكرهم قد تقدّم هذا الفعل.
ومن قال: تعصرون، وجّه الخطاب إلى المستفتين الذين قالوا: أفتنا في كذا، وعلى هذا قالوا: إلا قليلا مما تحصنون [يوسف/ 48]، إلا أن الناس أقرب إلى الفعل منهم ويجوز: أن يكون أريد المستفتون وغيرهم، إلا أنه حمل الكلام
[الحجة للقراء السبعة: 4/427]
على المخاطبين. لأن الخطاب والغيبة، إذا اجتمعا غلّب الخطاب على الغيبة، كما يغلب التذكير على التأنيث). [الحجة للقراء السبعة: 4/428]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عيسى والأعرج وجعفر بن محمد: [وفيه يُعْصَرُون] بياء مضمومة وصاد مفتوحة.
[المحتسب: 1/344]
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب أن معنى [يُعْصَرُون]: أي يُمْطَرُون، فإن شئت أخذته من العُصْرَة والعَصَر للمَنْجَاةِ، وإن شئت أخذته من عَصَرَت السحاب ماءها عليهم.
وعليه قراءة الجماعة: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}، فهذا من النجاة. وروينا عن ابن عباس: أي يَعْصِرون من الكرم والأدهان، فهذا تفسير النجاة: كيف تقع بهم وإليهم؟ قال أبو زبيد:
صاديا يستغيث غير مُغَات ... ولقد كان عُصْرة الْمنْجُود
أي: نجاة المكروب). [المحتسب: 1/345]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {وفيه يعصرون} قرأه حمزة والكسائي بالتاء، رداه على المخاطبة في قوله: {تزرعون وتأكلون} إذ هو كله جواب للمستفتين عن عبارة الرؤيا، فجرى الكلام على جوابهم ومخاطبتهم، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الناس؛ لأنهم غيَّب، وهو أقرب إليه من لفظ الخطاب، فحمل على الأقرب وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وقد ذكرنا الأصل في تسهيل الهمزة في {بالسوء إلا} «53» وأنه يجوز فيها وجهان: إلقاء الحركة، ولم يروَ عن أحد، ويجوز الإبدال والإدغام، وبه قرأنا لقالون والبزي، وقد روي عنهما غير ذلك مما هو غير جارٍ على الأصول والإبدال، والإدغام أولى به، وقد ذكرنا {بالسوء إلا} والاختلاف فيه وعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/11]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَفِيهِ تَعْصِرُونَ} [آية/ 49] بالتاء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه خطاب للذين استفتوا يوسف عليه السلام، وهم الذين قالوا له {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا}، فخاطبهم بقوله {تَزْرَعُونَ} وبقوله {حَصَدْتُّمْ} وبقوله {تُحْصِنُونَ}.
ويجوز أن يكون أراد المستفتين وغيرهم فغلّب الخطاب؛ لأن الخطاب والغيبة إذا اجتمعا غُلّب الخطاب على الغيبة.
وقرأ الباقون {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} بالياء.
والوجه أن الفعل مسندٌ إلى ضمير الناس الذين تقدّم ذكرهم في قوله {يُغَاثُ النَّاسُ}، أي فيه يغاث الناس ويعصر الناس، وحمْل الفعل على
[الموضح: 680]
الغيبة أولى؛ لأن لفظ الناس أقرب إليه من خطاب المستفتين). [الموضح: 681]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:07 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (50) إلى الآية (53) ]

{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) }

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}

قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك: [حاشَا اللهِ] ابن مسعود وأبي بن كعب. وقرأ: [حاش الإِلَهِ] الحسن. وقرأ: [حَاشْ للهِ] جَزْم الحسن بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [حاشا الله] فعلى أصل اللفظة، وهي حرف جر، قال:
حاشا أبي ثوبان إنَّ به ... ضِنًّا على الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ
وأما [حاش الإله] فمحذوف من حاشا تخفيفًا، وهو كقولك: حاشا الرب وحاشا المعبود، وليس "الإله" هكذا بالهمز هو الاسم العلم؛ إنما ذلك الله -كما ترى- المحذوف الهمزة، على هذا استعملوه علَمًا وإن كان لعمري أصله الإله مكان الله، فإنه كاستعمالهم في مكانه المعبود والرب.
ومنه قوله:
لعنَ الإلهُ وزوجَها معها ... هند الهنود طويلة الفَعل
وأما [حاشْ لله] بسكون الشين، فضعيف من موضعين:
أحدهما: التقاء الساكنين: الألف، والشين، وليست الشين مذعمة.
والآخر: إسكان الشين بعد حذف الألف، ولا موجب لذلك؛ وطريقه في الحذف أنه لما حذف الألف تخفيفًا أتبع ذلك حذف الفتحة إذ كانت كالعَرَض اللاحق مع الألف؛ فصارت كالتكرير في الراء، والتفشي في الشين، والصفير في الصاد والسين والزاي، والإطباق في الصاد والضاد والطاء والظاء، ونحو ذلك. فمتى حَذفت حرفًا من هذه الحروف ذهب معه
[المحتسب: 1/341]
ما يصحبه من التكرير في الراء، والصفير في حروفه، والإطباق في حروفه. وعليه قوله:
رهطُ مَرْجُومٍ ورهطُ ابن الْمُعَلْ
يريد: الْمُعَلَّى، فلما حذف الألف حذف معها فتحتها، فبقي المعلَّ، فلما وقف في القافية المقيدة على الحرف المشدد خففه على العبرة في مثله، كما خففه في نحو قول طرفة:
ففداءٌ لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سُرٍّ وضُرْ
ما أَقَلَّتْ قَدَمِي إنهم ... نَعِمَ الساعون في الأمر الْمُبِرْ
فخفف ضُرْ ومُبِرْ، فكذلك خفف [المعَلَّ] فصار الْمُعَلْ. فهذا حديث حذف الفتحة من [حاشْ].
وأما التقاء الساكنين فعلى قراءة نافع [مَحْيَايْ]، وعلى ما حُكي عنهم من قولهم: التقت حَلْقَتَا البِطَان، بإثبات ألف [حلْقَتَا] مع سكون لام البطان؛ لكن السؤال من هذا عن إدغام لام الجر على "لله" وقبلها "حاشْ" و"حاشا" وهو حرف جر، وكيف جاز التقاء حرفي جر؟
فالقول أن "حاشْ" و"حاشا" هنا فعلان، فلذلك وقع حرف الجر بعدهما.
حكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد قال: سمعت أعرابيًّا يقول: اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ، فنصب بحاشا. وهذا دليل الفعلية، فعليه وقعت بعده لام الجر). [المحتسب: 1/342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {حَاشَا للهِ} [آية/ 31 و51] بالألف في الحرفين:
قرأها أبو عمرو وحده، ووقف عليها بغير ألف.
والوجه في حاشا أنه فعلٌ على وزن فاعل، وهو مأخوذ من الحشا الذي هو الناحية، ومعناه جانب وباعد، كأنه صار في حشًا أي في ناحية، والمراد صار يوسف في ناحية ممات قُرف به، لله، أي لخوفه ومراقبته.
وقال بعضهم: حاشا لله وحاشا الله بمعنى معاذ الله، كما يُقال هيهات كذا وهيهات كذا، باللام وغير اللام، قال: وحاشا فعل في الأصل، ولكنه جُعل كالاسم أُضيف باللام مرة وبغير اللام أخرى، وأُريد به المجانبة، وإضافته إلى الله تعالى على معنى أنه لا يفعل ذلك.
والقول الأول أقوى.
وأما حذف أبي عمرو في الوقف؛ فلأن الوقف موضع حذف وتغيير.
وقرأ الباقون {حَاشَ} بغير ألف في الحالين.
والوجه أن الأفعال التي اعتلّت لاماتها قد يُحذف منها اللام تخفيفًا نحو قولك: لا أدْرِ، وكقولهم: أصاب الناس جُهدٌ ولو تر أهل مكة، وكقول الرؤية:
62- وصّاني العجاج فيما وصني
[الموضح: 678]
ويؤيد هذه القراءة أنهم زعموا أن الألف في المصحف محذوفٌ، وهذا الذي دعا أبا عمرو إلى أن قرأها في حال الوقف بغير ألف؛ لأن الكتابة مبنية على الوقف). [الموضح: 679] (م)

قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}

قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلاّ ما رحم ربّي (53)
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/47]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {بِالسُّوِّ إِلَّا مَا رَحِمَ} [آية/ 53] بتشديد الواو من غير مدٍّ:
قرأها نافع ن-، وابن كثير برواية البزي.
والوجه أن الهمزة التي بعد الواو قُلبت واوًا للواو التي قبلها، وأُدغمت الواو في الواو، وكان أصله السوء بالهمز، فبقي السوِّ بالتشديد.
وروى ش- عن نافع، و-ل- عن ابن كثير بتحقيق الهمزة الأولى وتخفيف الثانية.
والوجه أن ذلك أقرب إلى القياس؛ لأنهم إنما يخففون الثانية لاجتماع الهمزتين، وتخفيف الثانية أولى؛ لأنها هي المتكررة، ولولاها لما استثقلت الأولى بانفرادها، ثم إن من المواضع ما يكون فيه الهمزة اولًا، فلو خُففت لأدى الأمر إلى الابتداء بالساكن؛ لأن تخفيفها تقريب لها من الساكن.
وأبو عمرو يخفف الأولى ويحقق الثانية.
والوجه في ذلك أن الهمزة الأولى ههنا آخر كلمة، والثانية أول كلمة أخرى، والتغيير إلى الأواخر أسبق منه إلى الأوائل، ثم إنه لو خفف الثانية لكان مقربًا لأول الكلمة من الساكن، فكان ذلك مؤديًا إلى الابتداء بالساكن.
وروى ح- عن يعقوب بتحقيق الهمزتين، وكذلك قرأ أهل الشام والكوفة.
[الموضح: 681]
والوجه أنه هو الأصل، وقد تقدم مثله فيما سبق). [الموضح: 682]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (54) إلى الآية (57) ]

{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) }

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)}

قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {يتبوا منها حيث يشاء} [56].
قرأ ابن كثير {نشاء} بالنون الله تعالى يُخبر نفسه.
وقرأ الباقون بالياء {حيث يشاء} ومعناه: حيث يشاء يوسف، ويوسف لا مشيئة له؛ لأن الله تعالى قال: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} والمشيئة له بعد مشيئة الله وقضائه. وهذا كما تقول: أضل الله الكافرين فضلوا هم، وأمات الله زيدًا فمات هو، هذا إذا جعلت المشيئة بمعنى العلم والقضاء أي: علم الله أنهم يشاءون ذلك. ومعنى {يتبوا} ينزل، والمتبوأ: المَنزل. وقد شرحت ذلك في (يونس) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/312]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وحده: يتبوأ منها حيث نشاء [يوسف/ 56] بالنون.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو علي: يتبوأ منها حيث يشاء من قال: حيث يشاء، فيشاء مسند إلى فعل الغائب، كما كان يتبوأ كذلك.
ويقوي ذلك: وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]. وكما أن قوله: حيث نشاء وفق فعل المتبوءين فكذلك قوله: حيث يشاء وفق لقوله: يتبوأ في إسناده إلى الغيبة.
وأما قراءة ابن كثير حيث نشاء فإنه على أحد وجهين:
إما يكون أسند المشيئة إليه، وهي ليوسف في المعنى، لأن مشيئته لما كانت بقوّته وإقداره عليها جاز أن ينسب إلى الله سبحانه، وإن كان في المعنى ليوسف، كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]، فأضيف الرمي إلى الله سبحانه لما كان بقوته، وإن كان الرمي للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والآخر: أن يكون الموضع المتبوّأ مواضع نسك وقرب، أو مواضع يقام فيها الحقّ من أمر بمعروف أو نهي عن منكر،
[الحجة للقراء السبعة: 4/428]
فالتبوّؤ في نحو هذه الأماكن والمكث فيها قرب إلى الله سبحانه، فهو يشاؤه ويريده.
ويقوي النون أن الفعل المعطوف عليه كذلك، وهو: نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين [يوسف/ 56]، فأما اللام في قوله: مكنا ليوسف [يوسف/ 21]، وفي قوله: إنا مكنا له في الأرض [الكهف/ 84] فيجوز أن يكون على حدّ التي في قوله: ردف لكم [النمل/ 72] وللرؤيا تعبرون [يوسف/ 43]، يدلّ على ذلك قوله: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه [الأحقاف/ 26]، وقوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]. وتكون اللام في قوله: ما لم نمكن لكم على هذا أيضا.
وقوله: يتبوأ في موضع نصب على الحال تقديره مكّنّاه متبوّئا حيث يشاء، فأما قوله: حيث يشاء فيحتمل موضعه أمرين، أحدهما: أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف، والآخر: أن يكون في موضع بأنه مفعول به، ويدل على جواز هذا الوجه قول الشمّاخ:
وحلّأها عن ذي الأراكة عامر... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز). [الحجة للقراء السبعة: 4/429]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين}
قرأ ابن كثير {حيث نشاء} بالنّون الله أخبر عن نفسه وحجته ما بعده وهو {نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع}
وقرأ الباقون حيث يشاء أي يوسف كأنّه قال يتبوأ يوسف). [حجة القراءات: 360]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {حيث يشاء} قرأه ابن كثير بالنون، رده على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، لقوله قبل ذلك {كذلك مكناه}، فأخبر عن نفسه بالتمكين، إذ كل شيء بمشيئته يكون، ويقوى ذلك أن بعده {نُصيب برحمتنا من نشاء ولا نضير أجر} فجرى كله على الإخبار، فحمل {نشاء} على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه أولى لتطابق الكلام. وقرأ الباقون بالياء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/11]
ردوه على لفظ {يوسف} لأنه أقرب إليه من لفظ الإخبار، ولفظه غائب ودل على ذلك قوله {يتبوأ منها} فأتى بلفظ الغائب وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/12]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {حَيْثُ نَشَاءُ} [آية/ 56] بالنون:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن المعنى حيث نشاء نحن، على إسناد الفعل إلى الله سبحانه بلفظ الجمع على ما سبق في مثله، والمراد أن يوسف عليه السلام لم يكن لينزل من الأرض إلا حيث يشاء الله تعالى أن ينزل يوسف فيه.
ويجوز أن تكون المشيئة وإن كانت مسندة إلى الله تعالى فإن مشيئة يوسف مشيئة الله تعالى، كما قال سبحانه {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله}.
وقرأ الباقون بالياء، ولم يختلفوا في {يَتَبَوَّأُ} أنها بالياء.
والوجه في الياء من {يَشَاءُ} أن الفعل فيه مسند إلى يوسف، كما أن في {يَتَبَوَّأُ} كذلك، والمعنى: ينزل يوسف من الأرض حيث يريده وهو يؤثر أن ينزل فيه، يصف بذلك تمكنه). [الموضح: 682]

قوله تعالى: {وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 10:11 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة يوسف
[ من الآية (58) إلى الآية (62) ]

{ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) }

قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله: (أنّي أوفي الكيل (59)
حرّك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/47]

قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)}

قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)}

قوله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): ( ...... للميرة، وبيع منا، وإلا فقد منعنا الكيل، ونرجع بلا طعام). [معاني القراءات وعللها: 2/47]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقال لفتيانه (62)
قرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي بألف ونون (لفتيانه).
وقرأ الباقون (لفتيته) بالتاء.
قال أبو منصور: الفتيان والفتية جمع الفتى، أراد: مماليكه وخدمه، كما يقال - صبيان وصبية، وإخوان وإخوة). [معاني القراءات وعللها: 2/47]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {وقال لفتيانه} [62].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {لفتيانه}.
وقرأ الباقون {لفتيته} وهما جمعان جميعًا غير أن فتية: جمع قليل نحو الغلمة والصبية. وفتيان: جمع كثير مثل غلمان وصبيان فينبغي أن يكون الاختيار: {وقال لفتيينه} لأنهم كانوا أكثر من عشرة. والجمع القليل لما بين الثلاثة إلى العشرة، ألم تسمع قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/312]
شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم}. يعني من الاثنى عشر، ثم قال: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} يعني في الأشهر الحرم تفضيلاً لها؛ لأنه لا يجوز الظلم في غير الأشهر الحرم.
فإن سأل سائل: فتى (فعل) مثل جمل، وفعل لا تجمع على فعلة؟.
فالجواب في ذلك أنه لما وافق غلمانًا في الجمع الكثير وفقوا بينهما في الجمع القليل، وهذا حسن جدًا فاعرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/313]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في النون والتاء من قوله عزّ وجلّ: وقال لفتيانه [يوسف/ 62].
[الحجة للقراء السبعة: 4/429]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: لفتيته بالتاء.
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه لفتيانه مثل حمزة بالنون.
وقرأ حمزة والكسائي: لفتيانه بالنون.
الفتية جمع فتى في العدد القليل، والفتيان في الكثير، فمثل فتى وفتية، أخ وإخوة، وولد وولدة، ونار ونيرة، وقاع وقيعة، ومثل الفتيان: برق وبرقان، وخرب وخربان وجار وجيران وتاج وتيجان. وقد جاء فعله في العدد القليل، فيما زادت عدّته على ثلاثة أحرف: نحو: صبيّ وصبية، وغلام وغلمة، وعلي وعلية.
فوجه البناء الذي للعدد القليل: أن الذين يحيطون بما يجعلون بضاعتهم فيه من رحالهم يكفون من الكثير.
ووجه الجمع الكثير: أنه يجوز أن يقال ذلك للكثير، ويتولى الفعل منهم القليل. ويقوّي البناء الكثير قوله: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم [يوسف/ 62]، فكما أن الرحال للعدد الكثير، لأن جمع القليل: أرحل: فكذلك المتولّون ذلك يكونون كثرة.
وقال أبو الحسن: كلام العرب: قل لفتيانك، وما فعل فتيانك؟ وإن كانوا في أدنى العدد، إلا أن يقولوا: ثلاثة
[الحجة للقراء السبعة: 4/430]
وأربعة، فإن قلت: هلّا كان فتية، أولى لقوله: إذ أوى الفتية إلى الكهف [الكهف/ 10]، ولقوله: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه [يوسف/ 76]، والأوعية للعدد القليل؟ قيل: لا دلالة على ما ذكرت من واحد من الأمرين، فأما قوله: الفتية في أصحاب الكهف، فزعموا أنهم كانوا أقل من عشرة، وأما قوله: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، فإنه وإن كان أفعلة لأدنى العدد، فإنه في هذا الباب يجوز أن يعنى به العدد الكثير، ألا ترى أنه لا يستعمل في هذا الباب البناء الذي لأكثر العدد، وهو فعل، فإذا رفضوا ذلك فيه، ولم يستعملوه، جاز أن يعنى به العدد الكثير، ألا ترى أن قولهم: رداء وكساء، ورشاء، وعباء، لا يقال في تكسيره إلّا: أعبية وأردية، وأرشية، وأكسية، ولم يجيء شيء منه على فعل، لأنه لو جاء على ذلك لم يخل من أن تخفف العين كما خفّف في رسل، ورسل، أو تثقّل كما ثقلت العين في رسل، فإن خففت العين في ذلك، لم يجز، لأن العين إذا خفّفت في هذا النحو كان في حكم التثقيل بدلالة قولهم: لقضو الرجل، ورضي، وغزي، فكما أن التخفيف في حكم التثقيل لتقريرهم حروف اللين على ما هي عليه، والحركة ثابتة غير محذوفة، كذلك في فعل، لو خفّف فقيل: رشي، كان في حكم التثقيل، ولم يثقل لما كان يلزم من القلب والإعلال، وقد يقوم البناء الذي للقليل مقام البناء الذي للكثير، وكذلك الكثير يقوم مقام القليل حيث لا قلب ولا إعلال، وذلك نحو: أرجل، وأقدام وأرسان، وفي الكثير قولهم: ثلاثة شسوع؛ فإذا فعل ذلك فيما لا إعلال فيه،
[الحجة للقراء السبعة: 4/431]
فأن يرفض فيما يؤدي إلى ما ذكرنا من الإعلال والقلب أولى.
فأما قولهم: ثن في جمع ثنيّ، فمن الشاذّ الذي لم يعدّ إلى غيره، ورفض فيما عداه). [الحجة للقراء السبعة: 4/432]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم}
[حجة القراءات: 360]
وقرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وقال لفتيانه} بالألف مثل جار وجيران وتاج وتيجان والفتيان للكثير من العدد وحجتهم قوله {اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} فكما أن الرّحال للعدد الكثير فكذلك المتولون ذلك لأن الجمع القليل أرحل ويقوّي هذه قول النّبي صلى الله عليه وقد مر بقوم يربعون حجرا فقال
فتيان الله أشد من هؤلاء
وقرأ الباقون (لفتيته) جمع فتى في العدد القليل مثل أخ وإخوة وقاع وقيعة وحجتهم قوله جلّ وعز {إذ أوى الفتية إلى الكهف} وقوله {إنّهم فتية آمنوا بربهم} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه قال الكسائي هما لغتان مثل إخوان وإخوة وصبيان وصبية وغلمان وغلمة). [حجة القراءات: 361]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {لفتيانه} قرأ حفص وحمزة والكسائي {لفتيانه} على وزن «فعلان» جعلوه جمع فتى في أكثر العدد، ويقوي ذلك قوله: {في رحالهم} فأتى بجمع لأكثر العدد، فأخبر بكثرة الخدمة ليوسف، وإن كان الذين تولوا جعل البضاعة في الرحال بعضهم، وقرأ الباقون «لفتيته» على وزن «فعلة» جعلوه جمع فتى في أقل العدد؛ لأن الذين تولوا جعل البضاعة في رحالهم يكفي منهم أقلهم، وقد قال: {إذ أوى الفتية إلى الكهف} «الكهف 10» وقال: {إنهم فتية} «الكهف 13» وقد قال: {بأوعيتهم}، فأتى بجمع لأقل العدد، وهو الاختيار؛ لأن المعنى عليه، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/12]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {لِفِتْيَانِهِ} [آية/ 62] بالألف والنون:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
[الموضح: 682]
والوجه أنه جمع فتًى، وفتًى فعلٌ، وفعلٌ يُجمع على فعلان كخرب وخربان وبرقٍ وبرقان، وهو جمع الكثرة، وإنما اختير جمع الكثرة ههنا؛ لأن الرحال أيضًا في قوله {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} جمع الكثرة، فلما كانت الرحال كثيرة جُعل المتولون لتعبئة البضاعة فيها أيضًا كثيرة، كذا ذكره أبو علي.
وقرأ الباقون {لِفِتْيَتِهِ} بالتاء من غير ألف.
والوجه أنه جمع فتًى للقلة، وفعلٌ يُجمع في العدد القليل على فعلةٍ كأخٍ وإخوة وولدٍ وقاعٍ وقيعة). [الموضح: 683]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة