سورة الأنفال
[ من الآية (41) إلى الآية (44) ]
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}
قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذ أنتم بالعدوة الدّنيا... (42).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (بالعدوة) بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين.
قال أبو منصور: هما لغتان: عدوة الوادي وعدوته: جانبه). [معاني القراءات وعللها: 1/440]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ... (42).
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ونافع والكسائي رواية نصير ويعقوب (ويحيى من حيي) بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة.
وقرأ الباقون بياء مدغمة.
قال أبو منصور: من قرأ (حيّ) بالإدغام فالأصل (حيي) فأدغم إحدى الياءين في الأخرى.
ومن أظهرهما فهو أتم وأفصح.
وكان الخليل
[معاني القراءات وعللها: 1/440]
وسيبويه يجيزان الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني لازمة). [معاني القراءات وعللها: 1/441]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {إذا أنتم بالعدوة الدنيا} [42].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو [بالعدوة الدنيا} بكسر العين والعدوة والعُدوة والعِدواء كملطاط: حافة الوادي وهما جانباه، كله بمعنى واحد. والعدوة الدنيا: القريبة، والعدوة القصوى: البعيدة. وكذلك: {مكانا قصيا} بعيدًا.
فإن سأل سائل فقال: قصا يقصو، ودنا يدنو، هما من ذوات الواو فلم يقل وهم بالعدوة القصيا كما قيل الدنيا؟
ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أن الدنيا اسم مبني على الفعل فقلبت الواو ياء كما انقلبت في دنا وأدنى ويدني. والقصوى: اسم مختلف ليس مبنيًا على الفعل هذا قول الكوفيين.
وأما أهل البصرة فيقولون: إن الاسم إذا ورد على (فعلى) صحت الواو فيه، وإن كان من ذوات الياء انقلب الياء فيه واوًا مثل الفتوى والتقوى، وإن كانت صفة انقلبت الواو، ياء نحو الصدياء، والصفة: ما كان على (فُعلى) بالضم فانقلبت الواو ياء اسستثقالاً نحو الدنيا والعليا، وخرجت القصوى على اصلها، على أن ابن الأعرابي حكى القُصيا بالياء أيضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/224]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {ويحيى من حي عن بينة} [42]
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/224]
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير برواية البزي {من حيي عن بينة} بياءين غير مدغم، يبنى الماضي وإن كان غير معتل على المضارع، واسم الفاعل نحو المحيي.
وقرأ الباقون: {من حيي عن بينة} بالإدغام، وهو الأجود.
قال الشاعر:
عيوا بأمرهم كما = عيت بيضتها الحمامة
جعلت لها عودين من = نشم وآخر من ثمامه
النشم: شجر يتخذ منه القسي. فأدغم ولم يقل: عييوا، وأنشد ابن دريد عن أبي حاتم للمتلمس:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/225]
فهذا أوان العرض حتى ذبابه = زنابيره والأزرق المتلمس
العرض: وادي اليمامة. والزنابير: النحل. والأزرق: ذباب يلسع الحمير. وسمي بهذا البيت المتلمس.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء أن من العرب من يبني الفعل المستقبل على الماضي فيدغم فيقول: {أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى} بتشديد الياء قال الشاعر:
وكأنها بين النساء سبيكة = تمشي بسدة بيتها فتعي
قال البصريون: هذا غلط؛ لأن الصحيح إذا سكن الحرف لم يجز الإدغام فكيف المعتل.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: هو عندي جائز، لأن المعتل فرع للصحيح فإذا جاز في الصحيح تحرك الحرف الثاني فيدغم نحو: {من يرتد منكم}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/226]
جاز أن يدغم المعتل ويحرك الحرف الثاني، ولا سيما أن الياء إذا أدغم سكن فصار غير عليل، وهذا واضح جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/227]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر العين وضمّها من قوله جلّ وعزّ: بالعدوة [الأنفال/ 42].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالعدوة*، وبالعدوة* العين فيهما مكسورة.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ بضم العين فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 4/128]
قال أبو الحسن: تقرأ بالكسر، وهو كلام العرب لم يسمع منهم غير ذلك، وقال: وهي قراءة أبي عمرو وعيسى، قال:
وبها قرأ يونس، وزعم يونس أنه سمعها من العرب. قال أحمد بن يحيى: الضم في العدوة أكثر اللغتين، وقال أبو عبيدة: هما لغتان، وأكثر القراءة بالضم). [الحجة للقراء السبعة: 4/129]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإدغام والإظهار من قوله [جل وعز]: ويحيا من حي عن بينة [الأنفال/ 42].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من حي عن بينة بياء واحدة مشدّدة.
حفص عن عاصم بياء واحدة أيضا: حي.
وقال البزّي عن أصحابه عن ابن كثير: حيي عن بينة بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة.
وحدثني الحسين بن بشر الصوفي قال: حدّثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ من حيي بياءين، ظاهرة مثل رواية البزّي.
[الحجة للقراء السبعة: 4/129]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة حيي*.
[قال] أبو عبيدة: الحياة والحيوان، والحيّ واحد، فهذه على ما حكاه أبو عبيدة، مصادر، فالحياة كالجلبة، والحدمة، والحيوان كالغليان والنّزوان، والحيّ، كالعيّ، قالوا: حيي يحيا حيّا، كما قالوا: عيي يعيا عيّا، فمن ذلك قوله:
كنّا بها إذ الحياة حيّ فهذا كقوله: إذ الحياة حياة.
ومن زعم أنّ حيّ، جمع حياة، كبدنة وبدن، فإن قوله غير متّجه لأن باب المصادر الأعمّ فيها أن لا تجمع، ولأنه لو كان جمعا لفعل لجاء فيه الضمّ، والكسر، كما جاء في
[الحجة للقراء السبعة: 4/130]
قولهم: قرن ألوى، وقرون ليّ، فأن لم يسمع في الحيّ إلا الكسر، ولم نعلم أحدا حكاه، ولا ادّعى أنه جمع فعل؛ دلالة على أنّه لا مجاز له.
وذكر محمد بن السريّ أن بعض أهل اللغة قال في قول أمية:
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها* من صلب أعمى أصمّ الصّلب منقصم أن المعنى: يأتي بها حياة، وهذا على ما قاله هذا القائل مثل قولهم: عيب، وعاب، وذيم، وذام، ونحو ذلك مما جاء على فعل [وفعل]، ولم يكن كآية، وغاية، لأنّ باب غاية وآية نادر، ألا ترى أن الأول من المعتلّين، يصحّح ويعلّ الثاني، مثل نواة وضواة، وحيا وحياة. وباب آية على غير القياس.
ويمكن أن يكون قوله: «يأتي بها حية» يعني بها خلاف الميّتة، لأنها قد وصفت بالحياة، فيكون صفة كسهلة، وعدلة، لأنّ النار قد وصفت بالحياة في نحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/131]
فبعثتها تقص المقاصر بعد ما* كربت حياة النّار للمتنوّر فإذا جعل لها حياة جاز أن يكون قوله: حيّة وصفا غير مصدر، ويقوّي ذلك قولهم في وصفها: خمدت وهمدت، فهذا خلاف الحياة. ويقوي ذلك قوله:
... يهديك رؤيتها فإنّما يريد: يهدي ضياؤها الضالّ لتعرّفه قصده. ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
ونار قبيل الصبح بادرت قدحها... حيا النار قد أوقدتها للمسافر
وقال أبو زيد: الحيوان لما فيه روح، والموتان والموات لما لا روح فيه.
فالحيوان في روايتي أبي زيد وأبي عبيدة على ضربين:
أحدهما: أن يكون مصدرا، كما حكاه أبو عبيدة، والآخر: أن يكون وصفا كما حكاه أبو زيد، والحيوان مثل الحي الذي هو صفة يراد به خلاف الميّت.
[الحجة للقراء السبعة: 4/132]
وقد جاء من الصفة على هذا المثال نحو قولهم: رجل صميان للسريع الخفيف والزّفيان، قال:
وتحت رحلي زفيان ميلع فهذا أظهر من أن يقال: إنه وصف بالمصدر.
فأما قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان [العنكبوت/ 64]، فيحتمل أن يكون المعنى: وإنّ حياة الدار هي الحياة، لأنّه لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، أي: فتلك الحياة هي الحياة، لا التي يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرا على هذا.
ويجوز أن يكون الحيوان الذي هو خلاف الموتان، وقيل لها: الحيوان، لأنها لا تزول ولا تبيد، كما تبيد هذه الدار، وتزول، فتكون الدار قد وصفت بالحياة لهذا المعنى، والمراد أهلها.
ويجوز أن يكون التقدير في قوله: لهي الحيوان هي ذات الحيوان، أي: الدار الآخرة هي ذات الحياة، كأنه لم يعتدّ بحياة هذه الدار حياة.
فأمّا القول في حروف الحيوان، فهو أن العين واللام منه مثلان في أصل الكلمة، أبدلت من الثانية الواو لمّا لم
[الحجة للقراء السبعة: 4/133]
يسغ الإدغام في هذا المثال، ألا ترى أن مثل طلل، وشرر يصح، ولا يدغم؟ فكذلك الحيوان لم يجز فيه الإدغام، فيتوصّل منه إلى إزالة المثلين بالبدل. ووجب ذلك في الثاني منهما وهو الكثير العام في كلامهم لأن التكرير به وقع.
ومن زعم أنّ الحيوان ليس على هذا النحو الذي سلكه الخليل، ولكنّه بمنزلة قولهم: فاظ الميّت فيظا وفوظا، ولم يستعمل من الفوظ فعل. فإنّ قوله غير متّجه لأنّ الحيوان لا يكون كالفيظ، والفوظ، ألا ترى أنه كثيرا ما تكون العين منه مرة ياء وأخرى واوا، وليس في كلامهم في الاسم والفعل ما عينه ياء ولامه واو، فإذا جعل هذا مثل الفوظ والفيظ، بناه على شيء لا يصحّ ولا نظير له.
وأما قولهم: الحيّة، فالعين واللام فيه مثلان، والدليل على ذلك ما حكاه من أنّهم يقولون في الإضافة إلى حيّة بن بهدلة: حيويّ، فلو كانت واوا لقالوا: حوويّ، كما قالوا في النسب إلى ليّة: لوويّ، وإذا ثبتت أن العين ياء بهذه الدلالة،
[الحجة للقراء السبعة: 4/134]
علمت أن اللام ياء أيضا، ولا يصح أن تكون واوا.
فأما قولهم: الحوّاء في صاحب الحيّات، فليس من الحيّة، ولكنه من: حويت لجمعه لها في جؤنه وأوعيته.
وعلى هذا قالوا: أرض محياة للتي بها الحيّات.
ومثل قولهم: الحوّاء، لمعالج الحيّات، قولهم: اللئّال لبائع اللؤلؤ، وليس اللئّال من اللّؤلؤ وكذلك الحوّاء ليس من الحيّة.
ومن هذا الباب قولهم: حيا الغيث، فالحيا مثل المطر.
ومنه أيضا قولهم: حياء الناقة في أن حروفه حروف الحي، وقالوا في جمعه: أحيّة وأحيية.
وقال أبو زيد في جمع حياء الناقة: حياء وأحياء، وهو فعال وأفعال، وحكى أيضا: جواد، وأجواد.
فأما ما حكاه بعض البغداديين من قولهم: فلان يبيع الحيوان والحيوات، فلا وجه للحيوات هنا، إلّا أن يكون جمع حياة، وحياة لم نعلمه جمع في موضع، ولا وجه له غير الجمع، ألا ترى أنه لا يحمل على فعلال، ولا فعوال، ولا غير ذلك من أبنية الآحاد ولا تكون التاء بدلا من النون في الحيوان كما كان اللام بدلا منها في أصيلال، ألا ترى أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/135]
النون تبدل منها اللام في غير هذا الموضع، وهما حرفان متقاربان، والتاء لا تقارب النون فتجعله في الحيوات بدلا، وأما ما روي من قوله:
ويأكل الحيّة والحيّوتا فأظن البيت أيضا بغداديا، وينبغي أن يكون الحيّوت مثل سفّود وكلّوب، ألا ترى أنه ليس في الكلام فعلوت، فيكون فيه بعض حروف الحي، وليس منه والتاء لام الفعل. فإن قلت:
فقد جاء المروت في قوله:
وما خليج من المروت ذو حدب* [يرمي الضرير بعود الأيك والضّال
[الحجة للقراء السبعة: 4/136]
ويروى: بخشب الأيك]، فإنه أيضا فعّول من المرت، ولا يكون: فعلوتا من المرور، لأنّ هذا الوزن لم يجيء في شيء.
فإن قلت: فهذا التأليف الذي هو: ح ي ت لم نعلمه في موضع.
فإن ذلك أسهل من أن يدخل في الأبنية ما ليس منها.
وإن قلت: فما تنكر أن يكون حيّوت فعلوت كالرّغبوت، فالتاء فيه زيادة، وإنما أسكن لكراهة المثلين، كما أبدل في الحيوان لكراهة المثلين، ومع ذلك فلو لم يدغم ويثبت للزمك أن تجري اللام التي هي ياء بالضم، وإذا لزم تحريكها لزم إسكانها، فإذا لزم إسكانها لزم حذفها لالتقاء الساكنين.
فأسكنت العين من فعلوت لتحتمل الياء الحركة لسكون ما قبلها، كما قلبت اللام من طاغوت وحانوت وجالوت، لمّا لزم حركتها بالضم في فعلوت، فلمّا قلبت الكلمتان انقلب حرف العلّة فيهما، فإسكان العين من فعلوت في الحيّوت كقلب اللام من طاغوت وحانوت، فذلك إن قاله قائل أمكن أن يقول.
وتقول: إن المعتل يختص بأبنية لا تكون في
[الحجة للقراء السبعة: 4/137]
الصحيح، فكذلك فعلوت جاء حيّوت عليه لما قدّمنا، وإن لم يجيء في غير المعتل. فأما قول الشاعر:
إذا شئت آداني صروم مشيّع... معي وعقام يتّقي الفحل مقلت
يطوف بها من جانبيها ويتّقي... بها الشمس حيّ في الأكارع ميّت
من أعمل الآخر من الفعلين، أضمر في الأول على شريطة التفسير، ومن أعمل الأول لم يضمر وكان التقدير:
يطوف بها حيّ من جانبيها. وفي يتّقي ذكر من حيّ.
ومعنى حيّ في الأكارع: حيّ في أسفل الأكارع، وأسفل الأكارع: الخفّ ومعنى ميّت، أي: ميت في غير هذا المكان، لأنه لا يثبت إلا في أسفل الأكارع في ذلك الوقت، فجعل عدمه في هذه المواضع موتا له فيها.
[الحجة للقراء السبعة: 4/138]
وقد يقولون: حيّ فلان، يريدون فلانا، وأنشد أبو زيد:
يا قرّ
إنّ أباك حيّ خويلد... قد كنت خائفه على الإحماق
وأنشد أبو الحسن:
أبو بحر أشدّ الناس منّا... علينا بعد حيّ أبي المغيرة
وروي عن أحمد بن إبراهيم:
وحيّ بكر طعنّا طعنة نجرا يريد: بكرا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/139]
وسئل أعرابيّ عن قائل أبيات أنشدها فقال: قالهنّ حي رياح، يريد: رياحا.
فأما قول من أدغم، فقال: حي عن بينة [الأنفال/ 42]، فلأن الياء قد لزمتها الحركة وصارت بلزوم الحركة لها مشابهة للصحيح، ألا ترى أن من حذف الياء من قوله: جوار، وعذار في الجرّ والرّفع، لم يحذفها إذا تحرّكت بالفتح لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحيحة، وقال في الوقف: كلا إذا بلغت التراقي [القيامة/ 26] فلم تحذف، كما حذفت الياء من [نحو] قوله: الكبير المتعال [الرعد/ 9].
ومن جعلها وصلا في نحو:
.... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري و:... ما يمرّ وما يحلو.
[الحجة للقراء السبعة: 4/140]
قد يحذفها في الوقف، ولو تحركت لم يحذفها، فهذا ونحوه يدلّك على أنّها بالحركة قد صارت في حكم الصحيح، وإذا صارت كذلك، جاز الإدغام فيها، كما جاز في الصحيح، وعلى هذا جاء ما أنشده من قوله:
عيّوا بأمرهم كما... عيّت ببيضتها الحمامة
وقال:
فهذا أوان العرض حيّ ذبابه... زنابيره والأزرق المتلمّس
وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/141]
سألتني جارتي عن أمّتي... وإذا ما عيّ ذو اللّبّ سأل
فجعلوا هذه الأشياء في الإدغام بمنزلة شمّوا وعضّوا.
وعبرة هذا أنّ كلّ موضع يلزم ياء يخشى فيه الحركة، جاز الإدغام في اللام من حيي.. فأما قوله جلّ وعز: على أن يحيي الموتى [الأحقاف/ 33]، فلا يجوز فيه الإدغام، لأن حركة النصب غير لازمة، ألا ترى أنها تزول في الرفع، وتذهب في الجزم مع الحرف! وإذا لم تلزم لم يجز الاعتداد بها، كأشياء لم يعتدّ بها لمّا لم تلزم، نحو الواو الثانية في: ووري، ونحو ضمة الرفع، في: غزو، لزوالها في النصب والجرّ، ونحو احتمالهم الضمّة في: هذه فخذ، وإن لم يكن في الكلام ضمّة قبلها كسرة، لما كانت غير لازمة، وهذا النحو كثير.
وقد أجاز ناس الإدغام في لام يعيا، وأنشدوا بيتا فيه:
تمشي بسدّة بيتها فتعي وهذا لا يتجه في القياس، ولم يأت في نثر ولا نظم معروف، وما كان كذلك وجب اطّراحه.
[الحجة للقراء السبعة: 4/142]
وقد كنّا بينّا فساد ذلك في المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق.
فأمّا قول من قال: حيي* فبيّن ولم يدغم؛ قال سيبويه: أخبرنا بهذه اللغة يونس قال: وسمعنا بعض العرب يقول: أحيياء وأحيية، فبيّن. ومما يقوّي البيان فيه أن مثال الماضي قد أجري حركته مجرى حركة المعرب، فلم تلحقه الهاء في الوقف، كما لم يلحق المعربة، فكما أجريت مجرى المعربة في هذا، كذلك تجري مجراها في ترك الإدغام فيها، ومما يقوّي ذلك أن حركة اللام في حيي- فيمن بيّن يزول لاتصالها بالضمير، فصار زوال الحركة عن اللام في هذا البناء بمنزلة زوال حركة النصب عن المعرب لحدوث إعراب آخر فيه، ويقوّي ذلك قولهم: أعيياء، فبيّنوا مع أنّ الحركة غير مفارقة، فإذا لم يدغموا ما لم تفارقه الحركة، فأن لا يدغموا ما
تفارقه الحركة أولى.
ومثل ذلك قولهم: أبيناء [جمع بيّن]، والإخفاء في
[الحجة للقراء السبعة: 4/143]
هذا النحو في قول من أظهر ولم يدغم [حسن]، وهو بزنة المتحرك). [الحجة للقراء السبعة: 4/144]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس {بِالْعُدْوَةِ} و"العِدْوَةِ" بالضم والكسر. وقرأ: [بالعَدْوَةِ] قتادة والحسن وعمرو، واختلف عنهم.
قال أبو الفتح: الذي في هذا أنها لغة ثالثة، كقولهم: في اللبن رِغوة ورَغوة ورُغوة. ولها نظائر مما جاءت فيها فُعْلة وفِعْلة وفَعْلة، منه قولهم: له صِفوة مالي وصَفوته وصُفوته، روى ذلك أبو عبيدة. ومثله أَوطأته عَشوة وعُشوة وعِشوة، روى ذلك أبو عبيدة وابن الأعرابي.
وروى الكسائي: كلمته بِحَضْرة فلان وحِضْرته، وحكى ابن الأعرابي: غَشوة وغُشوة وغِشوة، وغِلظة وغُلظة وغَلظة. وقالوا: شاة لَجْبة ولُجْبة ولِجْبة، ورِبْوة ورُبْوة ورَبْوة، فكذلك تكون أيضًا العِدْوة والعَدْوة والعُدْوة. وروى ابن الأعرابي أيضًَا: الْمُدية والْمِدية والْمَدية، بالفتح). [المحتسب: 1/280]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى} {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى}
[حجة القراءات: 310]
بكسر العين فيهما مثل إسوة وقدوة
وقرأ الباقون بالرّفع فيهما قال الكسائي وأبو عبيد هما لغتان مثل حذوة وجذوة
قرأ نافع والبزي عن ابن كثير وأبو بكر (ويحيا من حييّ) بياءين وقرأ الباقون {حيّ} بالإدغام
قال الخليل يجوز الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثّاني لازمة فأما من أدغم فلاجتماع الحرفين من جنس واحد كما تقول عيي بالأمر يعيا ثمّ تقول عي بالأمر وأما من أظهر فلأن الحرف الثّاني ينتقل من لفظ الياء تقول حييّ يحيا والمحيا والممات فلهذا جاز الإظهار). [حجة القراءات: 311]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {بالعدوة} و{بالعدوة} قرأه ابن كثير وأبو عمرو، بكسر العين فيهما، وضمهما الباقون، وهما لغتان، والكسر عند الأخفش أشهر، وقال أحمد بن يحيى: الضم أكثر اللغتين، وهو الاختيار؛ لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/491]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {من حي عن بينة} قرأه نافع وأبو بكر والبزي بياءين ظاهرتين، وقرأ الباقون بياء واحدة مشددة مفتوحة.
وحجة من قرأ بياءين أنه أتى بالفعل على أصله، واستثقل الإدغام والتشديد في الياء وأيضًا فإنه شبهها بياء «يحيى» التي لا يحسن فيها الإدغام في حال نصب ولا رفع، وإنما أشبهتها لأنها قد تتغير بالسكون، إذا اتصل بها المضمر المرفوع، كما تتغير ياء «يحيى» في النصب ولا تدغم فيها، لأن تغيرها عارض، وقد ذكر سيبويه «أحييا، وأحيية» بالإظهار، وقد قالوا: اعيياء، فلم يدغموا، وإن كانت حركة اللام لا تتغير، كذلك لم يدغموا في «حي» لأن حركة اللام قد تتغير مع المضمر.
11- وحجة من أدغم أن الياء الأولى من «حي» يلزمها الكسر، كما يلزم عين «عضضت وشممت» فصارت بلزوم الحركة لها كغيرها من حروف السلامة، فصارت كالصحيح في نحو: «شم وعض» أجرى هذا مجراه فأدغم إذ صارت الياء الأولى بالحركة في حكم الصحيح، فإذا لزمت الحركة لام الفعل جاز الإدغام، وإذا لم تلزم الحركة لم يحسن الإدغام، نحو: {أن يحي الموتى} «الأحقاف 33» فهذا لا يحسن فيه الإدغام لأن حركة الياء الثانية غير لازمة، وهي تنتقل بالإعراب إلى السكون، فلما لم تلزم الحركة لم يعتد بها، فصارت الياء الثانية كأنها ساكنة، ولاساكن لا يدغم فيه، إنما يدغم في المتحرك، فلم يجز الإدغام فيما حركته ليست بلازمة، كما لم يجز فيه في حال الرفع، لئلا يلتقي ساكنان، وإنما حسن الإظهار في «حي»، وإن كانت حركته لازمة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/492]
لأنها قد تتغير، إذا اتصل بها مضمر مرفوع وتسك، فشابهت في تغيرها «أن يحيى الموتى» الذي لا يحسن فيه الإدغام، لأن حركته غير لازمة، فصارت كالساكن، ولا يُدغم في ساكن، وقد أجاز الفراء إدغام «أن يحي الموتى» في حال النصب لتحرك الياء، ولا اختلاف في منع الإدغام في حال الرفع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/493]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وهُم بِالْعُدْوَةِ القُصْوَى} [آية/ 42] بكسر العين فيهما:
قرأهما ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، وقرأ الباقون بضم العين فيهما.
والوجه أنهما لغتان: عدوة وعدوة كجثوة وجثوة). [الموضح: 579]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ} [آية/ 42] بياءين مخففتين الأولى منهما مكسورة، والثانية مفتوحة:
قرأها ابن كثير برواية البزي، ونافع وعاصم- ياش- ويعقوب.
والوجه أنهم جاءوا بالكلمة على الأصل في الإظهار دون الإدغام، وشبهوا حركة الماضي بحركة المعرب لتصرفه، ألا ترى أن حركة اللام من الكلمة تزول عند اتصاله بالضمير في قولك حييت وحيين، كما تزول حركة النصب عن المعرب وهو المضارع بحدوث الرفع في نحو قوله تعالى {أَن يُحْيِيَ}
[الموضح: 579]
و{يُحْيِي}، فأجرى الماضي مجرى المستقبل، (فأظهر) ولم يدغم كما أظهر المضارع ولم يدغم.
وقرأ ابن كثير- ل- وأبو عمرو وابن عامر وعاصم- ص- وحمزة والكسائي {حَيَّ} بياء واحدة مشددة.
والوجه أن الياء قد لزمتها الحركة؛ لأن حركتها حركة بناءٍ، فأدغم الحرف لاجتماع المثلين المتحركين، والحركة الأخيرة لازمة، فصار بلزوم الحركة مشبهًا للصحيح فأدغم كفر ومد). [الموضح: 580]
قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)}
قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين