العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 07:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (26) إلى الآية (30) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وريشًا ولباس التّقوى... (26).
أجمع القراء على قراءة (وريشًا) ولم يقرأ أحدٌ (ورياشًا) غير الحسن.
أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت سلاما أبا المنذري القارئ يقول: الريش: الزينة. والرياش: كاللباس.
قال: فسألت يونس فقال: لم يقل شيئا، هما سواء.
[معاني القراءات وعللها: 1/402]
وقال الفراء: إن شئت جعلت الرياش جمع الريش، وإن شئته مصدرا في معنى الريش، كما قالوا: لبس ولباس.
قال أبو منصور: القراءة (وريشًا) لا غير). [معاني القراءات وعللها: 1/403]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولباس التّقوى... (26).
قرأ نافع وابن عامر والكسائي (ولباس التّقوى) نصبا، وقرأ الباقون (ولباس التّقوى) رفعا.
قال أبو منصور: من قرأ (ولباس التّقوى) فرفعه على ضربين:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، ويكون (ذلك) من صفته.
والوجه الثاني: أن يكون (خيرٌ) خبر الابتداء، المعنى: ولباس التقوى المشار إليه خير.
وفيه وجه ثالث: يجوز أن يكون (ولباس التّقوى) مرفوعا بإضمار (هو)، المعنى: هو لباس التقوى، أي: ويستر العورة لباس المتقين، ثم قال: (ذلك خيرٌ).
[معاني القراءات وعللها: 1/403]
ومن قرأ (ولباس التّقوى) فنصب. عطفه على قوله (وريشًا).
والمعنى: أنزلنا عليكم ولباس التّقوى، وهذا كله قول أبي اسحاق النحوي). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- قوله تعالى: {ولباس التقوى} [26].
قرأ نافع وابن عامر والكسائي: بالنصب.
والباقون: بالرفع.
فمن نصب جعله مفعول قوله: {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءتكم} ونسق الثاني عليه و{لباس التقوى} قيل في التفسير: هو الحياء.
ومن رفعه جعله ابتداء {وخير} خبره {وذلك} نعت.
وفي قراءة أبي وابن مسعود: {ولباس التقوى خير} ليس فيها ذلك.
وأما قوله: {وريشا} فأجمع القراء على ترك الألف إلا ما حدثني به ابن مجاهد قال: حدثني أحمد بن عبيد عن أبي خلاد عن حسين عن أبي عمرو أنه قرأ {وريشا} بالألف، ورويت عن الحسن. الريش والرياش يكونان اسمين
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/178]
ومصدرين مثل قال قيلاً، ويكون رياش: جمع ريش ومعناه: الشارة والحسن، كذلك: لبس ولباس.
وأخبرني ابن دريد رحمه الله عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: تقول العرب: أعطيته سرجا ورحلا بريشه. ويقال: قد تريش فلان: إذا حسنت حاله، وقد نبت ريشه مأخوذ من ريش الطائر؛ لأن غناه وحياته بالريش، قال جرير يمدح عبد الملك بن مروان.
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
سأشكر إن رددت إلي ريشي = وأنبت القوادم في جناحي
ويقال إذا افتقر الرجل: نتف ريشه، قال رؤبة:
إليك أشكو شدة المعيش
ومر أعوام نتفن ريشي
نتف الحبارى عن قرى رهيش
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/179]
وحدثني أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن زهير عن أبيه، عن يونس، عن هارون: {ولباس التقوى خير} قال: لباس التقوى أفضل من الأثاث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع السين ونصبها من قوله تعالى: ولباس التقوى [الأعراف/ 26].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ولباس التقوى رفعا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ: (ولباس التّقوى) نصبا.
أما النصب: فعلى أنه حمل على (أنزل) من قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسا ولباس التّقوى) [الأعراف/ 26]، وأنزلنا هنا كقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25]، وكقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]، أي: خلق، وقوله: (ذلك) على هذا: مبتدأ، وخبره (خير).
ومن رفع فقال: ولباس التقوى ذلك خير قطع اللباس من الأول واستأنف به فجعله مبتدأ.
وقوله (ذلك) صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إنّ (ذلك) لغو، لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على ما
[الحجة للقراء السبعة: 4/12]
ذكرنا، و (خير) خبر للباس والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمّل به، وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف في قوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف [النحل/ 112] إلى الجوع). [الحجة للقراء السبعة: 4/13]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجماعة وعاصم بخلاف: [ورِياشًا] بالفتح.
قال أبو الفتح: يحتمل رِيَاشٌ شيئين:
أحدهما: أن يكون جمع رِيش، فيكون كشِعْب وشِعَاب ولِهْب ولِهَاب، ولِصْب ولِصَاب، وشِقْب وشِقَاب.
والآخر: أن يكونا لغتين: فِعْلٌ وفِعَال. هكذا قال أبو الحسن، قال: وقال الكلابيون: الرياش: ماكان من لباس أو حشو من فراش ألآو دثار، والريش: المتاع والأموال. وقد يكون الريش في الثياب دون المال. ويقال: هو حسن الريش؛ أي الثياب. والرياش: القشر، وهما كما ترى متداخلان). [المحتسب: 1/246]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التّقوى ذلك خير}
قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ {وريشا ولباس التّقوى} بالنّصب عطفوا على الريش المعنى وأنزلنا عليكم لباس التّقوى
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج ورفعه على ضربين أحده
[حجة القراءات: 280]
أن يكون مبتدأ ويكون {ذلك} من صفته ويكون خير خبر الابتداء المعنى ولباس التّقوى المشار إليه خير ويجوز أن يكون {ولباس التّقوى} مرفوعا بإضمار هو المعنى وهو لباس التّقوى أي وستر العورة لباس المتّقين وحجتهم ما جاء في التّفسير قيل ولباس التّقوى أفضل من الأثاث والكسوة وجاء أيضا ولباس التّقوى الحياء). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {ولباس التقوى} قرأه نافع وابن عامر والكسائي بالنصب ورفعه الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
وحجة من نصب أنه عطفه على «لباس» في قوله: {أنزلنا عليكم لباسًا}، أي: وأنزلنا لباس التقوى، وقوله: {ذلك خير} ابتداء وخبر.
5- وحجة من قرأ بالرفع أنه استأنفه فرفعه بالابتداء، وجعل «ذلك» صفة له أو بدلًا منه أو عطف بيان، و«خير» خبر للباس والمعنى و{لباس التقوى} خير لصاحبه عند الله، مما خلق له من لباس الثياب والريش والرياش، مما يتجمل به، وأضيف «اللباس» إلى «التقوى» كما أضيف إلى «الجوع» في قوله: {لباس الجوع} «النحل 112» والرفع أحب إليّ؛ لأن عليه أكثر القراء، والنصب حسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [آية/ 26] بالنصب:-
قرأها نافع وابن عامر والكسائي.
والوجه أنه محمول على ما عمل فيه أنزل من قوله تعالى {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا... وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، و{أَنْزَلْنَا} بمعنى خلقنا، و{ذَلِكَ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره.
وقرأ الباقون {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} بالرفع.
والوجه أنه مقطوع من الأول ومستأنف به مما قبله، كأنه قال: أنزلنا عليكم لباسًا وريشًا، ثم قال: ولباس التقوى خير من اللباس والرياش وما يتجمل به، فـ {لِبَاسُ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره، و{ذَلِكَ} صفة أو بدل أو عطف بيان، والتقدير: ولباس التقوى هو خير، ويجوز أن يكون {ذَلِكَ} فصلاً وعمادًا، ويجوز أن يكون بإضمار مبتدأ، كأنه قال: وهو لباس التقوى، أي وستر العورة لباس المتقين، ثم قال تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ} أي ذلك اللباس خير). [الموضح: 525]

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}

قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}

قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}

قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:02 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (31) إلى الآية (34) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خالصةً يوم القيامة... (32).
قرأ نافع وحده (خالصةٌ) رفعا، وقرأ الباقون (خالصةً) نصبا.
قال أبو منصور: من رفع فقال (خالصةٌ) فهي على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
أراد جلّ وعزّ أنها حلالٌ للمؤمنين، يعني: الطيبات من الرزق ويشركهم فيها الكافر، وأعلم أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافر.
ومن قرأ (خالصةً) بالنصب نصبها على الحال، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا (خالصةً) يوم القيامة). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة} [32].
قرأ نافع وحده {خالصة} بالرفع على معنى هي خالصة.
وقرأ الباقون بالنصب {خالصة} على القطع والحال؛ لأن الكلام تم دونه، قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي ثابتة في القيامة خالصة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع التاء ونصبها من قوله: خالصة يوم القيامة [الأعراف/ 32].
فقرأ نافع وحده (خالصة) رفعا.
وقرأ الباقون: خالصة نصبا.
قال أبو الحسن: أخرج لعباده في الحياة الدنيا، [قال أبو علي]: لا يخلو القول في قوله في الحياة الدنيا [الأعراف/ 32] من أن يتعلق ب (حرّم) أو: ب (زينة)، أو:
ب (أخرج)، أو: ب (الطيبات)، أو: ب (الرّزق) من قوله: من الرزق [الأعراف/ 32] أو بقوله: آمنوا [الأعراف/ 32]؛ فلا يمتنع من أن يتعلّق ب (حرّم) فيكون التقدير: قل من حرّم في
[الحجة للقراء السبعة: 4/13]
الحياة الدنيا، ويكون المعنى: قل من حرّم ذلك وقت الحياة الدنيا زينة، ولا يجوز أن يتعلّق بزينة لأنّه مصدر، أو جار مجراه، وقد وصفتها، فإذا وصفتها، لم يجز أن يتعلّق بها شيء بعد الوصف، كما لا يتعلق به بعد العطف عليه، ويجوز أن يتعلق بأخرج لعباده في الحياة الدنيا.
فإن قلت: فهلّا لم يجز تعلّقه بقوله: أخرج لعباده لأنّ فيه فصلا بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للذين آمنوا [الأعراف/ 32]، وهو كلام مستأنف ليس في الصلة؟
قيل: لا يمتنع الفصل به لأنّه ممّا يسدّد القصة، وقد جاء: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27] [فقوله: وترهقهم] معطوف على كسبوا، فكذلك: قل هي للذين آمنوا، ويجوز أيضا أن يتعلق بالطيبات، تقديره: والمباحات من الرزق. ويجوز أن يتعلق بالرزق أيضا، وإن كان موصولا، ويجوز أن يتعلق بآمنوا، الذي هو صلة الذين أي: آمنوا في الحياة الدنيا، فكلّ ما ذكرنا من هذه الأشياء يجوز أن يتعلق به هذا الظرف.
فأمّا قوله: (خالصة) فمن رفعه جعله خبرا للمبتدإ
[الحجة للقراء السبعة: 4/14]
الذي هو هي، ويكون للذين آمنوا تثبيتا للخلوص، ولا شيء فيه على هذا، ومن قال: هذا حلو حامض، أمكن أن يكون (للذين آمنوا) خبرا، و (خالصة) خبر آخر، ويكون الذكر فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب.
ومن نصب خالصة كان: حالا ممّا في قوله: للذين آمنوا، ألا ترى أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدأ الذي هو هي؟
فخالصة حال عن ذلك الذكر، والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل، وهي متعلقة بمحذوف، وفيه الذكر الذي كان يكون في المحذوف، ولو ذكر ولم يحذف، وليس متعلقا بالخلوص، كما تعلق به في قول من رفع.
قال سيبويه: وقد قرءوا هذا الحرف على وجهين: (قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) بالرفع والنصب، فجعل اللام الجارّة لغوا في قول من رفع، (خالصة) ومستقرا في قول من نصب (خالصة).
والقول فيما ذهب إليه أبو الحسن من أن المعنى: التي أخرج لعباده في الحياة الدنيا، أنّه إن علّق في الحياة الدنيا، ب (حرّم)، أو (أخرج)، فلا يخلو من أن تنصب (خالصة) أو ترفعه، فإن رفعته فصلت بين الابتداء والخبر بالأجنبي، ألا
[الحجة للقراء السبعة: 4/15]
ترى أن قوله: في الحياة الدنيا إذا لم يكن متصلا ب (آمنوا) كان أجنبيا من الابتداء والخبر، وإن نصبت (خالصة)، فصلت بين الحال وذي الحال بأجنبي منهما، كما فصلت بين الابتداء والخبر؟ فإذا كان كذلك لم يحسن، وليس باعتراض فيكون فيه تسديد.
ومن حجة أبي الحسن أن يقول: إن المفصول به في هذا الموضع بين ما لا يحسن الفصل بينهما بالأجنبي، ظرف، ولا يمتنع الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا مما يفصل به بينهما. ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: كانت زيدا الحمّى تأخذ؟
ولم يفصلوا بين الفاعل وفعله بالمفعول به، ولو كان مكان المفعول به ظرف، لأجازوا ذلك، وذلك قولهم: إنّ في الدار زيدا قائم، فأجازوا الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا من العامل والمعمول فيه، وعلى هذا جاء:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
وحجة من رفع «خالصة» أنّ المعنى: هي تخلص للّذين آمنوا يوم القيامة، وإن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدنيا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/16]
ومن نصب، فالمعنى عنده: هي ثابتة للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم. وانتصاب (خالصة) على الحال، وهو أشبه لقوله: إن المتقين في جنات وعيون آخذين [الذاريات/ 15 - 16]، ونحو ذلك مما انتصب فيه الاسم على الحال بعد الابتداء وخبره وما يجري مجراه إذا كان فيه معنى فعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/17]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة}
قرأ نافع {خالصة يوم القيامة} بالرّفع أي هي خالصة للّذين آمنوا قال الزّجاج قوله {خالصة} خبر بعد خبر كما تقول زيد عاقل لبيب فالمعنى قل هي ثابتة للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة
وقرأ الباقون {خالصة} نصبا على الحال كما تقول المال لزيد خالصا). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {خالصة يوم القيامة} قرأه نافع بالرفع، ونصب الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل «خالصة» خبرًا لـ «هي» في قوله تعالى: {قل هي للذين} تبيينًا للخلوص، أو خبرا بعد خبر، والمعنى: قل الطيبات والزينة خالصة للمؤمنين في الآخرة، فأما في الدنيا فقد شركهم فيها الكفار.
7- وحجة من نصب أنه جعل «خالصة» حالا من المضمر في قوله: {للذين آمنوا} لأنه خبر «هي»، فالظرف إذا كان خبرًا لمبتدأ أو نعتًا لنكرة أو حالًا من معرفة، ففيه ضمير مرفوع، يعود على المخبر عنه، أو على الموصوف،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
أو على صاحب الحال، والنصب أحب إلي؛ لأنه أتم في المعنى، ولأن عليه جماعة القراء، وقد شرحنا إعراب هذه الآية وتعلق اللام من «للذين» في الوجهين وغير ذلك من غريب إعرابها في تفسير مشكل الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آية/ 32] بالرفع:-
قرأها نافع وحده.
[الموضح: 525]
والوجه أنه خبر المبتدأ، والمبتدأ {هِيَ} التي في قوله {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} واللام متعلقة بالخبر الذي هو {خَالِصَةً}.
ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر على أن يكون {لِلَّذِينَ آمَنُوا} خبرًا، وقوله {خَالِصَةً} خبرًا آخر، كما تقول: هذا حلو حامض.
وقرأ الباقون {خَالِصَةً} بالنصب.
والوجه أنه حال مما في قوله {لِلَّذِينَ آمَنُوا}؛ لأن فيه ذكرًا يعود إلى {هِيَ} التي هي مبتدأ، فالحال إنما هو عن ذلك الذكر، وقوله {هِيَ} مبتدأ، {هِيَ} خبره، و{خَالِصَةً} حال، والعامل فيه ما في اللام من معنى الفعل، والتقدير: هي تثبت للذين آمنوا خالصة). [الموضح: 526]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حرّم ربّي الفواحش... (33).
[معاني القراءات وعللها: 1/405]
أسكن الياء حمزة وحده، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/406]

قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن سيرين: [فَإِذَا جَاءَ آجَالُهُمْ].
قال أبو الفتح: هذا هو الظاهر؛ لأن لكل إنسان أجلًا. فأما إفراد الأجل فلأنه جعله جنسًا، أو لأنه مصدر فأتته الجنسية من قِبل المصدرية، وحسن الإفراد لإضافته أيضًا إلى الجماعة، ومعلوم أن لكل إنسان أجلًا، وعليه جاء قوله:
في حَلقِكم عظْم وقد شَجينا
لأن لكل إنسان حلقًا، وتقول على هذا: رأس القوم صُلْبٌ؛ أي: رءوسهم صِلَاب. ويجوز أن تقول: رأس القوم صِلَاب؛ حملًا على المعنى.
وندع الإطالة بالشواهد إشفاقًا من الإطالة التي سئلنا اجتنابها على ما بينا في صدر الكتاب). [المحتسب: 1/246]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:03 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (35) إلى الآية (39) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب والأعرج والحسن: [إِمَّا تَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ منكم] بالتاء.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة بعض الصنعة؛ وذلك لقوله فيما يليه: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} . فالأشبه بتذكير يقصون التذكير بالياء في قراءة الجماعة: {يَأْتِيَنَّكُمْ}، فتقول على هذا: قامت الزيود وقام الزيدون، وتذكر لفظ قام لتذكير الزيدون، وتؤنث لفظ قامت لأن الزيود مكسر ولا يختص بالتذكير؛ لقولك: الهنود. وقد يجوز قامت الزيدون، إلا أن قام أحسن). [المحتسب: 1/247]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}

قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (ولكن لا يعلمون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو خطاب لأخراهم وأولاهم المضلّين والمضلّين من الكفار.
ومن قرأ بالياء فللغيبة.
ومعنى قوله (لكلٍّ ضعفٌ)، أي: لكل من التابع والمتبوع عذاب مضاعف؛ لأنهم دخلوا في الكفر جميعا.
وقيل في تفسير قوله (ولكن لا تعلمون) أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب.
وقيل في قوله (ولكن لا يعلمون): ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {ولكن لا تعلمون} [38].
قرأ عاصم في رواية ابي بكر بالياء أخبر عن غيب.
وقرأ الباقون بالتاء. فمن قرأ بالتاء فالتقدير: يا محمد: قل لهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء في قوله تعالى: ولكن لا تعلمون [الأعراف/ 38].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (لكلّ ضعف، ولكن لا يعلمون) بالياء.
وروى حفص عن عاصم بالتاء. وكذلك قرأ الباقون بالتاء.
وجه القراءة بالتاء في قوله: ولكن لا تعلمون أن المعنى: لكلّ ضعف، أي: لكلّ فريق من المضلّين والمضلّين ضعف ولكن لا تعلمون أيّها المضلّون والمضلّون. ومن قرأ بالياء: حمل الكلام على كلّ، لأنّه، وإن كان للمخاطبين، فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة، فحمل على اللفظ دون المعنى،
[الحجة للقراء السبعة: 4/17]
ومثل هذا في المعنى: قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار [ص/ 61] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/18]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن أبي عمرو: [حَتَّى إِذَا إدَّارَكُوا]، ورُوي عنه أيضًا: "حتى إذا" يقف ثم يقول: [تَدَارَكُوا]، وظهور التاء في [تداركوا] قراءة ابن مسعود والأعمش.
وقراءة أخرى: [إذآ ادَّاركوا]، قرأ بها مجاهد وحميد ويحيى وإبراهيم.
قال أبو الفتح: قَطْعُ أبي عمرو همزة [ادَّاركوا] في الوصل مشكل؛ وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة؛ إذ ليست مبتدأة كقراءته الأخرى مع الجماعة. وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف "إذا" مُمَيِّلًا بين هذه القراءة وقراءته الأخرى التي هي [تداركوا]، فلما اطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف، فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك في ابتدائها، فجرى هذا التمييل في التلوم عليه وتطاول الصوت به مجرى وِقفة التذكر في نحو قولك: قالوا -وأنت تتذكر- الآن من قول الله سبحانه: [قالُوا الآن]، فتثبت الواو من قالوا لتلومك عليها للاستذكار، ثم تثبت همزة الآن؛ أعني: همزة لام التعريف.
ومثله [اشْتروُوا] إذا وقفت مستذكرًا "للضلالة"، فتضم الواو من "اشتروا" على ما كانت عليه من الضم لالتقاء الساكنين، ثم تشبع الضمة لإطالة صوت وِقفة الاستذكار، فتُحدِث هناك واوًا تنشأ عن ضمة واو الضمير، ثم تبتدئ فتقول: [ألضلالة]، فتقطع همزة الوصل لابتدائك بها، فهذا أمثل ما يقال في هذا.
[المحتسب: 1/247]
ولا يحسن أن تقول: إنه قطع همزة الوصل ارتجالًا هكذا؛ لأن هذا إنما يسوغ لضرورة الشعر. فأما في القرآن فمعاذ الله وحاشا أبي عمرو، ولا سيما وهذه الهمزة هنا إنما هي في فعل، وقلما جاء في الشعر قطع همزة الوصل في الفعل؛ وإنما يجيء الشيء النزر من ذلك في الاسم، نحو قول جميل:
ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ... على حَدَثان الدهر مني ومن جُمْل
وقول الآخر:
يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل إثنين إلى افتراق
أي: لاق منيته، فحذف المفعول، وإنما قل قطع همزة الوصل هذه في الفعل، وجاء ما جاء من ذلك في الاسم؛ حيث كان الفعل مظنة من همزة الوصل، وإنما تدخل من الأسماء ما ضارع الفعل.
وباب همزات الأسماء أن تكون قطعًا، فلما غلب القطع عليها جرت الألسن على العادة في ذلك، واستجازوا قطع همزة الوصل لما ذكرنا.
وليست حال همزة الوصل في الفعل كذلك؛ لأنها معتادة هناك، فازداد قطعها من الفعل ضِيقَ عُذْرٍ لما ذكرنا.
فأما [حتى إذآ ادَّاركوا] بإثبات ألف "إذا" مع سكون الدال من [ادَّاركوا] فإنما ذلك لأنه أجرى المنفصل مجرى المتصل، فشبهه بشابَّة ودابَّة ونحو قولهم: لاهآ الله ذا بإثبات الألف في "ها"، وترك حذفها لالتقاء الساكنين كما حذفت في قول من قال: لاها الله ذا.
وقال لي أبو علي: فيها أربع لغات: لاهَا لله ذا بحذف الألف، ولاهآ الله ذا بمدها تشبيهًا بالمتصل على ما مضى في دابة. ولاهآ ألله بإثبات ألف ها وهمزة الله بوزن لاها عَلَّاة ذا.
والرابعة: لاهَأللهِ ذا في وزن هَعَلّله ذا، تحرك ألف "ها" لالتقاء الساكنين وتقلبها همزة، كما قرأ أيوب السختياني: [ولا الضَّأَلِّين]، بوزن الضَعَلِّين. وعليه ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأَبَّة ومأَدَّة.
ومثله أيضًا قراءة أبي عمرو، ورويناها عن قطرب عنه: [قالوا اطَّيْرنا]، وحُكي عن بعضهم: هذان عبدآ اللهِ.
[المحتسب: 1/248]
وحُكي عنهم: له ثلثآ المال وهو أشد؛ لأنه غير مدغم.
وقال بعضهم: يآ الله، وبعضهم: يا ألله، وبعضهم: يألله، وبعضهم: ياْلله، فحذف ألف يا لالتقاء الساكنين). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}
قرأ أبو بكر (قال لكل ضعف ولكن لا يعلمون) بالياء إخبار عن غيب المعنى ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
وقرأ الباقون بالتّاء أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب ويجوز والله أعلم ولكن لا تعلمون يا أهل الدّنيا مقدار ذلك). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولكن لا تعلمون} قرأه أبو بكر بالياء، حمل الكلام على لفظ «كل» ولفظه لفظ غائب، وقرأ الباقون بالتاء، حملوه على معنى ما قبله من الخطاب في لأن قبله {قال لكل ضعف} أي: لكلم ضعف، فحمل «تعلمون» على معنى «كل» في الخطاب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [آية/ 38] بالياء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-.
والوجه أن الكلام محمول على {كلٍّ}؛ لأنه اسم ظاهر موضوع للغيبة، فجعل محمولاً على اللفظ دون المعنى، والمراد لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
وقرأ الباقون بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب، والمعنى لكلكم ضعف من العذاب، والخطاب
[الموضح: 526]
للتابعين والمتبوعين، وهم المضلون والمضلون، أي ولكن لا تعلمون ما لكل منكم من العذاب). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:05 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف

[ من الآية (40) إلى الآية (43) ]
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تفتّح لهم أبواب السّماء... (40).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. ويعقوب (لا تفتّح) بالتاء والتشديد، وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء مع التخفيف، وقرأ حمزة والكسائي (لا يفتح) بالياء مع التخفيف.
قال أبو منصور: من شدد فلتكثير الفتح، وكثرة الأبواب.
ومن خفف فلتقليله، ويجوز هذا وهذا فيما يكثر ويقلّ). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {لا تفتح لهم أبواب السماء} [40].
قرأ أبو عمرو وحده: {لا تفتح} بالتاء والتخفيف.
وقرأ حمزة والكسائي بالياء والتخفيف.
وقرأ الباقون بالتاء والتشديد.
فمن أنث فلتأنيث الأبواب؛ لأن كل جمع خالف الآدميين فهو بالتأنيث، وشاهده قوله: {مفتحة لهم الأبواب} ومن ذكر فلأن تأنيثه غير حقيقي؛ ولأنه قد فصل بين المؤنث وبين فعله بصفة، وكلاهما حسن. فأما من شدد فإنه من التفتيح مرة بعد مرة مثل قتل وذبح. ومن خفف دل على المرة الواحدة.
ومعنى قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا يستجاب دعاؤهم، ولا يصعد إلى عملهم؛ لأن الله تعالى قال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وأرواح المؤمنين في الجنة، وأعمال الكافرين وأرواحهم في صخرة تحت الأرضين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
وقال آخرون: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن أبواب الجنة في السماء. والنار في الدرك الأسفل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله تعالى: (لا تفتح لهم) [الأعراف/ 40].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: لا تفتح بالتاء مشددة التاء الثانية.
وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء خفيفة ساكنة الفاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (لا يفتح) بالياء خفيفة.
حجة من قال: تفتح قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]؛ فقياس مفتحة: تفتّح، وقوله: (وفتّحت السماء فكانت أبوابا) [النبأ/ 19]، لأن المعنى في فتّحت السماء على أبوابها، والمعنى: فكانت ذات أبواب.
وحجّة من خفف قوله: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر [القمر/ 11]، وقوله: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]، و (فتحنا) قد يقع على التكثير كما يقع (فتّحنا)، ومن قال: (لا يفتح) بالياء، فلتقدّم الفعل، ويشهد للتأنيث قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ألا ترى أنّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/18]
اسم الفاعل يجري مجرى الفعل، وقد أنّث، وكذلك الفعل ينبغي أن يؤنّث، وأما قوله: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [الأنبياء/ 96] فإنّما خفّف؛ لأنّ المعنى: فتح سدّ يأجوج ومأجوج؛ فأجرى التأنيث على لفظ يأجوج، وإن كان المعنى على السدّ، أو يكون: فتحت أرض يأجوج، لأنّ فتح سدّها فتح أرضهم؛ فهو فتح واحد لا تكرير فيه، فيحسن التشديد.
ومعنى: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، أي: لا تصعد أعمالهم إليها.
وروي في تفسير قوله: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان/ 29]، أنّ موضع المؤمن الذي كان يرتفع إليه عمله الصالح، يبكي عليه إذا مات، وقال [الله عزّ وجلّ]: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر/ 10] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبي العلاء بن الشخير ورويت عن أبي رجاء: [حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ]، وقرأ: [الْجُمَل] -بضم الجيم وفتحة الميم مخففة- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف وعبد الكريم وحنظلة ومجاهد بخلاف.
وقرأ: [الْجُمْل] -بضم الجيم وسكون الميم- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف عنهما.
وقرأ: [الْجُمُل] -بضمتين والميم خفيفة- ابن عباس.
وقرأ أبو السمال: [الْجَمْل] مفتوحة الجيم ساكنة الميم.
قال أبو الفتح: "أما [الْجُمَّل] بالتثقيل و[الْجُمُل] بالتخفيف فكلاهما الحبل الغليظ من القنب، ويقال: حبل السفينة، ويقال: الحبال المجموعة، وكله قريب بعضه من بعض.
وأما [الْجُمْل] فقد يجوز في القياس أن يكون جمع جَمَل كأَسَد وأُسْد ووَثَن ووُثْن، وكذلك المضموم الميم أيضًا كأُسُد.
وأما [الْجَمْل] فبعيد أن يكون مخففًا من المفتوح لخفة الفتحة، وإن كان قد جاء عنهم قوله:
وما كل مبتاع ولو سَلْف صَفْقُهُ ... براجع ما قد فاته بِرِداد). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الّذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السّماء}
قرأ أبو عمرو {لا تفتح} بالتّاء والتّخفيف وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء والتّخفيف وقرأ الباقون بالتّاء والتّشديد وحجّة التّاء قوله {وفتحت أبوابها} ذهبوا إلى جماعة الأبواب وحجّة من قرأ بالياء هي أنه لما فصل بين المؤنّث وبين فعله بفاصل صار الفاصل كالعوض من التّأنيث والتذكير والتأنيث في هذا النّوع قد جاء بهما التّنزيل فمن الأول قوله {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} ومن التّأنيث قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ولو ذكر أما وأنث فعل اللحوم كان جائزا حسنا
فأما التّشديد فإنّه من التفتيح مرّة بعد مرّة أخرى وهذا هو المختار لأنّها جماعة وحجتهم قوله {مفتحة لهم الأبواب} ولم يقل مفتوحة وقال {وغلقت الأبواب} ومن خفف دلّ على المرة الواحدة ومعنى قوله {لا تفتح لهم أبواب السّماء} أي لا يستجاب لهم دعاؤهم فتفتح لهم أبواب السّماء وقد ذكرت في تفسير القرآن). [حجة القراءات: 282]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {لا تفتح} قرأه حمزة والكسائي بالياء مضمومة؛ لأن تأنيث الأبواب غير حقيقي، ولأنه فرّق بين المؤنث وفعله، كلا العلتين يجيز التذكير، وقرأ الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ الأبواب، كما قال: {مفتحة لهم الأبواب} «ص 50» وخفف الفعل أبو عمرو والكسائي وحمزة، على معنى أن التخفيف يقع للمرة والأكثرة، وقد أجمعوا على التخفيف في قوله: {ولو فتحنا عليهم بابًا} «الحجر 14» وشدد الباقون على معنى التكرير والتكثير مرة بعد مرة، والتاء أحب إلي؛ لتأنيث لفظ الأبواب، والتشديد أحب غلي؛ لأن عليه الحرميين وعاصمًا وابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {لا تُفَتَّحُ} [آية/ 40] بالتاء مخففة:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أن التاء لتأنيث الأبواب؛ لأنها جماعة، وأما التخفيف فلأن الفعل المخفف قد يستفاد منه الكثرة، كما يستفاد من المشدد.
وحجة هذه القراءة قوله تعالى {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}.
وقرأ حمزة والكسائي {لا يُفَتَّحُ} بالياء مخففة.
والوجه أن الياء لتقدم الفعل مع أن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي، وأن التخفيف لما ذكرناه.
وقرأ الباقون {لا تُفَتَّحُ} بالتاء والتشديد.
والوجه أن التاء التأنيث الأبواب كما ذكرنا، وأن التشديد لكثرة الأبواب؛ لأنه يقتضي فتحًا بعد فتح). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعز: (أورثتموها بما كنتم تعملون (43).
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أورثتّموها) مدغما، ومثله في الزخرف، وقرأ الباقون بإظهار الثاء في السورتين
قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرجي الحرفين، أعنى: التاء والثاء.
ومن لم يدغم فلأنه أتم وأشبع). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كنّا لنهتدي... (43).
قرأ ابن عامر: (ما كنّا لنهتدي) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو.
قال أبو منصور: إخراج الواو وإدخالها لا يغير المعنى في مثل هذا الموضع، المعنى: أنهم قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا من غير أن كنا نهتدي لما هدانا له، ومن حذف الواو أراد: يا رب ما كنا لنهتدي لهذا لولا هدى الله إيانا). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {وما كنا لنهتدي} [43].
وقرأ ابن عامر وحده: {ما كنا لنهتدي} بغير واو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
وكذلك هو في مصاحفهم.
والباقون بواو، وقد ذكرته في (المائدة) و(الأنعام) مع سائر الحروف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- قوله تعالى: {أن تلكم الجنة أورثتموها} [43].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر برواية هشام بالإدغام لقرب الثاء من التاء.
وقرأ الباقون بالإظهار على الأصل؛ لأنهما مهموستان إذا أدغمته أخفيته، وفيها ضعف فكان الإظهار أحسن عندهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: وما كنا لنهتدي [الأعراف/ 43]. بواو غير ابن عامر؛ فإنّه قرأ ما كنا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام.
وجه الاستغناء عن حرف العطف في قوله: وما كنا لنهتدي أنّ الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف. وقد تقدّم ذكر ذلك، ومثل ذلك قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22]، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أورثتموها [الأعراف/ 42] غير مدغمة وكذلك في الزخرف [72].
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ أورثتموها مدغمة، وكذلك في الزخرف.
[قال أبو علي] من ترك الإدغام فلتباين المخرجين،
[الحجة للقراء السبعة: 4/25]
وأن الحرفين في حكم الانفصال، وإن كانا في كلمة واحدة.
ألا ترى أنّهم لم يدغموا ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253]، وإن كانا مثلين لمّا لم يكونا لازمين، ألا ترى أن تاء «افتعل» قد يقع بعدها غير التاء؟، فكذلك «أورث» قد يقع بعدها غير التاء فلا يجب الإدغام.
ووجه الإدغام أن الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الإدغام من أدغم. وقد جعل قوم تاء المضمر بمنزلة غيرها، مما يتصل بالكلمة؛ لأنّ الفعل لا يقدّر منفصلا من الفاعل، بل يقدّر متصلا بدلالة قولهم فعلت، وإسكانهم اللام في قولهم: يفعلن ومجيئهم بالإعراب بعد الفاعل، وقد قال قوم: فحصط برجلي، فأبدلوا تاء الضمير طاء، وقالوا: فزد، فأبدلوا منها الدال كما أبدلوا في نحو: اذدكر، ونحو اصطبر؛ فعلى هذا يحسن الإدغام في أورثتموها). [الحجة للقراء السبعة: 4/26]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {وما كنا لنهتدي} قرأه ابن عامر بغير واو، استغنى عن حرف العطف لاتصال الجملة الثانية بالأولى في المعنى، وقوّى الحذف أنها في مصحف أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، لعطف الجملة على الجملة، وكذلك هي بالواو في سائر المصاحف غير مصحف أهل الشام، وإثبات الواو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأن فيه تأكيد ارتباط الجملة الثانية بالأولى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} [آية/ 43] بغير واو في أوله:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 527]
والوجه أن التباس الجملة بما قبلها أغنى عن حرف العطف، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {وَمَا كُنَّا} بواو في أوله.
والوجه أنه عطف بالواو جملة على جملة). [الموضح: 528]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {أُورِثْتُمُوهَا} [آية/ 43] مدغمة:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي.
والوجه أن التاء والثاء مهموستان متقاربتان في المخرج، ولتقاربهما حسن الإدغام.
وقرأ الباقون {أُورِثْتُمُوهَا} بالإظهار.
والوجه أن الحرفين وإن كانا في كلمة واحدة، فإنهما في حكم الانفصال؛ لأن أحدهما تاء الضمير، وقد يقع قبلها غير الثاء فلا يحصل الإدغام، فهو غير لازم، ولهذا لم يدغموا في قوله {وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا}إذ كانت التاء الثانية غير لازمة). [الموضح: 528]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:08 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (44) إلى الآية (49) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا نعم... (44).
قرأ الكسائي وحده (قالوا نعم) بكسر العين في كل القرآن، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: نعم، ونعم.
موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حرفٌ جاء لمعنىً.
ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله من الاستفهام جحد فجوابه (بلى)، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول: بلى). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن لعنة اللّه على الظّالمين (44).
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أن لعنة اللّه على الظّالمين) بسكون النون. من (أن) و(لعنة) مرفوعة وكذلك روى قنبل لابن كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أنّ لعنة اللّه) بتشديد النون، ونصب (لعنة).
قال أبو منصور: من خفف (أن) منعها عملها، ورفع ما بعدها، ومن شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعلى: {قالوا نعم} [44].
قرأ الكسائي وحده: {قالوا نعم} بفتح النون وكسر العين، وذهب إلى حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً لقى النبي صلى الله عليه وسلم [بمنى] فقال: أنت الذي يزعم أنه نبي فقال: نعم». وذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا: «أنه سأل رجلاً شيئًا فقال: نعم، فقال: قل: نعم، إنما النعم الإبل»
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
وقرأ الباقون: {نعم} بفتح النون والعين، وهما لغتان: الفتح والكسر.
واعلم أن «نعم» جواب الاستفهام، و«بلى» جواب الجحد، كقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} ولا يجوز نعم هاهنا، {أو لم تؤمن قال بلى} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {أن لعنة الله على الظالمين} [44].
قرأ حمزة والكسائي وابن كثير برواية البزي، وابن عامر «أن» بالتشديد، وموضعه نصب بالفعل الذي قبله.
وقرأ الباقون {أن لعنة الله} بالتخفيف، وكذلك رواه قنبل عن ابن كثير. فمن خفف له مذهبان:
أحدهما: أنه أراد أن يخفف كما قال: {أن لا يقدرون على شيء} أراد: أنهم. وكقراءة عاصم ونافع {وأن كلا} أراد: وأن كلا، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
وصدر مشرق النحر = كأن ثدييه حقان
أراد: كأن فخفف، فهذا إنشاد البصريين رحمهم الله، والكوفيون إذا خففوا رفعوا فقالوا: «كأن ثدياه» إلا أن يكون الاسم مكنيا كقوله:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: فلو أنك:
والوجه الثاني: أن يكون أراد فأذن مؤذن بينهم أي: لعنة الله فـــ «أن» بمعنى «أي»، وهذا حكاه الخليل رضي الله عنه. كقوله: {أن امشوا واصبروا} أي امشوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/183]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين في كلّ القرآن.
قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.
[الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال: وإذا استفهمت أجبت بنعم، ولم يحك سيبويه فيها الكسر.
والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا، وإذا قال: قد كان كذا وكذا؛ فقلت:
نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا.
فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا لكلامه.
ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت: بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/20]
قال تعالى: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم]، وقال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3].
ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد.
فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا كان على لفظ الأسماء جاز أن تجرى في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن كان حرفا لما كان على لفظ الأسماء؟). [الحجة للقراء السبعة: 4/21]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها في قوله عز وجل: أن لعنة الله [الأعراف/ 44].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن لعنة الله خفيفة النون ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/21]
حدثني نصر بن محمد القاضي عن البزّي عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على الظالمين) مشددة النون.
حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله) نصبا.
وكلّهم قرأ التي في سورة النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]، وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن لعنة الله)، و (وأن غضب الله) مخففتين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/22]
أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم.
قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت، فالتي تقع بعد العلم إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير: أعلم معلم أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير: (أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة، فالمكسورة إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/23]
وأمّا قراءتهم في النور أن غضب الله فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10].
وأمّا تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا لم يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة لا يقع بعدها الفعل، حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل، يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29].
قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)
[الحجة للقراء السبعة: 4/24]
[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن جزاك الله خيرا» وحمله سيبويه على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟!). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظّالمين}
قرأ الكسائي {قالوا نعم} بكسر العين حيث كان وحجته
[حجة القراءات: 282]
ما روي في الحديث أن رجلا لقي النّبي صلى الله عليه وسلم وآله بمنى فقال أنت الّذي يزعم أنه نبي فقال
نعم بكسر العين وروي أيضا أن عمر سأل رجلا شيئا فقال نعم فقال قل نعم إنّما النعم الإبل وقرأ الباقون نعم بالفتح وهما لغتان
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو والقواس عن ابن كثير {أن لعنة الله} {إن} خفيفة {لعنة الله} رفع
وقرأ الباقون {إن} بالتّشديد لعنة نصب
من خفف فله مذهبان أحدهما أنه أراد أن الخفيفة عن أن الثّقيلة كما قال جلّ وعز {ألا يقدرون على شيء} أراد أنهم والثّاني بمعنى أي الّتي هي تفسير كأنّها تفسر لما أذنوا به أراد {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله} وهذا حكاه الخليل وحجّة التّخفيف قوله {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن سلام عليكم} ولم يقرأ أحد أن تلكم ولا أن سلاما). [حجة القراءات: 283]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {قالوا نعم} قرأ الكسائي بكسر العين، حيث وقع وفتحها الباقون، وهما لغتان بمعنى العدة إذا استفهمت عن موجب، نحو قولك: أيقوم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
زيد، فتقول: نعم، والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقولك قد كان كذا، فتقول: نعم، فإذا استفهمت عن منفي فالجواب «بلى»، ولا يدخل فيه «نعم»، نحو: ألم أكرمك، فتقول: بلى، فـ «نعم» لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب، و«بلى» لجواب الاستفهام الداخل على النفي، ولذلك كان الجواب في قول المؤمنين للكفار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} بـ «نعم»؛ لأنه استفهام دخل على إيجاب، ولذلك كان الجواب في قول الله تعالى ذكره: {ألست بربكم قالوا بلى} «الأعراف 172» بـ «بلى» لأنه استفهام دخل على نفي، فاعرفه، فلست تجده مشروحًا هكذا، وكان من كسر العين في «نعم» أراد أن يفرق بين «نعم» الذي هو جواب وبين «نعم» الذي هو اسم للإبل والبقر والغنم، وقد روي عن عمر إنكار «نعم» بفتح العين في الجواب، وقال: قل نعم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أن لعنة الله على الظالمين} قرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد «أن» ونصب «اللعنة» بـ «أن»، وهو الأصل، وقرأ الباقون بتخفيف «أن» ورفع «اللعنة» بالابتداء، وهي «أن» الثقيلة خففت فنقص لفظها عن شبه الفعل، فلم تعمل في اللفظ وعملت في المعنى، فرجع ما بعدها إلى أصله، وهو الابتداء، ومع «أن» إضمار القصة بخلاف المكسورة المشددة، لـ «أن» المفتوحة اسم يحتاج إلى صلة، فأضمر ما بعدها ما يكون هو الابتداء، والخبر في المعنى، وهو القصة والحديث، والمكسورة حرف لا يقتضي صلة، فلم يضمر بعدها ما يكون هو الابتداء والخبر في المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
وإنما يضمر مع المكسورة الهاء، وهو اسم مفرد، وما بعد المفتوحة من الابتداء والخبر هو خبرها، وكذلك ما بعد المخففة المكسورة، إلا أن خبر المفتوحة هو اسمها في المعنى؛ لأن الجملة هي للقصة المضمرة مع المفتوحة والحديث المضمر، وليس كذلك الجملة بعد «إن» المخففة المكسورة، ليست الجملة التي هي الخبر هي الهاء المضمرة مع المكسورة، فاعرف الفرق بينهما، فإنه مشكل معدوم تفسيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {قَالُوا نَعِمْ} [آية/ 44] بكسر العين:-
قرأها الكسائي وحده في كل القرآن.
وقرأ الباقون {نَعَمْ} بفتح العين في كل القرآن.
ونعَم ونعِم بفتح العين وكسرها لغتان، وهي مبنية على الوقف في اللغتين؛ لأنها حرف جاء لمعنى، ومعناه جواب استفهام ليس فيه جحد، فإن كان في الاستفهام معنى النفي كان جوابه: بلى). [الموضح: 529]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَنْ لَعْنَةُ الله} [آية/ 44] بتشديد {أَنْ} ونصب {لَعْنَةُ}:-
قرأها ابن كثير في رواية البري، وابن عامر وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على الأصل؛ لأن التشديد هو الأصل في أن، والتخفيف تغيير في هذا الباب؛ لأن التي تقع بعد العلم هي المشددة، فإذا خففت كان تغييرًا عن الأصل وكان بمعنى التشديد، ومعنى {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: أعلم معلم «أن لعنة الله».
وقرأ الباقون و-ل- عن ابن كثير {أَنْ} بالتخفيف و{لَعْنَةُ} بالرفع.
[الموضح: 529]
والوجه أنها مخففة من المشددة، والأصل أن؛ لأنها خففت، وأضمر بعدها الأمر أو الشأن أو القصة، والتقدير: أذن مؤذن بينهم {أَنْ لَعْنَةُ الله}، أي أن الأمر والشأن لعنة الله، فالشأن المضمر اسم أن، وما بعده جملة هي مبتدأ وخبر، ولا تخفف أن إلا وإضمار الأمر أو القصة يراد معها). [الموضح: 530]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}

قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {تلقاء أصحاب النار} [47].
ما اختلف القراء فيه، غير أن خلفًا روى عن الكسائي أنه كان إذا وقف على قوله {من تلقاى نفسي} قال: تلقاى فأمال، و{من نبإي المرسلين} {نبئ}، وإنما أمال هذين الحرفين طلبًا للياء. قال قوم: الياء التي هي في هجاء المصحف، لأنهما كذلك كُتبا. والصواب عندي أن الإمالة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
إنما تكون في الألفاظ لا في الخط لكن الهمزة المكسورة إذا لُينت وخففت للوقف صارت في اللفظ ياء فأمال لذلك.
وحجة الأولين ما حدثني به ابن المرزبان عن أبي الزعراء عن أبي عمرو قال: إنما أمال حمزة شاء وجاء لأنهما في مصحف أبي مكتوبين بالياء شاى وجاي.
وجمع تلقاء تلاقي. وقد كتب في المصحف {من وراى حجاب} بالياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/189]

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}

قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: {برحمة} [49] وقف تام ثم يبتدأ: {ادخلوا الجنة} وإنما ذكرت هذا الحرف لأن الكسائي إذا وقف على اسم مؤنث نحو الآخرة والقيامة ومرية ومعصية أمال ما قبل الألف نحو رمى وقضى وحبلى وبشرى.
والباقون يفخمون على الأصل؛ لأن من شبه الهاء بالألف قليل شاذ.
فإن سأل سائل فقال: هل يجوز إمالة جميع ما في القرآن من نحو ذلك أم لا؟
فالجواب في ذلك: أن الكسائي ذكر أربعة أحرف اللواتي قدمت ذكرهن وكل ما ورد عليك مما ضارعه أملته، نحو دابة وحبة. وأما شررة وبررة فإني لا أميل؛ لأني وجدت الألف أصلاً في الإمالة، فإذا كان قبلها حرف من حروف الحلق: [الحاء] الطاء والظاء والصاد والضاد والعين والغين والخاء والقاف امتنعت من الإمالة، وكذلك إذا كان قبله راء نحو فراش وسراج؛ لأن الراء حرف فيه تكرير ففتحها بمنزلة فتحتين كما كانت كسرتها بمنزلة كسرتين في النار والأبرار والقنطار فلما امتنعت الألف في النار والأبرار والقنطار لما تقدمتها راء كانت الهاء المشبهة بالألف أمنع من الإمالة. فإن قيل: هلا تميل الطامة كما تميل الدابة؟
فقل: لا يجوز للطاء التي فيها.
فإن قيل: لم أملت المعصية؟
فقل: لأن الصاد مكسورة وإن كانت من حروف الاستعلاء.
فإن قيل: فقد أمال الآخرة وقبل الهاء راء؟
فقل: إنما حسنت الإمالة لكسرة الخاء. وهذا فصلٌ ما أعلم أن أحدًا علله فأعرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة: [لا يَنَالُهُم اللَّهُ بِرَحْمَةٍ دَخَلُوا الْجَنَّةَ].
وقرأ طلحة بن مُصرِّف: [بِرَحْمَةٍ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ] أي: فُعِلَ ذلك بهم.
[المحتسب: 1/249]
قال أبو الفتح: الذي في هاتين القراءتين خطابهم بقوله سبحانه: [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وطريق ذلك أن قوله: [أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ] الوقف هنا، ثم يُستأنف فيقال: [دَخَلُوا الجنة]، أو [أُدْخِلُوا الجنة] أي: قد دخَلوا أو أُدخلوا، وإضمار قد موجود في الكلام نحو قوله: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم؛ أي: فقد دخلوا الجنة، فقال لهم: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، وقد اتسع عنهم حذف القول كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون لهم: سلام عليكم، وقال الشاعر:
رَجْلان من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عريانا
أي قالا: إنا رأينا، ولذلك كَسَر. هكذا مذهب أصحابنا في نحو هذا من إضمار القول.
وقد يجوز أن يكون قوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُون} قولًا مرتجلًا لا على تقدير إضمار القول؛ لكن استأنف الله عز وجل خطابهم، فقال: [أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ]، كما استأنفه تعالى على القراءة المشهورة وهي: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} .
ومثله من ترك كلام إلى كلام آخَرَ بيتُ الكتاب، وهو قوله:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ
ألا تراه حمله على أنه نادى البيت، ثم ترك خطابه وأقبل على صاحبه، فقال: بالعلياء بيتُ، ثم رجع إلى خطاب البيت فقال له:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وسألني قديمًا بعض مَن كان يأخذ عني، فقال: لِمَ لا يكون "بيت" الثاني تكريرًا على الأول
[المحتسب: 1/250]
كقولك: يا زيد زيد، ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت الأول، كما كان قول النابغة:
يا دارَ ميةَ بالعلياء
قوله: "بالعلياء" في موضع الحال؛ أي: يا دار مية عالية مرتفعة، فيكون كقوله:
يا بؤس للجهل ضَرَّارًا لأقوام
هذا معنى ما أورده بعد أن سددت السؤال ومكنته، فقلت: لا يجوز ذلك هنا؛ وذلك أنه لو كان البيت الثاني تكريرًا على الأول لقال: لولا حُب أهلك ما أتيت، فيكون كقولك: يا زيد، لولا مكانك ما فعلت كذا، وأنت لا تقول: يا زيد، ولولا مكانك لم أفعل كذا، فإذا بَطَلَ هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلامًا بعد كلام، وجملة تتلو جملة.
وهذا واضح، فقوله على هذا: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} جملة لا موضع لها من الإعراب من حيث كانت مرتجلة، وهي في القول الأول منصوب الموضع على الحال؛ أي: دخلوا الجنة أو أُدخلوا الجنة، مقولًا لهم هذا الكلام الذي هو: لا خوف عليكم، وحُذِفَ القول وهو منصوب على الحال، وأقيم مقامه قوله: [لا خوف عليكم] فانتصب انتصابه، كما أن قولهم: كلَّمته فاه إلى فِيّ منصوب على الحال؛ لأنه ناب عن: جاعلًا فاه إلى فِيّ، أو لأنه وقع موقع مشافهة التي هي نائبة عن مشافِهًا له). [المحتسب: 1/251]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:09 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (50) إلى الآية (51) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:10 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (52) إلى الآية (53) ]

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق: [أو نُرَدَّ] بنصب الدال.
[المحتسب: 1/251]
قال أبو الفتح: الذي قبله مما هو متعلق به قوله: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا}، ثم قال: [أَوْ نُرَدَّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ] فعطف "نرد" على "يشفعوا"، وهو منصوب لأنه جواب الاستفهام وفيه معنى التمني؛ وذلك أنهم قد علموا أنه لا شفيع لهم، وإنما يتمنون أن يكون لهم هناك شفعاء، فيردوا بشفاعتهم، فيعملوا ما كانوا لا يعملونه من الطاعة؛ فيصير به المعنى إلى أنه كأنهم قالوا: إن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا أو نُرْدَد، وتقديره مع رفع نرد على قراءة الجماعة: أن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا، وإن نردد نعمل غير الذي كنا نعمل. وذلك أنهم مع نصب "نرد" تمنوا الشفعاء وقطعوا بالشفاعة، وتمنوا الرد أيضًا وضَمِنُوا عمل ما لم يكونوا يعملونه؛ أي: إن نُردد نعمل غير الذي كنا نعمل كأنه قال: أو هل نرد فنعمل.
فأما قوله سبحانه: [يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ]، فقال فيه أبو الحسن: إنهم إنما تمنوا الرد، وضمنوا ألا يُكَذِّبُوا، وهذا يوجب النصب لأنه جواب للتمني، قال: إلا أنه عُطِفَ في اللفظ والمراد به الجواب، وشَبَّهه بقول الله سبحانه: [وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ] بالجر، قال: فهي في اللفظ معطوفة على المسح، وفي المعنى معطوفة على الغسل، قال ونحو منه: هذا حجر ضَبٍّ خربٍ. وقرأها الحسن: [أو تُريدُ فَنَعْملُ] فهو على هذه القراءة على أنهم تمنوا إرادته عز وجل إيمانَهم وعملَهم.
فإن قيل: وكيف يصح تمنيهم إرادتَه منهم الإيمانَ، ومعلوم أنه هو المراد منهم لقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وغيره من الآي؟
قيل: يكون معناه إرادة اقتسار لهم على الإيمان لا رَدٍّ منه تعالى الأمر إليهم فيه، فيكون هذا كقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} أي: لو شاء مشيئة إلجاء أو إكراه لا عَرْض وترغيب.
وساغ في هذه القراءة تمنيهم العمل؛ إذ كان بلطف الله -عز وجل- لهم فيه وإعانته إياهم عليه.
[المحتسب: 1/252]
وإن شئت قلت: عطَف "نعمل" بالرفع لفظًا وهو ينوي أنه جواب؛ أي: إن شاء الله ذلك مشيئة إلجاء عملنا لا محالة، فيعطفه لفظًا وهو يريد الجواب على ما مضى). [المحتسب: 1/253]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:12 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يغشي اللّيل النّهار... (54).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (يغشي اللّيل النّهار) خفيفا، وكذلك في الرعد، وقرأ الباقون بالتشديد.
قال أبو منصور: معنى يغشي ويغشّي، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين، ومعناهما يجلل. وقد تغشّاه، إذا تجلله). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره... (54).
قرأ ابن عامر وحده (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٌ) رفعا كله، وقرأ الباقون بالنصب.
قال أبو منصور: من نصبها عطفها على ما قبلها، ونصب (مسخراتٍ) على الحال، وجائز أن نصبها على إضمار فعل، كأنه قال: وتجري الشّمس والقمر والنّجوم في حال تسخيرها، أي: تذليلها.
ومن رفع فعلى الابتداء، وخبره (مسخّراتٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {يغشى الليل النهار} [54].
قرأ أهل الكوفة وعاصم في رواية أبي بكر {يغشى} مشددًا من غشى يغشى تغشية، ومعناه: التغطية والستر، وشاهده: {فغشاها ما غشى}.
وقرأ الباقون: {يغشى} خفيفًا من أغشى يغشى إغشاء وشاهده قوله تعالى: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. وأما قوله في الأنفال {إذ يغشيكم النعاس أمنة} فقرأها نافع بالتخفيف يغشى.
وقرأ أهل الكوفة وابن عامر: {يغشيكم} مشددًا {والنعاس} منصوب مفعول ثان والأول: الكاف والميم، والفاعل: الله عز وجل، وغشى وأغشى بمعنى مثل نزل وأنزل وكرم وأكرم، غير أن كرم أبلغ في الكرمة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {إذ يغشاكم النعاس} فجعلا الفعل للنعاس، لأن الله تعالى لما أغشاهم النعاس غشيهم النعاس. ومعنى قوله {يغشى الليل النهار} يعني: جعلهما كذلك، فلذلك نصب قوله:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
{والشمس والقمر والنجوم مسخرات} على معنى جعل الله الشمس والقمر عطفا على معنى يغشى إلا ابن عامر فإنه جعل الواو واو الحال وابتدأ كما تقول: لقيت زيدًا وأبو خارج، أي: أبوه هذه حاله، فقرأ ابن عامر {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} رفع كلهن.
وقوله: {يكور الليل على النهار} مثل قوله {يغشى الليل النهار} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد الشين وتخفيفها في قوله جلّ وعزّ: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر يغشى ساكنة الغين خفيفة، وكذلك في الرعد [3].
[الحجة للقراء السبعة: 4/26]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ (يغشّي) مفتوحة الغين مشددة، وكذلك في الرّعد.
وروى حفص عن عاصم يغشي ساكنة الغين خفيفة فيهما.
وأمّا قوله: (إذ يغشاكم النّعاس) [الأنفال/ 11]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو إذ يغشاكم النّعاس رفعا، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يغشيكم بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين، النعاس نصبا.
وقرأ نافع: (إذ يغشيكم) من أغشى (النعاس) نصبا.
قولهم: غشي، فعل متعدّ إلى مفعول واحد يدلّ على ذلك قوله: وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/ 50]، وغشيهم من اليم ما غشيهم [طه/ 78]، فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين.
وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا؛ فمما جاء بتضعيف
[الحجة للقراء السبعة: 4/27]
العين قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]، فما في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ومما جاء بنقل الهمزة، قوله: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، فهذا منقول بالهمزة، والمفعول الثاني محذوف، والمعنى: فأغشيناهم العمى عنهم أو فقد الرؤية. فإذا جاء التنزيل بالأمرين؛ فكل واحد من الفريقين ممّن قرأ: (يغشي، ويغشّي) أخذ بما جاء في التنزيل، وكذلك إن أخذ آخذ بالوجهين جميعا كما روي عن عاصم الأمران جميعا، وكذلك من قرأ: إذ يغشيكم النعاس، [الأنفال/ 11]، (ويغشيكم النعاس) [الكاف والميم مفعول أول]، وهذا كقولهم فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته، قال: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54] ولم يقل: ويغشي النهار الليل، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81]، ولم يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق، وكلّ واحد من اللّيل والنهار منتصب بأنّه مفعول به.
والفعل قبل النقل: غشي الليل النهار، فإذا نقلت قلت: أغشى الله اللّيل النّهار وغشّى الله، فصار ما كان فاعلا قبل النقل مفعولا أول). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحده: والشمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره [الأعراف/ 54]. رفعا كلها، ونصب الباقون هذه الحروف كلّها.
[الحجة للقراء السبعة: 4/28]
حجّة من نصب، قوله: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت/ 37]، فكما أخبر في هذه أنّه خلق الشمس والقمر، كذلك يحمل على خلق في قوله: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات [الأعراف/ 54].
وحجة ابن عامر قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض [الجاثية/ 13]، وممّا في السماء: الشمس والقمر. فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنّك إذا قلت: ضربت زيدا، استقام أن تقول: زيد مضروب). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة حُميد: [يَغْشَى] بفتح الياء والشين، ونصب [الليل] ورفع [النهار].
قال أبو الفتح: اتصال قوله تعالى: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] بقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} اتصال الحال بما قبلها، ويكون هناك عائد منها إلى صاحبها وهو الله تعالى؛ أي: يَغشَى الليلَ النهارُ بأمره أو بإذنه، وحذف العائد كما يحذف من خبر المبتدأ في نحو قولهم: السَّمْنُ مَنَوان بدرهم؛ أي: منوان منه بدرهم.
ودعانا إلى إضمار هذا العائد أن تتفق القراءتان على معنى واحد؛ ألا ترى إلى قراءة الجماعة: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}، وأن هذه الجملة في موضع الحال؛ أي: استوى على العرش مُغْشِيًا الليل النهار؛ أي: استوى عليه في هذه الحال.
فقوله إذن: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} بدل من قوله: [يغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] للتوكيد، وهو على قراءة الجماعة: {يُغْشِي} أو [يُغَشِّي] حال من الليل؛ أي: يُغَشِّي الليل النهار طالبًا له حثيثًا، وحثيثًا بدل من طالب أو صفة له؛ لأن طالبًا لو كان منطوقًا به حال هناك، والحال عندنا فوصف من حيث كانت في المعنى خبرًا، والأخبار توصف؛ لكن الصفات عندنا لا توصف.
وإن شئت يكون "حثيثًا" حالًا من الضمير في يطلبه، وفيه من بعد هذا ما أذكره؛ وذلك أن الفاعل في المعنى من أحد المفعولين في قراءة الجماعة هو الليل؛ لأنه المفعول الأول، كقولك: أعطيت زيدًا عمرًا، فزيد هو الآخذ وعمرو هو المأخوذ، وأغشيت جعفرًا خالدًا، فالغاشي جعفر والمغشيُّ هو خالد، والفاعل في قراءة حميد هو النهار؛ لأنه مرفوع: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ]، فالفاعلان والمفعولان جميعًا مختلفان على ما ترى.
[المحتسب: 1/253]
ووجه صحة القراءتين جميعًا والتقاء معنَيَيْهما أن الليل والنهار يتعاقبان، وكل واحد منهما وإن أزال صاحبه فإن صاحبه أيضًا مُزيلٌ له، فكل واحد منهما على هذا فاعل وإن كان مفعولًا، ومفعول وإن كان فاعلًا. وعلى أن الظاهر في الاستحثاث هنا إنما هو النهار؛ لأنه بسفوره وشروقه قد أظهر أثرًا في الاستحثاث من الليل. وبعدُ، فليس النهار إلا ضوء الشمس، والشمس كائنة محدثة، ولا ضوء قبل أن يخلقها لله جل وعز، فالضوء إذن هو الهاجم على الظلمة، ويطلبه حثيثًا، على هذا حال من النهار؛ لأنه هو الأحث منهما.
ويجوز في قراءة الجماعة أن يكون يطلبه حالا من النهار وإن كان مفعولًا، كقولك: ضربتْ هندٌ زيدًا مؤلِمَة له، فقد يكون مؤلمة حالًا لزيد، كما قد يجوز أن يكون حالًا من هند؛ وذلك أن لكل واحد منهما في الحال ضميرًا. ومثله قول الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}، قد يجوز أن يكون "تحمله" حالًا منها، ويجوز أن يكون حالًا منه، وقد يجوز أيضًا أن يكون منهما جميعًا على قوله:
فلئن لقيتك خاليين لتعلما ... أيي وأيك فارسا الأحزاب؟
ويجوز أيي وأيك فارسُ الأحزاب؛ أي: أينا فارس الأحزاب، فكذلك يكون قوله: يطلبه حثيثًا، حالًا منهما جميعًا على ما مضى؛ لأن لهما جميعًا فيه ضميرًا. ولو كان الآية فأتت به قومها تحمله إليه لجاز أن يكون ذلك حالًا منها، ومنه ومنهم جميعًا؛ لحصول ضمير كل واحد منهم في الجملة التي هي حال، فاعرف ذلك.
ولعمري إنك إذا قلت: أغشيتُ زيدًا عمرًا، فإن العرف أن يكون زيد هو الغاشي وعمرو هو المغشيّ، إلا أنه قد يجوز فيه قلب ذلك، لكن مع قيام الدلالة عليه، ألا ترى إلى قوله:
فدع ذا ولكن من ينالُك خيرُه ... ومن كان يعطي حقَّهن القَصائدا؟
أراد: يعطي القصائد حقهن، ثم قدم المفعول الثاني فجعله قبل الأول من حيث كانت القصائد هنا هي الآخذة في المعنى، ونحوه: كسوت ثوبًا زيدًا، ساغ تقديمه لارتفاع الشك فيه، وليس
[المحتسب: 1/254]
كذلك يُغشي الليل النهار؛ من حيث كانا متساويي الحالين في الغِشْيان، وعلى كل حال فكل واحد منهما غاشٍ لصاحبه). [المحتسب: 1/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}
[حجة القراءات: 283]
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {يغشي اللّيل النّهار} بالتّشديد وفي الرّعد أيضا من غشى يغشي أي يغشي الله اللّيل النّهار وحجتهم أن هذا فعل يتردّد ويتكرر وذلك أن كل يوم وكل ليلة غير اليوم الآخر وغير اللّيلة الأخرى فالتغشية مكررة مردودة لمجيئها يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة وفي التّنزيل {فغشاها ما غشى}
وقرأ الباقون بالتّخفيف وحجتهم قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وقال {كأنّما أغشيت وجوههم قطعا} ولم يقل غشيت
قرأ ابن عامر {والشّمس والقمر والنجوم مسخرات} بالرّفع جعل الواو واو حال كما تقول لقيت زيدا ويده على رأسه أي رأيته في هذه الحال فكذلك قوله {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر} أي حالهما التسخير وكذلك {والنجوم مسخرات} ويجوز أن يكون {والشّمس والقمر} رفعا على الابتداء والخبر {مسخرات}
وقرأ الباقون بالنّصب على إضمار خلق لأنّه لما قال قبلها {إن ربكم الله الّذي خلق السّماوات والأرض} ثمّ قال {والشّمس والقمر} دلّ على أن المعنى وخلق الشّمس والقمر كما خلق السّموات والأرض). [حجة القراءات: 284]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {يُغشي الليل النهار} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالتشديد، وخفف الباقون، ومثله في الرعد، وهما لغتان: أغشى وغشّى، وقد أجمعوا على: {فغشاها ما غشى} «النجم 54» وأجمعوا على: {فأغشيناهم}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
«يس 9» فالقراءتان متساويتان، وفي التشديد معنى التكرير والتكثير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} قرأ ذلك ابن عامر بالرفع، في الأربع الكلمات، ونصبهن الباقون، والتاء مكسورة في حال النصب على الأصول.
وحجة من رفع أنه استأنف الكلام وقطعه مما قبله، فرفع بالابتداء، وعطف بعض الأسماء على بعض، وجعل «مسخرات» خبرًا للابتداء، ويقوي هذا أن الله جل ذكره قد أعلمنا، في غير هذا الموضع أنه سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، والشمس والقمر والنجوم هن مما سخره لنا، مما هو في السماء، فحسن الإخبار عنهن في هذا الموضع، فالتسخير على ذلك.
15- وحجة من نصب أنه عطف ذلك على المنصوب بـ «خلق» وقوى ذلك أن الله جل ذكره قد أنبأنا عن الشمس والقمر أنه خلقهما في قوله: {واسجدوا لله الذي خلقهن} «فصلت 37» فحمل هذا على ذلك، في الإخبار عنهن، بالخلق لهن، وكان الاشتراك بين الجملتين، واتصال بعض الكلام ببعض أقوى، وهو الاختيار، وتكون «مسخرات» حالًا على قراءة من نصب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {يُغْشِي اللَّيْلَ} [آية/ 54] بفتح العين وتشديد الشين:-
قرأها حمزة والكسائي وعاصم -ياش- ويعقوب، وكذلك في الرعد.
والوجه أنه منقول بالتضعيف لا بالهمزة؛ لأن غشي متعد إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالتضعيف أو بالهمزة تعدى حينئذ إلى مفعولين، وهذا منقول بالتضعيف، فتقول: غشي وغشيته أنا، قال الله تعالى {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}، فقوله {اللَّيْلَ} مفعول أول و{النَّهَارَ} مفعول ثان.
الباقون {يُغْشِي} بتسكين الغين وتخفيف الشين في السورتين.
والوجه أنه منقول بالهمزة، يقال غشي وأغشيته أنا، قال الله تعالي {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} ). [الموضح: 530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [آية/ 54] رفع كلهن:
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في النحل، وتابعه -ص- عن عاصم في النحل في قوله {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} فرفعها وحده، ونصب {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
والوجه في الرفع أنه مقطوع مما قبله ومستأنف به، فهو على الابتداء و{مُسَخَّرَاتٍ} الخبر.
وقرأ الباقون {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ} نصبًا، و{مُسَخَّرَاتٍ} مكسورة التاء في موضع نصب.
والوجه أنه محمول على قوله تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ... وَالشَّمْسَ} فقوله {الشَّمْسَ} معطوف على {السَّمَوَاتِ}، وهي نصب بأنه مفعول به، فما عطف عليه نصب، وأما {مُسَخَّرَاتٍ} فنصيبها على الحالة). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {تضرعا وخفية} [55].
بضم الخاء قراءتهم كلهم إلا أبا بكر فإنه قرأ {خفية} بكسر الخاء، وقد ذكرت علته في (الأنعام).
ومعنى تضرعًا؛ أي ادعو الله خاضعين متعبدين وخفية: أي: في أنفسكم تخلصون له ذلك؛ لأنه يعلم السر وأخفى {وخائنة الأعين وما تخفي الصدور} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (تضرّعا وخفية) [الأعراف/ 55] بكسر الخاء هاهنا وفي الأنعام [63].
وقرأ الباقون: خفية مضمومة الخاء جميعا.
وروى حفص عن عاصم خفية مضمومة الخاء فيهما.
القول في ذلك: أن خفية و (خفية) لغتان فيما حكاهما أبو الحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال: والخفية: الإخفاء، والخيفة: الخوف والرهبة.
قال أبو علي: فالهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء، بدلالة الخفية، كما أنّ الألف في الغنى منقلبة عن الياء بدلالة ما حكاه أبو زيد من قولهم: أدام الله لك الغنية وفي التنزيل ما نخفي وما نعلن [إبراهيم/ 38] فمقابلة الإخفاء له فيها بالإعلان، [ويدلك أنّ الإخفاء والإعلان] كالإسرار والإجهار. قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [الملك/ 13] قالوا: خفيت الشيء إذا أظهرته، قال:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية... في أربع مسّهنّ الأرض تحليل
فيمكن أن يكون: أخفيت الشيء: أزلت إظهاره، وإذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/30]
أزلت إظهاره، فقد كتمته، ومثل ذلك قولهم: أشكيته: إذا أزلت شكواه، قال وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها... وتشتكي لو أنّنا نشكيها
فأما قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55] فمما يدل على أن رفع الصوت بالدّعاء، لا يستحبّ، والخوف لله ممّا أمر به، ومدح عليه من قوله:
(وخافوني) [آل عمران/ 175] وقوله: يخافون ربهم من فوقهم [النحل/ 50]، والمعنى: خافوا عقابي، كما قال: ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء/ 57] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [آية/ 55] بكسر الخاء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-، الباقون {خُفْيَةً} بضم الخاء.
خفية وخفية لغتان). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:14 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (57) إلى الآية (58) ]

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا... (57).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (نشرًا) بضم النون والشين في كل القرآن،
[معاني القراءات وعللها: 1/408]
وقرأ ابن عامر (نشرًا) بضم النون وسكون الشين، وقرأ عاصم (بشرًا) بالباء وسكون الشين حيث وقع، وقرأ حمزة والكسائي (نشرًا) بفتح النون وسكون الشين حيث وقع.
قال أبو منصور: من قرأ (نشرًا) و(نشرًا) فهو جمع نشور ريحٌ نشورٌ: تنشر السحاب، أي: تبسطها في السماء.
ومن قرأ (بشرًا) بالباء فهو جمع بشيرة، كما قال: (وهو الّذي أرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته).
ومن قرأ (نشرًا) فالمعنى: هو الذي يرسل الرياح ذات نشر تنشر السحاب (نشرًا).
وقيل: (بشرًا) أي: مبشرة.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (نشرًا) فمعناه: لينة طيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/409]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {يرسل الرياح بشرا} [57].
قرأ حمزة والكسائي {نشرا} بفتح النون، أي: إحياء، من قوله تعالى: {والناشرات نشرا}.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {نشرا} بضم النون والشين، جعلوه جمع ريح نشور مثل: امرأة صبور، والجمع نشر وصبر.
وقرأ ابن عامر {نشرا} بضم النون وإسكان الشين، أراد: نشرًا فخفف مثل رسل ورسل والريح النشور هي: التي تهب من كل جانب، وتجمع السحابة الممطرة فيحيي الله به الأرض بعد موتها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
وقرأ عاصم {بشرا} بالباء وإسكان الشين جعلها جمع بشور، أي: تبشر بالمطر من قوله تعالى: {الرياح مبشرات}.
ويجوز في النحو وجهان، ولم يقرأ بهما أحد بشرى، وبشرى مثل حبلى، وبشرى بمعنى البشارة بين يدي رحمته. والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57]، فقرأ ابن كثير: وهو الّذي يرسل الرّيح واحدة، (نشرا) مضمومة النون والشين.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: (الرياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون والشين أيضا. وقرأ ابن عامر: (الرّياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون ساكنة الشين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/31]
وقرأ عاصم: الرياح جماعة. بشرا بالباء. ساكنة الشين منونة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (الريح) على التوحيد، (نشرا) بفتح النون ساكنة الشين منونة.
القول في إفراد الريح وجمعها:
اعلم أنّ الريح اسم على فعل، والعين منه واو، فانقلبت في الواحد للكسرة.
فأمّا في الجمع القليل: أرواح، فصحّت لأنّه لا شيء فيه يوجبها الإعلال، ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم، وقول، وعون؟
وأمّا في الجمع الكثير فرياح، فانقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو ديمة، وديم، وحيلة وحيل، فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها، والألف تشبه الياء، والياء إذا تأخّرت عن الواو أوجبت فيها الإعلال؛ فكذلك الألف لشبهها بها، وقد يجوز أن يكون (الريح) على لفظ الواحد، ويراد بها الكثرة. كقولك: كثر
[الحجة للقراء السبعة: 4/32]
الدينار والدرهم، والشاء والبعير، وإن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، ثم قال: إلا الذين آمنوا [العصر/ 3]، فكذلك من قرأ: (الريح- نشرا)، فأفرد، ووصفه بالجمع، فإنّه حمله على المعنى وقد أجازه أبو الحسن. وقد قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة... سودا.....
فمن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه قراءة ابن كثير. ألا ترى أنّه أفرد الريح، ووصفه بالجمع في قوله: (نشرا بين يدي رحمته) [الأعراف/ 57]، فلا تكون الريح على هذا إلّا اسم الجنس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/33]
وقول من جمع الريح، إذا وصفها بالجميع الذي هو (نشرا) أحسن، لأنّ الحمل على المعنى ليس بكثرة الحمل على اللفظ، ويؤكد ذلك قوله: الرياح مبشرات فلمّا وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضا.
ومما جاء فيه الجمع القليل بالواو قول ذي الرّمّة:
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب... به آل ميّ هاج شوقي هبوبها
وليس ذلك كعيد وأعياد، لأنّ هذا بدل لازم، وليس البدل في الريح كذلك. فأمّا ما
جاء في الحديث من أنّ النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقول إذا هبّت ريح: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا»، فلأنّ عامّة ما جاء في التنزيل، على لفظ الرياح للسقيا والرحمة كقوله: [عزّ من قائل]: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]. وكقوله: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46] وقوله الله الذي يرسل الرياح فتثير
[الحجة للقراء السبعة: 4/34]
سحابا فيبسطه في السماء [الروم/ 48].
وما جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [الذاريات/ 41]، وقوله:
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر [الحاقة/ 6]، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف/ 24]، فجاءت في هذه المواضع على لفظ الإفراد وفي خلافها على لفظ الجميع.
أبو عبيدة: (نشرا) أي متفرقة من كلّ جانب، وقال أبو زيد: قد أنشر الله الريح إنشارا، إذا بعثها، وقد أرسلها نشرا بعد الموت.
قال أبو علي: أنشر الله الريح إنشارا مثل أحياها، فنشرت هي، أي: حييت، والدليل على أنّ إنشار الريح إحياؤها قول المرّار الفقعسي:
[الحجة للقراء السبعة: 4/35]
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت... له ريدة يحيي المياه نسيمها
وكما جاء أحييت كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم:
أنشر الله الريح، معناه: الإحياء. وممّا يدلّ على ذلك أنّ الريح قد وصفت بالموت، كما وصفت بالحياة: قال.
إني لأرجو أن تموت الريح... فأقعد اليوم وأستريح
فقال: تموت الريح. بخلاف ما قاله الآخر:
وأحييت له ريدة...
والرّيدة: الريح، قال:
أودت به ريدانة صرصرّ وقراءة من قرأ (نشرا) يحتمل ضربين: يجوز أن يكون جمع ريح نشور، وريح ناشر. ويكون: ناشر على معنى
[الحجة للقراء السبعة: 4/36]
النسب؛ فإذا جعلته جمع نشور احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنتشر، كما أنّ الركوب بمعنى المركوب.
قال:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
وقال أوس:
تضمّنها وهم ركوب كأنّها * إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق كأنّ المعنى: ريح أو رياح منشرات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع نشور يراد به الفاعل، كأنّه كطهور ونحوه من الصفات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع ناشر، كشاهد وشهد، وبازل وبزل، وقاتل وقتل، وقال الأعشى:
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
[الحجة للقراء السبعة: 4/37]
وقول ابن عامر: نشرا يحتمل الوجهين: أن يكون جمع فعول وفاعل، فخفّف العين، كما يقال: كتب ورسل، ويكون جمع فاعل كبازل وبزل وعائط وعيط.
وأمّا قراءة حمزة والكسائيّ نشرا فإنه يحتمل ضربين: يجوز أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين: أحدهما أن يكون النّشر الذي هو خلاف الطيّ، كأنّها كانت بانقطاعها كالمطويّة، ويجوز على تأويل أبي عبيدة، أن تكون متفرقة في وجوهها.
والآخر: أن يكون النشر، الذي هو الحياة في قوله:
يا عجبا للميّت الناشر
فإذا حملته على ذلك وهو الوجه، كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول: أتانا ركضا، أي: راكضا، ويجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول، كأنّه يرسل الرياح إنشارا، أي: محياة؛ فحذف الزوائد من المصدر كما قالوا: عمرك الله، وكما قال:
فإن يهلك فذلك كان قدري
أي: تقديري.
[الحجة للقراء السبعة: 4/38]
والضرب الآخر: أن يكون نشرا على قراءتهما ينتصب انتصاب المصادر من باب صنع الله [النمل/ 88].
لأنه إذا قال يرسل الرياح دلّ هذا الكلام على: ينشر الريح نشرا أو تنشر نشرا، من قوله:
كما تنشّر بعد الطية الكتب... ومن نشرت الريح مثل نشر الميت.
وقراءة عاصم: بشرا؛ فهو جمع بشير، وبشر من قوله:
يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46]. أي تبشّر بالمطر والرحمة، وجمع بشيرا على بشر، ككتاب وكتب). [الحجة للقراء السبعة: 4/39]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف وقتادة وأبي رجاء والجحدري وسهل بن شعيب: [نُشْرًا] بضم النون وجزم الشين.
وقرأ: [بَشْرًا] -بفتح الباء ساكنة الشين- أبو عبد الرحمن بخلاف.
وقرأ: [بُشُرًا] -بالباء مضمومة منونين- ابن عباس والسلمي بخلاف وعاصم بخلاف.
وقرأ: [بُشْرى] -غير منونة على فُعْلَى- محمد بن السميفع وابن قطيب.
وقرأ: [نَشَرًا] -بفتح النون والشين- مسروق.
قال أبو الفتح: أما [نُشْرًا] فتخفيف [نُشُرًا] في قراءة العامة، والنُّشُر جمع نَشُور؛ لأنها تَنْشُر السحاب وتستدرُّه، والتثقيل أفصح لأنه لغة الحجازيين، والتخفيف في نحو ذلك لتميم.
وأما [بُشُرًا] فجمع بشير؛ لأنه الريح تبشِّر بالسحاب.
وأما [بَشْرًا] فمصدر في موضع الحال، كقول الله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} أي: ساعيات، فكذلك [بَشْرًا] أي: باشرات في معنى مبشرات، يقال: بَشَرتُ الرجل أبشُرُه بَشْرًا، فأنا باشر وهو مبشور، وأبشرته أُبْشِرُه، فأنا مُبْشِر وهو مُبْشَر. وبشَّرتُه تبشيرًا، فأنا مُبَشِّر وهو مُبَشَّر. وبَشِر بالأمر يَبْشَر به، فهو بَشِرٌ، كفرح به يفرح فرحًا، وهو فَرِح، وأبشر هو أيضًا يُبْشِرُ إبشارًا، ومنه المثل السائر:
أبشر بما سرك عيني تختلج
[المحتسب: 1/255]
والبِشَارَة: حسن البَشَرَة، قال أبو إسحاق: قيل لما يُفْرَح به بِشارة؛ لأن الإنسان إذا فرح حسنت بَشَرته.
فإن قيل: فإن البَشَرة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى، فكيف خُص به هاهنا حسنها دون قبحها؟
قيل: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على جميع أجزائه المختلفة، ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن كان الخلق يكون قبيحًا كما يكون حسنًا؟
وقالوا للكعبة: بيت الله، والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرف أنواعه.
وقالوا: فلان متكلم، يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما [بُشْرَى] على فُعْلَى فمنصوبة على الحال أيضًا؛ أي: مُبِشِّرات على ما مضى.
وفي [نَشَرًا] فعلى حذف المضاف؛ أي: ذوات نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فهذا على تشيبه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم إذا انتشرت للرعي). [المحتسب: 1/256]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (نشرا بين) بضم النّون والشين جمع نشور كقولك صبور وصبر وعجوز وعجز ورسول ورسل قال اليزيدي العرب تقول هذه رياح نشر مثل قولك نساء صبر قال أبو عبيد الرّيح النشور الّتي تهب من كل جانب وتجمع السحابة الممطرة وقال غيره الرّيح النشور الّتي تنشر السّحاب
وقرأ الباقون نشرا بضم النّون وسكون الشين أراد {نشرا} فخفف مثل رسل ورسل
وقرأ حمزة والكسائيّ {نشرا} بفتح النّون وسكون الشين قال الفراء النشر من الرّياح الطّيبة اللينة الّتي تنشئ السّحاب فكأن الفراء ذهب إلى أن النشر صنف من صنوف الرّياح ونوع من أنواعها
وقال آخرون يجوز أن يكون قوله {نشرا} مصدر نشرت الرّيح السّحاب نشرا فكأن معنى ذلك على هذا التّأويل وهو الّذي يرسل الرّياح ناشرة للسحاب ثمّ اكتفى بالمصدر عن الفاعل كما تقول العرب رجل صوم ورجل فطر أي صائم
[حجة القراءات: 285]
قال أبو عبيدة وحجته في هذه القراءة قوله {والناشرات نشرا}
وقرأ عاصم {بشرا} بالياء وإسكان الشين أخذه من البشارة وحجته قوله {ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات} وذلك أن الرّيح تبشر بالمطر وكان عاصم ينكر أن تكون الرّيح تنشر وكان يقول المطر ينشر أي يحيي الأرض بعد موتها يقال نشر وأنشر إذا أحيا). [حجة القراءات: 286]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {بشرى بين يدي رحمته} قرأه الحرميان وأبو عمرو بنون مضمومة، وضم الشين، ومثلهم ابن عامر، غير أنه أسكن الشين، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما فتحا النون، وقرأ ذلك عاصم بياء مضمومة وإسكان الشين.
وحجة من ضم النون والشين أنه جعله جمع نشور، ونشور بمعنى ناشر، وناشر معناه محيي، كطهور بمعنى طاهر، جعل الريح ناشرة للأرض، أي: محيية لها إذ تأتي بالمطر الذي يكون النبات به، ويجوز أن يكون جميع نشور، ونشور بمعنى منشور، كركوب بمعنى مركوب وحلوب بمعنى محلوب، كأن الله جل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
ذكره أحيا الريح لتأتي بين يدي رحمته، فهي ريح منشورة أي: محياه، حكى أبو زيد: قد أنشر الله الريح انتشارًا إذا بعثها، ويجوز أن يكون «نشرا» جمع ناشر كشاهد وشُهد، وقاتل وقُتل، على ما تقدم أن الريح ناشرة للأرض أي: محيية لها بما تسوق من المطر.
17- وحجة من أسكن الشين وضم النون كالحجة فيما قبله، إلا أنه أسكن الشين استخفافًا كرسول ورسل وكتاب وكتب، والضم هو الأصل في ذلك كله.
18- وحجة من فتح النون وأسكن الشين أنه جعله مصدرًا، وأعمل فيه معنى ما قبله، كأنه قال: وهو الذي نشر الرياح نشرًا كقوله: {كتاب الله عليكم} «النساء 24» وكقوله: {صُنع الله الذي أتقن} «النمل 88» لأن قوله: {وهو الذي يرسل الرياح} يدل على نشرها، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال من الرياح، كأنه قال: يرسل الرياح محيية للأرض، كما تقول: أتانا ركضًا، أي راكضًا، وقد قيل: إن تفسير «نشرًا» بالفتح من النشر الذي هو خلاف الطي، كأن الريح في سكونها كالمطوية، ثم ترسل من طيها ذلك، فتصير كالمتفتحة، وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها، على معنى: تنشرها ههنا وههنا، ويجوز أن يكون المصدر يُراد به المفعول، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، وكقوله: {هذا خلق الله} «لقمان 11» أي: مخلوقة، فيكون المعنى: يرسل الرياح منتشرة، أي محياة، ويكون «نشرا» بمعنى انتشارا، قد حذفت منه الزوائد.
19- وحجة من قرأ بالباء مضمومة أنه جعله جمع بشير، إذ الرياح تبشر بالمطر، وشاهده قوله: {يرسل الرياح مبشرات} «الروم 46» وأصل الشين الضم، لكن أسكنت تخفيفًا كرسول ورسل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/466]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [آية/ 57] على الوحدة:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على لفظ الواحد، والمراد به الكثرة، كما يقال: كثر الدينار والدرهم والشاة والبعير، وقال الله تعالى {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ولهذا قرأ من قرأ {الرِّيَحَ نَشْرًا} فأفرد الريح ووصفه بالجمع إذا كان الريح يراد به الجمع والكثرة؛ لأنه اسم جنس، والريح أصله روح على فعل، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وكذلك في الجمع الكثير إذا قلت: رياح، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وأما الجمع القليل وهو أرواح فإن الواو صحت فيه وما قلبت؛ لأنه ليس فيه شيء يوجب القلب.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحِ} بالجمع.
والوجه أن المعنى جمع، فالأحسن أن يأتي لفظه جمعًا ليوافق اللفظ المعنى، وإذا كان لفظ الريح إذا وقع في هذا الموضع كان على معنى الجمع، فلأن يقع لفظ الجمع نفسه أولى). [الموضح: 532]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {نَشْرًا} [آية/ 57] مفتوحة النون، ساكنة الشين:-
قرأها حمزة والكسائي حيث وقع، وهو يحتمل وجهين:
[الموضح: 532]
أحدهما: أن يكون مصدرًا في موضع الحال، والتقدير: ناشرة، كما تقول: أتانا ركضًا أي راكضًا.
والثاني: أن ينتصب انتصاب المصادر؛ لأنه لما قال يرسل الرياح، دل هذا على ينشر، كأنه قال ينشر الريح السحاب نشرًا، والنشر ههنا ضد الطي، والمعنى على الوجه الأول إن الرياح تبسط السحاب في السماء، وعلى الثاني أنه تعالى يبسط الرياح.
وقرأ ابن عامر {نَشْرًا} بضم النون وإسكان الشين حيث وقع.
يجوز أن يكون جمع ريح نشور أو جمع ريح ناشر.
فإذا كان جمع نشور احتمل أن يكون فعول بمعنى مفعول كما أن ركوبًا بمعنى مركوب، وجاز أن يكون بمعنى مفعل كطهور ونحوه من الصفات.
وإذا كان جمع ناشر، فيجوز أن يكون بمعنى ذات نشر، كما يقال لابن وتامر، ويجوز أن يكون بمعنى مفعل كلاقح بمعنى ملقح، قال تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، أي ملقحات، فيكون ناشر بمعني منشر ثم خفف نشرًا بضم الشين فبقى نشرًا بإسكان الشين، كما خفف كتب من كتب، والكلمة ههنا من نشر الله الميت وأنشر، وقال أبو زيد، أنشر الله الريح أي أرسلها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نُشُرًا} بضم النون والشين.
والوجه هو ما تقدم في قراءة ابن عامر، وهذه هي الأصل، وتلك مخففة منها.
[الموضح: 533]
وقرأ عاصم {بُشْرًا} بالباء مضمومة، والشين ساكنة حيث وقع.
والوجه أن {بُشْرًا} جمع بشير من قوله {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، أي تبشر بالمطر، وفعيل يجمع على فعل ككثيب وكثب وقضيب وقضب، وفعيل وفعول وفعال كلها تجمع على فعل كقضيب ورسول وكتاب، وهن أخوات من حيث أن ثالثها حروف اللين). [الموضح: 534]

قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة