العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:49 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (93) إلى الآية (94) ]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقول جلّ وعزّ: (لقد تقطّع بينكم... (94).
قرأ نافع وحفص والكسائي (بينكم) نصبًا، وقرأ الباقون (بينكم) رفعًا.
قال أبو منصور: وروى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال: من قرأ (بينكم) لم يجز إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينكم.
ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد.
وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال: من قرأ (بينكم) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينكم.
قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم.
[معاني القراءات وعللها: 1/371]
ومن قرأ (لقد تقطّع بينكم) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم، والبين في كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فراقًا.
وأجود القراءتين الرفع.
وقال الفراء: في قراءة عبد الله (لقد تقطّع ما بينكم) قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بين) ترك نصبا، كما قالوا: أتاني دونك من الرجال. فترك نصبًا، وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية). [معاني القراءات وعللها: 1/372]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} [94].
قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم {بينكم} بالنصب جعلوه ظرفًا. وفي حرف عبد الله تصديقه {لقد تقطع ما بينكم} وقرأ الباقون: {بينكم}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
بالضم أي: وصلكم، جعلوه اسمًا كما يقال: جاءني رجل دونك، وهذا رجل دون أي: خسيس.
قال الشاعر:
كأن رماحهم أشطان بئر = بعيد بين جاليها جرور
يقال: بينهما بون بعيد، وبين بعيد، والبين: مصدر بان يبين بينًا، والبين بالكسر قدر مد البصر من الأرض وأنشد:
بسرو حمير أبوال البغال به = أني تسديت وهنًا ذلك البينا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل:
[الحجة للقراء السبعة: 3/356]
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا.
وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم بالنّصب أيضا.
[قال أبو علي]: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال:
بان الخليط برامتين فودّعوا... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وقال أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا، وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا، فتفرقوا. قال: والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره.
واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع في
[الحجة للقراء السبعة: 3/357]
قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما.
والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا:
بان الخليط....
إذا فارق،
وفي الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة».
قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/358]
بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع وصلكم.
ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما: «وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم، فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو قول القتّال:
من وسط جمع بني قريط بعد ما... هتفت ربيعة يا بني جوّاب
وقال آخر:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر بالحرف الجارّ.
وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين.
فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/359]
أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل ودلّ عليه مما تقدّم في قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر ما كانوا فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه، فصار دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه.
والمذهب الآخر: انتصاب البين في قوله: لقد تقطع بينكم على شيء يقوله أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله: لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع
[الحجة للقراء السبعة: 3/360]
رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع). [الحجة للقراء السبعة: 3/361]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لقد تقطع بينكم}
قرأ نافع والكسائيّ وحفص {لقد تقطع بينكم} بالفتح أي لقد تقطع ما بينكم كذا قال أهل الكوفة واستدلّوا عليه بقراءة عبد الله لأن في قراءته (لقد تقطع ما بينكم) ف ما عندهم موصولة وبين صلة وحذفوا الموصول وهو ما وبقيت الصّلة وهي بينكم
[حجة القراءات: 261]
وعند أهل البصرة غير جائز هذا لأن الصّلة والموصول اسم واحد ومحال أن يحذف صدر الاسم ويبقى آخر الاسم ولكن التّقدير لقد تقطع الأمر بينكم والسّبب بينكم لأن الأمر والسّبب ليسا ممّا يحتاج إلى صلة ف بين إذا نصب على الظّرف عند أهل البصرة والكوفة وإنّما اختلفوا في تقدير الكلام). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {لقد تقطع بينكم} قرأه نافع والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه جعل «البين» اسمًا غير ظرف، فأسند الفعل إليه، فرفعه به، ويقوي جعل «بين» اسما دخول حرف الجر عليه، في قوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} «فصلت 5»، و{هذا فراق بيني وبينك} «الكهف 78» ولا يحسن أن يكون مصدرًا، وترفعه بالفعل، لأنه يصير المعنى، لقد تقطع افتراقكم، وإذا انقطع افتراقهم لم يفترقوا، فيحول المعنى، وينقلب المراد، وإنما تم على أنهم تفرقوا، وأصل «بين» أن تبين عن الافتراق، وقد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
استعملت في هذا الموضع وغيره، إذا ارتفعت، بمعنى الوصل، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإذا تقطع وصلهم افترقوا، وهو المعنى المقصود إليه، وإنما استعملت بضد ما بنيت عليه، بمعنى الوصل؛ لأنها تستعمل كثيرًا مع السببين المتلابسين، بمعنى الوصل، تقول: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، فلما استعملت في هذه المواضع بمعنى الوصل جاز استعمالها في الآية كذلك.
46- وحجة من نصب أنه جعله ظرفًا، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم. ودل على حذف الوصل قوله: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء}، فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم، إذ تبرؤوا منهم، ولم يكونوا معهم، وتقاطعهم لهم هو ترك وصلهم لهم، فحسن إضمار الوصل بعد «تقطع» لدلالة الكلام عليه، وفي حرف ابن مسعود ما يدل على النصب فيه قرأ: «لقد تقطع ما بينكم» وهذا لا يجوز فيه إلا النصب، لأنك ذكرت التقطع، وهو ما كأنه قال: لقد تقطع الوصل بينكم، ويجوز أن تكون القراءة بالنصب كالقراءة بالرفع، على أن «بينا» اسم، لكنه لما كثر استعماله ظرفًا منصوبًا جرى في إعرابه، في حال كونه غير ظرف على ذلك، ففتحن وهو في موضع رفع، هو مذهب الأخفش، فالقراءتان على هذا بمعنى واحد، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [آية/ 94] نصب:-
قرأها نافع والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {بَيْنَكُمْ} ظرف، والفاعل ضمير، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم، فأضمر الوصل لدلالة ما قبله من الكلام عليه.
ويجوز أن يكون على مذهب أبي الحسن، وذلك أن يكون {بَيْنَكُمْ} وإن كان منصوب اللفظ فإنه مرفوع الموضع؛ لأنه لما جرى في كلامهم ظرفًا تركوه على نصبه، وإن كان في موضع رفع، كما قال {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فقوله {دُونَ ذَلِكَ} في موضع رفع، وإن كان منصوب اللفظ، وقرأ الباقون {بَيْنَكُمْ} رفع.
والوجه أنه وإن كان في الأصل ظرفًا، فإنه استعمل ههنا اسمًا، وأخرج عن كونه ظرفًا، ولهذا جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو {تُقَطَّعَ}، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإنما جاز أن يعني به الوصل؛ لأن الوصل مما يكون بين الاثنين فجعل بينا لما كان يقع في البين). [الموضح: 487]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (95) إلى الآية (99) ]
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}

قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجاعل اللّيل سكنًا... (96).
قرأ الكوفيون: (وجعل اللّيل سكنًا) نصبا، وقرأ الباقون: (وجاعل اللّيل سكنًا) بالخفض.
قال أبو منصور: من قرأ (وجعل اللّيل) نصبه بالفعل؛ لأنه مفعول به، ونصب (سكنًا) لأنه مفعول ثان.
ومن قرأ (وجاعل اللّيل) خفض الليل للإضافة إليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/372]
وأما انتصاب قوله: (والشمس والقمر حسبانًا) على قراءة من قرأ (وجاعل الليل) فإنه عطف الشمس والقمر على موضع النصب في قوله (وجاعل الليل) لأن معناه: وجاعل الليل، وكذلك نصب (سكنًا).
وقال الفراء: (الليل) في موضع فصبٍ في المعنى، فرد الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سكنًا) قال: وإذا لم يفرق بينهما بشيء آثروا الخفض، وقد يجوز النصب وإن لم يحل بينهما بشيء أنشدونا:
وبينا نحن ننظره أتانا... معلق شكوةً وزناد راعٍ
فعطف (زناد) على (شكوة)؛ لأن معناها النصب، كأنه قال: معلقًا شكوةً). [معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا} [96].
قرأ أهل الكوفة {وجعل الليل} فعلاً ماضيًا.
وقرأ الباقون {وجعل الليل} جعلوه اسم الفاعل مثل ضارب وفالق، ورد فاعل على فاعل أحسن من رد فعل على فاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [عز وجل]: وجاعل الليل سكنا [الأنعام/ 96].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وجاعل الليل سكنا بألف.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وجعل الليل سكنا بغير ألف.
وجه قول من قال: جاعل* أن قبله اسم فاعل: إن الله فالق الحب والنوى... فالق الإصباح وجاعل، ليكون فاعل المعطوف مثل، فاعل المعطوف عليه، ألا ترى أنّ حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله، لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم.
وقد رأيتهم راعوا هذه المشاكلة في كلامهم، وذلك نحو ما جاء في قوله: يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31]، وقوله: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39]، وفريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة [الأعراف/ 30]، نصبوا كلّ هذه الأسماء التي اشتغل عنها الفعل، ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل
[الحجة للقراء السبعة: 3/361]
وفاعل على جملة من فعل وفاعل، وكما أن الفعل بالفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، وإذا كان كذلك كان جاعل الليل أولى من جعل، ويقوي ذلك قولهم:
للبس عباءة وتقرّ عيني...
وقوله:
ولولا رجال من رزام أعزّة... وآل سبيع أو أسوءك علقما
ومن قرأ: وجعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضيّ، فلما كان (فاعل) بمنزلة (فعل) في المعنى عطف عليه فعل لموافقته إياه في المعنى، ويدلّك على أنه بمنزلة (فعل)
[الحجة للقراء السبعة: 3/362]
أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله: والشمس والقمر حسبانا [الأنعام/ 96] ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على فعل كما كان فاعل كفعل. ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس. فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل، إذا كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإنما جعل معط بمنزلة أعطى فكذلك جعل: فالق الإصباح [الأنعام/ 96] بمنزلة فلق، لأنّ اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لمّا كان بمنزلته فأما قول الشاعر:
قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
فليس يوافق الآية لأنّ طلاب جمع اسم فاعل، الذي يراد به الحال، وإنّما حذف التنوين مستخفّا، وحمل حاجة على اسم الفاعل الذي للحال، واسم الفاعل في الآية لما مضى). [الحجة للقراء السبعة: 3/363]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وجعل اللّيل سكنا} بغير ألف
وقرأ الباقون (وجاعل اللّيل) بالألف وكسر اللّيل وحجتهم قوله {فالق الإصباح} فأجروا (جاعل اللّيل) على لفظ ما تقدمه إذ أتى في سياقه ونصبوا {والشّمس والقمر} على تأويل وجعل الشّمس والقمر حسبانا قال الزّجاج لأن في {جاعل} معنى جعل وبه نصب {سكنا} قال أبو عمرو ونصب {الشّمس والقمر} على الإتباع لما قلت {سكنا} أتبعت النصب النصب
وحجّة من قرأ {وجعل اللّيل سكنا} هي أن الأفعال الّتي عطفت عليه جاءت بلفظ الماضي وهو قوله بعدها {وهو الّذي جعل لكم النّجوم} {وهو الّذي أنشأكم} {وهو الّذي أنزل} فلأن تكون معطوفة على شبهها ويكون ما تقدمها جرى بلفظها أولى). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {وجعل الليل سكنًا} قرأ الكوفيون «وجعل الليل» بغير ألف، ونصبوا «الليل» بالفعل، وحملوا «جعل» على معنى «فالق» في الموضعين؛ لأنه بمعنى «فلق» لأنه أمر قد كان فحمل «جعل» على المعنى وأيضًا فإن بعده أفعالًا ماضية، فحمل عليها، وهو قوله: {جعل لكم النجوم} «97» وقله: {أنزل من السماء ما} «99» وكذلك ما بعده: فحمل أول الكلام على آخره في «فعل»، لتكرر ذلك، ويقوي ذلك إجماعهم على نصب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
«الشمس» وما بعده على إضمار «فعل» ولم يحملوه على فاعل، فيخفضوه، فأجري ما قبله عليه، للمشاكلة لما بعده، وقرأ الباقون «جاعل» على العطف على «فاعل» الذي قبله، وخفض «الليل» فشاكلوا بينه وبين ما قبله في اللفظ، كما شاكل من قرأ «جعل» بينه وبين ما بعده في المعنى، ويقوي ذلك أن حكم الأسماء أن تعطف عليها أسماء مثلها، فكان عطف «فاعل» على «فاعل» أولى من عطف «فعل» على «اسم»، والقراءتان بمعنى واحد، فجاء على تقوية ما قبله، و«جعل» يقويه ما بعده، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [آية/ 96] بغير ألف، فعلاً ماضيًا، {اللَّيْلَ} نصب:
قرأها الكوفيون.
والوجه أن الذي عطف هذا عليه اسم فاعل بمعنى المضي، وهو قوله تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}، والمعنى: فلق الإصباح وجعل الليل سكنا، فهو في التقدير: عطف فعل ماض على فعل ماض.
وقرأ الباقون {وَجَاعَلَ اللَّيْلَ} بالألف على فاعل، {اللَّيْلَ} خفض.
والوجه أن ما قبله اسم فاعل، فعطف اسم فاعل على اسم فاعل، وهو قوله {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} وما قبله أيضا اسم فاعل، وهو قوله {إِنَّ الله فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} وهذا أقرب إلى التناسب؛ لأنه عطف اسم على اسم مثله). [الموضح: 488]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمستقرٌّ ومستودعٌ... (98).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فمستقرٌّ ومستودعٌ) بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها.
[معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو منصور: من قرأ (فمستقرٌّ) بفتح القاف عنى به: الرحم، وهو موضع استقرار الولد، فيه ما يولد، وقوله (ومستودع): صلب الرجل، مستودع للمني الذي خلق الولد منه.
ومن قرأ (فمستقرٌّ) بكسر القاف عنى به: الولد القار في الرحم إلى وقت الولد). [معاني القراءات وعللها: 1/374]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {فمستقر ومستودع} [98].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح. فمن كسر جعل الفعل له؛ لأنه يقال: قر الشيء يقر واستقر يستقر بمعنى واحد {ومستودع} مفتوح لا غير. وإنما ارتفاع؛ لأن تقديره: فمنكم مستقر ولكم مستودع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر القاف وفتحها من قوله تعالى: فمستقر [الأنعام/ 98].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فمستقر بكسر القاف.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ: فمستقر بفتح القاف.
قال سيبويه: قالوا: قرّ في مكانه واستقرّ، كما قالوا: جلب الجرح وأجلب، يريد بهما شيئا واحدا. فكما بني هذا على فعلت، بني هذا على استفعلت، فمن كسر القاف كان المستقرّ بمعنى القارّ.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر منكم، أي: منكم مستقرّ، كقولك: بعضكم مستقرّ، أي: مستقرّ في الأرحام، وقال: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق [الزمر/ 6]، كما قال: وقد خلقكم أطوارا [نوح/ 14].
ومن فتح مستقر* فليس على أنه مفعول به. ألا ترى أنّ استقرّ لا يتعدى؟، وإذا لم يتعدّ لم يكن منه اسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/364]
مفعول به، وإذا لم يكن مفعولا به كان اسم مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ كما أن المستقرّ بمنزلة القارّ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر منكم، كما جاز ذلك في قول من كسر القاف، فإذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر لكم، فيكون التقدير: لكم مقرّ.
وأما المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين، تقول: استودعت زيدا، وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل أودع كما أن استجاب بمنزلة أجاب والمستودع يجوز أن يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه، فمن قرأ: فمستقر بفتح القاف، جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه، أي: فلكم مكان استقرار ومكان استيداع.
ومن قرأ: فمستقر فالمعنى: منكم مستقرّ في الأرحام، ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل المستقرّ في أنه اسم لغير المكان فعلى هذا يوجّه). [الحجة للقراء السبعة: 3/365]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بكسر القاف جعلا الفعل
[حجة القراءات: 262]
له أي فمنكم مستقر ومنكم مستودع تقول قر الشّيء يقر واستقر يستقرّ بمعنى واحد وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال فمستقر في الرّحم يعني الولد ومستودع في أصلاب الرّجال كما تقول هذا ولد مستقر في رحم أمه وأنا مستقر في مكان كذا وعن الحسن البصريّ قال مستقر في القبر ومستودع في الدّنيا يوشك أن يلحق بصاحبه قال الزّجاج وجائز أن يكون فمستقر أي فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى فجعل أبو عمرو المستقر فاعلا والمستودع مفعولا
وقرأ الباقون {فمستقر} بالفتح وحجتهم إجماع الجميع على فتح الدّال في مستودع على معنى أن الله استودعه فكذلك مستقر موجه إلى أن الله استقره في مقره فهو مستقر كما هو مستودع في مستودعه وقوله {ويعلم مستقرها ومستودعها} يشهد للفتح
والوجهان يتداخلان لأن الله إذا أقره استقر ولا شكّ أنه لا يستقرّ حتّى يقره فهو مفعول وفاعل
قال الزّجاج أما رفع فمستقر ومستودع فعلى معنى لكم مستقر ولكم مستودع أي فلكم في الأرحام مستقر ولكم في الأصلاب مستودع وجائز أن يكون مستقر في الدّنيا ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد). [حجة القراءات: 263]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {فمستقر} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر القاف، جعلاه اسمًا غير ظرف، على معنى: فمستقر في الأرحام، بمعنى قار في الأرحام، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، أي: فمنكم مستقر، أي: فمنكم قار في الأرحام، أي: بعضكم قار في الأرحام، وبعضكم مستودع في الأصلاب، وقيل: في القبور، وهذا المستودع، في قراءة من كسر القاف، هو الإنسان بعينه، فتعطف اسمًا على اسم، كما قال: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق} «الزمر 6» وقرأ الباقون بفتح القاف، جعلوه اسم مكان، ورفعه أيضًا بالابتداء، والخبر محذوف كالأول، والتقدير: فلكم مستقر، أي: مقر، أي مكان تقرون فيه، وتسكنون فيه، ويكون «مستودع» أيضًا اسم مكان، على معنى: فلكم استقرار مكان استيداع، «فمستقر» في قراءة من فتح القاف، ليس هو الإنسان، إنما ه اسم لمكان الإنسان، والمعنى: فلكم مستقر في الأرحام مستودع في الأصلاب، على معنى: استقرار ومكان استيداع، فتعطف مكانًا على مكان، وهو الاختيار، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {فَمُسْتَقَرٌّ} [آية/ 98] بكسر القاف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب إلا رويسا.
والوجه أنه أراد منكم مستقر في الأرحام، وهو اسم الفاعل من استقر، {وَمُسْتَوْدَعٌ} بفتح الدال لا غير، أي ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به.
[الموضح: 488]
وقرأ الباقون {فَمُسْتَقَرٌّ} بفتح القاف، وكلهم فتح الدال من {مُسْتَوْدَعٌ}.
والوجه في: مستقر بالفتح أن المراد فلكم مستقر، أي موضع استقرار، ومستودع أي موضع استيداع، وكلاهما للموضع، فالمعطوف مثل المعطوف عليه). [الموضح: 489]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجنّاتٍ من أعنابٍ... (99).
روى الأعشى عن أبي بكر (وجنّاتٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (وجنّاتٍ) كسرًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وجنّاتٌ) عطفها على قوله: (ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانية وجناتٌ)، ومن قرأ (وجنّاتٍ من أعنابٍ فهو في موضع النصب، معطوف على قوله (فأخرجنا منه خضرًا... وجناتٍ من أعنابٍ)، والقراءة عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/374]
والجنة: البستان. وكل نبتٍ يتكاثف ويستر بعضه بعضًا فهو جنّة، من جننت الشيء، إذا سترته). [معاني القراءات وعللها: 1/375]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه... (99)
قرأ حمزة والكسائي (إلى ثمره) و(ليأكلوا من ثمره) و(كلوا من ثمره) بضم الثاء والميم.
وقرأ الباقون بفتحهما.
وافترقوا في الكهف: فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بضمتين، وقرأ أبو عمرو في الكهف (وكان له ثمر) و(أحيط بثمره) بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بفتحتين.
وقرأ الحضرمي (وكان له ثمرٌ) بفتحتين، و(أحيط بثمره) بضمتين.
قال أبو منصور: من قرأ ثمرًا وثمرًا فمعناهما واحد، هما جمع ثمرة ومن قرأ (إلى ثمره) فهو جمع الثمرة، وتجمع ثمار. والثمر: اسم للجنس، وأثمار الشجر: عقده أول ما يعقد، فهو مثمر، قبل النضج، فإذا
[معاني القراءات وعللها: 1/375]
قيل: ثامر، فمعناه: النضج). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [99].
قرأ حمزة والكسائي {ثمره} بضم الثاء ولاميم.
وقرأ الباقون بالفتح فثمرة وثمر مثل شجرة وشجر، الواحدة بالهاء والجمع بحذف الهاء، وثمر: جمع ثمار وثمر مثل حمار وحمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الثاء، والميم من قوله: انظروا إلى ثمره [الأنعام/ 99]، ومن ثمره [الأنعام/ 141]، و ليأكلوا من ثمره [يس/ 35]، في الفتح فيها والضم.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالفتح في ذلك كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالضم في ذلك.
وجه قول من فتح فقال: من ثمره:
أن سيبويه يرى: أن الثّمر جمع ثمرة، ونظيره فيما قال: بقرة وبقر وشجرة وشجر، وجزرة وجزر، ويدل على أن واحد الثمر ثمرة قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب [النحل/ 67]، وقد كسّروه على فعال فقالوا ثمار، كما قالوا:
أكمة وإكام، وجذبة وجذاب، ورقبة ورقاب.
وأما قول حمزة والكسائيّ: من ثمره*، فإنه يحتمل وجهين: الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما جمعوا
[الحجة للقراء السبعة: 3/366]
خشبة على خشب في قوله: كأنهم خشب مسندة [المنافقون/ 4] وكذلك أكمه وأكم، في نحو قوله:
نحن الفوارس يوم ديسقة ال... مغشو الكماة غوارب الأكم
ونظيره من المعتل: ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة ولوب، وناقة ونوق. قال أبو عمر: أنشدنا الأصمعيّ لرجل من هذيل.
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما... أو يسرحوه بها واغبرّت السوح
والآخر أن يكون جمع ثمارا على ثمر فيكون: ثمر جمع الجمع، وجمعوه على فعل، كما جمعوه على فعائل في
[الحجة للقراء السبعة: 3/367]
قولهم: جمال وجمائل قال:
وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
ولم أعلم سيبويه ذكر تكسيره على فعل، وإن كان قد حكى تكسيره على فعائل، ولا يمتنع في القياس، ألا ترى أن فعلا جمع للكثير كما أن فعائل جمع له، وجمعوه بالألف والتّاء أيضا في قول من قرأ: كأنه جمالات صفر [المرسلات/ 33].
وأنشد بعض البغداديين:
أحبّ كلب في كلابات الناس... إليّ نبحا كلب أمّ العبّاس
فأما قول الشاعر:
كنّا بها إذ الحياة حيّ فليس حيّ بجمع حياة: كبدنة وبدن، وقارة وقور، إنما الحيّ مصدر كالعيّ، ولو كان جمعا على فعل لجاز في فائه
[الحجة للقراء السبعة: 3/368]
الضمّ والكسر، كما قالوا: قرن ألوى، وقرون ليّ وليّ.
قال: اختلفوا في سورة الكهف، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ، وكان له ثمر [الكهف/ 34]، وأحيط بثمره [الكهف/ 42] بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: بثمره بضمّة واحدة وأسكن الميم.
وقرأ عاصم: وكان له ثمر، وأحيط بثمره، بفتح الثاء والميم فيهما.
أمّا حمزة والكسائيّ فقراءتهما في ذلك كقراءتهما فيما تقدّم، وابن كثير ونافع وابن عامر أخذوا بذلك في هذا الموضع لأن اللفظتين جميعا للجمع، ألا ترى أن الثمر جمع كما كان الثمر كذلك.
ووافقهم أبو عمرو في الأخذ بالجمع الذي هو: فعل، إلّا أنه خفّف العين، كما خفف في بدنه وبدن، قال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36] وكما قالوا: الأكم، في جمع أكمة في قوله:
ترى الأكم منه سجّدا للحوافر وعلى هذا قالوا: أسد وأسد. وقد فسّر الثّمر في سورة الكهف أنّه من تثمير المال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/369]
وروي عن مجاهد: وكان له ثمر قال: ذهب وورق.
قال أبو علي: وكأنّ الذهب والورق، قيل له ثمر على التفاؤل، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، ولا يمتنع أن يكون الثّمر جمع ثمرة، كما قدّمنا، ويدلّ على ذلك أن عاصما قرأ:
وكان له ثمر في الموضعين في الكهف. وكأنّ الثمر الذي هو الجنا أشبه في التفسير من الذهب والورق لأنّه أشدّ مشاكلة بالمذكور معه. ألا ترى أنه قال: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل...
وفجرنا خلالهما نهرا، وكان له ثمر، فقال لصاحبه [الكهف/ 32، 34] فالثمر الذي هو الجنا أشبه بالنخيل والأعناب، من الذهب والورق منهما وأشدّ مشاكلة، ويقوّي ذلك قوله في الأخرى في وصف جنّة: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب... له فيها من كل الثمرات [البقرة/ 266].
فكما أنّ الثمرات في هذه لا تكون إلّا الجنا، كذلك في الأخرى يكون إياه. ويقوي أن الثمر ليس بالذهب والورق هنا قوله: وأحيط بثمره، والإحاطة به إهلاك له، واستئصال بالآفة التي حلت بها كما حلّت بالأخرى في قوله: فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت [البقرة/ 266]، وكما قال: فأصبحت كالصريم [القلم/ 20]
[الحجة للقراء السبعة: 3/370]
أي: سوداء كسواد الليل بالاحتراق، ويقوي ذلك قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها [الكهف/ 42]، والإنفاق في الأمر العام إنّما يكون من الورق لا من الشجر.
قال: وقرأ عاصم: وكان له ثمر وأحيط بثمره بفتح الثاء والميم فيهما لأنّ ثمر* جمع، كما أنّ ثمر كذلك.
ويدلّك على أن الثّمر ونحوه جمع قوله: وينشئ السحاب الثقال [الرعد/ 12]، وقوله: كأنهم أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7]. وإنما جاء التأنيث لمعنى الجمع، كما جاء التذكير في نحو: من الشجر الأخضر [يس/ 80]، وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، على تذكير اللفظ، وإن كان المعنى الجمع.
وقد يجوز أن يكون ثمر* جمع ثمر، لأن سيبويه قد حكى: ثمر، وجاز أن يكون ثمر جمع على ثمر كما جمع فعل على فعل وذلك قولهم: نمر ونمر قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/371]
فيه عياييل أسود ونمر والأول الوجه لأنه الأكثر كما رأيت). [الحجة للقراء السبعة: 3/372]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [قَنْوَان] بالفتح.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون قَنْوَان هذا اسمًا للجمع غير مكسر، بمنزلة رَكْب عند سيبويه والجامل والباقر؛ وذلك أن فَعْلان ليس من أمثلة الجمع.
[المحتسب: 1/223]
وقرأت على أبي علي في بعض كتب أبي زيد قوله:
خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شَجَرُ العُرا وعُرَاعِرُ الأقوام
وقال أبو زيد: عُراعِر جمع عُرْعُرة، فقلت لأبي علي: كيف يكون هذا وأوله مضموم؟ فقال -يعني أبو زيد: إنه اسم للجمع يفيد مفاد التكسير). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبا متراكبا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}
[حجة القراءات: 263]
قرأ الأعشى عن أبي بكر {وجنات} قال الفراء ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا
وقرأ الباقون {جنّات} نصب نسق على قوله {خضرًا} أي فأخرجنا من الماء خضرًا وجنات من اعناب
قرأ حمزة والكسائيّ {انظروا إلى ثمره} بضم الثّاء والميم أراد جمع الجمع تقول ثمرة وثمار وثمر كما تقول أكمة وإكام وأكم
وقرأ الباقون {ثمرة} بفتح الثّاء والميم جمع ثمرة مثل بقر وبقرة وشجرة وشجر). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (49- قوله: {إلى ثمره} قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم، في موضعين ههنا، وفي موضع في يس، جعلاه جمع «ثمرة» كخشبة وخشُب، ويجوز أن يكون جمع «ثمار» كحمار وحُمر، وثمار جمع ثمرة كأكمة وإكام، فهو جمع جمع الجمع على هذا، وقرأ الباقون بفتح الثاء والميم، جعلوه جمع تمرة كبقرة وبقر، ما بين واحدة وجمه الهاء، والقراءتان حسنتان، وقد شرحنا هذا في الكهف بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} [آية/ 99] مضمومة الثاء والميم:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، وفي الكهف {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} و{أُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، وفي يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} كل ذلك بضمتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما قيل خشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمار ككتاب وكتب، وثمار جمع ثمرة، فثمر على هذا جمع الجمع.
وقرأ عاصم ويعقوب {ثَمَرِ} و{ثَمَرِهِ} كه بفتح الثاء والميم فيهن، إلا في رواية -يس- في {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} فإنه ضم الثاء والميم.
والوجه في الفتحتين أن الثمر جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة وشجر في
[الموضح: 489]
جمع شجرة، وما كان من هذا النوع من الجمع أعني ما بين واحده وجمعه الهاء، فإن أكثر النحويين يسمونه جنس وليس بجمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر في الأنعام ويس بالفتحتين وفي الكهف بالضمتين، وكذلك أبو عمرو إلا أنه يسكن الميم في الكهف في الحرفيين.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين جميعًا، فالحكم واحد في المواضع، فاللفظان جميعًا للجمع، وأما تسكين أبي عمرو الميم فإنه تخفيف؛ لأن فعلا بضم العين قد يخفف العين منه، كما قالوا في بدن بدن وأسد أسد). [الموضح: 490]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:37 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (100) إلى الآية (103) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ... (100).
قرأ نافع (وخرّقوا له) مشددًا، وقرأ الباقون (وخرقوا) خفيفًا.
قال أبو منصور: التخفيف هو الوجه، يقال: خرق فلان الكذب، واخترقه. وخلقه، واختلقه. وخرصه، واخترصه، إذا افتراه، ومن شدد فقرأ (وخرّقوا) فالمعنى: أنهم أبدأوا في ذلك وأعادوا، لأن التشديد للكثرة. والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات} [100].
قرأ نافع وحده {وخرقوا} بتشديد الراء.
والباقون يخففون. فخرقوا واخترقوا وخلقوا واختلقوا وبشكوا وابتشكوا وكذبوا بمعنى واحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها في قوله تعالى: وخرقوا له [الأنعام/ 100].
[فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: وخرقوا له بنين وبنات، خفيفة].
وقرأ نافع وحده وخرقوا له مشددة الراء.
[قال أبو علي: قال] أبو عبيدة: وخرقوا له بنين وبنات أي: جعلوا له وأشركوه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/372]
اخترق واختلق، وابتشك سواء. وقال أحمد بن يحيى: خرّق واخترق. وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ، لأنها أكثر وبها أقرأ.
وقيل: إن المعنى أن المشركين ادّعوا الملائكة: بنات الله، والنّصارى: المسيح، واليهود: عزيرا.
ومن شدّد، فكأنه ذهب إلى التكثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/373]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر: [وخَلْقَهم] بجزم اللام.
قال أبو الفتح: أي وخَلْق الجن، يعني ما يَخْلُقونه: ما يأفكون فيه ويتكذَّبونه. يقول: جعلوا له الجن شركاء، وأفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عَني بذلك الأصنام ونحوها). [المحتسب: 1/224]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمر وابن عباس رضي الله عنهما: [وحَرَّفُوا له] بالحاء والفاء.
وقال أبو الفتح: هذا شاهد بكذبهم، ومثله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وأصله من الانحراف؛ أي: الانعدال عن القصد، وكلاهما من حرْفِ الشيء؛ لأنه زائل عن المقابلة والمعادلة، وهو أيضًا معنى قراءة الجماعة: {وَخَرَقُوا} بالخاء والقاف، ومعنى الجميع: كَذبوا). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم}
قرأ نافع {وخرقوا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة مثل قتل وقتل
وقرأ الباقون {وخرقوا} بالتّخفيف ومعنى خرقوا واخترقوا واختلقوا كذبوا). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {وخرقوا} قرأه نافع بالتشديد، على التكثير، لأن المشركين ادعوا أن لله بنات، وهم الملائكة، والنصارى ادعت أن المسيح ابن الله، واليهود ادعت أن عزيرًا ابن الله، فكثير ذلك من كفرهم، فشدد الفعل لمطابقة المعنى تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وقرأ الباقون بالتخفيف؛ لأن التخفيف يدل على القليل والكثير، ومعنى خرق واخترق واختلق سواء، أي أحدث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ} [آية/ 100] بتشديد الراء:-
قرأها نافع وحده.
والوجه أن ذهب بها إلى التكثير؛ لأن الفاعلين لهذا الفعل كثير، فإن المشركين قالوا الملائكة بنات الله، واليهود قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله.
وقرأ الباقون {وَخَرَقُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل يحتمل الكثرة وغيرها، فيجوز أن يحمل على الكثرة، فيكون المعنى كالمعنى الأول؛ ولأنهم يقولون: خرق فلان الكذب واخترقه وخلقه واختلقه إذا افتراه، ولفظ الفعل مطلقا يدل على القليل والكثير، ثم إن فعل مشددًا يختص بالكثرة، وقد مضى مثله). [الموضح: 490]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلَم يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ] بالياء.
قال أبو الفتح: يحتمل التذكير هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون في [يكن] ضمير اسم الله؛ أي: لم يكن الله له صاحبة، وتكون الجملة التي هي [له صاحبة] خبر كان.
والثاني: أن يكون في "يكن" ضمير الشأن والحديث على شريطة التفسير، وتكون الجملة بعده تفسيرًا له وخبرًا، كقولك: كان زيد قائم؛ أي: كان الحديث والشأن زيد قائم.
[المحتسب: 1/224]
والثالث: أن تكون "صاحبة" اسم "كان"، وجاز التذكير هنا للفصل بين الفاعل والفعل بالظرف الذي هو الخبر؛ كقولنا: كان في الدار هند.
ومثل ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: حضر القاضيَ اليوم امرأةٌ.
وأنا أرى أن تذكير "كان" مع تأنيث اسمها أسهل من تذكير الأفعال سواها وسوى أخواتها مع فاعليها.
وكان في الدار هند أسوغ من قام في الداره هند؛ وذلك أنه إنما احتيج إلى تأنيث الفعل عند تأنيث فاعله؛ لأن الفعل انطبع بالفاعل حتى اكتسى لفظه من تأنيثه، فقيل: قامت هند وانطلقت جُمْل، من حيث كان الفعل والفاعل يجريان مجرى الجزء الواحد، وإنما كان ذلك كذلك لأن كل واحد منهما لا يستغني عن صاحبه، فأنث الفعل إيذانًا بأن الفاعل الموقع بعده مؤنث، وليس كذلك حديث كان وأخواتها؛ لأنه ليست "كان" مع اسمها كالجزء الواحد، من قِبَل أنك لو حذفت "كان" لاستقل ما بعدها برأسه، فقلت في قولك: كان أخوك جالسًا: أخوك جالس، فلما أن قام ما بعدها برأسه، ولم يحتج إليها؛ لم يتصل به اتصال الفاعل بفعله، نحو: قام جفعر وجلس بِشر.
ألا تراك لو حذفت الفعل هنا لانفرد الفاعل جزءًا برأسه، فلم يستقل بنفسه استقلال الجملة بعد "كان" بنفسها؟ فلما لم تَقْوَ حاجته إلى "كان" قوة حاجة الفاعل إلى الفعل انحطت رتبته في حاجته إلى "كان"، فامتاز منها امتيازًا قد أحطنا به، فساغ لذلك ألا يلزم تأنيث "كان" لاسمها إذا كان مونثًا تأنيث الفعل لفاعله إذا كان مؤنثًا، ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا، فافهمه؛ فإن هذه حاله). [المحتسب: 1/225]

قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:39 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (104) إلى الآية (108) ]
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}

قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون (105).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دارست) بألف.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (درست) بسكون التاء، وقرأ الباقون، (درست) بغير ألف مع فتح التاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو منصور: من قرأ (دارست) بألف فتأويله: جادلت اليهود وجادلوك.
كذلك قال ابن عباس، وبه قرأ مجاهد، وفسره: قرأت على اليهود وقرأوا عليك.
ومن قرأ (درست) بسكون التاء فالمعنى: تقادمت، أي: هذا الذي تتلوه علينا قد تطاول ومر بنا وامتحي أثره من قلوبنا، كما تدرس الآثار.
ومن قرأ (درست) بفتح التاء بغير ألف فالمعنى: أنك تعلمت من يهود، على الخطاب للنبي صلى الله عليه، أرادوا: أنك قرأت كتب أهل الكتاب.
وكله جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/377]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- قوله تعالى: {وليقولوا درست} [105].
قرأ ابن كثير وأبو عمروو {درست} بألف على معنى قارأت وعالمت على فاعلت.
وقرأ ابن عامر {درست} على معنى إمحت وذهبت.
وقرأ الباقون {درست} أي: قرأت وتعلمت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: دارست [الأنعام/ 105].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بألف.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ درست ساكنة السين بغير ألف.
وقرأ ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء بغير ألف.
قال أبو زيد: درست، أدرس، دراسة، وهي القراءة قال: وإنما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك، قال الأصمعي: أنشدني ابن ميادة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/373]
يكفيك من بعض ازديار الآفاق... سمراء ممّا درس ابن مخراق
قال: درس يدرس، مثل داس يدوس، وقال بعضهم: سمراء: ناقته، ودرسها: رياضتها، قال: ودرس السورة من هذا. أي يدرسها لتخفّ على لسانه.
وجه من قرأ: دارست. أي: دارست أهل الكتاب وذاكرتهم، ويقوي ذلك: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون [الفرقان/ 4].
فإن قيل: ليس في المصحف ألف، فإن الألف قد تحذف في المصحف في نحو هذا، ويقوي ذلك قوله: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5].
ووجه درست في حجّة هذه القراءة: أن أبيّا، وابن مسعود فيما زعموا قرآ درس وأسندا الفعل فيه إلى الغيبة، كما أسندا إلى الخطاب وهو فعل، من:
درست، كما أنّ دارست فاعلت منه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/374]
وقراءة ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء فهو من الدّروس الذي هو: تعفّي الأثر، وامّحاء الرّسم.
قال أبو عبيدة: درست: امّحت، فأما اللام في قوله: وليقولوا درست فعلى ضربين: من قال: درست فالمعنى في: ليقولوا لكراهة أن يقولوا، ولأن لا يقولوا: درست. أي: فصّلت الآيات وأحكمت لئلا يقولوا إنّها أخبار وقد تقدّمت وطال العهد بها، وباد من كان يعرفها، كما قالوا: أساطير الأولين [الفرقان/ 5].
لأنّ تلك الأخبار، لا تخلو من خلل، فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن. وأما من قرأ: دارست، ودرست فاللام على قولهم كالتي في قوله: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]، ولم يلتقطوه لذلك، كما لم تفصّل الآيات ليقولوا: درست، ودارست ولكن لمّا قالوا ذلك أطلق هذا عليه في الاتساع). [الحجة للقراء السبعة: 3/375]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وقتادة، ورُويت عن الحسن: [دُرِسَتْ]، ابن مسعود وأُبي: [دَرَسَ]. ابن مسعود أيضًا: [دَرسْن].
[المحتسب: 1/225]
قال أبو الفتح: أما [دُرِسَتْ] ففيه ضمير الآيات، معناه: وليقولوا درستَها أنت يا محمد، كالقراءة العامة [دراسْتَ].
ويجوز أن يكون [دُرِسَتْ] أي: عفت وتنوسيت؛ لقراءة ابن مسعود: [دَرَسْن] أي: عفون، فيكون كقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، ونحو ذلك.
وأما [دَرَس] ففيه ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد هذا: دارسْتَ؛ أي: فإذا جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأَتى به، وليس من عند الله؛ أي: يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم؛ كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب، وإن شئت كان معناه فإذا هم يقولون كذا، كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} أي: فإذا هو عدو لهم). [المحتسب: 1/226]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليقولوا درست}
قرأ أبو عمرو وابن كثير (دارست) بالألف أي ذاكرت أهل الكتاب وعن ابن عبّاس قارأت وتعلمت
وقرأ ابن عامر {درست} بفتح السّين وتسكين التّاء أي درست
[حجة القراءات: 264]
هذه الأخبار الّتي تتلوها علينا أي مضت وامحت
وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة {درست} بسكون السّين وفتح التّاء أي قرأت أنت وتعلمت أي درست أنت يا محمّد كتب الأوّلين وتعلمت من اليهود والنّصارى وحجتهم قراءة عبد الله (وليقولوا درس) دلّ على أن الفعل له وحده). [حجة القراءات: 265]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {درست} قرأ أبو عمرو وابن كثير «دارست» بألف، كفاعلت، وقرأ ابن عامر «درستْ» بإسكان من غير ألف وفتح السين، كخرجتْ، وقرأ الباقون «درسْت» بفتح التاء وإسكان الشين من غير ألف، كخرجت.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
وحجة من قرأ بألفأنه حمله على معنى: «يقولون دارت أهل الكتاب ودارسوك» أي: ذاكرتهم وذاكروك، ودل على هذا المعنى قوله عنهم: {وأعانه عليه قوم آخرون} «الفرقان 4» أي: يقولون أعان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن وذاكروه فيه، وهذا كله قول المشركين في النبي عليه السلام وفي القرآن، ومثله قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} «النحل 24» ومثله قوله عنهم: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} «الفرقان 5».
52- وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه أسند الفعل إلى الآيات، فأخبر عنهم أنهم يقولون: عفت وامحت وتقادمت، ودل على ذلك قوله: {قالوا أساطير الأولين}، أي: هو شيء قديم قد عفا وامحى رسمه لقدمه.
53- وحجة من فتح التاء من غير ألف، أنه أضاف الفعل إلى النبي، فأخبر عنهم أنهم يقولون: درس محمد الكتب، كتب الأولين، فأتى بهذا القرآن منها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ} [آية/ 105] بالألف مفتوحة التاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أنك دارست أهل الكتاب وذاكرتهم وقرأت عليهم وقرأوا عليك، وهو من المفاعلة التي تكون بين اثنين.
وقرأ ابن عامر ويعقوب {دَرَسْتَ} بغير ألف، مفتوحة السين، ساكنة التاء.
والوجه أنه من الدروس، وهو عفو الأثر وانمحاء الرسوم، والمعنى: إن هذا الذي يتلوه قد تطاول ومر بنا وانمحى أثره كما تدرس الآثار.
وقرأ نافع والكوفيون {دَرَسْتَ} بغير ألف، ساكنة السين، مفتوحة التاء.
والوجه أن المراد قرأت على أهل الكتاب فتعلمت منهم). [الموضح: 491]

قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}

قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ... (108).
قرأ يعقوب (عدوًا) بضم العين والدال وتشديد الواو، وقرأ الباقون (عدوًا) بفتح العين وسكون الدال.
قال أبو منصور: من قرأ (عدوًا) و(عدوًا) فمعناهما واحد، يقال: عدا فلان عدوًا وعدوًا وعدًا، إذا جاوز الحدّ في الظلم.
[معاني القراءات وعللها: 1/377]
انتصب قوله (عدوًا) و(عدوًا) على المصدر.
وإن شئت على إرادة اللام، ويكون نصبه على الحال.
المعنى: فيسبّوا اللّه عادين. فأقام المصدر مقام الفاعلين.
وقرئ (فيسبّوا اللّه عدوًا) بفتح العين وتشديد الواو، وهي شاذة، ومعناه: فيسبوا الله أعداء. وانتصابه على الحال لا غير، يقال: هم عدو لي، أي: أعداء.
قال الله تبارك وتعالى: (فإنّهم عدوٌّ لي إلّا ربّ العالمين (77) ). [معاني القراءات وعللها: 1/378]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام يعقوب وعبد الله بن يزيد: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا}، ورُوي عنهم أيضًا: [بَغْيًا وعُدُوًّا].
قال أبو الفتح: العَدْوُ والعُدُوُّ جميعًا: الظلم والتعدي للحق، ومثلهما العدوان والعداء، قال الراعي:
كتبوا الدُّهَيْمَ على العَداء لمسرِف ... عادٍ يريدُ خيانةً وغُلُولا
ومثله الاعتداء، قال أبو نُخَيْلَة:
ويعتدى ويعتدى ويعتدى ... وهو بعين الأسد المسوَّد
[المحتسب: 1/226]
ومثل العُدُوِّ والعَدْوِ من التعدي الرُّكوب والرَّكب، قال:
أو رَكب البراذين
يريد: ركوب). [المحتسب: 1/227]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا} [آية/ 108] بضم العين والدال وتشديد الواو:-
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه مصدر من عدا عليه إذا جار عليه يعدو عدوًا، وانتصابه على المصدر، أي يعدو عليه عدوا أو يسبوه سبًا؛ لأن السب ههنا عدوان لا محالة.
ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي يسبوا الله عادين.
[الموضح: 491]
وقرأ الباقون {عَدْوًا} بفتح العين وسكون الدال وتخفيف الواو.
وهو مثل القراءة الأولى؛ لأن عدوا مصدر عدا يعدو أيضًا، فهما سواء في المعنى، وانتصابه على ما ذكرناه في القراءة الأولى). [الموضح: 492]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما يشعركم أنّها... (109).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إنّها) بكسر الألف، وروى نصير عن الكسائي (إنّها) بكسر الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن أبي بكر في هذا كسرًا ولا فتحًا، وقال ابن مجاهد: قرأت على
[معاني القراءات وعللها: 1/378]
أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا، وقرأ حفص عن عاصم (أنّها) بالفتح، وقرأ الباقون (أنّها) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّها) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: ما يدريكم.
ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات.
ومن قرأ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعلّ المعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئت السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك.
وقال بعضهم: إنما هي (أنّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا، والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
والقول هو الأول والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذا جاءت لا يؤمنون (109).
قرأ ابن عامر وحمزة (إذا جاءت لا تؤمنون) وقرأ الباقون (إذا جاءت لا يؤمنون) بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {وما يشعركم} [109].
قرأ أبو عمرو وحده باختلاس الحركة وهي الضمة في الراء كأنه يجزمها تخفيفًا مثل {يأمركم} و{ينصركم}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
والباقون يشبعون الضمة على الأصل {يشعركم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {أنها إذا جاءت} [109].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إنها} بالكسر على أن الكلام قد تم، وقال يحيى عن ابن بكر: لا أحفظ عن عاصم في {أنهاْ شيئًا وروى غيره: {إنها} بالكسر.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {أنها} بالنصب، فقال الخليل: تقديره: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فـــ «أن» المفتوحة بمعنى «لعل»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى {لا يؤمنون} [109].
قرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على الخطاب في الكاف والميم في {يشعركم}.
وقرأ الباقون بالياء لقوله: {ونقلب أفئدتهم} إخبار عن غيب، ولم يقل أفئدتكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: وما يشعركم إنها [الأنعام/ 109].
فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 3/375]
أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من يشعركم.
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن عامر- أنها* بالفتح.
وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ: أفتحا أم كسرا ؟.
وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني به موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام محمد بن يزيد قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها* كسرا، [لا يؤمنون بالياء]. وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا.
قال سيبويه: سألته: يعني الخليل عن قوله عز وجل: وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/376]
في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها كان ذلك عنه عذرا لهم، وأهل المدينة يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.
قوله: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل.
فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم.
ألا ترى أن الله تعالى قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111]، فالمعنى: ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما يدريكم إيمانهم إذا
[الحجة للقراء السبعة: 3/377]
جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية إياهم.
فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول: دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه وجاز أن يكون في موضع نصب.
فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/ 109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان].
ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن، فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى الإيمان عنه.
فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين:
أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/378]
قلت لشيبان ادن من لقائه... أنّا نغدّي القوم من شوائه
أي: لعلنا. وقال آخر:
أريني جوادا مات هزلا لأنني... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
وقال الفرزدق:
هل انتم عائجون بنا لأنّا... نرى العرصات أو أثر الخيام
[الحجة للقراء السبعة: 3/379]
فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا ما فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيّتي... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وفسّر على: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله: وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب [الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت.
والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون.
والمعنى على هذا أنها: لو جاءت لم يؤمنوا. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/380]
لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي أخرى: غير زائدة. قول الشاعر:
أبا جوده لا البخل واستعجلت به... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف «لا» إلى البخل.
ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة، وأنّ في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال: فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا* على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 3/381]
أفعنك لا برق كأنّ وميضه... غاب تسنّمه ضرام مثقب
والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة بأهلكنا، كأنه قال: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم.
وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون.
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: لا يؤمنون.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بالياء أيضا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء.
وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به قوم
[الحجة للقراء السبعة: 3/382]
مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون، لعلّهم إذا جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، قال: وجه الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون، وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله: لا تؤمنون بالتاء.
ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/383]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} بكسر الألف قال اليزيدي الخبر متناه عند قوله {وما يشعركم} أي ما يدريكم ثمّ ابتدأ الخبر عنهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءتهم وكسروا الألف على الاستئناف قال سيبويهٍ سألت الخليل عن قوله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} ما منعها أن تكون كقولك وما يدريك أنه لا يفعل فقال لا يحسن ذلك في هذا الموضع إنّما قال {وما يشعركم} ثمّ ابتدأ فأوجب فقال {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} لو قال {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} كان عذرا لهم وحجتهم قوله بعدها {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله {ما كانوا ليؤمنوا} فأوجب لهم الكفر وقال {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة} أي إن الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا
[حجة القراءات: 265]
كما لم يؤمنوا أول مرّة
وقرأ الباقون {أنّها إذا جاءت} بالفتح قال الخليل إن معناها لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون قال وهذا كقولهم إيت السّوق أنّك تشتري لنا شيئا أي لعلّك أنشد أبو عبيدة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا
يريد لعلني أرى ما ترين
يروى في التّفسير أنهم اقترحوا الآيات وقالوا {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله {حتّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فأنزل الله {قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين وقال آخرون بل المعنى وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون فتكون لا مؤكدة للجحد كما قال {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} بمعنى وحرام عليهم أن يرجعوا قال الفراء سأل الكفّار رسول الله صلى الله عليه أن يأتيهم بالآية الّتي نزلت في الشّعراء {إن نشأ ننزل عليهم من السّماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقال المؤمنون يا رسول الله سل ربك أن ينزلها حتّى يؤمنوا فأنزل الله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي إذا
[حجة القراءات: 266]
جاءت يؤمنون ولا صلة كقوله {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد
قرأ حمزة وابن عامر (إذا جاءت لا تؤمنون) بالتّاء وحجتهما قوله {وما يشعركم} قال مجاهد قوله {وما يشعركم} خطاب للمشركين الّذين أقسموا فقال جلّ وعز وما يدريكم أنكم تؤمنون وقرأ الباقون بالياء إخبارًا عنهم وحجتهم قوله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} ولم يقل أفئدتكم). [حجة القراءات: 267]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (54- قوله: {أنها إذا جاءت} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بالفتح، وعن أبي بكر الوجهان.
وحجة من فتح الهمزة أنه جعل «أن» بمنزلة «لعل» لغة فيها، على قول الخليل، حكى عن العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا، أي: لعلك. ويجوز أن يعمل فيها «يشعركم» فيفتح على المفعول به؛ لأن معنى شعرت به دريت، فهو في اليقين كعلمت، وتكون «لا» في قوله: {لا يؤمنون} زائدة، والتقدير: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية إذا جاءتهم يؤمنون، أي: إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها وهذا المعنى، إنما يصح على قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
من قرأ «يؤمنون» بالياء ويكون «يشعركم» خطابًا للمؤمنين، والضمير «يؤمنون» للكفار في القراءة بالياء، ومن قرأ «تؤمنون» بالتاء، فالخطاب في «يشعركم» للكفار، ويقوي هذا المعنى قوله بعد ذلك: {ما كان ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} «111» و«ما» في الآية استفهام، وفي «يشعركم» ضمير «ما»، والمعنى: وأي شيء يدريكم أيها المؤمنون إيمانهم إذا جاءتهم الآية، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية، ولا يحسن أن تكون «ما» نافية؛ لأنه يصير التقدير: وليس يدريكم الله أنهم لا يؤمنون، وهذا متناقض؛ لأنه تعالى قد أدرانا أنهم لا يؤمنون بقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله: {يجهلون}.
55- وحجة من كسر «أن» أنه استأنف بها الكلام بعد «يشعركم»، والتقدير: وما يشعركم إيمانهم، فالمفعول محذوف، ثم استأنف مخبرًا عنهم بما علم فيهم، فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} ولا يحسن فتح «إن» على إعمال «يشعركم» فيها و«لا» غير زائدة؛ لأن ذلك يكون عذرًا لهم، ويصير المعنى: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية {إذا جاءتهم لا يؤمنون} أي: لعلهم يؤمنون إذا جاءتهم، فيكون تأخير «الآية» عنهم عذرًا لهم، في ترك الإيمان، وهذا لا يجوز لأن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية، وأن ذلك بمشيئته وإرادته، فإن جعلت «لا» زائدة حسن عمل «يشعركم» في «أن»؛ لأن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ تؤمنون بالتاء فالخطاب في «يشعركم» للكفار المقترحين الآية، وقد تقدم ذكر الاختلاس والإسكان في «يشعركم» والحجة في ذلك، والاختيار الفتح لأن عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/445]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {لا يؤمنون} قرأه حمزة وابن عامر بالتاء، على الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كما قال: {الحمد لله رب العالمين}، ثم قال: {إياك نعبد}، والمراد به القوم الذين اقترحوا الآية دون المؤمنين، على معنى: لعلها إذا جاءتكم الآية التي اقترحتموها لا تؤمنون، أي على معنى: وما يشعركم أيها الكفار المقترحون بالآية أنها إذا جاءتكم تؤمنون، فـ «لا» زائدة على هذا التقدير، إذا أعملت «يشعركم» في «أنها»، والضمير في «تؤمنون» للكفار في القراءتين جميعًا، والخطاب في «يشعركم» للمؤمنين، إذا قرأ بالياء في يؤمنون، وهو للكفار، إذا قرأت تؤمنون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة المتقدمة في قوله: {وأقسموا بالله} وما بعده بلفظ الغيبة، فجرى «يؤمنون» على ذلك للمشاكلة والمطابقة، وارتباط بعض الكلام ببعض، وأيضا فإن بعده لفظ غيبة في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به} إلى قوله: {يجهلون} «111» كله بلفظ الغيبة، فحمل «يؤمنون» في لفظ على ما قبله وما بعده، فاتسق الكلام كله على نظام واحد، وذلك أفصح وأقوى، وهو الاختيار، مع أن أكثر القراء على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} [آية/ 109] بكسر الألف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب.
والوجه أن الكلام استئناف، فلذلك جاء بإن؛ لأن إن حرف ابتداء، ومعناه على الابتداء، وهو على هذا خطاب للمشركين، والمراد قل يا محمد إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أي وما يدريكم أيها المشركون أن الآيات عند الله، ثم استأنف فقال إنها أي إن الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {أَنَّهَا} بفتح الألف.
والوجه أن المعنى لعلها، فقد جاء أن بمعنى لعل، كقوله:
31- قلت لشيبان ادن من لقائه = أنا نفدي القوم من شوائه
أي لعلنا.
[الموضح: 492]
ويجوز أن تكون أن في قوله {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} هي الشديدة التي تقع بعد أفعال الاستقرار، نحو: علمت وتيقنت وأمثالهما، وهي المعروفة في كلام العرب، ثم تكون {لا} زائدة، والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون). [الموضح: 493]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {لا تُؤْمِنُونَ} [آية/ 109] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحمزة.
والوجه أن رجوع عن الغيبة إلى الخطاب عند من جعل {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} للمؤمنين، فأما من جعل الخطاب فيه للمشركين، فالكلام كله خطاب، وليس برجوع عن الغيبة إلى الخطاب، والمعنى: وما يشعركم أيها الكفار أنها إذا جاءت تؤمنون، أو على الاستئناف كما سبق.
وقرأ الباقون {لا يُؤْمِنُونَ} بالياء.
والوجه أنهم هم الغيب المقسمون في قوله تعالي {وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، والمراد: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت يؤمن هؤلاء المقسمون، وهم الكفار). [الموضح: 493]

قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام ويعقوب وعبد لله بن يزيد والأعمش والهمذاني: [وَيَذَرْهُم] بالياء وجزم الراء.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر إسكان المرفوع تخفيفًا، وعليه قراءة مَن قرأ أيضًا: [وَمَا يُشْعِرْكُم] بإسكان الراء، وكأن [يشعرْكم] أعذر من [يَذَرْهُم]؛ لأن فيه خروجًا من كسر إلى ضم، وهو في [يَذَرْهُم] خروج من فتح إلى ضم). [المحتسب: 1/227]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا... (111)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كلّ شيءٍ قبلًا) بالضم، وفي الكهف (العذاب قبلًا) بكسر القاف، قرأ نافع وابن عامر (قبلًا) و(قبلًا) مكسورتين، وقرأهما الكوفيون مضمومتين.
قال أبو منصور: من قرأ (قبلًا) بالضم فله معنيان:
أحدهما: أن (قبلًا) جمع قبيل، وهم الجماعة ليسوا بني أبٍ واحد، المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء (قبلًا) قبيلا، والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل.
والوجه الثاني: قبلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو حشر عليهم كل شيء فكفل لهم بصحة ما تقول ما كانوا ليؤمنوا.
ومن قرأ (قبلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته قبلا ومقابلة، أي عيانا.
قال الفراء: وقد يكون قبلا: من قبل وجوههم، كما تقول: أتيتك قبلاً، ولم آتك دبرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- [و] قوله تعالى: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} [111].
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف وفتح الباء.
والباقون بضمهما). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى: كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/ 55] بكسر القاف فيهما، وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/383]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا والعذاب قبلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف، والعذاب قبلا مكسورة القاف.
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا، وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة، فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت الألفاظ.
وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي: أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة.
فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان، والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها.
ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله:
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،
[الحجة للقراء السبعة: 3/384]
وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44].
وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة أضرب:
يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد. فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى، مع أن ذلك مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن لا يصدّق، أجدر.
فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول.
وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع
[الحجة للقراء السبعة: 3/385]
وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف.
وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي:
مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به، والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة نافع وابن عامر قبلا*: معاينة.
فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر [يوسف/ 27].
فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92] فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة، كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به، ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء.
ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/386]
[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة التي مضى ذكرها.
وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما قال أبو زيد وأبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحشرنا عليهم كل شيء قبلا}
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف أي عيانًا كما تقول لقته قبلا
وقرأ الباقون {قبلا} بضمّتين جمع قبيل والمعنى وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا أي جماعة جماعة قال الزّجاج ويجوز أن يكون قبلا جمع قبيل ومعناه الكفيل ليكون المعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فتكفل لهم بصحّة ما يقول ما كانوا ليؤمنوا
وقال الفراء ويجوز أن يكون {قبلا} من قبل وجوههم أي
[حجة القراءات: 267]
ما يقابلهم والمعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {قبلا} قرأه نافع وابن عامر بكسر القاف، وفتح الباء وقرأ الباقون بضمهما.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعله جمع «قبيل» كرغيف ورغف، فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا، أي: صفًا صفًا، أي: لو عاينوا ذلك ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ويجوز أن يكون جمع «قبيل» الذي هو الكفيل، على معنى: وحشرنا عليهم كل شيء كفيلا، أي: يتكفل لهم ما يريدون، ويضمنه لهم ليؤمنوا، وفي كفالة مالا غفل آية عظيمة لهم ما آمنوا إلا أن يشاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
الله، ويجوز أن يكون معنى «قبلا» مواجهة، أي: يعاينونه ويواجهونه: حكى أبو زيد: لقيت فلانًا قبلا ومقابلة، وقبلا وقُبلا، كله بمعنى المواجهة، فيكون الضم كالكسر في المعنى، وتستوي القراءتان، ويدل على أن القراءة بالضم بمعنى المقابلة قوله: {إن كان قميصه قد من قبل} «يوسف 26» فهذا من المقابلة لا غير، ألا ترى أن بعده {من دبر} فالدبر ضد القبل.
58- وحجة من قرأ بالكسر أنه جعله بمعنى المواجهة والمعاينة، أي: وحشرنا عليهم كل شيء يواجهونه ويعاينونه ما آمنوا إلا أن يشاء الله، وعلى هذه العلل والحجج يجري مجرى حجج الحرف الذي في الكهف غير أن معنى الكفيل لا يحسن في الكهف، وكذلك قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} «الإسراء 92» معناه: معاينة ومواجهة، ولا يحسن فيه معنى الكفيل؛ لأنه كان يلزم أن يجمع على «فعلا» لأنه في الأصل صفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [آية/ 111] بكسر القاف وفتح الباء:-
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في الكهف {الْعَذَابُ قُبُلًا}.
والوجه أن المراد معاينه، أي لو حشرنا عليهم كل شيء معاينة فشهدوا بنبوتك لم يؤمنوا، كأنهم من شدة عنادهم شكوا في المشاهدات التي لا شك فيها، وكذلك ما في الكهف {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي مقابله ومعاينة.
وقرأ الكوفيون {قُبُلًا} بضم القاف والباء في السورتين.
فيجوز أن يكون جمع قبيل وهو الصنف، أي لو حشرنا عليهم كل شيء صنفًا لم يؤمنوا، واجتماع جميع الأشياء ليس في العرف.
ويجوز أن يكون جمع قبيل وهو الضمين، أي وحشرنا عليهم كل شيء فكفلوا لهم بأن ما تقوله حق.
ويجوز أن يكون {قُبُلًا} بمعني قبل وهو المقابلة، فيكون مثل القراءة الأولى.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {قُبُلًا} بضم القاف في الأنعام و{قِبَلًا} بكسر القاف في الكهف.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين). [الموضح: 494]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (112) إلى الآية (113) ]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}

قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن شرف: [ولْتَصْغَى، ولَيَرْضَوْه، ولْيَقْتَرِفُوا] بجزم اللام في جميع ذلك.
قال أبو الفتح: هذه اللام هي الجارة؛ أعني: لام كي، وهو معطوفة على الغرور من قول الله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: للغرور [وَلِأَنْ تصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ]، إلا أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس؛ وذلك لأن هذا الإسكان إنما كثر عنهم في لام الأمر نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا}، وإنما أُسكنت تخفيفًا لثقل الكسرة فيها، وفرقوا بينها وبين لام كي بأن لم يسكنوها، فكأنهم إنما اختاروا
[المحتسب: 1/227]
السكون للام الأمر، والتحريك للام كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر عن أن، وهي أيضًا في جواب كان سيفعل إذا قلت: ما كان ليفعل، محذوفة مع اللام ألبتة، فلما نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها؛ لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
نعم، وقد رأيناهم إذا أسكنوا بعض الحروف أنابوه عن حركته وعاقبوا بينه وبينها، وذلك نحو: الجواري والغواشي، صارت الياء في موضع الرفع والجر معاقِبة لضمتها وكسرتها في قولك: هؤلاء الجواري ومررت بالجواري، فكأن لام كي على هذا إذا أُسكنت معاقبة لأن، وكالمعاقِبة أيضًا لكسرتها؛ فلذلك أقروها على كسرتها، ولم يجمعوا عليها منابها في أكثر الأمر عن أن وقد ابْتُزَّت حركة نفسها أيضًا.
وأيضًا فإن الأمر موضع إيجاز واستغناء، ألا تراهم قالوا: صه ومه، فأنابوهما عن الفعل المتصرف، وكذلك حاءِ وعاءِ وهاءِ). [المحتسب: 1/228]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:43 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (114) إلى الآية (117) ]
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}

قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إنه منزل من ربك [الأنعام/ 114] مشدّدة الزاي، وخفّفها الباقون، وأبو بكر عن عاصم أيضا.
حجّة التشديد: تنزيل الكتاب من الله [الجاثية/ 2]، وحجة التخفيف: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم [النحل/ 64] و: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه [النساء/ 166] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يعلمون أنه منزل من ربك بالحقّ}
قرأ ابن عامر وحفص {أنه منزل من ربك} بالتّشديد من نزل ينزل جمعا بين اللغتين لأنّه قد تقدم قوله {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} ولم يقل وهو الّذي نزل). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {منزل} قرأ ابن عامر وحفص بالتشديد، جعلاه من «نزّل»، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال: نزّل وأنزل، لكن التشديد معنى التكرير، وقرأ الباقون بالتخفيف، جعلوه من «أنزل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [آية/ 114] بتشديد الزاي:-
قرأها ابن عامر وعاصم -ص-، وقرأ الباقون {مُنَزَلٌ} بالتخفيف.
وقد سبق الكلام في مثلهما، وأن نزل وأنزل واحد، نحو فرحته وأفرحته ونجيته وأنجيته، وقد فرق بعض الناس بين أنزل ونزل بأن التنزيل لما ينزل شيئا بعد شيء، والإنزال لما يكون جملة أو تفصيلاً، ولم يرضه الحذاق من أهل العربية.
وحجة القراءة الأولى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} و{نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} ونحوهما.
وحجة الأخرى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ} و{لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ونحوهما). [الموضح: 495]

قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتمّت كلمت ربّك... (115).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو - هنا (كلمات ربّك) جماعة، وفي يونس (كلمت ربّك) في موضعين، وفي المؤمن: (حقّت كلمت ربّك)
[معاني القراءات وعللها: 1/380]
وقرأ نافع وابن عامر هذه الأربعة المواضع على الجمع، وقرأهن الباقون على التوحيد، لم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
قال أبو منصور: الكلمة تنوب عن الكلمات:، تقول العرب: قال فلان في كلمته أي: في قصيدته، والقرآن كله كلمة الله، وكلم الله، وكلام الله، وكلمات الله، وكله صحيح من كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {وتمت كلمت ربك} [115].
قرأ أهل الكوفة {كلمت} على التوحيد.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
وقرأ الباقون {كلمت} بالجمع.
فمن قرأ بالجمع لم يقف إلا على التاء، ومن قرأ بالتوحيد جاز أن يقف بالتاء والهاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التوحيد والجمع في قوله: وتمت كلمات ربك [الأنعام/ 115]، في أربعة مواضع:
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وتمت كلمات ربك جماعا، وفي يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين [33 - 96]، وفي حم* المؤمن [6] كلمة ربك*. على واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/387]
وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع الأربعة كلّها كلمات* جماعة.
وقرأهنّ عاصم وحمزة والكسائيّ بالتوحيد كلمة*، ولم يختلفوا في غير هذه المواضع الأربعة.
الكلمة والكلمات- والله أعلم- ما جاء من وعد، ووعيد، وثواب، وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له، كما قال: ما يبدل القول لدي [ق/ 29]، وقال: لا مبدل لكلماته [الكهف/ 27]. فكأنّ التقدير، وتمّت ذوات الكلمات، ولا يجوز أن يعنى بالكلمات الشرائع هنا، كما عني بقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124]، وقوله: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]، لأنه قد قال: لا مبدل لكلماته، والشرائع يجوز فيها النسخ والتبديل.
وصدقا، وعدلا مصدران ينتصبان على الحال من الكلمة، تقدير ذلك: صادقة وعادلة، وقد قدّمنا شيئا من القول فيما تقدم من هذا الكتاب.
ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وتمت كلمات ربك جماعا، وفي سورة يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين، وفي حم* المؤمن: حقت كلمة ربك على
[الحجة للقراء السبعة: 3/388]
واحد. وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع كلّها: كلمات* جماعة. وجه جميع ذلك: أنّه لما كان جمعا كان في المعنى جمعا.
ووجه الإفراد أنهم قد قالوا: الكلمة، يعنون الكثرة كقولهم: قال زهير في كلمته، يعني: قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعني: خطبته، فقد وقع المفرد على الكثرة، فلما كان كذلك أغنى عن الجمع، وممّا جاء على ذلك قوله: وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137]، فإنما هو، والله أعلم، قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض... إلى آخر الآية [القصص/ 5]. فسمي هذا القصص كلّه كلمة.
وقال مجاهد [في قوله]: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها [الفتح/ 26]، قال: لا إله إلّا الله. فإذا وقعت الكلمة على الكثرة، جاز أن يستغنى بها عن لفظ الجميع، وجاز أن يجمع على المعنى من حيث كان في المعنى جمعا.
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتوحيد، فهو على ما ذكرنا من أنّ الكلمة قد جاءت يراد بها الكثرة والجمع،
[الحجة للقراء السبعة: 3/389]
ويؤكد ذلك أمر آخر وهو أن المضاف قد يقع على الكثرة في نحو قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/390]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وتمت كلمة ربك} على التّوحيد وحجتهم إجماع الجميع على التّوحيد في قوله {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون (كلمات ربكم) على الجمع وحجتهم في ذلك أنّها مكتوبة بالتّاء فدلّ ذلك على الجمع وعلى أن الألف الّتي قبل التّاء اختصرت في المحصف وأخرى أن الكلمات جاءت بعدها بلفظ الجمع فقال {لا مبدل لكلماته} وفيها إجماع فكان الجمع في الأول أشبه بالصّواب للتوفيق بينهما إذ كانا بمعنى واحد). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {وتمت كلمة ربك} قرأه الكوفيون بالتوحيد، وجمع الباقون، وقرأ نافع وابن عامر «كلمات» بالجمع في موضعين في يونس الأول «33» والآخر في موضع في غافر «6» وقرأهن الباقون بالتوحيد.
وحجة من جمع أن معنى «الكلمات» في هذا هو ما جاء من عند الله من وعد ووعيد وثواب وعقاب، وأخبار عما كان، وعما يكون، وذلك كثير، فجمع «الكلمات» لكثرة ذلك، وقد أجمعوا على الجمع في قوله: {لا تبديل لكلمات الله} «يونس 64»، {ولا مبدل لكلمات الله} «الأنعام 34» ولا يحسن أن يراد بالكلمات، في هذه المواضع، الشرائع كما قال: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
بكلماتٍ} «البقرة 124» وقال: {وصدقت بكلمات ربها} «التحريم 12» لأن الشرائع قد تنسخ، ولا يحسن أن تُخبر عنها أنها لا تبدل، وإنما تتم ولا تتغير، فإنما المراد بالكلمات، في هذه المواضع، الأشياء التي لا يدخلها نسخ.
60- وحجة من قرأ بالتوحيد أن الواحد في مثل هذا يدل على الجمع، أجمعوا على التوحيد في قوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} «الأعراف 137» وقال تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} «الفتح 26» وهي كلمة: لا إله إلا الله، في قول أكثر المفسرين، فلما كان لفظ الواحد يدل على الجمع، وكان أخف، قرئ بالتوحيد، إذ هي على معنى قراءة من قرأ بالجمع، وهو أخف، والاختيار الجمع؛ لأنه الأصل، وبه يرتفع الإشكال وعليه أكثر القراء في الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [آية/ 115] بغير ألف:-
قرأها الكوفيون ويعقوب، وكذلك في يونس في الموضعين {كَلِمَةُ رَبِّكَ} وفي المؤمن {كَلِمَةُ} الكل على التوحيد.
والوجه أن الكلمة قد جاءت في كلامهم، ويراد بها الكثرة، فإنهم يذكرون
[الموضح: 495]
الكلمة ويريدون بها القصيدة والخطبة، يقال قال زهير في كلمته، وقال قس في كلمته، فمحصول ذلك أنه يراد بالكلمة ما يراد بالكلمات.
وقرأ نافع وابن عامر {كَلِمات} جمعًا في الأربعة الأحرف.
والوجه أن المراد ما جاء في كلامه تعالى في وعد ووعيد وثواب وعقاب فهي ضروب، فلهذا جمعت، فأراد أن لا تبديل فيها ولا تغيير.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في الأنعام {كَلِمَات} جمعًا، والباقي على التوحيد.
ولم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
أراد أن يأخذا باللفظين لما كانا في معنى واحد). [الموضح: 496]

قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله... (117)
روى نصير عن الكسائي (من يضلّ عن سبيله) بضم الياء وفتح الضاد، وقرأ الباقون، (من يضلّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (من يضلّ عن سبيله) فموضع (من) رفع بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام، المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله.
وهو مثل قوله: (لنعلم أيّ الحزبين أحصى).
ومن قرأ (من يضلّ عن سبيله) فهو بهذا المعنى أيضًا، إلا أن الفعل خرج مخرج ما لم يسم فاعله، يقال: ضل فلان يضل ضلالاً، وأضله الله، أي: لم يهده). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِه] بضم الياء.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن تكون [مَنْ] في موضع جر بإضافة "أعلم" إليها، لا فيمن ضم ياء يُضل، ولا فيمن فتحها؛ من حيث كانت "أعلم" أفعل، وأفعل هذه متى أضيفت إلى شيء فهو بعضه، كقولنا: زيد أفضل عشيرته؛ لأنه واحد منهم، ولا نقول: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، لا نقول أيضًا: النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني تميم على هذا؛ لأنه ليس منهم؛ لكن تقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني هاشم؛ لأنه منهم، والله يتعالى علوًّا عظيمًا أن يكون بعضَ المضلين أو بعض الضالين.
فأما قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فليس من هذا؛ إنما تأويل ذلك -والله أعلم- وجده ضالًّا، كقوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، وذلك مشروح في موضعه، فقوله أيضًا: [أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ] أي: يُجيرُه عن الحق ويصد عنه.
[المحتسب: 1/228]
كما أن قراءة مَن قرأ: [أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ]: مَنْ يجور عنه، ألا ترى إلى قوله قبل ذلك: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فلا محالة أنه -سبحانه- أراد بمن يضل عن سبيله، فحذف الباء وأوصل "أعلم" هذه بنفسها، أو أضمر فعلًا واصلًا تدل هذه الظاهرة عليه، حتى كأنه قال: يعلم، أو علم مَن يُضِلُّ عن سبيله. يؤكد ذلك ظهور الباء بعده معه في قوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقوله بعده: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} .
وقد يجوز أن تكون [مَنْ] هذه مرفوعة بالابتداء، و[يُضل] بعدها خبر عنها، و"أعلم" هذه معلقة عن الجملة، حتى كأنه قال: إن ربك هو أعلم أيُّهم يُضِلُّ عن سبيله، كقوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}.
فأما الجر فمدفوع من حيث ذكرنا، وإذا كان ذلك كذلك علمت أن "مَن" في قول الطائي:
غدوتُ بهم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا ... وأكثَرَ مَنْ ورَائِي ماءَ وادِي
لا يجوز أن تكون "مَنْ" في موضع جر بإضافة أكثر إليه؛ إذ ليس واحدًا ممن وراءه، فهو إذن منصوب الموضع لا محالة بأكثر أو بما دل عليه أكثر؛ أي كَثَرتُهم: كنتُ أكثرَهم ماء واد.
ولا يجوز فيه الرفع الذي جاز مع العلم؛ لأن كثرت ليس من الأفعال التي يجوز تعليقها؛ إنما تلك ما كان من الأفعال داخلًا على المبتدأ وخبره، وأظنني قد ذكرت نحو هذا في صدر هذا الكتاب). [المحتسب: 1/229]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:47 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (118) إلى الآية (121) ]

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}


قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب (فصّل لكم ما حرّم عليكم) مفتوحتين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (وقد فصّل لكم) بفتح الفاء (ما حرّم عليكم) بضم الحاء.
قال أبو منصور: من قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فمعناه بالفتح: قد فصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميّز وبيّن.
وموضع (ما) نصب.
ومن قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحرّم). [معاني القراءات وعللها: 1/382]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ليضلّون)، وفي يونس (ليضلّون عن سبيلك)، وفي إبراهيم (أندادًا ليضلّوا)، وفي الحج (ثاني عطفه ليضلّ) فتح الياء.
وفي لقمان (ليضلّ عن سبيل اللّه)، وفي الزمر (ليضلّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/382]
وابن عامر ها هنا، وفي يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء، وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي.
وضمّهن الكوفيون كلهن.
قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فمعناه: الذي يضل بنفسه.
ومن قرأ (يضل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يضل الناس عن القرى، ويقال: ضللت الطريق أضله، وضللته أضله، وضل فلان الشيء يضله إذا جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلّ الشيء إذا ضيعه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [119].
قرأ نافع وحفص عن عاصم بفتح الفاء والحاء.
وقرأها أهل الكوفة {فصل} بالفتح و{حرم} بالضم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالضم جميعًا.
فمن فتح جعل الفعل لله، وقد تقدم اسمه جل ذكره قبل الآية. ومن ضم لم يُسم الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {وإن كثيرًا ليضلون} [119].
قرأ أهل الكوفة بالضم.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن فتح الياء جعل الفعل لهم، وشاهده قوله تعالى: {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا}.
ومن ضم الياء فتقديره: ليضلون غيرهم، وكأنه أبلغ؛ لأن كل من أضل غيره وكذب غيره فقد كذب هو وضل. والدليل على ذلك اتفاق القراء على قوله: {ليضل الناس} [144] لأنه قد أضل غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل: وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. مرفوعتان جميعا.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم بنصبهما جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء.
حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] فصل* قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا على حرمت.. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد حرم عليكم على ما فصّل، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله: حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي أنزل إليكم الكتاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/390]
مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على فصّل.
وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/ 151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150].
ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى.
ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا الآيات.
ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو تفصيل المحرّم في قوله: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم الآية... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه [الأنعام/ 119]. إلّا ما أباحه عند الضرورة من الميتة وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر
[الحجة للقراء السبعة: 3/391]
في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم [المائدة/ 3] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/392]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها في قوله [جلّ وعزّ]: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]: أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه المواضع الستة.
وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين الموضعين يضمان الياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء.
قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما ضلّ عنك فذهب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/392]
وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت ضلالة.
وقال أبو عبيدة في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛ فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه.
وقال أبو عبيدة في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/ 282] أي: تنسى، يقال: ضللت أي: نسيت قال: فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت وجه الأمر.
وقال أبو الحسن في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير أبي الحسن (كتاب) المتقدم ذكره، وكان الأصل: لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى بعن، يدلّك على ذلك قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن، وصل الفعل إلى المفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/393]
قال أبو علي: يقال: ضلّ زيد عن قصد الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله: فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/ 39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264] أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط.
وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا [غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله: فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا: إنما هو فعّلنا من زال يزيل.
وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [الروم/ 14].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/394]
من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛ نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل الجاهلية.
وأما قراءتهما في سورة يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك، فالذي قاله أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا [يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم [يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27].
فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]. أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى، لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/395]
وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن لذلك.
وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي: يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه، ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو لديه فيه بيان. ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم على ذلك حجّة ولا بيانا.
وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث: أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن عليّة عن ليث عن مجاهد.
وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد تقدم القول فيه.
قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/396]
على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب، ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه نفسه لا يتعداه إلى سواه، والمضلّ أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا [الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن في قصّتهم وأضلهم السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير سائغ فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير.
فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/397]
[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم وحمزة والكسائي). [الحجة للقراء السبعة: 3/398]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عطية العَوْفِي: [وقدْ فَصَلَ لكم] خفيفة.
قال أبو الفتح: هو من قولك: قد فَصَلَ إليكم وخرج نحوكم). [المحتسب: 1/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم}
قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائيّ {وقد فصل}
[حجة القراءات: 268]
بفتح الفاء والصّاد وحجتهم ظهور اسم الله في قوله {وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} فلمّا قرب اسم الله من الفعل قرؤوا فصل لقرب اسمه منه فكان معناه وقد فصل الله لكم ثمّ قرؤوا {ما حرم} بترك تسمية الفاعل بدلالة ما جاء في القرآن من التّحريم بترك تسمية الفاعل في قوله {حرمت عليكم الميتة والدّم} و{وحرم عليكم صيد البر} جرى الكلام فيها بترك تسمية الفاعل فأجروا ما اختلفوا فيه من ذلك بلفظ ما اتّفقوا عليه وأخرى أن الكلام أتى عقيبه بترك تسمية الفاعل وهو قوله {إلّا ما اضطررتم إليه} فألحق قول {حرم} ليكون لفظا المستثنى والمستثنى منه متفقين
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {وقد فصل} بضم الفاء {ما حرم} بضم الحاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير} وهذه أحسن أعنى {فصل} و{حرم} ليأتلف اللفظان على نظام واحد إذ كان المفصل هو المحرم ولا ضرورة تدعو إلى المخالفة بين اللّفظين
وقرأ نافع وحفص {فصل} بفتح الفاء و{حرم} بالفتح أي بين الله لكم ما حرمه عليكم
قرأ عاصم حمزة والكسائيّ {وإن كثيرا ليضلون} بضم الياء وحجتهم في وصفهم بالإضلال أن الّذين أخبر الله عنهم بذلك قد ثبت لهم أنهم ضالون بما تقدم من وصفه جلّ وعز إيّاهم بالكفر به قبل أن يصفهم بالإضلال فلا معنى إذا لوصفهم بالضلال وقد تقدم أنهم
[حجة القراءات: 269]
ضالون فكان وصفهم بأنّهم يضلون النّاس يأتي بفائدة غير ما تقدم من وصفهم في الكلام الأول فهم الآن ضالون بشركهم ويضلون غيرهم بما جاؤوا به
جاء في التّفسير أنّها نزلت في قوم من المشركين قالوا للمسلمين تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله قالوا فإذا قرئ {ليضلون} بفتح الياء لم يكن في الكلام فائدة غير أنهم ضالون فقط وقد علم ضلالتهم بما تقدم من وصفهم فكأنّه كرر كلامين ومعناه واحد
وقرأ أهل الحجاز والشّام والبصرة {ليضلون} أي ليضلون هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقوله {وأولئك هم الضالون} وصفهم بالضلال لا بالإضلال). [حجة القراءات: 270]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {وقد فصَّل لكم ما حرم عليكم} قرأه نافع والكوفيون «فصل» بالفتح، وضم الباقون، وكسروا الصاد، وقرأ نافع وحفص «حرم» بالفتح، فمن فتح أضاف الفعلين لله جل ذكره، لتقدم ذكره في قوله: {مما ذكر اسم الله عليه}، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {قد فصلنا الآيات} «الأنعام 97» و{ما حرم ربكم عليكم} «الأنعام 151» و{أن الله حرم هذا} «الأنعام 150» فحمل الفعلان على نظام واحد، لأن المفضل هو المحرم في المعنى، وقرأ البانون بضم الحاء والفاء، وكسر الراء والصاد، بنوا الفعلين على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
ما لم يسم فاعله، كما قال: {حُرمت عليكم الميتة} «المائدة 3» وقال: {أنزل إليكم الكتاب مفصلا} «الأنعام 114» فهو من «فصل»، ولما ضم الأول ضم الثاني، لأنه هو في المعنى، فأما من ضم «حرم» وفتح «فصل» فإنه بنى «فصل» للفاعل، ففتحه لتقدم ذكره، ولقوله: {قد فصلنا الآيات} وحمل «حرم» على قوله {حرمت عليكم الميتة} فضمه، والاختيار فتح الأول والثاني، لأن الجماعة عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وإن كثيرًا ليضلون} قرأ الكوفيون «ليضلون» هنا، و{ربنا ليضلوا عن سبيلك} في «يونس 88» بضم الياء «ليضلوا»، وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في إبراهيم وفي الحج وفي لقمان وفي الزمر، وقرأهن الباقون بالضم.
وحجة من فتح في جميعها أنه جعله فعلًا ثلاثيًا غير متعدّ، يقال: ضل فلان يضل في نفسه، لا يدل على إضلاله غيره، فلا يتعدى ألبتة، لأنه ثلاثي.
64- وحجة من ضم الياء أنه جعله فعلًا رباعيًا، متعديًا إلى مفعول محذوف، والمعنى: ليضلون الناس، فهو أبلغ في ذمهم لأنهم لا يضلون الناس إلا وهم ضالون في أنفسهم، وليس إذا ضلوا في أنفسهم يضلون أحدًا بذلك الضلال، فالضم يتضمن معناه ومعنى الفتح، فهو أبلغ، ولا يتضمن الفتح معنى الضم، والضم أقوى وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} [آية/ 119] بضم الفاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
والوجه أن الفعل وإن كان مسندًا إلى المفعول به، فإنه معلوم أن الذي
[الموضح: 496]
فصله هو الله تعالى، والمعنى: بين لكم المحرم عليكم، وهو المذكور في قوله سبحانه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فكما أن المذكور هناك على ما لم يسم فاعله، كذلك هذا، لأن هذا إشارة إلى ذاك، وهذا المحرم هو ذاك المفصل قد أجمل في هذه الآية ذكره.
وقرأ الباقون {فَصَّل} بالفتح.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الله تعالى في قوله {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ} فينبغي أن يكون الفعل مبنيًا للفاعل، لتقدم ذكر اسم الله تعالى). [الموضح: 497]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [آية/ 119] بفتح الحاء:-
قرأها نافع و-ص- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الذي حرم المحرمات هو الله تعالى، فإذا جاء على إسناد الفعل إليه فلا كلام فيه، ثم إن ذكره تعالى قد تقدم كما بيناه، وقد وافق أيضا لفظ {فَصَّلَ} عند من قرأ بالفتح، ويؤيده قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
وقرأ الباقون {حُرَّمَ} بضم الحاء.
[الموضح: 497]
والوجه أنه إشارة إلى قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...} وهذا المحرم هو مجمل ذاك التفصيل، وكلاهما على ما لم يسم فاعله). [الموضح: 498]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} [آية/ 119] بضم الياء:-
قرأها الكوفيون، وكذلك في يونس {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا} وفي إبراهيم {أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} وفي الحج ولقمان والزمر {لِيُضِلَّ} بضم الياء في الأحرف الستة.
والوجه أن المراد: وإن كثيرا منهم ليضلون أشياعهم وأتباعهم، فحذف المفعول به، وكذلك في سائر المواضع على حذف المفعول به، والإضلال أكثر استحقاقًا للذم من الضلال؛ لأن لا يضل غيره إلا وهو ضال، ثم إن المضل يتحمل إثمه وإثم من أضله، كما قال تعالى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في الستة الأحرف.
والمعنى في هذا الموضع: أنهم يضلون في أنفسهم باتباع أهوائهم من غير أن يضلوا غيرهم، وضلالهم إنما هو بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه
[الموضح: 498]
وغير ذلك مما يأخذون به مما لا يوجبه شرع ولا عقل نحو السائبة والبحيرة وغير ذلك.
وأما {لِيُضِلُّوا} في يونس بفتح الياء، فمعناه إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا، واللام لام العاقبة، ولم يؤتهم الله الزينة والأموال ليضلوا، ولكن لما كانت عاقبهم الضلال صاروا كأنهم أوتوا ذلك ليضلوا، والمعنى آتيت فرعون، وملأه زينة وأموالا فضلوا.
وأما فتح الياء من قوله في إبراهيم {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} فاللام أيضا لام العاقبة، فإنهم لم يجعلوا لله أندادا للضلال، ولكن آلت عاقبتهم إلى الضلال باتخاذهم الأنداد، فكأنهم اتخذوها للضلال، وقيل اللام لام كي، والمعنى: جعلوا لله الأنداد عن علم منهم بأنه ضلال، فقد فعلوا ذلك ليضلوا.
[الموضح: 499]
وأما في الحج ولقمان {لِيَضِلِّ} بفتح الياء، فيجوز أن يحمل على أن اللام لام العاقبة كما ذكرنا، وقيل معناه: ليذهب عن سبيل الله لا أن له على ذلك حجة وبيانًا.
وأما ما في الزمر فهو كما في يونس.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب -ح- بالفتح في الأنعام ويونس، وبالضم في الباقي، و-يس- عن يعقوب {لِيُضِلِّ} بالضم في لقمان، والباقي بالفتح.
قد تقدم من القول في الوجهين ما فيه كفاية). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:48 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (122) إلى الآية (124) ]
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أومن كان ميتًا فأحييناه... (122).
قرأ نافع والحضرمي (أومن كان ميّتًا) مشددًا، وخفف الباقون.
قال أبو منصور: المعنى في الميت والميّت واحد، وأراد بالميّت والميت: الكافر الضّال، وقوله: (فأحييناه) معناه: فهديناه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- وقوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه} [122].
قرأ نافع وحده {ميتا} بالتشديد، والأصل ميوت على (فيعل) عند
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
البصريين. فقلبوا من الواو ياءً وأدغموا الياء في الياء.
وقرأ الباقون {ميتًا} بالتخفيف خفف من ثقل كراهية التشديد، يقال: هين لين وهين لين. والميت هاهنا -: الكافر فأحييناه بالإيمان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع وحده أو من كان ميتا مشدّدة. [الأنعام/ 122].
وقرأ الباقون: ميتا بالتخفيف.
أبو عبيدة الميتة* مخففة، وهو تخفيف: ميّتة، بالتشديد ومعناهما واحد ثقّل أو خفّف قال ابن الرّعلاء الغساني:
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله، قليل الرّجاء
وقد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [النحل/ 21]، وكذلك قوله:
أومن كان ميتا فأحييناه أي: صادفناه حيّا بالإسلام من بعد الكفر، كالكافر المصرّ على كفره!؟.
[الحجة للقراء السبعة: 3/398]
فأما قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [الأنعام/ 122]، فيحتمل أمرين: أحدهما أن يراد به النور المذكور في قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد/ 12]، وقوله يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13]، ويجوز أن يراد بالنور: الحكمة التي يؤتاها المسلم بإسلامه، لأنه إذا جعل الكافر لكفره في الظلمات، فالمؤمن بخلافه.
والتخفيف مثل التشديد، والمحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو، وأعلّت بالحذف كما أعلّت بالقلب). [الحجة للقراء السبعة: 3/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو من كان ميتا فأحييناه}
قرأ نافع {أو من كان ميتا} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وقد ذكره فيما تقدم). [حجة القراءات: 270]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا} [آية/ 122] بالتشديد:-
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأنه فيعل من الموت، وأصله: ميوت، فاجتمع الياء والواو، وسبق إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فبقي ميت، وهو مثل سيد وهين.
وقرأ الباقون {مَيْتًا} بالتخفيف، وهو مخفف من المشد، وتخفيفه أن تحذف الياء الأخيرة المنقلبة عن الواو، أعلوها بالحذف كما أعلوها بالقلب، والمخفف والمشدد سواء في المعنى، وقد مضى مثله). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته}
قرأ ابن كثير وحفص {الله أعلم حيث يجعل رسالته} على واحد
وقرأ الباقون على الجمع وحجتهم أن الله جلّ وعز ذكر الرّسل
[حجة القراءات: 270]
قبله فقال {حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} وما بعده يجب أن يكون الجمع ليأتلف اللّفظ والمعنى ومن قرأ بالتّوحيد اجتزأ بالواحد عن الجميع). [حجة القراءات: 271]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (65- قوله: {رسالته} قرأ ابن كثير وحفص بالتوحيد، وفتح التاء؛ لأنه مفعول به، وقرأ الباقون بالجمع، وكسر التاء، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
المائدة، والاختيار الجمع؛ لأن عليه أكثر القراء، ولأنه أدل على المعنى، لكثرة رسائل الله جل ذكره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [آية/ 124] على الوحدة:-
قرأها ابن كثير و-ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {رِسَالاتِهِ} على الجمع.
والمعنى فيهما واحد، وقد سبق مثله). [الموضح: 501]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة