العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:37 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (87) إلى الآية (88) ]


{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ (بروح القدس)
قرأ ابن كثير وحده، (بروح القدس) ساكنة الدال في جميع القرآن.
وقرأ الباقون: (القدس) مثقلا حيث وقع.
قال أبو منصور: والقدس: الطهارة، وقيل: البركة.
وفيه لغتان:
قدس وقدس، والتخفيف والتثقيل جائزان، وأنشدني أعرابي:
لا نوم حتى تهبطي أرض القدس
وتشربي من خير ماءٍ بقدس
فثقّل كما ترى). [معاني القراءات وعللها: 1/164]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله: بروح القدس.
فقرأ ابن كثير وحده: وأيّدناه بروح القدس [البقرة/ 87، 253] مسكّنة الدّال وكذلك في جميع القرآن.
وقرأ الباقون: القدس مضمومة القاف والدّال.
[قال أبو عليّ]: قوله: وأيّدناه بروح القدس أيّدناه: فعّلناه، من الأيد والآد، وهو القوة، ومثل الأيد والآد في
[الحجة للقراء السبعة: 2/148]
بنائهما على فعل وفعل: العيب والعاب، والذّيم والذام، وجاء في أكثر الاستعمال على فعّلناه لتصحّ العين الثانية لسكون الأولى، وعلى هذا قوله: إذ أيّدتك بروح القدس [المائدة/ 110] ومن قال آيدناه صحّح العين، لأنه إذا صحّت في مثل: أجود، وأطيب، لزم تصحيحها في آيدناه لما كان يلزم من توالي الإعلالين. فمن التصحيح قوله:
ناو كرأس الفدن المؤيد ونظير هذا في كراهتهم توالي الإعلالين، ورفضهم ما يؤدي إليه قولهم: يودّ وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة [الأنفال/ 7] فبنوا الماضي على فعل، ليلزمه في المضارعة يفعل. ولو كان الماضي فعل لكان المضارع مثل: يعد. فيلزم اجتماع إعلالين.
فأمّا روح القدس، فقال قتادة والسّدّيّ، والرّبيع والضّحّاك في روح القدس أنّه جبريل- وقال بعض المفسرين:
روح القدس: الإنجيل، أيّد الله عيسى به روحا، كما جعل القرآن روحا في قوله: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/149]
[الشورى/ 52] والقدس والقدس التخفيف والتّثقيل فيه حسنان... وكذلك ما كان مثله نحو: العنق والعنق والطنب والطنب. والحلم والحلم.
وحكى أبو الحسن عن عيسى اطّراد الأمرين فيهما. ومما يدلّ على حسن التثقيل جمعهم ما كان على فعلة على فعلات.
نحو غرفة وغرفات- وركبة وركبات وهذا الأكثر في الاستعمال.
ومنهم من كره الضمّتين- فأسكن العين أو أبدل منها الفتحة نحو: ركبات. وكذلك من أسكن العين منه، والضمّ أكثر كما كان ظلمات أكثر. وأسكن أبو عمرو خطوات وحرّك القدس لأن الحركات في الجمع أكثر منها في الفعل، فأسكن لتوالي الحركات واجتماع الأمثال، ولا يلزمه على هذا الإسكان في الظلمات.
وأما القدس في اللغة فإن أبا عبيدة وغيره قالوا في قوله: ونقدّس لك [البقرة/ 30] التّقديس: التطهير. وقال غيره: إن ابن عباس كان يقول: المقدس: الطاهر، وقال الرّاجز:
الحمد لله العليّ القادس قال: وقالوا: قدّس عليه الأنبياء، أي: برّكوا.
وقال رؤبة:
دعوت ربّ القوّة القدّوسا
[الحجة للقراء السبعة: 2/150]
قال: والمقدّس: المعظّم. وقال: قدّس عليه، أي:
برّك.
قال أبو عليّ: فكأنّ معنى نقدّس لك. ننزّهك عن السوء. فلا ننسبه إليك. ولا ما لا يليق بالعدل. وهذا الوصف في المعنى كقول أمية:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذّموم
قال أبو عمر: سألت أبا مالك عن قوله: ما تغنّثك.
قال لا تعلّق بك. فاللام فيها على حدها في قوله:
ردف لكم [النمل/ 72] ألا ترى أن المعنى تعظيمه وتنزيهه.
وليس المعنى أنه ينزّه شيء من أجله. ومثل ذلك في المعنى قولهم: سبحان الله، إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى، فلم يصرف في قوله:
سبحان من علقمة الفاخر
[الحجة للقراء السبعة: 2/151]
وروح القدس: جبريل كأنّه منسوب إلى الطّهارة، وذلك أنّه ممّن لا يقترف ذنبا، ولا يأتي مأثما، كما قد يكون ذلك من غيره.
وقولنا في صفة الله تعالى: القدّوس: أي: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل.
فأمّا قولهم: بيت المقدس وقول الراجز:
الحمد لله العليّ القادس فيدلّ على أنّ الفعل قد استعمل من التقديس بحذف الزيادة، أو قدّر ذلك التقدير. فإذا كان كذلك لم يخل المقدس من أن يكون مصدرا أو مكانا. فإن كان مصدرا كان كقوله:
إليّ مرجعكم [لقمان/ 15] ونحوه من المصادر التي جاءت على هذا المثال. وإن كان مكانا فالمعنى فيه: بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة، وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاء: أن طهّرا بيتي للطّائفين [البقرة/ 125] وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، وكما جاء: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30] كذلك وصف بخلاف الرّجس إذا أخلي منها، ومما لا يليق بمواضع النّسك، وإن قدّرت «المقدس» المكان لا المصدر كان المعنى: بيت مكان الطّهارة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/152]
فأمّا ما حكاه قطرب: من أنّهم يقولون قدّس عليه الأنبياء. أي: برّكوا عليه فليس يخلو هذا المقدّس عليه من أن يكون موضع منسك، أو يكون إنسانا. فإن كان موضع نسك، فهو كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم ربّ اجعل هذا البلد آمناً [إبراهيم/ 35]، فكذلك يجوز أن يكون تبريك الأنبياء دعاء منهم له بالتّطهير. وإن كان إنسيّا فهو كقوله:
واجعله ربّ رضيًّا [مريم/ 6] وكما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من دعائه للحسن والحسين، وهذا يؤول إلى ذلك المعنى، وكذلك من قال: المقدّس: المعظّم، إنما هو تفسير على المعنى، وكثيرا ما يفعل المفسّرون من غير أهل اللغة، ذلك لمّا رأوا ذلك لا يفعلون إلا بشيء يراد تعظيمه وتبرئته من غير الطّهارة. فسّروه بالمعظّم على هذا المعنى. والأصل: كأنّه التطهير الذي فسّره أبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 2/153] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن أبي عمرو [وَآيَدْنَاه].
قال ابن مجاهد -على ما علمناه: ممدوة الألف خفيفة الياء. وقد رُوى عن مجاهد في قوله: {إِذْ أَيَّدْتُك} آيدتك، قال ابن مجاهد: على فاعلتك.
قال أبو الفتح: هذا الذي توهمه ابن مجاهد، وأن آيدتك فاعلتك لا وجه له، وإنما آيدتك أفعلتك من الأَيْد؛ وهو القوة.
وقال أبو علي: إنما كثر فيه أيَّدتك فعَّلتك؛ لما يعرض في آيدتُك من تصحيح العين مخافة توالي إعلالين في آيدتك. وأنشدنا قوله:
يُنْبي تجاليدي وأَقتادَها ... ناوٍ كرأس الفدَنِ الْمُويَد
[المحتسب: 1/95]
فهذا من آيدته؛ أي: قويته؛ لأنه مُفعَل كمُكْرَم ومُقتَل ومُؤدَم، ولو كان آيدتك -كما ظن ابن مجاهد فاعلتك- لكان اسم المفعول منه مُؤايَد كمقاتَل ومضارَب؛ ولكن قراءة من قرأ: [آتَيْنَا بِهَا] فاعلنا، ولو كان أفعلنا لما احتاج إلى حرف الجر؛ لأنه إنما يقال: أتيت زيدًا بكذا وآتيته؛ كقولك: أعطيته كذا، فكذاك لو كان آتينا أفعلنا لكان آتيناها كقولك: أعطيناها، أنت لا تقول: آتيته بكذا، كما لا تقول: أعطيته بكذا، فقوله في تلك القراءة: [آتيناها] كقولك: حاضرنا بها، وشاهدنا بها، وهذا واضح.
ومعنى قول أبي علي: لو جاء آيدتك على ما يجب في مثله من إعلال عين أفعلت إذا كانت حرف علة فأقمت زيدًا وأشرته وأبعته -أي: عرضته للبيع- لتتابع فيه إعلالان؛ لأن أصل آيدت: أَأْيدت، كما أن أصل آمن: أَأْمن، فانقلبت الهمزة الثانية ألفًا لاجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، والأولى منهما مفتوحة والثانية ساكنة، فهي كآمن وآلف، وفي الأسماء نحو: آدم وآدر.
فكان يجب أيضًا أن تلقى حركة العين على الفاء وتحذف العين، فكان يجب على هذا أن تقلب الفاء هنا واوًا؛ لأنها قد تحركت وانفتح ما قبلها، ولَا بُدَّ من بدلها لوقوع الهمزة الأولى قبلها، كما قلبت في تكسير آدم أوادم، فكان يلزم على هذا أن تقول: أَوَدتُه كأَقَمْتُه وأدرته، فتحذف العين كما ترى، وتقلب الفاء التي هي في الأصل همزة واوًا فتعتل الفاء والعين جميعًا، وإذا أدى القياس إلى هذا رُفض، وكثر فيه فعَّلْتُ أيدت ليؤمن ذانك الاعتلالان، فلما استُعمل شيء منه جاء قليلا شاذًّا؛ أعني: آيدت.
وإذا كانوا قد أخرجوا عين أفعلت، وهي حرف علة على الصحة نحو قوله:
صددت فأَطولتِ الصدود
وقولهم: أغيلت المرأة، وأغيمت السماء، وأَخْوصَ الرِّمثُ، وأعوز القوم،
[المحتسب: 1/96]
وأليث الشجر، وأسوأَ الرجل. ولو خرج على منهج إعلال مثله لم يُخَفْ فيه توالي إعلالين كان خروج آيدت على الصحة لما كان يعقب إعلال عينه من اجتماع إعلالها مع إعلال الفاء قبلها أولى وأجدر؛ فقد ثبت أن قراءة مجاهد: [إذ آيدتك] إنما هو أفعلتك لا فاعلتك، كما ظن ابن مجاهد). [المحتسب: 1/97]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس}
قرأ ابن كثير {وأيدناه بروح القدس} بإسكان الدّال في جميع القرآن كأنّه استثقل الضمتين وحجته قول الشّاعر
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء
[حجة القراءات: 105]
وقرأ الباقون بضم الدّال وهو الأصل). [حجة القراءات: 106]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (54- قوله: {القدس} هذا الكلام وقع بعد قصة «يعملون» قرأه ابن كثير بالإسكان حيث وقع على الاستخفاف لتوالي ضمتين، وهي لغة، تقول العرب، الحُلْم والحُلُم، والطُنْب والطُنُب، والقُدْس والقُدُس، وقرأه الباقون بالضم على الأصل، وهو الاختيار؛ لإجماع القراء عليه، ولقلة حروف الكلمة وخفتها، وبذلك قرأ الحسن ومجاهد وابن أبي إسحاق ويحيى وطلحة والأعمش، وهو اختيار أبي حاتم وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/253]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- (الْقُدْسِ) [آية/ 87]:-
ساكنة الدال، قرأها ابن كثير وحده في جميع القرآن.
[الموضح: 289]
ووجهه أن القدس والقدس لغتان، وهو الطهارة، والقدس بإسكان الدال مخففة من القدس بضم الدال.
وقرأ الباقون {القُدُسِ} مضمومة الدال، وقد ذكرنا أن التخفيف والتثقيل في هذه الكلمة لغتان، والتثقيل هو الأصل، فأجراها هؤلاء على الأصل). [الموضح: 290]

قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ (قلوبنا غلفٌ)
قرأ أبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه (غلفٌ) بضم اللام.
وأسكنها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (غلفٌ) فهو جمع غلاف، المعنى: قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك (قالها اليهود).
ومن قرأ (غلفٌ) بسكون اللام فهو جمع أغلف وغلفا، المعنى: قلوبنا في أوعية، كما قال آخرون: (قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه)، وهذا أعجب إليّ أن يقرأ به الشاهد الذي ذكرت من الكتاب، مع أن غلف إذا كان جمع غلاف جاز تسكين اللام معه، كما يقال: مثالٌ ومثلٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: وكلّهم قرأ (غلف) مخففة [البقرة/ 88].
وروى أحمد بن موسى اللؤلؤيّ، عن أبي عمرو أنه
[الحجة للقراء السبعة: 2/153]
قرأ: غلفٌ بضم اللام والمعروف عنه التخفيف.
قال أبو علي: ما يدرك به المعلومات من الحواسّ وغيرها من الأعضاء إذا ذكر بأنّه لا يعلم به، وصف بأنّ عليه مانعا من ذلك، ودونه حائلا. فمن ذلك قوله: أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها [محمد/ 24] كأنّ القفل لما كان حاجزا من المقفل عليه، وحائلا من أن يدخله ما يدخل إذا لم يكن مقفلا، جعل مثلا للقلوب في أنّها لا تعي ولا تفقه. وكذلك قوله: لقالوا إنّما سكّرت أبصارنا [الحجر/ 15] أي: قد حارت وحسرت، فلا تدرك ما تدركه على حقيقة. فكأنّ شدة عنادهم يحملهم على الشكّ في المشاهدات. وكذلك قوله:
الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري [الكهف/ 101] فهذا كقوله: بل هم منها عمون [النمل/ 66] وكقوله: صمٌّ بكمٌ عميٌ [البقرة/ 18] لأن العين إذا كانت في غطاء لم ينفذ شعاعها، فلم يقع بها إدراك، كما أن الثّقل إذا كان في الأذن لم يسمع بها. فقوله: وفي آذاننا وقرٌ [فصلت/ 5] المعنى فيه: أنها لا تسمع للوقر فيها، كما لا تبصر العين في الغطاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/154]
فقوله: وقالوا قلوبنا غلفٌ [البقرة/ 88] فيمن أسكن اللام التي هي عين جمع أغلف، كما أن حمرا جمع أحمر.
فإذا كان جمع أفعل لم يجز تثقيله إلا في الشّعر.
قال أبو عبيدة: كلّ شيء في غلاف فهو أغلف. قالوا:
سيف أغلف وقوس غلفاء ورجل أغلف: لم يختن.
فقوله: (أغلف): إذا كان في غلاف في المعنى، كقوله:
وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ [فصلت/ 5] كأنها إذا كانت في أكنّة لم ينتفع بها فيما [ينتفع فيه] بالقلب. كما أن العين إذا كانت عليها غشاوة أو كانت في غطاء، لم تبصر. فإذا كان كذلك، كان الوجه الإسكان في اللام التي هي عين، كما اتفقوا عليه، إلا ما رواه اللّؤلؤيّ عن أبي عمرو من تحريك العين.
ومجازه على وجهين: أحدهما أن يكون قوله: قلوبنا غلفٌ أي ذوات غلف فيكون في المعنى كقوله: غلفٌ، وأنت تريد به جمع أغلف. لأنها إذا كانت ذوات غلفٌ فهي في المعنى غلفٌ فتكون كلتا القراءتين تؤول إلى معنى واحد، إلا أن الإسكان أولى، لأن الكلام يحمل على ظاهره من غير حذف مضاف إليه فيه.
والوجه الآخر ما روي عن ابن عباس: من أنّهم قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم ما أتيت به ممّا تدعونا إليه» أو نحو ذلك- فغلف في المعنى مثل الأوعية،
[الحجة للقراء السبعة: 2/155]
ألا ترى أنّ وعاء الشيء غلاف له). [الحجة للقراء السبعة: 2/156]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:38 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (89) إلى الآية (91) ]


{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}

قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن ينزّل اللّه من فضله)
قرأ ابن كثير:، ينزل، و(منزلها) و، منزلٌ من ربّك) و(منزلين) و(نزل به) ونحو هذا من الفعل الذي أوله ياء أو نون
[معاني القراءات وعللها: 1/165]
أو ميم كالتخفيف في كل القرآن، إلا في ثلاثة مواضع فإنه يشددهن، قوله في الحجر: (وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ)، وقوله في بني إسرائيل: (وننزل من القرآن) وقوله: (حتّى ينزل علينا كتابًا نقرأه).
وقرأ أبو عمرو بالتخفيف أيضًا إلا حرفين قوله في الأنعام: (قادرٌ على أن ينزّل آيةً) وفي الحجر: (وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ).
وقرأ نافع وعاصم بتشديد كل ما في أوله ياء وتاء أو نون، إلا قوله: (نزل به الروح الأمين) و(وما نزل من الحقّ) فإن نافعا وحفصا خففاهما، وقد شددهما أبو بكر.
وخفف نافع ما أوله ميم، إلا قول: (إنّي منزّلها عليكم) فإنهما شددا.
وزاد حفصٌ على أبي بكر: (أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ)، في الأنعام فشدد.
وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كله.
[معاني القراءات وعللها: 1/166]
وقرأ حمزة والكسائي بتشديد ما أوله تاء أو نون أو ياء في جميع القرآن إلا في حرفين:
أحدهما في لقمان: (وينزل الغيث)، والآخر في: عسق: (وهو الّذي ينزل الغيث) خففا هذين الحرفين، وخففا ما في أوله ميم حيث وقع في القرآن.
قال أبو منصور: العرب تقول: نزّلت القوم منازلهم، وأنزلتهم منازلهم بمعنى واحد.
ومنهم من يستعمل التشديد فيما يتكرر ويكثر العمل فيه، ويخفف فيما لا يكثر ولا يتكرر). [معاني القراءات وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الزاي من ينزّل [البقرة/ 90] وتخفيفها.
فقرأ نافع ينزّل مشدّدة الزاي إذا كان فعلا في أوله ياء أو تاء أو نون. فإذا كان في أول الفعل ميم لم يستمرّ فيه على وجه واحد، فكان يشدّد حرفا واحدا في «المائدة»: إنّي منزّلها عليكم [الآية/ 115] ويخفّف ما سواه، فإذا كان ماضيا ليس في أوّله ألف، وكان فعل ذكر خفّف الزاي مثل قوله: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] ومثل قوله: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] ويشدّد سائر القرآن.
وكان ابن كثير يخفّف الفعل الذي في أوله ياء أو تاء أو نون في كلّ القرآن، إلا في ثلاثة مواضع: في الحجر: وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ [الآية/ 21] وفي بني إسرائيل: وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ [الآية/ 82] وفيها أيضا: حتّى تنزّل علينا كتاباً نقرؤه [الآية/ 93] ولا يخفف: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] ويخفّف منزّلها [المائدة/ 115] وينزّل [البقرة/ 90] ومنزلون [العنكبوت/ 34] ومنزلين [آل عمران/ 124]. ويخفّف: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193].
[الحجة للقراء السبعة: 2/156]
وقرأ أبو عمرو: ينزّل [البقرة/ 90] وما أشبهه بالتخفيف في جميع القرآن إلا حرفين: أحدهما في سورة الأنعام: قل إنّ اللّه قادرٌ على أن ينزّل آيةً [الآية/ 37] وفي الحجر: وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ [الآية/ 21]. ويخفف منزّلٌ، ومنزّلها، ومنزلون، ويشدّد: نزّل، في كل القرآن إلّا في قوله: نزل به الرّوح الأمين، فإنه يخفّفه.
وكان عاصم في رواية أبي بكر يشدّد: ينزّل وننزّل ومنزّلها في المائدة. ونزل من الحقّ [الحديد/ 16] ونزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] في كلّ القرآن.
وقال حفص عن عاصم: نزل به الرّوح الأمين خفيفة، وكذلك: وما نزل من الحقّ أيضا خفيفة.
وقال أبو بكر بن عياش: هما مشدّدان. وروى حفص عن عاصم أنه يشدّد أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ في سورة الأنعام [الآية/ 114] ولا يشدّد منزّلها.
وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كلّه في جميع القرآن من منزّل وينزّل وينزّلون ومنزّلين. وفي الأنعام: أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ. وفي سورة الشّعراء: نزل به الرّوح الأمين
[الحجة للقراء السبعة: 2/157]
[الآية/ 193] وما نزل من الحقّ في سورة الحديد [الآية/ 16] يشدّد ذلك كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ: وننزّل وينزّل، ونزل به الرّوح الأمين وما نزل من الحقّ مشدّدا في كل القرآن، إلا حرفين في سورة لقمان: وينزّل الغيث [لقمان/ 34] وفي سورة (عسق): وهو الّذي ينزّل الغيث [الشورى/ 28] ويخفّفان منزّلٌ ومنزلون ومنزلين حيث وقع.
قال أبو علي: نزل فعل غير متعدّ إلى مفعول به. فإذا أردت تعديته إليه عدّيته بالأضرب الثلاثة التي يتعدّى بها الفعل وهي النّقل بالهمزة، وبحرف الجرّ، وبتضعيف
العين. يدلّك على أنّه غير متعدّ قولهم في مصدره: النزول. فالنّزول كالصّعود والخروج والقفول، ونحو ذلك من المصادر التي لا تتعدى أفعالها في أكثر الأمر. فممّا نقل بالهمزة قوله: وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب. [الأحزاب/ 26] وممّا عدّي بالجارّ قولهم: نزلت به، ويكون منه: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] فيمن رفع الروح. وقال: الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] وقال وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم [النحل/ 44] وقال: نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً.... وأنزل التّوراة.... وأنزل الفرقان وقرآناً فرقناه لتقرأه على النّاس على مكثٍ ونزّلناه تنزيلًا [الإسراء/ 106]
[الحجة للقراء السبعة: 2/158]
فقد رأيت مرّة يجيء التنزيل على أنزل ومرّة على نزّل.
ومما يبيّن ذلك أنه قد جاء في بعض القراءة: وأنزل الملائكة تنزيلا [الفرقان/ 25] كأنّه لما كان نزّل وأنزل بمعنى، حمل مصدر أحدهما على الآخر، وقد كثر مجيء التنزيل في القرآن، فهذا يقوي (نزّل) ولم نعلم فيه الإنزال.
وقد جاء فيه أنزل كثيرا.
فأمّا قوله: نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً [آل عمران/ 3] فالكتاب مفعول به.
وقوله: بالحقّ في موضع نصب بالحال وهو متعلّق بمحذوف، ومصدّقاً حال من الضمير الذي في قولك:
بالحقّ والعامل فيه المعنى، ولا يجوز أن تجعله بدلا لأنّ الاسم إنّما يبدل من الاسم. وقال: وبالحقّ أنزلناه وبالحقّ نزل [الإسراء/ 105] فقوله: بالحقّ أنزلناه حال من الضمير. فأمّا قوله: وبالحقّ نزل. فيحتمل الجارّ فيه ضربين: أحدهما: أن يكون التقدير نزل بالحقّ، كما تقول:
نزلت بزيد، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في نزل، يدلّك على جواز ذلك قوله: وبالحقّ نزل، وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/159]
أنزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وهذا اتفاق في مذهب الفريقين، ومثل ذلك في احتماله الوجهين قوله: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] في من رفع الرّوح. يكون الجارّ مثل الذي في مررت بزيد، ويكون حالا، كما تقول: نزل زيد بعدّته، وخرج بسلاحه وفي التنزيل: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به [المائدة/ 61].
ومما لا يكون إلا حالا قوله: والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك [الأنعام/ 114] ألا ترى: أنّ أنزلت يتعدّى إلى مفعول واحد؟ فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدّى إلى مفعول به، وقوله: من ربّك على حدّ ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه وبالحقّ حال من الذّكر الذي في منزّلٌ، والعامل فيه منزل.
ومما جاء الجارّ فيه حالا، كما جاء في الآي الأخر:
أنزله بعلمه [النساء/ 166] المعنى: أنزله وفيه علمه، كما أنّ: خرج بعدّته، تقديره: خرج وعليه عدّته. والعلم:
المعلوم، أي: أنزله وفيه معلومه. ومثل ذلك الصيد يراد به:
المصطاد. يدلّك على إرادتهم به المصطاد قوله: ليبلونّكم اللّه بشيءٍ من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم [المائدة/ 94] فالأيدي والرّماح إنما تلحق الأعيان ولا تلحق الأحداث.
وأما قوله: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] فمن
[الحجة للقراء السبعة: 2/160]
خفّف نزل كان (ما) بمنزلة الذي، وفيه ذكر مرفوع يعود إلى ما، ولا يجوز فيمن خفّف أن يجعل (ما) بمنزلة المصدر مع الفعل كأن، لأنّ الفعل يبقى بلا فاعل ولا يجوز فيمن جوّز زيادة (من) في الإيجاب أن يكون: الحقّ مع الجارّ في موضع الفاعل.
وقد جعلت (ما) بمنزلة الذي، لأنه لا يعود إلى الموصول شيء. ومن شدّد كان الضمير الذي في نزل لاسم الله، والعائد محذوف من الصّلة.
فأمّا دخول الجارّ فلأن (ما) لما كان على لفظ الجزاء حسن دخول (من) معه، كما دخلت في نحو فما يك من خير أتوه...
فإذا كان كلّ واحد من نزل وأنزل يستعمل كما يستعمل الآخر، ويعنى به ما يعنى بالآخر، لم ينكر أن يوقع كل واحد منهما موضع الآخر، وكذلك ما تصرّف من ذلك. كأسماء الفاعلين، فتقرأ: (منزلون ومنزلون) لأن كل واحد منهما بمنزلة الآخر، كما أنّ الفعل الذي جريا عليه كذلك. وهذا مما يعلم منه أنّ (فعّل) بمنزلة (أفعل)، وأن تضعيف العين للتعدّي وليس يراد به الكثرة كما أريد في نحو: وغلّقت الأبواب
[الحجة للقراء السبعة: 2/161]
[يوسف/ 23] ولكن فعّل بمنزلة أفعل.
وقد قال سيبويه: قد يجيء فعّلت، وأفعلت بمعنى واحد مشتركين وذلك نحو: وعزت إليه، وأوعزت، وخبّرت وأخبرت، وسمّيت وأسميت.
فأمّا تخفيف حمزة والكسائي في لقمان: وينزّل الغيث [الآية/ 34] وفي (عسق) وهو الّذي ينزّل الغيث [الشورى/ 28] فلو شدّدا ذلك كما شدّدا غيره كان حسنا، ولو خفّفا بعض ما شدّدا كان كذلك. ويشبه أن يكونا اعتبرا في تخفيف ذلك كثرة ما جاء في التنزيل في ذكر الغيث فحملا اسم الفاعل على ذلك. فمن ذلك قوله: وأنزلنا من السّماء ماءً بقدرٍ فأسكنّاه في الأرض [المؤمنون/ 18]، ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً [الحج/ 63] أنزل من السّماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض [الزمر/ 21] يشبه أن يكونا لمّا رأياه بهذه الكثرة، حملا اسم الفاعل عليه.
فأمّا قوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ [الزمر/ 6] وقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ [الحديد/ 25] فكأنّ المعنى فيه: خلق، ألا ترى أنه قد جاء في الأخرى ثمانية أزواج وذلك محمول على أنشأ، كأنه: وأنشأ ثمانية أزواج). [الحجة للقراء السبعة: 2/162]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {أن ينزل الله} بالتّخفيف في جميع القرآن وحجتهما في الآية {أن يكفروا بما أنزل الله} ولم يقل نزل الله وأبو عمرو قرأ في الأنعام بالتّشديد {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} بالتّشديد لأن قبلها {لولا نزل عليه} وما ننزله إلّا بقدر معلوم لأنّه شيء بعد شيء فكأنّه لما تردد وطال نزوله شدده لتردده وابن كثير خالف مذهبه في سورة سبحان فقرأ بالتّشديد كأنّه أراد أن يجمع بين اللغتين
وقرأ الباقون جميع ذلك بالتّشديد وحجتهم أن نزل وأنزل لغتان مثل نبأته وأنبأته وأعظمت وعظمت وفي التّنزيل {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة} فجاء باللغتين وقرأ حمزة والكسائيّ في لقمان وعسق بالتّخفيف وحجتهما قوله {وأنزلنا من السّماء ماء}). [حجة القراءات: 106]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (55- قوله: {ينزل}، {وتنزل} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف حيث وقع، إذا كان رباعيًا جعلاه مستقبلًا من «أنزل»، وذلك في القرآن كثير بإجماع نحو: {وأنزل الفرقان} «آل عمران 4» و{أنزل التوراة} «آل عمران 3»، و{الحمد لله الذي أنزل} «الكهف 1»، و{بالحق أنزلناه} «الإسراء 105» وخالف ابن كثير في موضعين في سبحان فشددهما، وجعلهما من «نزل» وهما قوله تعالى: {وننزل من القرآن} «الإسراء 82»، {حتى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/253]
تنزل علينا} «الإسراء 93» وكذلك المشدد المشدد في الحجر في قوله: {وما ننزله إلا بقدر} «21» وإنما خص هذين الموضعين، ليبين بالتشديد معنى التكرير في النزول؛ لأن التشديد يدل على التكرير، فلما كان القرآن ينزل شيئًا بعد شيء شدد، ليدل على هذا المعنى، إذ لو خفف لجاز أن ينزل مرة واحدة على النبي عليه السلام، ولم يكن كذلك، وشدد {وما ننزله إلا بقدر} ليدل على نزول المطر شيئًا بعد شيء، إذ لو خفف لجاز أن ينزل المطر مرة واحدة، وليس الأمر كذلك، والتشديد للتكرير في الفعل، فهو يدل على هذه المعاني، وخالف أيضًا أبو عمرو في موضعين، فشدد قوله في الأنعام: {قادر على أن ينزل} «37» فشدده حملًا على صدر الكلام لأن قبله: {وقالوا لولا نزل عليه}، ومستقبل «نزّل» «ينزّل» فحمله على ما قبله، وأجراه عليه، وعلى لفظه، والموضع الثاني في الحجر: {وما ننزله إلا بقدر} «21» وقد مضت علته، وقرأ الباقون بالتشديد في ذلك كله، حملوه على «نزّل» والتشديد أبلغ؛ لأنه يدل على تكرير الفعل غير أن حمزة والكسائي خففا موضعين في لقمان: {وينزل الغيث} «24» وفي الشورى: {يُنزِّل الغيث} «28» جعلاه من «أنزل»، وحمله على قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت} «الرعد 17» وكله في نزول القطر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/254]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ} [آية/ 90]:-
بالتشديد، قرأها نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون {يُنْزِلاَ} بالتخفيف، وهما لغتان في متعدي نزل، أعني نزلته وأنزلته، وبعضهم يجعل المشدد لما يتكرر إنزاله، والمخفف فيما لا يتكرر، وقد ضعفه المحققون). [الموضح: 290]

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #28  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (92) إلى الآية (96) ]

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}

قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96).
اتفق القراء على (بما يعملون) بالياء إلا الحضرمي فإنه قرأ بالتاء). [معاني القراءات وعللها: 1/167]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آية/ 96]:-
بالتاء في عشر المائة، قرأها يعقوب وحده؛ لأنه جعل ذلك من جملة القول، وجعله متصلاً بقوله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ الله خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وجعل ما بينهما
[الموضح: 290]
اعتراضًا، فلهذا صيره خطابًا.
وقرأ الباقون بالياء، على الغيبة، حملاً له على ما يليه وهو قوله تعالى {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} إلى آخر الآية). [الموضح: 291]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (97) إلى الآية (100) ]


{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}


قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من كان عدوًّا لجبريل.. (97).
قرأ ابن كثير: (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء بغير همز، و(ميكائيل) مهموزا ممدودا.
وروى شبل: (ميكائل) مقصورا مهموزا.
[معاني القراءات وعللها: 1/167]
مثل نافع، وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء.
وقرأ حمزة والكسائي (جبرئيل) مثل (جبرعيل).
وقرأ أبو بكر: (وجبرئل، مثل (جبرعل).
وقرأ الباقون (جبريل)، بغير همز، إلا أن ابن كثير فتح الجيم، وكسرها الباقون.
قرأ أبو عمرو وحفص (ميكال) بغير ياء، وقرأ نافع بالهمز (ميكائل)، الباقون (ميكائيل) بياء بعد همزة). [معاني القراءات وعللها: 1/168]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {جبريل} قرأه ابن كثير بفتح الجيم، وبياء بعد الراء، مع كسرها من غير همز، ومثله أبو بكر، غير أنه همز همزة مكسورة بعد الراء، وفتح الراء، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما زادا ياء بعد الهمزة، وقرأ الباقون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/254]
«جبريل» بكسر الجيم والراء، وبياء بعد الراء من غير همز، وهذه كلها لغات فيه، و«جبريل» اسم أعجمي، فمن كسر الجيم أتى به على مثال كلام العرب، فهو كـ «قنديل ومنديل» ومن فتح أتى به على خلاف كلام العرب، ليعلم أنه ليس من كلام العرب، وأنه أعجمي، وكذلك فعل من همز، ومن أثبت ياء بعد الهمزة أتى به على خلاف كلام العرب، ليُعلم أنه أعجمي، ليس من أبنية كلام العرب، وفيه لغات غير هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292]

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: جبريل وميكال [البقرة/ 98] في كسر الجيم وفتحها، والهمز وتركه. والهمز في ميكائيل، والياء بعد الهمز من (جبرئيل وميكائيل).
فقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، و (ميكائيل) مهموز في وزن ميكاعيل بعد الألف همزة، وياء بعد الهمزة. وروى محمد بن صالح البزّي عن شبل بن عباد عن عبد الله بن كثير: (جبريل) بلا همز و (ميكائل) مهموز مقصور. وكذلك روى محمد بن سعدان عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير (ميكائل) مهموز مقصور بزنة ميكاعل مثل نافع.
وحدّثني الحسين بن بشر الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير قال:
رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقرأ: جبريل وميكال فلا أقرأهما أبدا إلا هكذا.
وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء من غير همز (وميكائل) بهمزة بعد ألف وقبل اللام، ليس بعدها ياء، في وزن ميكاعل.
وقرأ أبو عمرو: (جبريل وميكال) بغير همز. وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ ابن عامر: (جبريل) مثل أبي عمرو (وميكائيل) بهمز بين الألف والياء ممدودة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/163]
وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وحماد بن سلمة عن عاصم (جبرئل) بفتح الجيم والراء، وهمزة بين اللام والراء غير ممدودة في وزن: جبرعل، خفيفة اللام و (ميكائيل) في رواية يحيى بهمزة بعدها ياء.
وقال الكسائيّ وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عنه. وأبان عن عاصم: (جبرئيل وميكائيل) مثل حمزة، وكذلك روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم، وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم.
وروى (ميكائل) مهموزة مقصورة في وزن ميكاعل مثل نافع.
وروى محمّد بن سعدان عن محمّد بن المنذر عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه مثل حمزة.
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) و (ميكائيل) ممدودتين مهموزتين.
قال أبو علي: روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمّه عنه أنه قال: في (جبريل) ستّ لغات: (جبرائيل، وجبرئيل، وجبرال، وجبريل، وجبرال، وجبريل) وهذه أسماء معرّبة، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله، كان أذهب في باب التعريب.
يقوّي ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من
[الحجة للقراء السبعة: 2/164]
حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة، أو الفاء المحضة، كقولهم: البرند والفرند، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في كلامهم كالحركة التي في قول العجم: «زور وآشوب» يخلّصونها ضمّة، فكما غيّروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنّهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب.
كالآجرّ، والإبريسم، والفرند، وليس في كلام العرب على هذه الأبنية، فكذلك قول من قال: (جبريل) إذا كسر الجيم كان على لفظ (قنديل، وبرطيل) وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلام العرب، فيكون هذا من باب الآجرّ، والفرند، ونحو ذلك من المعرّب الذي لم يجيء له مثل في كلامهم. فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب. وكذلك القول في (ميكال وميكائيل) وميكال: بزنة قنطار وسرداح و (ميكائيل) خارج عن أبنية كلام العرب.
فأمّا القول في زنة (ميكال) فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا أو فعلالا. فلا يجوز أن يكون فيعالا، لأن هذا بناء يختصّ به المصدر كالقيتال، والحيقال، وليس هذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/165]
الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون مفعالا، فيكون من أكل أو وكل، لأنّ الهمزة المحذوفة من ميكائيل محتسب بها في البناء، فإذا ثبت ذلك صارت الكلمة من الأربعة، وبنات الأربعة لا تلحقها الزيادة من أوائلها، إلا الأسماء الجارية على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحدّ. فإذا لم يكن كذلك، ثبت أن الميم أصل كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليست بزيادة.
ولا يجوز أيضا أن يكون فعلالا، لأنّ الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه. ونظير ذلك في حذف الهمزة منه والاعتداد بها، مع الحذف [في البناء] قولهم: سواية، إنما هي سوائية: كالكراهية، وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء- على قول أبي الحسن- مقدّرة في البناء فكذلك الهمزة في ميكائيل.
فإن قلت: فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطائط وجرائض ؟
فإن ذلك لا يجوز، لأن الدّلالة لم تقم على زيادتها كما قامت في قولهم: جرواض. فهو إذن بمنزلة التي في برائل، وكذلك (جبريل) الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/166]
يقدّر حذفها للتخفيف وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما لم يجز إسقاطها في سواية من أصل البناء، وإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة.
وهذا التقدير يقوّي قول من قرأ: (جبريل وميكائيل) بالهمز لأنّه يقول: إن الذي قرأ: (جبريل) وإن كان في اللفظ مثل: برطيل، فتلك الهمزة عنده مقدرة. وإذا كانت مقدرة في المعنى، فهي مثل ما ثبت في اللفظ.
فأمّا (إسرافيل) فالهمزة فيه أصل، لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من ميكائيل كذلك.
فإسرافيل من الخمسة كما كان جبرئيل كذلك. والقول في همزة إسرافيل وإسماعيل وإبراهيم مثل القول في همزة إسرافيل في أنها من نفس الكلمة، والكلمة بها من بنات الخمسة. وقد جاء في أشعارهم الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك قال:
عبدوا الصّليب وكذّبوا بمحمّد... وبجبرئيل وكذّبوا ميكالا
وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/167]
وجبريل رسول الله منّا... وروح القدس ليس له كفاء
وقال:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة... يد الدّهر إلا جبرئيل أمامها
وقال كعب بن مالك:
ويوم بدر لقيناهم لنا مدد... فيه لدى النّصر ميكال وجبريل
وأما ما روي عن أبي عمرو من أنّه كان يخفف (جبريل) أو (ميكال) ويهمز (إسرائيل)، فما أراه إلا لقلّة مجيء (إسرال) بلا همز وكثرة مجيء (جبريل وميكال) في كلامهم والقياس فيهما واحد، وقد جاء في شعر أميّة (إسرال) قال:
لا أرى من يعيشني في حياتي... غير نفسي إلا بني إسرال
[الحجة للقراء السبعة: 2/168]
وليس قول من قال: إنّ (إيل، وإل) اسم الله، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال: عبد الله- بمستقيم من وجهين: أحدهما: أنّ (إيل، وإل) لا يعرفان في أسماء الله سبحانه في اللغة العربية، والآخر أنّه لو كان كذلك لم يتصرّف آخر الاسم في وجوه العربيّة، ولكان الآخر مجرورا، كما أنّ آخر عبد الله كذلك، ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه على حدّ ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها). [الحجة للقراء السبعة: 2/169]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}
[حجة القراءات: 106]
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفض {وجبريل} بكسر الجيم والرّاء جعلوا جبريل اسما واحدًا على وزن قطمير وحجتهم قول الشّاعر
وجبريل رسول الله فينا ... ورورح القدس ليس له كفاء
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) بفتح الجيم والرّاء مهموزا قال الشّاعر
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... مدى الدّهر إلّا جبرئيل أمامها
وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال: إنّما جبرئيل وميكائيل كقولك عبد الله وعبد الرّحمن جبر هو العبد وإيل هو الله فأضيف جبر إليه وبني فقيل جبرئيل
وقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الرّاء مثل سمويل وهو اسم طائر قال عبد الله بن كثير رأيت رسول الله صلى الله عليه في المنام فأقرأني جبريل فأنا لا أقرأ إلّا كذلك
وقرأ يحيى عن أبي بكر (جبرئل) على وزن جبرعل وهذه لغة تميم وقيس
[حجة القراءات: 107]
وقرأ أبوعمرو وحفص {وميكال} بغير همز على وزن سربال وحجتهما قول من مدح النّبي صلى الله عليه
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل
وقرأ نافع (ميكائل) بهمزة مختلسة ليس بعدها ياء كأنّه كسرة الإشباع
وقرأ الباقون (ميكائيل) ممدودا وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال في صاحب الصّور
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال الكسائي قوله جبرئيل وميكائيل وإبراهيم فإنّها أسماء أعجميّة لم تكن العرب تعرفها فلمّا جاءتها أعربتها فلفظت بها بألفاظ مختلفة). [حجة القراءات: 108]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {ميكال} قرأه أبو عمرو وحفص «ميكال» على وزن «مفعال» ومثلهما نافع، غير أنه زاد همزة مكسورة بين الألف واللام، ومثله قرأ الباقون، غير أنهم زادوا ياء بعد الهمزة، وهذه القراءات لغات في هذا الاسم، وهو اسم أعجمي، غير أن من قرأه، على وزن «مفعال» أتى به على وزن أبنية العرب، فهو مثل «مفتاح»، ومن قرأه بغير ذلك أتى به على غير أبنية العرب، ليُعلم أنه أعجمي، خارج عن أبنية العرب، وقولنا في قراءة أبي عمرو وحفص أنه «مفعال» تمثيل؛ لأنه ليس بقوي، وإلا فلا يجوز أن يكون «مفعالًا»؛ لأنه رباعي إذ الهمزة المحذوفة يعتد بها، وبنات الأربعة لا يلحقها الزيادة في أولها، إلا في الأشياء الجارية على أفعالها، نحو: «مكرم، ومحسن» وليس «ميكال» من هذا الصنف، ولا يجوز أن يكون «فيعالا» لأن هذا الوزن قد اختصت به المصادر نحو: «القيتال، والحيقال»، وليس «ميكال» بمصدر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
ولا يجوز أن يكون «فعلالا» لأن الهمزة مقدرة فيه، فإنما هو اسم أعجمي كـ «إبراهيم، وإسماعيل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/256]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَمِيكّالَ} [آية/ 98]:-
غير مهموز، قرأها أبو عمرو ويعقوب و- ص- عن عاصم، وهو أكثر ارتضاءً عندهم؛ لأنه على وزن: فعلال من أبنيتهم كسرداح وقنطار وشملال.
وقرأ نافع (مِيكَائِل) ممدود بهمزة ليست بعدها ياء بوزن: ميكاعل.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي و- ياش- عن عاصم {ميكائيل}
[الموضح: 292]
بياء بعد الهمزة بوزن: ميكاعيل.
وهذان المثالان لا نظير لهما في أمثلة العرب، فهما أقعد في العجمة، والاسم الأعجمي إذا تكلمت به العرب أجرت عليه أحكام الأعراب، فصار مثل العربي في كثير من الأشياء وإن لم يوافق أمثلتهم فميكائيل، كميكاعيل أكثر في كلامهم وأشهر). [الموضح: 293]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن رَوْح عن أبي السمال أنه قرأ: [أَوْ كُلَّمَا عَهِدُوا] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن يكون سكون الواو في "أو" هذه على أنه في الأصل حرف عطف كقراءة الكافة: {أوَكلما}؛ من قِبَل أن واو العطف لم تُسكن في موضع علمناه، وإنما يسكن بعدها مما يُخلَط معها فيكونان كالحرف الواحد، نحو قول الله تعالى: [وَهْوَ اللَّه]، وقوله سبحانه: [وَهْوَ وَلِيُّهُم] بسكون الهاء، فأما واو العطف فلا تسكن من موضعين:
أحدهما: أنها في أول الكلمة، والساكن لا يبتدأ به.
والآخر: أنها هنا وإن اعتمدت على همزة الاستفهام قبلها فإنها مفتوحة، والمفتوح لا يسكن استخفافًا إنما ذلك في المضموم والمكسور نحو: كرْم زيد وعلْم الله، وقد مضى ذكر ذلك، فإذا كان كذلك كانت "أو" هذه حرفًا واحدًا، إلا أن معناها معنى بل للترك والتحول بمنزلة أم المنقطعة، نحو قول العرب: إنها لأبل أم شاء؛ فكأنه قال: بل أهي شاء؟ فكذلك معنى "أو" هاهنا، حتى كأنه قال: "وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ بل كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ"، يؤكد ذلك قوله تعالى من بعده: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُون}، فكأنه قال: "بل كلما عاهدوا عهدًا.... بل أكثرهم لا يؤمنون".
و"أو" هذه التي بمعنى أم المنقطعة -وكلتاهما بمعنى بل- موجودة في الكلام كثيرًا، يقول الرجل لمن يتهدده: والله لأفعلن بك كذا، فيقول له صاحبه: أَوْ يُحسن الله رأيك، أو يغير الله ما في نفسك؛ معناه: بل يحسن الله رأيك، بل يغير الله ما في نفسك، وإلى نحو هذا ذهب الفراء في قول ذي الرمة:
بدت مثلَ فرنِ الشمس في رَونَقِ الضُّحى ... وصورتِها أو أنت في العين أملحُ
[المحتسب: 1/99]
قال: معناه بل أنت في العين أملح، وكذلك قال في قوله الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قال: معناه بل يزيدون، وإن كان مذهبنا نحن في هذا غير هذا؛ فإن هذا طريق مذهوب فيه على هذا الوجه.
وقراءته هنا: [عَهِدُوا عَهْدًا] كأنه أشبه بجريان المصدر على فعله؛ لأن عهِدت عهدًا أشبه في العادة من عاهدت عهدًا، ومن ذلك الحديث المأثور: "مَن وعد وعدًا فكأنما عَهِدَ عهدًا"، وقراءة الكافة: {عاهَدُ واعَهْدا} على معنى أعطَوا عهدًا، فعهدًا على مذهب الجماعة كأنه مفعول به.
وعلى قراءة أبي السمال هو منصوب نصب المصدر، وقد يجوز أن ينتصب على قراءة الكافة على المصدر؛ إلا أنه مصدر محذوف الزيادة؛ أي: معاهدة أو عِهاداً؛ كقاتلت مقاتلة وقتالًا، إلا أنه جاء على حذف الزيادة كقوله:
عمرَكِ الله ساعةً حدِّثِينَا ... ودَعِينَا من قولِ مَن يؤذينا
إنما هو: عمَّرتُكِ الله تعميرًا -دعاء لها- فحذفت زيادة التاء والياء، وعليه: جاء زيد وحده؛ أي: أُوحِدَ بهذه الحال إيحادًا، ومررت به وحده؛ أي: أَوحدته بمروري إيحادًا.
وقد يمكن أن يكون وحده مصدر هو يَحِد وحدًا فهو واحد، والمصدر على حذف زيادته كثير جدًّا، إلا أنه ليس منه قولهم: سلمت عليه سلامًا وإن كان في معنى تسليمًا؛ من قِبَل أنه لو أريد مجيئه على حذف الزيادة لما أُقِرَّ عليه شيء من الزيادة، وفيه ألف سلام زائدة، ومثله: كملته كلامًا، والسلام والكلام ليسا على حذف الزيادة؛ لكنهما اسمان على فَعال بمعنى المصدر، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/100]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (101) إلى الآية (103) ]

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}

قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله - عزّ وجلّ -: (ولكنّ.. (102)
بكسر النون وتخفيفها.
(الشّياطين.. (102)
بالرفع ابن عامر وحمزة والكسائي). [معاني القراءات وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر النّون مع التخفيف والتشديد من قوله: ولكنّ الشّياطين كفروا [البقرة/ 102]، ولكنّ اللّه قتلهم [الأنفال/ 17]، ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون [يونس/ 44].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: ولكنّ الشّياطين كفروا، ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون مشدّدات في ذلك كلّه.
وقرأ نافع وابن عامر ولكنّ البرّ من آمن باللّه [البقرة/ 177] ولكنّ البرّ من اتّقى [البقرة/ 189] خفيفتي النون، ويرفعان (البرّ). وشدّد النون في هذين الموضعين
[الحجة للقراء السبعة: 2/169]
ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ. وقرأ حمزة والكسائيّ: ولكنّ الشّياطين كفروا، ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون خفيفات كلهنّ. وقرأ ابن عامر وحده: ولكنّ الشّياطين بالتخفيف.
وشدّد النون من: ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون، ولم يختلفوا إلّا في هذه الستة الأحرف.
قال أبو علي: اعلم أن لكن حرف لا نعلم شيئا على مثاله في الأسماء والأفعال، فلو كانت اسما لم يخل من أن يكون فاعلا أو فعلا، ولا نعلم أحدا ممن يؤخذ بقوله يذهب إلى أنّ الألفاظ في الحروف زائدة، فكذلك ينبغي أن تكون الألف في هذا الحرف، وهو مثل إنّ في أنّها مثقّلة ثم يخفّف إلا أنّ «إنّ وأنّ» إذا خفّفتا فقد ينصب بهما كما كان ينصب بهما مثقّلتين وإن كان غير الإعمال أكثر. ولم نعلم أحدا حكى النصب في «لكن» إذا خففت فيشبه أن النصب لم يجيء في هذا الحرف مخففا، ليكون ذلك دلالة على أن الأصل في هذه الحروف أن لا تعمل إذا خفّفت لزوال اللفظ الذي به شابه الفعل في التخفيف، وأنّ من خفّف ذلك، فالوجه أن لا يعمله.
ومثل ذلك في أنّه لم يجيء فيه الجزاء؛ وإن كان القياس لا
[الحجة للقراء السبعة: 2/170]
يمنع منه: «كيف»؛ ألا ترى أنّ الخليل وأصحابه لم يحكوا فيه الجزاء؟ وإن كان المعنى لا يمنع ذاك، ليعلم أنّ الجزاء ليس حكمه أن يكون بالأسماء، فكذلك لم يجيء النصب مع التخفيف في هذا الحرف كما جاء في «إنّ، وأنّ، ولعلّ، وليت» وقد لحقتها «ما» كافة كما لحقت «إنّ وأنّ ولعلّ وليت» وذلك في نحو قوله: قل إنّما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45]، وكأنّما يساقون إلى الموت [الأنفال/ 6] وقول الشاعر:
.... لعلما... أضاءت لك النار الحمار المقيّدا
فممّا جاءت فيه (ما) كافة قول الشاعر:
ولكنّما أهلي بواد أنيسه... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد
ومما جاءت فيه لكن مخفّفة غير معملة ما أنشده أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 2/171]
وما دهري بشتمك فاعلمنه... ولكن أنت مخذول كبير
ومثله قول زهير.
لقد باليت مظعن أمّ أوفى... ولكن أمّ أوفى لا تبالي
وقول الآخر:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
ولا يدلّ نحو ما أنشده أبو زيد من قول عمران:
ولكنّا الغداة بنو سبيل... على شرف نيسّر لانحدار
وكذلك الحذف في إنّ في نحو قوله: قالوا إنّا معكم [البقرة/ 14] وقوله: إنّي أنا ربّك [طه/ 12] لولا أنّ الحرف المحذوف مراد لم يوصل بضمير المنصوب، ألا ترى أنّ (إنّ) إذا خفّفت، دخلت الأفعال، وفي دخولها على
[الحجة للقراء السبعة: 2/172]
الأفعال، دلالة على إخراجها من الإعمال، وعلى ذلك جاء التنزيل في نحو: إن كاد ليضلّنا [الفرقان/ 42] وإن كنّا عن عبادتكم لغافلين [يونس/ 29] ونحو هذا مما كثر مجيئه في التنزيل. فأمّا إنشاد من أنشد:
فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني... فراقك لم أبخل وأنت صديق
فهو قليل، وقياسه قياس من أعملها مخففة في المظهر، وإن كان ذلك في المضمر أقبح لأنّ المضمر كثيرا ما يردّ معه الشيء إلى أصله نحو قوله: أنشده أبو زيد:
فلا بك ما أسال ولا أغاما والأصل في هذه الحروف إذا خفّفت أن لا تعمل لزوال المعنى الذي به كان يعمل، ولذلك لم تعمل (لكن) مخففة.
فإن قلت: إنّ لكنّ لا تشبه الأفعال، ألا ترى أنه ليس شيء على مثاله في الأسماء ولا في غيره؟.
فإنّ فيه ما يشبه الفعل إذا نزّلته منفصلا كقولهم: «أراك منتفخا».
وقد جاء حذف ضمير القصة والحديث معها في نحو
[الحجة للقراء السبعة: 2/173]
قول أميّة:
ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه... بعدّته ينزل به وهو أعزل
كما جاء في قوله:
فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة فلولا أنّ الضمير معه مراد لما دخل على الجزاء، كما أنّه لو لم يكن مرادا مع ليت، لم تدخل على الفعل، في نحو ما أنشده أبو زيد:
فليت دفعت الهمّ عني ساعة... فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال
[الحجة للقراء السبعة: 2/174]
فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
ندمت على لسان كان منّي... فليت بأنّه في جوف عكم
فيحتمل أمرين: أحدهما أن تكون الباء زائدة، ويكون (أنّ) مع الجارّ في موضع نصب، ويكون ما جرى من صلة (أنّ) قد سدّ مسدّ خبر ليت. كما أنّها في ظننت أنّ زيدا منطلق، كذلك.
ويحتمل أن تكون الهاء مرادة ودخلت الباء على المبتدأ، كما دخلت في قولهم: بحسبك أن تفعل ذلك، ولا يمتنع هذا من حيث امتنع الابتداء بأنّ لمكان الباء، ألا ترى أنّ (أنّ) قد وقعت بعد لولا في نحو: لولا أنّك منطلق، ولم يجر، ذلك [في الامتناع]. مجرى: أنّك منطلق بلغني.
لأن المعنى الذي له لم يبتدأ بالمفتوحة مع لولا معدوم.
فأمّا ما أنشده من قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/175]
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة... لعلّ أبي المغوار منك قريب
ولعلّ أبي المغوار منك قريب. فينبغي أن يكون على إضمار القصة والحديث كأنه خفّف لعلّ. وأعملها كما يخفف أنّ ويعمل، فمن فتح اللّام وجرّ الاسم فقال: لعلّ أبي المغوار، فاللّام لام الجرّ إلّا أنّه فتحها مع المظهر كما يفتح مع المضمر.
وزعم أبو الحسن أنه سمع فتح اللام مع المظهر من يونس وأبي عبيدة وخلف الأحمر.
وزعم أنه سمع ذلك أيضا من العرب، فيكون الجرّ في أبي المغوار على هذه اللغة. ومن قال:
لعلّ أبي المغوار منك قريب حذف لام لعلّ وأضمر القصة أو الحديث. وكسر اللام مع المظهر على اللغة التي هي أشيع، والتقدير: لعلّ لأبي المغوار منك جواب قريب، أي لعلّ نصره لا يبعد عليك، ولا يتأخّر عنك.
فإن قلت: إنه حذف اللام لاجتماع اللامين، كما حذف من (إنّا معكم) ونحو ذلك، كان قولا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/176]
وحكى أبو عمر أنّ يونس لم يكن يرى (لكن) الخفيفة من حروف العطف. ويقوّي هذا القول أنّ أخوات لكن ممّا حذف منهنّ لم يخرج بالتخفيف عن ما كان عليه قبل التخفيف. ألا ترى أنّ: (إنّ) و (أنّ) و (كأنّ) كذلك؛ ومثلها (لعلّ).
فالقياس في (لكن) أن يكون في التخفيف على ما عليه أخواتها، ولا تخرج بالتخفيف عما كانت عليه، كما لم تخرج أخواتها عنه.
ويقوي ذلك أن معناها مخففة كمعناها مشدّدة، فإذا وافق حال التخفيف حال التشديد في اللفظ والمعنى، وجب أن تكون في التخفيف مثلها في التشديد.
فإن قلت: لم لا تكون مثل حتّى التي تكون لمعان مختلفة مع أنّ اللفظ واحد.
قيل: إنّ (حتّى) وإن كانت على لفظة واحدة، فإن المعاني التي تدلّ عليها مختلفة. ألا ترى أن العطف فيها غير الجرّ ووقوع الابتداء كما يقع الابتداء بعد إذا نحو: خرجت فإذا زيد، غير الجرّ والعطف. وكذلك الواو إذا كانت عاطفة معناها غير الجارّة. وكذلك إذا كانت في نحو: جاء البرد والطيالسة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/177]
وكذلك (ما) إذا كانت زائدة أو نافية أو كافّة، أو عوضا من الفعل في نحو: إمّا لا. وكذلك اللّام في: (لتفعلنّ)، وفي (لعمرو منطلق) وليس كذلك (لكن) لأنها إذا كانت مشددة كان معناها كمعناها إذا كانت مخففة؛ فإذا كان كذلك وجب أن لا تخرج بعد التخفيف عما كانت عليه قبل. كما أنّ سائر أخواتها كذلك.
فإن قلت: أليس قوم قد ذهبوا إلى أنّ (ليس) من حروف العطف، ويحملون قوله:
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل فيمن أنشده بليس، فمعناها عاطفة كمعناها غير عاطفة في النفي.
قيل: إنها في هذا البيت يستقيم أن تكون نافية ويكون خبرها مضمرا. فكأنّ التقدير: إنّما يجزي الفتى ليس الجمل الذي يجزي. فحذف الخبر.
فليس لا تثبت حرف عطف من هذا البيت الذي استدلّوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/178]
به على ذلك، وكذلك يجوز أن يقول يونس في نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح. إنّه يجرّه بباء يضمرها دلّت المتقدّمة لها عليها. كما حكى سيبويه عنه نحو هذا. ويضمر القصة في (لكن) وإن كانت مخففة. كما أضمروا في أن وإن في نحو: أما إن يغفر الله لك، وإذا قال: ما مررت برجل صالح لكن طالح، كان على قوله: ولكن هو طالح، فإنّه يقول:
لمّا خفّفته صارت من حروف الابتداء، كما صارت (إنّ) كذلك، ولذلك وقع بعدها الفعل، فكذلك صار (لكن) من حروف الابتداء، كما كان قوله:
ولكن على أقدامنا تقطر الدما وقوله:
ولكن أمّ أوفى لا تبالي على ذلك.
فأمّا تشديد لكنّ إذا دخلت عليها الواو- وتخفيفها معها، فالقياس لا يوجب دخول التثقيل فيها- كما أنّ انتفاء دخولها لا يوجب التخفيف. ومن شدّد مع دخول الواو كان كمن خفّف مع دخولها. ألا ترى أنّ الواو لا توجب تغييرا فيما بعدها في المعنى، وإذا كان كلّ واحد منهما لا ينافي الآخر في المساغ
[الحجة للقراء السبعة: 2/179]
والجواز كانوا كلّهم قد أحسن فيما أخذ به لتساوي الأمرين في ذلك كله في القياس. ولم يكن في دخول الواو عليها معنى يوجب التشديد. كما لم يكن في انتفاء دخولها عليها معنى يوجب التخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 2/180]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن عباس والضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن أَبزَى: [وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ] بكسر اللام.
قيل: أراد [بالملِكين] داود وسليمان عليهما السلام.
قال أبو الفتح: إن قيل: كيف أطلق الله سبحانه على داود وسليمان اسم الملِك؛ وإنما هما عبدان له تعالى كسائر عبيده من الأنبياء وغيرهم؟
[المحتسب: 1/100]
قيل: جاز ذلك لأنه أَطلق عليهما اللفظ الذي يُعتاد حينئذ فيهما، ويطلقه الناس عليهما، فخوطب الإنسان على ذلك باللفظ الذي يعتاده أهل الوقت إذ ذاك، ونظيره قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}؛ وإنما هو في النار الذليل المهان؛ لكنه خوطب بما يخاطب به في الدنيا، وفيه مع هذا ضرب من التبكيت له، والإذكار بسوء أفعاله، وقد مضى نحو هذا). [المحتسب: 1/101]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وقتادة: [بَيْنَ الْمَرِ وَزَوْجِهِ] بفتح الميم وكسر الراء خفيفة من غير همز.
وقراءة الزهري: [الْمَرِّ] بفتح الميم وتشديد الراء.
وقراءة ابن أبي إسحاق: [الْمُرْء] بضم الميم وسكون الراء والهمز.
وقراءة الأشهب: [الْمِرْء] بكسر الميم والهمز.
قال أبو الفتح: أما قراءة الحسن وقتادة: [بينَ الْمَرِ] بفتح الميم وخفة الراء من غير همز فواضح الطريق؛ وذلك أنه على التخفيف القياسي؛ كقولك في الخبء: هذا الْخَبُ، ورأيت الْخَبَ، ومررت بالْخَبِ، تخذف الهمزة وتلقى حركتها على الباء قبلها. وتقول في الجزء: هذا الْجُزُ، ورأيت الْجُزَ، ومررت بالْجُزِ، وعليه القراءة: [الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ].
وأما قراءة الزهري: [الْمَرِّ] بتشديد الراء فقياسه: أن يكون أراد تخفيف المرء على قراءة الحسن وقتادة، إلا أنه نوى الوقف بعد التخفيف؛ فصار [الْمَر] ثم ثقل للوقوف على قول من قال: هذه خالدّ، وهو يجعلّ، ومررت بفرجّ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فأقر التثقيل بحاله، كما جاء عنهم قوله:
[المحتسب: 1/101]
بِبازلٍ وجناء أو عَيْهَلِّ ... كأن مهواها على الكَلْكَلِّ
يريد: العيهل والكلكل، وكبيت الكتاب:
ضخما يحب الخُلق الأضخمَّا
فيمن فتح الهمزة، يريد: الأضخم، فثقل ثم أطلق.
وفي هذا شذوذان؛ أحدهما: التثقيل في الوقف، والآخر: إجراء الوصل مجرى الوقف؛ لأنه من باب ضرورة الشعر.
وأما قراءة ابن أبي إسحاق: الْمُرْء بضم الميم والهمز فلغة فيه، وكذلك من قرأ: الْمِرء بكسر الميم، ومنهم من يضم الميم في الرفع ويفتحها في النصب ويكسرها في الجر فيقول: هذا الْمُرء، ورأيت الْمَرء، ومررت بالْمِرء؛ وسبب صنعة هذه اللغة: أنه قد أُلِف الإتباع في هذا الاسم في نحو قولك: هذا امرؤٌ، ورأيت امرأً، ومررت بامرئٍ، فيتُبع حركة الراء حركة الهمزة، فلما أن تحركت الميم وسكنت الراء لم يمكن الإتباع في الساكن فنُقل الإتباع من الراء إلى الميم؛ لأنها متحركة، فجرى على الميم لمجاورتها الراء ما كان يجري على الراء، كما يقول ناس في الوقف: هذا بكُر، ومررت ببكِر؛ لما جفا عليهم اجتماع الساكنين في الوقف وشحوا على حركة الإعراب أن يستهلكها الوقوف عليها نقلوها إلى الكاف، وكما قال من قال في صُوَّم: صُيَّم، وفي قُوَّم:
[المحتسب: 1/102]
قُيَّم، لما جاورت العين اللام أجراها في الاعتلال مجرى عات وعُتي وجاث وجُثي، وقد ذكرنا في تفسير ديوان المتنبي ما في هذا الحرف؛ أعني: المرء والمرأة من اللغات). [المحتسب: 1/103]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [وَمَا هُمْ بِضَارِّي بِهِ مِنْ أَحَدٍ].
قال أبو الفتح: هذا من أبعد الشاذ؛ أعني: حذف النون هاهنا، وأمثل ما يقال فيه: أن يكون أراد: وما هم بضارِّي أحدٍ، ثم فصَل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر.
وفيه شيء آخر وهو أن هناك أيضًا "مِن" في من أحد، غير أنه أجرى الجار مجرى جزء من المجرور؛ فكأنه قال: وما هم بضاري به أحد، وفيه ما ذكرنا). [المحتسب: 1/103]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كفر سليمان ولكن الشّياطين كفروا}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {ولكن} خفيفة {الشّياطين} رفع وكذلك {ولكن الله قتلهم} {ولكن الله رمى} وحجتهم أن العرب تجعل إعراب ما بعد لكن كإعراب ما قبلها في الجحد فتقول ما قام عمرو ولكن أخوك وتصير لكن نسقا إذا كان ما قبلها جحد
وقرأ الباقون {ولكن} بالتّشديد {الشّياطين} نصب وحجتهم في ذلك أن دخول الواو في {ولكن} يؤذن باستئناف الخبر بعدها وأن العرب تؤثر تشديدها ونصب الأسماء بعدها وفي التّنزيل {ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون}
[حجة القراءات: 108]
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} {ولكن أكثركم للحق كارهون} أنّها بالتّشديد للواو الّتي في أولها ثمّ أجمعوا على تخفيف لكن الراسخون و{لكن الله يشهد} لما لم يكن في أولها واو
أعلم أن لكن كله تحقيق ولكن بالتّخفيف كلمة استدراك بعد نفي تقول ما جاء عمرو ولكن زيد خرج). [حجة القراءات: 109]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (58- قوله: {ولكن الشياطين} ونظائره، قرأ نافع وابن عامر: {ولكن البر} في الموضعين في هذه السورة بكسر النون، ورفع «البر» مخففًا، وقرأ الباقون بتشديد النون ونصب «البر» وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: {ولكن الشياطين}، و{لكن الله قتلهم}، و{لكن الله رمى} في الأنفال «17» بتخفيف النون وكسرها ورفع ما بعدها، وقرأ حمزة والكسائي: {ولكن الناس} في يونس «44» بتخفيف النون وكسرها، ورفع «الناس» وقرأ الباقون بتشديد النون في الأربعة وفتحها، ونصب ما بعدها.
59- وحجة من خفف النون، ورفع ما بعد «لكن»، أن «لكن» حرف إذا شددت نونه كانت من أخوات «إن» تنصب الاسم وترفع الخبر، إذا كان «هو» الاسم وإذا خففت نونه كان حرف عطف، لا عمل له، وربما أتى خفيفًا كأن يرتفع ما بعده بالابتداء والخبر، ويجوز أن تعمل «أن» مخففة، كما يعمل الفعل محذوفًا نحو: لم يك زيد قائمًا، ولا يحسن أن تعمل «لكن» مخففة لاختلاف مواقعها، إذ لم تلزم موضعا واحدًا، بل تكون عاطفة، وتكون للاستدراك، مخففة ومشددة، وتعمل عمل «إن» إذا شددت، فلما لم تلزم ولم تعمل مخففة رجع الكلام بعدها إلى أصله، وهو الابتداء والخبر، لأن «إن» وأخواتها إنما يدخلن على الابتداء والخبر، وأيضًا فإنها لما غيرت بالتخفيف، وكانت تُحدث في الكلام معنى الاستدراك فارقت «أن» الخفيفة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/256]
لأنها لا تحدث في الكلام معنى غير التأكيد، فلم تعمل عمل «أن» الخفيفة.
60- وحجة من شدد النون ونصب بها ما بعد «لكن» أنه أجرى الكلام على أصله، فأعمل «لكن» لأنها من أخوات «إن» فشددها على أصلها، وحاول في ذلك معنى التأكيد، الذي فيه معنى الاستدراك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/257]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [آية/ 102]:-
بتشديد {لكِنّ} ونصب ما بعده، وكذلك {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ} {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} {وَلَكِنَّ الله قَتَلَهُمْ} {وَلَكِنَّ الله رَمَى} جميعًا في الأنفال {وَلَكِنَّ النَّاسَ} في يونس، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب في الستة جميعًا، ونافع أيضًا إلا في حرفين بالتخفيف والرفع فيما بعده «البر» و«البر» وحمزة والكسائي بتشديد هذين الحرفين وتخفيف البواقي بخلاف نافع، وابن عامر بتشديد ما في يونس وتخفيف البواقي.
ووجه قراءة هؤلاء في تشديد {لكِنَّ} ونصب الاسم الذي بعده، هو أن {لكِنَّ} من أخوات إن، فهي تنصب الاسم وترفع الخبر لشبهها بالفعل بانفتاح آخرها كما ينفتح آخر الفعل الماضي، فلذلك عملت إن وأخواتها في المبتدأ والخبر، فنصبت المبتدأ على أنه اسمها ورفعت الخبر على أنه خبرها
[الموضح: 293]
على العكس من باب كان، فقوله {الشَيَاطين} نصب؛ لأنه اسم {لكِنّ}، وقوله {كَفَرُوا} في موضع رفعٍ، لأنه خبرها.
وأما قراءة من قرأ بتخفيف {لكِنْ} ورفع الاسم بعده، فوجهها أن {لكِنْ} مخففة من {لكِنّ} المشددة، ولما خففت زال شبه الفعل عنها بسكون آخرها فبطل عملها الذي استحقته بمشابهة الفعل وصار ما بعدها مرفوعًا بالابتداء، وقد يجوز في إن الذي هو الأصل في الباب الإعمال بعد التخفيف، ولا يجوز ذلك في {لكِنْ} تنبيهًا على أن الأصل في هذه الحروف ترك الإعمال بعد التخفيف، وإنما خفف من خفف البعض، وشدد البعض أخذًا باللغتين). [الموضح: 294]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة وابن بُريدة وأبي السمال: [لَمثْوَبَةٌ].
قال أبو الفتح: قد ذكرنا شذوذ صحتها عن القياس فيما مضى). [المحتسب: 1/103]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #31  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (104) إلى الآية (105) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}

قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #32  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:13 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (106) إلى الآية (110) ]
{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله - عزّ وجلّ -: (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها... (106).
بضم النون وكسر السين ابن عامر.
(أو ننسها... (106).
بالفتح والهمز ابن كثير وأبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وضمّها وفتح السين وكسرها من قوله جلّ وعزّ: ما ننسخ من آيةٍ [البقرة/ 106].
فقرأ ابن عامر وحده: (ما ننسخ) بضم النون الأولى وكسر السين.
وقرأ الباقون: (ما (ننسخ) بفتح النون الأولى والسين مفتوحة.
قال أبو علي: النسخ في التنزيل: رفع الآية وتبديلها.
ورفعها على ضروب: منها أن ترفع تلاوتها. وحكمها، كنحو ما روي عن أبي بكر الصديق أنّه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم إنّه كفر» ومنها أن تثبت الآية في الخطّ ويرتفع حكمها كقوله: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة/ 11]. فهذه ثابتة اللفظ في الخطّ مرتفعة الحكم.
ونسخ حكمها يكون على ضربين: بسنّة أو بقرآن، مثل الآية المنسوخة. فممّا نسخ بالسنّة الآية التي تلوناها- ومنه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/180]
يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ، اللّه أعلم بإيمانهنّ [الممتحنة/ 10].
وأمّا المنسوخ بقرآن مثله؛ فقوله في الأنفال: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً [الأنفال/ 65]. فنسخ بقوله: الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين [الأنفال/ 66] وقوله:
والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ [البقرة/ 240] فهذا نسخ بقوله:
والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً [البقرة/ 234]. ومنها ما يرتفع اللفظ من التنزيل ويثبت الحكم، كالحكم برجم الثيّبين، وما روي عن عمر من أنّه قال: لا تهلكوا عن آية الرّجم، فإنّا كنا نقرأ:
(الشيخ والشيخة فارجموهما).
ومما جاء في التنزيل من ذكر النّسخ قوله: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته، فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته [الحج/ 52].
[الحجة للقراء السبعة: 2/181]
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قرأ سورة النجم فأتى على قوله:
أفرأيتم اللّات والعزّى، ومناة الثّالثة الأخرى [الآية/ 19] وصل به: (تلك الغرانقة الأولى. وإن شفاعتهن لترتجى) فسّر المشركون بذلك وقالوا: قد أثنى على آلهتنا. فهذا حديث مرويّ من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم. وذهب عامة أهل النظر فيما علمت إلى إبطاله وردّه، وأنّ ذلك لا يجوز على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وجه ما رووا، ولو صحّ الحديث وثبت لم يكن في هذا الكلام ثناء على آلهة المشركين، ولا مدح لها. ولكن يكون التقدير فيه: تلك الغرانقة الأولى. وإنّ شفاعتهنّ لترتجى عندكم، لا أنها في الحقيقة كذلك كما قال: ذق إنّك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49] أي: العزيز الكريم عند نفسك. وكما حكي عن من آمن من السحرة سحرة فرعون: وقالوا يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49]، ومن آمن من السحرة وصدّق موسى. لا يعتقدون فيه أنه ساحر وإنما التقدير: قالوا يا أيها
[الحجة للقراء السبعة: 2/182]
الساحر فيما يذهب إليه فرعون وقومه أو فيما يظهرون من ذلك، وكما قال: وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً [الأحزاب/ 25] فسمّي ما كان يناله المشركون من المسلمين- لو نالوا- خيرا على ما كان عندهم، وكما قال وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ [الحجر/ 6] فهذا على: يا أيّها الذي نزّل عليه الذّكر عنده وعند من تبعه، ولو اعترفوا بتنزيل الذّكر عليه لم يقولوا ما قالوه، وقال زهرة اليمن:
أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها... أنّي الأغرّ وأنّي زهرة اليمن
فأجابه جرير:
ألم تكن في وسوم قد وسمت بها... من حان- موعظة يا زهرة اليمن
وهذا النحو في الكلام الذي يطلق، والمراد به التقييد على صفة واسع غير ضيّق. فعلى هذا كان يكون تأويل هذا الكلام لو صحّ [أو سلم] لراويه، وإن لم يصحّ فالمعنى في قوله: (فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان) أي: يرفعه ويبيّن إبطاله
[الحجة للقراء السبعة: 2/183]
بالحجج الظاهرة. وقد يجوز أن يكون: ألقى الشّيطان في أمنيّته أي: في حال تلاوته، ولا دلالة على أنّ إلقاء ذلك في حال التلاوة، إنما هو من التالي. لكن ممّن يريد التلبيس من شياطين الإنس، فيبيّن الله ذلك، ويظهره عند من نظر واعتبر، ثم يحكم الله آياته عن أن يجوز فيها ما لا يجوز في دينه من تمويه المموّهين، وتلبيس الملبسين، ومن ذلك قوله: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ، إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية/ 29] فقوله: (نستنسخ) يجوز أن يكون ننسخ كقوله:
وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] أي يسخرون، ويجوز أن يكون يستدعي ذلك، واستدعاء ذلك إنّما هو بأمر الملائكة بكتابته وحفظه ليحتجّ عليهم بأعمالهم كقوله: بلى ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف/ 80] وقوله: ما يلفظ من قولٍ إلّا لديه رقيبٌ عتيدٌ [ق/ 18] وإنّ عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون [الانفطار/ 10] وقوله: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ ما أسلفت [يونس/ 30] وكقوله: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً [الإسراء/ 14] وكقوله تعالى: فأولئك يقرؤن كتابهم [الإسراء/ 71] ونحو ذلك من الآي التي تدلّ على أنّ أعمال العباد مكتوبة محصاة.
فأمّا قراءة ابن عامر ما ننسخ من آيةٍ بضمّ النون، فالقول فيها: أنها لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون أفعل لغة في هذا الحرف كقولهم: حلّ من إحرامه، وأحلّ.
وقولهم: بدأ الخلق وأبدأهم. أو تكون الهمزة للنقل كقولك: قام
[الحجة للقراء السبعة: 2/184]
وأقمته، وضرب وأضربته، ونسخ الكتاب وأنسخته الكتاب. أو يكون المعنى في أنسخت الآية: وجدتها منسوخة، كقولهم:
أحمدت زيدا وأجبنته وأبخلته، أي: أصبته على بعض هذه الأحوال. فلا يجوز أن يكون لغة على حدّ حلّ وأحلّ، وبدأ وأبدأ لأنّا لم نعلم أحدا حكى ذلك، ولا رواه عن أحد، ولا تكون الهمزة لمعنى النقل، لأنّك لو جعلته كذلك، وقدّرت المفعول محذوفا من اللّفظ مرادا في المعنى كقولك: «ما أعطيت من درهم فلن يضيع عندك» لكان المعنى: ما ننزّل عليك من آية أو ننسها نأت بخير منها. وذلك أن إنساخه إياها إنما هو إنزال في المعنى، ويكون معنى الإنساخ: أنه منسوخ من اللوح المحفوظ أو من الذّكر،
وهو الكتاب الذي نسخت الكتب المنزلة منه. وإذا كان كذلك فالمعنى: ما ننزل من آية، أو: ما ننسخك من آية، أو ننسها، لأنّ ابن عامر يقرأ:
أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها [البقرة/ 106] وليس هذا المراد ولا المعنى، ألا ترى أنه ليس كلّ آية أنزلت أتي بآية أذهب منها في المصلحة. وإنما قوله: نأت بخيرٍ منها تقديره نأت بخير من المنسوخ، أي أصلح لكم أيها المتعبّدون. وأقلّ الآي هي المنسوخة وأكثرها غير منسوخ، فإذا كان تأويلها هذا التأويل يؤدي إلى الفساد في المعنى، والخروج عن الغرض الذي قصد به الخطاب؛ علمت أنّ توجيه التأويل إليه لا يصحّ، وإذا لم يصحّ ذلك، ولا الوجه الذي ذكرناه قبله، ثبت أن وجه قراءته إنما هو على القسم الثالث وهو: أنّ قوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/185]
ننسخ: نجده منسوخا، وإنما نجده كذلك لنسخه إياه، فإذا كان كذلك كان قوله: ننسخ بضم النون، كقراءة من قرأ ننسخ بفتح النون، يتفقان في المعنى وإن اختلفا في اللفظ.
وقول من فتح النون فقرأ: ما ننسخ من آيةٍ أبين وأوضح.
اختلفوا في ضمّ النون الأولى وترك الهمزة وفتح النون مع الهمز في قوله: ننسأها [البقرة/ 106].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها: بفتح النون الأولى مع الهمز، وقرأ الباقون: ننسها بضم النون الأولى وترك الهمز.
قال أبو علي: أما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: ننسأها بفتح النون وهمز لام الفعل. ففسّر على التأخير، أي:
نؤخرها.
وقال: بعض من لا [ينبغي أن] يعبأ بقوله: إن التأخير هنا لا معنى له. وقد قرأ بذلك من السّلف فيما ذكر، عمر وابن عباس، ومن التابعين إبراهيم وعطاء، وقرأ به عبيد بن عمير.
وروى ابن جريج عن مجاهد ما ننسخ من آيةٍ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/186]
«نمحاها أو ننسأها» قال: نثبت خطّها ونبدل حكمها.
وقال أبو زيد: نسأت الإبل عن الحوض، فأنا انسؤها نس ءا: إذا أخّرتها عنه. ونسأت الإبل، فأنا أنسؤها نس ءا. إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك، وتقول:
انتسأت عنك انتساء. إذا تباعدت عنه، وأنسأته الدّين إنساء:
إذا أخّرته عنه واسم ذلك النّسيئة.
فأما معنى التأخير في قوله: ننسأها فقال ناس من أهل النظر فيه: إنّ التأخير في الآية يتوجّه على ثلاثة أنحاء منها: أن يؤخّر التنزيل فلا ينزل البتّة، ولا يعلم ولا يعمل به، ولا يتلى. فالمعنى على هذا: ما ننسخ من آية أو ننسأها أي: نؤخّر إنزالها، فلا ننزلها.
والوجه الثاني: أن ينزل القرآن فيعمل به ويتلى ثم يؤخّر بعد ذلك بأن ينسخ فترفع تلاوته البتة، ويمحى فلا يتلى ولا يعمل بتأويله وذلك مثل ما روى يونس عن الحسن أنّ أبا بكر الصديق قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم إنه كفر. ومثل ما روي عن زرّ بن حبيش أنّ أبيّا قال له: كم تقرءون الأحزاب؟ قلت: بضعا وسبعين آية. قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أطول من سورة البقرة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/187]
والوجه الثالث: أن يؤخّر العمل بالتأويل لأنه نسخ ويترك خطّه مثبتا وتلاوته قرآن يتلى، وهو ما حكي عن مجاهد أنّه قال: يثبت خطّها ويبدل حكمها. وهذا نحو قوله: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم، فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة/ 11] فهذا مثبت اللفظ مرفوع الحكم.
وأما من قرأ ننسها من النسيان فإنّ لفظ (نسي) المنقول منه أنسي على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى الترك، والآخر: النسيان الذي هو مقابل الذكر، فمن الترك قوله:
نسوا اللّه فنسيهم [التوبة/ 67] أي: تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم. وإضافة الترك إلى القديم سبحانه في نحو هذا اتساع. كقوله: وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون [البقرة/ 17] وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ [الكهف/ 99] أي: خلّيناهم وذاك.
وقال جويبر عن الضحّاك في قوله: اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا [الجاثية/ 34] قال: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري.
فأمّا قوله: ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فقوله نسينا يحتمل الوجهين: يجوز أن يكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر، والخطأ: من الإخطاء الذي
[الحجة للقراء السبعة: 2/188]
ليس التعمّد، ومجاز ذلك على أنهم تعبّدوا بأن يدعوا على أن لا يؤاخذوا بذلك، وإن كانوا قد علموا أن القديم سبحانه لا يؤاخذ بهما.
وقد جاء في الحديث المأثور: «رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما أكرهوا عليه»
كما جاء في الدعاء قال ربّ احكم بالحقّ [الأنبياء/ 112] وهو سبحانه لا يحكم إلا بالحقّ، وكما قال: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] وما وعدهم الله به على ألسنة الرّسل يؤتيهم الله إياه، وكذلك تعبّد الله الملائكة بالدّعاء بما يفعله الله لا محالة فقال: يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به، ويستغفرون للّذين آمنوا، ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً، فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم إلى قوله: وقهم السّيّئات [غافر/ 9]. وعلى هذا يمكن أن يكون قوله: ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به [البقرة/ 286] الاستطاعة ويكون على قوله لا تحمّلنا ما يثقل علينا ويشقّ وإن كنّا مستطيعين له.
ويجوز أن يكون إن نسينا على: إن تركنا شيئا من اللازم لنا.
ومن التّرك قوله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي [طه/ 115] أي ترك ما عهدنا إليه. ومنه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/189]
ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 19] أي: كالذين تركوا طاعة الله وأمره، فأنساهم أنفسهم، أي: لم يلطف لهم كما يلطف للمؤمنين في تخليصهم أنفسهم من عقاب الله، والتقدير: ولا تكونوا كالذين نسوا أمر الله أو طاعته، فأنساهم تخليص أنفسهم من عذاب الله وجاز أن ينسب الإنساء إليه. وإن كانوا هم الفاعلون له والمذمومون عليه، كما قال:
وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، فأضاف الرمي إلى الله سبحانه لما كان بقوته، وإقداره، فكذلك نسب الإنساء إليه، لمّا لم يلطف لهذا المنسى كما لطف للمؤمن الذي قد هدي، وكذلك قوله: وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا [الجاثية/ 34] أي:
نسيناكم كما نسيتم الاستعداد للقاء يومكم هذا، والعمل في التخلص من عقابه. وأما قوله: واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24] فعلى معنى التّرك، لأنه إذا كان المقابل للذكر لم يكن مؤاخذا. ومما هو خلاف الذكر، قوله: في كتابٍ لا يضلّ ربّي ولا ينسى [طه/ 52] فقوله: لا يضلّ ربّي هو في تقدير حذف الضمير العائد إلى الموصوف. وقال: فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي [طه/ 88] ففي قوله: نسي، ضمير السامري، أي: ترك التوحيد باتخاذه العجل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/190]
وقال بعض المفسرين: نسي موسى ربّه عندنا، وذهب يطلبه في مكان آخر. وأما قوله: اذكرني عند ربّك فأنساه الشّيطان ذكر ربّه [يوسف/ 42] فإن إنساء الشيطان هو أن يسوّل له، ويزيّن الأسباب التي ينسى معها. وكذلك قوله:
فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف/ 63] يجوز أن يكون الضمير في أنساه ليوسف أي أنسى يوسف ذكر ربه كما قال: وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى [الأنعام/ 68].
ويجوز أن يكون الضمير في أنساه للذي ظنّ أنه ناج، ويكون ربّه ملكه. وفي الوجه الأول يكون ربّه الله سبحانه، كأنه أنساه الشيطان أن يلجأ إلى الله في شدته. وأما قوله:
فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون [الأنعام/ 41] فالتقدير: تنسون دعاء ما تشركون فحذف المضاف، أي: تتركون دعاءه، والفزع إليه، إنما تفزعون إلى الله سبحانه، ويكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر كقوله: وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه [الإسراء/ 67] أي تذهلون عنه فلا تذكرونه.
وقال: فاتّخذتموهم سخريًّا حتّى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110]. فهذا يجوز أن يكون منقولا من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون من الذي هو خلاف الذكر،
[الحجة للقراء السبعة: 2/191]
واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخريّا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخريا وبالضحك منهم، أي: تركتموه من أجل ذلك، وإن كانوا ذاكرين وغير ناسين، فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن كانوا لم يفعلوه لمّا كانوا كالسبب لإنسائهم، فهذا كقوله: ربّ إنّهنّ أضللن كثيراً من النّاس [إبراهيم/ 36] وعلى هذا قوله: فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 19] فأسند النسيان إليه، والمعنى على أنهم نسوا ذلك.
فأمّا قوله: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها [البقرة/ 106] فمنقول من نسيت الشيء: إذا لم تذكره، قال الفراء: والنسيان هنا على وجهين:
أحدهما: على الترك، نتركها ولا ننسخها.
والوجه الآخر: من النسيان كما قال: واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24].
قال أبو علي: قول الفراء نتركها ولا ننسخها، لا يستقيم هنا، وإنما هو من النسيان الذي ينافي الذكر، ألا ترى أنه قد قال:
نأت بخيرٍ منها أو مثلها [البقرة/ 106] وليس كل ما أخّرت من الآي فلم تنسخ ولم يبدل حكمها يؤتى بخير من المنسوخة بآية أو المنسأة، وليس المعنى: ما ننسخ من آية أو نقرّها فلا ننسخها نأت بخير منها، إنما المعنى: أنّا إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/192]
رفعناها من جهة النسخ بآية، أو الإنساء؛ أتينا بخير من التي ترفع وتبدل على أحد هذين الوجهين، ومعنى نأت بخير منها:
أنه أصلح لمن تعبّد بها، وليس المعنى في قوله: نأت بخير منها، أن الناسخة خير من المنسوخة أو المنساة، أي: أفضل منها، ولكن أصلح لمن تعبّد بها وأدعى لهم.
وقال أبو إسحاق: قال أهل اللغة في معنى: أو ننسها قولين: قال بعضهم: أو ننسها من النسيان، قال: وقالوا:
ودليلنا على ذلك قوله: سنقرئك فلا تنسى، إلّا ما شاء اللّه [الأعلى/ 6] فقد أعلم أنّه شاء أن ينسى، قال: وهذا القول عندي ليس بجائز، لأن الله قد أنبأ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] أنه لا يشاء أن يذهب بما أوحى إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال أبو علي: هذا الذي احتجّ به على من ذهب إلى أنّ ننسها من النسيان، لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه من أن ذلك من النسيان، وذلك أن قوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ والتبديل من الأخبار وأقاصيص الأمم، ونحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل. والذي ينساه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما يجوز أن ينسخ من الأوامر والنواهي الموقوفة على المصلحة في الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح.
[الحجة للقراء السبعة: 2/193]
ويدلك على أن ننسها من النسيان الذي هو خلاف الذكر من قولك: نسيت الشيء وأنسانيه غيري، قراءة من قرأ: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها. وقراءة من قرأ: أو ننسكها.
فأمّا قوله: تنسها فقراءة سعد بن أبي وقاص. روى هشيم قال: أخبرني يعلى بن عطاء عن القاسم بن ربيعة بن قائف الثقفي قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقرؤها: ما ننسخ من آية أو تنسها. قال: فقلت له: إنّ سعيد بن المسيب يقرأ: أو تنسها أو: ننساها قال: إنّ القرآن لم ينزل على آل المسيّب، قال الله لنبيه: سنقرئك فلا تنسى [الأعلى/ 6] واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24]. وقرأ أيضاً تنسها أوّلها تاء مفتوحة من النسيان: سعد بن مالك، حكاها أبو حاتم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/194]
وأما ننسكها فإنّ الكسائيّ قال: رأيت في مصاحف على قراءة سالم مولى أبي حذيفة: ما ننسخ من آية أو ننسكها النون الأولى مضمومة والثانية ساكنة.
قال أبو علي: فالمفعول المراد المحذوف في قراءة من قرأ أو ننسها مظهر في قراءة من قرأ: ننسكها ويؤكد ذلك ويبيّنه قراءة من قرأ: أو تنسها.
قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن الحسن عن قرة بن خالد، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: تنسها. ألا ترى أن الفعل يتعدّى إلى مفعولين، فلما بني الفعل للمفعول قام أحدهما مقام الفاعل، فبقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد. ويؤكد ذلك أيضا، ما روي من قراءة ابن مسعود: ما ننسك من آية أو ننسخها. وبقراءة ابن مسعود، قرأ الأعمش، وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد، قال: قراءة أبيّ: ما ننسخ من آية أو ننسك.
فهذا كله يثبت قول من جعل ننسها على أنه من النسيان، وليس ذلك مما أريد بقوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] لأن ذلك إنما هو فيما لا يجوز عليه النسخ. فأما ما يجوز عليه النسخ والرفع فقد يجوز أن يرفع بالنسيان كما يرفع بالنسخ، وذلك أنه يرفع من التلاوة والخط فينسى، وليس ذلك على وجه سلب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، شيئاً
[الحجة للقراء السبعة: 2/195]
أوتيه من الحكمة، كما أنّ نسخ ما نسخ بآية أو بسنّة لا يكون سلبا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً أوتيه من الحكمة.
ومما يؤكد ذلك أن سعيداً روى عن قتادة أنه قال:
كانت الآية تنسخ بالآية وينسي الله نبيّه من ذلك ما يشاء. وقد قدمنا أن ننسها لا يجوز أن يكون منقولًا من نسي الذي معناه ترك.
وقول أبي إسحاق وفي قوله: فلا تنسى إلّا ما شاء اللّه [الأعلى/ 6، 7] قولان يبطلان هذا القول الذي حكيناه عن بعض أهل اللغة، أحدهما: فلا تنسى، أي: فلست تترك، إلا ما شاء الله أن تترك. ويجوز أن يكون إلّا ما شاء اللّه أن يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد.
قال أبو علي: فالقول فيه أن قوله: سنقرئك فلا تنسى إن حمل فيه لا تنسى على النسيان الذي يقابل الذكر أشبه من أن يحمل على ما يراد به الترك، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا نزل عليه القرآن أسرع القراءة وأكثرها، مخافة النسيان فقال:
سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه، لرفعه ذلك بالنسيان، كرفعه إياه بالنسخ بآية أو سنّة. ويؤكد ذلك قوله:
لا تحرّك به لسانك لتعجل به، إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه [القيامة/ 16 - 17] وقوله: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه [طه/ 114] فحمل قوله: فلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/196]
تنسى على الترك، إذا كان يسلك به هذا المسلك- ليس بالوجه. فإن قال: أحمله على الترك دون النسيان. قيل: فإن للذي أنكرت قوله- في أنه من النسيان، وقلت إن قوله: لا يجوز، لقوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] وأنه لا يجوز أن يذهب بما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- أن يقول: ولا يجوز له أن يترك شيئا مما أوحى إليه، كما قلت أنت: لا يجوز أن ينسى شيئاً مما يوحى إليه.
فإن جاز أن يترك منه شيئاً؛ جاز أن ينسى منه شيئاً. ولا يكون نسيانه له على وجه الرّفع منكراً، كما لم يكن تركه إذا شاء الله تركه منكراً. فإذا كان الأمر على هذا، فقد صار هو أيضاً إلى مثل ما أنكره من قول من أنكر قوله.
فأمّا قوله: ويجوز أن يكون ما شاء الله مما يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد، فإنّ هذا الضرب من النسيان، وإن كان جائزاً على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- لما
روي من أنه قام في الثانية، فسبّح به فلم يرجع، وسجد للسهو.
ونحو ما روي من حديث ذي اليدين ونحو ما
روي من أنه صلى فنسي آية، فلما فرغ من صلاته، قال: «أفي القوم أبيّ؟ قيل: نعم يا رسول الله، أنسخت آية كذا أم نسيتها؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/197]
نسيتها».
من حديث عبد الرحمن بن أبزى -.
فليس المراد في هذا الموضع، لأنه في حكم الذكر من حيث كان المأثم فيه موضوعا، وإنما المراد به النسيان الذي هو رفع من التلاوة والخط، وعلى هذا استدلّ به سعد بن أبي وقاص، وعليه حمل ناس من أهل النظر فهذا أولى، وإن كان ما ذهب إليه أبو إسحاق غير ممتنع في غير هذا الموضع.
قال أبو إسحاق: وقالوا في: ننسها قولًا آخر، وهو خطأ. قالوا: أو نتركها، وهذا إنما يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت تركت، وإنما معنى أو ننسها أي:
أو نتركها. أي: نأمركم بتركها.
والقول في ذلك: أنّ من فسر أنسيت بتركت، لا يكون مخطئاً، وذلك أنك إذا قلت: أنساني الشيطان ذكر كذا، فإنه إذا أنساك نسيت، وإذا قال: أضربت زيداً عمراً، فكأن المعنى: جعلت زيداً يضرب عمراً، فزيد يضرب إذا أضربته، كما ينسى إذا أنسيته، فإذا عبّر عن ذلك بما يوجبه فعله لم يكن خطأ، وإن كان إذا عبر عن تنسي بيترك، كان أشدّ موافقة له في اللفظ، ومطابقة فيما تريد من المعنى. ويدلّك على أن ذلك ليس بخطإ، أن المفعول الأول من الفعل المتعدي إلى
[الحجة للقراء السبعة: 2/198]
مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة فاعل المفعول الثاني، فإذا عبّرت عنه بنسيت، فقد جئت بشيء دلّ كلامك عليه، كما أنك إذا عبّرت عنه على التحقيق فقد أتيت بما دلّ كلامك عليه.
فإذا اتفقا في دلالة الكلام على كل واحد منهما لم يكن خطأ. وهذا النحو يستعمله المتقدمون من السلف المفسرون وغيرهم كثيراً على أنّ أتركت وإن كان يوجبه القياس فإنّا لم نعلم الاستعمال جاء به، وإذا لم يأت به الاستعمال لم يمتنع أن يكون مثل أشياء من هذا الباب يوجبه القياس، ولم يأت به الاستعمال، فرفض لذلك. ألا ترى أنهم قالوا: دفعت زيداً بعمرو ولم يقولوا: أدفعت.
وذهب سيبويه إلى أن ذلك مرفوض وكذلك صككته بكذا، ورفضوا استعمال الهمزة، وكذلك لقيت زيداً، لم يستعملوا نقله بالهمزة، وليس ألقيت منقولًا من لقيت، ألا ترى أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وكذلك ميّزت ليس بمنقول من مزت، فإذا رفض النقل بالهمزة في هذه الأشياء ونحوها، أمكن أن يكون تركت أيضاً مثلها فلم تنقل بالهمزة، ويقوي ذلك أنّا لم نعلمه ثبت في سمع كما لم تثبت هذه الأشياء.
فإذا لم يرد به سمع دل ذلك على الرفض له. ففسر الذي فسر ذلك على ما جاء السمع به دون ما أوجبه القياس الذي لعله رآه المفسّر مرفوضاً غير مأخوذ به.
وقوله: وإنما معنى أو ننسها أو: نتركها، أي: نأمركم
[الحجة للقراء السبعة: 2/199]
بتركها؛ فالقول في ذلك: لا يخلو من أن يكون المراد بنتركها الذي يراد به تقرير الشيء، كما تقول: اترك هذا في موضعه، أي: قرره فيه ولا ترفعه منه، أو يكون المراد بنتركها أي: نرفعها ونبدلها. فإن كان المراد الوجه الأول الذي هو التقرير في موضعه، وأن لا يرفع؛ فهذا لا يقع الأمر به، لأنه ليس إلى النبي ولا إلى المسلمين تقرير الآي في مواضعها، إنّما ذلك إلى الله إذا أنزل آية كانت مقرّرة حتى يرفعها بنسخ أو إنساء، فالأمر لنا بتقرير ذلك لا يصحّ إلا أن يراد الاعتقاد، لأن ذلك ثابت غير منسوخ، وهذا الأمر ليس بالكثير الفائدة، لأن النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم، والمسلمين إذا أنزل الله تعالى آية قرروها في موضعها، واعتقدوا أنه قرآن منزل وكلام لرب العالمين قد ثبت، حتى يرفع بنسخ أو نسيان إن كان ذلك يجوز فيها. وإن كان المراد بقوله: نأمركم بتركها، نأمركم بأن ترفعوا ذلك وتتركوه؛ فذلك ليس إلى النبي ولا إلى المسلمين، وإنما تبديلها ونسخها إلى الله، يدل على ذلك قوله: قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ [يونس/ 15] فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ، وما الفصل بين الترك والنسخ؟ فالجواب في ذلك: أن النسخ أن يأتي في الكتاب نسخ آية بآية فتبطل الثانية العمل بالأولى، ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تنزل ناسخة التي قبلها، نحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/200]
إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ [الممتحنة/ 10] ثم أمر المسلمون بعد بترك المحنة، فهذا يدل على معنى الترك ومعنى النسخ، وقد بيناه فهذا هو الحق.
قال أبو علي: القول في ذلك أن ما ذكره من أن النسخ: أن يأتي في الكتاب نسخ الآية بالآية فتبطل الثانية العمل بالأولى؛ ليس بحقيقة النسخ، لكن هذا ضرب من النسخ. وقد يكون النسخ للآية والتبديل لها على ضروب أخر، وما أعلم فيه رواية ولا قياسا يدلّ على ما ذكره. وقد ينسخ القرآن عند عامّة الفقهاء بسنّة غير آية، ولا يمتنعون من أن يسموا ذلك نسخا، ولا يمتنع أن يسمى الضرب الذي سماه أبو إسحاق تركا نسخا.
ومما يدل على ذلك أن الزهري روى عن عروة عن عائشة قالت: نزل في أصحاب بئر معونة قرآن منه: «بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا» ثمّ نسخ، فسمّت عائشة ذلك نسخا، ولم تسمّه تركا، وسمته نسخا وإن لم ينسخ بآية فهذا يفسد القسمين اللذين قسمهما. ألا ترى أنها سمت ذلك نسخا، وإن لم ينسخ ذلك بآية ولم تسمه تركا. كما زعم أنه يسمّى نحو قوله: إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ [الممتحنة/ 10] تركا من حيث أمر المسلمون بترك الامتحان لهنّ من غير آية نزلت. ويفسد ذلك أيضا ما روي عن
[الحجة للقراء السبعة: 2/201]
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من
حديث حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما قاعد في أصحابه إذ ذكر حديثا، فقال: ذاك وأن ينسخ القرآن، فقال رجل كالأعرابي:
يا رسول الله ما ينسخ القرآن؟ وكيف ينسخ؟ قال: «يذهب أهله الذين هم أهله، ويبقى رجال كأنهم النعام. يعني في خفة الطير».
فقد سمّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا نسخا، وإن لم ينسخ بآية فإذا لم يثبت بتسميته النسخ سماع ولا قياس، وجاءت اللغة بخلاف ما ذكره، علمت أنه قول لا وجه له). [الحجة للقراء السبعة: 2/202]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنَسِّهَا] مشددة السين.
وقرأ سعد بن أبي وقاص والحسن ويحيى بن يعمر: [أو تَنْسَها] بتاء مفتوحة.
وقراءة سعيد بن المسيب والضحاك [تُنْسَها] مضمومة التاء مفتوحة السين.
وفي حرف ابن مسعود: [ما نُنْسِكَ من آية أو نَنسخْها].
قال أبو الفتح: أما [نُنَسِّها] فنُفَعِّلها من النسيان، فيكون فَعَّلْت في هذا كأفعلت في قراءة أكثر القراء: {نُنْسِها}، وهو في الموضعين على حذف المفعول الأول؛ أي: أو ننس أحدًا إياها؛ كقولك: ما نَهبُ من قرية أو نُقْطِعُها؛ أي: أو نُقطع أحدًا إياها.
ومن قرأ: [تَنْسَها] أراد: أو تَنْسها أنت يا محمد.
[المحتسب: 1/103]
ومن قرأ [تُنْسَها] مر أيضًا على تنسها أنت، إلا أن الفاعل في المعنى هنا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون الْمُنْسِي لها هو الله تعالى.
والآخر: أن يكون الْمُنْسِي لها ما يعتاد بني آدم من أعراض الدنيا غمًّا أو همًّا، أو عدواة من إنسان، أو وسوسة من شيطان.
فأما قوله عز اسمه: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فقد يمكن أن يكون ما يحدثه من النسيان أعراض الدنيا مما شاء الله زيادة في التكليف، وتعرضًا بمقاساته ومقاومته للثواب.
ويدل على جواز كون المنسي هو الله تعالى -وإن كانت التلاوة [أو تُنْسَها]- قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} مع قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ}، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.
ويؤكد هذا قراءة ابن مسعود: [ما نُنْسِك من آية]، وفيه بيان، وقد يقول الإنسان: ضُرب زيد، وإن كان القائل لذلك هو الضارب، وهذا يدل على أن الغرض هنا: أن يُعلم أنه مضروب، وليس الغرض أن يعلم مَن ضربه؛ ولذلك بُني هذا الفعل للمفعول، وأُلغي معه حديث الفاعل؛ فقام في ذلك مقامه ورُفع رفعه، فهذه طريق ما لم يُسم فاعله). [المحتسب: 1/104]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}
قرأ ابن عامر {ما ننسخ من آية} بضم النّون وكسر السّين بمعنى ما ننسخك يا محمّد ثمّ حذف المفعول من النّسخ ومعناه ما آمرك بنسخها أي بتركها تقول نسخت الكتاب وأنسخت غيري أي حملته على النّسخ
وقرأ الباقون ما ننسخ بفتح النّون والسّين من نسخ إذا غير الحكم وبدل يقول نسخ الله الكتاب ينسخه نسخا وهو أن يرفع حكم آية بحكم آخرى قال ابن عبّاس {ما ننسخ من آية} أي ما نبدل من حكم آية بحكم آخر
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أو ننسأها) أي نؤخر حكمها وحجتهما أن ذلك من التّأخير فتأويله ما ننسخ من آية فنبدل حكمها أو نؤخر تبديل حكمها فلا نبطله نأت بخير منها ويكون المعنى ما نرفع من آية أو نؤخرها فلا نرفعها
[حجة القراءات: 109]
وقرأ الباقون {أو ننسها} بضم النّون وحجتهم في ذلك قراءة أبي وسعد بن أبي وقاص وقرأ أبي بن كعب {أو ننسها} معناه ننسك نحن يا محمّد وقرأ سعد أو تنسها المعنى أو تنسها أنت يا محمّد وقراءتهما تدل على النسيان وإن كان بعضهم أضافه إلى النّبي صلى الله عليه وبعضهم أخبر أن الله فعل ذلك به وليس بين القولين اختلاف لأنّه ليس يفعل النّبي صلى الله عليه إلّا ما وفقه الله له إذا أنساه نسي قال أبو عبيد أو ننسها من النسيان ومعناه أن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه وقال آخرون منهم ابن عبّاس أو ننسها أو نتركها فلا نبدلها
قال علماؤنا يلزم قائله أن يقرأها أو ننسها بفتح النّون ليصح معنى نتركها فأما إذا ضمت النّون فإنّما معناه ننسك يا محمّد وهذا لا يكون بمعنى التّرك
الجواب عنه يقال نسيت الشّيء أي تركته وأنسيته أي أمرت بتركه فتأويل الآية {ما ننسخ من آية} أي نرفعها بآية أخرى ننزلها {أو ننسها} أي نأمرك بتركها). [حجة القراءات: 110]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {ما ننسخ} قرأه ابن عامر بضم النون الأولى، وكسر السين، جعله رباعيًا من «أنسخت الكتاب» على معنى: وجدته منسوخًا، مثل: أحمدت الرجل، وجدته محمودًا، وأبخلت الرجل، وجدته بخيلًا، ولا يجوز أن يكون «أنسخت» بمعنى «نسخت» إذ لم يُسمع ذلك، ولا يحسن أن تكون الهمزة للتعدي، لأن المعنى يتغير، ويصير المعنى: ما نسختك يا محمد من آية وإنساخه إياها إنزالها عليه، فيصير المعنى: ما ننزل عليك من آية أو ننسخها نأت بخير منها، يؤول المعنى إلى أن كل آية أنزلت أتى بخير منها، فيصير القرآن كله منسوخًا، وهذا لا يمكن؛ لأنه لم ينسخ إلا اليسير من القرآن، فلما امتنع أن يكون «أفعل» و«فعل» فيه بمعنى؛ إذ لم يُسمع، وامتنع أن تكون الهمزة للتعدي، لفساد المعنى، لم يبق إلا أن يكون من باب «أحمدته وأبخلته»، وجدته محمودًا وبخيلًا، فأما من قرأه بفتح النون فهو المعنى الظاهر المستعمل، على معنى ما نرفع من حكم آية، ونبقي تلاوتها، نأت بخير منها لكم أو مثلها،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/257]
ويحتمل أن يكون المعنى: ما نرفع من حكم آية وتلاوتها أو ننسكها يا محمد، فلا تحفظ تلاوتها، نأت بخير منها، أو مثلها، أي: نأتي بأصلح منها لكم، وأصلح في التعبد، أو نأت بمثلها في التعبد، وقد بينا هذا في الكتاب «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه» بأقسامه ومعانيه، والاختيار فتح النون في «ننسخ» لأنه الأصل، ولأنه ظاهر التلاوة، ولأنه قد أجمع عليه القراء، وهو اختيار أبي عبيد وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/258]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {أو ننسها} قرأه أبو عمرو وابن كثير بفتح النون الأولى، وفتح السين والهمز، جعلاه من التأخير على معنى: أو نؤخر نسخ لفظها نأت بخير منها، فهو من: نسأ الله في أجلك، أي: أخَّر فيه، وتأخير النسخ على وجهين: أحدهما أن يؤخر التنزيل للآية، فلا ينزل من اللوح المحفوظ، والثاني: أن ينزل القرآن، فيُتلى، ويُعمل به، ثم يؤخر، فينسخ العمل به دون اللفظ أو ينسخ العمل به واللفظ، أو ينسخ اللفظ ويبقى العمل. وكل هذا قد فُسر ومُثل وبُين في كتاب «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه»، وبه قرأ عمر وابن عباس ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/258]
والنخعي وعطاء بن أبي رباح وابن محيصن، وقرأ الباقون بضم النون الأولى وكسر السين من غير همز، جعلوه من النسيان الذي هو ضد الذكر، على معنى: أو ننسكها يا محمد، فلا تذكرها، فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر، نقل بالهمزة فتعدى الفعل إلى مفعولين، وهما «النبي» والهاء، الذي هو ضد الذكر، فيكون المعنى إذا رفعنا «آية» بـ «نسخ» أو بـ «نسيان» نقدره عليك يا محمد، أتينا بخير منها في الصلاح لكم، وأو بمثلها باللفظين عما في اللوح المحفوظ، فإن كان الإخبار عمّا قد نزل وتلي من القرآن، فلا يصلح لقوله: {نأت بخير منها}، والأقوى البين أن يكون من النسيان الذي هو ضد الذكر، فيكون المعنى إذا رفعنا «آية» بـ «نسخ» أو بـ «نسيان» نقدره عليك يا محمد، أتينا بخير منها في الصلاح لكم، أو بمثلها في التعبد، ويدل على أنه من النسيان قوله: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} «الأعلى 6، 7» فقد أعلمه الله أنه لا ينسى شيئًا، مما نزل عليه، إلا ما شاء الله أن ينساه، مما قدر أن يبدله بأصلح منه للعباد، أو بمثله، ويدل على أنه من النسيان أن الضحاك قرأ: «أو تنسها» بتاء مضمومة، وفتح السين، فهو من النسيان لا يجوز غيره، وقد قرأ ابن مسعود: «ما ننسك من آية أو ننسخها» فهذا أيضًا من النسيان لا غير، وأيضًا فإن «تنسى» الذي بمعنى الترك، لم يستعمل «أفعل» إنما استعمل فيه «فعل» فكان يجب أن تكون القراءة بفتح النون الأولى والسين، ولم يأت ذلك والاختيار «ننسها» من النسيان، لصحة المعنى، ولأن جماعة القراء عليه، وبه قرأ ابن المسيب وأبو عبد الرحمن وقتادة والأعرج وأبو جعفر يزيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/259]
وشيبة والضحاك وابن أبي إسحاق وعيسى والأعمش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ} [آية/ 106]:-
بضم النون وكسر السين، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أن معناه ننسخك إياها، أي نأمرك بإزالة حكمها بإنزال آيةٍ ناسخةٍ، وهو من باب الحمل على الشيء، فمعنى {نُنْسِخْ} أي نحملك على النسخ.
والنسخ في اللغة: الإزالة، وقيل معناه نجده منسوخًا كقولك: أحمدت الرجل، إذا وجدته محمودًا، وإنما يجده منسوخًا لنسخه إياه، فهو يرجع في المعنى إلى قراءة الباقين.
[الموضح: 294]
وقرأ الباقون {نَنْسَخْ} بفتح النون والسين.
ومعناه ظاهر؛ لأن الله تعالى ينسخ الآيات، فهو الناسخ). [الموضح: 295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {أَوْ نَنْسَأْهَا} [آية/ 106]:-
بفتح النون الأولى وبالهمزة، قرأها ابن كثير وأبو عمرو، ومعناه: نؤخرها، من قولهم: نسأت الإبل عن الحوض أي أخرتها.
وقرأ الباقون {نُنْسِها} بضم النون الأولى وكسر السين غير مهموز.
ومعناه: ننسكم إياها، وهو منقول من نسي الذي هو خلاف ذكر، وقيل بل من نسي إذا ترك أي نأمركم بتركها، وهو أيضًا من باب الحمل على الشيء كننسخ، قال:
11- لست بناسيها ولا منسيها
أي آمر بتركها). [الموضح: 295]

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}

قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كما سئل موسى من قبل... (108).
اتفق القراء على التثقيل والهمز، إلا ما روي عن ابن عامر أنه قرأ: (سئل) مهموزا بغير إشباعٍ.
[معاني القراءات وعللها: 1/171]
والقراءة بالهمز.
ومن قرأ (سئل) فإنه كان يجعلها بين بين، يكون بين الهمز والياء، فتلفظ (سئل)، وهنا إنما تحكمه المشافهة -، لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المحقق والمليّن). [معاني القراءات وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: كما سئل [البقرة/ 108] مضمومة السين، مكسورة الهمزة في قراءتهم جميعاً.
قال: وروى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر:
سئل مهموزة بغير إشباع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/217]
قال أبو علي: القول في سئل: أنّ في سألت لغتين:
سألت أسأل، العين همزة، وهي الفاشية الكثيرة وسلت أسال لغة، وعليها جاء قول الشاعر:
سألت هذيل رسول الله فاحشة... ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب
فحمل سيبويه سالت على قلب الهمزة ألفا للضرورة.
كما قال الآخر:
راحت بمسلمة البغال عشيّة... فارعي فزارة لا هناك المرتع
قال سيبويه: لأن الذي قال: سالت هذيل، ليست لغته سلت أسال. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد: هما يتساولان، في هذه اللغة، فدل أن العين منها واو، وليست المهموزة. ومن قرأ: قال قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه/ 36] لا ينبغي أن يحمله على هذه اللغة لقلّتها، ولكن على تخفيف الهمز، والتحقيق سؤلك.
والقول في قراءتهم: كما سئل مثل سعل، أنه على تحقيق الهمزة، وقياس من خفف الهمزة أن يجعل هذه بين
[الحجة للقراء السبعة: 2/218]
بين، فيقول، سئيل، ومعنى بين بين، أن يجعلها بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها.
فإن قلت: فهلّا كان تخفيف الهمزة في سئل أن يقلبها واواً إذا انضم ما قبلها وانكسرت، كما أنها إذا كانت على عكس هذا قلبتها واواً في قولك: جون والتودة، وفي المنفصل: هذا غلام وبيك.
فالقول: إن الهمزة في سئل لم يلزم قلبها واواً، كما لزم في جون ونحوه، لأن جون إنما لزم قلبها واواً، لأنك في التخفيف لا تخلو من أن تقلبها واواً، أو تجعلها بين بين، فلم يصحّ أن تجعلها في جون بين بين، لأنك لو جعلتها كذلك نحوت بها نحو الألف، فلا يكون ما قبل الألف ضمة، كما لم يكن قبلها كسرة؛ فلما لم تكن قبلها ضمة، كذلك لم يكن قبل ما قرّبته منها. فلما لم يكن ذلك، أخلصتها واواً إذا انضم ما قبلها، كما أخلصتها ياء إذا انكسر ما قبلها في نحو: مير وذيبة وذيب، وفي المنفصل: من غلام يبيك، ولم يلزم ذلك في سئل، ولم يمتنع أن يجعلها بين بين، لأنّ في الكلام ياء مكسورة قبلها ضمّة نحو: صيد في هذا المكان، وعيي بالأمر، وحيي في هذا المكان. كما لم يلزم أن تبدل منها الياء في عكس ذئب، ومئر، وهو نحو: سئم، وجئز، ومن المنفصل نحو: وإذ قال إبراهيم [البقرة/ 126] لأن في الكلام
[الحجة للقراء السبعة: 2/219]
مثل: صيد، وعيي. فلذلك جعلت التي في سئل بين بين ولم تقلبها). [الحجة للقراء السبعة: 2/220]

قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #33  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:15 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (111) إلى الآية (113) ]

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) }


قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}

قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #34  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (114) إلى الآية (119) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}


قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): ( (قالوا اتّخذ اللّه ولدًا... (116).
بغير واوٍ ابن عامر.
والباقون بالواو.
قال أبو منصور: المعنى واحد في إثبات الواو ها هنا. وحذفها، غير أن القراءة بالواو أعجب إليّ لأنه زيادة حرف يستوجب به القارئ عشر حسناتٍ.
والواو تعطف بها جملة على جملة). [معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر وحده قالوا اتّخذ اللّه ولداً سبحانه [البقرة/ 116] بغير واوٍ. وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بواو.
قال أبو علي: حذف الواو في ذلك يجوز من وجهين:
أحدهما أن الجملة التي هي قالوا اتّخذ اللّه ولداً ملابسة بما قبلها، من قوله: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها [البقرة/ 114] ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه: جميع المتظاهرين على الإسلام من صنوف الكفار، لأنهم بقتالهم المسلمين وإرادتهم غلبتهم والظهور عليهم مانعون لهم من مواضع متعبداتهم، والمساجد
[الحجة للقراء السبعة: 2/202]
هي جميع المواضع التي يتعبد فيها.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا».
وإذا كان التأويل على هذا، فالذين قالوا: اتخذ الله، من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما استغني عنها في نحو قوله: والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] ولو كان وهم فيها خالدون، كان حسنا إلا أن التباس إحداهما بالأخرى وارتباطها بها أغنى عن الواو. ومثل ذلك قوله: سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ولم يقل: ورابعهم، كما جاء: ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] ولو حذفت الواو منها كما
حذفت من التي قبلها واستغني عن الواو بالملابسة التي بينها كان حسنا.
والوجه الآخر أن تستأنف الجملة فلا تعطفها على ما تقدم). [الحجة للقراء السبعة: 2/203]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} 116
وقرأ ابن عامر {قالوا اتخذ الله} بغير واو كذا مكتوب
[حجة القراءات: 110]
مصاحف أهل الشّام وحجته أن ذلك قصّة مستانفة غير متعلقة بما قبلها كما قال {وإذ قال موسى لقومه} ثمّ قال {قالوا أتتخذنا هزوا} وقرأ الباقون {وقالوا} بالواو لأنّه مثبتة في مصاحفهم وهي عطف جملة على جملة). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدا} قرأه ابن عامر بغير واو، جعله مستأنفًا غير معطوف على ما قبله، وقد علم أن المخبر عنه بهذا القول هو المخبر عنه، بمنع ذكر الله في المساجد، والسعي في خرابها، وكذلك هي في مصاحب أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون: «وقالوا» بالواو على العطف على ما قبله؛ لأن الذين أخبر الله عنهم بمنع ذلك في المساجد، والسعي في خرابها هم الذين قالوا: اتخذا الله ولدا، فوجب عطف آخر الكلام على أوله، لأنه كله إخبار عن النصارى، وكذلك هي في جميع المصاحف بالواو إلا في مصحف أهل الشام، وإثبات الواو هو الاختيار، لثباتها في أكثر المصاحف، ولأن الكلام عليه كله قصة واحدة، ولإجماع القراء عليه سوى ابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا} [آية/ 116]:-
بغير واو عطف، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أنه استأنف الجملة، ولم يجعلها معطوفة على ما قبلها.
ويجوز أن يكون لما وجد بين الجملتين هي والتي قبلها ملابسة، وتلك أن الذين قالوا اتخذ الله ولدًا هم الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، استغني بهذه الملابسة عن الواو، كما في قوله تعالى {ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} للملابسة، ولو ألحقها بهذه لكان حسنًا، كما لو حذفها من تلك لكان حسنًا.
وقرأ الباقون {وَقَالُوا} بالواو.
ووجهه واضح، وذلك أنه عطف جملة على جملة بالواو، فهو الأظهر جوازًا، مع أن المعنى في القراءتين لا يتغير). [الموضح: 296]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كن فيكون (117)
اتفق القراء على رفع النون عن قوله: (فيكون) في جميع القرآن، إلا ابن عامر فإنه قرأ: (فيكون) بالنصب في جميع القرآن إلا في ثلاثة مواضع: موضعين في آل عمران، قوله: (فيكون طيرًا) بالرفع،
وقوله: (فيكون (59) الحقّ من ربّك)، والثالث في الأنعام، قوله: (ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ) بالرفع.
[معاني القراءات وعللها: 1/172]
وتابع الكسائي ابن عامر على نصب النون في موضعين؛ رأس أربعين من النحل (فيكون)، وآخر يس: (يكون).
قال أبو منصور: من قرأ: (فيكون) بالرفع فمعناه: فهو يكون، أو: فإنه يكون.
وقال الزجاج: من قرأ: (فيكون) فإن شئت عطفته على (يقول)، وإن شئت فعلى الإيناف، المعنى: فهو يكون.
قال: ومعنى قوله: (إنما يقول له كن فيكون): إنما يريد فيحدث كما أراد.
وقيل معناه: إنما يقول له (كن فيكون) يقول هل وإن لم يكن حاضرا: (كن) لأن ما هو معلوم عند الله كونه بمنزلة الحاضر.
وقال بعض النحويين: (إنّما يقول له): من أجله.
فكأنه إنما يقول من أجل إرادته إياه: (كن)، أي: احدث فيحدث.
ومن قرأ: (فيكون) بالنصب فهو على جواب الأمر بالفاء، كما تقول: زرني فأزورك.
وهذا عند القراء ضعيف، والقراءة بالرفع هو المختار). [معاني القراءات وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: كن فيكون [البقرة/ 117] في فتح النون وضمّها، فقرأ ابن عامر وحده: كن فيكون بنصب النون.
وقرأ الباقون: فيكون رفعا.
قال أبو علي: لا يخلو قوله: يقول [البقرة/ 117] من أن يكون المراد به القول الذي هو كلام ونطق، أو يكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/203]
الذي يتّسع فيه فلا يراد به النطق ولا الكلام، ولا الظنّ ولا الرأي ولا الاعتقاد، ولكن نحو قول الشاعر:
قد قالت الانساع للبطن الحق ونحو قول العجاج في صفة ثور:
فكّر ثمّ قال في التفكير إنّ الحياة اليوم في الكرور وقول الآخر:
امتلأ الحوض وقال قطني فلا يكون على القول الذي هو خطاب ونطق، لأن المنتفي الذي ليس بكائن لا يخاطب كما لا يؤمر، فإذا لم يجز ذلك حملته على نحو ما جاء في الأبيات التي قدمت ونحوها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/204]
وأما قوله: كن فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، كأن التقدير يكوّن فيكون وقد قالوا: أكرم بزيد، فاللفظ لفظ الأمر، والمعنى والمراد: الخبر، ألا ترى أنه بمنزلة: ما أكرم زيدا، فالجار والمجرور في موضع رفع بالفعل. وفي التنزيل: قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدًّا [مريم/ 75] فالتقدير: مدّه الرحمن. وإذا لم يكن قوله: كن أمرا في المعنى، وإن كان على لفظه؛ لم يجز أن تنصب الفعل بعد الفاء بأنه جوابه، كما لم يجز النصب في الفعل الذي تدخله الفاء بعد الإيجاب نحو: آتيك فأحدّثك، إلّا أن يكون في شعر نحو قوله:
ويأوي إليه المستجير فيعصما ومما يدل على امتناع النصب في قوله: فيكون أن الجواب بالفاء مضارع للجزاء. يدلّ على ذلك أنه يؤول في المعنى إليه. ألا ترى أن: اذهب فأعطيك معناه: إن تذهب أعطيتك [والأجود إن ذهبت أعطيتك] فلا يجوز: اذهب فتذهب. لأن المعنى يصير: إن ذهبت ذهبت، وهذا كلام لا يفيد، كما يفيد إذا اختلف الفاعلان والفعلان، نحو: قم فأعطيك، لأن المعنى: إن قمت
[الحجة للقراء السبعة: 2/205]
أعطيتك، ولو جعلت الفاعل في الفعل الثاني فاعل الفعل الأول، فقلت: قم فتقوم، أو: أعطني فتعطيني، على قياس قراءة ابن عامر لكان المعنى: إن قمت تقم، وإن تعطني تعطني، وهذا كلام في قلة الفائدة على ما تراه، وإذا كان الأمر على هذا لم يكن ما روي عنه من نصبه فيكون متجها.
وقد يمكن أن تقول في قول ابن عامر: إنّ اللفظ لما كان على لفظ الأمر وإن لم يكن المعنى عليه حملته على صورة اللفظ، فقد حمل أبو الحسن نحو قوله: قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة [إبراهيم/ 31] ونحو ذلك من الآي، على أنه أجري مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة. فكذلك على قول ابن عامر: يكون قوله: فيكون بمنزلة جواب الأمر نحو: ايتني فأحدّثك، لما كان على لفظه، وقد يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيدا؟ والمعنى: لم تؤذيه؟ وليس ذلك في اللفظ.
ومثل قوله: كن فيكون في أن المعطوف ليس محمولا على لفظ الأمر وإن كان قد وليه، قوله: فلا تكفر فيتعلّمون [البقرة/ 102] ليس قوله: فيتعلّمون بجواب لقوله: فلا تكفر ولكنه محمول على قوله: يعلمون فيتعلمون، أو يعلّمان فيتعلمون منهما، إلا أن قوله: فلا تكفر في هذه الآية نهي عن الكفر، وليس قوله: كن من قوله: كن فيكون أمرا.
ومن ثمّ أجمع الناس على رفع يكون، ورفضوا فيه النصب،
[الحجة للقراء السبعة: 2/206]
إلا ما روي عن ابن عامر وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في يكون الرفع. فإن قلت: فهلا قلت: إن العطف في قوله:
فيكون على يقول دون ما قلت من أنه معطوف على كن، ألا ترى أنه عطف على الفعل الذي قبل كن في قوله: إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل/ 40] حمل النصب في فيكون على الفعل المنتصب ب (أن). فكما جاز عطفه على الفعل المنتصب بأن الذي قبل قوله: كن فكذلك يجوز أن يحمل المرتفع عليه، كأنه قال: فإنما يقول فيكون.
قيل: ما ذكرناه أسوغ مما قلت، وأشدّ اطّرادا، ألا ترى أن قوله: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون [آل عمران/ 60] لا يستقيم هذا المذهب فيه، لأن قال ماض، وفيكون مضارع فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما. فإن قلت: فلم لا يجوز عطف المضارع على الماضي، كما جاز عطف الماضي على المضارع في قوله:
ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني... فمضيت ..........
[الحجة للقراء السبعة: 2/207]
ألا ترى أنه مضارع ومضيت ماض، فكما جاز عطف الماضي على المضارع كذلك يجوز عطف فيكون على خلقه. قيل: لا يكون هذا بمنزلة البيت، لأن المضارع فيه في معنى المضي، والمراد به: ولقد مررت فمضيت، فجاز عطف الماضي على المضارع، من حيث أريد بالمضارع المضيّ وليس المراد بقوله: فيكون في الآية المضيّ، فيعطف فيها على الماضي. فإذا كان كذلك تبينت بامتناع العطف في قوله: ثمّ قال له كن فيكون. على أن العطف في قوله:
فإنّما يقول له كن فيكون إنما هو على كن، الذي يراد به يكوّن، فيكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فهو يكون.
فإن قلت؛ فهلا قلت: إن العطف على كن إذا كان المراد به يكوّنه غير سهل، لأنّ قوله فيكون حينئذ قليل الفائدة، ألا ترى أن يكوّنه يدل على أنه يكون. قيل له: ليس بقليل الفائدة، لأن المعنى: فيكون بتكوينه، أي بإحداثه، لا يكون حدوثه ووجوده على خلاف هذا الوجه، فإذا كان كذلك كان مفيدا، كما أن قولهم: لأضربنّه كائن ما كان، بالرفع في كائن كلام قد استعملوه وحسن عندهم، وإن كان قد علم أنّ ما يكون فهو كائن، ولكن لما دخله من المعنى أي لا أبالي بذلك، حسن، فاستعمل، ولم يكن عندهم بمنزلة ما لا يفيد
[الحجة للقراء السبعة: 2/208]
فيطرح فكذلك لمّا كان المعنى في الآية يكون بإحداثه جاز وحسن، ولم يكن بمنزلة ما لا يفيد.
...). [الحجة للقراء السبعة: 2/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}
قرأ ابن عامر {فيكون} نصب كأنّه ذهب إلى أنه الأمر تقول أكرم زيدا فيكرمك
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج رفعه من جهتين إن شئت على العطف على يقول وإن شئت على الاستئناف المعنى فهو يكون). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {كن فيكون} قرأه ابن عامر بالنصب ومثله في آل عمران {فيكون، ويعلمه}«47، 48» وفي النحل: {فيكون. والذين هاجروا} «40، 41»، وفي مريم: {فيكون. وإن الله} «35، 36» وف ياسين: {فيكون. فسبحان} «82، 83» وفي المؤمن: {فيكون. ألم تر} «68، 69» ووافقه الكسائي على النصب في النحل وياسين، وقرأ ذلك الباقون بالرفع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
65- فوجه النصب مشكل ضعيف، وذلك أنه جعله جوابًا بالفاء للفظ «كن» إذا كان لفظه لفظ الأمر، وإن كان معناه غير الأمر فهو ضعيف، لأن «كن» ليس بأمر، إنما معناه الخبر، إذ ليس ثم مأمور، يكون «كن» أمرًا له، والمعنى: فإنما يقول له: كن فيكون فهو يكون، ويدل على أن «فيكون» ليس بجواب لـ «كن» أن الجواب بالفاء، مضارع به الشرط، وإلى معناه يؤول في التقدير، فإذا قلت: اذهب فأكرمك، فمعناه: إن تهذب فأكرمك، ولا يجوز أن تقول: اذهب فتذهب؛ لأن المعنى يصير: إن تذهب تذهب، وهذا لا معنى له، وكذلك «كن فيكون» يؤول معناه، إذا جعلت «فيكون» جوابًا أن تقول له: أن يكون فيكون، ولا معنى لهذا؛ لأنه قد اتفق فيه الفاعلان؛ لأن الضمير الذي في «كن» وفي «يكون» الشيء ولو اختلفا لجاز كقولك: اخرج فأحسن إليك، أي: إن تخرج أحسنت إليك، ولو قلت: قم فتقوم، لم يحسن، إذ لا فائدة فيه؛ لأن الفاعلين واحد، ويصير التقدير: إن تقم تقم، فالنصب في هذا على الجواب بعيد في المعنى.
66- ووجه قراءة من رفع «فيكون» في ذلك أنه جعل «فيكون» منقطعًا مما قبله مستأنفًا؛ لما امتنع أن يكون جوابًا في المعنى، رفعه على الابتداء، فتقديره: فهو يكون، وهو وجه الكلام، والاختيار، وعليه جماعة القراء وبه يتم المعنى، فأما اختصاص الكسائي للنصب في النحل وياسين فهو حسن قوي، لأن فيه «أن يقول» فعطف «فيكون» على «يقول»، وكذلك آخر «يس» فيه «أن يقول» فعطف على «يقول» وهو حسن، لكن الرفع عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/261]
الجماعة، وهو على الاستئناف والقطع والابتداء كالأول). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُنْ فَيَكُون} [آية/ 117]:-
بالنصب، قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في جميع القرآن إذا كان قبله {كُنْ}، إلا في موضعين في آل عمرن {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع،
[الموضح: 296]
وفي الأنعام {كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} بالرفع.
ووجه النصب ههنا أنه لما وقع قبله لفظ أمر أجراه مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابًا للأمر؛ لأنه ليس المعنى في هذا الموضع على الجواب، ألا ترى أنك إذا قلت: إئتني فأحدثك، كان جوابًا؛ لأن الحديث سببه الإتيان، والمعنى: إن تأتني أحدثك، ولا يستقيم ذلك ههنا، فبطل أن يكون جوابًا، إلا أنه شبهه بالجواب لفظًا فنصبه.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ} بالرفع.
عطفًا على قوله {يَقُولُ}.
ويجوز أن يحمل على جملة مستأنفة، والتقدير: فهو يكون). [الموضح: 297]

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
حدثنا السعدي قال: حدثنا على بن خشرم عن عيسى عن يونس عن موسى عن عبيدة عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليت شعري: ما فعل أبواي.
فأنزل الله: (إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
قرأ نافع ويعقوب: (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام.
وقرأ الباقون: (ولا تسأل) بضم التاء واللام.
[معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو منصور: من قرأ: (ولا تسأل) - بالجزم - جزمه بـ (لا) النهي، وله معنيان: أحدهما: أن الله أمره بترك المسألة عنهم.
والآخر: أن في النهي تفخيما مما أعدّ الله لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي يعلم أنك تحب أن يكون من تسأله عنه في حالٍ جميلة أو قبيحة فيقول: لا تسأل عن فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، والله أعلم بما أراد.
وفيه وجهٌ آخر: أن يكون الله أمره بترك المسألة عنه.
ومن قرأ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)
فإنه بمعني: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم). [معاني القراءات وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم التاء ورفع اللام، وفتحها وجزم اللام من قوله جل وعز: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] فقرأ نافع وحده: ولا تسئل مفتوحة التاء مجزومة اللام.
وقرأ الباقون ولا تسئل مضمومة التاء، مرفوعة اللام.
قال أبو علي: القول في سألت إنه فعل يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت قال:
سالتاني الطّلاق أن رأتاني... قلّ مالي قد جئتماني بنكر
وقال:
سألناها الشفاء فما شفتنا... ومنّتنا المواعد والخلابا
[الحجة للقراء السبعة: 2/209]
وأنشد أحمد بن يحيى:
سألت عمرا بعد بكر خفّا والدلو قد تسمع كي تخفّا ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد، فإذا اقتصرته في التعدي على مفعول واحد كان على ضربين:
أحدهما: أن يتعدى بغير حرف، والآخر: أن يتعدى بحرفٍ.
فأما تعديه بغير حرف فقوله: وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا [الممتحنة/ 10]. وقال: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43].
وأما تعديه بحرف؛ فالحرف الذي يتعدي به حرفان:
أحدهما الباء كقوله: سأل سائلٌ بعذابٍ [المعارج/ 1].
وقال:
وسائلة بثعلبة بن سير... وقد أودت بثعلبة العلوق
[الحجة للقراء السبعة: 2/210]
والآخر: عن كقولك: سل عن زيد.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدها:
أن يكون بمنزلة أعطيت، وذلك كقوله:
سألت زيداً بعد بكر خفّا فمعنى هذا: استعطيته، أي: سألته أن يفعل ذلك.
والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً، وذلك قوله:
ولا يسئل حميمٌ حميماً [المعارج/ 10] فالمعنى هنا: ولا يسأل حميم عن حميمه، لذهوله عنه واشتغاله بنفسه، كما قال:
لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه [عبس/ 37]. فهذا على هذه القراءة كقوله: وسئلهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر [الأعراف/ 162].
والثالث: أن يتعدّى إلى مفعولين، فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام، وذلك كقوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آيةٍ بيّنةٍ [البقرة/ 211] وقوله: وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون [الزخرف/ 45].
فأما قول الأخطل:
[الحجة للقراء السبعة: 2/211]
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا فما: استفهام، وموضعه نصب بفعل، ولا يكون جراً على البدل من مصقلة على تقدير: سل بفعل مصقلة، ولكن تجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما، وإن شئت جعلته بدلًا، فكان بمنزلة قوله: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43] ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: واسأل بمصقلة، فأردت:
واسأل الناس بمصقلة ما فعل؟ لم يسهل أن يكون ما استفهاماً، لأنه لا يتصل بالفعل، ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما كما تقع موقعه في قوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم [البقرة/ 211]. فإن جعلت ما موصولة، وقدرت فيها البدل من مصقلة لم يمتنع.
وإن قلت: أجعل قوله: ما فعل، استفهاماً وأضمر يقول، لأني إذا قلت: اسأل الناس بمصقلة، فإنه يدل على قل، لأن السؤال قول، فأحمله على هذا الفعل، لا على أنه في موضع المفعول، لاستغناء الفعل بمفعولين؛ فهو قول.
يدل على ذلك قوله: يسئلونك عن السّاعة أيّان مرساها [النازعات/ 42] ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه أحدهما:
الكاف، والآخر: قد تعدى إليه الفعل بعن؛ فلا يتعلق به أيّان إلا على الحدّ الذي ذكرنا.
ومن ذلك قول سيبويه: «اذهب فاسأل: زيد أبو من
[الحجة للقراء السبعة: 2/212]
هو؟» فزيد داخل في حيز الاستفهام، وليس المعنى: سل زيداً، ولكن التقدير: سل الناس: أأبو بشر زيد أم أبو عمرو؟
ولو قلت: سل زيداً على هذا الحد، لم يجز؛ لأن زيداً ليس بمسئول، إنما هو مسئول عنه، وإنما يأمر المخاطب أن يسأل غيره عنه، فلهذا قال: لو قلت: سل زيداً على هذا الحد لم يجز، وذلك لما ذكرناه من انقلاب المعنى. وهذا مما يقوي قول يونس: قد علمت زيداً أبو من هو. ألا ترى أن هذا من المواضع التي ليس يجوز فيها أن يعمل الفعل في الاسم الداخل في حيز الاستفهام، فإذا أتت مواضع ليس يجوز فيها ذلك، جاز أن لا يعمل الفعل في المفعول الذي يجوز أن يعمل فيه نحو: علمت زيداً أبو من هو.
فالمفعول في هذا الموضع محذوف، لأن المعنى: اسأل إنساناً زيد أبو من هو؟ وكذلك قوله: سأل سائلٌ بعذابٍ...
[المعارج/ 1] كأن المعنى: سأل سائل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو المسلمين بعذاب واقع، فلم يذكر المفعول الأول. وسؤالهم عن العذاب، إنما هو استعجالهم له لاستبعادهم لوقوعه، ولردهم ما يوعدون به منه، وعلى هذا قال: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده [الحج/ 47] يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين [العنكبوت/ 54] ويستعجلونك بالسّيّئة قبل الحسنة، وقد خلت من قبلهم المثلات [الرعد/ 6]
[الحجة للقراء السبعة: 2/213]
ويدلك على ذلك قوله: فاصبر صبراً جميلًا، إنّهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً [المعارج/ 5] وقال: قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون
[يونس/ 50]. وقال: أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه [النحل/ 1].
فأما قوله: وسئلوا اللّه من فضله [النساء/ 32] فيجوز أن يكون من فيه في موضع المفعول الثاني على قياس قول أبي الحسن، ويكون المفعول محذوفاً في قياس قول سيبويه، والصفة قائمة مقامه.
وأما قوله: كأنّك حفيٌّ عنها [الأعراف/ 187] فإنه يحتمل أمرين، أحدهما: أن تجعل عنها متعلقاً بالسؤال، كأنه: يسألونك عنها، كأنك حفي بها، فحذف الجارّ والمجرور. وحسن ذلك لطول الكلام بعنها التي من صلة السؤال. ويجوز أن يكون عنها بمنزلة بها وتصل الحفاوة مرّة بالباء ومرة بعن. كما أن السؤال يعمل مرة بالباء ومرة بعن فيما ذكرنا. ويدلك على أنه يصل بالباء قوله: إنّه كان بي حفيًّا [مريم/ 47]. وقال: ثمّ استوى على العرش الرّحمن فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59] فقوله: فسئل به مثل: اسأل عنه خبيراً.
فأما خبيراً فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال، أو مفعول به، فإن كان حالًا لم يخل أن يكون حالًا من
[الحجة للقراء السبعة: 2/214]
الفاعل أو من المفعول، فلو جعلته حالا من الفاعل السائل لم يسهل لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل، ولا يسهل الحال من المفعول أيضاً لأن المسئول عنه خبير أبداً فليس للحال كبير فائدة. فإن قلت: يكون حالًا مؤكدة فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون خبيراً إذا مفعولًا به كأنه: قال فاسأل عنه خبيراً أي مسئولًا خبيراً. وكأن معنى سل: تبيّن بسؤالك وبحثك من تستخبره ليتقرر عندك ما اقتصّ عليك من خلقه ما خلق وقدرته على ذلك، وتعلمه بالفحص عنه والتبيّن له. ومما يقوي أن السؤال إنما أريد به ما وصفنا قول أمية:
واسأل ولا بأس إن كنت امرأ عمها... إنّ السؤال شفا من كان حيرانا
فيشبه أن يكون أراد باسأل: اسأل حتى تتبيّن بسؤالك، ألا ترى أنه قال:
إن السؤال شفا من كان حيرانا والسؤال إذا خلا من العلم لم يكن شفاء لمن كان حيران، إنما يكون شفاء إذا اقترن به العلم والتبيّن، فكذلك المراد في قوله: فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59]: اسأل سؤالًا تبحث به لتتبين.
[الحجة للقراء السبعة: 2/215]
فالحجة لمن قرأ: ولا تسئل بالرفع أن الرفع يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون حالًا فيكون مثل ما عطف عليه من قوله: بشيراً ونذيراً [البقرة/ 119] وغير مسئول. ويكون ذكر تسئل- وهو فعل بعد المفرد الذي هو قوله: بشيراً- كذكر الفعل في قوله: ويكلّم النّاس في المهد [آل عمران/ 46] بعد ما تقدم من المفرد. وكذلك قوله: ومن المقرّبين [آل عمران/ 45] وهو قد يجري مجرى الجمل.
والآخر: أن يكون منقطعاً من الأول مستأنفاً به، ويقوي هذا الوجه ما روي من أن عبد الله أو أبيّا قرأ أحدهما: وما تسأل، والآخر: ولن تسأل، فكل واحدة من هاتين القراءتين يؤكد حمله على الاستئناف. ويؤكّد وجهي الرفع قوله: ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء [البقرة/ 171] وقوله: ما على الرّسول إلّا البلاغ [المائدة/ 99].
ومما يجعل للفظ الخبر مزية على النهي أن الكلام الذي قبله وبعده خبر فإذا كان أشكل بما قبله وما بعده كان أولى.
ووجه قراءة نافع بالجزم للنهي: ما روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
[الحجة للقراء السبعة: 2/216]
سأل: أيّ أبويه كان أحدث موتاً، وأراد أن يستغفر له، فأنزل الله: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] وهذا إذا ثبت معنى صحيح. ويذكر أن في إسناد
الحديث شيئاً.
فأما قوله من قال: إنه لو كان نهياً لكانت الفاء في قوله:
فلا تسأل أسهل من الواو. فالقول فيه: إن هذا النحو إنما يكون بالفاء، إذا كانت الرسالة بالبشارة والنّذارة علّة لأن لا يسأل عن أصحاب الجحيم، كما يقول الرجل: قد حملتك على فرس فلا تسألني غيره. فيكون حمله على الفرس علة لأن لا يسأل غيره. وليس البشارة والنذارة علة لأن لا يسأل.
وقد جوز أبو الحسن في قراءة من جزم أن يكون على تعظيم الأمر كما تقول: لا تسلني عن كذا، إذا أردت تعظيم الأمر فيه. فالمعنى أنهم في أمر عظيم، وإن كان اللفظ لفظ الأمر). [الحجة للقراء السبعة: 2/217]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
قرأ نافع {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} بفتح التّاء والجزم على النّهي وحجته ما روي في التّفسير أن النّبي صلى الله عليه قال ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} فنهاه الله عن المسألة قيل إنّه ما ذكرهما حتّى توفاه الله
وقرأ الباقون {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} برفع التّاء
[حجة القراءات: 111]
واللّام وحجتهم أن في قراءة ابن مسعود (ولن تسأل) ورفعه من وجهين أحدهما أن يكون {ولا تسأل} استئنافا كأنّه قيل ولست تسأل عن أصحاب الجحيم كما قال {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} والوجه الثّاني على الحال فيكون المعنى وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم). [حجة القراءات: 112]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم} قرأه نافع بفتح التاء والجزم، على النهي من السؤال عن ذلك، وفي النهي معنى التعظيم لما هم فيه من العذاب، أي: لا تسأل يا محمد عنهم، فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها مستزاد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل: أي أبويه أحدث موتًا ليستغفر له، فنزلت الآية على النهي، عن السؤال، عن أصحاب الجحيم، وروي أنه قال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزل النهي عن السؤال عنهما، فدل النهي على الصحة الجزم، وبذلك قرأ ابن عباس، وقرأه الباقون بضم التاء، والرفع على النفي والعطف على {بشيرًا ونذيرًا} فهو في موضع الحال تقديره: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا، وغير سائل عن أصحاب الجحيم، ويجوز أن يرفع على الاستئناف، والرفع هو الاختيار، لأن عليه جماعة القراء، ولأن ابن مسعود قرأه: «وما تسأل» فهذا يُبين معنى الرفع ويقويه، وأيضًا فإن في قراءة أبي: {وإن تسأل}، فهذا أيضًا يبين معنى الرفع والاستئناف، ويقوي الرفع أن قبله خبرًا، وبعده خبر، فيجب أن يكون هذا خبرًا ليطابق ما قبله وما بعده ويدل على قوة الرفع قوله: {ليس عليك هداهم} «البقرة 272» وقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ} «المائدة 99» ويقوي الرفع أيضًا أنه لو كان نهيًا لكان بالفاء، كما تقول: أعطيتك مالا فلا تسألني غيره، وبالرفع قرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وابن أبي إسحاق والجحدري وعيسى بن عمر وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [آية/ 119]:-
مفتوحة التاء، مجزومة اللام، قرأها نافع ويعقوب.
ووجه ذلك أنه وإن خرج مخرج النهي، فإنه إخبار عن تعظيم العقوبة لأهل النار، كما تقول: لا تسل عن فلانٍ، إذا أردت تعظيم ما هو فيه، وقيل:
[الموضح: 297]
إنه صلى الله عليه وسلم سأل أي أبويه كان أحدث موتًا، وأراد الاستغفار لهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى عن المسألة عنهما.
وقرأ الباقون {وَلا تُسْأَلُ} مضمومة التاء واللام.
والرفع فيه إما أن يكون لكونه في موضع حالٍ، عطفًا على ما قبله، كأنه قال: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا وغير مسؤولٍ.
وإما أن يكون منقطعًا عن الأول على سبيل الاستئناف، والمعنى في هذه القراءة: انك لا تسأل عن ذنوبهم، وإنما هم يسألون عنها). [الموضح: 298]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #35  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:20 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (120) إلى الآية (123) ]


{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}


قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نعمتي الّتي (122).
اتفق القراء على تريك الياء من قوله (نعمتي الّتي)، إلا ما روى المفضل عن عاصم). [معاني القراءات وعللها: 1/176]

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #36  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (124) إلى الآية (126) ]
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}

قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: (إبراهيم... (124)
[معاني القراءات وعللها: 1/174]
قرأ ابن عامر وحده: (إبراهام) بالألف في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران بالياء، وفي سورة النساء بألف إلا قوله: (فقد آتينا آل إبراهيم)، وفي الأنعام بالياء، إلا قوله: (ملّة إبراهام) وفي سورة التوبة بالألف إلا موضعا واحدا قوله: (وقوم إبراهيم)، وفي سورة هود بالياء، وفي سورة يوسف بالياء، وفي سورة إبراهيم بالياء إلا موضعا: (إذ قال إبراهام)، وليس في كلام العرب (إفعالال).
وقرأ الباقون بالياء في جميع القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/175]
قال أبو منصور: القراءة بالياء لتتابع القراءة عليه، ومن قرأ: (إبراهام) فهي لغة عبرانية تركت على حالها ولم تعرب). [معاني القراءات وعللها: 1/176]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا ينال عهدي الظّالمون (124).
قرأ حمزة وحفص عن عاصم: (عهدي الظّالمين) بإرسال الياء). [معاني القراءات وعللها: 1/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: إبراهيم [124] في الألف والياء.
فقرأ ابن عامر في جميع سورة البقرة بغير ياء وطلب الألف إبراهام.
وقراءة القرّاء في كل مصر غير ابن عامر إبراهيم بالياء.
وقراءة ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء وقال الأخفش الدمشقي عن ابن ذكوان عن ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء.
قال أبو عليّ: مما يثبت قراءة ابن عامر قول أمية:
مع إبراهم التّقيّ وموسى... وابن يعقوب عصمة في الهزال
[الحجة للقراء السبعة: 2/226]
فهذا كأنه إبراهام، إلّا أنه حذف الألف، كما يقصر الممدود في الشعر. وأنشدوا:
عذت بما عاذ به إبراهم وقيل: إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء، فهذا يدل على أنه إبراهام، وحذفت الألف من الخطّ، كما حذفت من دراهم، ونحو ذلك، فيشبه أنّه قرأ إبراهام وما ثبت فيه مما يدلك على ذلك. وقد روي أنّه سمع ابن الزبير يقرأ: صحف إبراهام [الأعلى/ 19] بألف). [الحجة للقراء السبعة: 2/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لا ينال عهدي الظّالمين}
قرأ حمزة وحفص {لا ينال عهدي الظّالمين} بإرسال الياء وقرأ الباقون بفتح الياء وحجتهم في ذلك أن لو لم تتحرك الياء ذهبت في الوصل فلم يكن لها أثر على اللّسان فحركوهها ليعلم أن في الحرف ياء فإذا ظهر على اللّسان أرسلوها فقالوا {وطهر بيتي للطائفين} ). [حجة القراءات: 112]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {إبْراهام} بالألف {آية/ 124]:-
قرأها ابن عامر في جميع سورة البقرة، وكذلك في سورة النساء إلا قوله
[الموضح: 299]
{فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ}، وفي الأنعام {مِلّة إبراهام} والباقي بالياء، وفي التوبة {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} بالياء، والباقي بالألف، وفي إبراهيم واحد بالألف، وفي النحل ما فيها جميعًا بالألف، وفي مريم كله بالألف، وفي العنكبوت واحد بالألف {ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبراهام} والباقي بالياء، وفي عسق واحد بالألف، وفي المفصل كله إبراهام بالألف إلا حرفين فإنهما بالياء، أحدهما في الممتحنة {إلا قَوْل إبراهيم} والآخر في الأعلى {صُحُفِ إبراهيم}، وباقي القرآن {إبراهيم} بالياء.
والوجه أن إبراهيم اسم عجمي فيه لغات للعرب؛ لأن العرب إذا تكلمت
[الموضح: 300]
بالأعجمية تلاعبت بها، فيجوز فيه إبراهام وإبراهيم وإبراهم وإبرهم، ولا يمتنع أن يجوز فيه أكثر من ذلك لما ذكرنا من اضطراب العرب في التكلم بالأعجمي والتفنن فيه.
وقيل إن معنى إبراهيم بالسريانية: أب رحيم). [الموضح: 301]

قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى... (125).
قرأ نافع وابن عامر: (واتّخذوا) على الخبر، بفتح الخاء.
وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر.
وكل ذلك جائز.
وروي عن عمر أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم – وقد وقفا على مقام إبراهيم: أليس هذا مقام خليل الله؟ أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله: (واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى) فكان الأمر على هذا الخبر أبين وأحسن.
وليس يمتنع قراءة من قرأ: (واتّخذوا)؛ لأن الناس اتخذوه، وقال الله جل وعزّ: (وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس) ثم قال: (واتّخذوا) فعطف بجملة على جملة). [معاني القراءات وعللها: 1/174]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: (بيتي للطّائفين... (125).
[معاني القراءات وعللها: 1/176]
حرك الياء من (بيتي) نافع وحفص، وأسكنها الباقون.
وقال الزجاج: أجود اللغتين في قوله: (نعمتي التي) فتح الياء؛ لأن الذي بعدها ساكن وهو لام المعرفة، واستعمالها كثير في الكلام، فاختير فتح الياء معهما لالتقاء الساكنين ولأن الياء لو لم يكن بعدها ساكن كان فتحها أصوب في اللغة.
قال: ويجوز أن تحذف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين فيقرأ: (نعمت الّتي) بغير إثبات الياء.
قال: والاختيار إثبات: الياء وفتحها لأنه أقوى في العربية، وأجزل في اللفظ، وأتم للثواب). [معاني القراءات وعللها: 1/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الخاء وكسرها من قوله عز وجل: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى [البقرة/ 125].
فقرأ نافع وابن عامر: واتّخذوا مفتوحة الخاء على الخبر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
واتّخذوا مكسورة الخاء.
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: واتّخذوا أنه معطوف على ما أضيف إليه، إذ كأنه: «وإذ اتّخذوا»، ومما يؤكد الفتح في الخاء أن الذي بعده خبر، وهو قوله: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل [البقرة/ 125].
ومن قرأ: واتّخذوا بالكسر، فلأنهم ذهبوا إلى أثر جاء فيه،
روي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ بيد عمر، [رحمه الله]، فلما أتى على المقام قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم.
قال عمر: أفلا نتّخذه مصلّى؟ فأنزل الله عز وجل: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى.
فهذا تقديره: افعلوا. والأمر- إذا ثبت هذا الخبر- آكد، لأنه يتحقق به اللزوم، وإذا أخبر ولم يقع الأمر به فقد يجوز أن لا يلزم المخاطبين بذلك الفرض، لأنه
[الحجة للقراء السبعة: 2/220]
قد يجوز أن يكون ناس اتخذوه فلا يلزم غيرهم). [الحجة للقراء السبعة: 2/221]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
[حجة القراءات: 112]
قرأ ابن عامر ونافع {واتّخذوا من مقام إبراهيم} بفتح الخاء وحجتهما أن هذا إخبار عن ولد إبراهيم صلى الله عليهم أنهم أتخذوا مقام إبراهيم مصلى وهو مردود إلى قوله {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
وقرأ الباقون {واتّخذوا} بكسر الخاء وحجتهم في ذلك ما روي في التّفسير أن النّبي صلى الله عليه أخذ بيد عمر فلمّا أتى على المقام قال له عمر هذا مقام أبينا إبراهيم صلى الله عليه قال
نعم قال أفلا نتخذه مصلى فأنزل الله جلّ وعز {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} يقول وافعلوا
قرأ ابن عامر (إبراهام) بألف كل ما في سورة البقرة وفي النّساء بعد المئة وفي الأنعام حرفا واحدًا (ملّة إبراهام) وفي التّوبة بعد المئة (إبراهام) وفي سورة إبراهيم (إبراهام) وفي النّحل ومريم كلها (إبراهام) وفي العنكبوت الثّاني (إبراهام) وعسق (إبراهام) وفي سور المفصل كلها (إبراهام) إلّا في سورة المودّة {إلّا قول إبراهيم} بالياء وفي سبح {صحف إبراهيم}
[حجة القراءات: 113]
وما بقي في جميع القرآن بالياء وحجته في ذلك أن كل ما وجده بألف قرأ بألف وما وجده بالياء قرأ بالياء اتّباع المصاحف
واعلم أن إبراهيم اسم أعجمي دخل في كلام العرب والعرب إذا أعربت اسما أعجميا تكلّمت فيه بلغات فمنهم من يقول إبراهام ومنهم من يقول أبرهم قال الشّاعر
نحن آل الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم). [حجة القراءات: 114]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {إبراهيم} قرأه هشام بألف في موضع الياء في ثلاثة وثلاثين موضعًا في البقرة خمسة عشر موضعًا، وقد ذكرنا مواضع الباقي منها في الكتاب الأول، وروي عن ابن ذكوان أنه قرأ في البقرة خاصة بألف، وبالوجهين قرأت، وقرأ باقي القراء، في ذلك كله، بالياء، وهو الاختيار، اتباعًا للمصحف، ولأن عليه لغة العامة، وعليه الجماعة، والألف لغة شامية قليلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/263]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- {واتخذوا من} قرأه نافع وابن عامر بفتح الخاء، على الخبر، عمن كان قبلنا من المؤمنين، أنهم اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، فهو مردود على ما قبله من الخبر وما بعده، والتقدير: واذكر يا محمد إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، واذكر إذ اتخذ الناس من مقام إبراهيم مصلى، واذكر إذ عهدنا إلى إبراهيم فكله خبر، فيه معنى التنبيه والتذكير لما كان، فحمل على ما قبله وما بعده، ليتفق الكلام ويتطابق، فـ «إذ» محذوفة مع كل خبر؛ لدلالة «إذ» الأولى الظاهرة على ذلك، وقرأ باقي القراء بكسر الخاء على الأمر، بأن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، وبذلك أتت الروايات على النبي عليه السلام وروي أن النبي عليه السلام أخذ بيد عمر رضي الله عنه فلما أتيا المقام قال عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ فقال النبي: نعم. فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله جل ذكره: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} على الأمر بذلك، أي افعلوه وروي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/263]
مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي عليه السلام أتى مقام إبراهيم، فسبقه إليه عمر، فقال عمر: يا رسول الله، هذا مقام أبيك إبراهيم الذي قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}؟ قال النبي: نعم هذا مقام أبينا إبراهيم الذي قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، فسُئل مالك أهكذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: واتخذوا، قال: نعم، يعني بكسر الخاء، على الأمر، وروى أبو عبيد عن جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام استلم الحجر، ورمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، وقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقال أبو عبيد: فلا أعلمه قرأها في حديثه، إلا بكسر الخاء، وكسر الخاء على الأمر هو الاختيار، لما ذكرنا عن النبي عليه السلام في ذلك، ولأن عليه جماعة القراء، وهو اختيار أبي عبيد وابي حاتم وغيرهما، وهي قراءة العامة في أكثر الأمصار، وأسند القراءة بها أبو حاتم إلى النبي عليه السلام وإلى عمر، وبذلك قرأ أبو جعفر يزيد وعطاء وابن محيصن وشبل والأعرج وطلحة والأعمش والجحدري وابن وثاب وأصحاب ابن مسعود). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/264]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [آية/ 125]:-
بفتح الخاء، قرأها نافع وابن عامر.
ووجه ذلك أنه معطوف على قوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}، وهو خبر، ويقويه أن ما بعده أيضًا خبر، وهو قوله تعالى
[الموضح: 298]
{وَعَهِدْنا}، فلما وقع بين خبرين كان الأحسن عندهما فيه أن يكون خبرًا.
وقرأ الباقون {وَاتّخِذُوا} بكسر الخاء على الأمر؛ لما جاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر، فلما أتيا على المقام، قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، قال عمر: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}). [الموضح: 299]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأمتّعه قليلًا... (126).
قرأ ابن عامر وحده: (فأمتعه) بالتخفيف، من (أمتعت).
وقرأ الباقون: (فأمتّعه) مشددًا، من (متّعت).
وهما لغتان جيدتان: أمتعت، ومتّعت بمعنى واحدٍ. ومعنى: فأمتعه
[معاني القراءات وعللها: 1/177]
قليلًا: أملي به المدة إملاءً قليلا.
وعلة الرفع في قوله (فأمتعة) أن الفاء جواب للمجازاة في قوله: (ومن كفر)، وإذا كانت الفاء هي الجواب رفع ما بعدها). [معاني القراءات وعللها: 1/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تسكين الميم وكسر التاء وتحريك الميم وتشديد التاء في قوله تعالى: فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 126].
فقرأ ابن عامر وحده: فأمتّعه قليلًا خفيفة من أمتعت.
وقرأ الباقون فأمتّعه مشددة التاء من متّعت.
قال أبو علي: التشديد أولى لأن التنزيل عليه، قال تعالى: فقال تمتّعوا في داركم [هود/ 65] فتمتّع مطاوع متّع، وعامّة ما في التنزيل على التثقيل.
قال جلّ اسمه: يمتّعكم متاعاً حسناً [هود/ 3].
كمن متّعناه متاع الحياة الدّنيا [القصص/ 61]. ومتّعناهم إلى حينٍ [يونس/ 98].
فكما أن هذه الألفاظ على متّع دون أمتع، فكذلك الأولى بالمختلف فيه أن يكون على متّع دون أمتع.
ووجه قراءة ابن عامر: أنّ أمتع لغة، وأن فعّل قد يجري في هذا النحو مجرى أفعل، نحو: فرّحته وأفرحته، ونزّلته وأنزلته. وزعموا أنّ في حرف عبد الله: ونزّل الملائكة تنزيلًا [الفرقان/ 25] وأنشدوا للراعي:
خليلين من شعبين شتّى تجاورا... قديماً وكانا بالتفرّق أمتعا
[الحجة للقراء السبعة: 2/221]
قال الأصمعي: ليس من أحد يفارق صاحبه إلا أمتعه بشيء يذكره به. قال: فكان ما أمتع كل واحد من هذين صاحبه أن فارقه.
وقال أبو زيد: أمتعا أراد تمتّعاً. ويقال: متع النهار إذا ارتفع.
فأمّا قليلًا من قوله سبحانه: فأمتّعه قليلًا [البقرة/ 126] فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون قليلًا صفة للمصدر، ويجوز أن يكون صفة للزمان.
فالدّلالة على جواز كونه صفة للمصدر قوله تعالى: يمتّعكم متاعاً حسناً [هود/ 3] فوصف المصدر به. قال سيبويه: ترى الرجل يعالج شيئاً فتقول: رويداً، أي: علاجاً رويداً. فإن قلت: فكيف يحسن أن يكون صفة للمصدر، وفعّل يدل على التكثير، فكيف يستقيم وصف الكثير بالقليل في قوله: فأمتّعه قليلًا، وهلّا كان قول ابن عامر أرجح، لأن هذا السؤال لا يعترض عليه فيه. فالقول: إن ما ذكرت لا يدل على ترجيح قراءته، وإنما وصفه الله تعالى بالقليل من حيث كان إلى نفاد ونقص وتناه، ألا ترى قوله جل وعز: قل متاع الدّنيا قليلٌ [النساء/ 76] فعلى هذا النحو وصف المتاع في قوله: فأمتّعه قليلًا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/222]
وأمّا جواز كون قليل صفة للزمان فيدل عليه قوله تعالى: قال عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين [المؤمنون/ 40]؛ فتقدير هذا: ليصبحنّ نادمين بعد زمان قليل، كما قال: عرق عن الحمّى، وأطعمه عن الجوع، أي: بعد جوع، وبعد الحمّى). [الحجة للقراء السبعة: 2/223]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه سليمان بن أرقم عن أبي يزيد المدني عن ابن عباس: [فَأَمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَّرَّهُ]، على الدعاء من إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو الفتح: أما على قراءة الجماعة: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} فإن الفاعل في "قال" هو اسم الله تعالى؛ أي: لما قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} قال الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} .
وأما على قراءة ابن عباس: [فَأَمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَّرَّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ] فيحتمل أمرين:
[المحتسب: 1/104]
أحدهما: وهو الظاهر، أن يكون الفاعل في "قال" ضمير إبراهيم عليه السلام؛ أي: قال إبراهيم أيضًا: ومن كفر فأَمْتِعه يارب ثم اضطرَّه يا رب.
وحَسُنَ على هذا إعادة "قال" لأمرين:
أحدهما: طول الكلام، فلما تباعد آخره من أوله أُعيدت "قال" لبُعْدِها، كما قد يجوز مع طول الكلام ما لا يحوز مع قصره.
والآخر: أنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين، فكأن ذلك أَخْذٌ في كلام آخر، فاستؤنف معه لفظ القول، فجرى ذلك مجرى استئناف التصريع في القصيدة إذا خرج من معنى إلى معنى؛ ولهذا ما يقول الشاعر في نحو ذلك:
فدع ذا ولكن هل ترى ضوء بارق
ويقول:
دع ذا وبهج حَسَبا مُبهَّجا
فإذا جاز أن يصُرِّع وهو في أثناء المعنى الواحد نحو قوله:
ألا نادِ في آثارهن الغوانيا ... سُقين سِمَامًا ما لهن وما ليا
كان التصريع مع الانتقال من حال إلى حال أحرى بالجواز، فهذا أحد الوجهين.
وأما الآخر: فهو أن يكون الفاعل في "قال" ضمير اسم الله تعالى؛ أي: فأَمْتِعه يا خالق، أو فأمتعه يا قادر أو يا مالك أويا إله، يخاطب بذلك نفسه -عز وجل- فجرى هذا على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه؛ كقراءة من قرأ: [قَالَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] أي: اعلم يا إنسان، وكقول الأعشى:
وهل تُطيق وداعًا أيها الرجل
[المحتسب: 1/105]
وهذا يتصل بباب من العربية غريب لطيف وهو باب التجريد؛ كأنه يجرد نفسه منه ثم يخاطبها، وقد ذكرنا هذا الباب في كتابنا الخصائص.
وهذا وإن كان مما لا ينبغي أن يُجرى في الحقيقة مثله على الله -سبحانه- لأنه لا تجزؤ هناك؛ فإنه يُجرى على عادة القوم ومذهب خطابهم، وقد نطقوا بهذا نفسه معه -تقدست أسماؤه- أنشدنا أبو علي:
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا ... وفي الله إن لم يَعدلوا حَكَمٌ عدل
فجرى اللفظ على أنه جُرد منه شيء يسمى حكَمًا عدلًا، وهو مع التحصيل على حذف المضاف؛ أي: وفي عدل الله حَكَمٌ عدل. فتفهَّم هذه المواضع، فإن قدر الإعراب يضيع إلى معناها، وإن كان هو أول الطريق ونهجه إليها.
ويجوز في العربية: [ثم اضطَرِّهِي] بكسر الراء لالتقاء الساكنين، ثم تُبَيَّن الهاء بياء بعدها.
ويجوز أيضًا: [ثم اضطَرِّهِ] تكسر الهاء ولا تتم الياء.
ويجوز: [اضطَرِّهْ] بكسر الراء وفتحها والهاء الساكنة.
ويجوز: [ثم اضطَرُّهُو] بضم الراء كما روينا عن قطرب أن بعضهم يقول: شَمُّ يا رجل.
ويجوز الضم بلا واو.
ويجوز مع ضم الراء وفتحها تسكين الهاء. وقد ذكرت ذلك كله في أماكنه). [المحتسب: 1/106]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محصين: ثم [أَطَّرُّه] يدغم الضاد في الطاء.
قال أبو الفتح: هذه لغة مرذولة؛ أعني: إدغام الضاد في الطاء؛ وذلك لما فيها من الامتداد والفشو؛ فإنها من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها، ولا تدغم هي فيما يجاورها.
وهي: الشين والضاد والراء والفاء والميم، ويجمعها في اللفظ قولهم: ضُمَّ شَفْر، وقد أخرج بعضهم الضاد من ذلك وجمعها في قولهم: مِشفر.
قال: لأنه قد حُكي إدغام الضاد في الطاء في قولهم في "اضطجع": اطَّجع.
[المحتسب: 1/106]
وأنشدوا قوله:
يا رُبَّ أبَّاز من العُفْر صدع ... تقبَّض الظلُّ إليه واجتمع
لما رأى أن لا دعه ولا شِبع ... مال إلى أرطاة حِقْف فاطجع
ويُروى: "فاضطجع" وهو الأكثر والأقيس.
ويُروى أيضًا: "فالْطَجع" يبدل أيضًا اللام من الضاد.
فإن قيل: فقد أحطنا علمًا بأن أصل هذا الحرف اضتجع افتعل من الضجعة، فلما جاءت الضاء قبل تاء افتعل أُبدلت لها التاء طاء، فهلا لما زالت الضاد فصارت بإبدالها إلى اللام رُدت التاء فقيل: التجع، كما تقول: التجم والتجأ؟
قيل: هذا إبدال عَرَضَ للضاد في بعض اللغات، فلما كان أمرًا عارضًا، وظِلًّا في أكثر اللغات خالصًا؛ أقروا الطاء بحالها إيذانًا بقلة الحفل بما عرَض من البدل، ودلالة على الأصل المنحو المتعمد، وله غير نظير.
ألا ترى إلى قوله:
وكَحَل العينين بالعَوَاوِر
وكيف صحح الواو الثانية وإن كان قبلها الواو الأولى بينهما ألف وقد جاوزت الثانية
[المحتسب: 1/107]
الطرف، ولم يقلبها كما قلبها في أوائل، وأصلها أواول لما ذكرنا؛ إذ كان الأصل هاهنا العواوير، وإنما حذفت الياء تخفيفًا وهي مرادة، فجعل تصحيح الواو في العواور دليلًا على إرادة الياء في عواوير، وكما جعل حذف النون من قوله:
إرهن بنيك عنهم أراهن بني
أراد: بني، فحذف الياء الثانية لتخفيف القافية، وترك أن يرد النون من "بنين"؛ لأنه لم يَبْنِ الأمر على حذف الياء الثانية ألبتة؛ وإنما حذفها للوقف على الحرف المشدد في الروي المقيد، وكما أنشدنا أبو علي للفرزدق من قوله:
تنظرت نصرًا والسِّماكين أيهما ... علَيَّ من الغيث استهَلَّت مواطرُهُ
أراد: أيهما، فاضطر إلى تخفيف الحروف فحذف الياء الثانية، وكانت ينبغي أن يرد الياء الأولى إلى الواو؛ لأن أصلها الواو، وأن يكون قياسًا واشتقاقًا جميعًا أولى، ولم يقل: أوهما، فيرد الواو الأصلية؛ لأنه لم يَبْنِ الكلمة على حذف الياء ألبتة، فيرد الواو، فيقول: أوهما؛ لأنه إنما اضطر إلى التخفيف هناك وهو ينوي الحرف المحذوف كما ينوي الملفوظ به، ويأتي نظيره في سورة القصص، وقد ذكرنا أخوات لهذا أكثر من عشر في كتاب الخصائص؛ فلذلك قال: فالطجع، فترك الطاء بحالها كما قدمنا ذكره). [المحتسب: 1/108]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ومن كفر فأمتعه قليلا}
قرأ ابن عامر {فأمتعه قليلا} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد وهما لغتان يقال متع الله به وأمتع به والتّشديد هو الاختيار لأن القرآن يشهد بذلك في قوله {ومتعناهم إلى حين} ولم يقل أمتعناهم). [حجة القراءات: 114]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: «فأمتعه» قرأه ابن عامر مخففا، وشدده الباقون.
71- ووجه التخفيف أنه جعله من «أمتع»، و«أمتع» لغة في «متع» وكلاهما بمعنى، غير أن التشديد فيه معنى تكرير الفعل، وبالتخفيف قرأ ابن عباس وابن محيصن وشبل.
72- فأما من شدده فإنه حمله على إجماعهم على التشديد في قوله: {تمتعوا في داركم} «هود 56» و{تمتع بكفرك} «الزمر 8» و{يمتعكم متاعًا} «هود 3» وهو كثير في القرآن من «متع» فحمل هذا عليه، وهو الاختيار، لما فيه من معنى التكرير، ولإجماع القراء عليه، وليُلحق بنظائره، مما لم يختلف في تشديده مما ذكرنا، وبالتشديد قرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج وأبو جعفر يزيد وشيبة، وبه قرأ أبي والحسن ومجاهد وأبو رجاء والجحدري وعيسى بن عمر والأعمش والأعرج، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، وعليه قراءة العامة في الأمصار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/265]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {فَأُمْتِعُهُ} [آية/ 126]:-
بسكون الميم وتخفيف التاء، قرأها ابن عامر وحده، لأنه جعله من أمتع، فإن أمتعه ومتعه واحد، كأفرحه وفرحه، والإمتاع كثير في كلام العرب. وقرأ الباقون {فَأُمَتِّعُهُ} بفتح الميم وتشديد التاء، على أنه من متع دون أمتع؛ لأن كل ما في القرآن من هذا النظم فهو على لفظ التمتيع دون الإمتاع نحو: {يُمَتِّعْكُمْ} و{مَتَّعْنَاهُ} و{مَتّعْنَاهُمْ}، فهذه القراءة أولى؛ لأن عامة ما في القرآن عليها). [الموضح: 301]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:23 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (127) إلى الآية (129) ]

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}

قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن ابن عباس في مصحف ابن مسعود: [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَقُولَانِ رَبَّنَا]، وفيه: [وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ]، وفيه: [وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ يَقُولُونَ أَخْرِجُوا].
قال أبو الفتح: في هذا دليل على صحة ما يذهب إليه أصحابنا من أن القول مراد مقدَّر
[المحتسب: 1/108]
في نحول هذه الأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدرًا معه؛ وذلك كقول الشاعر:
رَجْلانِ من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلا عريانا
فهو عندنا نحن على: قالا: إنا رأينا، وعلى قولهم لا إضمار قول هناك؛ لكنه لما كان أخبرانا في معنى قالا لنا؛ صار كأنه: قالا لنا، فأما على إضمار قالا في الحقيقة فلا.
وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما نقدره من القول؛ فصار قاطعًا على أنه مراد فيما يجري مجراه.
وكذلك قوله:
يدعون عنترُ والرماح كأنها
فيمن ضم الراء من عنتر؛ أي: يقولون: يا عنتر، وكذلك من فتح الراء، وهو يريد: يا عنترة.
وكذلك {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون، وقد كثر حذف القول من الكلام جدًّا). [المحتسب: 1/109]

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأرنا مناسكنا... (128).
قرأ ابن كثير ويعقوب: (وأرنا) و(ربّ أرني) و(أرنا اللّذين أضلّانا)، ونحو ذلك، بتسكين الراء.
وروى شبل عن ابن كثير: (وأرنا) بين الإسكان والكسر.
وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي، وعبد الوارث، وهارون، وعبيد، وعلي بن نصر: (وأرنا) و(أرني) بين الإسكان والكسر، وهو مذهب أبي عمرو في هذا الباب، لا يجزم ولا يثقل.
[معاني القراءات وعللها: 1/178]
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم مثل قراءة ابن كثير ويعقوب في (حم السجدة) فقط.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتثقيل في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة (أرنا) بالكسرة لأن الأصل فيه (أرئنا)، فالكسرة إنما هي كسرة الهمزة التي ألقيت وطرحت حركتها على الراء، وإذا كانت الكسرة دليل الهمزة قبح حذفها. وقراءة أبي عمرو بالكسرة المختلسة جيدة، مأخوذة عن العرب الذين يكرهون التثقيل). [معاني القراءات وعللها: 1/179]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الراء وإسكانها واشمامها الكسر في قوله تعالى: وأرنا مناسكنا [البقرة/ 128].
فقرأ ابن كثير: وأرنا مناسكنا، وربّ أرني [الأعراف/ 142]، وأرنا الّذين [حم السجدة/ 29] ساكنة الراء.
وقال خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: وأرنا بين الكسر والإسكان.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: أرنا بكسر الراء في كل ذلك.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر بكسر الراء:
أرنا مناسكنا، وربّ أرني، وأرنا اللّه جهرةً [النساء/ 152] [بكسر الراء]، وأسكنا الراء في قوله:
أرنا اللذين في هذه وحدها. وروى حفص عنه: أرنا مكسورة الراء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/223]
واختلف عن أبي عمرو في ذلك، فقال عباس بن الفضل: سألت أبا عمرو، فقرأ [وأرنا] مدغمة، كذا قال.
وسألته عن: وأرنا مثقّلة، فقال: لا. فقلت أرني فقال: لا.
كل شيء في القرآن بينهما ليست أرنا ولا أرنا.
وقال عبد الوارث اليزيديّ وهارون الأعور، وعبيد بن عقيل وعلي بن نصر: أرني وأرنا بين الكسر والإسكان.
وقال أبو زيد والخفّاف عن أبي عمرو وأرنا بإسكان الراء.
قال أبو علي: قوله عز وجل: أرنا مناسكنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون منقولًا من رأيت الذي يراد به إدراك البصر، نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين، والتقدير حذف المضاف، كأنه: أرنا مواضع مناسكنا.
والمناسك: جمع منسك، وهو مصدر جمع لاختلاف ضروبه، والمعنى: عرّفنا هذه المواضع التي يتعلق النسك بها لنفعله، ونقضي نسكنا فيها على حدّ ما يقتضيه توقيفنا عليها، وذلك نحو: المواقيت التي يحرم منها، ونحو الموضع الذي يوقف به من عرفات، وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار، فهذا من: رأيت الموضع، وأريته زيداً.
والآخر: أن يكون أرنا منقولًا من رأيت التي لا يراد بها رؤية العين، ولكن التوقيف على الأمر، وضرب من العلم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/224]
وأنت تقول فلان يرى رأي الخوارج، فتقصر على مفعول واحد، وليس هناك شيء يبصر. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة في تأويل الآية فقال: وأرنا مناسكنا أي: علّمنا. وأنشد لحطائط بن يعفر:
أريني جواداً مات هزلا لأنني * أرى ما ترين أو بخيلًا مخلّداً قال: أراد: دلّيني، ولم يرد رؤية العين. وأما قوله تعالى: ربّ أرني أنظر إليك [الأعراف/ 142] فهو من رأيت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، يراد به إدراك البصر، والمفعول الثاني حذف من اللفظ، لأن ما يتعلق بالفعل الثاني يدل عليه، ومعنى الكلام يقتضيه.
وقوله تعالى: أرنا الّذين أضلّانا من الجنّ والإنس [السجدة/ 29] فهو من رأيت المتعدية إلى مفعول واحد، فلما نقل بالهمزة تعدى إلى اثنين.
وجاء في الحديث: أرنا الّذين أضلّانا من الجنّ والإنس قال: هما ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/225]
وقد ذكرنا وجه الإسكان فيما تقدم. فأما من اعتلّ بأن الوجه الإشباع أو الإخفاء دون الإسكان لأن الحرف قد حذف منه؛ فليس اعتلاله بذاك، لأن الحذف إذا وجب بقياس، وعلى باب مطّرد، كان هو والإثبات سواء في المساغ. ألا ترى أنهم قالوا:
ر رأيك، وش ثوبك، وف بوعدك. فبقي في ذلك كلّه الكلمة على حرف واحد. فكذلك إذا أوجب ضرب من القياس فيه الإسكان فهو بمنزلة ما يوجب حذف الهمزة من التخفيف، وأوجب حذف اللام للأمر، ويقوي ذلك اتفاقهم، أو اتفاق أكثرهم، في قوله: لكنّا هو اللّه ربّي [الكهف/ 38] فلزم فيه حذف بعد حذف). [الحجة للقراء السبعة: 2/226]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأرنا مناسكنا وتب علينا}
قرأ أبو عمرو {وأرنا} مختلسا وقرأ ابن كثير {وأرنا} ساكنة في جميع القرآن وحجته أن الرّاء في الأصل ساكنة وأصلها أرئينا على وزن أكرمنا فحذفت الياء للجزم ثمّ تركت الهمزة كما تركت في يرى وترى وبقيت الياء محذوفة كما كانت والأجود أن تقول نقلنا حركة الهمزة إلى الرّاء ثمّ حذفنا لكثرة الحركات
وقرأ الباقون {أرنا} بكسر الرّاء وحجتهم في ذلك أن الكسرة
[حجة القراءات: 114]
إنّما هي كسرة همزة ألغيت وطرحت حركتها على الرّاء فالكسرة دليل الهمزة فحذفها قبيح). [حجة القراءات: 115]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَأَرْنا} [آية/ 128]:-
بسكون الراءِ، قرأها ابن كثير ويعقوبُ، وكذلك {أَرْنا} و{أَرْنِي} في كل القرآن، ووافقهما ابن عامر و- ياش- عن عاصم في {أَرْنا} فقط.
[الموضح: 301]
وأبو عمرو يختلس في الجميع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم بكسر الراء في الجميع.
القراءة بالسكون ههنا حسنة، وليست تقبح قبح الإسكان في {يَأْمُرْكُمْ} و{يَنْصُرْكُمْ} و{بَارِئكُم} وأمثالها؛ لأن الحركات في هذه الكلم حركات الإعراب فيقبح الإسكان فيها كراهة زوال علم الإعراب، وليست حركة {أرْنا} و{أَرْنِي} بحركة الإعراب، فالإسكان ههنا حسن، إلا أنه على تشبيه المنفصل بالمتصل، وذلك أن {أَرْنِي} بمنزلة: فخذ، فلهذا جاز الإسكان.
وأما اختلاس أبي عمرو فقد مضى الكلام فيه.
وأما كسر الباقين فعلى الأصل). [الموضح: 302]

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن مجاهد: قال عباس: سألت أبا عمرو عن {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فقال: أهل الحجاز يقولون: [يعلِّمُهم ويلْعَنُهم] مثقلة، ولغة تميم: [يُعْلِمْهم ويلْعَنْهم].
قال أبو الفتح: أما التثقيل فلا سؤال عنه ولا فيه؛ لأنه استيفاء واجب الإعراب؛ لكن من حذف فعنه السؤال، وعلته توالي الحركات مع الضمات، فيثقل ذلك عليهم فيخففون بإسكان حركة الإعراب، وعليه قراءة أبي عمرو: [فَتُوبُوا إِلَى بَارِئْكُمْ] فيمن رواه بسكون الهمزة. وحكى أبو زيد: [بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ] بسكون اللام.
وأنشدنا أبو علي لجرير:
[المحتسب: 1/109]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلا تعرفْكم العرب
يريد: تعرفُكم. ومن أبيات الكتاب:
فاليوم أشربْ غير مُستَحقِبٍ ... إثمًا من الله ولا واغِلِ
أي: أشربُ.
وأما اعتراض أبي العباس هنا على الكتاب، فإنما هو على العرب لا على صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن في الوزن أيضًا غيره.
وقول أبي العباس: إنما الرواية: "فاليوم فاشرب"، فكأنه قال لسيبويه: كذبتَ على العرب، ولم تَسمع ما حكيته عنهم. وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرَف فقد سقطت كلفة القول معه.
وكذلك إنكاره عليه أيضًا قول الشاعر:
"وقد بدا هَنْكِ من المئزر
[المحتسب: 1/110]
فقال: إنما الرواية:
وقد بدا ذاك من المئزر
وما أطيب العرس لولا النفقة!
وكذلك الاعتراض عليه في إنشاده قوله:
لا بارك الله في الغواني هل ... يُصبحن إلا لهن مُطَّلَبُ
وقول الأصمعي: "في الغواني ما" يريد: في الغواني أَما، ويخفف الهمزة. وقول غيره: "في الغوان أَما"، ولو كان إلى الناس تخير ما يحتمله الموضع والتسبب إليه لكان الرجل أقوم من الجماعة به، وأوصل إلى المراد منه، وأنفى لشغب الزيغ والاضطراب عنه.
فأما قول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حِمامُها
فحملوه على هذا؛ أي: أو يرتبط بعض النفوس حمامها؛ معناه: إلا أن يرتبط، فأسكن المفتوح لإقامة الوزن واتصال الحركات.
وقد يمكن عندي أن يكون يرتبط عطفًا على أرضها؛ أي: أنا تراك أمكنة إذا لم أرضها ولم يرتبط نفسي حمامها؛ أي: ما دمت حيًّا فأنا متقلقل في الأرض من هذه إلى هذه، ألا ترى إلى قوله:
قَوَّال مُحكَمَة جوَّاب آفاق
وهو كثير في الشعر، فكذلك قول بني تميم: [يُعلِّمْهم ويلْعَنْهم] على ما ذكرنا). [المحتسب: 1/111] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (130) إلى الآية (134) ]

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}


قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}

قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ووصّى بها إبراهيم... (132).
قرأ نافع وابن عامرٍ: (وأوصى بها) بالألف.
وقرأ الباقون بغير ألف.
[معاني القراءات وعللها: 1/179]
قال أبو منصور: هما لغتان: أوصي، ووصى، فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في زيادة الألف ونقصانها من قوله تعالى: ووصّى بها [البقرة/ 132].
فقرأ نافع وابن عامر وأوصى بها على أفعل.
وقرأ الباقون: ووصّى بغير ألف على فعّل.
قال أبو عليّ: حجة من قرأ: وصّى بغير ألف قوله عز وجل: فلا يستطيعون توصيةً [يس/ 50] فتوصية مصدر وصّى، مثل: قطّع تقطعة، ولا يكون فيه تفعيل نحو: التقطيع، لأنك لو جئت به على تفعيل للزم في حيّيت، ونحوه، إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/227]
أتيت به على فعّل، أن يكون المصدر على تفعيل أيضاً، فتجتمع ثلاث ياءات، وإذا كانوا قد رفضوا في نحو: عطاء، التحقير على الإتمام، لأنه كان يجتمع ثلاث ياءات، الوسطى منهنّ متحركة بالكسر، فكذلك رفض هذا في تفعيل، لأنه على تلك العدّة وفيهن الكسرة، وإن كانت الكسرة في تفعيل أوّلا، وفي عطاء إذا حقّرت ثانية.
وحجة من قرأ: وأوصى قوله تعالى: يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11] ومن بعد وصيّةٍ توصون بها [النساء/ 11]. وقد قالوا: وصى النّبت: إذا اتصل بعضه ببعض. فالوصيّة كأنّ الموصي بالوصيّة وصل جلّ أمره إلى الموصى إليه). [الحجة للقراء السبعة: 2/228]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب}
قرأ نافع وابن عامر (وأوصى بها) بالألف وحجتهما أن أوصى يكون للقليل والكثير ووصى لا يكون إلّا للكثير
وقرأ الباقون {ووصى} التّشديد وحجتهم أن وصّى أبلغ من أوصى لأن أوصى جائز أن يكون مرّة ووصى لا يكون إلّا مرّات كثيرة وقال الكسائي هما لغتان معروفتان تقول وصيتك وأوصيتك كما تقول كرمتك وأكرمتك والقرآن ينطق بالوجهين قال الله {ولقد وصينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} {ما وصّى به نوحًا} {ذلكم وصّاكم به} وقال {يوصيكم الله} و{من بعد وصيّة توصون} والتّشديد أكثر). [حجة القراءات: 115]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {ووصى} قرأه نافع وابن عامر بهمزة مخففًا، وشدد الباقون من غير همز، وهما لغتان: وصى وأوصى بمعنى واحد، وقوله: {توصية} «يس 50» يدلى على «وصى» مشددًا، وكذلك قوله: {وصاكم} «الأنعام 144» وقوله: {يوصيكم} «النساء 11» و{يوصي بها} «النساء 11» و{توصون} «النساء 12» يدل على «أوصى» مخففًا، فالقراءتان متوافقتان، غير أن التشديد، فيه معنى تكرير الفعل، فكأنه أبلغ في المعنى، وهو الاختيار، لإجماع أكثر القراء عليه، ولزيادة الفائدة التي فيه، وبالتشديد قرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وشبل، وفي حرف ابن مسعود «فوصى»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/265]
بالفاء مشددًا، والتشديد اختيار أبي حاتم، والمصاحف تختلف فيه، فمصاحف أهل المدينة والشام فيها ألف بين الواوين، وسائر مصاحف الأمصار لا ألف فيها بين الواوين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/266]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {وَأَوْصَى} [آية/ 132]:-
بالألف، قرأها نافع وابن عامر.
وذلك لأن أوصى ووصى لغتان، وقال الله تعالى {يُوصِيكُمُ الله} و{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ} و{تُوصُونَ}، فهذا من أوصى.
وقرأ الباقون {وَوَصّى} بالتشديد، فقد جاء في قول الله تعالى أيضًا
[الموضح: 302]
نحو: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً}، فهذا من وصى، لأن التفعلة إنما تجيء مصدرًا لفعل بالتشديد، كالتفعيل، إلا أنه يأتي من هذا الضرب أعني معتل اللام التفعلة دون التفعيل، لئلا يجتمع في باب حييت ثلاث ياءات). [الموضح: 303]

قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر وعاصم الجحدري وأبي رجاء بخلاف: [وإلَه أَبِيكَ] بالتوحيد.
قال أبو الفتح: قول ابن مجاهد بالتوحيد لا وجه له؛ وذلك أن أكثر القراءة: {وَإِلَهَ آبَائِكَ} جمعًا كما ترى، فإذا كان أبيك واحدًا كان مخالفًا لقراءة الجماعة؛ فتحتاج حينئذ إلى أن يكون أبيك هنا واحدًا في معنى الجماعة، فإذا أمكن أن يكون جمعًا كان كقراءة الجماعة، ولم يحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع الجماعة، وطريق ذلك أن يكون "أبيك" جمع أب على الصحة، على قولك للجماعة: هولاء أبون أحرار؛ أي: آباء أحرار، وقد اتسع ذلك عنهم. ومن أبيات الكتاب:
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفدَّيْنَنَا بالأبينا
وقال أبو طالب:
ألم ترَ أني بعد همٍّ هممته ... لفرقة حرمن أبين كرام
وقال الآخر:
فهو يُفَدَّى بالأبين والخالْ
[المحتسب: 1/112]
وقد أشبعنا هذا الموضع في شرح ديوان المتنبي.
ويؤكد أن المراد به الجماعة ما جاء بعده من قوله: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} فأبدل الجماعة من أبيك، فهو جماعة لا محالة؛ لاستحالة إبدال الأكثر من الأقل؛ فيصير قوله تعالى: [وإله أبيك] كقوله: وإله ذويك، هذا هو الوجه، وعليه فليكن العمل). [المحتسب: 1/113]

قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #39  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:26 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (135) إلى الآية (138) ]

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}

قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}

قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما حكاه ابن مجاهد عن ابن عباس: أنه قال: لا تقرأ {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ}؛ فإن الله ليس له مثل؛ ولكن اقرأ: [بما آمنتم به].
قال: وروى عنه أيضًا أنه كان يقرأ: [بالذي آمنتم به].
قال: وقال عباس في مصحف أنس وأبي صالح وابن مسعود: [فإن آمنوا بما آمنتم به].
قال أبو الفتح: هذا الذي ذهب إليه ابن عباس حسن؛ لكن ليس لأن القراءة المشهورة مردودة. وصحة ذلك أنه إنما يراد: فإن آمنوا بما آمنتم به، كما أرداه ابن عباس وغيره، غير أن العرب قد تأتي بمثل في نحو هذا توكيدًا وتسديدًا، يقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح: مثلي لا يفعل هذا؛ أي: أنا لا أفعله، ومثلك إذا سئل أعطى؛ أي: أنت كذاك، قال:
مثلي لا يُحسن قولًا فَعْ فَعْ
أي: أنا لا أحسنه. وفي حديث سيف بن ذي يزن: "أيها الملك، مثل من سَرَّ وبَر" أي: أنت كذاك. وهو كثير في الشعر القديم والمولد جميعًا.
[المحتسب: 1/113]
وسبب توكيد هذه المواضع "بمثل" أنه يراد أن يُجعل من جماعة هذه أوصافهم تثبيتًا للأمر وتمكينًا له، ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه، ولم تَرْسُ فيه قدمه، ولم يؤمن عليه انتقاله إلى ضده.
ومثل ذلك أيضًا قولهم في مدح الإنسان: أنت من القوم الكرام، ومنْزِعُك إلى السادة؛ أي: لك في هذا الفعل سابقة وأول، فأنت مقيم عليه ومحقوق به، ولست دخيلًا فيه عن غير أول ولا أصل، فيخشى عليك نُبوك عنه.
ولما أريد مثل هذا في الثناء على الله -تعالى- ولم يجز أن يكون تابعًا لسلف، ولا موجودًا له فيه نظير؛ عدلوا به إلى وجه ثالث غير الاثنين المذكورين؛ وهو أن جُعل قديمًا فيه، راسخًا عليه، فكان أثبت له من أن يكون -عز وجهه- مبتدئه أو مرتجله، وذلك قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ونحو ذلك من الآى، فاعرف ذلك أولًا ومبتكرًا. فكذلك قوله عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} أي: كانوا ممن يؤمن بالحق هذا الجنس على سَعته وانتشار جهاته فقد اهتدوا.
ورحم الله ابن عباس! فإن هذا القول وإن كان اعتراضًا عليه، فعنه أيضًا أُخذ وإليه رُد، وغير ملوم مَن نصر الجماعة، وبالله الحول والاستطاعة). [المحتسب: 1/114]

قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #40  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:27 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (139) إلى الآية (141) ]

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}

قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)}

قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أم يقولون إنّ إبراهيم... (140).
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: (أم يقولون) بالياء، رواه عاصم لأبي بكر، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطبة.
ومن قرأ بالياء فهو إخبار عن غائب.
ومعنى أم: ألف الاستفهام، أيقولون؟). [معاني القراءات وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أم تقولون [البقرة/ 140].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو بالياء: يقولون.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: تقولون بالتاء.
قال أبو علي: حجة قراءة من قرأ بالتاء: أن ما قبلها وبعدها على المخاطبة، فالمخاطبة المتقدمة قوله عز وجل:
[الحجة للقراء السبعة: 2/228]
أتحاجّوننا في اللّه [البقرة/ 139] والمتأخرة قوله تعالى:
قل أأنتم أعلم أم اللّه [البقرة/ 140].
ومن قرأ بالياء فلأن المعنى لليهود والنصارى، وهم غيب). [الحجة للقراء السبعة: 2/229]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {أم يقولون} بالياء وحجتهم أن هذا إخبار عن اليهود أراد أم يقول اليهود والنّصارى
وقرأ الباقون بالتّاء وحجتهم المخاطبة الّتي قبلها والّتي بعدها فالمتقدمة قوله {قل أتحاجوننا في الله} 139 والمتأخرة قوله
[حجة القراءات: 115]
{قل أأنتم أعلم أم الله} فتأويل الآية قل يا محمّد للقائلين لكم {كونوا هودا أو نصارى} أتحاجوننا أم تقولون إن إبراهيم وأولاده كانوا يهودا). [حجة القراءات: 116]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- قوله: {أم تقولون} قرأه ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالتاء على المخاطبة، وحسن ذلك لأنه أتبعه ما قبله من الخطاب وما بعده، وذلك قوله: {أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} «139» وقوله: {أأنتم أعلم أم الله}، فأجرى الكلام على نسق واحد في المخاطبة، وقرأه الباقون بالياء على أنه إخبار عن اليهود والنصارى، وهم غيب، فجرى الكلام على لفظ الغيبة، وأيضًا فإن قبله كلامًا في معناه بلفظ الغيبة وهو قوله: {فإن آمنوا} «137» وقوله: {فقد اهتدوا}، وقوله: {فإن تولوا فإنما هو في شقاق}، وقوله: {فسيكفيكهم الله} كله بلفظ الغيبة، إخبارًا عن اليهود والنصارى، فجرى «أم يقولون» بالياء على ذلك كله، والاختيار الياء، وبه قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر يزيد وشيبة، وهو اختيار أبي حاتم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/266]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {أَمْ تَقُولُونَ} {آية/ 140]:-
بالتاء، قرأها ابن عامر والكسائي و- ص- عن عاصم و- يس- عن يعقوب.
ووجهه أن الخطاب ههنا أليق بما قبله وما بعده، فما قبله قوله تعالى {قُلْ أَتُحاجّونَنَا} وهو على الخطاب، وما بعده قوله تعالى {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ}.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم و- ح- و- ان- عن يعقوب بالياء تحتها نقطتان؛ لأن المراد بهم اليهود والنصارى، فهو على الغيبة، ويدل على ذلك أنه فصل بين الكلامين بـ {قُلْ أَأَنْتُمْ} ). [الموضح: 303]

قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #41  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (142) إلى الآية (144) ]

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}

قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما ولّاهم عن قبلتهم... (142).
قرأ حمزة والكسائي: (ما ولّيهم) ممالًا.
ورواه أبو بكر عن عاصم بالإمالة أيضًا.
وفخّمه الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان، والتفخيم أفصحهما). [معاني القراءات وعللها: 1/181]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لرءوفٌ رحيمٌ (143).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص: (لرءوفٌ) بوزن رعوف في كل القرآن.
وقرأ الباقون: (لرءوفٌ) بوزن رعف
قال أبو منصور: هما لغتان، ورءوفٌ على (فغول) أشبه بالصفات). [معاني القراءات وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: لرؤفٌ [البقرة/ 143].
فقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم: لرؤفٌ على وزن: «لرعوف» في كل القرآن، وكذلك ابن عامر.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: لرؤف على وزن «لرعف».
قال أبو زيد: رأفت بالرجل أرأف به رأفة ورآفة، ورؤفت به أرؤف به، كلّ من كلام العرب.
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: رؤف أن فعولًا بناء أكثر في كلامهم من فعل، ألا ترى أن باب ضروب وشكور أكثر من باب حذر، وحدث، ويقظ، وإذا كان أكثر على ألسنتهم كان أولى مما هو بغير هذه الصفة. ويؤكد ذلك أن هذا البناء قد جاء عليه من صفات، غير هذا الحرف نحو: غفور وشكور، ولا نعلم فعلا فيها. وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/229]
نطيع إلهنا ونطيع ربّا... هو الرّحمن كان بنا رءوفا
ومن قرأ: رؤف فقد زعموا أن ذلك الغالب على أهل الحجاز، قالوا: ومنه قول الوليد بن عقبة [بن أبي معيط لمعاوية بن أبي سفيان]:
وشرّ الطالبين فلا تكنه... يقاتل عمّه الرّؤف الرحيما
وقد اتّسع ذلك حتى قاله غيرهم. وقال جرير:
ترى للمسلمين عليك حقّا... كفعل الوالد الرّؤف الرحيم). [الحجة للقراء السبعة: 2/230]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [إلا لِيُعْلَم من يتبع الرسول] بياء مضمومة وفتح اللام.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون يُعلم هنا بمعنى يعرف؛ كقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ
[المحتسب: 1/111]
اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} أي: عرفتم، وتكون "مَن" بمعنى الذي؛ أي: ليُعرف الذي يتبع الرسول، ولا تكون "مَن" هاهنا استفهامًا؛ لئلا يكون الكلام جملة، والجمل لا تقوم مقام الفاعل؛ ولذلك لم يجيزوا أن يكون قوله: "هذا باب علم ما الكلم" أي: أي شيء الكلم، وعلم في معنى: أن يُعلَم، وقد ذكرنا ذاك هناك). [المحتسب: 1/112]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [لرَوُوف] بلا همز، ويُثقِّل.
قال أبو الفتح: ينبغي أن تكون الهمزة فيه مخففة، فلما أخفاها التخفيف ظُنت واوًا للطف هذا الموضع أن تضبطه القراء؛ وذلك أنا لا نعرف في غير هذه اللفظة إلا الهمز، يقال: رؤُف به، ورأَف به، ورئِف، ولم نسمع فيه راف ولا رُفْتُ، والهمزة إذا خففت في نحو هذا لم تبدل، وإنما تُخْفَى، كقولك في سئول فعول من سألت: سَوُول، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/114]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الله بالنّاس لرؤوف رحيم}
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ وأبو بكر {إن الله بالنّاس لرؤوف} على وزن رعف وحجتهم أن هذا أبلغ في المدح كما تقول رجل حذق ويقظ للمبالغة قال الشّاعر
يرى للمسلمين عليه حقًا ... كفعل الوالد الرؤف الرّحيم
وقرأ الباقون {لرؤوف} على وزن فعول وحجتهم في ذلك أن أكثر أسماء الله على فعول وفعيل مثل غفور وشكور ورحيم وقدير قال الشّاعر
نطيع نبينا ونطيع ربًّا ... هو الرّحمن كان بنا رؤوفا). [حجة القراءات: 116]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {لرؤوف} قرأه الحرميان وحفص وابن عامر بواو بعد الهمزة، وقرأه الباقون بغير واو، وهما لغتان، يأتي اسم الفاعل على «فعول»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/266]
وعلى «فعل» لكن باب «فعول» أكثر من باب «فعل» في الاستعمال، يقول: رجل ضروب وشكور، فهو أكثر من قولك: رجل حذر، والقراءتان متوازنتان، لكن حذف الواو أخف في القراءة وإثباتها أكثر في الاستعمال لنظائره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/267]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {لَرَءُوفٌ} [آية/ 143]:-
بواو بعد الهمزة على فعول، قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر و- ص- عن عاصم.
[الموضح: 303]
وذلك أن فعولاً أكثر في كلام العرب من فعل، فإن باب شكور أشهر عندهم من باب يقظ، ألا ترى أنه قد جاء في باب فعول ما لا يعرف فعل فيه نحو غفور وشكور، لا تقول غفر وشكر مثل يقظ.
وقرأ الباقون {لَرَؤُوفٌ} بغير واو بعد الهمز في جميع القرآن على مثال يقظ وحذر.
وهذه لغة فاشية في أهل الحجاز، أعني في هذه الكلمة وهي الغالبة عليهم). [الموضح: 304]

قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عمّا يعملون}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {وما الله بغافل عمّا يعملون} بالتّاء وحجتهم قوله قبلها {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} فكان ختم الآية بما افتتحت به من الخطاب عندهم أولى من العدول عن الخطاب إلى الغيبة
[حجة القراءات: 116]
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله {وإن الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} والكلام خبر عنهم). [حجة القراءات: 117]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (79- قوله: {يعملون} «144»، {ولئن أتيت} «145» قرأه ابن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/267]
عامر وحمزة والكسائي بالتاء، وقرأه الباقون بالياء.
ووجه القراءة بالتاء أنه أجراه على المخاطبة التي قبله في قوله: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وما الله بغافل عما تعملون}، أي: من توليتكم.
80- ووجه القراءة بالياء أنه أجراه على ما قرب منه، من لفظ الغيبة في قوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون} ثم قال: {وما الله بغافل عما يعملون} أي عما يعمل الذين أوتوا الكتاب في أمر القبلة، وقراءة أيضًا ما بعده في قوله: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب} «145» وقوله: {ما تبعوا قبلتك}، وقوله: {وما أنت بتابع قبلتهم – ولئن اتبعت أهواءهم} فكله أتى على لفظ الغيبة، فحمل «يعملون» عليه، والتقدير: وما الله بغافل عما يعملون، ولئن أتيتهم بكل آية ما تبعوا قبلتك، يعني بذلك كله اليهود، وهم غيب، والياء في ذلك كله الاختيار، لتطابق الكلام من قبل ومن بعد، على لفظ الغيبة، ولأن المراد بذلك كله اليهود، وهم غُيب، ولما قدّمنا من اختيار الياء إذا وقع الاختلاف على الياء والتاء في قول ابن مسعود وابن عباس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (81- قوله: {تعملون. ومن حيث} قرأه أبو عمرو بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
82- ووجه القراءة بالياء أنه أجراه على لفظ الغيبة والإخبار عن اليهود الذين يخالفون النبي في القبلة وهم غُيب، فالتقدير: ول وجهك يا محمد نحو المسجد الحرام، وما الله بغافل عما يعمل من يخالفك من اليهود في القبلة.
83- ووجه القراءة بالتاء أنه مردود على ما قبله، من الخطاب للنبي عليه السلام وأصحابه، في قوله: {فول وجهك}، والمعنى: فولوا وجوهكم شطر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/268]
المسجد الحرام، وما الله بغافل عما تعملون، أيها المؤمنون من توليتكم نحو المسجد الحرام، وأيضًا فإن بعده مخاطبة أخرى في قوله: {فولوا وجوهكم شطره} وقوله: {عليكم حجة}، وقوله: {فلا تخشوهم}، وقوله: {ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}، فكله خطاب، فحمل «تعملون» عليه في الخطاب للحمل على ما قبله وما بعده، من المخاطبة، وهو الاختيار، للإجماع عليه، ولأنه أحسن مطابقة لما قبله وما بعده). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/269]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #42  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:39 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (145) إلى الآية (148) ]

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}


قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}

قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (مولّيها... (148).
قرأ ابن عامر وحده: (هو مولّاها). وقرأ الباقون: (هو مولّيها).
من قرأ: (هو مولّيها) فمعناه: مستقبلها، كأنه قال: هو موليها وجهه.
وقال أحمد بن يحيى: التولية ها هنا: إقبال.
وقال الزجاج: قال قوم:
[معاني القراءات وعللها: 1/181]
هو موليها: إن الله يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد.
قال: ومن قرأ: (هو مولّاها) فالمعنى: لكل إنسان قبلة ولّاه الله إياها، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر محمد بن علي، والقراءتان جيدتان، وموليها أكثر وأفصح). [معاني القراءات وعللها: 1/182]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله جل وعز: هو مولّيها [البقرة/ 148].
فقرأ ابن عامر وحده: هو مولاها بفتح اللام.
وقرأ الباقون بكسر اللام.
قال أبو علي: قال تعالى: فلنولّينّك قبلةً ترضاها [البقرة/ 144] يقال: ولّيتك القبلة إذا صيّرتك تستقبلها
[الحجة للقراء السبعة: 2/230]
بوجهك. وليس هذا المعنى في فعلت منه، ألا ترى أنك إذا قلت: وليت الحائط، ووليت الدار، لم يكن في فعلت منه دلالة على أنك واجهته. كما أن في قولك: ولّيتك القبلة، وولّيتك المسجد الحرام دلالة على أن المراد واجهته، ففعّلت في هذه الكلمة ليس بمنقول من فعلت الذي هو وليت، فيكون على حدّ قولك: فرح وفرّحته، ولكنّ هذا المعنى الذي هو المواجهة عارض في فعّلت، ولم يكن في فعلت. وإذا كان كذلك كان فيه دلالة على أن النقل لم يكن من فعلت، كما كان قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض، لم يكن النقل فيه من لقي متاعك بعضه بعضاً، ولكنّ ألقيت كقولك:
أسقطت، ولو كان منه زاد مفعول آخر في الكلام، ولم يحتج في تعديته إلى المفعول إلى حرف الجر وإلحاقه المفعول الثاني في قولك: ألقيت بعض متاعك على بعض، كما لم يحتج إليه في:
ضرب زيد عمراً، وأضربته إياه، ونحو ذلك، فكذلك: ولّيتك قبلة، من قولك: وليت كألقيت، من قولك: لقيت وقال تعالى: فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام [البقرة/ 144].
فهذا على المواجهة له، ولا يجوز على غير المواجهة مع العلم أو غلبة الظن التي تنزّل منزلة العلم في تحري القبلة، وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة وذلك في نحو قوله جل وعز: ثمّ تولّيتم إلّا قليلًا منكم وأنتم معرضون [البقرة/ 83]
[الحجة للقراء السبعة: 2/231]
، ثمّ تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته [البقرة/ 64]. عبس وتولّى أن جاءه الأعمى [عبس/ 1] أي: أعرض عنه، وقال تعالى:
وتولّى عنهم وقال: يا أسفى على يوسف [يوسف/ 84] فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا [النجم/ 29] فهذا مع دخول الزيادة الفعل وفي غير الزيادة قوله: ثمّ ولّيتم مدبرين [التوبة/ 25] والحال مؤكّدة لأن في وليتم دلالة على أنهم مدبرون، فهذا على نحوين: أما ما لحق التاء أوله، فإنه يجوز أن يكون من باب: تحوّب وتأثّم إذا ترك الحوب والإثم، وكذلك إذا ترك الجهة التي هي المقابلة، ويجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه، كالحروف المروية في الأضداد. فأما قوله تعالى: وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار [آل عمران/ 111] وقوله: ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثمّ لا ينصرون [الحشر/ 12] وقوله: سيهزم الجمع ويولّون الدّبر [القمر/ 45] فهذا منقول من فعل، تقول: داري تلي داره، ووليت داري داره، وإذا نقلته إلى فعّل قلت: وليت مآخيره، وولّاني مآخيره، ووليت ميامنه. وولّاني ميامنه، فهو مثل: فرح وفرّحته،
وليس مثل: لقي وألقيته، وقوله تعالى: ليولّنّ الأدبار [الحشر/ 12] ويولّون الدّبر [القمر/ 45] المفعول الثاني الزائد في نقل «فعل» إلى «فعّل» محذوف فيه، ولو لم يحذف كان كقوله: يولّوكم الأدبار [آل عمران/ 111]
[الحجة للقراء السبعة: 2/232]
وقوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ [التوبة/ 71] المعنى فيه: أن بعضهم يوالي بعضاً، ولا يبرأ بعضهم من بعض، كما يبرءون ممن خالفهم وشاقّهم، ولكنهم يد واحدة في النصرة والموالاة، فهم أهل كلمة واحدة لا يفترقون فرقة مباينة ومشاقّة، ومن ثمّ قالوا في خلاف الولاية:
العداوة، ألا ترى أنّ العداوة من عدا الشيء: إذا جاوزه فمن ثمّ كانت خلاف الولاية.
فأمّا قوله عزّ وجلّ وإن تلووا أو تعرضوا [النساء/ 135] فيمن قرأ تلووا فمعناه والله أعلم: الإقبال عليهنّ والمقاربة لهنّ في العدل في قسمهنّ، ألا ترى أنه قد عودل بالإعراض في قوله تعالى: أو تعرضوا فكأنّ قوله تعالى: (إن تلوا) كقوله: إن أقبلتم عليهنّ، ولم تعرضوا عنهنّ.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون في تلووا دلالة على المواجهة فتجعل قوله: فلنولّينّك منقولًا من هذا، فمن ثمّ اقتضى المواجهة، وتستدلّ على ذلك بمعادلته لخلافه الذي هو الإعراض؟
فالقول: إن ذلك في هذه الكلمة ليس بالظاهر، ولا في الكلمة دلالة على هذه المخصوصة التي جاءت في قوله:
فلنولّينّك قبلةً ترضاها [البقرة/ 144] وإذا لم تكن عليها دلالة، لم تصرفها عن الموضع الذي جاءت فيه، فلم تنفذها إلى سواها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/233]
فأما قوله عز وجل: أولى لك فأولى [القيامة/ 34] فقد كتبناه في «كتاب الشعر» وقوله: يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون [الأنفال/ 20] فالضمير في عنه إذا جعلته للرسول، احتمل أمرين: لا تولّوا عنه:
لا تنفضّوا عنه كما قال تعالى: انفضّوا إليها وتركوك قائماً [الجمعة/ 11] وقال سبحانه: وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتّى يستأذنوه [النور/ 62] وقال عز اسمه: قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذاً [النور/ 63] وعلى هذا المعنى قوله تعالى: بعد أن تولّوا مدبرين [الأنبياء/ 57] أي: بعد أن تتفرقوا عنها. ويكون:
لا تولّوا عنه لا تعرضوا عن أمره: وتلقّوه بالطاعة والقبول، كما قال: فليحذر الّذين يخالفون عن أمره [النور/ 63] وزعموا أن بعضهم قرأ: ولا تولّوا عنه واللفظتان تكونان بمعنى واحد، قال تعالى: ولّى مدبراً ولم يعقّب [القصص/ 31] وقال: ثمّ ولّيتم مدبرين [التوبة/ 25] وقال: فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا [النجم/ 29] وقال فتولّوا عنه مدبرين [الصافات/ 90]. وقوله: واللّه وليّ المؤمنين [آل عمران/ 68] أي ناصرهم، ومثله في أنّ المعنى فيه النّصرة قوله: فإنّ اللّه هو مولاه [التحريم/ 4] أي ناصره. وكذلك قوله: ذلك بأنّ اللّه مولى الّذين آمنوا، وأنّ الكافرين لا مولى لهم [محمد/ 11]
[الحجة للقراء السبعة: 2/234]
أي: لا ناصر لهم؛ ومعنى المولى من النّصرة؛ من ولي عليه: إذا اتصل به ولم ينفصل عنه. وعلى هذا قوله تعالى: إنّ اللّه معنا [التوبة/ 40] أي: ناصرنا، وكذلك قوله: فاذهبا
بآياتنا إنّا معكم
[الشعراء/ 15] في موضع آخر إنّني معكما [طه/ 46] وعلى هذا المعنى قولهم:
صحبك الله.
وروينا عن ابن سلّام عن يونس قال: المولى: له في كلام العرب مواضع منها: المولى من الدّين، وهو الوليّ، وذلك قوله: ذلك بأنّ اللّه مولى الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم [محمد/ 11] أي: لا وليّ. ومنه قوله: فإنّ اللّه هو مولاه [التحريم/ 4]، ومنه
قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»
أي: وليّه.
وقوله: «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله»
قال العجّاج:
الحمد لله الذي أعطى الظّفر موالي الحقّ إن المولى شكر أي: أولياء الحقّ.
[الحجة للقراء السبعة: 2/235]
ومنها العصبة، وبنو العمّ هم الموالي، قال تعالى: وإنّي خفت الموالي من ورائي [مريم/ 5] أي العصبة. وقال الزّبرقان:
ومن الموالي موليان فمنهما... معطي الجزيل وباذل النّصر
ومن الموالي ضبّ جندلة... لحز المروءة
ظاهر الغمر الغمر: العداوة.
وقال آخر:
ومولى كداء البطن لو كان قادراً... على الدّهر أفنى الدّهر أهلي وماليا
وقال آخر:
ومولى قد رعيت الغيب منه... ولو كنت المغيّب ما رعاني
وقال اللهبيّ الفضل بن عباس لبني أمية:
مهلا بني عمّنا مهلًا موالينا... امشوا رويدا كما كنتم تكونونا
الله يعلم أنا لا نحبّكم... ولا نلومكم أن لا تحبّونا
[الحجة للقراء السبعة: 2/236]
وكان الزّبرقان بن بدر تكثّر في مواليه وبني عمّه فقال رجل من بني تميم:
ومولى كمولى الزبرقان ادّملته... كما ادّمل العظم المهيض من الكسر
ومن انضمّ إليك فعزّ بعزّك، وامتنع بمنعتك أو بعتق، وبهذا سمّي المعتقون: موالي. قال الراعي:
جزى الله مولانا غنياً ملامة... شرار موالي عامر في العزائم
نبيع غنيّاً رغبة عن دمائها... بأموالها بيع البكار المقاحم
البكار: الصغيرة، والمقاحم: التي لم تقو على العمل.
وغنيّ: حلفاء بني عامر، قال الأخطل لجرير:
أتشتم قوماً أثّلوك بنهشل... ولولاهم كنتم كعكل مواليا
وعكل من الرّباب حلفاء بني سعد.
وقال الفرزدق لعبد الله بن أبي إسحاق النحوي، وكان
[الحجة للقراء السبعة: 2/237]
مولى لحضرمي، وبنو الحضرميّ حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف:
فلو كان عبد الله مولى هجوته... ولكنّ عبد الله مولى مواليا
الإعراب:
قوله عزّ وجلّ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها [البقرة/ 148] موضع الجملة رفع لكونها وصفاً للوجهة، فمن قرأ: هو مولّيها؛ فالضمير الذي هو هو لاسم الله تعالى، تقديره: ولكلّ وجهة، الله مولّيها. ومعنى توليته لهم إياها: إنما هو أمرهم بالتوجّه نحوها في صلاتهم إليها، يدلّك على ذلك قوله تعالى: فلنولّينّك قبلةً ترضاها [البقرة/ 144]، فكما أنّ فاعل، نولّينّك الله عزّ وجلّ، فكذلك الابتداء في قوله: هو مولّيها ضمير اسم الله تعالى، والتقدير: الله مولّيها إياه، ف «إياه» المراد المحذوف ضمير المولّى، وحذف المفعول الثاني لجري ذكره المظهر وهو كلّ في قوله: ولكلٍّ وجهةٌ فإذا قرئ: ولكل وجهة هو مولاها فالضمير لكلٍّ وقد جرى ذكره في قوله: ولكلٍّ وجهةٌ، وفي القراءة الأخرى لم يجر الذّكر، ولكن عليه دلالة، وقد استوفى الاسم الجاري على الفعل المبني للمفعول مفعوليه اللذين يقتضيهما، أحدهما:
[الحجة للقراء السبعة: 2/238]
الضمير المرفوع في مولّى، والآخر: ضمير المؤنّث، وهو الذي هو ضمير كلّ ابتداء وخبره مولّاها. ولو قرأ قارئ: ولكل وجهة هو مولاها فجعل هو ضمير ناس، أو قبيل، أو فريق، أو نحو ذلك فأضمر العلم به، كما أضمر اسم الله سبحانه، فيمن قرأ:
هو مولّيها لكان ذلك على ضربين: إن جعل الهاء لكلٍّ فأنّث كلا على المعنى، لأنّه في المعنى للوجهة كما قال:
وكلٌّ أتوه داخرين [النمل/ 87] فجمع على المعنى؛ فإنّ ذلك لا يجوز، لأن اسم المفعول قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما. فلا يكون حينئذ لكلٍّ وجهةٌ متعلّق، فبقيت اللام لا عامل فيها، وإن جعل الهاء في مولاها كناية عن المصدر الذي هو التولية؛ جاز، لأن الجارّ حينئذ يتعلق باسم المفعول الذي هو (مولي) كأنه قال: الفريق أو القبيل مولّى لكلّ وجهة تولية، واللام على هذا زيادة كزيادتها في:
ردف لكم [النمل/ 72] ونحوه.
وقد قلنا في هذه المسألة بعبارة أخرى في وقت آخر:
قوله جلّ وعزّ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها هو: ضمير اسم الله سبحانه، فإذا كان كذلك فقد حذف من الكلام أحد مفعولي الفعل الذي يتعدّى إلى مفعولين في قوله عزّ وجلّ:
فلنولّينّك قبلةً ترضاها. التقدير: الله مولّيها إياه، وإيّاه ضمير كلّ الموجّه المولّى، وتولية الله إيّاه، إنّما هو بأمره له بالتوجّه إليها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/239]
وقراءة ابن عامر مولاها تدلّك على ما ذكرنا من إرادة مفعول محذوف من الكلام، ألا ترى أنّه لما بنى الفعل للمفعول به، فحذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد المفعولين، وأضاف اسم الفاعل إلى المفعول الآخر وهو ضمير المؤنث العائد إلى الوجهة، فقوله: هو على قراءته ضمير كلّ، أي كل ولّي جهة، وهذه التولية بأمر الله سبحانه إياهم بتوجّههم إليها، وقراءته في المعنى تؤول إلى قراءة من قرأ: هو مولّيها.
ألا ترى أنّ في مولّيها ضمير اسم الله عزّ وجلّ، فإذا أسند الفعل إلى المفعول به، وبناه له، ففاعل التولية هو الله تعالى كما كانت في القراءة الأخرى كذلك.
وقد قرئ فيما ذكر أبو الحسن: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها. فضمير المؤنث في قوله: مولّيها يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون ضمير المصدر الذي هو التولية، وجاز إضمارها لدلالة الفعل عليها، كما جاز إضمار البخل في قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم [آل عمران/ 180] أي: البخل. ويكون هو ضمير اسم الله تعالى. فيكون المعنى: الله مولّ لكلّ وجهة تولية، فأوصل الفعل باللام كما تقول: لزيد ضربت وإن كنتم للرّءيا تعبرون [يوسف/ 43].
والآخر: أن لا تجعل الهاء ضميراً للتولية، ولكن ضميراً لوجهة، فإذا جعلته كذلك لم يستقم، لأنّك إذا أوصلت الفعل
[الحجة للقراء السبعة: 2/240]
إلى المفعول الذي يقتضيه الفعل مرة لم توصله مرة أخرى إلى مفعول آخر- ألا ترى أنّك لو قلت: لزيد ضربته لم يجز أن تجعل الهاء ضمير زيد، لأنّك قد عدّيت إليه الفعل مرّة باللّام، فلا تعدّيه إليه مرة أخرى، كما لا يتعدّى الفعل إلى حالين، ولا اسمين للزمان، ولا نحو ذلك مما يقتضيه الفعل.
فأما قوله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه فالهاء للمصدر ولا تكون للقرآن الذي تعدى إليه الفعل باللام، وقد تصحّ هذه القراءة على تقدير حذف المضاف، وهو أن تقدّر: ولكلّ ذوي وجهة هو مولّيها فيكون المعنى: الله مولّ لكلّ ذوي: وجهة؛ وجهتهم؛ فيكون في المعنى كقراءة من قرأ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها، إذا قدّرت حذف المفعول الثاني الذى هو إياه، إلا أنّ المفعول الثاني المحذوف في قول من قرأ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها مظهر في هذه القراءة، وهو قوله: ولكلٍّ وجهةٌ إذا قدّرته: ولكلّ ذوي وجهة، فيصير التقدير: الله مولّ كلّ ذوي وجهة وجهتهم. فكلّ هم المولّون، والهاء ضمير الجهة التي أخذوا بالتوجه إليها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/241]
وما ذكرته من أنّ هو ضمير اسم الله تعالى، وإن لم يجر له ذكر، قول أبي الحسن. وقد روي عن مجاهد أنه قال:
أراد: ولكلّ صاحب ملّة وجهة، أي: قبلة هو مستقبلها، فالضمير عنده على هذا لكلّ.
وقد حكى أبو الحسن القولين جميعاً: أن يكون هو ضمير اسم الله تعالى، وأن يكون لكلّ. وجاء قوله: هو مولّيها فيمن ذهب إلى هذا القول على لفظ كل، ولو قيل:
هم مولّوها على المعنى، كما قال تعالى: وكلٌّ أتوه [النمل/ 87] كان حسناً. وقال بعضهم: اخترت مولّيها على مولّاها لأنه قراءة الأكثر، ولأنه إذا قرئ مولّاها ظنّ أن جميع ذلك شرعه الله لهم.
وقوله: مولاها اسم جار على فعل مبني للمفعول، ولم يسند إلى فاعل بعينه؛ فيجوز أن يكون فاعل التولية الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون بدعة، حملهم عليها بعض رؤسائهم ومفتيهم، فليس إذا صرفه إلى أحد الوجهين، بأولى من صرفه إلى الآخر.
فأمّا قوله: وجهةٌ فقد اختلف أهل العربية فيها، فمنهم من يذهب إلى أنّه مصدر شذّ عن القياس فجاء مصححاً، ومنهم من يقول: إنه اسم ليس بمصدر جاء على أصله، وأنه لو
كان مصدراً جاء مصحّحاً، للزم أن يجيء فعله أيضاً
[الحجة للقراء السبعة: 2/242]
مصحّحا، ألا ترى أن هذا المصدر إنما اعتلّ على الفعل حيث كان عاملًا عمله؛ وكان على حركاته وسكونه؟ فلو صحّ لصحّ الفعل، لأن هذه الأفعال المعتلات، إذا صحت في موضع تبعها باقي ذلك، وفي أن لم يجيء شيء من هذه الأفعال مصحّحا دلالة على أن وجهةٌ إنما صحّ من حيث كان اسماً للمتوجّه، لا كما رآه أبو عثمان من أنّه مصدر جاء على الأصل، وما شبّهه به من «ضيون وحيوة وبنات ألببه» لا يشبه هذا، لأن ذلك ليس شيء منه جارياً على فعل كالمصدر.
فإن قيل: فيما استدللنا به من أنّ الفعل إذا اعتلّ وجب اعتلال مصدره، أليس قد جاء القول والبيع صحيحين؛ وأفعالهما معتلّة؛ فما ننكر أن يصحّ: وجهةٌ، وإن كان فعله معتلًا؟.
قيل: إن القول والبيع لا يدخل على هذا، ألا ترى أنّ وجهةٌ على وزن الفعل، وليس القول والبيع كذلك؟ والموافقة في الوزن توجب الإعلال، ألا ترى «بابا وعاباً». لمّا وافقا بناء الفعل أعلّا، ولم يعلّ نحو عيبة وعوض وحول؟ فالقول والبيع ليسا على وزن شيء من الأفعال فيلحقهما اعتلالها.
على أن للقائل أن يقول: إن القول والبيع ونحوهما، لما سكنا أشبها بالإسكان المعتلّ، إذ الاعتلال قد يكون بالسكون يدلك على ذلك أنهم أعلّوا نحو: سياط وحياض، وإن صحت الآحاد
[الحجة للقراء السبعة: 2/243]
منها بحيث كانا في السكون في الواحد بمنزلة المعتل نحو:
«ديمة وديم» فكما جرى ما ذكرنا مجرى المعتلّ للسكون، كذلك يجري: قول وبيع مجرى ذلك، وقد قالوا: وجّه الحجر جهة ماله» فجاء المصدر بحذف الزيادة، وكأنّ «ما» زائدة، والظّرف وصف للنكرة، ولزمت الزيادة كما لزمت في: آثرا ما، ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 2/244]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولكل وجهة هو موليها}
قرأ ابن عامر (هو مولاها) بفتح اللّام أي هو موجهها وحجته أنه قدر له أن يتولاها ولم يسند إلى فاعل بعينه فيجوز أيكون هو كناية عن الاسم الّذي أضيفت إليه كل وهو الفاعل ويجوز أن يكون فاعل التّولية الله وهو كناية عنه والتّقدير ولكل ذي ملّة قبلة الله موليها وجهه ثمّ رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله
وقرأ الباقون {هو موليها} أي متبعها وراضيها وحجتهم ما قد جاء في التّفسير عن مجاهد {ولكل وجهة هو موليها} أي لكل صاحب ملّة وجهة أي قبلة هو موليها هو مستقبلها قوله {هو موليها} هو كناية عن الاسم الّذي اضيفت إليه كل في المعنى لأنّها وإن كانت منونة فلا بد من أن تسند إلى اسم). [حجة القراءات: 117]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (76- قوله: {هو موليها} قرأه ابن عامر بالألف بعد اللام، وقرأ الباقون بالياء.
77- ووجه القراءة بالألف أنه جعل الفعل للمفعول، فهو فعل لم يُسم فاعله، فعدى الفعل إلى مفعولين: الأول قام مقام الفاعل، مستتر في «موليها» وهو ضمير «هو» والثاني الهاء في «موليها»، تعود على الوجهة، أي: الله يوليه إياها، والهاء والألف لوجهة، والتقدير: ولكل فريق وجهة الله موليها إياه، ويجوز أن يكون الضمير المرفوع لكبرائهم وساداتهم، هم يولونهم إياها، كما قال عنهم: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} «الأحزاب 67» وبالألف قرأ ابن عباس وأبو رجاء.
78- ووجه القراءة بالياء أنه بنى الفعل للفاعل، وهو الله جل ذكره، والمفعول الثاني محذوف تقديره: ولكل فريق وجهة الله موليها إياه، فالقراءتان ترجعان إلى معنى، ودل على ذلك قوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} «144» ويجوز في هذه القراءة، أن يكون الضمير المرفوع، ويكون التقدير: هو موليها نفسه، وحسن حذف المفعول الثاني، لتقدم ذكره في أول الكلام، والاختيار القراءة بالياء لإجماع القراء على ذلك، وعليه قراءة العامة في الأمصار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/267]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (51- {هُوَ مُوَلاّها} [آية/ 148]:-
بالألف، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أن قوله {هُوَ} راجع إلى {كلّ}، والتقدير: الكل مولى إياها؛ لأنه يقال: وليت فلانًا الجهة فهو مولى إياها، فالمفعول الأول هو الضمير المرفوع في: مولى، والثاني هو ضمير المؤنث المضاف إليه.
وقرأ الباقون {مُوَلِّيها} بالياء، وقوله {هُوَ} ضمير اسم الله تعالى، والتقدير: ولكل وجهة الله موليها إياه، فحذف المفعول الثاني لجري ذكره وهو {كلّ}، وجاز إ1مار اسم الله تعالى، وإن لم يجر له تعالى ههنا الذكر للعلم به). [الموضح: 304]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #43  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:40 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (149) إلى الآية (152) ]

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}

قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإنّه للحق من ربك وما الله بغافل عمّا تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام}
قرأ أبو عمرو (وما الله بغافل عمّا يعملون ومن حيث) بالياء وحجته قوله قبلها {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}
وقرأ الباقون بالتّاء وحجتهم قوله وإنّه للحق من ربك). [حجة القراءات: 117]

قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (لئلّا يكون... (150)
اتفقوا على همز (لئلّا)، إلا ما روى ورش على نافع: (ليلّا) غير مهموز، كذلك قال أحمد بن صالح ويونس عن ورش.
قال أبو منصور: الاختيار (لئلّا) بالهمز، لأن الأصل (لأن لا)، فأدغمت النون في اللام، والهمزة على حالها، لئلّا يحل بالحرف حذف حرفين. وما روي عن نافع فهو جائز على تليين الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/182]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز لئلّا [البقرة/ 150].
فروي عن نافع أنه لم يهمزها، والباقون يهمزون.
قال أبو علي: تخفيف الهمزة في لئلّا أن تخلص ياء، ولا يجوز أن تجعل بين بين، ألا ترى أنه بمنزلة «مئر» جمع: مئرة. من قولك مأرت بين القوم: إذا أفسدت.
وقد تقدّم ذكر طرف من ذلك في قوله عز وجلّ: كما سئل موسى من قبل [البقرة/ 108] ). [الحجة للقراء السبعة: 2/244]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زيد بن علي عليه السلام: [أَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا] بفتح الهمزة خفيفة اللام، تنبيه.
[المحتسب: 1/114]
قال أبو الفتح: وجهه أن الوقوف في هذه القراءة على قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} ثم استأنف مُنبِّهًا فقال: [أَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي]، كقولك مبتدئًا: ألا زيد فأعرض عنه وأقبل عليَّ، وكأنه -عليه السلام- إنما رأى لقول الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} ؛ فلو قال: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} لم يقوَ معناه عنده؛ لأنه لا حجة للظالمين على المطيعين، والذي يقوِّي قراءة الجماعة قوله تعالى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} فهو معطوف على قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} . وإذا كان عطفًا عليه فأن يكون فهي عقد واحد معه أولى من أن يتراخى عنه، ويكون قوله على هذا: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} استثناء منقطعًا؛ أي: لكن الذين ظلموا منهم يعتقدون أن لهم حجة عليكم، فأما في الحقيقة وعند الله تعالى فلا.
فإن قلت: فقد فَصَل بقوله: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ثم عطف بقوله: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ}، وقد كرهت الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.
قيل: لما كان الأمر للمسلمين بترك خشية الظالمين إنما هو مسبب عن ظلمهم اتصل به اتصال المسبَّب بسببه، فجرى مجرى الجزء من جملته، وليس كذلك استئناف التنبيه بأَلَا، ألا تراها إنما تقع أبدًا في أول الكلام ومرتجلة؟ فاعرف ذلك فرقًا). [المحتسب: 1/115]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (84- قوله: {لئلا} قرأه ورش بياء مفتوحة، هي بدل من همزة مفتوحة لانكسار ما قبلها، فهي بمنزلة الثانية في قوله: {من الشهداء أن تضل} «البقرة 282» واعتد باللام وبحركتها، فسهل الهمزة على حكمها، وقرأه الباقون بالهمز على الأصل؛ لأنها «أن» الناصبة للفعل، دخلت عليها اللام، فهي في تقدير المبتدأ بها، لأن اللام زائدة، وحق الهمزة المبتدأ بها التحقيق، فأجروها على التحقيق لذلك وهو الاختيار، لأنه الأصل، ولأن اللام زائدة، ولأنه إجماع من القراء، غير ورش، وغير حمزة، إذا وقف فإنه يبدل من الهمزة ياء مفتوحة كورش، وعنه فيه اختلاف وقد ذكرناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/269]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (52- {لِيَلاّ} [آية/ 150]:-
غير مهموزٍ، قرأها نافع ش- في جميع القرآن.
وذلك أنه خفف الهمزة، وتخفيفها ههنا هو أن تقلب الهمزة ياءً خالصةً، ولا تجعل بين بين؛ لأنها لو جعلت بين بين لجعلت بين الهمزة والألف؛ لأن حركة الهمزة فتحة، ولو جعلت بين الهمزة والألف لم يجز؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها كسرة أبدًا، وهذا نحو مئرٍ جمع مئرةٍ بالهمز، ألا ترى أنه لا يجوز في تخفيف الهمزة فيها إلا قلبها ياءً خالصةً.
وقرأ الباقون {لِئَلاّ} مهموز، وكذلك ن- و- يل- عن نافع.
ووجهه أنه هو الأصل؛ لأن الأصل: لأن لا، فأدغمت نون لأن في لام لا، فزالت النون من اللفظ، فكتبت أيضًا بغير نونٍ على اللفظ). [الموضح: 305]

قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}

قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فاذكروني أذكركم... (152).
حرك الياء ابن كثير، وأبو قرة عن نافع، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/183]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #44  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (153) إلى الآية (158) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}

قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}

قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن تطوّع خيرًا... (158).
قرأ حمزة والكسائي: (ومن يطّوّع) بالياء والجزم في الموضعين.
[معاني القراءات وعللها: 1/182]
وقرأ الحضرمي: (ومن يطّوّع) في الأولى مثل قراءة حمزة، وقرأ الثاني: (ومن تطوّع) مثل قراءة أبي عمرو.
وقرأ الباقون مثل قراءة أبي عمرو بالتاء والنصب في الحرفين.
قال أبو منصور: من قرأ (ومن يطّوّع) بالياء والجزم جعل (من) مجازاة و(يطّوّع) كان في الأصل (يتطوع) فأدغمت التاء في الطاء، وجعلتا طاء شديدةً.
ومن قرأ (تطوّع) بالتاء والنصب فهو على لفظ الماضي، ومعناه المستقبل، وكل جائز حسن). [معاني القراءات وعللها: 1/183]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وابن عباس -كرم الله وجوههما- بخلاف وسعيد بن جبير، وأنس بن مالك، ومحمد بن سيرين، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وميمون بن مهران: [أَلَّا يَطَّوف بهما].
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} تقرُّبًا بذاك؛ أي: فلا جناح عليه أن يطوف بهما تقربا بذاك إلى الله تعالى؛ لأنهما من شعائر الحج والعمرة، ولو لم يكونا من شعائرهما لكان التطوف بهما بدعة؛ لأنه إيجاب أمر لم يتقدم إيجابه، وهذا
[المحتسب: 1/115]
بدعة، كما لو تطوف بالبصرة أو بالكوفة أو بغيرهما من الأماكن على وجه القربة والطاعة كما تطوف بالحرم؛ لكان بذلك مبتدعًا.
وأما قراءة مَن قرأ: [فلا جُناح عليه ألَّا يطَّوَّف بهما]، فظاهره أنه مفسوح له في ترك ذلك، كما قد يفسح للإنسان في بعض المنصوص عليه المأمور به تخفيفًا؛ كالقصر بالسفر، وترك الصوم، ونحو ذلك من الرخص المسموح فيها.
وقد يمكن أيضًا أن تكون "لا" على هذه القراءة زائدة؛ فيصير تأويله وتأويل قراءة الكافة واحدًا؛ حتى كأنه قال: فلا جناح عليه أن يطَّوف بهما، وزاد "لا"، كما زيدت في قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي: ليعلم.
وكقوله:
من غير لا عَصْف ولا اصطرافِ
أي: من غير عصف، وهو كثير). [المحتسب: 1/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}
قرأ حمزة والكسائيّ (ومن يطوع) بالياء وجزم العين وكذلك الّذي بعده وحجتهما أن حروف الجزاء وضعت لما يستقبل من الأزمة في سنن العربيّة وأن الماضي إذا تكلم به بعد أحرف الجزاء فإن المراد منه الاستقبال نحو قول القائل من أكرمني أكرمته أي من يكرمني أكرمه ويقوّي قراءتهما قراءة عبد الله (ومن يتطوّع) على محض الاستقبال فأدغمت التّاء في الطّاء في قراءتهما لقرب مخرجها منها
وقرأ الباقون {ومن تطوع} بالتّاء وفتح العين على لفظ المضيّ ومعناه الاستقبال لأن الكلام شرط وجزاء لفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال كما قال جلّ وعز {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوف إليهم} وحجتهم في ذلك أن الماضي أخف من المستقبل ولا إدغام فيه). [حجة القراءات: 118]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (85- قوله: {ومن تطوع} قرأه حمزة والكسائي بالياء، وتشديد الطاء، والجزم ومثله الثاني في هذه السورة، وقرأه الباقون بالتاء وتخفيف الطاء، وفتح العين.
86- ووجه القراءة بالجزم والياء أنه حمل على لفظ الاستقبال في اللفظ والمعنى، وأصله «يتطوع» فجزم بالشرط بـ «من» وأدغمت التاء في الطاء، فشددت الطاء لذلك، وحسن الإدغام لنقل التاء إلى القوة، وكان لفظ الاستقبال
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/269]
أولى به، لأن الشرط لا يكون إلا بمستقبل، فطابق بذلك بين اللفظ والمعنى، والتقدير: فمن تطوع فيما يستقبل خيرًا فهو خير له، فإن الله شاكر لفعله، عليهم به.
87- ووجه القراءة بالتاء وفتح العين، أنه استغنى بحرف الشرط عن لفظ الاستقبال؛ لأن حرف الشرط يدل على الاستقبال، فأتى بلفظ الماضي، وكان ذلك أخف من لفظ المستقبل، الذي تلزمه الزيادة والإدغام والتشديد، والماضي في موضع جزم بالشرط، ويجوز في هذه القراءة أن تكون خبرًا غير شرط، و«من» بمعنى الذي، والماضي لفظه كمعناه، ماض أيضًا، والمعنى: فالذي تطوع فيما مضى خيرًا فإن الله شاكر لفعله عليم به، و{فهو خير له} أي: مؤخر له، ولا يكون للماضي موضع الإعراب على هذا، والاختيار القراءة بالتاء وفتح العين؛ لأنها أعم؛ إذ تحتمل معنيين، ولأن أهل الحرمين وعاصمًا عليها، ولخفتها، وهي اختيار أبي حاتم وأبي عبيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/270]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (53- {ومَنْ يَطَّوَّعْ} [آية/ 158]:-
بالياء وتشديد الطاء وجزم العين، قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الثاني {فَمَنْ يَطَّوَّعْ}، ووافقهما يعقوبُ في الأول دون الثاني.
ووجه ذلك أن أصله: يتطوع، فأدغم التاء في الطاء لتقارب الحرفين، فبقي: يطوع، ثم جزم العين للشرط.
[الموضح: 305]
وقرأ الباقون {تَطَوَّعَ} بالتاء وتخفيف الطاء وفتح العين.
ووجهه أنه فعل ماضٍ، وموضعه جزم بمن الذي هو للشرط، والفاء وما بعدها أيضًا في موضع جزم على الجواب، ويجوز أن تكون {مَنْ} موصولةً بمنزلة الذي، ولا موضع للفعل الماضي، وموضع {مَنْ} رفعٌ بالابتداء، والفاء مع ما بعدها في وضع رفع على خبر المبتدأ، ويكون المعنى معنى المجازاة، كما في قوله تعالى {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ} ). [الموضح: 306]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #45  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (159) إلى الآية (162) ]

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن مجاهد: قال عباس: سألت أبا عمرو عن {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فقال: أهل الحجاز يقولون: [يعلِّمُهم ويلْعَنُهم] مثقلة، ولغة تميم: [يُعْلِمْهم ويلْعَنْهم].
قال أبو الفتح: أما التثقيل فلا سؤال عنه ولا فيه؛ لأنه استيفاء واجب الإعراب؛ لكن من حذف فعنه السؤال، وعلته توالي الحركات مع الضمات، فيثقل ذلك عليهم فيخففون بإسكان حركة الإعراب، وعليه قراءة أبي عمرو: [فَتُوبُوا إِلَى بَارِئْكُمْ] فيمن رواه بسكون الهمزة. وحكى أبو زيد: [بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ] بسكون اللام.
وأنشدنا أبو علي لجرير:
[المحتسب: 1/109]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلا تعرفْكم العرب
يريد: تعرفُكم. ومن أبيات الكتاب:
فاليوم أشربْ غير مُستَحقِبٍ ... إثمًا من الله ولا واغِلِ
أي: أشربُ.
وأما اعتراض أبي العباس هنا على الكتاب، فإنما هو على العرب لا على صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن في الوزن أيضًا غيره.
وقول أبي العباس: إنما الرواية: "فاليوم فاشرب"، فكأنه قال لسيبويه: كذبتَ على العرب، ولم تَسمع ما حكيته عنهم. وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرَف فقد سقطت كلفة القول معه.
وكذلك إنكاره عليه أيضًا قول الشاعر:
"وقد بدا هَنْكِ من المئزر
[المحتسب: 1/110]
فقال: إنما الرواية:
وقد بدا ذاك من المئزر
وما أطيب العرس لولا النفقة!
وكذلك الاعتراض عليه في إنشاده قوله:
لا بارك الله في الغواني هل ... يُصبحن إلا لهن مُطَّلَبُ
وقول الأصمعي: "في الغواني ما" يريد: في الغواني أَما، ويخفف الهمزة. وقول غيره: "في الغوان أَما"، ولو كان إلى الناس تخير ما يحتمله الموضع والتسبب إليه لكان الرجل أقوم من الجماعة به، وأوصل إلى المراد منه، وأنفى لشغب الزيغ والاضطراب عنه.
فأما قول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حِمامُها
فحملوه على هذا؛ أي: أو يرتبط بعض النفوس حمامها؛ معناه: إلا أن يرتبط، فأسكن المفتوح لإقامة الوزن واتصال الحركات.
وقد يمكن عندي أن يكون يرتبط عطفًا على أرضها؛ أي: أنا تراك أمكنة إذا لم أرضها ولم يرتبط نفسي حمامها؛ أي: ما دمت حيًّا فأنا متقلقل في الأرض من هذه إلى هذه، ألا ترى إلى قوله:
قَوَّال مُحكَمَة جوَّاب آفاق
وهو كثير في الشعر، فكذلك قول بني تميم: [يُعلِّمْهم ويلْعَنْهم] على ما ذكرنا). [المحتسب: 1/111] (م)

قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ].
قال أبو الفتح: هذا عندنا مرفوع بفعل مضمر يدل عليه قوله سبحانه: [لَعْنَةُ اللَّهِ] أي: وتعلنهم الملائكة والناس أجمعون؛ لأنه إذا قال: عليهم لعنة الله، فكأنه قال: يلعنهم الله، كما أنه قال:
تذكَّرت أرضًا بها أهلها ... أخوالَها فيها وأعمامَها
[المحتسب: 1/116]
فقد عُلم أنها إذا تذكرت الأرض التي فيها أخوالها وأعمامها فقد دخلوا في جميع ما وقع الذكر عليه، فقال بعد: تذكرت أخوالها وأعمامها.
وكأنه لما قال:
أسقَى الإله عُدُوات الوادي ... وجوفَه كل مُلِثٍّ غادي
كل أجش حالك السواد
فقد سقى الأجش فرفعه بفعل مضر؛ أي: سقاها كل أجش. وهو كثير جدًّا). [المحتسب: 1/117]

قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #46  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:16 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (163) إلى الآية (164) ]

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}

قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}

قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتصريف الرّياح... (164).
قرأ نافع: الرياح " في البقرة، و: (وتصريف الرّياح)، وفي الأعراف (يرسل الرياح)، وفي إبراهيم: (اشتدّت به الرّياح).
[معاني القراءات وعللها: 1/183]
وفي الحجر: (الرّياح لواقح)، وفي الكهف: (تذروه الرّياح)، وفي الفرقان: (أرسل الرّياح)، وفي النمل: (ومن يرسل الرّياح)، وفي الروم: (اللّه الّذي يرسل الرّياح)، وفي فاطر: (أرسل الرّياح) وفي الجاثية: (وتصريف الرّياح) وفي عسق: (إن يشأ يسكن الرّياح) قرأهن كلهن نافع على الجمع.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم: (الرياح) منها في تسعة مواضع في البقرة والأعراف، والحجر، والكهف، والفرقان،
[معاني القراءات وعللها: 1/184]
والنمل، والروم، وفي فاطر، والجاثية.
وقرأوا في إبراهيم، وعسق على التوحيد.
ووافقهم ابن كثير في أربعة مواضع في البقرة، والحجر، والكهف، والجاثية، والباقي على التوحيد - وقرأ حمزة واحدة منها على الجمع في الفرقان، والباقي على التوحيد.
ولم يختلفوا في التي في سورة الروم: (الرّياح مبشّراتٍ) على الجمع.
وقرأ الكسائي (الرياح) في موضعين في الحجر وفي الفرقان، والباقي على التوحيد.
قال أبو منصور: قوله: (وتصريف الرّياح) فاختلف القراء في هذا الحرف فقرئ مرة (الرياح)، ومرة (الريح)، والريح يقوم مقام الرياح.
[معاني القراءات وعللها: 1/185]
وكذلك قرئت، فمن قرأ الرياح فهو جمع الريح، ومن قرأ الريح أراد بها: الرياح. ولذلك أنثت، لأن معناها الجماعة.
وقال بعضهم ما كان من رياح رحمة فهي رياح، وما كان من ريح عذاب فهي واحدة.
واتفق القراء على توحيد ما ليس فيه ألف ولام، كقوله: (ولئن أرسلنا ريحًا) وكذلك: (ريحًا صرصرًا) وما أشبهه، وما كان فيه الألف واللام فقد اختلف القراء فيها على ما بينا، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: الرّياح في الجمع والتوحيد.
فقرأ ابن كثير: الرّياح على الجمع في خمسة مواضع: في البقرة هاهنا [الآية/ 164] وفي الحجر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/248]
أرسلنا الرّياح لواقح [الآية/ 22] وفي الكهف: تذروه الرّياح [الآية/ 45] وفي سورة الروم الحرف الأول: الرّياح مبشّراتٍ [الآية/ 46]، وفي الجاثية: وتصريف الرّياح [الآية/ 5]، والباقي: الرّيح.
وقرأ نافع: الرّياح في اثني عشر موضعاً: هاهنا وفي الأعراف: يرسل الرّياح [الآية/ 57]، وفي سورة إبراهيم:
كرماد اشتدت به الرياح [الآية/ 18] وفي الحجر: وأرسلنا الرّياح لواقح [الآية/ 22] وفي الكهف: تذروه الرّياح [الآية/ 45] وفي الفرقان: أرسل الرّياح [الآية/ 48] [وفي النمل يرسل الرّياح] [63]، وفي الروم موضعين الرّياح [46، 48] وفي فاطر الرّياح [الآية/ 9]، وفي عسق يسكن الرياح [الآية/ 33] وفي الجاثية: الرّياح [الآية/ 5].
وقرأ أبو عمرو من هذه الاثني عشر حرفا حرفين:
الرّيح في إبراهيم [الآية/ 18]، وفي عسق الرّيح [33] والباقي الرياح على الجمع مثل نافع.
وقرأ عاصم وابن عامر مثل قراءة أبي عمرو.
وقرأ حمزة الرّياح على الجمع في موضعين: في الفرقان: أرسل الرّياح [الفرقان/ 48] وفي سورة الروم، الحرف الأول: الرّياح مبشّراتٍ [الروم/ 46] وسائرهنّ على التوحيد.
[الحجة للقراء السبعة: 2/249]
وقرأ الكسائيّ: كقراءة حمزة وزاد عليه في الحجر:
الرّياح لواقح [الحجر/ 22].
ولم يختلفوا في توحيد ما ليست فيه ألف ولام.
قال أبو علي: قال أبو زيد: قال القيسيّون الرّياح أربع:
الشّمال والجنوب والصّبا والدّبور. فأما الشّمال فمن عن يمين القبلة، والجنوب من عن شمالها. والصّبا والدّبور متقابلتان، فالصّبا من قبل المشرق، والدّبور من قبل
المغرب. وأنشد أبو زيد:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر
وإذا جاءت الريح بين الصّبا والشّمال فهي النّكباء التي لا يختلف فيها. والتي بين الجنوب والصّبا يقال لها:
الجربياء.
وقال السّكّريّ فيما روى عنه بعض شيوخنا قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن عبد الله الطوسيّ قال: أخبرنا ابن الأعرابي وأصحابنا عن الأصمعيّ وغيره قالوا: الرياح أربع: الجنوب والشّمال والصّبا والدّبور.
قال ابن الأعرابيّ: كلّ ريح بين ريحين فهي نكباء، وقال الأصمعيّ: إذا انحرفت واحدة منهنّ فهي نكباء، والجميع:
نكب.
[الحجة للقراء السبعة: 2/250]
فأمّا مهبّهنّ فإن ابن الأعرابيّ قال: مهبّ الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا، والصّبا من مطلع الثريّا إلى بنات نعش، والشمال من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر [وقال: والدبور من مسقط النسر الطائر] إلى مطلع سهيل، قال: والجنوب والدّبور لهما هيف. والهيف: الريح الحارّة.
قال: والشّمال والصّبا لا هيف لهما.
وقال الأصمعيّ ما بين سهيل إلى طرف بياض الفجر جنوب، وما بإزائها مما يستقبلها من الغرب شمال، وما جاء من وراء البيت الحرام فهو دبور، وما جاء قبالة ذلك فهو صبا، والصّبا: القبول. قال: وإنما سمّيت قبولًا. لأنها استقبلت الدّبور، قال الهذليّ، وأنشد البيت الذي أنشده أبو زيد.
قال الطوسيّ: وقال غير الأصمعي وابن الأعرابي:
الجنوب التي تجيء من قبل اليمن- والشمال التي تهبّ من قبل الشام، والدّبور التي تجيء من عن يمين القبلة شيئاً والصّبا بإزائها، والجنوب تسمى الأزيب وتسمى النّعامى: قال أبو ذؤيب:
مرته النّعامى فلم يعترف... خلاف النّعامى من الشّؤم ريحا
[الحجة للقراء السبعة: 2/251]
اقل: وتسمى الشّمال: محوة، ولا تجرى. وتسمى الجربياء.
قال ابن أحمر:
بواد من قسا ذفر الخزامى... تحنّ الجربياء به الحنينا
سمّيت محوة لأنها تمحو السحاب وتذهب به.
وتسمى مسعاً ونسعاً، قال:
قد حال دون دريسيه مؤوّبة... مسع لها بعضاه الأرض تهزيز
وأنشد عن الطوسيّ للطّرمّاح:
قلق لأفنان الريا... ح للاقح منها وحائل
فاللاقح: الجنوب، والحائل: الشّمال. وتسمى الشّمال عقيماً، كما سمّاها الطّرمّاح حائلًا، وقد وصفت الصّبا بالعقم.
قال جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 2/252]
مطاعيم الشّمال إذا استحنّت... وفي عرواء كلّ صباً عقيم
وفي التنزيل: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41].
قال الطوسيّ: العقيم: التي لا تلقح السحاب. قال:
والرياح اللواقح: تثير السحاب بإذن الله، وتلقح الشجر.
والذاريات: التي تذر التراب ذروا، فأما قول الطّرمّاح:
للاقح منها وحائل. فاللاقح على معنى النسب، وليس الجاري على الفعل، وكذلك حائل، تقديره: ذات حيال. يريد بالحيال أنّها لا تلقح كما تلقح الجنوب.
قال أبو دؤاد يصف سحاباً:
لقحن ضحيّاً للقح الجنوب... فأصبحن ينتجن ماء الحيا
قوله: «للقح الجنوب» تقديره: لإلقاح الجنوب. فحذف الزيادة من المصدر وأضافه إلى الفاعل كما قال:
وإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري. وكما حذف الزيادة من المصدر كذلك حذفت من الجمع في قوله تعالى: وأرسلنا الرّياح لواقح [الحجر/ 22] والمعنى فيه: ملاقح، لأنها إذا ألقحت كانت
[الحجة للقراء السبعة: 2/253]
ملقحة. وجمع الملقح: ملاقح ولواقح على حذف الزيادة، لأنّ المعنى عليه. ومثل ذلك قوله:
يكشف عن جمّاته دلو الدّال إنما هو المدلي، فحذف الزيادة أو يكون أراد: دلو ذي الدّلو. كما قال: للاقح منها. وفي التنزيل: فأدلى دلوه [يوسف/ 19]. وقال الشاعر:
فسائل سبرة الشّجعيّ عنّا... غداة تخالنا نجوا جنيبا
أي: تحسبنا لكثرتنا واحتفالنا كسحاب ألقحته الجنوب فغزّرت ماءه.
وروينا عن أحمد بن يحيى لزهير:
جرت سنحا فقلت لها مروعا... نوى مشمولة فمتى اللّقاء
[الحجة للقراء السبعة: 2/254]
قال: قال الأصمعي: نوى مشمولة: أي: مكروهة- وقال الأصمعيّ: وأصل ذلك من الشّمال، لأنهم يكرهون الشّمال لبردها وذهابها بالغيم، وفيه الحيا والخصب، فصار
كلّ مكروه عندهم مشمولا، قال: وهم يحبّون الجنوب لدفئها، ولأنها تجيء بالسحاب والمطر، وفيها الحيا والخصب.
وأنشد لحميد بن ثور في مدحهم الجنوب:
فلا يبعد الله الشباب وقولنا... إذا ما صبونا صبوة سنتوب
ليالي أبصار الغواني وسمعها... إليّ.. وإذ ريحي لهنّ جنوب
أي: محبوبة كما تحبّ الجنوب.
وذكر بعض شيوخنا أن أبا عمرو الشيبانيّ روى قول الأعشى:
وما عنده مجد تليد ولا له... من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا
تقدير هذا: وما له من فضل الريح فضل لا فضل الجنوب ولا فضل الصّبا، فحذف المضاف، والمعنى: أنه لم ينل أحداً، فيكون كريح الجنوب في مجيئه بالغيث. ولم ينفّس عن أحد كربة فيكون كالصّبا في التنفيس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/255]
وروى غيره فيما ذكر محمد بن السّريّ:
وما عنده رزقي علمت ولا له... عليّ من الرّيح الجنوب ولا الصّبا
وتقدير هذا أيضاً: ولا له عليّ من فضل الريح فضل الجنوب ولا فضل الصّبا.
الأبين في قوله: وتصريف الرّياح [البقرة/ 164] الجمع، وذلك أن كلّ واحدة من هذه الرياح مثل الأخرى في دلالتها على الوحدانية وتسخيرها لينتفع الناس بها بتصريفها، وإذا كان كذلك فالوجه أن يجمع لمساواة كلّ واحدة منها الأخرى فيما ذكرنا، وقد يجوز في قول من وحّد أن يريد به الجنس كما قالوا: أهلك الناس الدينار والدّرهم.
وعلى هذا ينبغي أن يحمل التوحيد للريح، لأن كلّ واحدة مثل الأخرى في وضع الاعتبار لها والاستدلال بها.
فأما قوله تعالى: ولسليمان الرّيح عاصفةً [الأنبياء/ 81] فإن كانت الرياح كلّها سخّرت له، فالمراد بها الكثرة، وإن سخّرت له ريح بعينها، كان كقولك: الرجل، وأنت تريد به العهد.
وأما قوله تعالى: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41] فهي واحدة يدلّك على ذلك قوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/256]
تعالى: فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً [فصلت/ 16].
وفي الحديث «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور»
فهذا يدلّ أنها واحدة وكذلك الرّيح التي أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، قال تعالى: فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها [الأحزاب/ 9].
وأما ما
روي في الحديث من أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان إذا هبّت ريح قال: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا».
فممّا يدلّ على أنّ مواضع الرحمة بالجمع أولى، ومواضع العذاب بالإفراد، ويقوي ذلك قوله تعالى: ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّراتٍ [الروم/ 46] فإنما تبشر بالرحمة، ويشبه أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قصد هذا الموضع من التنزيل، وجعل الريح إذا كانت مفردة في قوله تعالى: وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم [الذاريات/ 41].
وقد تختص اللفظة في التنزيل بشيء فيكون أمارة له، فمن ذلك أن عامّة ما جاء في التنزيل من قوله: وما يدريك مبهم غير مبيّن. وما كان من لفظ ما أدراك مفسّر، كقوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/257]
تعالى: وما أدراك ما الحاقّة [الحاقة/ 3] وكذلك وما أدراك ما القارعة [القارعة/ 2] وما يدريك لعلّ السّاعة قريبٌ [الشورى/ 17].
والخبر الذي روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إن الريح تخرج من روح الله. تجيء بالرحمة والعذاب»، فيجوز أن تكون الريح يراد بها الجنس، فإذا كانت للجنس كان على القبيلين العذاب والرحمة، فإذا جاز أن يكون للجنس، جاز أن يقع على الجمع مستغرقاً له، وجاز أن يقع اسم الجنس على البعض كما قال: وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين، وباللّيل... [الصافات/ 137 - 138]). [الحجة للقراء السبعة: 2/258]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل الله من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابّة وتصريف الرّياح}
قرأ حمزة والكسائيّ {وتصريف الرّياح} بغير ألف وحجتهما أن الواحد يدل على الجنس فهو أعم كما تقول كثر الدّرهم والدّينار في ايدي النّاس إنّما تريد هذا الجنس قال الكسائي والعرب تقول جاءت الرّيح من كل مكان فلو كانت ريحًا واحدة جاءت من مكان واحد فقولهم من كل مكان وقد وحدوها تدل على أن بالتّوحيد معنى الجمع
[حجة القراءات: 118]
وقرأ الباقون {وتصريف الرّياح} وحجتهم أنّها الرّياح المختلفة المجاري في تصريفها وتغاير مهابها في المشرق والمغرب وتغاير جنسها في الحر والبرد فاختاروا الجمع فيهنّ لأنّهنّ جماعة مختلفات المعنى ويقوّي الجمع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه كان إذا هاجت ريح جثا على ركبته واستقبلها ثمّ قال اللّهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحًا اللّهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا). [حجة القراءات: 119]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (88- قوله: {الرياح} قرأه حمزة والكسائي بالتوحيد، ومثله في الكهف والجاثية، ووافقهما ابن كثير على التوحيد أيضًا في الأعراف والنمل وفاطر، والثاني من الروم وقرأه الباقون بالجمع في السبعة، وتفرد نافع بالجمع في إبراهيم والشورى، وتفرد حمزة بالتوحيد في سورة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/270]
الحجر، وتفرد ابن كثير بالتوحيد في سورة الفرقان، فذلك أحد عشر موضعًا.
89- ووجه القراءة بالجمع في {تصريف الرياح} هو إتيانها في كل جانب، وذلك معنى يدل على اختلاف هبوبها، فهي رياح لا ريح، لأن الريح الواحدة، إنما تأتي من جانب واحد، فكان لفظ الجمع فيها أولى، لتصرفها من جهات فيكون لفظها مطابقًا لمعناها في الجمع، وأيضًا فإن هذه المواضع أكثرها لغير العذاب، وقد قال النبي عليه السلام حين رأى ريحًا هبت: «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» فعُلم أن الريح بالتوحيد أكثر ما تقع في العذاب والعقوبات، وليست هذه المواضع في ذلك، واعلم أن الرياح بالجمع تأتي في الرحمة، فواجب من الحديث أن يقرأ بالجمع إذ ليست للعقوبات.
90- ووجه القراءة بالتوحيد أن الواحد يدل على الجمع؛ لأنه اسم للجنس فهو أخف في الاستعمال، مع ثبات معنى الجمع فيه، والاختيار الجمع، لأن عليه الأكثر من القراء، ولأنه أبين في المعنى؛ لأنه موافق للحديث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/271]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {الرِّياحِ} {آية/ 164]:-
قرأها نافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بالألف في عشرة مواضع: ههنا وفي الأعراف والحجر والكهف والفرقان والنمل والروم حرفين وفاطر والجاثية، وزاد نافع في إبراهيم وعسق، ووافقهم ابن كثير في البقرة، والحجر، والكهف، والأول من الروم، والجاثية. وحمزة والكسائي في الفرقان، والأول من الروم، وزاد الكسائي في الحجر، فأما الأول من الروم {مُبَشّراتٍ} فإجماع.
[الموضح: 306]
أما الجمع في هذه الكلمة فهو أظهر في المعنى؛ لأن المراد هو الدلالة على الصانع، وكل واحدةٍ من هذه الرياح مثل صاحبتها في دلالتها على الصانع، وكذلك في المنافع.
وأما الإفراد فيها فهو مثل الجمع أيضًا، كما يقال: أهلك الناس الدينار والدرهم، أي الدنانير والدراهم، فلا فرق بين القراءتين في المعنى، وإن كان الأول أبين، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله عند هبوبها {اللّهُمّ اجْعَلْهَا رِياحًا ولا تَجْعَلْهَا رِيحًا}، فقد دل بأن الرياح للرحمة ذهابًا إلى قوله تعالى {الرّياحَ مُبَشّراتٍ} و{الرياحَ لَوَاقِحَ}، وبإن الريح للعذاب، ذهابًا إلى قوله تعالى {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}). [الموضح: 307]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #47  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (165) إلى الآية (167) ]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولو يرى الّذين ظلموا... (165).
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب: (ولو ترى الذين ظلموا) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وقوله: (إذ يرون العذاب... (165).
قرأ ابن عامر وحده: (إذ يرون العذاب) بضم الياء.
وقرأ الباقون: (إذ يرون) بفتحها.
قال أبو منصور: من قرأ: (ولو ترى الذين ظلموا) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -
[معاني القراءات وعللها: 1/186]
والمراد به الأمة، ومن قرأ بالياء فهو للظالمين.
وقوله جلّ وعزّ: (أنّ القوّة للّه جميعًا وأنّ اللّه... (165).
قرأ يعقوب وحده: (إنّ القوّة للّه جميعًا وإنّ اللّه شديد العذاب) بكسر الألف فيهما.
قال أبو منصور: الاختيار: (أنّ القوّة) و(أنّ اللّه) بفتح الألفين.
وقرأ يعقوب بالكسر على إضمار جواب (لو)، والتقدير: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت: إن القوة لله جميعا وإن الله.
وكذلك إذا قرئ بالياء؛ لأن المعنى: لعلموا أن القوة لله جميعا). [معاني القراءات وعللها: 1/187]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جل وعزّ: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: ولو يرى، الّذين ظلموا بالياء.
وقرأ نافع وابن عامر: ولو ترى بالتاء. وكلّهم قرأ: إذ يرون العذاب بفتح الياء إلّا ابن عامر فإنه قرأ: إذ يرون العذاب بالضم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/258]
قال أبو علي: يرى من رؤية العين، يدلك على ذلك تعدّيه إلى مفعول واحد تقديره: ولو يرون أن القوة لله جميعاً.
أي: لو يرى الكفار ذلك. فإن قلت: فلم لا تكون المتعدية إلى مفعولين، وقد سدّت أنّ مسدّهما؟.
قيل: يدل على أنها المتعدية إلى مفعول واحد قول من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] ألا ترى أن هذا متعدّ إلى مفعول واحد لا يسدّ مسدّ مفعولين، ويدلّك على أنه متعدّ إلى مفعول واحد قوله تعالى: إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وقوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85] فتعدّى إلى مفعول واحد وكذلك قوله عزّ وجلّ: ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّةٌ [الزمر/ 60] الأظهر أنّه متعدّ إلى مفعول واحد، أي: يعاينونهم كذلك. والجملة في موضع الحال، لا في موضع المفعول الثاني.
وقد روي في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن/ 41] قال: سواد الوجوه وزرقة الأعين، فسواد الوجوه دلت عليه هذه الآية، وزرقة الأعين:
قوله: ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً [طه/ 102] فكما أن الرؤية في هذه المواضع رؤية البصر. كذلك في قوله: ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وقوله: أنّ القوّة للّه جميعاً [البقرة/ 165] في تعذيبهم، فهو قريب من قوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85].
[الحجة للقراء السبعة: 2/259]
فإن قلت: فكيف جاء إذ في قوله: ولو يرى الّذين ظلموا إذ [البقرة/ 165] وهذا أمر مستقبل وإذ لما مضى؟.
فالقول فيه: إنه إنما جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك، كما جاء وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب [النحل/ 77] وما يدريك لعلّ السّاعة قريبٌ [الشورى/ 42] فلما أريد فيها من التحقيق والتقريب، جاء على لفظ المضيّ وعلى هذا جاء في ذلك المعنى أمثلة الماضي كقوله: ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة [الأعراف/ 50] ومما جاء على لفظ المضيّ للتقريب من الحال قول المقيم المفرد: قد قامت الصلاة. يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم بالصلاة لقرب ذلك من قوله. وعلى هذا قول رؤبة:
أوديت إن لم تحب حبو المعتنك فإنما أراد بذلك تقريب معاينة الهلاك وإشفاءه عليه. فأتى بمثال الماضي لما أراد به من مشارفته، وجعله سادّاً مسدّ الجواب من حيث كان معناه الاستقبال في الحقيقة، وأن الهلاك لم يقع بعد، ولولا ذلك لم يجز، ألا ترى أنّه لا يكون: قمت إن قمت، إنما تقول: أقوم إن قمت، وقوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/260]
وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ [الأحزاب/ 50] فيمن كسر إن ينبغي أن يحمله على فعل آت يضمره، ولا يحمله على الماضي المتقدّم الذي هو أحللنا، وعلى ما ذكرنا جاء كثير مما في التنزيل، من هذا الضرب كقوله: ولو ترى إذ وقفوا على ربّهم [الأنعام/ 30] ولو ترى إذ وقفوا على النّار [الأنعام/ 27] ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم [سبأ/ 31] ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت [سبأ/ 51] ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة [الأنفال/ 50]. فكما جاءت هذه الآي التي يراد بها الاستقبال بإذ، كذلك جاء ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165]، فأما حذف جواب لو في هذه الآي، فلأن حذفه أفخم لذهاب المخاطب المتوعّد إلى كل ضرب من الوعيد، وتوقّعه له، واستشعاره إياه، ولو ذكر له ضرب منه لم يكن مثل أن يبهم عليه، لما يمكّن من توطينه نفسه على ذلك المذكور، وتخفيفه عليه، ومن وطّن نفسه على شيء لم يصعب عليه صعوبته على من لم يوطّن عليه نفسه.
وحجّة من قرأ: ولو يرى الّذين ظلموا بالياء أن المتوعّدين لم يعلموا قدر ما يشاهدون ويعاينون من العذاب كما علمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون. فالفعل ينبغي أن يكون مسنداً إليهم في قوله تعالى: ولو يرى الّذين ظلموا.
ومن حجّتهم أن المتقدم لقوله: ولو يرى غيبة، فينبغي أن يكون المعطوف عليه مثله، وهو قوله جلّ وعزّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/261]
ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً [البقرة/ 165] بعد قوله:
إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ [البقرة/ 161] والذين ظلموا هم الذين كفروا، ألا ترى قوله: والكافرون هم الظّالمون [البقرة/ 254] والذين كفروا هم المتخذون من دون الله أنداداً.
فلفظ الغيبة أولى من لفظ الخطاب من حيث كان أشبه بما قبله، وهو أيضاً أشبه بما بعده، وهو كقوله: كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ [البقرة/ 167].
وحجّة من قال: ولو ترى فجعل الخطاب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كثرة ما جاء في التنزيل من قوله: جلّ وعزّ: ولو ترى من الآي التي تلوناها، ولم يقصد عليه السلام بالمخاطبة لأنه لم يعلم، ولكن في قصده بالمخاطبة تنبيه لغيره، ألا ترى أنه قد يخاطب، فيكون خطابه خطاباً للكافّة، كقوله تعالى: يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى [الأنفال/ 70] ويا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم [الطلاق/ 1] وعلى هذا جاء: ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ [البقرة/ 106] ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض [البقرة/ 107] فجاء الخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والمراد به الكافّة، فكذلك قوله: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165].
وأما فتح أنّ في قوله أنّ القوّة للّه جميعاً
[الحجة للقراء السبعة: 2/262]
[البقرة/ 165] فيمن قرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالياء فإنّ أنّ معموله يرى، تقديره: ولو يرون أنّ القوّة لله جميعاً. وأما من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] فلا يخلو من أن يجعل ترى من رؤية العين أو المتعدية إلى مفعولين. فإن جعلتها من رؤية البصر لم يجز أن يتعدّى إلى أنّ، لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه، وهو الّذين ظلموا ولا يجوز أن يكون بدلًا من المفعول، لأنها ليست الّذين ظلموا ولا بعضهم ولا مشتملًا عليهم، ولا يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى.
وقوله: أنّ القوّة للّه جميعاً لا يكون الّذين ظلموا وإذا لم يكن إياهم، لم يجز أن يكون مفعولًا ثانياً، فإذا لم يجز أن ينتصب أنّ ب ترى فيمن قرأ بالتاء، جعلها المتعدية إلى مفعول أو مفعولين، ثبت أنه منتصب بفعل آخر غير ترى الظاهرة، وذلك الفعل هو الذي يقدّر جواباً للو، كأنّه: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب، لرأوا أن العزّة لله جميعاً. والمعنى أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقّنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم، لذلك، أو شكّهم فيه.
ومذهب من قرأ بالياء أبين، لأنهم ينصبون أنّ بالفعل الظاهر دون المضمر، وهذه الجوابات في هذا النحو من الآي
[الحجة للقراء السبعة: 2/263]
تجيء محذوفة. فإذا أعمل الجواب في شيء صار بمنزلة الأشياء المذكورة في اللفظ. فحمل المفعول عليه، فخالف ما عليه سائر هذا النحو من الآي التي حذفت الأجوبة معها ليكون أبلغ في باب التوعّد.
فأمّا قوله عزّ وجلّ: إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] وهي قراءتهم إلا ابن عامر، فحجتهم في ذلك قوله: وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم [النحل/ 85] وقال تعالى: ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب [البقرة/ 166] فكما بني الفعل للفاعل الرائي دون المفعول به في هذا الباب، كذلك ينبغي أن يكون في قوله: يرون العذاب ولا يكون: يرون. كما لم يكن: وأروا العذاب.
وحجة ابن عامر أنه قد جاء: كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ [البقرة/ 167] فإذا كانوا مفعولًا بهم في الفعل المنقول بالهمزة المتعدي إلى مفعولين، كذلك يحسن أن يبنى الفعل لهم، إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد، فتقول: يرون كما جاء ضميرهم مفعولًا في قوله: يريهم ألا ترى أنّك إذا قلت: يريهم فبنيت الفعل للمفعول به، قلت: يرون أعمالهم حسرات؟ وقوله: يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ منقول من رأى عمله حسرة، فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعول آخر، وصار الفاعل قبل النقل المفعول الأول). [الحجة للقراء السبعة: 2/264]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوّة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب}
قرأ نافع وابن عامر (ولو ترى الّذين ظلموا) بالتّاء وحجتهما قوله {ولو ترى إذ الظّالمون} {ولو ترى إذ يتوفى الّذين كفروا} وجواب لو مكفوف المعنى ولو ترى يا محمّد هؤلاء المشركين عند رؤيتهم العذاب لرأيت أمرا عظيما ينزل بهم {وإن} بمعنى لأن القوّة لله جميعًا ولأن الله شديد العذاب ويجوز أن يكون العامل في {أن القوّة} الجواب المعنى فلو ترى يا ممد الّذين ظلموا لرأيت
[حجة القراءات: 119]
أن القوّة لله جميعًا وهذا خطاب للنّبي صلى الله عليه يراد به النّاس أي لرأيتم أيها المخاطبون أن القوّة لله أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع وإنّما بلغت الغاية في الضّرر ولا يجوز أن يكون العامل في أن ترى لأنّه قد عمل في الّذين
وقرأ الباقون {ولو يرى الّذين ظلموا} بالياء وحجتهم ما جاء في التّفسير لو رأى الّذين كانوا يشركون في الدّنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوّة لله جميعًا قال الزّجاج أما من قرأ {أن القوّة} فموضع أن نصب بقوله ولو يرى الّذين ظلموا شدّة عذاب الله وقوته لعلموا مضرّة اتخاذهم الأنداد وقد جرى ذكر الأنداد ويجوز أن يكون العامل في أن الجواب أي ولو رأى الّذين كانوا يشركون في الدّنيا أن القوّة لله جميعًا وكذلك نصب أن الثّانية والمعنى لو يرى الّذين ظلموا في الدّنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه {أن القوّة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب}
قرأ ابن عامر {إذ يرون العذاب} بضم الياء على ما لم يسم فاعله فعل يقع بهم تقول أريته كذا وكذا أي أظهرته له وقرأ الباقون {إذ يرون} بفتح الياء يعني الكفّار). [حجة القراءات: 120]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {ولو يرى} قرأه نافع وابن عامر بالتاء، على المخاطبة للنبي عليه السلام؛ لأن عليه نزل القرآن، فهو المخاطب به، وهو الفاعل لـ «ترى» ويقوي ذلك قوله: {ويوم القيامة ترى الذين} «الزمر 60» وقوله: {ولو ترى إذ وقفوا} «الأنعام 27» و{ترى إذا فزعوا} «سبأ 51» و{لو ترى إذ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/271]
يتوفى} «الأنفال 50» فكله إجماع على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فجرى هذا على نظائره، الجمع عليها، ومعنى الخطاب للنبي هو التنبيه لغيره، وخطاب الله عز وجل للنبي خطاب للخلق كافة لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالمًا بحال ما يصير إليه الذين ظلموا عند رؤيتهم العذاب، ويجوز أن يكون الخطاب للظالمين، والتقدير: قل يا محمد للظالم: لو ترى الذين ظلموا، فتكون القراءتان بمعنى واحد على هذا التأويل، وقرأ الباقون بالياء، جعلوا الفعل للذين ظلموا، لأنهم لم يعلموا قدر ما يصيرون إليه من العذاب كما علمه النبي والمؤمنون، فهم أولى أن يُسند إلى إليهم الفعل، لجهلهم بما يؤول إليه أمرهم، من أن يسند إلى النبي عليه السلام؛ لأنه كان عالمًا بذلك، وأيضًا فقد تقدم قبله لفظ غيبة، في قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا} بعد قوله: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار} «161» فهم الظالمون المذكورون بعد {ترى}، فجرى لفظه على الغيبة؛ لما تقدم من ذكرهم على لفظ الغيبة أيضًا، فإن بعده لفظ خبر عن غيب في قوله: {كذلك يريهم الله أعمالهم} «167»، وقوله {ولو ترى}، في قراءة من قرأ بالتاء، يحتمل أن يكون من رؤية البصر، وأن القوة هي المفعول، ويحتمل أن يكون من رؤية القلب، فيسدان مسد المفعولين، وإذا قرئ بالتاء بعد أن يكون من رؤية البصر؛ لأن {الذين ظلموا} مفعول {ترى} لأنه إنما يتعدى إلى مفعول واحد، فتبقى «أن» لا عامل فيها، ويبعد أيضًا أن يكون من رؤية القلب؛ لأنه ليس في الكلام مفعول ثان لأنه يتعدى إلى مفعولين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/272]
الأول «الذين ظلموا» ولا مفعول ثان في الكلام، ولا يحسن أن يكون «أن القوة» المفعول الثاني لأن الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى لأنه إنما يدخل على الابتداء والخبر، وليس «أن القوة» هي «الذين ظلموا» فلابد من إضمار فعل يعمل في «أن»، تقديره: لرأيت يا محمد أن القوة، أو لعلمت أن القوة، أو لرأوا أن القوة، أو لعلموا أن القوة، ونحوه، ولابد أن يقتصر بـ «ترى» على رؤية البصر، إذ ليس في الكلام مفعول ثان، فالقراءة بالياء أقوى في المعنى، وفي الإعراب، وفي قلة الإضمار، وعليها أكثر القراء، وعلى الياء حض ابن مسعود وابن عباس، وهو اختيار أبي عبيد، وبه قرأ مجاهد وابن محيصن وابن أبي إسحاق وطلحة وعيسى بن عمر والأعمش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/273]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (92- قوله: {إذ يرون} قرأه ابن عامر بضم الياء، على ما لم يُسم فاعله، فلم يضف الفعل إليهم، كما قال: {كذلك يريهم الله} فلم يضف الفعل إليهم، وقرأ الباقون بفتح الياء، على أنه أضاف الفعل إلى «الظالمين» كما قال: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب} «النحل 85» وقال: {ورأوا العذاب} «البقرة 166» فأضاف الفعل إليهم، فحمل هذا على ذلك، وهو الاختيار، وعليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/273]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (55- {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [آية/ 165]:-
بالتاء، قرأها نافع وابن عامر ويعقوب.
وذلك لأنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقصد هو عليه
[الموضح: 307]
السلام بالمخاطبة؛ لأنه كان عالمًا بذلك، ولكن كان في ذلك تنبيه غيره؛ لأنه عليه السلام قد يخاطب، فيكون المقصود خطاب العامة نحو: {يا أيّها النَبِيُّ} و{إِذَا طَلّقتُم} و{يا أيّها النَبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُم}، وقد جاء مثل هذه اللفظة كثيرًا على الخطاب في القرآن نحو {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزعُوا} {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا} {وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفّى}.
وقرأ الباقون بالياء على الغيبة، وذلك أنه أشبه بما قبله، وهو {وَمِنَ النّاس مَنْ يَتّخِذُ} وما بعده، وهو {كذلك يُريهم الله}، وهما على الغيبة، ثم إن المتوعدين لم يعلموا من مقدار العذاب المعاين ما علمه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، فإسناد الفعل إليهم أقرب). [الموضح: 308]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (56- {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [آية/ 165]:-
بضم الياء، قرأها ابن عامر وحده.
ووجهها أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأنه قد جاء مثل ذلك نحو {يُرِيهِمُ الله أعْمالَهُم}.
فكما أنهم مفعول بهم في هذه الآية، كذلك ههنا.
وقرأ الباقون {يَرَوْنَ} بفتح الياء.
[الموضح: 308]
ووجه ذلك أنه قد جاء مثله نحو {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ} {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}). [الموضح: 309]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (57- {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ الله} [آية/ 165]:-
بكسر الألف فيهما، قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه استئناف؛ لأنه لما قال {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} كان المعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة بأس الله تعالى عند رؤيتهم العذاب لأيقنوا مضرة اتخاذ الأنداد، ثم استأنف بعد ذلك فقال {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ} أي إن القدرة له لا للأنداد.
وقال الفراء: هو على إضمار القول، والتقدير لقالوا إن القوة لله جميعًا، فجعل {إنّ} محكيًا لقالوا، وقالوا جواب لو.
وقرأ الباقون {أَنَّ القُوَّةَ} {وأَنَّ الله} بفتح الألف فيهما.
[الموضح: 309]
والوجه أن قوله {أَنَّ القُوّةَ} مفعول {يرى}، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أَنَّ القوةَ لله جميعًا لعلموا مضرَّةَ اتّخاذِ الأنداد.
ويجوز أن يكون بإضمار اللام الجارة، والتقدير: لأن، والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله إذ يرون العذاب لندموا على اتخاذ الأنداد؛ لأن القوة لله لا للأنداد.
وعند بعضهم أنه على إضمار علموا، ويكون هو جواب لو، والتقدير ولو يرى الذين ظلموا شدة العذاب لعلموا أن القوة لله جميعًا.
ومن قرأ بالتاء من {ترى} فيجوز على قراءته أن يكون {أَنَّ القُوَّةَ} بدلاً من {العذاب}.
ويجوز أن يكون على إضمار رأيت، فيكون رأيت جوابًا للو، والتقدير: ولو ترى أنت أيها المخاطب وقت رؤيتهم العذاب لرأيت أن القوة لله جميعًا). [الموضح: 310]

قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #48  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:19 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (168) إلى الآية (173) ]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان... (168).
قرأ ابن كثير في إحدى الروايتين، وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة (خطوات) بسكون الطاء.
وكذلك قرأ نافع، وروي عن ابن كثير في إحدى الروايتين: (خطوات) بضم الطاء، وهي قراءة ابن عامر والكسائي وحفص.
قال أبو منصور: قال النحويون: يقال: خطوة واحدة ويجمع (خطوات) و(خطوات) وقد قرئ بهما، وفيها لغة ثالثة لم يقرأ بها، وهي: (خطوات).
وفسّر خطو،: الشيطان: آثاره.
وأصل الخطوة ما بين القدمين). [معاني القراءات وعللها: 1/188]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الطاء وإسكانها من قوله تعالى: خطوات [البقرة/ 168].
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ وحفص عن عاصم خطوات مثقّلة.
وروى ابن فليح بإسناده عن أصحابه عن ابن كثير:
خطوات ساكنة الطاء خفيفة.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة خطوات ساكنة الطاء خفيفة.
قال أبو علي: أما الخطوة، فإنهم قد قالوا: خطوت خطوة، كما قالوا: حسوت حسوة، والحسوة اسم ما يحتسى.
وكذلك: غرفت غرفة، والغرفة اسم ما اغترف، فعلى هذا القياس يجوز أن تكون الخطوة والخطوة، فإذا كان كذلك، فالخطوة: المكان المتخطّى، كما أنّ الغرفة: العين المغترفة بالكفّ، فيكون المعنى: لا تتبعوا سبيله ولا تسلكوا طريقه، لأن الخطوة اسم مكان. وإن جعلت الخطوة كالخطوة في المعنى.
كما جعلوا الدّهن كالدّهن، فالتقدير: لا تأتمّوا به. ولا تقفوا أثره، فالمعنيان يتقاربان وإن اختلف التقديران. وقول رؤبة:
[الحجة للقراء السبعة: 2/265]
مجهولة تغتال خطو الخاطي معناه: أن هذه المفازة لطولها وبعد أقطارها كأنّ الخطى تهلك فيها فلا تؤثّر في قطعها، كما قال ذو الرّمّة في وصف عين بالسّعة:
تغول سيول المكفهرّات غولها أي لسعتها، وأنها لا تمتلئ مما يمتدّ إليها من الأمطار كأنّها تهلكها وتذهب بها.
وحجة من حرّك العين من خطوات: أن الواحدة (خطوة) فإذا جمعت حركت العين للجمع، كما فعلت بالأسماء التي على هذا الوزن نحو: غرفة وغرفات قال تعالى: وهم في الغرفات آمنون [سبأ/ 37]. ولم يلزم أن تبدل من الضمة كسرة، ومن الواو ياء كما يفعل ذلك في: أدل، وأجر، ونحوه، لأنه بمنزلة ما يبنى على التأنيث- ألا ترى أن الضمة إنما اعترضت مع الجمع بالألف والتاء، ولم تثبت الضمة والواو آخرة، ثم لحقتها التاء للجمع، كما أن الياء والواو في: النهاية والشقاوة
[الحجة للقراء السبعة: 2/266]
لم تثبتا في الكلام، ثم يلحقهما التأنيث. وإنما بنيت الكلمة على حرف التأنيث كما يبنى «مذروان» على التثنية، وهذا في خطوات ونحوها أظهر. لأن الضمة إنما تلحق مع الألف والتاء كما أنها في الغرفات والرّكبات كذلك.
وشيء آخر لمن ثقّل العين، وهو أنّه يجوز أن يكون لمّا حذف التاء التي للتأنيث، فبقي الاسم على فعل، حرّك العين مثل: عنق وعنق، وطنب وطنب فلمّا ثقّل العين بني الاسم على تاء التأنيث وألفه، كما بنى الاسم على التاء المفردة في: غيابة وشقاوة، وعلى التثنية في مذروان وثنايان، والدليل على ذلك قول لبيد:
فتدلّيت عليه قافلًا... وعلى الأرض غيايات الطّفل
ألا ترى أنه لو لم يكن الاسم مبنياً عليهما لهمزت الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، فكما أن ثنايان مبني على التثنية، كذلك هذا بني على الجمع بالألف والتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/267]
قال أبو الحسن: التحريك: قول أهل الحجاز.
وحجة من أسكن فقال: خطوات: أنهم نووا الضمة وأسكنوا الكلمة عنها- ألا ترى أنّ القول في ذلك لا يخلو من أن تكون جمع فعلة، فتركوها في الجمع على ما كانت عليه في الواحد، أو يكونوا أرادوا الضمة فخفّفوها وهم يريدونها، كما أنّ من قال: لقضو الرجل ورضي، أراد الضمة والكسرة، فحذفوها من اللفظ وهم يقدرون ثباتها، بدلالة تركهم ردّ الياء والواو، فلا يجوز الوجه الأول لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر دون حال السّعة والاختيار، كما قال ذو الرّمّة.
... ورفضات الهوى في المفاصل فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه على الوجه الآخر، وأنهم أسكنوها تخفيفاً، وهم يريدون الضمة، كما تراد الضمة في: لقضو الرجل ونحوه، ولهذا لم يجمع ما كان على فعال، ونحوه من المعتل على: فعل، ولا فعل لأنك لو جمعته على فعل، لكانت الضمة في تقدير الثبات، ويدلّك على أنها عندهم في تقدير الثبات: أن التحريك فصل بين الاسم والصفة، فإذا كان كذلك علمت أن التحريك الذي يختصّ بالأسماء دون الصفات منويّ، فأما قولهم: ثني وثن؛ فهو مما رفضوه في سائر كلامهم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/268]
ولمن أسكن. العين من خطوات وجه آخر من الحجاج، وهو أن يكون أجرى الواو في إسكانه إياها مجرى الياء- ألا ترى أن ما كان من هذا النحو من الياء نحو، مدية، وكلية، وزبية، لم يجمع إلا بالإسكان للعين، وذلك أنك لو حركتها للزم انقلاب الياء واواً لانضمام ما قبلها، كما لزمها انقلابها في: لقضو الرجل، فلما كان التحريك يؤدي إلى القلب، قرروه على الإسكان فقالوا: مديات وكليات. فلما لزم الإسكان في الياء جعل من أسكن خطوات الواو بمنزلة الياء، كما جعلوها بمنزلتها في (اتسروا)، ألا ترى أن التاء لا تكاد تبدل من الياء، وإنما يكثر إبدالها من الواو، وإنما أبدلوها في (اتسر)، لإجراء الياء مجرى الواو، وكذلك أجرى الواو مجرى الياء في أن أسكنها في خطوات ولا يلزمه على هذا أن يقول في: غرفات: غرفات، لأنه لم يجتمع مع كثرة الحركات الأمثال كما اجتمعت في خطوات). [الحجة للقراء السبعة: 2/269]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي عليه السلام والأعرج، ورُويت عن عمرو بن عبيد: [خُطُؤات] بضمتين وهمزة، وهي مرفوضة وغلط.
وقرأ أبو السمال: [خَطَوات] بفتح الخاء والطاء.
قال أبو الفتح: أما الهمز في هذا الموضع فمردود؛ لأنه من خطوت لا من أخطأت، والذي يُصرف هذا إليه أن يكون كما تهمزه العرب ولا حظَّ له في الهمز، نحو: حَلَّأت السويق، ورَثَأْثُ رُوحي بأبيات، والذئب يستنشئ ريح الغنم. والحمل على هذا فيه ضعف؛ إلا أن الذي فيه من طريق العذر أنه لما كان من فعل الشيطان غلب عليه معنى الخطأ، فلما تصور ذلك المعنى أَطلعت الهمزة رأسها، وقيل: [خُطُؤات].
وأما خَطَوات فجمع خَطْوة، وهي الفَعْلَة، والْخُطوة ما بين القدمين، والْخُطُوات كقولك: طرائق الشيطان، والْخَطَوات كقولك: أفعال الشيطان). [المحتسب: 1/117]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تتبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدو مبين}
قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر والبزي {خطوات} ساكنة
[حجة القراءات: 120]
الطّاء وحجتهم أنهم استثقلوا الضمتين بعدهما واو في كلمة واحدة فسكنوا الطّاء طلبا للتّخفيف
وقرأ الباقون خطوات بضم الطّاء وحجتهم أن أصل فعلة إذا جمعت أن تحرّك العين بحركة الفاء هذا المستعمل في العربيّة مثل ظلمة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وقالوا ولم تستثقل العرب ضمة العين). [حجة القراءات: 121]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (93- قوله: {خطوات} قرأه ابن عامر والكسائي وحفص وقنبل بضم الطاء حملًا على أصل الأسماء؛ لأن الأسماء يلزمها في الجمع الضم في نحو: «غرفة، وغرفات» فضم «خطوات» على الأصل، وهي لغة أهل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/273]
الحجاز، وقرأ الباقون بإسكان الطاء تخفيفًا؛ لاجتماع ضمتين وواو، لأنه جمع، ولأنه مؤنث، فاجتمع فيه ثقل الجمع، وثقل التأنيث، وثقل الضمتين والواو، فحسن فيه التخفيف، وقوي، وأصله الضم، ولا يحسن أن يقال: تُركت الطاء على سكونها في الواحد، لأن الجمع يلزمه الضم، فإنما هي ضمة أسكنت تخفيفًا؛ لما ذكرنا، لأن الضم، في هذا الباب للفرق بين الاسم والصفة، فالاسم يلزمه الضم لخفته، والصفة تسكن لثقلها، وذلك للفرق بينهما، والإسكان أولى لخفته، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/274]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (58- {خُطُوَاتِ} [آية/ 168]:-
مضمومة الخاء والطاء، قرأها ابن كثير وابن عامر والكسائي و- ص- عن عاصم ويعقوب.
ووجه هذه القراءة أنه جمع خطوة على فعلة بضم الفاء وغرفات، قال الله تعالى {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ}، وهو مذهب أهل الحجاز.
وقرأ الباقون {خُطْواتِ} بضم الخاء وتسكين الطاء.
[الموضح: 310]
وذلك أنهم لما جمعوا الخطوة نووا الضمة في الطاء ثم أسكنوها استخفافًا، وهي في تقدير الثبات، يدل على أن الضمة في حكم الثبات أن هذه حركة يفصل بها بين الاسم والصفة، كما هي في جمع فعلة المفتوحة الفاء، فلا تحذف عن الاسم حذفًا، إذ هي فارقة بينه وبين الصفة فهي منوية لا محالة). [الموضح: 311]

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}
اختلف القرّاء في إدغام لام هل وبل عند التّاء والثاء والطاء والظاء والصّاد والزّاي والسّين والنّون نحو {بل نتبع} و{هل ترى}
فقرأ الكسائي جميع ذلك بالإدغام دخل حمزة معه عند التّاء والثاء والسّين وقرأ الباقون جميع ذلك بالإظهار
حجّة الكسائي في ذلك أن هذه اللّام لما كانت ساكنة في الخلقة أشبهت لام المعرفة فأدغمها عند هذه الحروف كما تدغم لام المعرفة عندهن فأجرى لام هل وبل مجرى لام المعرفة فأدغمها فيما أدغم فيه لام المعرفة ألا ترى أنه لم يدغم لام قل في شيء لأن سكونها عارض وأن الحركة أصلها وكذلك {ومن يبدل نعمة الله} وحجّة من أظهر لام هل وبل أن هذه اللّام تفارق لام المعرفة من جهة أن كل واحدة منهما من حرف يسكت عليه والّذي لقيها من حرف آخر فضعفت عن الإدغام الّذي يكون في الحرف الواحد الّذي
[حجة القراءات: 121]
لا يفصل بعضه عن بعض). [حجة القراءات: 122]

قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمن اضطرّ... (173).
اختلف القراء في ضم النون وكسرها من قوله: (فمن اضطرّ)، وفي
[معاني القراءات وعللها: 1/188]
التاء من قوله: (وقالت اخرج عليهنّ)، وفي الدال من قوله: (ولقد استهزئ) وفي الواو من قوله: (أو اخرجوا) (أو ادعوا)،
وفي اللام من قوله: (قل انظروا)، و(قل ادعوا)، ونحوهن.
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: (فمن اضطرّ) (أن اقتلوا) (أو اخرجوا)، (ولقد استهزئ)، (وقالت اخرج)، (أو انقص) وما نحا نحو هذا بالضم.
[معاني القراءات وعللها: 1/189]
قرأ أبو عمرو: (قل ادعوا الله)، (أو انقص)، (أو اخرجوا)، (أو ادعوا) (قل انظروا) بضم اللام والواو في هذه الخمسة الأحرف، وكسر الباقي.
وروى هارون عن أبي عمرو: (وقالت اخرج) بضم التاء، (فمن اضطر) بضم النون.
وقرأ عاصم وحمزة بكسرها كلها في التنوين وغيره، لاجتماع الساكنين.
وقرأ يعقوب: (أو اخرجوا)، (أو ادعوا)، (أو انقص) بضم هذه الثلاثة الأحرف، وكسر الباقي.
قال أبو منصور: هما لغتان، فمن كسر فلاجتماع الساكنين، ومن ضم فلأن ألف الوصل كان حقها الضم لو ابتدى بها، فلما سقطت في الوصل نقلت ضمتها إلى الحرف الذي قبلها.
[معاني القراءات وعللها: 1/190]
واتفق القراء على ضم الطاء من "اضطّر" ومن فتحها فقد خالف الإعراب). [معاني القراءات وعللها: 1/191]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
قرأ حمزة وأبو عمرو وعاصم {فمن اضطر} بكسر النّون حيث كان وكذلك {وقالت اخرج} {ولقد استهزئ} و{فتيلا انظر} بكسر التّاء والدّال والتنوين زاد عاصم وحمزة عليه كسر اللّام والواو مثل {قل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن} ودخل ابن عامر معهم في التّنوين فحسب
وقرأ الباقون جميع ذلك بالرّفع وحجتهم أنهم كرهوا الضّم بعد الكسر لأن يثقل على اللّسان فضموا ليتبع الضّم الضّم
وحجّة الكسر أن الساكنين إذا اجتمعا يحرك أحدهما إلى الكسر كقوله {وقل الحق من ربكم} وذكر اليزيدي عن أبي عمرو قال وإنّما كسرت النّون لأنني رأيت النّون حرف إعراب في حال النصب والرّفع تذهب إلى الكسر مثل قوله {غفورًا رحيما النّبي} وقوله {والله عزيز حكيم الطّلاق} قال فإذا كانت النّون نفسها فهو أحق أن يذهب بها إلى الكسر قال والتّاء والدّال بمنزلة النّون وهما أختا النّون إذ كانت لام التّعريف تندغم فيها كإدغامها في التّاء والدّال فتقول هي التّاء والدّال والنّون فترى اللّام فيهنّ
[حجة القراءات: 122]
مدغمة وضم الواو لأن اللّام تظهر عند الواو وضم اللّام في قوله {قل ادعوا الله} كراهية كسرة اللّام بين ضمتين ضمة القاف وضمة العين فأتبع الضمة الضّم). [حجة القراءات: 123]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (59- {فَمَنِ اضْطُرَّ} [آية/ 173]:
بضم النون، قرأها ابن كثير ونافع والكسائي.
والوجه أن ضمة النون ههنا لإتباع ضمة الطاء في من اضطر، ولم تكسر وحقها الكسر لالتقاء الساكنين، بل ضمت كراهة الخروج من الكسرة إلى الضمة؛ لأن ذلك يثقل عندهم، وليس الضاد الساكنة بحاجز عندهم لسكونها، فإن الكسرة تلي الضمة، فكما استثقلوا نحو فعل بكسر الفاء وضم العين للخروج من الكسر إلى الضم حتى اطرحوه من كلامهم، فكذلك يستثقلون نحو ذلك، فيقولون: اقتل بضم همزة الوصل إتباعًا لضمة التاء، ولا يقولون اقتل بكسر الهمزة كراهة لما ذكرنا من الخروج من الكسرة إلى الضمة.
ومثل قوله {فَمَنُ اضْطُرّ} قوله تعالى {أَنُ اقْتُلُوا} و{أَوُ اخْرُجُوا} و{أَوُ انْقُصْ}.
[الموضح: 311]
وقرأ عاصم وحمزة {فَمَنِ اضْطُرّ} بكسر النون من {مَن}، وكذلك يعقوب إلا في الواو فإنه ضمها حيث وقعت نحو {أَوُ اخْرُجُوا} و{أَوُ انْقُصْ}.
والوجه في كسر {مَنِ اضْطرّ} أن الكسر فيه لالتقاء الساكنين وهو الأصل فيه.
وأما ضم يعقوب الواو في نحو {أَوُ اخْرُجُوا} و{أَوُ انْقُصْ} مع كسر غير الواو؛ فلأن الواو إما أن تكون للجمع أو لغير الجمع، فإن حقها الضم لالتقاء الساكنين نحو {اشْتَرَوُا}؛ لأن لام الفعل التي كانت كان فيها ضم في حالة الجمع، فلما زال الضم بزوال محله أرادوا أن يدلوا عليه فجعلوا حركة التقاء الساكنين الضمة.
وأما ما كان لغير الجمع فإنه يجوز ضمه أيضًا على تشبيهه بواو الجمع نحو {أَوُ انْقُصْ} و{لَوُ اسْتَطَعْنَا} ). [الموضح: 312]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #49  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (174) إلى الآية (176) ]

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #50  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 06:22 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[ الآية (177) ]

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم... (177).
قرأ حفص وحمزة: (ليس البرّ) بالنصب، وقرأ الباقون: (ليس البرّ) رفعا.
قال أبو منصور: الاختيار الرفع؛ لأن (ليس) يرفع الاسم الذي يليه، ومن نصب فعلى أنه جعل اسم ليس (البرّ) (أن تولّوا)، و(البرّ) خبره، وهو جائز، والرفع أجود القراءتين.
وقوله جلّ وعزّ: (ولكنّ البرّ من آمن باللّه... (177).
قرأ نافع وابن عامر: (ولكن البرّ من آمن باللّه)، (ولكن البرّ
[معاني القراءات وعللها: 1/191]
من اتّقى) بتخفيف النون من (لكن) ورفع (البر).
وقرأ الباقون بتشديد النون والنصب.
قال أبو منصور: هما لغتان فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/192]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله تعالى: ليس البرّ [البقرة/ 177].
فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: ليس البرّ بنصب الراء.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب والرفع. وقرأ الباقون البرّ رفع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/269]
قال أبو علي: كلا المذهبين حسن، لأنّ كلّ واحد من الاسمين: اسم ليس وخبرها، معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافئا في كون أحدهما اسماً والآخر خبراً كما تتكافأ النكرتان.
ومن حجة من رفع البرّ: أنه أن يكون البرّ الفاعل أولى، لأن ليس تشبه الفعل وكون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده، ألا ترى أنّك تقول: قام زيد؛ فيلي الاسم الفعل، وتقول: «ضرب غلامه زيد»، فيكون التقدير بالغلام التأخير، ولولا أن الفاعل أخصّ بهذا الموضع لم يجز هذا، كما لم يجز في الفاعل: «ضرب غلامه زيداً» حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير كما جاز في المفعول به، لوقوع الفاعل في الموضع الذي هو أخصّ به.
ومن حجة من نصب البرّ: أنه قد حكي لي عن بعض شيوخنا، أنه قال في هذا النحو: أن يكون الاسم: «أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/270]
وصلتها» أولى وأحسن، لشبهها بالمضمر، في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، فكأنّه اجتمع مضمر ومظهر، والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر، فكذلك إذا اجتمع أن مع مظهر غيره، كان أن يكون أن والمظهر الخبر أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/271]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي وابن مسعود: [ليس البر بأن تولوا وجوهكم]، قال ابن مجاهد: فإذا كان هكذا لم يجز أن يُنْصب البر.
قال أبو الفتح: الذي قاله ابن مجاهد هو الظاهر في هذا؛ لكن قد يجوز أن يُنْصب مع الباء، وهو أن تجعل الباء زائدة؛ كقولهم: كفى بالله؛ أي: كفى الله؛ وكقوله تعالى: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} أي: كفينا، فكذلك [ليس البر بأن تولوا] بنصب البر كما في قراءة السبعة.
[المحتسب: 1/117]
فإن قلت: فإن [كفى بالله] شاذ قليل، فكيف قست عليه "ليس"، ولم نعلم الباء زيدت في اسم ليس؛ إنما زيدت في خبرها، نحو قوله: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ}؟ قيل: لو لم يكن شاذًّا لما جوزنا قياسًا عليه ما جوزناه؛ ولكنا نوجب فيه ألبتة واجبًا، فاعرفه). [المحتسب: 1/118]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليس البر أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باللّه}
قرأ حمزة وحفص {ليس البر أن تولّوا} نصبا وقرأ الباقون بالرّفع فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم فيكون المعنى ليس توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر كله ومن رفع فالمعنى البر كله توليتكم فيكون {البر} اسم ليس ويكون {أن تولّوا} الخبر وحجتهم قراءة أبي (ليس البر بأن تولّوا) ألا ترى كيف أدخل الباء على الخبر والباء لا تدخل في اسم ليس إنّما تدخل في خبرها
قرأ نافع وابن عامر {ولكن} خفيفة {البر} رفعا وقرأ الباقون {ولكن البر} بالتشديد والنّصب اعلم أنّك إذا شددت {لكن} نصبت {البر} ب لكن وإذا خففت رفعت البر وكسرت النّون لالتقاء الساكنين وقد بيّنت الحجّة فيما تقدم). [حجة القراءات: 123]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {ليس البر} قرأه حمزة وحفص بالنصب، وقرأه الباقون بالرفع.
108- ووجه القراءة بالنصب أن «ليس» من أخوات «كان» يقع بعدها المعرفتان، فتجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر، فلما وقع بعد «ليس» «البر» وهو معرفة، و«أن تولوا» معرفة؛ لأنه مصدر بمعنى التولية، جعل «البر» الخبر، فنصبه، وجعل «أن تولوا» الاسم فقدر رفعه، وكان المصدر أولى بأن يكون اسمًا؛ لأنه لا يتنكر، و«البر» قد يتنكر، فـ «أن» والفعل أقوى في التعريف، وأيضًا فإن «أن» وصلتها تشبه المضمر؛ لأنها لا توصب كما لا يُوصف المضمر، ومن الأصول أنه إذا اجتمع مع «ليس» وأخواتها مضمر ومظهر، فالمضمر هو الاسم، لأنه أعرف، فلما كانت «أن» وصلتها كالمضمر، كانت أولى أن تكون هي اسم «ليس»، وقوي ذلك؛ لأن «أن» وصلتها في تقدير الإضافة إلى المضمر؛ لأن معناها «توليتكم» والمضاف إلى المضمر أعرف مما فيه الألف واللام، والأعرف أولى أن يكون هو الاسم لـ «كان» وأخواتها؛ لأنه هو المخبر عنه، ولا يُخبر إلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/280]
عن الأعرف دون الأنكر، ألا ترى أن النكرات لا يُخبر عنها، وأيضًا فإن «البر» تعريفه ضعيف؛ لأنه يدل على الجنس، ليس يدل على شخص بعينه، وتعريف الجنس ضعيف؛ لأنه كالنكرة، فصار «أن» والفعل أقوى من «البر» في التعريف بكثير، فوجب أن يكون الأعرف هو الاسم، وهو «أن» وما بعدها، ووجب نصب البر على الخبر.
109- ووجه القراءة بالرفع أن اسم «ليس» كالفعل، ورتبة الفاعل أن يلي الفعل، فلما ولي «البر» «ليس» رفع، ولو نصب «البر» لوجب أن يكون الكلام غير رتبته، وأن ينوي بـ «البر» التأخير، فيكون الكلام على رتبته، التي أتت به التلاوة، أولى من أن يحدث فيه ما يحتاج معه إلى التقديم والتأخير، ويقوي رفعه رفع «البر» الثاني، الذي معه الباء إجماعًا في قوله: {وليس البر أن تأتوا} «189» ولا يجوز فيه إلا رفع «البر» فحمل الأول على الثاني أولى من مخالفته له، ويقوي رفع «البر» أيضًا أن في مصحف ابن مسعود: (ليس البر بأن تولوا) بزيادة باء، وهذا لا يكون معه إلا رفع «البر»، وهو الاختيار؛ لإجماع القراء عليه، ولأنه رتبة الكلام، وبه قرأ الحسن والأعرج، ويقوي ذلك أن في مصحف أُبي: (ليس البر بأن تولوا} كمصحف ابن مسعود، والرفع في «البر» اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وغيرهما، وبه قرأ الحسن والأعرج وشيبة ومسلم بن جندب وابن أبي إسحاق وعيسى وابن محيصن وشبل وغيرهم، والنصب قوي في «البر» من باب التعريف، فالقراءتان حسنتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/281]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (60- {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} [آية/ 177]:-
بنصب {البِرَّ}، قرأها حمزة و- ص- عن عاصم.
ووجه ذلك أن {البِرَّ} في هذه القراءة خبر ليس، و{أَنْ تُوَلّوا} اسمها، وإذا كان أن مع صلتها الاسم كان أحسن؛ لأنها تشبه المضمر في أن كل واحد منهما لا يوصف، وإذا اجتمع مضمر ومظهر كان المضمر أولى بأن يكون اسم ليس؛ لأنه أشد اختصاصًا من المظهر، فلذلك اختار هذه القراءة مَنْ قرأ بها.
وقرأ الباقون {لَيْسَ البِرُّ} بالرفع.
ووجهه أن ليس مشبه بالفعل، واسمها مشبه بالفاعل، وإذا كان الفاعل بعد الفعل كان أولى من أن يكون بعده المفعول.
وكلتا القراءتين حسنة؛ لكون الاسم والخبر جميعًا معرفتين، فأيهما جعل اسمًا والآخر خبرًا كان حسنًا). [الموضح: 313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (61- {وَالصَّابِرِونَ فِي الْبَأْسَاءِ} [آية/ 177]:-
بالرفع، رواها ان- عن يعقوب.
[الموضح: 313]
والوجه أن معطوف على قوله {مَنْ آمَنَ}؛ لأن موضع {مَنْ آمَنَ} رفع على أنه خبر {لكِنَّ}، والتقدير: ولكن ذا البر من آمن بالله واليوم الآخر والموفون والصابرون، فعطف قوله {والصابرون} على قوله {مَنْ آمَنَ}، كما عطف قوله {والمُوفُون} عليه، وموضع {مَنْ آمَنَ} رفع، فكذلك يكون ما عطف عليه رفعًا أيضًا.
وعند الزجاج أنه عطف على {الموفون}، و{الموفون} رفع على أنه خبر مبتدأ، والتقدير: هم الموفون والصابرون.
وقرأ الباقون {الصابِرينَ} بالنصب.
والوجه أنه منصوب على المدح، وذلك بأن يضمر له فعل ناصب، والمعنى أمدح الصابرين، أو أخص الصابرين، كما قال:
12- لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيبون معاقد الأزر
بنصب النازلين، كأنه قال أمدح النازلين، ورفع الطيبين، كأنه قال هم الطيبون.
[الموضح: 314]
وذهب بعضهم إلى أنه عطف على قولوه {ذَوِي القُرْبَى}، والتقدير: وآتى المال ذوي القربى والصابرين.
والف هذا بأن العطف على ما في صلة الموصول لا يجوز بعد العطف على الموصول.
وقيل: هو عطف على اسم {لكِنَّ} ). [الموضح: 315]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة