سورة إبراهيم
[من الآية (21) إلى الآية (23) ]
{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
{وَبَرَزُوا}
قراءة الجماعة {وبرزوا} بتخفيف الراء وفتحها.
وقرأ زيد بن علي (وبرزا) مبنيًا للمفعول، وبتشديد الراء.
{الضُّعَفَاءُ}
وقف حمزة وهشام على (الضعفؤا) باثني عشر وجهًا؛
خمسة على القياس وهي:
أ- إبدالها ألفًا مع المد والقصر والتوسط.
ب- التسهيل بين بين مع المد والقصر.
[معجم القراءات: 4/470]
وسبعة على الرسم وهي:
المد، والقصر، والتوسط، مع سكون الواو، ومع إشمامها.
والسابع: هو روم حركتها مع القصر.
قال أبو حيان:
«كتبت بواو في المصحف قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة، فيميلها إلى الواو...».
وقال البيضاوي:
«وإنما كتبت بالواو على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة، فيميلها إلى الواو».
وقد تبع البيضاوي في هذا الزمخشري إذ قال:
«فإن قلت: لم كتب (الضعفؤا) بواو قبل الهمزة؟ قلت: كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة، فيميلها إلى الواو، ونظيره (علمؤا بني إسرائيل) ».
قال الشهاب معقبًا على كلام البيضاوي:
«وتفخيم الألف إمالتها إلى مخرج الواو لا ما يقابل الإمالة المعروفة، ولا ضد الترقيق، وقوله «فيميلها» تفسير له، وكتابتها بالواو هو الرسم العثماني.
واعلم أن المصنف - رحمه الله - تبع الزمخشري في قوله: إن الألف تفخم فتجعل كالواو. وقد رده الجعبري رحمه الله، وقال: إنه ليس من لغة العرب، فلا حاجة للتوجيه: لأن الرسم سنة متبعة.
وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة، فلو وجهه بأنه إتباع للفظه عن الوقف بوقف حمزة كان حسن صحيحًا».
{مِنْ شَيْءٍ}
تقدم حكم الهمزة في الوقف مرارا، انظر الآيتين/20 و 106 من
[معجم القراءات: 4/471]
سورة البقرة.
{هَدَانَا}
أماله حمزة والكسائي وخلف.
وبالفتح والتقليل قرأ الأزرق وورش
وقراءة الجماعة بالفتح).[معجم القراءات: 4/472]
قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (3 - وَاخْتلفُوا في قَوْله {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} 22
فحرك حَمْزَة يَاء {بمصرخي} الثَّانِيَة إِلَى الْكسر
وحركها الْبَاقُونَ إِلَى الْفَتْح
وروى إِسْحَق الْأَزْرَق عَن حَمْزَة {بمصرخي} بِفَتْح الْيَاء الثَّانِيَة). [السبعة في القراءات: 362]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ((بمصرخي) بكسر الياء حمزة). [الغاية في القراءات العشر: 293]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({بمصرخي} [22]: بكسر الياء حمزة). [المنتهى: 2/775]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (حمزة: {بمصرخي إني} (22): بكسر الياء. وهي لغة حكاها الفراء، وقطرب، وأجازها أبو عمرو.
والباقون: بفتحها). [التيسير في القراءات السبع: 331]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(حمزة (بمصرخي إنّي) بكسر الياء وهي لغة حكاها الفراء وقطرب وأجازها أبو
[تحبير التيسير: 424]
وأجازها أبو عمرو، والباقون بفتحها). [تحبير التيسير: 425]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([22]- {بِمُصْرِخِيَّ} بكسر الياء: حمزة). [الإقناع: 2/677] قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (798- .... .... .... .... = .... مُصْرِخِيَّ اكْسِرْ لِحَمْزَةَ مُجْمِلاَ
799 - كَهَا وَصْلٍ أَوْ لِلسَّاكِنَينِ وَقُطْرُبٌ = حَكَاهَا مَعَ الْفَرَّاءِ مَعْ وَلَدِ الْعُلاَ). [الشاطبية: 63]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([798] وفي النور واخفض كل فيها والأرض ها = هنا مصرخي اكسر لـ(حمزة) مجملا
[799] كها وصل أو للساكنين وقطرب = حكاها مع الفراء مع (ولد العلا)
...
(مصرخي اكسر لحمزة مجملا) من: أحسن وأجمل، لأن النحويين ردوا هذه القراءة، وأطالوا فيها القول.
قال أهل البصرة: «قراءته هذه غير جيدة».
والقراءة صحيحة ثابتة، ولها وجه من إقياس العربية قوي، وهي قراءة الأعمش ويحيى بن وثاب ومران بن أعين، والقاسم بن معن-وقال: هو صواب. وكان ثقة بصيرًا -، وقراءة جماعة من التابعين، وحكاها قطرب والفراء، وأنشد في ذلك قول الأغلب العجلي:
[فتح الوصيد: 2/1038]
ماضٍ إذا ما هم بللمضي
قال لها هل لك يا تافي
قالت له ما أنت بالمرضي
وقال حسين الجعفي: «سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء فأجازه».
قال قطرب: «هي لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء».
أبو علي: «وجه ذلك من القياس، أن الياء لا تخلو أن تكون في موضع نصب أو جر؛ فالياء فيهما، كالهاء والكاف فيهما، فكما لحق الهاء الزيادة نحو: (ضربهو) و (بهي)، والكاف في من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه في ما حكاه سيبويه، كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد، لأنهما أختاها فقالوا: فيي، ثم حذفوا الياء الزائدة كما حذفوا في:
...له أرقان،
وفي أعطيتكه، فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر».
[فتح الوصيد: 2/1039]
قال: «فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة، وإن كان غيرها أشيع منها وعضدها من القياس ما ذكرنا، لم يجز لقائلٍ أن يقول: إن القراءة بذلك لحن».
وهذا معنى قوله (كها وصل).
ومعن(أو للساكنين)، يريد بذلك وجها آخر، وهو أن تقدر سكون ياء الإضافة، وقبلها ياء ساكنة، فتحركها بالكسر. وذلك الأصل في التقاء الساكنين.
فإن قيل: الأصل في حركة ياء الإضافة الفتح، وإنما أسكنت للتخفيف، فإذا احتجنا إلى تحريكها فبحركة الأصل كما قالوا: (عصاي)، لا سيما مع استثقال الكسر في الياء واجتماع الكسرات في هذه الكلمة، وهذه حجة القراءة الأخرى.
فالجواب، أن الياء الأولي جرت مجرى حرف صحيح للإدغام؛ فكأن الثانية وقعت ساكنة بعد حرفٍ صحیح ساكنٍ، فحركت بالكسر على أصل التقاء الساكنين.
وأيضًا، فإن ياء الإضافة لما أدغمت فيها الياء التي قبلها، اختلطت بالاسم، فصارت كبعض حروفه، وقويت بالإدغام، فأشبهت الحروف الصحاح، فاحتملت الكسر.
وإنما الكسر مستثقل إذا خفت وانكسر ما قبلها.
[فتح الوصيد: 2/1040]
ألا ترى أن الياء المشددة جرت عليها حركات الإعراب، وما ذاك إلا الإلحاقهم إياها بالحروف الصحاح). [فتح الوصيد: 2/1041]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ([798] وفي النور واخفض كل فيها والأرض ها = هنا مصرخي اكسر لحمزة مجملا
ب: (الإجمال): الإحسان.
ح: (في النور): عطف على (هنا) المحذوف، أي: امدد واكسر وارفع هنا وفي النور، (كل): مفعول (اخفض)، (فيها): ظرفه، والضمير لـ (النور)، و(الأرض): عطف على (كل)، (مصرخي): مفعول (اكسر)، (لحمزة): متعلق به، (مجملًا): حال من فاعل (اكسر).
ص: قرأ حمزة والكسائي في سورة النور: (والله خالق كل دابةٍ) [45] على ما ذكر، والباقون: {خلق}، لكن قرءا بجر {كل} في النور [45]، وبجر {الأرض} هنا [19] على إضافة {خالق} إليهما، ولم يحتج إلى ذكر جر (السماوات)، إذ لا يختلف حالة النصب والجر
[كنز المعاني: 2/356]
فيها، فيلزم أن تكون قراءة الباقين بنصب {كل} في النور، و{الأرض} ههنا على أنهما مفعولا {خلق} .
وقرأ حمزة: {وما أنتم بمصرخي} [22] بكسر الياء، والباقون: بفتحها، أما وجه الفتح فظاهر، وأما وجه الكسر: فيبين بقوله:
[799] كها وصلٍ أو للساكنين وقطربٌ = حكاها مع الفراء مع ولد العلا
ح: (كلها): نصب على المصدر، أي: اكسر مثل كسر هاء الوصل، و(هاء الوصل): هاء الضمير قصرت ضرورة، (للساكنين): متعلق بـ (اكسر)، الهاء في (حكاها): للغة لدلالة السياق عليها.
ص: يعني: كما أن هاء الضمير التي للمذكر توصل بالياء في {من عنده} [المائدة: 52] و{به} [البقرة: 25] فكذلك ياء الإضافة توصل بياء، والجامع كونهما ضميرين، فيكون أصل {مصرخي}: (مصرخيي) بثلاث ياءات: الأولى للجمع، والثانية ياء الإضافة، والثالثة ياء الصلة، لكنها حذفت لاجتماع الياءات وبقيت الكسرة لتدل على الياء المحذوفة، كما في {عليه} [البقرة: 37] و{فيه} [البقرة: 2]، أو إنما كسرت الياء لاجتماع
[كنز المعاني: 2/357]
سكون ياء الجمع، وياء المتكلم بعد سقوط النون بالإضافة، فحركة ياء المتكلم بالكسر، كما هو الأصل في التحريك عند التقاء الساكنين.
ثم قال: بعد ما شاع كسرها قياسًا على هاء الوصل، أو للساكنين، حكى هذه اللغة قطرب النحوي تلميذ سيبويه عن العرب، حيث أنشد للأغلب العجلي الراجز:
ماضٍ إذا ماهم بالمضي = قال لها هل لك يا تا في
[كنز المعاني: 2/358]
بكسر ياء (في)، أي: هل لك رأيٌ – يا هذه – في، وزعم أنه لغة في بني يربوع، وكذلك الفراء أنشد وقال: زعم القاسم بن معن أنه صواب، قال: وكان ثقةً بصيرًا.
وقال أبو عمرو بن العلاء حين سأله حسين الجعفي عنه: من شاء فتح ومن شاء كسر، وفي رواية عنه: إنها بالخفض حسنة). [كنز المعاني: 2/359]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (وقرأ حمزة: "وما أنتم بمصرخي" بكسر الياء المشددة وقرأ الباقون بفتحها وهو الوجه؛ لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا سكن ما قبلها أو تحرك وقوله: مجملا؛ يعني: في تعليل قراءة حمزة، وهو من قولهم: أحسن وأجمل في قوله أو فعله؛ أي: اكسر غير طاعن على هذه القراءة كما فعل من أنكرها من النحاة ثم ذكر وجهها فقال:
799- كَهَا وَصْلٍ اوْ لِلسَّاكِنَينِ وَقُطْرُبٌ،.. حَكَاهَا مَعَ الفَرَّاءِ مَعْ وَلَدِ العُلا
ذكر لها وجهين من القياس العربي مع كونها لغة محكية، وإنما تكلف ذلك؛ لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة، ونسبوها إلى الوهم واللحن. قال الفراء: في كتاب المعاني: وقد خفض الياء من مصرخي: الأعمش ويحيى بن وثاب جميعا. حدثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى؛ فإنه قل من سلم منهم من الوهم، ولعله ظن أن الياء في "مصرخي" حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك قال: ومما نرى أنهم أوهموا فيه: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} بالجزم ظنوا أن الجزم في الهاء، ثم ذكر غير ذلك مما لم يثبت قراءة، وقد تقدم وجه الإسكان في "نوله" ونحوه، وسنقرر كسر ياء "بمصرخي"، وقال أبو عبيد: أما الخفض فإنا نراه غلطا؛ لأنهم ظنوا أن الياء
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/293]
التي في قوله: "بمصرخي" تكسر كل ما بعدها قال: وقد كان في القراء من يجعله لحنا، ولا أحب أن أبلغ به هذا كله، ولكن وجه القراءة عندنا غيرها، قال الزجاج: هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر وبعض النحويين يعني: القراءة، فذكر ما سنذكره في الحركة لالتقاء الساكنين.
وقال ابن النحاس: قال الأخفش سعيد: ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين، قال أبو جعفر: قد صار هذا بإجماع لا يجوز، ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ، قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره: ما ثبت بالتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردي بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح.
قلت: يستفاد من كلام أهل اللغة في هذا ضعف هذه القراءة، وشذوذها على ما قررنا في ضبط القراءة القوية والشاذة، أما عدم الجواز فلا فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها، قال أبو علي: قال الفراء في كتابه في التصريف: زعم القاسم بن معن أنه صواب قال: وكان ثقة بصيرا، وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد:
ماضٍ إذا ما هم بالمضيِّ،.. قال لها هل لك يا تا فيِّ
قال: وقد أنشد الفراء ذلك أيضا.
قلت: فهذا معنى قول الناظم: وقطرب حكاها مع الفراء، فالهاء في حكاها: ضمير هذه اللغة ولم يتقدم
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/294]
ذكرها ولكنها مفهومة من سياق الخفض في تقرير هذه القراءة فهو مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}؛ أي: عالي مدائن قوم لوط ولم يتقدم لها ذكر ولكن علم ذلك من سياق القصة، وقال الفراء في كتاب المعاني: وقد سمعت بعض العرب ينشد:
قال لها هل لك يا تا فيِّ،.. قالت له ما أنت بالمرضيِّ
فخفض الياء من "في" فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقي من الساكنين، وتمام كلام سننقله فيما بعد فانظر إلى الفراء كيف يتوقف في صحة ما أنشده ومعناه: يا هذه هل لك فيّ؟ قال الزجاج: هذا الشعر مما لا يلتفت إليه وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب ولا هو مما يحتج به في كتاب الله تعالى اسمه، وقال الزمخشري: هي قراءة ضعيفة واستشهدوا لها ببيت مجهول فذكره.
قلت: ليس بمجهول؛ فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلي الرجز، ورأيته أنا في أول ديوانه، وأول هذا الزجر:
أقبل في ثوبي معافريّ،.. بين اختلاط الليل والعشيّ
وهذه اللغة باقية في أفواه الناس إلى اليوم، يقول القائل: ما فيّ أفعل كذا، وفي شرح الشيخ: قال حسين الجعفي: سألت أبا عمرو بن العلاء
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/295]
عن كسر الياء فأجازه، وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياءات من طرق، قال خلاد المقرئ: حدثنا حسين الجعفي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها فقال: هي جائزة أيضا؛ إنما أراد تحريك الياء فليس يبالي إذا حركتها، وفي رواية: لا تبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق، وفي رواية: سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال: من شاء فتح ومن شاء كسر، وقال خلف: سمعت حسين الجعفي يروي عن أبي عمرو بن العلاء فقال: إنها بالخفض حسنة، وقال محمد بن عمر الرومي: حدثني الثقة عن حسين الجعفي قال: قدم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن فوجدته به عالما، فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته: "وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ" بالجر فقال جائزة، قال: فلما أجازها أبو عمرو، وقرأ بها الأعمش أخذت بها قال: وهي عند أهل الأعراب ليست بذاك، فهذا معنى قول الناظم: مع ولد العلا؛ يعني: أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها، وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التي توصل بواو إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة، ووجه المشابهة أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر، وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء، وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة؛ لأن الصلة ليست من مذهبه، ومعنى المصرخ المغيث، وأصل "مصرخيّ": مصرخيني
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/296]
حذفت النون للإضافة فالتقت الياء التي هي علامة الجر مع ياء الإضافة فأدغمت فيها، وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه هو الذي اعتمد عليه أبو علي في كتاب الحجة فقال: وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في: أكرمتك وهذا لك، فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا لهو وضربهو، ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ولحقت التاء الزيادة في نحو قول الشاعر:
رميتيه فأصميت،.. وما أخطأت الرميهْ
كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد فقالوا في ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال: له أرقان، وزعم أبو الحسن أنها لغة.
قلتُ: ليس التمثيل بقوله: له أرقان مطابقا لمقصوده؛ فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها، وليس مراده إلا حذف الصلة فقط فالأولى لو كان مثل بنحو: عليه وفيه، ثم قال أبو علي: وكما حذفت الزيادة من الكاف فقيل: أعطيتكه وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر قال: فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل أن يقول: إن القراءة بذلك لحن؛ لاستقامة ذلك في السماع والقياس وما كان كذلك لا يكون لحنا. قلتُ: فهذا معنى قول الشاطبي -رحمه الله: كها وصل؛ أي: نزلت الياء في: "بِمُصْرِخِيّ" منزلة هاء
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/297]
الضمير الموصلة بحرف المد، فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها وهو الياء ثم حذفت الصلة منها كما تحذف من الهاء، الوجه الثاني أشار إليه الناظم بقوله: أو للساكنين؛ أي: أو يكون الكسر في: "بِمُصْرِخِيَّ"؛ لأجل التقاء الساكنين، وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا، ولم يمكن تحريكها؛ لأنها علامة الجر، ولأنها مدغمة في الثانية، فلزم تحريك ياء الإضافة، فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل في التقاء الساكنين وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا، وتبعه فيه الناس، قال الزجاج: أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر؛ لأن أصل التقاء الساكنين الكسر قال الفراء: ألا ترى أنهم يقولون: لم أره منذ اليوم ومذ اليوم، والرفع في الذال هو الوجه؛ لأنه أصل حركة منذ، والخفض جائز، فكذلك الياء من: "بِمُصْرِخِيِّ" خفضت ولها أصل في النصب، قال الزمخشري: كأنه قدر ياء الإضافة ساكنة ولكنه غير فصيح؛ لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو: "عَصَايَ" فما بالها وقبلها ياء، وقال بعضهم: كسرها؛ إتباعا للكسرة التي بعدها كما قرأ بعضهم: "الحمدِ لله" بكسر الدال؛ إتباعا لكسر اللام بعدها فكما تقول العرب بعير وشعير ورحيم بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها فهذا وجه ثالث، وكلها ضعيفة والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/298]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (798 - .... .... .... .... .... = .... مصرخيّ اكسر لحمزة مجملا
799 - كها وصل أو للسّاكنين وقطرب = حكاها مع القرّاء مع ولد العلا
....
وقرأ حمزة: بِمُصْرِخِيَّ بكسر الياء المشددة، وقرأ غيره بفتحها. وقوله (مجملا) حال من فاعل اكسر أي اكسرها حال كونك آتيا بالقول الجميل والتعليل الحسن في قراءتها، وقد ذكر الناظم لقراءة حمزة توجيهين:
الأول: أن هذه الياء كهاء الوصل؛ أي الضمير، وهاء الضمير تكسر بعد الكسر نحو بِهِ* أو الياء الساكنة نحو عَلَيْهِ* ووجه المشابهة: أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد، وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه. ومعنى المصرخ: المغيث وأصل بِمُصْرِخِيَّ مصرخيني حذفت النون للإضافة، فالتقت الياء التي هي علامة الجمع مع ياء الإضافة وأدغمت فيها، وكسرت ياء الإضافة لوقوعها بعد ساكن، وهذا معنى قوله (كها وصل).
الوجه الثاني: أن يكون كسرها لالتقاء الساكنين وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء الإعراب ساكنة، فكسرت ياء الإضافة على ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وهذا معنى قول الناظم (أو للساكنين) قالوا: وهي لغة بني يربوع حكاها عنهم قطرب والفراء وأبو عمرو بن العلاء). [الوافي في شرح الشاطبية: 302]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (139- .... .... .... .... .... = وَفُزْ مُصْرِخِيِّ افْتَحْ .... .... ). [الدرة المضية: 31]
- قال محمد بن الحسن بن محمد المنير السمنودي (ت: 1199هـ):(ثم قال: وفز مصرخي افتح أي قرأ مرموز (فا) فز وهو خلف{بمصرخي} [22] بفتح الياء المشددة كالآخرين فاتفقوا). [شرح الدرة المضيئة: 156]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ( (وَاخْتَلَفُوا) فِي: بِمُصْرِخِيَّ فَقَرَأَ حَمْزَةُ بِكَسْرِ الْيَاءِ، وَهِيَ لُغَةُ بَنِي يَرْبُوعٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ قُطْرُبٌ وَأَجَازَهَا هُوَ وَالْفَرَّاءُ، وَإِمَامُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالْقِرَاءَةِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَعْنٍ النَّحْوِيُّ: هِيَ
[النشر في القراءات العشر: 2/298]
صَوَابٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ ضَعَّفَهَا، أَوْ لَحَّنَهَا فَإِنَّهَا قِرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ اجْتَمَعَتْ فِيهَا الْأَرْكَانُ الثَّلَاثَةُ، وَقَرَأَ بِهَا أَيْضًا يَحْيَى بْنُ رِئَابٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ وَحُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَقِيَاسُهَا فِي النَّحْوِ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَاءَ الْأُولَى، وَهِيَ يَاءُ الْجَمْعِ جَرَتْ مَجْرَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ الْإِدْغَامِ فَدَخَلَتْ سَاكِنَةً عَلَيْهَا يَاءُ الْإِضَافَةِ وَحُرِّكَتْ بِالْكَسْرِ عَلَى الْأَصْلِ فِي اجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ وَهَذِهِ اللُّغَةُ بَاقِيَةٌ شَائِعَةٌ ذَائِعَةٌ فِي أَفْوَاهِ أَكْثَرِ النَّاسِ إِلَى الْيَوْمِ، يَقُولُونَ مَا فِيِّ كَذَا، يُطْلِقُونَهَا فِي كُلِّ يَاءَاتِ الْإِضَافَةِ الْمُدْغَمِ فِيهَا، فَيَقُولُونَ مَا عَلَيِّ مِنْكَ، وَلَا أَمْرُكَ إِلَيِّ، بَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فِي كَسْرَتِهَا حَتَّى تَصِيرَ يَاءً). [النشر في القراءات العشر: 2/299]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (قرأ حمزة {بمصرخي} [22] بكسر الياء، والباقون بفتحها). [تقريب النشر في القراءات العشر: 564]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (713- .... ومصرخيّ كسر اليا فخر = .... .... .... .... .... ). [طيبة النشر: 81]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : ( (شفا) ومصرخيّ كسر اليا (ف) خر = يضلّ فتح الضّمّ كالحجّ الزّمر
قرأ بكسر الياء «مصرخيّ» حمزة، والباقون بفتحها). [شرح طيبة النشر لابن الجزري: 258]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (ووافق رويس على الرفع في الابتداء خاصة، وإليه أشار بقوله:
ص:
والإبتدا (غ) ر خالق امدد واكسر = وارفع كفور كلّ والأرض اجرر
(شفا) ومصرخيّ كسر اليا (ف) خر = يضلّ فتح الضّمّ كالحجّ الزّمر
ش: أي: قرأ ذو غين (غر) رويس: الله الذي [إبراهيم: 2] برفع الهاء في (الابتداء) خاصة، وفي الوصل بجرها.
وقرأ [ذو] (شفا) حمزة، والكسائي، وخلف: ألم تر أن الله خالق السموات والأرض [إبراهيم: 19]، وخالق كل دابة في النور [الآية: 45] بألف بعد الخاء، وكسر اللام والرفع فيهما، وجر الأرض هنا [19] وكلّ [النور: 45] ثمّ،
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/402]
والباقون خلق بفتح اللام والقاف بلا ألف، ونصب والأرض [19] وكلّ [النور: 45].
وقرأ ذو فاء (فخر) حمزة: وما أنتم بمصرخيّ [إبراهيم: 22] بكسر (الياء)، والتسعة بفتحها.
وجه خالق: اسم فاعل بمعنى المضي، ورفعه [هناك] خبر المبتدأ وثمّ خبر أنّ [19]؛ فيجب إضافته إلى مفعوله، والسموات مجرور بالإضافة أيضا.
ووجه القصر: جعله ماضيا والسموات مفعوله، وكل نصب مفعول خلق.
ووجه فتح بمصرخيّ: أن أصله: «مصرخين» جمع «مصرخ» [أي:] مغيث، ثم أضيف إلى ياء المتكلم، ولها أصلان: السكون، والفتح، وإذا تعذر أحدهما تعين الآخر، كما هنا حذفت النون للإضافة، وقبلها ياء [الإضافة] ساكنة؛ فتعذر إسكانها؛ لئلا يجتمع ساكنان؛ فتعين الفتح.
وهما مثلان: الأول ساكن غير مد متطرف، والثاني متحرك؛ فتعين الإدغام؛ فصارت مفتوحة مشددة.
ووجه كسرها: أمران:
أحدهما: أن بني يربوع يزيدون على ياء الضمير ياء أخرى صلة لها؛ حملا على هاء الضمير؛ كقوله:
أقبل في ثوبى معافري = بين اختلاط اللّيل والعشيّ
ماض إذا ما همّ بالمضيّ = قال لها هل لك (يا تا فيّ)
قالت له ما أنت بالمرضيّ الشاهد في «يا تا في» وكسروا الياء؛ لمجانسة الصلة.
[شرح طيبة النشر للنويري: 2/403]
ثم حذفت ياء الصلة وبقيت الكسرة دالة على هذه اللغة، وكقوله:
على لعمرو نعمة بعد نعمة = لوالده ليست بذات عقارب
الثاني- وهو تفريع على الإسكان-: أن النون حذفت للإضافة؛ فالتقى ساكنان: ياء الإعراب، وياء المتكلم الساكنة؛ فحرك؛ لتعذر [تحريك] الأول بسبب الإعراب، وليتمكن الإدغام وكانت كسرة؛ لأنه الأصل في الساكنين، ولم يستثقل على الياء؛ لتمحضها بالإدغام، ويحتمل أن الياء كسرت إتباعا لكسرة إنّي [إبراهيم: 22].
وحكى هذه اللغة قطرب، والفراء وأبو عمرو.
وعلل قطرب بالأول، والفراء بالثاني.
وهذه القراءة موافقة للغة العرب كما عرفت، ومتواترة؛ فلا يقدح فيها إلا مخطئ آثم قاصد، والله أعلم). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/404] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وفتح ياء الإضافة من "لي عليكم" حفص وحده). [إتحاف فضلاء البشر: 2/167] قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (واختلف في "بِمُصْرِخِي" [الآية: 22] فحمزة بكسر الياء وافقه الأعمش لغة بني يربوع، وأجازها قطرب والفراء وإمام النحو واللغة والقراء أبو عمرو بن العلاء،
[إتحاف فضلاء البشر: 2/167]
وهي متواترة صحيحة، والطاعن فيها غالط قاصر، ونفي النافي لسماعها لا يدل على عدمها، فمن سمعها مقدم عليه إذ هو مثبت، وقرأ بها أيضا يحيى بن وثاب وحمران بن أعين وجماعة من التابعين، وقد وجهت بوجوه منها أن الكسرة على أصل التقاء الساكنين، وأصله مصرخين حذفت النون للإضافة فالتقى ساكنان ياء الإعراب وياء الإضافة، وهي ياء المتكلم وأصلها السكون فكسرت للتخلص من الساكنين، والباقون بفتح الياء؛ لأن الياء المدغم فيها تفتح أبدا). [إتحاف فضلاء البشر: 2/168]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("وأثبت" ياء "أشركتمون" وصلا أبو عمرو وأبو جعفر وفي الحالين يعقوب). [إتحاف فضلاء البشر: 2/168]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {لي عليكم} [22] قرأ حفص بفتح الياء، والباقون بالإسكان).[غيث النفع: 767]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {بمصرخي} قرأ حمزة بكسر الياء، والباقون بالفتح، وقد ضعف بعض النحويين قراءة حمزة، وقد جعلها أبو عبيد غلطا، والزجاج رديئة، والأخفش غير
[غيث النفع: 767]
مسموعة، من جهة أن الياء فيه ياء إضافة، وحكمها الفتح أو السكون، وإذا تعذر أحدهما تعين الآخر، والسكون هنا متعذر، فتعين الفتح.
وإنما تعذر السكون لأن أصل {مصرخي} (مصرخين) جمع (مصرخ) بمعنى: مغيث، أضيف لياء المتكلم، فحذفت النون للإضافة، فاجتماع ياء الإعراب وهي ساكنة وياء الإضافة، فلو سكناها لاجتمع ساكنان، فتعين الفتح، فاجتمع مثلان، الأول ساكن والثاني متحرك، فوجب الإدغام، فصارت ياء مفتوحة مشددة.
ولا عبرة بقولهم، فإنها قراءة متواترة اجتمعت فيها الأركان الثلاثة، وقرأ بها جماعة من التابعين، كالأعمش ويحيى بن وثاب وحمران بن أعين.
[غيث النفع: 768]
وهي لغة بني يربوع، نص على ذلك قطرب وأجازها هو والفراء وإمام النحو والقراءة أبو عمرو بن العلاء، ولها في العربية وجه صحيح، وهو:
- أنه زيد بعد ياء الإضافة ياء ساكنة كما تزاد بعد الضمير في {به} [البقرة: 22] وحذفت تخفيفًا، كما حذفت من {فيه} [البقرة: 2] و{عليه} [البقرة: 37] وبقيت الكسرة دالة عليها.
- وأنه لما التقى ساكنان – ياء الإعراب وياء المتكلم – وحرك الثاني لتعذر تحريك الأول بسبب الإعراب، حرك بالكسرة على أصل التقاء الساكنين.
فإن قلت: الكسر في الياء ثقيل، فالجواب: أنه لم أدغمت فيها الياء التي قبلها قويت بالإدغام، فأشبهت الحرف الصحيح، فاحتملت الكسر.
[غيث النفع: 769]
- وأن أصلها الفتح، وكسرت إتباعًا لكسرة {إني} وهي لغة تميم، وبعض غطفان يتبعون الأول للثاني للتجانس، وبه قرأ الحسن في (الحمد لله) [الفاتحة: 2] ).[غيث النفع: 770]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {أشركتمون} [22] قرأ البصري بإثبات ياء بعد النون في الوصل، والباقون بالحذف مطلقًا).[غيث النفع: 770]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}
{وَعَدَكُمْ}
قراءة الجماعة «وعدكم» من الوعد.
وقرئ (واعدكم) بالألف، قال العكبري: «وهو معنى الوعد».
{لِي عَلَيْكُمْ}
قرأ حفص عن عاصم {لي عليكم} بفتح الياء في الوصل.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير ونافع وعاصم من رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب (لي عليكم) بسكون الياء.
{فَلَا تَلُومُونِي}
قراءة الجماعة {فلا تلوموني} بالتاء على نسق الخطاب قبله في نص الآية.
[معجم القراءات: 4/472]
وقرأ مبشر بن عبيد (فلا يلوموني» بياء الغيبة على الالتفات من الخطاب.
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}
قراءة الجماعة، ورواية إسحاق الأزرق عن حمزة {بمصرخي} بتحريك الياء الثانية بالفتح.
قال مكي:
«..... بفتح الياء، وهو الأمر المشهور المستعمل الفاشي في اللغة، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه؛ ولأنه المعمول به في الكلام.
وعلة ذلك أن ياء الجمع أدغمت فين ياء الإضافة وهي مفتوحة، فبقيت على فتحتها، ويجوز أن يكون قد أدغمت في ياء إضافة وهي ساكنة، ففتحت لالتقاء الساكنين، وكان الفتح أولى بها؛ لأنها أصلها، فردت إلى أصلها عند الحاجة إلى حركتها، وأيضًا فإن الفتح في الياء أخف من الكسر والضم عليها».
قلت: أصلها: بمصرخين، ثم أضيفت ياء المتكلم، فحذفت نون الجمع للإضافة، فاجتمع ياءان: أدغمت الأولى في الثانية، ثم حركت الياء المشددة بالفتح لأجل التضعيف.
وقرأ حمزة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمران بن أعين وجماعة
[معجم القراءات: 4/473]
من التابعين (بمصرخي) بكسر الياء، وذكر قطرب أنها لغة في بني يربوع.
تخريج هذه القراءة:
1- عند مكي:
الأصل عنده في «مصرخي» ثلاث ياءات: الأولى ياء الجمع، والثانية: ياء الإضافة، والثالثة ياءٌ زيدت للمد، كما زيدت في «بهي»؛ لأن ياء المتكلم كهاء الغائب.
وقد كان القياس استعمال الياء صلة لياء المتكلم كما فعلوا بهاء الغائب، لكن رفضوا ذلك لثقل الكسرة على الياء.
فالقراءة عند مكي فيها بعد من جهة الاستعمال، وهي حسنة الأصول، لكن الأصل إذا طرح كان استعماله مكروهًا بعيدًا.
2- عند العكبري:
الياء الأولى ياء الجمع، والثانية ضمير المتكلم، ويقرأ بكسرها، وهو ضعيف عنده بسبب الثقل، وفيه وجهان:
[معجم القراءات: 4/474]
أحدهما: أنه كسر على الأصل.
الثاني: أنه أراد صرخي، وهي لغيه يقول أربابها «رميته» «رميتيه» فتتبع الكسرة الياء إشباعًا، إلا أنه في الآية حذف الياء الأخيرة اكتفاء بالكسرة قبلها.
3- ابن الأنباري:
ذهب إلى أنه عدل هنا إلى الكسر، وهو الأصل؛ ليكون مطابقًا الكسرة همزة: {إني كفرت بما أشركتمون}؛ لأنه أراد الوصل دون الوقف، فلما أراد هذا المعنى كان كسر الياء أدل على هذا من فتحها...
موقف العلماء من هذه القراءة:
طعن كثير من النحاة في هذه القراءة، وبيان آرائهم على ما يلي:
الفراء: قال: «... ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى بن وثاب، فإنه قل من سلم منهم من الوهم، ولعله ظن أن الباء في (بمصرخي) خافضة للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذلك ثم ذكر أنه سمع من العرب كسر الياء من «في» وأنشد بيتًا في هذا.
أبو عبيد:
قال: «نراهم غلطوا، ظنوا أن الباء تكسر لما بعدها».
قلت:
أيجوز مثل هذا على قراء هذه القراءة؟!!
الأخفش:
قال: «وبلغنا أن الأعمش قال (بمصرخي)، فكسره، وهذه لحن لم نسمع بها من أحدٍ من العرب، ولا أهل النحو».
[معجم القراءات: 4/475]
الزجاج:
قال: «وقرأ حمزة والأعشى كذا ! (بمصرخي) بكسر الياء، وهذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلا وجه ضعيف ذكره بعض النحويين، وذلك أن ياء الإضافة إذا لم يكن قبلها ساكن حركت إلى الفتح، تقول: هذا غلامي قد جاء،...
ويجوز إسكان الياء لثقل الياء التي قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء ساكن حركت إلى الفتح لا غير؛ لأن أصلها أن تحرك ولا ساكن قبلها، وإذا كان قبلها ساكن صارت حركتها لازمة لالتقاء الساكنين.
ومن أجاز (بمصرخي) بالكسر لزمه أن يقول: هذه عصاي أتوكأ عليها.
وأجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء الساكنين الكسر، وأنشد: رجز للأغلب العجلي:
= قال لها هل لك ياتافي =
= قالت له ما أنت بالمرضي =
وهذا الشعر مما لا يلتفت إليه، وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب كذا، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عز وجل»..
أبو جعفر النحاس:
«... قد صار هذا بإجماعٍ لا يجوز، وإن كان الفراء قد نقض هذا وأنشد....
ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله عز وجل على الشذوذ».
[معجم القراءات: 4/476]
الزمخشري:
«.. وهي ضعيفة، واستشهدوا لها ببيت مجهول...، وكأنه قدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء ساكنة فحركها بالكسر لما عليه أصل التقاء الساكنين، ولكنه غير صحيح؛ لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة...».
رد كلام النحويين:
الطوسي:
«قال أبو علي: قال الفراء في كتابه في التصريف:
قرأ به الأعمش ويحيى بن وثاب قال: وزعم القاسم بن معن أنه صواب، وكان ثقة بصيرًا، وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياءً...».
ابن الأنباري:
على أن كسرة ياء المتكلم لغة لبعض العرب، حكاه أبو علي قطرب».
القشيري النص من القرطبي:
قال «الذي يغني عن هذا أي عن خبر قطرب أن ما يثبت بالتواتر عن النبي فلا يجوز أن يقال فيه: هو خطأ، أو قبيح، أو رديء، بل هو في القرآن فصيح، وفيه ما هو أفصح منه، فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ به حمزة أفصح».
الشهاب الخفاجي:
«وقد طعن في هذه القراءة الزجاج رحمه الله، واستضعفها تبعًا للفراء، وتبعه الزمخشري، والمصنف أي البيضاوي رحمه الله والإمام، وهو وهم منهم فإنها قراءة متواترة عن السلف والخلف،
[معجم القراءات: 4/477]
فلا يجوز أن يقال إنها خطأ أو قبيحة، وقد وجهت بأنها لغة بني يربوع كما نقله قطرب وأبو عمرو ونحاة الكوفة، فإنهم يكسرون ياء المتكلم إذا كان قبلها ياء أخرى، ويوصلونها بياء كعلى ولدي، وقد يكتفون بالكسرة.....».
وتعقب الزمخشري وغيره إلى أن قال: «فقد علمت من هذا صحة هذه القراءة، وأنها لغة فصيحة، وقد تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بدء الوحي فلا وجه لإنكارها..».
أبو حيان الأندلسي:
ذكر أبو حيان طعن النحاة في هذه القراءة، وختم ذلك بحديث الزمخشري، ثم شرع يرد عليه ما ذهب إليه في هذه القراءة قال:
«أما قوله: «واستشهدوا لها ببيت مجهول».
قد ذكره غيره أنه للأغلب العجلي، وهي لغة باقية في أفواه كثير من الناس إلى اليوم يقول القائل:
«ما في أفعل كذا، بكسر الياء.
وأما التقدير الذي قال فهو توجيه الفراء، ذكره عنه الزجاج.
وأما قوله: «لأن ياء الإضافة» إلخ قد روي سكون الياء بعد الألف، قرأ بذلك القراء نحو: «محياي».
وما ذهب إليه كثير من النحاة لا ينبغي أن يلتفت إليه، واقتفى آثارهم فيها الخلف فلا يجوز أن يقال فيها: إنها خطأ، أو قبيحة أو رديئة، وقد نقل جماعة من أهل اللغة أنها لغة، لكنه قل استعماله، ونص قطرب على أنها لغة في بني يربوع.
[معجم القراءات: 4/478]
وقال القاسم بن معن، وهو من رؤساء النحويين الكوفيين، هي صواب، وسأل حسين الجعفي أبا عمرو بن العلاء وذكر تلحين أهل النحو، فقال: «هي جائزة».
وقال أيضًا أي أبو عمرو: لا تبال إلى أسفل حركتها أو إلى فوق»، وعنه أنه قال: «هي بالخفض حسنة»، وعنه أيضًا أنه قال: «هي جائزة، وليست عند الإعراب بذلك».
ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم على أبي عمرو وتحسينها، فأبو عمرو إمام نحو وإمام قراءة وعربي صريح، وقد أجازها وحسنها...».
وقرأ يعقوب في الوقف بهاء السكت (بمصرخيه).
وقراءة الجماعة {بمصرخي} بسكون الياء.
{أَشْرَكْتُمُونِ}
قرأ (أشركتموني) بإثبات الياء في الحالين يعقوب وابن شنبوذ عن قنبل وسهل.
وقرأ (اشركتموني) بإثبات الياء في الوصل أبو عمرو وإسماعيل عن نافع وقتيبة عن الكسائي وأبو جعفر وابن جماز واليزيدي والحسن.
وقراءة الباقين «أشركتمون» بحذف الياء في الحالين وهو الموافق للرسم.
وهي رواية المسيبي وورش وغيرهما عن نافع).[معجم القراءات: 4/479]
قوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("وعن" الحسن "وأدخل الذين" برفع اللام مضارعا). [إتحاف فضلاء البشر: 2/168]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا}
قراءة الجمهور {وأدخل...} ماضية مبنيًا للمفعول، وهو معطوف على {برزوا}.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد (وأدخل...) بهمزة المتكلم، مضارع «أدخل»، والفاعل الله، قالوا: هو على الاستقبال والاستئناف.
والنص عند ابن خالويه: (وأدخلوا الذين آمنوا) برفع اللام الحسن وعمرو بن عبيد، وقال ابن خالويه: هي ألف المخبر عن نفسه: «أدخل أنا».
وهو تحريف ونبه المحقق لهذا فقال: الصواب: وأدخل.
وقرئ «وأدخل... دخل» أي أدخل الله، وهي مروية عن أبي البرهسم وكرداب).[معجم القراءات: 4/480]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين