العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة يوسف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:35 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم}
بدؤه أيضا بأوعيتهم تمكين للحيلة، وإبعاد لظهور أنها حيلة. وقرأ جمهور الناس: "وعاء" بكسر الواو، وقرأ الحسن: "وعاء" بضمها، وقرأ ابن جبير: "إعاء" بهمزة بدل الواو، وهذا شائع في الواو المكسورة، وهو أكثر في المضمومة، وقد جاء من المفتوحة أحد في وحد.
وأضاف الله تعالى الكيد إلى ضميره لما أخرج القدر الذي أباح به ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتياد الناس كيد. وقال السدي، والضحاك: "كدنا" معناه: صنعنا. ودين الملك فسره ابن عباس رضي الله عنهما بسلطانه، وفسره قتادة بالقضاء والحكم. وهذا متقارب، والاستثناء في هذه الآية حكاية حال، التقدير: "إلا أن شاء الله ما وقع من هذه الحيلة"، ويحتمل أن يقدر أنه تسنن لما قرر النفي.
وقرأ الجمهور: "نرفع" على ضمير المعظم، و"نشاء" كذلك، وقرأ الحسن، وعيسى، ويعقوب بالياء، أي: الله تعالى، وقرأ أبو عمرو، ونافع، وأهل المدينة: "درجات من" بإضافة "الدرجات" إلى "من"، وقرأ عاصم، وابن محيصن: "درجات
[المحرر الوجيز: 5/123]
من" بتنوين الدرجات، وقرأ الجمهور: "وفوق كل ذي علم". وقرأ ابن مسعود: "وفوق كل ذي عالم"، والمعنى أن البشر في العلم درجات، فكل عالم فلا بد من أعلم منه، فإما من البشر، وإما الله عز وجل، وأما على قراءة ابن مسعود فقيل: "ذي" زائدة، وقيل: "عالم" مصدر كالباطل.
وروي أن المفتش كان إذا فرغ من رحل رجل فلم يجد فيه شيئا استغفر الله عز وجل تائبا من فعله ذلك. وظاهر كلام قتادة وغيره أن المستغفر كان يوسف؛ لأنه كان يفتشهم ويعلم أين الصواع، حتى فرغ منهم وانتهى إلى رحل بنيامين فقال: ما أظن هذا الفتى رضي بهذا، ولا أخذ شيئا، فقال له إخوته: والله لا نبرح حتى تفتشه فهو أطيب لنفسك ونفوسنا، ففتش حينئذ فأخرج السقاية، وهذا التفتيش من يوسف يقتضي أن المؤذن إنما سرقهم برأيه، وإما أن يقال: جميع ذلك كان بأمر الله تعالى، ويقوي ذلك قوله:
[المحرر الوجيز: 5/124]
"كدنا"، وكيف لا يكون برأي يوسف وهو مضطر في محاولته إلى أن يلزمهم حكم السرقة ليتم له أخذ أخيه.
والضمير في قوله: "استخرجها" عائد على السقاية، ويحتمل أن يعود على السرقة.
وروي أن إخوة يوسف لما رأوا ذلك قالوا: يا بنيامين بن راحيل، قبحك الله، ولدت أمك أخوين لصين، كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يديه إلى السماء وقال: والله ما فعلت، فقالوا له: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم.
وما ذكرناه من المعنى في قوله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} هو قول الحسن وقتادة، وقد روي عن ابن عباس، وروي أيضا عنه رضي الله عنه أنه حدث يوما بحديث عجيب، فتعجب منه رجل ممن حضر وقال: "الحمد لله وفوق كل ذي علم عليم"، فقال ابن عباس: "بئس ما قلت، إنما العليم لله، وهو فوق كل ذي علم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبين هذا وبين قول الحسن فرق). [المحرر الوجيز: 5/125]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون}
الضمير في "قالوا" لإخوة يوسف، والأخ الذي أشاروا إليه هو يوسف، ونكروه تحقيرا للأمر؛ إذ كان مما لا علم للحاضرين به، ثم ألصقوه ببنيامين إذ كان شقيقه. ويحتمل قولهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} تأويلين:
أحدهما: أنهم حققوا السرقة في جانب بنيامين ويوسف عليهما السلام بحسب ظاهر الحكم، فكأنهم قالوا: إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل؛ لأن أخاه يوسف كان قد سرق، فهذا من الإخوة إنحاء على ابني راحيل: يوسف وبنيامين.
والوجه الآخر الذي يحتمله لفظهم يتضمن أن السرقة في جانب يوسف وبنيامين مظنونة، كأنهم قالوا: إن كان هذا الذي رمي به بنيامين حقا في نفسه فالذي رمي به يوسف قبل حق إذا، وكأن قصة يوسف والظن به قوي عندهم أقوى مما ظهر في جهة بنيامين.
وقال بعض المفسرين: "التقدير: فقد قيل عن يوسف إنه سرق"، ونحو هذا من القول الذي لا ينطبق معناه على لفظ الآية.
[المحرر الوجيز: 5/125]
وهذه الأقوال منهم عليهم السلام إنما كانت بحسب الظاهر وموجب الحكم في النازلين، فلم يعنوا في غيبة ليوسف، وإنما قصدوا الإخبار بأمر جرى لتزول بعض المعرة عنهم ويختص بها هذان الشقيقان.
وأما ما روي في سرقة يوسف فثلاثة وجوه: الجمهور منها على أن عمته كانت ربته، فلما شب أراد يعقوب أخذه منها، فولعت به وأشفقت من فراقه، فأخذت منطقة إسحاق -وكانت متوارثة عندهم- فنطقته بها من تحت ثيابه، ثم صاحت وقالت: إني قد فقدت المنطقة ويوسف قد خرج بها، ففتش فوجدت عنده، فاسترقته -حسبما كان في شرعهم- وبقي عندها حتى ماتت فصار عند أبيه، وقال ابن إدريس عن أبيه: إنما أكل بنو يعقوب طعاما فأخذ يوسف عرقا فخبأه فرموه لذلك بالسرقة، وقال سعيد بن جبير، وقتادة: إنما أمرته أمه أن يسرق صنما لأبيها، فسرقه وكسره، وكان ذلك -منها ومنه- تغييرا للمنكر، وفي كتاب الزجاج أنه كان صنم ذهب.
والضمير في قوله: {فأسرها} عائد يراد به الحزازة التي حدثت في نفس يوسف من قولهم، والكلام يتضمنها، وهذا كما تضمن الكلام الضمير الذي في قول حاتم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وهذا كقوله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} فهو مراد بها الحالة المتحصلة من هذه الأفعال المذكورة في الآية.
وقال قوم: أسر المجازاة، وقال قوم: أسر الحجة. وما قدمناه أليق. وقرأ ابن أبي عبلة: "فأسره يوسف " بضمير تذكير.
[المحرر الوجيز: 5/126]
وقوله: {أنتم شر مكانا} الآية. الظاهر منه أنه قالها إفصاحا، فكأنه أسر لهم كراهية مقالتهم ثم وبخهم بقوله: {أنتم شر مكانا} أي لسوء أفعالكم، والله يعلم إن كان ما وصفتموه حقا، وفي اللفظ إشارة إلى تكذيبهم، ومما يقوي هذا عندي أنهم تركوا الشفاعة بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة بالشيخ عليه السلام، وقالت فرقة -وهو ظاهر كلام ابن عباس رضي الله عنهما-: لم يقل يوسف هذا الكلام إلا في نفسه، وإنما هو تفسير للذي أسر في نفسه، أي: هذه المقالة هي التي أسر، فكأن المراد: قال في نفسه: "أنتم".
وذكر الطبري هنا قصصا اختصاره أنه لما استخرجت السقاية من رحل بنيامين قال إخوته: يا بني راحيل، ألا يزال البلاء ينالنا من جهتكم؟! فقال بنيامين: بل بنو راحيل ينالهم البلاء منكم: ذهبتم بأخي فأهلكتموه، ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم، فقالوا: لا تذكر الدراهم وإلا أخذنا بها، ثم دخلوا على يوسف فأخذ الصواع فنقره فطن، فقال: إنه يخبر أنكم ذهبتم بأخ لكم فبعتموه، فسجد بنيامين وقال: أيها العزيز، سل صواعك هذا يخبرك بالحق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونحو هذا من القصص الذي آثرنا اختصاره، وروي أن روبيل غضب ووقف شعره حتى خرج من ثيابه، فأمر يوسف بنيا له فمسه فسكن غضبه، فقال روبيل: لقد مسني أحد من ولد يعقوب، ثم إنهم تشاوروا في محاربة يوسف -وكانوا أهل قوة لا يدانون في ذلك- فلما أحس يوسف بذلك قام إلى روبيل فلببه وصرعه، فرأوا من قوته ما استعظموه عند ذلك، وقالوا: أيها العزيز). [المحرر الوجيز: 5/127]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين}
[المحرر الوجيز: 5/127]
خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته، على ما روي في ذلك. وقولهم: {فخذ أحدنا مكانه} يحتمل أن يكون مجازا وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر ليسترق بدل من أحكمت السنة رقه، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله: "اقتلني ولا تفعل كذا وكذا"، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكن تبالغ في استنزاله، وعلى هذا يتجه قول يوسف: "معاذ الله" لأنه تعوذ من غير جائز، ويحتمل أن يكون قولهم: {فخذ أحدنا مكانه} حقيقة، وبعيد عليهم -وهم أنبياء- أن يريدوا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة، أي: خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه، ويعرف يعقوب جلية الأمر، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك؛ إذ الحمالة في الحدود ونحوها بمعنى إحضار المضمون جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا -على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة- فلا يجوز ذلك إجماعا، وفي "الواضحة" أن الحمالة بالوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس.
وقولهم: {إنا نراك من المحسنين} يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوه من إحسانه في جميع أفعاله معهم ومع غيرهم، ويحتمل أن يريدوا: إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا، وهذا تأويل ابن إسحاق). [المحرر الوجيز: 5/128]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"معاذ" نصب على المصدر، ولا يجوز إظهار الفعل معه، والظلم في قوله: "لظالمون" على حقيقته؛ إذ هو وضع الشيء في غير موضعه، وذكر الطبري أنه روي أن يوسف لما أيأسهم بلفظه هذا قال لهم: إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك ألا تموت حتى ترى ولدك يوسف، ليعلم أن في أرض مصر صديقين مثله).[المحرر الوجيز: 5/128]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:25 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظّالمين}
وهكذا كانت شريعة إبراهيم: أنّ السّارق يدفع إلى المسروق منه. وهذا هو الّذي أراد يوسف، عليه السّلام؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، أي فتّشها قبله، توريةً، {ثمّ استخرجها من وعاء أخيه} فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم وإلزامًا لهم بما يعتقدونه؛ ولهذا قال تعالى: {كذلك كدنا ليوسف} وهذا من الكيد المحبوب المراد الّذي يحبّه اللّه ويرضاه، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.
وقوله: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} أي: لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر، قاله الضّحّاك وغيره.
وإنّما قيّض اللّه له أن التزم له إخوته بما التزموه، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم؛ ولهذا مدحه تعالى فقال: {نرفع درجاتٍ من نشاء} كما قال تعالى: {يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجاتٍ واللّه بما تعملون خبيرٌ} [المجادلة: 11].
{وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} قال الحسن البصريّ: ليس عالمٌ إلّا فوقه عالمٌ، حتّى ينتهي إلى اللّه عزّ وجلّ. وكذا روى عبد الرّزّاق، عن سفيان الثّوريّ، عن عبد الأعلى الثّعلبيّ، عن سعيد بن جبير قال كنّا عند ابن عبّاسٍ فتحدّث بحديثٍ عجيبٍ، فتعجّب رجلٌ فقال: الحمد للّه فوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ [فقال ابن عبّاسٍ: بئس ما قلت، اللّه العليم، وهو فوق كلّ عالمٍ] وكذا روى سماكٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، واللّه فوق كلّ عالمٍ. وهكذا قال عكرمة.
وقال قتادة: {وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} حتّى ينتهي العلم إلى اللّه، منه بدئ وتعلّمت العلماء، وإليه يعود، وفي قراءة عبد اللّه "وفوق كلّ عالمٍ عليمٌ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 401-402]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون (77)}
وقال إخوة يوسف لمّا رأوا الصّواع قد أخرج من متاع بنيامين: {إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل} يتنصّلون إلى العزيز من التّشبّه به، ويذكرون أنّ هذا فعل كما فعل أخٌ له من قبل، يعنون به يوسف، عليه السّلام.
قال سعيد بن جبيرٍ، عن قتادة كان يوسف قد سرق صنمًا لجدّه، أبي أمّه، فكسره.
وقال محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني، أنّ عمّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختباها ممّن وليها كان له سلما لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمّته، فكان منها وإليها، فلم يحب أحدٌ شيئًا من الأشياء حبّها إيّاه، حتّى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ وقعت نفس يعقوب عليه فأتاها، فقال: يا أخيّه سلّمى إليّ يوسف، فواللّه ما أقدر على أن يغيب عنّي ساعةً. قالت: فواللّه ما أنا بتاركته. ثمّ قالت: فدعه عندي أيّامًا أنظر إليه وأسكن عنه، لعلّ ذلك يسلّيني عنه -أو كما قالت. فلمّا خرج من عندها يعقوب، عمدت إلى منطقة إسحاق، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثمّ قالت: فقدت منطقة إسحاق، عليه السّلام، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست ثمّ قالت: اكشفوا أهل البيت. فكشفوهم فوجدوها مع يوسف. فقالت: واللّه إنّه لي لسلمٌ، أصنع فيه ما شئت. فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر. فقال لها: أنت وذاك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتّى ماتت. قال: فهو الّذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: {إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل}.
وقوله: {فأسرّها يوسف في نفسه} يعني: الكلمة الّتي بعدها، وهي قوله: {أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون} أي: تذكرون. قال هذا في نفسه، ولم يبده لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذّكر، وهو كثيرٌ، كقول الشّاعر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبرٍ = وحسن فعلٍ كما يجزى سنمّار
وله شواهد كثيرةٌ في القرآن والحديث واللّغة، في منثورها وأخبارها وأشعارها.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فأسرّها يوسف في نفسه} قال: أسر في نفسه: {أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 402-403]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين (78) قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنّا إذًا لظالمون (79)}
لمّا تعيّن أخذ بنيامين وتقرّر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترقّقون له ويعطّفونه عليهم، ف {قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا} يعنون: وهو يحبّه حبًّا شديدًا ويتسلّى به عن ولده الّذي فقده، {فخذ أحدنا مكانه} أي: بدله، يكون عندك عوضًا عنه، {إنّا نراك من المحسنين} أي: من العادلين المنصفين القابلين للخير). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 403]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} أي: كما قلتم واعترفتم، {إنّا إذًا لظالمون} [أي] إن أخذنا بريئًا بسقيمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 403]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة