العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذٍ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا لّيروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
العامل في {إذا} على قول جمهور النحاة ـ وهو الذي يقتضيه القياس ـ فعلٌ مضمرٌ يقتضيه المعنى، وتقديره: يحشرون إذا، أو يجازون، ونحو هذا، ويمتنع أن يعمل فيه {زلزلت}؛ لأنّ معنى الشرط لا يفارقها، وقد تقدّمت نظائرها في غير سورةٍ.
و(زلزلت) معناه: حرّكت بعنفٍ، ومنه الزّلزال.
وقوله تعالى: {زلزالها} أبلغ من قوله: (زلزالًا) دون إضافةٍ إليها؛ وذلك أنّ المصدر غير مضافٍ يقع على كلّ قدرٍ من الزّلزال، وإن قلّ، وإذا أضيف إليها وجب أن يكون على قدر ما يستحقّه، ويستوحيه جرمها وعظمها. وهذا كما تقول: (أكرمت زيدًا كرامةً) فذلك يقع على كلّ كرامةٍ وإن قلّت بحسب (زيدٍ)، فإذا قلت: (كرامته) أوجبت أنّك قد وفّيته حقّه.
وقرأ الجمهور: {زلزالها} ـ بكسر الزاي الأولى ـ وقرأ بفتحها عاصمٌ الجحدريّ، وهو أيضًا مصدرٌ كالوسواس ونحوه). [المحرر الوجيز: 8/ 666-667]

تفسير قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الأثقال): الموتى الذين في بطنها. قاله ابن عبّاسٍ، وهذه إشارةٌ إلى البعث، وقال قومٌ من المفسّرين - منهم منذر بن سعيدٍ والزّجّاج والنقّاش -: أخرجت موادّها وكنوزها.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: وليست القيامة بموطنٍ لإخراج الكنوز، وإنما تخرج كنوزها وقت الدّجّال). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقول الإنسان: {ما لها} هو قولٌ على معنى التعجّب من هول ما يرى.
قال جمهور المفسّرين: الإنسان هنا يراد به الكافر، وهذا متمكّنٌ؛ لأنه يرى ما لم يظنّ به قطّ ولا صدّقه.
وقال بعض المتأوّلين: هو عامٌّ في المؤمن والكافر؛ فالكافر على ما قدّمناه، والمؤمن - وإن كان قد آمن بالبعث - فإنه استهول المرئيّ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
«ليس الخبر كالمعاينة» ). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(إخبار الأرض) قال ابن مسعودٍ والثّوريّ وغيرهما:
«هو شهادتها بما عمل عليها من عملٍ صالحٍ وفاسدٍ، فالتحديث - على هذا - حقيقةٌ، وكلامٌ بإدراكٍ، وحياةٌ يخلقها اللّه تعالى».
وأضاف تعالى الأخبار إليها من حيث وعتها وحصّلتها. وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى: {تحدّث أخبارها} أنّ قول المحدّث: (حدّثنا، وأخبرنا) سواءٌ. وقال الطبريّ وقومٌ:
«التحديث في الآية مجازٌ»، والمعنى: أن ما تفعله بأمر اللّه تعالى من إخراج أثقالها، وتفتّت أجزائها، وسائر أحوالها، هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها، ويؤيّد القول الأوّل قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنٌّ ولا إنس ولا شيءٌ إلاّ شهد له يوم القيامة».
وقرأ عبد الله بن مسعودٍ: (تنبئ أخبارها)، وقرأ سعيد بن جبيرٍ: (تبيّن) ). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {بأنّ ربّك أوحى لها}: الباء باء السبب، وقال ابن عبّاسٍ، وابن زيدٍ، والقرطبيّ:
«المعنى: أوحى إليها». وهذا الوحي -على هذا التأويل– يحتمل أن يكون وحي إلهامٍ، ويحتمل أن يكون وحيًا برسولٍ من الملائكة، وقد قال الشاعر:
أوحى لها القرار فاستقرّت وشدّها بالرّاسيات الثّبّت
والوحي في كلام العرب: إلقاء المعنى إلقاءً خفيًّا، وقال بعض المتأوّلين: {أوحى لها} معناه: أوحى إلى ملائكته المقرّبين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال، وقوله تعالى: {لها} بمعنى: من أجلها، ومن حيث الأفعال فيها فهي لها). [المحرر الوجيز: 8/ 668]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يصدر النّاس أشتاتاً} بمعنى: ينصرفون من موضع وردهم مختلفي الأحوال. وواحد الأشتات: شتٌّ، فقال جمهور الناس: الورد هو الكون في الأرض بالموت والدّفن، والصّدر هو القيام للبعث، و{أشتاتًا} معناه: قومٌ مؤمنون، وقومٌ كافرون، وقومٌ عصاةٌ مؤمنون، والكلّ سائرٌ إلى العرض ليرى عمله، ويقف عليه، وقال النّقّاش: الورد هو المحشر، والصّدر أشتاتاً هو صدر قومٍ إلى الجنّة، وقومٍ إلى النار.
وقوله تعالى: {ليروا أعمالهم}: إمّا أن يكون معناه: جزاء أعمالهم، يراه أهل الجنّة بالنّعيم، وأهل النار بالعذاب، وإمّا أن يكون قوله تعالى: {ليروا أعمالهم} متعلّقاً بقوله سبحانه: {بأنّ ربّك أوحى لها}.
ويكون قوله تعالى: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا} اعتراضًا بين أثناء الكلام.
وقرأ جمهور الناس: {ليروا} ـ بضمّ الياء ـ على بناء الفعل للمفعول.
وقرأ الحسن، والأعرج، وقتادة، وحمّاد بن سلمة، والزّهريّ، وأبو حيوة: (ليروا) ـ بفتح الياء ـ على بنائه للفاعل). [المحرر الوجيز: 8/ 668-669]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر اللّه تعالى أنه من عمل عملًا رآه، قليلًا كان أو كثيرًا، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل، وهذا هو الذي يسمّيه أهل الكلام مفهوم الخطاب، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكمٍ واحدٍ، ومنه قوله تعالى: {ولا تقل لهما أفٍّ}. وهذا كثيرٌ.
وقال بعض الناس وبعض المفسّرين: رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة، وذلك لازمٌ من لفظ السورة وسردها، فيرى الخير كلّه من كان مؤمنًا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرًا؛ لأنّ خيره قد عجّل له في دنياه، وكذلك المؤمن أيضًا تعجّل له سيّئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها، فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين مثقال ذرّةٍ من خيرٍ أو شرٍّ رآه، فيخرج من ذلك ألاّ يرى الكافر خيرًا في الآخرة.
ومنه حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللّه، أرأيت ما كان يفعل عبد اللّه بن جدعان من البرّ، وصلة الرّحم، وإطعام الطعام، أله في ذلك أجرٌ؟ فقال:
«لا، إنّه لم يقل قطّ: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين».
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّي هذه الآية: الجامعة الفاذّة. وقد نصّ على ذلك حين سئل عن الحمر... الحديث.
وأعطى سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه سائلًا تمرتين، فقبض السائل يده، فقال له سعدٌ: ما هذا؟! إنّ اللّه تعالى قبل مثاقيل الذّرّ.
وفعلت نحو هذا عائشة رضي اللّه عنها في حبّة عنبٍ.
وسمع هذه الآية صعصعة بن عقالٍ التّميميّ عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:
«حسبي، لا أبالي أن أسمع غيرها».
وسمعها رجلٌ عند الحسن فقال:
«انتهت الموعظة». فقال الحسن: «فقه الرجل».
وقرأ هشامٌ، عن ابن عامرٍ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (يره) ـ بسكون الهاء ـ في الأولى والآخرة، وقرأ ابن كثيرٍ، وحمزة، والكسائيّ، ونافعٌ - فيما روى عنه ورشٌ - والحلوانيّ، عن قالون عنه في الأولى: {يره}، وأما الآخرة فهو سكون وقفٍ. وأمّا من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفّف، ومنه قول الشاعر:
ومطواي مشتاقان له أرقان
وهذه لغةٌ لم يحكها سيبويه، لكن حكاها الأخفش، وقرأ أبو عمرٍو وحده بضمّ الهاء فيهما مشبعتان، وقرأ أبانٌ عن عاصمٍ، وابن عبّاسٍ، وأبو حيوة، وحميد بن الرّبيع، عن الكسائيّ: (يره) ـ بضمّ الياء ـ وهي رؤية بصرٍ، بمعنى: يجعله يدركه ببصره، والمعنى: يرى ثوابه وجزاءه؛ لأنّ الأعمال الماضية لا ترى بعينٍ أبدًا، وهذا الفعل كلّه من (رأيت) بمعنى أدركت ببصري، فتعدّيه إنما هو إلى مفعولٍ واحدٍ.
وقرأ عكرمة: (خيرًا يراه)، و(شرًّا يراه). وقال النقّاش: ليست برؤية بصرٍ، وإنما المعنى: يصيبه ويناله.
ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكرٍ رضي اللّه عنه يأكل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فترك أبو بكرٍ رضي اللّه عنه الأكل وبكى، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«يا أبا بكرٍ، ما يبكيك؟». قال: يا رسول اللّه، أو أسأل عن مثاقيل الذّرّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أبا بكرٍ، ما رأيت في الدّنيا ممّا تكره فمثاقيل ذرّ الشّرّ، ويدّخر اللّه لك مثاقيل ذرّ الخير».
و(الذّرّة) نملةٌ صغيرةٌ حمراء رقيقةٌ، لا يرجح بها ميزانٌ، ويقال: إنها تجري إذا مضى لها حولٌ، وقد تؤوّل ذلك في قول امرئ القيس:
من القاصرات الطّرف لو دبّ محولٌ ....... من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا
وحكى النّقّاش أنهم قالوا: «كان بالمدينة رجلان؛ أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها، وكان الآخر يريد أن يتصدّق فلا يجد إلا اليسير فيستحي من الصدقة، فنزلت الآية فيهما، كأنه يقال لأحدهما: تصدّق باليسير؛ فإنّ مثقال ذرة الخير ترى. وقيل للآخر: كفّ عن الصغائر؛ فإنّ مقادير ذرّ الشرّ ترى»). [المحرر الوجيز: 8/ 669-671]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
{إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذٍ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا لّيروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
قال ابن عبّاسٍ: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}. أي: تحرّكت من أسفلها). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 460]

تفسير قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأخرجت الأرض أثقالها}. يعني: ألقت ما فيها من الموتى، قاله غير واحدٍ من السّلف.
وهذه كقوله تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ}.
وكقوله: {وإذا الأرض مدّت * وألقت ما فيها وتخلّت}.
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، حدّثنا محمد بن فضيلٍ، عن أبيه، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذّهب والفضّة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت. ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي. ويجيء السّارق فيقول: في هذا قطعت يدي. ثمّ يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً
» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 460]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقال الإنسان ما لها}، أي: استنكر أمرها بعدما كانت قارّةً ساكنةً ثابتةً، وهو مستقرٌّ على ظهرها. أي: تقلّبت الحال فصارت متحرّكةً مضطربةً، قد جاءها من أمر اللّه ما قد أعدّ لها من الزّلزال الذي لا محيد لها عنه، ثمّ ألقت ما في بطنها من الأموات من الأوّلين والآخرين، وحينئذٍ استنكر النّاس أمرها، وتبدّلت الأرض غير الأرض والسّماوات، وبرزوا للّه الواحد القهّار). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 460]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}، أي: تحدّث بما عمل العاملون على ظهرها.
قال الإمام أحمد: حدّثنا إبراهيم، حدّثنا ابن المبارك، وقال التّرمذيّ وأبو عبد الرحمن النّسائيّ- واللّفظ له-: حدّثنا سويد بن نصرٍ، أخبرنا عبد اللّه -هو ابن المبارك- عن سعيد بن أبي أيّوب، عن يحيى بن أبي سليمان، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}، قال:
«أتدرون ما أخبارها؟». قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبدٍ وأمةٍ بما عمل على ظهرها؛ أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. فهذه أخبارها».
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وفي معجم الطّبرانيّ من حديث ابن لهيعة: حدّثني الحارث بن يزيد، سمع ربيعة الجرشيّ، أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«تحفّظوا من الأرض؛ فإنّها أمّكم، وإنّه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شرًّا إلاّ وهي مخبرةٌ» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 460-461]

تفسير قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بأنّ ربّك أوحى لها}، قال البخاريّ:
«أوحى لها، وأوحى إليها، ووحى لها، ووحى إليها- واحدٌ. وكذا قال ابن عبّاسٍ: أوحى لها. أي: أوحى إليها. والظّاهر أنّ هذا مضمّنٌ: أذن لها».
وقال شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}. قال:
«قال لها ربّها: قولي. فقالت». وقال مجاهدٌ: «أوحى لها. أي: أمرها». وقال القرظيّ: «أمرها أن تنشقّ عنهم»). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 461]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتاً}. أي: يرجعون عن موقف الحساب، {أشتاتاً}. أي: أنواعاً وأصنافاً ما بين شقيٍّ وسعيدٍ، ومأمورٍ به إلى الجنّة ومأمورٍ به إلى النّار.
قال ابن جريجٍ:
«يتصدّعون أشتاتاً فلا يجتمعون؛ آخر ما عليهم».
وقال السّدّيّ: {أشتاتاً}: فرقاً.
وقوله: {ليروا أعمالهم}. أي: ليعملوا ويجازوا بما عملوه في الدّنيا من خيرٍ وشرٍّ. ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 461]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
قال البخاريّ: حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، حدّثني مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«الخيل لثلاثةٍ: لرجلٍ أجرٌ، ولرجلٍ سترٌ، وعلى رجلٍ وزرٌ؛ فأمّا الّذي له أجرٌ فرجلٌ ربطها في سبيل اللّه فأطال طيلها في مرجٍ أو روضةٍ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والرّوضة كان له حسناتٍ، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسناتٍ له، ولو أنّها مرّت بنهرٍ فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسناتٍ له، وهي لذلك الرّجل أجرٌ. ورجلٌ ربطها تغنّياً وتعفّفاً، ولم ينس حقّ اللّه في رقابها ولا ظهورها، فهي له سترٌ. ورجلٌ ربطها فخراً و رياءً و نواءً فهي على ذلك وزرٌ».
فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحمر، فقال:
«ما أنزل اللّه فيها شيئاً إلاّ هذه الآية الفاذّة الجامعة: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}».
ورواه مسلمٌ من حديث زيد بن أسلم به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازمٍ، حدّثنا الحسن، عن صعصعة بن معاوية عمّ الفرزدق، أنّه أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ عليه: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}. قال: حسبي، لا أبالي أن لا أسمع غيرها.
وهكذا رواه النّسائيّ في التفسير، عن إبراهيم بن يونس بن محمدٍ المؤدّب، عن أبيه، عن جرير بن حازمٍ، عن الحسن البصريّ قال: حدّثنا صعصعة عمّ الفرزدق.. فذكره.
وفي صحيح البخاريّ عن عديٍّ مرفوعاً:
«اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيّبةٍ».
وفي الصحيح:
«لاتحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسطٌ».
وفي الصحيح أيضاً:
«يا نساء المؤمنات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها، ولو فرسن شاةٍ». يعني: ظلفها. وفي الحديث الآخر:«ردّوا السّائل ولو بظلفٍ محرقٍ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، حدّثنا كثير بن زيدٍ، عن المطّلب بن عبد اللّه، عن عائشة أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«يا عائشة، استتري من النّار ولو بشقّ تمرةٍ؛ فإنّها تسدّ من الجائع مسدّها من الشّبعان». تفرّد به أحمد.
وروي عن عائشة أنّها تصدّقت بعنبةٍ، وقالت: كم فيها من مثقال ذرّةٍ.
وقال أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا سعيد بن مسلمٍ، سمعت عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، حدّثني عوف بن الحارث بن الطّفيل، أنّ عائشة أخبرته أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول:
«يا عائشة، إيّاك ومحقّرات الذّنوب؛ فإنّ لها من اللّه طالباً».
ورواه النّسائيّ وابن ماجه من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني أبو الخطّاب الحسّانيّ، حدّثنا الهيثم بن الرّبيع، حدّثنا سماك بن عطيّة، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أنسٍ قال: كان أبو بكرٍ يأكل مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فنزلت هذه الآية: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
فرفع أبو بكرٍ يده، وقال: يا رسول اللّه، إنّي أجزى بما عملت من مثقال ذرّةٍ من شرٍّ؟! فقال:
«يا أبا بكرٍ، مارأيت في الدّنيا ممّا تكره فبمثاقيل ذرّ الشّرّ، ويدّخر اللّه لك مثاقيل ذرّ الخير حتّى توفّاه يوم القيامة».
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي الخطّاب به.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا أيّوب، قال: في كتاب أبي قلابة عن أبي إدريس، أنّ أبا بكرٍ كان يأكل مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره.
ورواه أيضاً عن يعقوب، عن ابن عليّة، عن أيّوب، عن قلابة، أنّ أبا بكرٍ.. وذكره.
طريقٌ أخرى، قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني حييّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أنّه قال: لمّا نزلت: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}. وأبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه قاعدٌ؛ فبكى حين أنزلت؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«ما يبكيك يا أبا بكرٍ؟» قال: تبكيني هذه السّورة.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لولا أنّكم تخطئون وتذنبون فيغفر اللّه لكم، لخلق اللّه أمّةً يخطئون ويذنبون فيغفر لهم».
حديثٌ آخر، قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة وعليّ بن عبد الرحمن بن المغيرة المعروف بعلاّن المصريّ، قالا: حدّثنا عمرو بن خالدٍ الحرّانيّ، حدّثنا ابن لهيعة، أخبرني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: لمّا نزلت: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
قلت: يا رسول اللّه، إنّي لراءٍ عملي؟ قال: «نعم». قلت: تلك الكبار الكبار. قال: «نعم». قلت: الصّغار الصّغار؟ قال: «نعم». قلت: وا ثكل أمّي! قال:
«أبشر يا أبا سعيدٍ؛ فإنّ الحسنة بعشر أمثالها –يعني: إلى سبعمائة ضعفٍ، ويضاعف اللّه لمن يشاء- والسيّئة بمثلها أو يغفر اللّه، ولن ينجو أحدٌ منكم بعمله». قلت: ولا أنت يا رسول اللّه، قال: «ولا أنا، إلاّ أن يتغمّدني اللّه برحمته». قال أبو زرعة: لم يرو هذا غير ابن لهيعة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
وذلك لمّا نزلت هذه الآية: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}. كان المسلمون يرون أنّهم لا يؤجرون على الشّيء القليل إذا أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم، فيستقلّون أن يعطوه التّمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك، فيردّونه ويقولون: ما هذا بشيءٍ، إنّما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبّه.
وكان آخرون يرون أنّهم لا يلامون على الذّنب اليسير: الكذبة والنّظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون: إنّما وعد اللّه النّار على الكبائر. فرغّبهم في القليل من الخير أن يعملوه؛ فإنّه يوشك أن يكثر، وحذّرهم اليسير من الشّرّ؛ فإنّه يوشك أن يكثر؛ فنزلت: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ}. يعني: وزن أصغر النّمل، {خيراً يره}. يعني: في كتابه، ويسرّه ذلك.
قال: يكتب لكلّ برٍّ وفاجرٍ بكلّ سيّئةٍ سيّئةٌ واحدةٌ، وبكلّ حسنةٍ عشر حسناتٍ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف اللّه حسنات المؤمنين أيضاً بكلّ واحدةٍ عشراً، ويمحو عنه بكلّ حسنةٍ عشر سيّئاتٍ، فمن زادت حسناته على سيّئاته مثقال ذرّةٍ دخل الجنّة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عمران، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إيّاكم ومحقّرات الذّنوب؛ فإنّهنّ يجتمعن على الرّجل حتّى يهلكنه». وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب لهنّ مثلاً كمثل قومٍ نزلوا أرض فلاةٍ، فحضر صنيع القوم، فجعل الرّجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرّجل يجيء بالعود حتّى جمعوا سواداً وأجّجوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 461-464]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة