العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً (2) إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً (3) إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً (4) إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً (5) عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيراً (6)
هل في كلام العرب قد يجيء بمعنى «قد». حكاه سيبويه. لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحيانا. فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى «قد»، والإنسان يراد به آدم عليه السلام، و «الحين»: هي المدة التي بقي طينا قبل أن ينفخ فيه الروح أي أنه شيء ولم يكن مذكورا منوها به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل لم يكن شيئاً ولا مذكوراً، وقال أكثر المتأولين: هل تقرير، و «الإنسان» اسم الجنس، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر حينٌ من الدّهر عظيم لم يكن هو فيه شيئاً مذكوراً، أي لم يكن موجودا، وقد يسمى الموجود شيئاً فهو مذكور بهذا الوجه، و «الحين» هنا: المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الأيمان، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حينا، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة، وقال بعضهم: ستة أشهر، والقوي في هذا أن «الإنسان» اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته). [المحرر الوجيز: 8/ 485-486]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّا خلقنا الإنسان هو هنا اسم الجنس بلا خلاف. لأن آدم لم يخلق من نطفةٍ، وأمشاجٍ معناه أخلاط واحدها مشج بفتح الميم والشين قاله ابن السكيت وغيره، وقيل: مشج مثل عدلوأعدال، وقيل: مشيج مثل شريف وأشراف، واختلف في المقصود من الخلط، فقيل هو أمشاجٍ ماء الرجل بماء المرأة، وأسند الطبري حديثا وهو أيضا في بعض المصنفات «إن عظام ابن آدم وعصبة من ماء الرجل، ولحمه وشحمه من ماء المرأة». وقيل هو اختلاط أمر الجنين بالنقلة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى غير ذلك. فهو أمر مختلط، وقيل هو اختلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء فيه، ونبتليه معناه نختبره بالإيجاد والكون في الدنيا هو حال من الضمير في خلقنا كأنه قال: مختبرين له بذلك، وقوله تعالى: فجعلناه عطف جملة تعم على جملة تعم، وقال بعض النحويين إنما المعنى فنبتليه جعلناه سميعاً بصيراً، ثم ترتب اللفظ موجزا متداخلا كأنه قال نبتليه فلذلك جعلناه، والابتلاء على هذا إنما هو بالإسماع والإبصار لا بالإيجاب وليس نبتليه حالا). [المحرر الوجيز: 8/ 486]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّا هديناه السّبيل يحتمل أن يريد السّبيل العامة للمؤمن والكافر فذلك يختلق الحواس وموهبة الفطرة ونصب الصنعة الدالة على الصانع، ف هديناه على هذا بمعنى أرشدناه كما يرشد الإنسان إلى الطريق ويوقف عليه، ويحتمل أن يريد السّبيل اسم الجنس، أي هدى المؤمن لإيمانه والكافر لكفره ف هديناه على هذا معناه أريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والإيمان، وقوله تعالى: إمّا شاكراً وإمّا كفوراً. حالان وقسمتهما إمّا، قال أبو عمرو الداني: وقرأ أبو العاج «إما شاكرا وإما كفورا» وأبو العاج كثير بن عبد الله السلمي شامي ولى البصرة لهشام بن عبد الملك). [المحرر الوجيز: 8/ 486-487]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأعتدنا معناه أعددناه، وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «سلاسلا» بالصرف وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما لا يصرف إلا أفعل وهي لغة الشعراء. ثم كثر حتى جرى في كلامهم، وقد علل بعبة وهي أنه لما كان هذا الضرب من الجموع يجمع لشبه الآحاد فصرف، وذلك من شبه الآحاد موجود في قولهم صواحب وصاحبات وفي قول الشاعر [الفرزدق]: [الكامل]
... ... ... ... = ... ... نواكسي الأبصار
بالياء جمع نواكس، وهذا الإجراء في «سلاسلا وقواريرا» أثبت في مصحف ابن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: «سلاسل»، على ترك الصرف في الوقف والوصل، وهي قراءة طلحة وعمرو بن عبيد، وقرأ أبو عمرو وحمزة فيما روي عنهما: «سلاسل» في الوصل و «سلاسلا» دون تنوين في الوقف، ورواه هشام عن ابن عامر لأن العرب من يقول رأيت عمرا يقف بألف، وأيضا فالوقوف، بالألف «سلاسلا» اتباع لخط المصحف). [المحرر الوجيز: 8/ 487-488]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«الأبرار» جمع بار كشاهد وأشهاد، وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر، ولا يرضون الشر، و «الكأس»: ما فيه نبيذ ونحوه مما يشرب به، قال ابن كيسان: ولا يقال الكأس إلا لما فيه نبيذ ونحوه، ولا يقال ظعينة إلا إذا كان عليها امرأة ولا مائدة إلا وعليها طعام وإلا فهي خوان. والمزاج: ما يمزج به الخمر ونحوها، وهي أيضا مزاج له لأنهما تمازجا مزاجا، قال بعض الناس: «المزاج» نفس الكافور، وقال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك، وقال الفراء: يقال إنه في الجنة عين تسمى كافوراً. وقال بعض المتأولين إنما أراد كافوراً في النكهة والعرف كما تقول إذا مزجت طعاما هذا الطعام مسك). [المحرر الوجيز: 8/ 488]

تفسير قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: عيناً هو بدل من قوله كافوراً، وقيل هو مفعول بقوله يشربون، أي يشربون ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور، وقيل نصب عيناً على المدح أو بإضمار أعني، وقوله يشرب بها بمنزلة يشربها. فالباء زائدة، وقال الهذلي:
شربن بماء البحر ... ... = ... ... ... ...
أي شربن ماء البحر، وقرأ ابن أبي عبلة: «يشربها عباد الله»، وعباد اللّه هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده، ويفجّرونها معناه يبثقونها بعود قصب ونحوه حيث شاؤوا، فهي تجري عند كل أحد منهم، هكذا ورد الأثر، وقال الثعلبي: وقيل هي عين في دار النبي صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين، وهذا قول حسن). [المحرر الوجيز: 8/ 488-489]

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يوفون بالنّذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً (7) ويطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً (8) إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً (9) إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً (10) فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً (11) وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً (12) متّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً (13)
وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا يوفون بالنّذر، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهدا. يقال وفى الرجل وأوفى، و «اليوم» المشار إليه يوم القيامة، ومستطيراً معناه متصلا شائعا كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة. وبه شبه في القلب، ومن ذلك قول الأعشى: [المتقارب]
فبانت وقد أسأرت في الفؤاد = صدعا على نأيها مستطيرا
وقول ذي الرمة: [الوافر]
أراد الظاعنون لحيزنوني = فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا
). [المحرر الوجيز: 8/ 489-490]

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: على حبّه يحتمل أن يعود الضمير على الطعام، أي وهو محبوب للفاقة والحاجة.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد. ويحتمل أن يعود على الله تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله أبو سليمان الدراني. والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس. وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر.
وقال الحسين بن الفضل: الضمير عائد على الإطعام، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف، و «المسكين» الطواف المتكشف في السؤال، و «اليتيم» الصبي الذي لا أب له من الناس. والذي لا أم له من البهائم وهي صفة قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد حلم». و «الأسير» معروف. فقال قتادة: أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام، وقال الحسن: ما كان أسراهم إلا مشركين، لأن كل كبد رطبة ففيها أجر. وقال بعض العلماء: هذا إما نسخ بآية السيف وإما أنه محكم لتحفظ حياة الأسير إلى أن يرى الإمام فيه ما يرى، وقال مجاهد وابن جبير وعطاء: أراد المسجونين من الناس. ولهذا يحض على صدقة السجن، فهذا تشبيه، ومن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول. وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون. وقال: أراد أسرى المسلمين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا في طلب الفداء، وقال أبو حمزة الثمالي: الأسير هنا المرأة، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم»). [المحرر الوجيز: 8/ 490-491]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّما نطعمكم لوجه اللّه المعنى يقولون لهم عند الإطعام، وهذا إما أن يكون المطعم يقول ذلك نصا فحكي ذلك. وإما أن يكون ذلك مما يقال في الأنفس وبالنية فمدح بذلك، هذا هو تأويل ابن مجاهد وابن جبير، وقرأ أبو عمرو في رواية عباس بجزم الميم من «نطعمكم»، قال أبو علي أسكن تخفيفا، و «الشكور»: مصدر الشكر). [المحرر الوجيز: 8/ 491]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ووصف اليوم بعبوس هو على التجوز، كما تقول ليل نائم أي فيه نوم، و «القمطرير» والقماطر: هو في معنى العبوس والارتداد، تقول اقمطر الرجل إذا جمع ما بين عينيه غضبا، ومنه قول الشاعر [القرطبي]: [الطويل]
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا = عليكم إذا ما كان يوم قماطر
وقال الآخر:
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها = ولج بها اليوم العبوس القماطر
وقال ابن عباس: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه مثل القطران. وعبر ابن عباس عن «القمطرير» بالطويل. وعبر عنه ابن الكلبي بالشديد، وذلك كله قريب في المعنى). [المحرر الوجيز: 8/ 491-492]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:42 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:42 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا (1) إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2) إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا (3)}
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنّه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر لحقارته وضعفه، فقال: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}؟). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 285]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بين ذلك فقال: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ} أي: أخلاطٍ. والمشج والمشيج: الشّيء الخليط، بعضه في بعضٍ.
قال ابن عبّاسٍ في قوله: {من نطفةٍ أمشاجٍ} يعني: ماء الرّجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثمّ ينتقل بعد من طورٍ إلى طورٍ، وحالٍ إلى حالٍ، ولونٍ إلى لونٍ. وهكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، والحسن، والرّبيع بن أنسٍ: الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
وقوله: {نبتليه} أي: نختبره، كقوله: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملا} [الملك: 2]. {فجعلناه سميعًا بصيرًا} أي: جعلنا له سمعًا وبصرًا يتمكّن بهما من الطّاعة والمعصية). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 285-286]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّا هديناه السّبيل} أي: بيّنّاه له ووضّحناه وبصّرناه به، كقوله: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} [فصّلت: 17]، وكقوله: {وهديناه النّجدين} [البلد: 10]، أي: بيّنّا له طريق الخير وطريق الشّرّ. وهذا قول عكرمة، وعطيّة، وابن زيدٍ، ومجاهدٍ -في المشهور عنه-والجمهور.
وروي عن مجاهدٍ، وأبي صالحٍ، والضّحّاك، والسّدّيّ أنّهم قالوا في قوله: {إنّا هديناه السّبيل} يعني خروجه من الرّحم. وهذا قولٌ غريبٌ، والصّحيح المشهور الأوّل.
وقوله: {إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا} منصوبٌ على الحال من "الهاء" في قوله: {إنّا هديناه السّبيل} تقديره: فهو في ذلك إمّا شقيٌّ وإمّا سعيدٌ، كما جاء في الحديث الّذي رواه مسلمٌ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ النّاس يغدو، فبائعٌ نفسه فموبقها أو معتقها". وتقدّم في سورة "الروم" عند قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} [الرّوم: 30] من رواية جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه، فإمّا شاكرًا وإمّا كفورًا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، عن عثمان بن محمّدٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من خارجٍ يخرج إلّا ببابه رايتان: رايةٌ بيد ملك، ورايةٌ بيد شيطان، فإن خرج لما يحبّ الله اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتّى يرجع إلى بيته. وإن خرج لما يسخط اللّه اتّبعه الشّيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشّيطان، حتّى يرجع إلى بيته".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن ابن خثيم، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن جابر بن عبد اللّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة: "أعاذك اللّه من إمارة السّفهاء". قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: "أمراءٌ يكونون من بعدي، لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردون على حوضي. ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّةٌ، والصّدقة تطفئ الخطيئة، والصّلاة قربانٌ -أو قال: برهانٌ-يا كعب بن عجرة، إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نبت من سحت، النّار أولى به. يا كعب، النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائعٌ نفسه فموبقها".
ورواه عن عفّان، عن وهيب، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 286]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرًا (4) إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا (5) عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا (6) يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا (7) ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا (8) إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا (9) إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا (10) فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسرورًا (11) وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريرًا (12)}
يخبر تعالى عمّا أرصده للكافرين من خلقه به من السّلاسل والأغلال والسّعير، وهو اللّهب والحريق في نار جهنّم، كما قال: {إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون * في الحميم ثمّ في النّار يسجرون} [غافر: 71، 72]). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا ذكر ما أعدّه لهؤلاء الأشقياء من السّعير قال بعده: {إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورًا} وقد علم ما في الكافور من التّبريد والرّائحة الطّيّبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللّذاذة في الجنّة.
قال الحسن: برد الكافور في طيب الزّنجبيل؛ ولهذا قال: {عينًا يشرب بها عباد اللّه يفجّرونها تفجيرًا} أي: هذا الّذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عينٌ يشرب بها المقرّبون من عباد اللّه صرفًا بلا مزجٍ ويروون بها؛ ولهذا ضمّن يشرب "يروى" حتّى عدّاه بالباء، ونصب {عينًا} على التّمييز.
قال بعضهم: هذا الشّراب في طيبه كالكافور. وقال بعضهم: هو من عينٍ كافورٍ. وقال بعضهم: يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يشرب} حكى هذه الأقوال الثّلاثة ابن جريرٍ.
وقوله: {يفجّرونها تفجيرًا} أي: يتصرّفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالّهم.
والتّفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]. وقال: {وفجّرنا خلالهما نهرًا} [الكهف: 33].
وقال مجاهدٌ: {يفجّرونها تفجيرًا} يقودونها حيث شاؤوا، وكذا قال عكرمة، وقتادة. وقال الثّوريّ: يصرفونها حيث شاؤوا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287]

تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوفون بالنّذر ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا} أي: يتعبّدون للّه فيما أوجبه عليهم من [فعل] الطّاعات الواجبة بأصل الشّرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.
قال الإمام مالكٌ، عن طلحة بن عبد الملك الأيليّ، عن القاسم بن مالكٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه"، رواه البخاريّ من حديث مالكٍ.
ويتركون المحرّمات الّتي نهاهم عنها خيفةً من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الّذي شره مستطيرٌ، أي: منتشرٌ عامٌّ على النّاس إلّا من رحم اللّه.
قال ابن عبّاسٍ: فاشيًا. وقال قتادة: استطار -واللّه-شرّ ذلك اليوم حتّى ملأ السّماوات والأرض.
قال ابن جريرٍ: ومنه قولهم: استطار الصّدع في الزّجاجة واستطال. ومنه قول الأعشى:
فبانت وقد أسأرت في الفؤا = د صدعًا، على نأيها مستطيرًا
يعني: ممتدًّا فاشيًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 287-288]

تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويطعمون الطّعام على حبّه} قيل: على حبّ اللّه تعالى. وجعلوا الضّمير عائدًا إلى اللّه عزّ وجلّ لدلالة السّياق عليه. والأظهر أنّ الضّمير عائدٌ على الطّعام، أي: ويطعمون الطّعام في حال محبّتهم وشهوتهم له، قاله مجاهدٌ، ومقاتلٌ، واختاره ابن جريرٍ، كقوله تعالى: {وآتى المال على حبّه} [البقرة: 177]، وكقوله تعالى: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} [آل عمران: 92].
وروى البيهقيّ، من طريق الأعمش، عن نافعٍ قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبًا -أوّل ما جاء العنب- فأرسلت صفيّة -يعني امرأته- فاشترت عنقودًا بدرهمٍ، فاتّبع الرسول السّائل، فلمّا دخل به قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت عنقودًا فاتّبع الرسول السائل، فلمّا دخل قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. فأرسلت صفيّة إلى السّائل فقالت: واللّه إن عدت لا تصيب منه خيرًا أبدًا. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت به.
وفي الصّحيح: "أفضل الصّدقة أن تصدّق وأنت صحيحٌ، شحيحٌ، تأمل الغنى، وتخشى الفقر" أي: في حال محبّتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا} أمّا المسكين واليتيم، فقد تقدّم بيانهما وصفتهما. وأمّا الأسير: فقال سعيد بن جبيرٍ، والحسن، والضّحّاك: الأسير: من أهل القبلة. وقال ابن عبّاسٍ: كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدرٍ أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدّمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحس، وقتادة.
وقد وصّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديثٍ، حتّى إنّه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وقال عكرمة: هم العبيد -واختاره ابن جريرٍ-لعموم الآية للمسلم والمشرك.
قال مجاهدٌ: هو المحبوس، أي: يطعمون لهؤلاء الطّعام وهم يشتهونه ويحبّونه، قائلين بلسان الحال: {إنّما نطعمكم لوجه اللّه} أي: رجاء ثواب اللّه ورضاه {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} أي: لا نطلب منكم مجازاةً تكافئونا بها ولا أن تشكرونا عند النّاس.
قال مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغبٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/ 288-289]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: إنّما نفعل هذا لعلّ اللّه أن يرحمنا ويتلقّانا بلطفه، في اليوم العبوس القمطرير.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {عبوسًا} ضيّقًا، {قمطريرًا} طويلًا.
وقال عكرمة وغيره، عنه، في قوله: {يومًا عبوسًا قمطريرًا} أي: يعبس الكافر يومئذٍ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران.
وقال مجاهدٌ: {عبوسًا} العابس الشّفتين، {قمطريرًا} قال: تقبيض الوجه بالبسور.
وقال سعيد بن جبيرٍ، وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول، {قمطريرًا} تقليص الجبين وما بين العينين، من الهول.
وقال ابن زيدٍ: العبوس: الشّرّ. والقمطرير: الشّديد.
وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها، وأعلاها وأولاها -قول ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه.
قال ابن جريرٍ: والقمطرير هو: الشّديد؛ يقال: هو يومٌ قمطريرٌ ويومٌ قماطر، ويومٌ عصيب وعصبصب، وقد اقمطرّ اليوم يقمطرّ اقمطرارًا، وذلك أشدّ الأيّام وأطولها في البلاء والشّدّة، ومنه قول بعضهم:
بني عمّنا، هل تذكرون بلاءنا؟ = عليكم إذا ما كان يوم قماطر
). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 289]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة