العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (41) لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون (42)
هذا أمر من الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنفر إلى الغزو فقال بعض الناس هذا أمر عام لجميع المؤمنين تعين به الفرض على الأعيان في تلك المدة، ثم نسخه الله عز وجل، بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً [التوبة: 122]، روي ذلك عن الحسن وعكرمة، وقال جل الناس: بل هذا حض والأمر في نفسه موقوف على فرض الكفاية ولم يقصد بالآية فرضه على الأعيان، وأما قوله خفافاً وثقالًا فنصب على الحال من الضمير في قوله انفروا، ومعنى الخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالعمي ونحوهم فخارج عن هذا.
وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعليّ أن أنفر؟ فقال له نعم، حتى نزلت ليس على الأعمى حرجٌ [النور: 61]، وذكر الناس من معاني الخفة والثقل أشياء لا وجه لتخصيص بعضها دون بعض، بل هي وجوه متفقة، فقيل «الخفيف» الغني «والثقيل» الفقير: قاله مجاهد، وقيل الخفيف الشاب والثقيل الشيخ قاله الحسن وجماعة، وقيل الخفيف النشيط والثقيل الكاسل، قاله ابن عباس وقتادة، وقيل المشغول ومن لا شغل له قاله الحكم بن عيينة وزيد بن علي، وقيل الذي له ضيعة هو الثقيل ومن لا ضيعة له هو الخفيف قاله ابن زيد: وقيل الشجاع هو الخفيف والجبان هو الثقيل حكاه النقاش، وقيل الرجل هو الثقيل والفارس هو الخفيف قاله الأوزاعي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان الوجهان الآخران ينعكسان وقد قيل ذلك ولكنه بحسب وطأتهم على العدو فالشجاع هو الثقيل وكذلك الفارس والجبان هو الخفيف وكذلك الراجل وكذلك ينعكس الفقير والغني فيكون الغني هو الثقيل بمعنى صاحب الشغل ومعنى هذا أن الناس أمروا جملة.
وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة، وقال أبو طلحة: ما أسمع الله عذرا أحدا وخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.
وقال أبو أيوب: ما أجدني أبدا إلا ثقيلا أو خفيفا، وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له يا عم إن الله قد عذرك، فقال يا ابن أخي إنّا قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا، وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص وهو على تابوت صراف وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو فقال له لقد عذرك الله، فقال أتت علينا سورة البعوث انفروا خفافاً وثقالًا، وروي سورة البحوث، وقوله تعالى: بأموالكم وأنفسكم وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفسه عند الله تعالى: فحض على كمال الأوصاف، وقدمت الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز فرتب الأمر كما هو في نفسه، ثم أخبر أن ذلك لهم خير للفوز برضى الله وغلبة العدو ووراثة الأرض، وفي قوله: إن كنتم تعلمون تنبيه وهز للنفوس). [المحرر الوجيز: 4/ 318-320]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: لو كان عرضاً قريباً الآية، ظاهر هذه الآية وما يحفظ من قصة تبوك أن الله لما أمر رسوله بغزو الروم نذب الناس وكان ذلك في شدة من الحر وطيب من الثمار والظلال، فنفر المؤمنون، واعتذر منهم لا محالة فريق لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة، ويدل على ذلك قوله في أول هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض [التوبة: 38]، لأن هذا الخطاب ليس للمنافقين خاصة بل هو عام، واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة، وكانوا بسبيل كسل مفرط وقصد للتخلف وكانت أعذار المؤمنين خفيفة ولكنهم تركوا الأولى من التحامل، فنزل ما سلف من الآيات في عتاب المؤمنين، ثم ابتدأ من هذه الآية ذكر المنافقين وكشف ضمائرهم، فيقول لو كان هذا الغزو لعرض أي لمال وغنيمة تنال قريبا بسفر قاصد يسير لبادروا إليه، لا لوجه الله ولا لظهور كلمته، ولكن بعدت عليهم الشقة في غزو الروم أي المسافة الطويلة، وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا قدم البصرة وكان قد حمل حمالة فعجز عنها، وكان معه ابن له يسمى الأحوص فبادر الأحوص أباه بالقول، فقال إنا من تعلمون وابنا سبيل وجئنا من شقة ونطلب في حق وتنطوننا ويجزيكم الله فتهيأ أبوه ليخطب فقال له يا إياك إني قد كفيتك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يا تنبيه وإياك نهي، وقرأ عيسى ابن عمر «الشّقة» بكسر الشين، وقرأ الأعرج «بعدت» بكسر العين، وحكى أبو حاتم أنها لغة بني تميم في اللفظتين، وقوله: سيحلفون باللّه يريد المنافقين، وهذا إخبار بغيب، وقوله يهلكون أنفسهم يريد عند تخلفهم مجاهرة وكفرهم، فكأنهم يوجبون على أنفسهم الحتم بعذاب الله.
ثم أخبر أن الله الذي هو أعدل الشاهدين يعلم كذبهم وأنهم كانوا يستطيعون الخروج ولكنهم تركوه كفرا ونفاقا، وهذا كله في الجملة لا بتعيين شخص ولو عين لقتل بالشرع، وقرأ الأعمش على جهة التشبيه بواو ضمير الجماعة «لو استطعنا» بضم الواو، ذكره ابن جني، ومثله بقوله تعالى: لقد ابتغوا الفتنة [التوبة: 48] فتمنّوا الموت [البقرة: 94] واشتروا الضّلالة [البقرة 16- 175]).[المحرر الوجيز: 4/ 320-321]

تفسير قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43) لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44)
هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق واستأذنوا دون اعتذار، منهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ورفاعة بن التابوت ومن اتبعهم فقال بعضهم إيذن لي ولا تفتني وقال بعضهم إيذن لنا في الإقامة فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استيفاء منه صلى الله عليه وسلم، وأخذا بالأسهل من الأمور وتوكلا على الله، وقال مجاهد إن بعضهم قال نستأذنه فإن أذن في القعود قعدنا وإلا قعدنا فنزلت الآية في ذلك.
وقالت فرقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن لهم دون أن يؤمر بذلك فعفي عنه ما يلحق من هذا، وقدم له ذكر العفو قبل العتاب إكراما له صلى الله عليه وسلم، وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدع برأيه في قصتين دون أن يؤمر فيهما بشيء.
هذه، وأمر أسارى بدر، فعاتبه الله فيهما، وقالت فرقة بل قوله في هذه الآية عفا اللّه عنك استفتاح كلام، كما تقول أصلحك الله وأعزك الله، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم، ذنب يعفى عنه لأن صورة الاستنفار قبول الإعذار مصروفة إلى اجتهاده، وأما قوله لم أذنت فهي على معنى التقرير، وقوله الّذين صدقوا يريد استئذانك وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك وقوله وتعلم الكاذبين يريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة قد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن، وقال الطبري معناه حتى تعلم الصادقين في أن لهم عذرا والكاذبين في أن لا عذر لهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا التأويل يختلط المتعذرون وقد قدمنا أن فيهم مؤمنين كالمستأذنين وهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر والأول أصوب والله أعلم.
وأدخل الطبري أيضا في تفسير هذه الآية عن قتادة أن هذه الآية نزلت بعدها الآية الأخرى في سورة النور فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم [الآية: 62].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غلط لأن آية النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات، فأباح الله له أن يأذن فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى). [المحرر الوجيز: 4/ 321-323]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله لا يستأذنك الآية، نفي عن المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في التخلف دون عذر كما فعل الصنف المذكور من المنافقين، وقوله أن يجاهدوا يحتمل أن تكون أن في موضع نصب على معنى لا يستأذنون في التخلف كراهية أن يجاهدوا، قال سيبويه ويحتمل أن تكون في موضع خفض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: على معنى لا يحتاجون إلى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا بل يمضون قدما، أي فهم أحرى ألا يستأذنوا في التخلف، ثم أخبر بعلمه تعالى بالمتّقين وفي ذلك تعيير للمنافقين وطعن عليهم بين).[المحرر الوجيز: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون (45) ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين (46) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (47)
هذه الآية تنص على أن المسأذنين إنما هم مخلصون للنفاق، وارتابت قلوبهم معناه شكّت، والريب نحو الشك، ويتردّدون أي يتحيرون لا يتجه لهم هدى، ومن هذه الآية نزع أهل الكلام في حد الشك أنه تردد بين أمرين، والصواب في حده أنه توقف بين أمرين، والتردد في الآية إنما هو في ريب هؤلاء المنافقين إذ كانوا تخطر لهم صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا، وأنه غير صحيح أحيانا، ولم يكونوا شاكين طالبين للحق لأنه كان يتضح لهم لو طلبوه، بل كانوا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كالشاة الحائرة بين الغنمين، وأيضا فبين الشك والريب فرق ما، وحقيقة الريب إنما هو الأمر يستريب به الناظر فيخلط عليه عقيدته فربما أدى إلى شك وحيرة وربما أدى إلى علم ما في النازلة التي هو فيها، ألا ترى أن قول الهذلي: كأني أريته بريب لا يتجه أن يفسر بشك قال الطبري: وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرنا في سورة النور، وأسند عن الحسن وعكرمة أنهما قالا في قول لا يستأذنك الّذين يؤمنون [التوبة: 44] إلى قوله فهم في ريبهم يتردّدون نسختها الآية التي في النور،، إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله [الآية: 62] إلى إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ [النور: 62].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غلط وقد تقدم ذكره). [المحرر الوجيز: 4/ 323-324]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({انفروا خفافًا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (41)}
قال سفيان الثّوريّ، عن أبيه، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح: هذه الآية: {انفروا خفافًا وثقالا} أوّل ما نزل من سورة براءة.
وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرمي أنّه ذكر له أنّ ناسًا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلًا أو كبيرًا، فيقول: إنّي لا آثم، فأنزل اللّه: {انفروا خفافًا وثقالا} الآية.
أمر اللّه تعالى بالنّفير العامّ مع الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، عام غزوة تبوك، لقتال أعداء اللّه من الرّوم الكفرة من أهل الكتاب، وحتّم على المؤمنين في الخروج معه على كلّ حالٍ في المنشط والمكره والعسر واليسر، فقال: {انفروا خفافًا وثقالا}
وقال عليّ بن زيدٍ، عن أنسٍ، عن أبي طلحة: كهولًا وشبابًا ما أسمع اللّه عذر أحدًا، ثمّ خرج إلى الشّام فقاتل حتّى قتل.
وفي روايةٍ: قرأ أبو طلحة سورة براءة، فأتى على هذه الآية: {انفروا خفافًا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه} فقال: أرى ربّنا يستنفرنا شيوخًا وشبابًا جهّزوني يا بنيّ. فقال بنوه: يرحمك اللّه، قد غزوت مع رسول اللّه حتّى مات، ومع أبي بكرٍ حتّى مات، ومع عمر حتّى مات، فنحن نغزو عنك. فأبى، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرةً يدفنوه فيها إلّا بعد تسعة أيّامٍ، فلم يتغيّر، فدفنوه بها
وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وعكرمة وأبي صالحٍ، والحسن البصريّ، وشمر بن عطيّة، ومقاتل بن حيّان، والشّعبيّ وزيد بن أسلم: أنّهم قالوا في تفسير هذه الآية: {انفروا خفافًا وثقالا} قالوا: كهولًا وشبابًا وكذا قال عكرمة والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وغير واحدٍ.
وقال مجاهدٌ: شبابًا وشيوخًا، وأغنياء ومساكين. وكذا قال أبو صالحٍ، وغيره.
وقال الحكم بن عتيبة: مشاغيل وغير مشاغيل.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا} يقول: انفروا نشاطًا وغير نشاطٍ. وكذا قال قتادة.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {انفروا خفافًا وثقالا} قالوا: فإنّ فينا الثّقيل، وذا الحاجة، والضّيعة والشّغل، والمتيسّر به أمرٌ، فأنزل اللّه وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافًا وثقالًا وعلى ما كان منهم.
وقال الحسن بن أبي الحسن البصريّ أيضًا: في العسر واليسر. وهذا كلّه من مقتضيات العموم في الآية، وهذا اختيار ابن جريرٍ.
وقال الإمام أبو عمرٍو الأوزاعيّ: إذا كان النّفير إلى دروب الرّوم نفر النّاس إليها خفافًا وركبانًا، وإذا كان النّفير إلى هذه السّواحل نفروا إليها خفافًا وثقالًا وركبانًا ومشاةً. وهذا تفصيلٌ في المسألة.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ، ومحمّد بن كعبٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ وغيرهم أنّ هذه الآية منسوخةٌ بقوله تعالى: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء اللّه.
وقال السّدّيّ قوله: {انفروا خفافًا وثقالا} يقول: غنيًّا وفقيرًا، وقويًّا وضعيفًا فجاءه رجلٌ يومئذٍ، زعموا أنّه المقداد، وكان عظيمًا سمينًا، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فأبى فنزلت يومئذٍ {انفروا خفافًا وثقالا} فلمّا نزلت هذه الآية اشتدّ على النّاس شأنها فنسخها اللّه، فقال: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله} [التّوبة: 91].
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ قال: شهد أبو أيّوب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدرًا ثمّ لم يتخلّف عن غزاة للمسلمين إلّا وهو في آخرين إلّا عامًا واحدًا قال: وكان أبو أيّوب يقول: قال اللّه: {انفروا خفافًا وثقالا} فلا أجدني إلّا خفيفًا أو ثقيلًا
وقال ابن جريرٍ: حدّثني سعيد بن عمر السّكوني، حدّثنا بقيّة، حدّثنا حريز، حدّثني عبد الرّحمن بن ميسرة، حدّثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقدام بن الأسود فارس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا على تابوتٍ من توابيت الصّيارفة بحمص، وقد فضل عنها من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر اللّه إليك فقال: أتت علينا سورة "البعوث {انفروا خفافًا وثقالا}
وبه قال ابن جريرٍ: حدّثني حيّان بن زيدٍ الشّرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرٍو، وكان واليًا على حمص قبل الأفسوس، إلى الجراجمة فلقيت شيخًا كبيرًا همًّا، وقد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق، على راحلته، فيمن أغار. فأقبلت إليه فقلت: يا عمّ، لقد أعذر اللّه إليك. قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي، استنفرنا اللّه خفافًا وثقالًا إنّه من يحبّه اللّه يبتليه، ثمّ يعيده اللّه فيبقيه وإنّما يبتلي اللّه من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلّا اللّه، عز وجل ثمّ رغّب تعالى في النّفقة في سبيله، وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله، فقال: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} أي: هذا خيرٌ لكم في الدّنيا والآخرة، ولأنّكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنيكم اللّه أموال عدوّكم في الدّنيا، مع ما يدّخر لكم من الكرامة في الآخرة، كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "وتكفّل اللّه للمجاهد في سبيله إن توفّاه أن يدخله الجنّة، أو يردّه إلى منزله نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ"
ولهذا قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عديّ، عن حميدٍ، عن أنسٍ؛ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ: "أسلم". قال: أجدني كارهًا. قال: "أسلم وإن كنت كارهًا" ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 155-158]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون (42)}
يقول تعالى موبّخًا للّذين تخلّفوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، وقعدوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما استأذنوه في ذلك، مظهرين أنّهم ذوو أعذارٍ، ولم يكونوا كذلك، فقال: {لو كان عرضًا قريبًا} قال ابن عبّاسٍ: غنيمةٌ قريبةٌ، {وسفرًا قاصدًا} أي: قريبًا أيضًا، {لاتّبعوك} أي: لكانوا جاءوا معك لذلك، {ولكن بعدت عليهم الشّقّة} أي: المسافة إلى الشّام، {وسيحلفون باللّه} أي: لكم إذا رجعتم إليهم {لو استطعنا لخرجنا معكم} أي: لو لم تكن لنا أعذارٌ لخرجنا معكم، قال اللّه تعالى: {يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 158]

تفسير قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43) لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين (44) إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون (45)}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو حصين بن [يحيى بن] سليمان الرّازيّ حدّثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر عن عونٍ قال: هل سمعتم بمعاتبةٍ أحسن من هذا؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} وكذا قال مورّق العجلي وغيره.
وقال قتادة: عاتبه كما تسمعون، ثمّ أنزل الّتي في سورة النّور، فرخّص له في أن يأذن لهم إن شاء: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النّور: 62] وكذا روي عن عطاءٍ الخراسانيّ.
وقال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية في أناسٍ قالوا: استأذنوا رسول اللّه فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
ولهذا قال تعالى: {حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا} أي: في إبداء الأعذار، {وتعلم الكاذبين} يقول تعالى: هلّا تركتهم لمّا استأذنوك، فلم تأذن لأحدٍ منهم في القعود، لتعلم الصّادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنّهم قد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو [وإن لم تأذن لهم فيه. ولهذا أخبر تعالى أنّه لا يستأذنه في القعود عن الغزو] أحدٌ يؤمن باللّه ورسوله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 158-159]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا أخبر تعالى أنّه لا يستأذنه في القعود عن الغزو] أحدٌ يؤمن باللّه ورسوله، فقال: {لا يستأذنك} أي: في القعود عن الغزو {الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم}؛ لأنّ أولئك يرون الجهاد قربةً، ولمّا ندبهم إليه بادروا وامتثلوا. {واللّه عليمٌ بالمتّقين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 159]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما يستأذنك} أي: في القعود ممّن لا عذر له {الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر} أي: لا يرجون ثواب اللّه في الدّار الآخرة على أعمالهم، {وارتابت قلوبهم} أي: شكّت في صحّة ما جئتهم به، {فهم في ريبهم يتردّدون} أي: يتحيّرون، يقدّمون رجلًا ويؤخّرون أخرى، وليست لهم قدمٌ ثابتةٌ في شيءٍ، فهم قومٌ حيارى هلكى، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 159]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة