العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:18 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:18 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين (1) فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين (2) وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ (3)
براءةٌ رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه الآيات براءة، ويصح أن ترتفع بالابتداء والخبر في قوله: إلى الّذين وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة فتعرفت تعريفا ما، وجاز الإخبار عنها، وقرأ عيسى بن عمر «براءة» بالنصب على تقدير التزموا براءة ففيها معنى الإغراء، وبراءةٌ معناها تخلص وتبرؤ من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض، تقول برئت إليك من كذا، فبرئ الله تعالى ورسوله بهذه الآية إلى الكفار من تلك العهود التي كانت ونقضها الكفار، وقرأ أهل نجران «من الله» بكسر النون من «من»، وهذه الآية حكم من الله عز وجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم أو تحسس من جهتهم نقض، ولما كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لازما لأمته حسن أن يقول عاهدتم قال ابن إسحاق وغيره من العلماء: كانت العرب قد وافقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا عاما على أن لا يصد أحد عن البيت الحرام ونحو ذلك من الموادعات، فنقض ذلك بهذه الآية وأجل لجميعهم أربعة أشهر، فمن كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة الأشهر بلغ به تمامها، ومن كان أمده أكثر من أربعة أشهر أتم له عهده، إلا إن كان ممن تحسس منه نقض فإنه قصر على أربعة أشهر، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة الأشهر «يسيح فيها» في الأرض أي يذهب مسرحا آمنا كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط ومنه قول طرفة بن العبد: [السريع]
لو خفت هذا منك ما نلتني = حتى نرى خيلا أمامي تسيح
وهذا ينبئ عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشعر من الكفار نقضا وتربصا به إلا من الطائفة المستثناة، وقال ابن عباس رضي الله عنه: أول الأشهر الأربعة شوال وحينئذ نزلت الآية، وانقضاؤها عند انسلاخ الأشهر الحرم وهو انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين يوما فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم نزول الآية، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: اعترض هذا بأن الأجل لا يلزم إلا من يوم سمع ويحتمل أن البراءة قد كانت سمعت من أول شوال، ثم كرر إشهارها مع الأذان يوم الحج الأكبر، وقال السدي وغيره: بل أولها يوم الأذان وآخرها العشر من ربيع الآخر، وهي الحرم استعير لها الاسم بهذه الحرمة والأمن الخاص الذي رسمه الله وألزمه فيها، وهي أجل الجميع ممن له عهد وتحسس منه نقض وممن لا عهد له، وقال الضحاك وغيره من العلماء: كان من العرب من لا عهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة، وكان منهم من بينه وبينهم عهد وتحسس منهم النقض وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا، فقوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ هو أجل ضربه لمن كان بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقضه، وأول هذا الأجل يوم الأذان وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر، وقوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين، هو حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة، فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم، وقوله إلى الّذين عاهدتم، يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض، وهم فيما روي بنو ضمرة من كنانة عاهد لهم المخش بن خويلد وكان تبقى من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر: وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: إنما أجل الله أربعة أشهر من كان عهده ينصرم عند انقضائها أو قبله، والمعنى فقل لهم يا محمد سيحوا، وأما من كان له عهد يتمادى بعد الأربعة الأشهر فهم الذين أمر الله لهم بالوفاء، وقوله واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه، معناه واعلموا أنكم لا تغلبون الله ولا تعجزونه هربا من عقابه، ثم أعلمهم بحكمه بخزي الكافرين، وذلك حتم إما في الدنيا وإما في الآخرة. وقوله تعالى: وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس الآية، وأذانٌ معناه إعلام وإشهار، والنّاس هاهنا عام في جميع الخلق، ويوم منصوب على الظرف والعامل فيه أذانٌ وإن كان قد وصف فإن رائحة الفعل باقية، وهي عاملة في الظروف، وقيل لا يجوز ذلك إذ قد وصف المصدر فزالت عنه قوة الفعل، ويصح أن يعمل فيه فعل مضمر تقتضيه الألفاظ، وقيل العامل فيه صفة الأذان وقيل العامل فيه مخزي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بعيد، ويوم الحجّ الأكبر قال عمر وابن عمر وابن المسيب وغيرهم: هو يوم عرفة، وقال به علي، وروي عنه أيضا أنه يوم النحر، وروي ذلك عن أبي هريرة وجماعة غيرهم، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال منذر بن سعيد وغيره: كان الناس يوم عرفة مفترقين إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة وكان الجمع يوم النحر بمنى، فلذلك كانوا يسمونه الحج الأكبر أي من الأصغر الذي هم فيه مفترقون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا زال في حجة أبي بكر لأنه لم يقف أحد بالمزدلفة، وقد ذكر المهدوي أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر، والذي تظاهرت به الأحاديث في هذا المعنى أن عليا رضي الله عنه أذن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر، ثم رأى أنه لم يعلم الناس بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر من يعينه بالأذان بها كأبي هريرة وغيره، وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذي المجاز وغيره، فمن هنا يترجح قول سفيان إن يوم في هذه الآية بمعنى أيام، بسبب ذلك قالت طائفة يوم الحجّ الأكبر عرفة حيث وقع أول الأذان وقالت طائفة أخرى: هو يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان، واحتجوا أيضا بأنه من فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر، فليس يوم عرفة على هذا يوم الحج الأكبر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا حجة في هذا، وقال سفيان بن عيينة: المراد أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل يريد جميع أيامه، وقال مجاهد يوم الحجّ الأكبر أيام منى كلها، ومجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز وعكاظ حين نودي فيهم ألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كما قال عثمان لعمر حين عرض عليه زواج حفصة: إني قد رأيت ألا أتزوج يومي هذا، وكما ذكر سيبويه: تقول لرجل: ما شغلك اليوم؟ وأنت تريد في أيامك هذه، واختلف لم وصف بالأكبر؟ فقال الحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن الحارث بن نوفل لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون وصادف أيضا عيد اليهود والنصارى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف أن يصفه الله في كتابه بالكبر لهذا، وقال الحسن أيضا: إنما سمي أكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو القول الذي يشبه نظر الحسن، وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وإمارة الإسلام بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذت فيه العهود وعز فيه الدين وذل الشرك، ولم يكن ذلك في عام ثمان حين ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عتاب بن أسيد بل كان أمر العرب على أوله، فكل حج بعد حج أبي بكر فمتركب عليه فحقه لهذا أن يسمى أكبر،
وقال عطاء بن أبي رباح وغيره: الحج أكبر بالإضافة إلى الحج الأصغر وهي العمرة،
وقال الشعبي: بالإضافة إلى العمرة في رمضان فإنها الحج الأصغر،
وقال مجاهد: الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد، وهذا ليس من هذه الآية في شيء، وقد تقدم ما ذكره منذر بن سعيد، ويتجه أن يوصف بالأكبر على جهة المدح لا بإضافة إلى أصغر معين، بل يكون المعنى الأكبر من سائر الأيام فتأمله، واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة سنة ثمان، فاستعمل عليها عتاب بن أسيد وقضى أمر حنين والطائف وانصرف إلى المدينة فأقام بها حتى خرج إلى تبوك، ثم انصرف من تبوك في رمضان سنة تسع فأراد الحج ثم نظر في أن المشركين يحجون في تلك السنة ويطوفون عراة فقال لا أريد أن أرى ذلك، فأمر أبا بكر على الحج بالناس وأنفذه، ثم أتبعه علي بن أبي طالب على ناقته العضباء، وأمره أن يؤذن في الناس بأربعة أشياء، وهي: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وفي بعض الروايات ولا يدخل الجنة كافر، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته، وفي بعض الروايات، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله أربعة أشهر يسيح فيها، فإذا انقضت ف أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأقول: إنهم كانوا ينادون بهذا كله، فهذا للذين لهم عهد وتحسس منهم نقضه، والإبقاء إلى المدة لمن لم يخبر منه نقض، وذكر الطبري أن العرب قالت يومئذ: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب، فلام بعضهم بعضا وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش؟
فأسلموا كلهم ولم يسح أحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عليا أن يقرأ على الناس الأربعين آية صدر سورة براءة وقيل ثلاثين، وقيل عشرين، وفي بعض الروايات عشر آيات، وفي بعضها تسع آيات، ذكرها النقاش، وقال سليمان بن موسى الشامي ثمان وعشرون آية، فلحق علي أبا بكر في الطريق فقال له أبو بكر أمير أو مأمور، فقال بل مأمور فنهضا حتى بلغا الموسم، فلما خطب أبو بكر بعرفة: قال: قم يا علي، فأدّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علي ففعل، قال ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة أبي بكر، فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر، وقرأ جمهور الناس «أن الله بريء» بفتح الألف على تقدير بأن الله، وقرأ الحسن والأعرج: «إن الله» بكسر الألف على القطع، إذ الأذان في معنى القول، وقرأ جمهور الناس «ورسوله» بالرفع على الابتداء وحذف الخبر «ورسوله بريء منهم»، هذا هو عند شيخنا الفقيه الأستاذ أبي الحسن بن الباذش رحمه الله معنى العطف على الموضع، أي تؤنس بالجملة الأولى التي هي من ابتداء وخبر فعطفت عليها هذه الجملة، وقيل هو معطوف على موضع المكتوبة قبل دخول «أن» التي لا تغير معنى الابتداء بل تؤكده وإذ قد قرئت بالكسر لأنه لا يعطف على موضع «أن» بالفتح، وانظره فإنه مختلف في جوازه، لأن حكم «أن» رفع حكم الابتداء إلا في هذا الموضع وما أشبهه، وهذا قول أبي العباس وأبي علي رحمهما الله، ومذهب الأستاذ على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه «أن» إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل ولأنه لا فرق بين «أن» وبين ليت ولعل، والإجماع أن لا موضع لما دخلت عليه هذه وقيل عطف على الضمير المرفوع الذي في «بريء»، وحسن ذلك أن المجرور قام مقام التوكيد، كما قامت «لا» في قوله تعالى: ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام: 148] وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر «رسوله» بالنصب عطفا على لفظ المكتوبة، وبهذه الآية امتحن معاوية أبا الأسود حتى وضع النحو إذ جعل قارئا يقرأ بخفض «ورسوله»، والمعنى في هذه الآية بريء من عهودهم وأديانهم براءة عامة تقتضي المحارجة وإعمال السيف، وقوله فإن تبتم أي عن الكفر ووعدهم مع شرط التوبة وتوعدهم مع شرط التولي، وجاز أن تدخل البشارة في المكروه لما جاء مصرحا به مرفوع الاشكال). [المحرر الوجيز: 4/ 252-259]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (4) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (5)
هذا هو الاستثناء الذي تقدم ذكره في المشركين الذين بقي من عهدهم تسعة أشهر وكانوا قد وفوا بالعهد على ما يجب، وقال قتادة: هم قريش الذين عوهدوا زمن الحديبية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مردود بإسلام قريش في الفتح قبل الأذان بهذا كله، وقال ابن عباس: قوله إلى مدّتهم إلى الأربعة الأشهر التي في الآية،
وقرأ الجمهور «ينقصوكم» بالصاد غير منقوطة، وقرأ عطاء بن يسار وعكرمة وابن السميفع «ينقضوكم» بالضاد من النقض وهي متمكنة مع العهد ولكنها قلقة في تعديها إلى الضمير، ويحسن ذلك أن النقض نقض وفاء وحق للمعاهد، وكذلك تعدى «أتموا» ب «إلى» لما كان العهد في معنى ما يؤدى ويبرأ به وكأنهم يقتضون العهد، ويظاهروا معناه يعاونوا، والضمير المعين، وأصله من الظهر كان هذا يسند ظهره إلى الآخر والآخر كذلك وقوله إنّ اللّه يحبّ المتّقين تنبيه على أن الوفاء بالعهد من التقوى). [المحرر الوجيز: 4/ 259-260]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم الآية، الانسلاخ خروج الشيء عن الشيء المتلبس به كانسلاخ الشاة عن الجلد والرجل عن الثياب، ومنه قوله تعالى: نسلخ منه النّهار [يس: 37] فشبه انصرام الأشهر أسمائها وأحكامها من الزمن بذلك، وقد تقدم القول فيمن جعل له انقضاء الأشهر الحرم أجلا وما المعنى ب الأشهر الحرم بما أغنى عن إعادته، وقوله فاقتلوا المشركين، أمر بقتال المشركين فخرج الأمر بذلك بلفظ اقتلوا على جهة التشجيع وتقوية النفس، أي هكذا يكون أمركم معهم، وهذه الآية نسخت كل موادعة في القرآن أو مهادنة وما جرى مجرى ذلك وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية، وقال الضحاك والسدي وعطاء: هذه الآية منسوخة بقوله فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً [محمد: 47] وقالوا لا يجوز قتل أسير البتة صبرا إما أن يمن عليه وإما أن يفادى، وقال قتادة ومجاهد وغيرهما: قوله فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً [محمد: 47] منسوخ بهذه الآية، وقالوا لا يجوز المن على أسير ولا مفاداته، ولا شيء إلا القتل، وقال ابن زيد: هما محكمتان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يفسر أكثر من هذا، وقوله هو الصواب، والآيتان لا يشبه معنى واحدة، معنى الأخرى، وذلك أن هذه الآية قوله فاقتلوا المشركين وخذوهم واحصروهم أفعال إنما تمتثل مع المحارب المرسل المناضل، وليس للأسير فيها ذكر ولا حكم وإذا أخذ الكافر خرج عن درجات هذه الآية وانتقل إلى حكم الآية الأخرى، وتلك الآية لا مدخل فيها لغير الأسير، فقول ابن زيد هو الصواب، وقوله خذوهم معناه الأسر، وقوله كلّ مرصدٍ معناه في مواضع الغرة حيث يرصدون، وقال النابغة: [الطويل]
أعاذل إن الجهل من لذة الفتى = وإن المنايا للنفوس بمرصد
ونصب كلّ على الظرف، وهو اختيار الزجّاج، أو بإسقاط الخافض التقدير في كل مرصد، أو على كل مرصد، وحكى سيبوية ضرب الظهر والبطن،
وقوله تعالى: فإن تابوا يريد من الكفر فهي متضمنة الإيمان، ثم قرن بها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تنبيها على مكان الصلاة والزكاة من الشرع، وقوله فخلّوا سبيلهم تأمين، وقال أنس بن مالك: هذا هو دين الله الذي جاءت به الرسل وهو من آخر ما نزل قبل اختلاف الأهواء، وفيه قال النبيء صلى الله عليه وسلم: «من فارق الدنيا مخلصا لله تعالى مطيعا له لقي الله وهو عنه راض»، ثم وعد بالمغفرة في صيغة الخبر عن أوصافه تعالى). [المحرر الوجيز: 4/ 260-262]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:19 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:19 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين (1) فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين (2) }
هذه السّورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما قال البخاريّ.
حدّثنا [أبو] الوليد، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: آخر آيةٍ نزلت: {يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة} [النّساء: 176] وآخر سورةٍ نزلت براءة.
وإنّما لا يبسمل في أوّلها لأنّ الصّحابة لم يكتبوا البسملة في أوّلها في المصحف الإمام، والاقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه وأرضاه، كما قال التّرمذيّ:
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى بن سعدٍ، ومحمّد بن جعفرٍ وابن أبي عديّ، وسهل بن يوسف قالوا: حدّثنا عوف بن أبي جميلة أخبرني يزيد الفارسيّ، أخبرني ابن عبّاسٍ قال: قلت لعثمان بن عفّان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءةٌ وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} ووضعتموها في السّبع الطّول، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا يأتي عليه الزّمان وهو ينزل عليه السّور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هذه الآيات في السّورة الّتي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلت عليه الآية فيقول: "ضعوا هذه في السّورة الّتي يذكر فيها كذا وكذا"، وكانت الأنفال من أوّل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصّتها شبيهةً بقصّتها وحسبت أنّها منها، وقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يبيّن لنا أنّها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} فوضعتها في السبع الطول.
وكذا رواه أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن حبّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، من طرقٍ أخر، عن عوفٍ الأعرابيّ، به وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
وأوّل هذه السّورة الكريمة نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا رجع من غزوة تبوك وهمّ بالحجّ، ثمّ ذكر أنّ المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، وأنّهم يطوفون بالبيت عراةً فكره مخالطتهم، فبعث أبا بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، أميرًا على الحجّ هذه السّنة، ليقيم للنّاس مناسكهم، ويعلم المشركين ألّا يحجّوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في النّاس ببراءة، فلمّا قفل أتبعه بعليّ بن أبي طالبٍ ليكون مبلّغًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لكونه عصبة له، كما سيأتي بيانه.
فقوله: {براءةٌ من اللّه ورسوله} أي: هذه براءةٌ، أي: تبرّؤٌ من اللّه ورسوله {إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ}
اختلف المفسرون ها هنا اختلافًا كثيرًا، فقال قائلون: هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقّتة، أو من له عهدٌ دون أربعة أشهرٍ، فيكمل له أربعة أشهرٍ، فأمّا من كان له عهدٌ مؤقّت فأجله إلى مدّته، مهما كان؛ لقوله تعالى: {فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين} [التّوبة:4] ولما سيأتي في الحديث: "ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فعهده إلى مدّته". وهذا أحسن الأقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جريرٍ، رحمه اللّه، وروي عن الكلبيّ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وغير واحدٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} قال: حدّ اللّه للّذين عاهدوا رسوله أربعة أشهرٍ، يسيحون في الأرض حيثما شاءوا، وأجّل أجل من ليس له عهدٌ، انسلاخ الأشهر الحرم، [من يوم النّحر إلى انسلاخ المحرّم، فذلك خمسون ليلةً، فإذا انسلخ الأشهر الحرم] أمره بأن يضع السّيف فيمن لا عهد له.
وكذا رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ.
وقال [الضّحّاك] بعد قوله: فذلك خمسون ليلةً: فأمر اللّه نبيّه إذا انسلخ المحرّم أن يضع السّيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهدٌ، يقتلهم حتّى يدخلوا في الإسلام. وأمر ممّن كان له عهدٌ إذا انسلخ أربعة أشهرٍ من يوم النّحر إلى عشرٍ خلون من ربيعٍ الآخر، أن يضع فيهم السّيف حتّى يدخلوا في الإسلام.
وقال أبو معشرٍ المدنيّ: حدّثنا محمّد بن كعبٍ القرظيّ وغيره قالوا: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ أميرًا على الموسم سنة تسعٍ، وبعث عليّ بن أبي طالبٍ بثلاثين آيةً أو أربعين آيةً من "براءة" فقرأها على النّاس، يؤجّل المشركين أربعة أشهرٍ يسيحون في الأرض، فقرأها عليهم يوم عرفة، أجّل المشركين عشرين من ذي الحجّة، والمحرّم، وصفرٍ، وشهر ربيعٍ الأوّل، وعشرًا من ربيعٍ الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، وقال: لا يحجّنّ بعد عامنا هذا مشركٌ، ولا يطوفنّ بالبيت عريان.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {براءةٌ من اللّه ورسوله} إلى أهل العهد: خزاعة، ومدلج، ومن كان له عهدٌ أو غيرهم. أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من تبوك حين فرغ، فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحجّ، ثمّ قال: "إنّما يحضر المشركون فيطوفون عراة، فلا أحبّ أن أحجّ حتّى لا يكون ذلك". فأرسل أبا بكرٍ وعليًّا، رضي اللّه عنهما، فطافا بالنّاس في ذي المجاز وبأمكنتهم الّتي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلّها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهرٍ، فهي الأشهر المتواليات: عشرون من ذي الحجّة إلى عشرٍ يخلون من ربيعٍ الآخر، ثمّ لا عهد لهم، وآذن النّاس كلّهم بالقتال إلّا أن يؤمّنوا.
وهكذا روي عن السّدّيّ: وقتادة.
وقال الزّهريّ: كان ابتداء التّأجيل من شوّالٍ وآخره سلخ المحرّم.
وهذا القول غريبٌ، وكيف يحاسبون بمدّةٍ لم يبلغهم حكمها، وإنّما ظهر لهم أمرها يوم النّحر، حين نادى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، ولهذا قال تعالى: {وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ (3) }). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وأذانٌ من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ (3) }
يقول تعالى: وإعلامٌ {من اللّه ورسوله} وتقدّم وإنذارٌ إلى النّاس، {يوم الحجّ الأكبر} وهو يوم النّحر الّذي هو أفضل أيّام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعًا {أنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله} أي: بريءٌ منهم أيضًا.
ثمّ دعاهم إلى التّوبة إليه فقال: {فإن تبتم} أي: ممّا أنتم فيه من الشّرك والضّلال {فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم} أي: استمررتم على ما أنتم عليه {فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه} بل هو قادرٌ، وأنتم في قبضته، وتحت قهره ومشيئته، {وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ} أي: في الدّنيا بالخزي والنّكال، وفي الآخرة بالمقامع والأغلال.
قال البخاريّ، رحمه اللّه: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، حدّثنا اللّيث، حدّثني عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني حميد بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة قال: بعثني أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، في تلك الحجّة في المؤذّنين، بعثهم يوم النّحر، يؤذّنون بمنى: ألّا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ. قال حميدٌ: ثمّ أردف النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعليّ بن أبي طالبٍ، فأمره أن يؤذّن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليٌّ في أهل منًى يوم النّحر ببراءة وألّا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان
ورواه البخاريّ أيضًا: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ، أخبرني حميد بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة قال: بعثني أبو بكرٍ فيمن يؤذّن يوم النّحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحجّ الأكبر يوم النّحر، وإنّما قيل: "الأكبر"، من أجل قول النّاس: "الحجّ الأصغر"، فنبذ أبو بكرٍ إلى النّاس في ذلك العام، فلم يحجّ عام حجّة الوداع الّذي حجّ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركٌ.
وهذا لفظ البخاريّ في كتاب "الجهاد"
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، في قوله: {براءةٌ من اللّه ورسوله} قال: لمّا كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زمن حنينٍ، اعتمر من الجعرّانة، ثمّ أمر أبا بكرٍ على تلك الحجّة -قال معمرٌ: قال الزّهريّ: وكان أبو هريرة يحدّث أنّ أبا بكرٍ أمر أبا هريرة أن يؤذّن ببراءة في حجّة أبي بكرٍ قال أبو هريرة: ثمّ أتبعنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليًّا، وأمره أن يؤذّن ببراءة، وأبو بكرٍ على الموسم كما هو، أو قال: على هيئته
وهذا السّياق فيه غرابةٌ، من جهة أنّ أمير الحجّ كان سنة عمرة الجعرّانة إنّما هو عتّاب بن أسيدٍ، فأمّا أبو بكرٍ إنّما كان أميرًا سنة تسعٍ.
وقال أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن محرّر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع عليّ بن أبي طالبٍ، حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهل مكّة "ببراءة"، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنّا ننادي: ألّا يدخل الجنّة إلّا مؤمنٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فإنّ أجله -أو أمده -إلى أربعة أشهرٍ، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإنّ اللّه بريءٌ من المشركين ورسوله، ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشركٌ. قال: فكنت أنادي حتّى صحل صوتي
وقال الشّعبيّ: حدّثني محرر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع ابن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينادي، فكان إذا صحل ناديت. قلت: بأيّ شيءٍ كنتم تنادون؟ قال: بأربعٍ: لا يطوف بالكعبة عريانٌ، ومن كان له عهدٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعهده إلى مدّته، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يحجّ بعد عامنا مشركٌ.
رواه ابن جريرٍ من غير ما وجهٍ، عن الشّعبيّ. ورواه شعبة، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، به إلّا أنّه قال: ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ، فعهده إلى أربعة أشهرٍ. وذكر تمام الحديث
قال ابن جريرٍ: وأخشى أن يكون وهمًا من بعض نقلته؛ لأنّ الأخبار متظاهرةٌ في الأجل بخلافه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد، عن سماك، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث ب"براءة" مع أبي بكرٍ، فلمّا بلغ ذا الحليفة قال: "لا يبلّغها إلّا أنا أو رجلٌ من أهل بيتي". فبعث بها مع عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه
ورواه التّرمذيّ في التّفسير، عن بندارٍ، عن عفّان وعبد الصّمد، كلاهما عن حمّاد بن سلمة به ثمّ قال: حسنٌ غريبٌ من حديث أنسٍ، رضي اللّه عنه.
وقال عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا محمّد بن سليمان -لوين -حدّثنا محمّد بن جابرٍ، عن سماكٍ، عن حنش، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: لمّا نزلت عشر آياتٍ من "براءة" على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكّة، ثمّ دعاني فقال أدرك أبا بكرٍ، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم". فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكرٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، نزل فيّ شيءٌ؟ فقال: "لا ولكنّ جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجلٌ منك"
هذا إسنادٌ فيه ضعفٌ.
وليس المراد أنّ أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، رجع من فوره، بل بعد قضائه للمناسك الّتي أمّره عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما جاء مبيّنًا في الرّواية الأخرى.
وقال عبد اللّه أيضًا: حدّثني أبو بكرٍ، حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، عن أسباط بن نصر، عن سماك، عن حنشٍ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم حين بعثه ب"براءة" قال: يا نبيّ اللّه، إنّي لست باللّسن ولا بالخطيب، قال: "ما بدّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت". قال: فإن كان ولا بدّ فسأذهب أنا. قال: "انطلق فإنّ اللّه يثبّت لسانك ويهدي قلبك". قال: ثمّ وضع يده على فيه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع -رجلٌ من همدان -: سألنا عليًّا: بأيّ شيءٍ بعثت؟ يعني: يوم بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع أبي بكرٍ في الحجّة، قال: بعثت بأربعٍ: لا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ومن كان بينه وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فعهده إلى مدّته، ولا يحجّ المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا.
ورواه التّرمذيّ عن قلابة، عن سفيان بن عيينة، به وقال: حسنٌ صحيحٌ.
كذا قال، ورواه شعبة، عن أبي إسحاق فقال: عن زيد بن يثيع وهم فيه. ورواه الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيعٍ، حدّثنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن عليٍّ قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أنزلت "براءة" بأربعٍ: ألّا يطوف بالبيت عريانٌ، ولا يقرب المسجد الحرام مشركٌ بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فهو إلى مدّته، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مؤمنةٌ
ثمّ رواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن عبد الأعلى، عن ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال: أمرت بأربعٍ. فذكره
وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع قال: نزلت براءة فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ، ثمّ أرسل عليًّا، فأخذها منه، فلمّا رجع أبو بكرٍ قال: نزل فيّ شيءٌ؟ قال: " لا ولكن أمرت أن أبلّغها أنا أو رجلٌ من أهل بيتي". فانطلق إلى أهل مكّة، فقام فيهم بأربعٍ: لا يدخل مكّة مشركٌ بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مسلمةٌ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ، فعهده إلى مدته
وقال محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم بن عبّاد بن حنيف، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليٍّ قال: لمّا نزلت "براءة" على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد كان بعث أبا بكرٍ ليقيم الحجّ للنّاس، فقيل: يا رسول اللّه، لو بعثت إلى أبي بكرٍ. فقال: "لا يؤدّي عنّي إلّا رجلٌ من أهل بيتي". ثمّ دعا عليًّا فقال: "اخرج بهذه القصّة من صدر براءة، وأذّن في النّاس يوم النّحر إذا اجتمعوا بمنًى: أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشركٌ، ولا يطف بالبيت عريانٌ، ومن كان له عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فعهده إلى مدّته".
فخرج عليٌّ رضي اللّه عنه، على ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العضباء، حتّى أدرك أبا بكرٍ في الطّريق فلمّا رآه أبو بكرٍ قال: أميرٌ أو مأمورٌ؟ قال بل مأمورٌ، ثمّ مضيا فأقام أبو بكرٍ للنّاس الحجّ، [والعرب] إذ ذاك في تلك السّنة على منازلهم من الحجّ الّتي كانوا عليها في الجاهليّة حتّى إذا كان يوم النّحر، قام عليّ بن أبي طالبٍ فأذّن في النّاس بالّذي أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا أيّها النّاس، إنّه لا يدخل الجنّة كافرٌ، ولا يحجّ بعد العام، ولا يطف بالبيت عريانٌ، ومن كان له عهدٌ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فهو إلى مدّته. فلم يحجّ بعد ذلك العام مشركٌ، ولم يطف بالبيت عريانٌ، ثمّ قدما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فكان هذا من "براءة" فيمن كان من أهل الشّرك من أهل العهد العامّ، وأهل المدّة إلى الأجل المسمّى.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، أخبرنا حيوة بن شريح: أخبرنا أبو صخرٍ: أنّه سمع أبا معاوية البجليّ من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصّهباء البكريّ وهو يقول: سألت عليّ بن أبي طالبٍ عن "يوم الحجّ الأكبر" فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث أبا بكر بن أبي قحافة يقيم للنّاس الحجّ، وبعثني معه بأربعين آيةً من " براءة"، حتّى أتى عرفة فخطب النّاس يوم عرفة، فلمّا قضى خطبته التفت إليّ فقال: قم، يا عليّ، فأدّ رسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقمت فقرأت عليهم أربعين آيةً من "براءة"، ثمّ صدرنا فأتينا منًى، فرميت الجمرة ونحرت البدنة، ثمّ حلقت رأسي، وعلمت أنّ أهل الجمع لم يكونوا حضروا كلّهم خطبة أبي بكرٍ يوم عرفة، فطفت أتتبّع بها الفساطيط أقرؤها عليهم، فمن ثمّ إخال حسبتم أنّه يوم النّحر [ألا وهو يوم النّحر] ألا وهو يوم عرفة
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أبي إسحاق: سألت أبا جحيفة عن يوم الحج الأكبر، قال: يوم عرفة. فقلت: أمن عندك أم من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: كلٌّ في ذلك
وقال عبد الرّزّاق أيضًا، عن جريج، عن عطاءٍ قال: يوم الحجّ الأكبر، يوم عرفة.
وقال عمر بن الوليد الشّنّي: حدّثنا شهاب بن عبّادٍ العصريّ، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: هذا يوم عرفة، هذا يوم الحجّ الأكبر، فلا يصومنّه أحدٌ. قال: فحججت بعد أبي فأتيت المدينة، فسألت عن أفضل أهلها، فقالوا: سعيد بن المسيّب، فأتيته فقلت: إنّي سألت عن أفضل أهل المدينة فقالوا: سعيد بن المسيّب، فأخبرني عن صوم يوم عرفة؟ فقال: أخبرك عمّن هو أفضل منّي مائة ضعفٍ عمر -أو: ابن عمر -كان ينهى عن صومه، ويقول هو يوم الحجّ الأكبر.
رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن الزّبير، ومجاهدٍ، وعكرمة، وطاوسٍ: أنّهم قالوا: يوم عرفة هو يوم الحجّ الأكبر.
وقد ورد فيه حديثٌ مرسلٌ رواه ابن جريج: أخبرت عن محمّد بن قيس بن مخرمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب يوم عرفة، فقال: "هذا يوم الحجّ الأكبر"
وروي من وجهٍ آخر عن ابن جريجٍ، عن محمّد بن قيسٍ، عن المسور بن مخرمة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه خطبهم بعرفاتٍ فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: "أمّا بعد، فإنّ هذا يوم الحجّ الأكبر".
والقول الثّاني: أنّه يوم النّحر.
قال هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: يوم الحجّ الأكبر يوم النّحر.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن الحارث الأعور، سألت عليًّا، رضي اللّه عنه، عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: [هو] يوم النّحر.
وقال شعبة، عن الحكم: سمعت يحيى بن الجزّار يحدّث عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه خرج يوم النّحر على بغلةٍ بيضاء يريد الجبّانة، فجاء رجلٌ فأخذ بلجام دابّته، فسأله عن الحجّ الأكبر، فقال: هو يومك هذا، خل سبيلها.
وقال عبد الرازق، عن سفيان عن شعبة عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عبد اللّه بن أبي أوفى أنّه قال: يوم الحجّ الأكبر يوم النحر.
وروى شعبة وغيره، عن عبد الملك بن عميرٍ، به نحوه. وهكذا رواه هشيمٌ وغيره، عن الشّيبانيّ عن عبد اللّه بن أبي أوفى.
وقال الأعمش، عن عبد اللّه بن سنانٍ قال: خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعيرٍ فقال: هذا يوم الأضحى، وهذا يوم النّحر، وهذا يوم الحجّ الأكبر.
وقال حمّاد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الحجّ الأكبر، يوم النّحر.
وكذا روي عن أبي جحيفة، وسعيد بن جبير، وعبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، ونافع بن جبير بن مطعمٍ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعي، ومجاهدٍ، وعكرمة، وأبي جعفرٍ الباقر، والزّهريّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم أنّهم قالوا: يوم الحجّ الأكبر هو يوم النّحر. واختاره ابن جريرٍ. وقد تقدّم الحديث عن أبي هريرة في صحيح البخاريّ: أنّ أبا بكرٍ بعثهم يوم النّحر يؤذّنون بمنًى، وقد ورد في ذلك أحاديث أخر، كما قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني سهل بن محمّدٍ السّجستانيّ، حدّثنا أبو جابرٍ الحرميّ، حدّثنا هشام بن الغاز الجرشيّ-عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم النّحر عند الجمرات في حجّة الوداع، فقال: "هذا يوم الحجّ الأكبر"
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه من حديث أبي جابرٍ -واسمه محمّد بن عبد الملك، به، ورواه ابن مردويه أيضًا من حديث الوليد بن مسلمٍ، عن هشام بن الغاز، به. ثمّ رواه من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن نافعٍ، به.
وقال شعبة، عن عمرو بن مرّة عن مرّة الهمداني، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ناقةٍ حمراء مخضرمةٍ، فقال: "أتدرون أيّ يومٍ يومكم هذا؟ " قالوا: يوم النّحر. قال: "صدقتم، يوم الحجّ الأكبر"
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن المقدام، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: لمّا كان ذلك اليوم، قعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بعيرٍ له، وأخذ النّاس بخطامه -أو: زمامه -فقال: "أيّ يومٍ هذا؟ " قال: فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه سوى اسمه، فقال: "أليس هذا يوم الحجّ الأكبر"
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وأصله مخرّجٌ في الصّحيح.
وقال أبو الأحوص، عن شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرٍو بن الأحوص، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع، فقال: "أيّ يومٍ هذا؟ " فقالوا: اليوم الحجّ الأكبر
وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال: يوم الحجّ الأكبر اليوم الثّاني من يوم النّحر. رواه ابن أبي حاتمٍ. وقال مجاهدٌ أيضًا: يوم الحجّ الأكبر أيّام الحجّ كلّها.
وكذا قال أبو عبيدٍ، قال سفيان: "يوم الحجّ"، و"يوم الجمل"، و"يوم صفّين" أي: أيّامه كلّها.
وقال سهلٌ السّرّاج: سئل الحسن البصريّ عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: ما لكم وللحجّ الأكبر، ذاك عامٌ حجّ فيه أبو بكرٍ، الّذي استخلفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحجّ بالنّاس. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبو أسامة، عن ابن عونٍ: سألت محمّدًا -يعني ابن سيرين -عن يوم الحجّ الأكبر فقال: كان يومًا وافق فيه حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حجّ أهل الوبر). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 103-110]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إلّا الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئًا ولم يظاهروا عليكم أحدًا فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (4) }
هذا استثناءٌ من ضرب مدّة التّأجيل بأربعة أشهرٍ، لمن له عهدٌ مطلقٌ ليس بمؤقّتٍ، فأجله، أربعة أشهرٍ، يسيح في الأرض، يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء، إلّا من له عهدٌ مؤقّتٌ، فأجله إلى مدّته المضروبة الّتي عوهد عليها، وقد تقدّمت الأحاديث: "ومن كان له عهدٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعهده إلى مدّته" وذلك بشرط ألّا ينقض المعاهد عهده، ولم يظاهر على المسلمين أحدًا، أي: يمالئ عليهم من سواهم، فهذا الّذي يوفّى له بذمّته وعهده إلى مدّته؛ ولهذا حرّض اللّه تعالى على الوفاء بذلك فقال: {إنّ اللّه يحبّ المتّقين} أي: الموفين بعهدهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 110]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (5) }
اختلف المفسّرون في المراد بالأشهر الحرم هاهنا، ما هي؟ فذهب ابن جريرٍ إلى أنّها [الأربعة] المذكورة في قوله تعالى: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} الآية [التّوبة:36]، قاله أبو جعفرٍ الباقر، لكن قال ابن جريرٍ: آخر الأشهر الحرم في حقّهم المحرّم وهذا الّذي ذهب إليه حكاه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، وإليه ذهب الضّحّاك أيضًا، وفيه نظر،
والّذي يظهر من حيث السّياق ما ذهب إليه ابن عبّاسٍ في رواية العوفيّ عنه، وبه قال مجاهدٌ، وعمرو بن شعيبٍ، ومحمّد بن إسحاق، وقتادة، والسّدّيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: أنّ المراد بها أشهر التّسيير الأربعة المنصوص عليها في قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} [التّوبة: 2] ثمّ قال {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} أي: إذا انقضت الأشهر الأربعة الّتي حرّمنا عليكم فيها قتالهم، وأجّلناهم فيها، فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم؛ لأنّ عود العهد على مذكورٍ أولى من مقدّرٍ؛ ثمّ إنّ الأشهر الأربعة المحرّمة سيأتي بيان حكمها في آيةٍ أخرى بعد في هذه السّورة الكريمة.
وقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} أي: من الأرض. وهذا عامٌّ، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [البقرة: 191]
وقوله: {وخذوهم} أي: وأسروهم، إن شئتم قتلًا وإن شئتم أسرًا.
وقوله: {واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} أي: لا تكتفوا بمجرّد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرّصد في طرقهم ومسالكهم حتّى تضيّقوا عليهم الواسع، وتضطرّوهم إلى القتل أو الإسلام؛ ولهذا قال: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
ولهذا اعتمد الصّدّيق، رضي اللّه عنه، في قتال مانعي الزّكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها، حيث حرّمت قتالهم بشرط هذه الأفعال، وهي الدّخول في الإسلام، والقيام بأداء واجباته. ونبّه بأعلاها على أدناها، فإنّ أشرف الأركان بعد الشّهادة الصّلاة، الّتي هي حقّ اللّه، عزّ وجلّ، وبعدها أداء الزّكاة الّتي هي نفعٌ متعدٍّ إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلّقة بالمخلوقين؛ ولهذا كثيرًا ما يقرن اللّه بين الصّلاة والزّكاة، وقد جاء في الصّحيحين عن ابن عمر، رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة" الحديث.
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: أمرتم بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، ومن لم يزكّ فلا صلاة له.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: أبى اللّه أن يقبل الصّلاة إلّا بالزّكاة، وقال: يرحم اللّه أبا بكرٍ، ما كان أفقهه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن إسحاق، أنبأنا عبد اللّه بن المبارك، أنبأنا حميدٌ الطّويل، عن أنسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه، فإذا شهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلّوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم".
ورواه البخاريّ في صحيحه وأهل السّنن إلّا ابن ماجه، من حديث عبد اللّه بن المبارك، به
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا عبد الأعلى بن واصلٍ الأسديّ، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ [عن أنسٍ] قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: "من فارق الدّنيا على الإخلاص للّه وحده، وعبادته لا يشرك به شيئًا، فارقها واللّه عنه راضٍ" -قال: وقال أنسٌ: هو دين اللّه الّذي جاءت به الرّسل وبلّغوه عن ربّهم، قبل هرج الأحاديث، واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب اللّه في آخر ما أنزل، قال اللّه تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم} -قال: توبتهم خلع الأوثان، وعبادة ربّهم، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، ثمّ قال في آيةٍ أخرى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فإخوانكم في الدّين} [التّوبة: 11]
ورواه ابن مردويه.
ورواه محمّد بن نصرٍ المروزيّ في كتاب "الصّلاة" له: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا حكّام بن سلم حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، به سواءً
وهذه الآية الكريمة هي آية السّيف الّتي قال فيها الضّحّاك بن مزاحمٍ: إنّها نسخت كلّ عهدٍ بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين أحدٍ من المشركين، وكلّ عهدٍ، وكلّ مدّةٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: لم يبق لأحدٍ من المشركين عهدٌ ولا ذمّةٌ، منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم، ومدّة من كان له عهدٌ من المشركين قبل أن تنزل أربعة أشهرٍ، من يوم أذّن ببراءة إلى عشرٍ من أوّل شهر ربيعٍ الآخر.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، قال: أمره اللّه تعالى أن يضع السّيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمّى لهم من العقد والميثاق، وأذهب الشّرط الأوّل.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: قال سفيان قال عليّ بن أبي طالبٍ: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأربعة أسيافٍ: سيفٍ في المشركين من العرب قال اللّه: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [وخذوهم]}
هكذا رواه مختصرًا، وأظنّ أنّ السّيف الثّاني هو قتال أهل الكتاب في قوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التّوبة:29] والسّيف الثّالث: قتال المنافقين في قوله: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين [واغلظ عليهم]} [التّوبة: 73، والتّحريم:9] والرّابع: قتال الباغين في قوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه} [الحجرات:9]
ثمّ اختلف المفسّرون في آية السّيف هذه، فقال الضّحّاك والسّدّيّ: هي منسوخةٌ بقوله تعالى: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمّدٍ:4] وقال قتادة بالعكس). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 110-113]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة