العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل اللّه فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرةً ثمّ يغلبون والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون (36)
قال بعض الرواة منهم ابن أبزى وابن جبير والسدي ومجاهد: سبب نزول هذه الآية أن أبا سفيان أنفق في غزوة أحد على الأحابيش وغيرهم أربعين أوقية من الذهب أو نحو هذا، وأن الآية نزلت في ذلك، وقال ابن شهاب ومحمد بن يحيى بن حيان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ إنه لما قتل من قتل ببدر اجتمع أبناؤهم وقرابتهم وقالوا لمن خلص ماله في العير: إن محمدا قد نال منا ما ترون، ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الواقعة، فلعلنا أن ننال منه ثأرا، ففعلوا فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى القولين فإنما أنفق المال في غزوة أحد، فأخبر الله تعالى في هذه الآية خبرا لفظه عام في الكفار، والإشارة به إلى مخصوصين أنهم ينفقون أموالهم يقصدون بذلك الصد عن سبيل الله والدفع في صدر الإسلام، ثم أخبر خبرا يخص المشار إليهم أنهم ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، إذ لا تتم لهم إرادة ويذهب المال باطلا، والحسرة التلهف على الفائت، ويحتمل أن تكون الحسرة في يوم القيامة، والأول أظهر وإن كانت حسرة القيامة راتبة عليهم، ثم أخبر أنهم يغلبون بعد ذلك، بأن تكون الدائرة عليهم، وهذا من إخبار القرآن بالغيوب لأنه أخبر بما يكون قبل أن يكون، فكان كما أخبر، قال ابن سلام: بين الله عز وجل أنهم يغلبون قبل أن يقاتلوا بسنة، حكاه الزهراوي، ثم أخبر تعالى عن الكافرين أنهم يجمعون إلى جهنم، والحشر جمع الناس والبهائم إلى غير ذلك مما يجمع ويحضر، ومنه قوله وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا [الأنعام: 111] ومنه في التفسير: أن السلوى طائر كانت الجنوب تحشره على بني إسرائيل، والقوم الذين جلبهم أبو سفيان وأنفق المال عليهم هم الأحابيش من كنانة، ولهم يقول كعب بن مالك: [الطويل]
وجئنا إلى موج من البحر وسطه = أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن قصية = ثلاث مئين إن كثرن وأربع
وقال الضحاك وغيره: إن هذه الآية نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر الذين كانوا يذبحون يوما عشرا ويوما تسعا من الإبل، وحكى نحو هذا النقاش). [المحرر الوجيز: 4/ 186-187]

تفسير قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعاً فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون (37) قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنّت الأوّلين (38) وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه فإن انتهوا فإنّ اللّه بما يعملون بصيرٌ (39) وإن تولّوا فاعلموا أنّ اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النّصير (40)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر «ليميز» بفتح الياء وكسر الميم، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة بن نصاح وشبل وأبي عبد الرحمن والحسن وعكرمة ومالك بن دينار، تقول مزت الشيء، والعرب تقول مزته فلم يتميز لي، حكاه يعقوب وفي شاذ القراءة وانمازوا اليوم، وأنشد أبو زيد: [البسيط]
لما ثنى الله عني شرّ عدوته = وانمزت لا منشئا ذعرا ولا وجلا
وهو مطاوع ماز، وقرأ حمزة والكسائي «ليميّز» بضم الياء وفتح الميم وشد الياء، وهي قراءة قتادة وطلحة بن مصرف والأعمش والحسن أيضا وعيسى البصري، تقول ميزت أميز إذا فرقت بين شيئين فصاعدا، وفي القرآن تميّز من الغيظ [الملك: 8] فهو مطاوع ميز ومعناه تتفصل، وقال ابن عباس رضي الله عنه والسدي، المعنيّ ب الخبيث الكفار وب الطّيّب المؤمنون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللام على هذا التأويل من قوله ليميز متعلقة ب يحشرون [الأنفال: 36]، والمعنى أن الله يحشر الكافرين إلى جهنم ليميز الكافرين من المؤمنين بأن يجمع الكافرين جميعا فيلقيهم في جهنم، ثم أخبر عنهم أنهم هم الخاسرون أي الذين خابت سعايتهم وتبت أيديهم وصاروا إلى النار، وقال ابن سلام والزجّاج:
المعنيّ ب الخبيث المال الذي أنفقه المشركون في الصد عن سبيل الله، والطّيّب هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللام على هذا التأويل من قوله ليميز متعلقة ب يغلبون [الأنفال: 36]، والمعنى: الكفار ينفقون أموالهم فتكون عليهم حسرة ثم يغلبون مع نفقتها، وذلك ليميز الله الفرق بين الخبيث والطيب فيخذل أهل الخبيث وينصر أهل الطيب، وقوله تعالى على هذا التأويل ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ إلى قوله في جهنّم مترتب على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يخرج من الأموال ما كان صدقة أو قربة يوم القيامة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار، وحكى الزهراوي عن الحسن أن الكفار يعذبون بذلك المال، فهي كقوله فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم [التوبة: 35] وقاله الزجّاج: وعلى التأويلين فقوله ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعاً إنما هي عبارة عن جمع ذلك وضمه وتأليف أشتاته وتكاثفه بالاجتماع، ويركمه في كلام العرب يكثفه، ومنه سحاب مركوم وركام، ومنه قول ذي الرمة: [البسيط]
... ... ... ... = زع بالزمام وجوز الليل مركوم
وقوله ويجعل الخبيث بمعنى يلقي، قاله أبو علي، أولئك هم الخاسرون على هذا التأويل يراد المنافقون من الكفار، ولفظة الخسارة تليق بهم من جهة المال وبغير ذلك من الجهات). [المحرر الوجيز: 4/ 187-189]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله قل للّذين كفروا الآية، أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار هذا المعنى الذي تضمنه ألفاظ قوله إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وسواء قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبارة أو غيرها، ولو كان الكلام كما ذكر الكسائي أنه في مصحف ابن مسعود «قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لكم» لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها، هذا بحسب ما تقتضيه الألفاظ، وقوله إن ينتهوا يريد به عن الكفر ولا بد، والحامل على ذلك جواب الشرط ب يغفر لهم ما قد سلف، ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر، وقوله إن يعودوا يريد به إلى القتال لأن لفظة عاد يعود إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان الإنسان عليها ثم تنقّل عنها.
ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال، ولا يصح أن يتأول وإن يعودوا إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه وإنما قلنا في عاد إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة على الابتداء والخبر بمنزلة صار، وذلك كما تقول عاد زيد ملكا تريد صار، ومنه قول أبي الصلت:
تلك المكارم لا قعبان من لبن = شبيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وهذه لا تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان العائد عليها قبل، لكنها مقيدة بخبرها لا يجوز الاقتصار دونه، فحكمها حكم صار، وقوله فقد مضت سنّت الأوّلين عبارة بجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه وبمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام والشرع، والمعنى فقد رأيتم وسمعتم عن الأمم ما حل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتخويف عليهم بقصة بدر أشد إذ هي القريبة منهم والمعاينة عندهم وعليها نص ابن إسحاق والسدي). [المحرر الوجيز: 4/ 189-190]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ الآية، أمر من الله عز وجل فرض به على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار، و «الفتنة» قال ابن عباس وغيره معناها الشرك، وقال ابن إسحاق: معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كما كانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم كبلال وغيره، وهو مقتضى قول عروة بن الزبير في جوابه لعبد الملك بن مروان حين سأله عن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا، وقوله ويكون الدّين كلّه للّه أي لا يشرك معه صنم ولا وثن ولا يعبد غيره، وقال قتادة حتى تستوسق كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه المعاني تتلازم كلها، وقال الحسن: حتى لا يكون بلاء، وهذا يلزم عليه القتال في فتن المسلمين الفئة الباغية، على سائر ما ذكرناه من الأقوال يكون المعتزل في فسحة، وعلى هذا جاء قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه أما نحن فقد قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وأما أنت وأصحابك فتريدون أن نقاتل حتى تكون فتنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمذهب عمر أن «الفتنة» الشرك في هذه الآية وهو الظاهر، وفسر هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، ومن قال المعنى حتى لا يكون شرك فالآية عنده يريد بها الخصوص فيمن لا يقبل منه جزية، قال ابن سلام: وهي في مشركي العرب، ثم قال الله تعالى: فإن انتهوا أي عن الكفر فإن الله بصير بعملهم مجاز عليه، عنده ثوابه وجميل المعاوضة عليه وقرأ يعقوب بن إسحاق وسلام بن سليمان «بما تعملون» بالتاء أي في قتالكم وجدكم وجلادكم عن دينه). [المحرر الوجيز: 4/ 190-191]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإن تولّوا الآية، معادل لقوله فإن انتهوا، والمعنى فإن انتهوا عن الكفر فالله مجازيهم أو مجازيكم على قراءة «تعملون»، وإن تولوا ولم ينتهوا فاعلموا أن الله ينصركم عليهم، وهذا وعد محض بالنصر والظفر، أي فجدوا، و «المولى» هاهنا الموالي والمعين، والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها، والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين). [المحرر الوجيز: 4/ 191]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل اللّه فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرةً ثمّ يغلبون والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون (36) ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعًا فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون (37)}
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني الزّهريّ، ومحمّد بن يحيى بن حبّان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعيد بن معاذٍ، قالوا: لمّا أصيبت قريشٌ يوم بدرٍ، ورجع فلّهم إلى مكّة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهلٍ وصفوان بن أميّة، في رجالٍ من قريشٍ أصيب آباؤهم، وأبناؤهم وإخوانهم ببدرٍ، فكلّموا أبا سفيان بن حربٍ ومن كانت له في تلك العير من قريشٍ تجارةٌ، فقالوا: يا معشر قريشٍ، إنّ محمّدًا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلّنا أن ندرك منه ثأرًا بمن أصيب منّا! ففعلوا. قال: ففيهم -كما ذكر عن ابن عبّاسٍ -أنزل اللّه، عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم [ليصدّوا عن سبيل الله]} إلى قوله: {والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون}
وهكذا روي عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبير، والحكم بن عتيبة، وقتادة، والسّدّي، وابن أبزى: أنّها نزلت في أبي سفيان ونفقته الأموال في أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الضّحّاك: نزلت في أهل بدرٍ.
وعلى كلّ تقديرٍ، فهي عامّةٌ. وإن كان سبب نزولها خاصًّا، فقد أخبر تعالى أنّ الكفّار ينفقون أموالهم ليصدّوا عن اتّباع طريق الحقّ، فسيفعلون ذلك، ثمّ تذهب أموالهم، {ثمّ تكون عليهم حسرةً} أي: ندامةً؛ حيث لم تجد شيئًا؛ لأنّهم أرادوا إطفاء نور اللّه وظهور كلمتهم على كلمة الحقّ، واللّه متمٌّ نوره ولو كره الكافرون، وناصرٌ دينه، ومعلن كلمته، ومظهرٌ دينه على كلّ دينٍ. فهذا الخزي لهم في الدّنيا، ولهم في الآخرة عذاب النّار، فمن عاش منهم، رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه، ومن قتل منهم أو مات، فإلى الخزي الأبدي والعذاب السّرمديّ؛ ولهذا قال: {فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرةً ثمّ يغلبون والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 53]

تفسير قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب} فيميز أهل السّعادة من أهل الشّقاء وقال السّدّي: يميز المؤمن من الكافر. وهذا يحتمل أن يكون هذا التّمييز في الآخرة، كما قال تعالى: {ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم} [يونس:28]،وقال تعالى {ويوم تقوم السّاعة يومئذٍ يتفرّقون} [الرّوم: 14]، وقال في الآية الأخرى: {يومئذٍ يصّدّعون} [الرّوم43]، وقال تعالى: {وامتازوا اليوم أيّها المجرمون} [يس:59].
ويحتمل أن يكون هذا التّمييز في الدّنيا، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، وتكون "اللّام" معلّلةً لما جعل اللّه للكفّار من مالٍ ينفقون في الصّدّ عن سبيل اللّه، أي: إنّما أقدرناهم على ذلك؛ {ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب} أي: من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنّكول عن ذلك كما قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين وليعلم الّذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتّبعناكم} الآية [آل عمران:166، 167]، وقال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} الآية [آل عمران: 179]، وقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} [آل عمران: 142] ونظيرتها في براءة أيضًا.
فمعنى الآية على هذا: إنّما ابتليناكم بالكفّار يقاتلونكم، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك؛ ليتميّز الخبيث من الطّيّب، فيجعل الخبيث بعضه على بعضٍ، {فيركمه} أي: يجمعه كلّه، وهو جمع الشّيء بعضه على بعضٍ، كما قال تعالى في السّحاب: {ثمّ يجعله ركامًا} [النّور:43] أي: متراكمًا متراكبًا، {فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون} أي: هؤلاء هم الخاسرون في الدّنيا والآخرة).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 54]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنّة الأوّلين (38) وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه فإن انتهوا فإنّ اللّه بما يعملون بصيرٌ (39) وإن تولّوا فاعلموا أنّ اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النّصير (40)}
يقول تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا} أي: عمّا هم فيه من الكفر والمشاقّة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطّاعة والإنابة، يغفر لهم ما قد سلف، أي: من كفرهم، وذنوبهم وخطاياهم، كما جاء في الصّحيح، من حديث أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام، أخذ بالأول والآخر"
وفي الصّحيح أيضًا: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " الإسلام يجبّ ما قبله والتّوبة تجبّ ما كان قبلها".
وقوله: {وإن يعودوا} أي: يستمرّوا على ما هم فيه، {فقد مضت سنّة الأوّلين} أي: فقد مضت سنّتنا في الأوّلين أنّهم إذا كذّبوا واستمرّوا على عنادهم، أنّا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وقوله: {فقد مضت سنّة الأوّلين} أي: في قريشٍ يوم بدرٍ وغيرها من الأمم. وقال السّدّيّ ومحمّد بن إسحاق: أي: يوم بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 54-55]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه} قال البخاريّ: حدّثنا الحسن بن عبد العزيز، حدّثنا عبد اللّه بن يحيى، حدّثنا حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرٍو، عن بكير، عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رجلًا جاءه فقال: يا أبا عبد الرّحمن، ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} الآية [الحجرات:9]، فما يمنعك ألّا تقاتل كما ذكر اللّه في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي، أعيّر بهذه الآية ولا أقاتل، أحبّ إليّ من أن أعيّر بالآية الّتي يقول اللّه، عزّ وجلّ: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} إلى آخر الآية [النّساء:93]، قال: فإنّ اللّه تعالى يقول: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ}؟ قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ كان الإسلام قليلًا وكان الرّجل يفتن في دينه: إمّا أن يقتلوه، وإمّا أن يوثقوه، حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنةٌ، فلمّا رأى أنّه لا يوافقه فيما يريد، قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في عليٍّ وعثمان؟ أمّا عثمان فكان اللّه قد عفا عنه، وكرهتم أن يعفو عنه، وأمّا عليٌّ فابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وختنه -وأشار بيده -وهذه ابنته أو: بنته- حيث ترون.
وحدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا زهير، حدّثنا بيان أنّ وبرة حدّثه قال: حدّثني سعيد بن جبير قال: خرج علينا -أو: إلينا -ابن عمر، رضي اللّه عنهما، فقال رجلٌ: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتل المشركين، وكان الدّخول عليهم فتنةً، وليس بقتالكم على الملك.
هذا كلّه سياق البخاريّ، رحمه اللّه
وقال عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنّه أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا إنّ النّاس قد صنعوا ما ترى، وأنت ابن عمر بن الخطّاب، وأنت صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أنّ اللّه حرّم عليّ دم أخي المسلم. قالوا: أو لم يقل اللّه: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه}؟
قال: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ، وكان الدّين كلّه للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنةٌ، ويكون الدّين لغير اللّه.
وكذا رواه حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أيّوب بن عبد اللّه اللّخميّ قال: كنت عند عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما، فأتاه رجلٌ فقال: إنّ اللّه يقول: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه} فقال ابن عمر: قاتلت أنا وأصحابي حتّى كان الدّين كلّه للّه، وذهب الشّرك ولم تكن فتنةٌ، ولكنّك وأصحابك تقاتلون حتّى تكون فتنةٌ، ويكون الدّين لغير اللّه. رواهما ابن مردويه.
وقال أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيمي، عن أبيه قال: قال ذو البطين -يعني أسامة بن زيدٍ -لا أقاتل رجلًا يقول: لا إله إلّا اللّه أبدًا. قال: فقال سعد بن مالكٍ: وأنا واللّه لا أقاتل رجلًا يقول: لا إله إلّا اللّه أبدًا. فقال رجلٌ: ألم يقل اللّه: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه}؟ فقالا قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنةٌ، وكان الدّين كلّه للّه. رواه ابن مردويه.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} يعني: [حتّى] لا يكون شركٌ، وكذا قال أبو العالية، ومجاهدٌ، والحسن، وقتادة، والرّبيع عن أنسٍ، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وزيد بن أسلم.
وقال محمّد بن إسحاق: بلغني عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير وغيره من علمائنا: {حتّى لا تكون فتنةٌ} حتّى لا يفتن مسلمٌ عن دينه.
وقوله: {ويكون الدّين كلّه للّه} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، قال: يخلص التّوحيد للّه.
وقال الحسن وقتادة، وابن جريج: {ويكون الدّين كلّه للّه} أن يقال: لا إله إلّا اللّه.
وقال محمّد بن إسحاق: ويكون التّوحيد خالصًا للّه، ليس فيه شركٌ، ويخلع ما دونه من الأنداد. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {ويكون الدّين كلّه للّه} لا يكون مع دينكم كفرٌ.
ويشهد له ما ثبت في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم على اللّه، عزّ وجلّ" وفي الصّحيحين عن أبي موسى الأشعريّ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرّجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميّة، ويقاتل رياءً، أيّ ذلك في سبيل اللّه، عزّ وجلّ؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا، فهو في سبيل اللّه، عزّ وجلّ"
وقوله: {فإن انتهوا} أي: بقتالكم عمّا هم فيه من الكفر، فكفّوا عنه وإن لم تعلموا بواطنهم، {فإنّ الله بما يعملون بصيرٌ} كما قال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [التّوبة:5]، وفي الآية الأخرى: {فإخوانكم في الدّين} [التّوبة:11].
وقال: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظّالمين} [البقرة:193]. وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأسامة -لمّا علا ذلك الرّجل بالسّيف، فقال: "لا إله إلّا اللّه"، فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول اللّه -فقال لأسامة: "أقتلته بعد ما قال: لا إله إلّا اللّه؟ وكيف تصنع بلا إله إلّا اللّه يوم القيامة؟ " قال: يا رسول اللّه، إنّما قالها تعوّذًا. قال: "هلّا شققت عن قلبه؟ "، وجعل يقول ويكرّر عليه: "من لك بلا إله إلّا اللّه يوم القيامة؟ " قال أسامة: حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت إلّا ذلك اليوم
وقوله: {وإن تولّوا فاعلموا أنّ اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النّصير} أي: وإن استمرّوا على خلافكم ومحاربتكم، {فاعلموا أنّ اللّه مولاكم} سيّدكم وناصركم على أعدائكم، فنعم المولى ونعم النّصير.
وقال محمّد بن جريرٍ: حدّثني عبد الوارث بن عبد الصّمد، حدّثنا أبي، حدّثنا أبانٌ العطّار، حدّثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء، فكتب إليه عروة: "سلامٌ عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد، فإنّك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه. كان من شأن مخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة، أنّ اللّه أعطاه النّبوّة، فنعم النّبيّ، ونعم السّيّد، ونعم العشيرة، فجزاه اللّه خيرًا، وعرّفنا وجهه في الجنّة، وأحيانا على ملّته، وأماتنا عليها، وبعثنا عليه وإنّه لمّا دعا قومه لما بعثه اللّه له من الهدى والنّور الّذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أوّل ما دعاهم إليه، وكادوا يسمعون منه، حتّى ذكر طواغيتهم، وقدم ناسٌ من الطّائف من قريشٍ، لهم أموالٌ، أنكر ذلك عليه النّاس واشتدّوا عليه وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامّة النّاس، فتركوه إلّا من حفظه اللّه منهم، وهم قليلٌ. فمكث بذلك ما قدّر اللّه أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتّبعه عن دين اللّه من أبنائهم وإخوانهم، وقبائلهم، فكانت فتنةٌ شديدة الزّلزال، فافتتن من افتتن، وعصم اللّه من شاء منهم، فلمّا فعل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بالحبشة ملكٌ صالحٌ يقال له: "النّجاشيّ"، لا يظلم أحدٌ بأرضه، وكان يثنى عليه مع ذلك، وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريشٍ، يتّجرون فيها، وكانت مسكنًا لتجّارهم، يجدون فيها رفاغًا من الرّزق وأمنًا ومتجرًا حسنًا، فأمرهم بها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذهب إليها عامّتهم لمّا قهروا بمكّة، وخاف عليهم الفتن. ومكث هو فلم يبرح. فمكث بذلك سنواتٍ يشتدّون على من أسلم منهم. ثمّ إنّه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجالٌ من أشرافهم ومنعتهم. فلمّا رأوا ذلك. استرخوا استرخاءةً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعن أصحابه، وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أرض الحبشة مخافتها، وفرارًا ممّا كانوا فيه من الفتن والزّلزال، فلمّا استرخي عنهم ودخل في الإسلام من دخل منهم، تحدّث باسترخائهم عنهم، فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه: قد استرخي عمّن كان منهم بمكّة، وأنّهم لا يفتنون، فرجعوا إلى مكّة، وكادوا يأمنون بها، وجعلوا يزدادون ويكثرون. وأنّه أسلم من الأنصار بالمدينة ناسٌ كثيرٌ، وفشا بالمدينة الإسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فلمّا رأت قريشٌ ذلك، تآمرت على أن يفتنوهم ويشتدّوا، فأخذوهم، فحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهدٌ شديدٌ، فكانت الفتنة الأخيرة، فكانت فتنتان: فتنةٌ أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بها، وأذن لهم في الخروج إليها -وفتنةٌ لمّا رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثمّ إنّه جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المدينة سبعون نقيبًا، رؤوس الّذين أسلموا، فوافوه بالحجّ، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم على أنّا منك وأنت منّا، وعلى أنّ من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنّا نمنعك ممّا نمنع منه أنفسنا، فاشتدّت عليهم قريشٌ عند ذلك، فأمر صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة الّتي أخرج فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه، وخرج هو، وهي الّتي أنزل اللّه، عزّ وجلّ، فيها: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه}
ثمّ رواه عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن عروة بن الزّبير: أنّه كتب إلى الوليد -يعني ابن عبد الملك بن مروان -بهذا، فذكر مثله وهذا صحيحٌ إلى عروة، رحمه الله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 55-58]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة