العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7)
اختلف الناس في الشيء الذي تتعلق به الكاف من قوله كما حسبما نبين من الأقوال التي أنا ذاكرها بعد بحول الله، والذي يلتئم به المعنى ويحسن سرد الألفاظ قولان، وأنا أبدأ بهما، قال الفراء: التقدير امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك، هذا نص قوله في هداية مكي رحمه الله، والعبارة بقوله: امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة،
وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها، كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما: المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش: الكاف نعت ل حقًّا [الأنفال: 4]، والتقدير هم المؤمنون حقا كما أخرجك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير: كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر، وقال أبو عبيدة: هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك، فالكاف في معنى الواو و «ما» بمعنى الذي،
وقال الزجّاج: الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتا كما أخرجك ربك، وقيل: الكاف في موضع رفع والتقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك، وقيل المعنى: وأصلحوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف، وقيل التقدير: قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك، وهذا نحو أول قول ذكرته، وقال عكرمة: التقدير وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيرا لكم، وقوله: من بيتك يريد من المدينة يثرب، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير: المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة). [المحرر الوجيز: 4/ 137-139]

تفسير قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ عبد الله بن مسعود: «في الحق بعد ما بين» بضم الباء من غير تاء، والضمير في قوله يجادلونك، قيل: هو للمؤمنين وقيل: للمشركين، فمن قال للمؤمنين جعل الحقّ قتال مشركي قريش، ومن قال للمشركين جعل الحقّ شريعة الإسلام،
وقوله إلى الموت أي في سوقهم على أن المجادلين المؤمنون في دعائهم إلى الشرع على أنهم المجادلين المؤمنون في دعائهم إلى الشرع على أنهم المشركون، وقوله وهم ينظرون حال تزيد في فزع السوق وتقتضي شدة حاله). [المحرر الوجيز: 4/ 139]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم الآية، في هذه الآية قصص حسن أنا أختصره إذ هو مستوعب في كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن هشام، واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها، قال لأصحابه إن عير قريش قد عنت لكم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها، قال فانبعث من معه من خف، وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلوي على من تعذر ولا ينتظر من غاب ظهره، فسار في ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه بين مهاجري وأنصاري، وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم، وكان أبو سفيان في خلال ذلك يستقصي ويحذر، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها، ففعل ضمضم، فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم، أوحى الله إليه وحيا غير متلو يعده إحدى الطائفتين، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها، فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة، وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا عيرنا قد نجت فلننصرف، فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الوقعة، وقال بعض المؤمنين: نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو بواد يسمى ذفران، وقال أشيروا علي أيها الناس، فقام أبو بكر فتكلم فأحسن وحرض على لقاء العدو، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فتكلم المقداد الكندي فقال: لا نقول لك يا رسول الله اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول إنا معكما مقاتلون. والله لو أردت بنا برك الغماد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهي مدينة الحبشة لقاتلنا معك من دونها، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير، ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويمكن أنهما جميعا تكلما في ذلك اليوم، فقال يا رسول الله كأنك تريدنا معشر الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل، فقال إنا آمنا بك واتبعناك فامض لأمر الله، فو الله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم، فالتقوا وكانت وقعة بدر،
وقرأ مسلمة بن محارب «وإذ يعدكم» بجزم الدال، قال أبو الفتح ذلك لتوالي الحركات، وقرأ ابن محيصن «وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين» بوصل الألف من إحدى وصلة الهاء بالحاء، والشّوكة عبارة عن السلاح والحدة، ومنه قول الأعور: [الرجز] إن العرفج قد أدبى
وقرأ أبو عمرو فيما حكى أبو حاتم الشّوكة تكون بإدغام التاء في التاء، ومعنى الآية وتودون العير وتأبون قتال الكفار، وقوله ويريد اللّه الآية، المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم «بكلمته» على الإفراد الذي يراد به الجمع، والمعنى في قوله بكلماته إما أن يريد بأوامره وأمره للملائكة والنصر لجميع ما يظهر الإسلام أن يكون، وإما أن يريد بكلماته التي سبقت في الأزل والمعنى قريب، و «الدابر» الذي يدبر القوم أي يأتي في آخرهم، فإذا قطع فقد أتى على آخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم، وهي عبارة في كل من أ؟ ى الهلاك عليه). [المحرر الوجيز: 4/ 139-141]

تفسير قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين (9) وما جعله اللّه إلاّ بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلاّ من عند اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (10)
ليحقّ الحقّ أي ليظهر ما يجب إظهاره وهو الإسلام ويبطل الباطل أي الكفر، ولو كره أي وكراهتهم واقعة فهي جملة في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 4/ 141-142]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7) ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) }
قال الإمام أبو جعفرٍ الطّبريّ: اختلف المفسّرون في السّبب الجالب لهذه "الكاف" في قوله: {كما أخرجك ربّك} فقال بعضهم: شبّه به في الصّلاح للمؤمنين، اتّقاؤهم ربّهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم اللّه ورسوله.
ثمّ روى عن عكرمة نحو هذا.
ومعنى هذا أنّ اللّه تعالى يقول: كما أنّكم لمّا اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها اللّه منكم، وجعلها إلى قسمه وقسم رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فقسّمها على العدل والتّسوية، فكان هذا هو المصلحة التّامّة لكم، وكذلك لمّا كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة -وهم النفير النّفير الّذين خرجوا لنصر دينهم، وإحراز عيرهم -فكان عاقبة، كراهتكم للقتال -بأن قدّره لكم، وجمع به بينكم وبين عدوّكم على غير ميعادٍ -رشدا وهدًى، ونصرًا وفتحًا، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: معنى ذلك: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبيّن لهم، ثمّ روى نحوه عن مجاهدٍ أنّه قال: {كما أخرجك ربّك} قال: كذلك يجادلونك في الحقّ.
وقال السّدّي: أنزل اللّه في خروجه إلى بدرٍ ومجادلتهم إيّاه فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن}
وقال بعضهم: يسألونك عن الأنفال مجادلةً، كما جادلوك يوم بدرٍ فقالوا: أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالًا فنستعدّ له.
قلت: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما خرج من المدينة طالبًا لعير أبي سفيان، الّتي بلغه خبرها أنّها صادرةٌ من الشّام، فيها أموالٌ جزيلةٌ لقريشٍ فاستنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين من خف منهم، فخرج في ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا وطلب نحو السّاحل من على طريق بدرٍ، وعلم أبو سفيان بخروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرٍو نذيرًا إلى مكّة، فنهضوا في قريبٍ من ألف مقنّع، ما بين التّسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا، وجاء النّفير فوردوا ماء بدرٍ، وجمع اللّه المسلمين والكافرين على غير ميعادٍ، لما يريد اللّه تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوّهم، والتّفرقة بين الحقّ والباطل، كما سيأتي بيانه.
والغرض: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بلغه خروج النّفير، أوحى اللّه إليه يعده إحدى الطّائفتين: إمّا العير وإمّا النّفير، ورغب كثيرٌ من المسلمين إلى العير؛ لأنّه كسبٌ بلا قتالٍ، كما قال تعالى: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدّثنا سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حدّثنا بكر بن سهلٍ، حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أسلم أبي عمران حدّثه أنّه سمع أبا أيّوب الأنصاريّ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن بالمدينة: إنّي أخبرت عن عير أبي سفيان أنّها مقبلةٌ فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعلّ اللّه يغنمناها؟ " فقلنا: نعم، فخرج وخرجنا، فلمّا سرنا يومًا أو يومين قال لنا: " ما ترون في قتال القوم؛ فإنّهم قد أخبروا بمخرجكم؟ " فقلنا: لا واللّه ما لنا طاقةٌ بقتال العدوّ، ولكنّا أردنا العير، ثمّ قال: " ما ترون في قتال القوم؟ " فقلنا مثل ذلك فقال المقداد بن عمرٍو: إذًا لا نقول لك يا رسول اللّه كما قال قوم موسى لموسى: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] قال: فتمنّينا -معشر الأنصار-أن لو قلنا كما قال المقداد أحبّ إلينا من أن يكون لنا مالٌ عظيمٌ، قال: فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} وذكر تمام الحديث
ورواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث ابن لهيعة، بنحوه.
ورواه ابن مردويه أيضًا من حديث محمّد بن عمرو بن علقمة بن وقّاصٍ اللّيثيّ، عن أبيه، عن جدّه قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ، حتّى إذا كان بالرّوحاء، خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، بلغنا أنّهم بمكان كذا وكذا. قال: ثمّ خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال عمر مثل قول أبي بكرٍ. ثمّ خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال سعد بن معاذٍ: يا رسول الله إيانا تريد؟ فو الذي أكرمك [بالحقّ] وأنزل عليك الكتاب، ما سلكتها قطّ ولا لي بها علمٌ، ولئن سرت [بنا] حتّى تأتي "برك الغماد" من ذي يمنٍ لنسيرنّ معك، ولا نكون كالّذين قالوا لموسى {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متّبعون، ولعلّك أن تكون خرجت لأمرٍ، وأحدث اللّه إليك غيره، فانظر الّذي أحدث اللّه إليك، فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} الآيات.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في لقاء العدوّ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدرٍ، أمر النّاس فعبّئوا للقتال، وأمرهم بالشّوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل اللّه: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}
وقال مجاهدٌ: يجادلونك في الحقّ: في القتال. وقال محمّد بن إسحاق: {يجادلونك في الحقّ [بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون]} أي: كراهيةً للقاء المشركين، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم.
وقال السّدّي: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن} أي: بعد ما تبيّن لهم أنّك لا تفعل إلّا ما أمرك اللّه به.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: عنى بذلك المشركين.
حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهب قال: قال ابن زيدٍ في قوله تعالى: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} قال: هؤلاء المشركون، جادلوه في الحقّ {كأنّما يساقون إلى الموت} حين يدعون إلى الإسلام {وهم ينظرون} قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفةٌ مبتدأةٌ لأهل الكفر.
ثمّ قال ابن جريرٍ: ولا معنى لما قاله؛ لأنّ الّذي قبل قوله: {يجادلونك في الحقّ} خبرٌ عن أهل الإيمان، والّذي يتلوه خبرٌ عنهم، والصّواب قول ابن عبّاسٍ وابن إسحاق أنّه خبرٌ عن المؤمنين.
وهذا الّذي نصره ابن جريرٍ هو الحقّ، وهو الّذي يدلّ عليه سياق الكلام، واللّه أعلم..
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ وعبد الرّزّاق قالا حدّثنا إسرائيل، عن سمال، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين فرغ من بدرٍ: عليك بالعير ليس دونها شيءٌ فناداه العبّاس بن عبد المطّلب -قال عبد الرّزّاق: وهو أسيرٌ في وثاقه -ثمّ اتّفقا: إنّه لا يصلح لك، قال: ولم؟ قال: لأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما وعدك إحدى الطّائفتين، وقد أعطاك ما وعدك
إسنادٌ جيّدٌ، ولم يخرجه
ومعنى قوله تعالى {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} أي: يحبّون أنّ الطّائفة الّتي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال، تكون لهم وهي العير {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته} أي: هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطّائفة الّتي لها الشّوكة والقتال، ليظفّركم بهم ويظهركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالبًا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الّذي دبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يحبّون خلاف ذلك فيما يظهر لهم، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم [والله يعلم وأنتم لا تعلمون] [البقرة: 216]}
وقال محمّد بن إسحاق، رحمه اللّه: حدّثني محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ -كلٌّ قد حدّثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدرٍ -قالوا: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلًا من الشّام ندب المسلمين إليهم، وقال: "هذه عير قريشٍ فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفلكموها" فانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربًا، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسّس الأخبار، ويسأل من لقي من الرّكبان، تخوّفًا على أمر النّاس، حتّى أصاب خبرًا من بعض الرّكبان: أنّ محمّدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرٍو الغفاريّ، فبعثه إلى أهل مكّة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أنّ محمّدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرٍو سريعًا إلى مكّة، وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أصحابه حتّى بلغ واديًا يقال له "ذفران"، فخرج منه حتّى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس، وأخبرهم عن قريشٍ، فقام أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فقال فأحسن، ثمّ قام عمر، رضي اللّه عنه، فقال فأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرٍو فقال: يا رسول اللّه، امض لما أمرك اللّه به، فنحن معك، واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحقّ، لو سرت بنا إلى "برك الغماد" -يعني مدينة الحبشة -لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا، ودعا له بخيرٍ، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أشيروا عليّ أيّها النّاس" -وإنّما يريد الأنصار -وذلك أنّهم كانوا عدد النّاس، وذلك أنّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول اللّه، إنّا برآء من ذمامك حتّى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا نمنعك ممّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخوّف ألّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلّا ممّن دهمه بالمدينة، من عدوّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، قال له سعد بن معاذٍ: واللّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه؟ قال: "أجل" قال: فقال: فقد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السّمع والطّاعة، فامض يا رسول اللّه لما أردت. فوالّذي بعثك بالحقّ، إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلّف منّا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدًا، إنّا لصبر عند الحرب، صدق عند اللّقاء، ولعلّ اللّه [أن] يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة اللّه. فسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقول سعدٍ، ونشّطه ذلك، ثمّ قال: " سيروا على بركة اللّه وأبشروا، فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطّائفتين، واللّه لكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم"
وروى العوفي عن ابن عبّاسٍ نحو هذا، وكذلك قال السّدّيّ، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاءً بسياق محمّد بن إسحاق). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 14-18]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة