العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وقطّعناهم}؛ معناه فرقناه في الأرض، قال الطبري عن جماعة من المفسرين: ما في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود، والظاهر في المشار إليهم في هذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم، والظاهر أنه قبل مدة عيسى عليه السلام لأنه لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى -صلى الله عليه وسلم-، وفي التواريخ في هذا الفصل روايات مضطربة، والصّالحون ودون ذلك ألفاظ محتملة أن يدعها صلاح الإيمان ف دون بمعنى غير يراد بها الكفرة، وإن أريد بالصلاح العبادة والخير وتوابع الإيمان ف دون ذلك يحتمل أن يكون في مؤمنين،
{وبلوناهم}؛ معناه امتحناهم، وبالحسنات الصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره، والسّيّئات مقابلات هذه.
وقوله: {لعلّهم}؛ أي بحسب رأيكم لو شاهدتم ذلك، والمعنى لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون من المعصية).
[المحرر الوجيز: 4/ 77-78]

تفسير قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلاّ الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (169) والّذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين (170)}
خلفٌ معناه حدث خلفهم وبعدهم خلفٌ بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم ومنه قول لبيد: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ....... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وقد يستعمل في المدح ومنه قول حسان: [الطويل]
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ....... لأولنا في طاعة الله تابع
والخلف بفتح اللام يستعمل في الأشهر في المدح، قال أبو عبيدة والزجاج: وقد يستعمل في الذم أيضا ومنه قول الشاعر:
ألا ذلك الخلف الأعور
وقال مجاهد: المراد ب «الخلف» هاهنا النصارى وضعفه الطبري وقرأ جمهور الناس ورثوا الكتاب وقرأ الحسن بن أبي الحسن البصري «ورّثوا الكتاب» بضم الواو وشد الراء، وقوله: يأخذون عرض هذا الأدنى إشارة إلى الرشا والمكاسب الخبيثة و «العرض» ما يعرض ويعن ولا يثبت، و «الأدنى» إشارة إلى عيش الدنيا، وقوله: ويقولون سيغفر لنا ذم لهم باغترارهم وقولهم: سيغفر مع علمهم بما في كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم عليهم وأنهم إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال صلى الله عليه وسلم: والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله، فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم.
وقوله تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ... الآية}، تشديد في لزوم قول الحق على الله في الشرع والأحكام بين الناس وأن لا تميل الرشا بالحكام إلى الباطل، والكتاب يريد به التوراة وميثاقها الشدائد التي فيها في هذا المعنى، وقوله: أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ يمكن أن يريد بذلك قولهم الباطل في حكومة مما يقع بين أيديهم، ويمكن أن يريد قولهم سيغفر لنا وهم قد علموا الحق في نهي الله عن ذلك، وقرأ جمهور الناس: «يقولوا» بياء من تحت وقرأ الجحدري: «تقولوا» بتاء من فوق وقوله: {ودرسوا}؛ معطوف على قوله: {ألم يؤخذ ... الآية} بمعنى المضي، يقدر: أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، «وادارسوا» ما فيه وقال الطبري وغيره، قوله: ودرسوا معطوف على قوله: ورثوا الكتاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر لبعد المعطوف عليه لأنه قوله: {ودرسوا}؛ يزول منه معنى إقامة الحجة بالتقدير الذي في قوله: {ألم}، ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله: {والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون} وقرأ جمهور الناس: «أفلا تعقلون» بالتاء من فوق وقرأ أبو عمرو وأهل مكة: «يعقلون» بالياء من أسفل). [المحرر الوجيز: 4/ 78-80]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {والّذين} عطف على قوله: {للّذين يتّقون}، وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو والناس: «يمسّكون» بفتح الميم وشد السين وقرأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأبو العالية وعاصم وحده في رواية أبي بكر. «يمسكون» بسكون الميم وتخفيف السين، وكلهم خفف {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] إلا أبا عمرو فإنه قرأ: «ولا تمسّكوا» بفتح الميم وشد السين، وقرأ الأعمش «والذين استمسكوا» وفي حرف أبيّ «والذين مسكوا» يقال أمسك ومسك وهما لغتان بمعنى واحد، قال كعب بن زهير: [البسيط]
فما تمسك بالعهد الذي زعمت ....... إلا كما تمسك الماء الغرابيل
أما أن شد السين يجري مع التعدي بالباء). [المحرر الوجيز: 4/ 80]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ وظنّوا أنّه واقعٌ بهم خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (171) وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (172)}
نتقنا معناه اقتلعنا ورفعنا فكأن النتق اقتلاع الشيء، تقول العرب: نتقت الزبدة من فم القربة، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا
والناتق الرحم التي تقلع الولد من الرجل، ومنه قول النابغة:
لم يحرموا حسن الغداء وأمهم ....... دحقت عليك بناتق مذكار
وفي الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بتزويج الأبكار فإنهن أنتق أرحاما وأطيب أفواها» الحديث. وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها رفعنا لكن نتقنا، وفوقهم أعطت الرفع بزيادة قرينة هي أن الجبل اقتلعته الملائكة وأمر الله إياه، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فقال عن الله تعالى هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه؟ فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم، قالوا: انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة
قبلناها، قال: اقبلوها بما فيها قالوا: لا، فراجعهم موسى فراجعوا ثلاثا فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فانقلع وارتفع فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم ألا ترون ما يقول ربي؟: لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل، قال الحسن البصري: فلما رأوا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا أن يسقط عليه فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة، و «الظلة» ما أظل ومنه {في ظللٍ من الغمام} [البقرة: 210] ومنه: {عذاب يوم الظّلّة} [الشعراء: 189] ومنه قول أسيد بن حضير للنبي صلى الله عليه وسلم: قرأت البارحة «فغشي الدار مثل الظلة فيها أمثال المصابيح» فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» فإن قيل فإذا كان الجبل ظلة فما معنى: كأنه؟ فالجواب أن البشر إنما اعتادوا هذه الأجرام الأرضية ظللا إذا كانت على عمد، فلما كان الجبل على غير عمد قيل كأنّه ظلّةٌ أي كأنه على عمد، وظنّوا قال المفسرون: معناه أيقنوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء، وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول: إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس، وقد يبين هذا فيما سلف من هذا الكتب ثم قيل لهم في وقت ارتفاع الجبل: خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ فأخذوها والتزموا جميع ما تضمنته من شدة ورخاء فما وفوا، وقرأ جمهور الناس: واذكروا وقرأ الأعمش فيما حكى أبو الفتح عنه: «واذكروا ولعلكم» على ترجيهم وهذا تشدد في حفظها والتهمم بأمرها). [المحرر الوجيز: 4/ 80-83]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقطّعناهم في الأرض أممًا منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون (168) فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (169) والّذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين (170)}
يذكر تعالى أنّه فرّقهم في الأرض أممًا، أي: طوائف وفرقًا، كما قال [تعالى]: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا} [الإسراء: 104]
{منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك} أي: فيهم الصّالح وغير ذلك، كما قالت الجنّ: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددًا} [الجنّ: 11]، {وبلوناهم} أي: اختبرناهم {بالحسنات والسّيّئات} أي: بالرّخاء والشّدّة، والرّغبة والرّهبة، والعافية والبلاء، {لعلّهم يرجعون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 498]

تفسير قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} يقول تعالى: فخلف من بعد ذلك الجيل الّذين فيهم الصّالح والطّالح، خلفٌ آخر لا خير فيهم، وقد ورثوا دراسة [هذا] الكتاب وهو التّوراة -وقال مجاهدٌ: هم النّصارى -وقد يكون أعمّ من ذلك، {يأخذون عرض هذا الأدنى} أي: يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا، ويسرفون أنفسهم ويعدونها بالتّوبة، وكلّما لاح لهم مثل الأوّل وقعوا فيه؛ ولهذا قال: {وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} كما قال سعيد بن جبيرٍ: يعملون الذّنب، ثمّ يستغفرون اللّه منه، فإن عرض ذلك الذّنب أخذوه.
وقول مجاهدٍ في قوله: {يأخذون عرض هذا الأدنى} قال: لا يشرف لهم شيءٌ من الدّنيا إلّا أخذوه، حلالًا كان أو حرامًا، ويتمنّون المغفرة، ويقولون: {سيغفر لنا} وإن يجدوا عرضًا مثله يأخذوه.
وقال قتادة في: {فخلف من بعدهم خلفٌ} أي: واللّه، لخلف سوءٍ، ورثوا الكتاب بعد أنبيائهم ورسلهم، ورّثهم اللّه وعهد إليهم، وقال اللّه في آيةٍ أخرى: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات} [مريم: 59]، قال {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} تمنّوا على اللّه أمانيّ، وغرّة يغترّون بها، {وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} لا يشغلهم شيءٌ عن شيءٍ، ولا ينهاهم شيءٌ عن ذلك، كلّما هفّ لهم شيءٌ من [أمر] الدّنيا أكلوه، ولا يبالون حلالًا كان أو حرامًا.
وقال السّدّي [في] قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ} إلى قوله: {ودرسوا ما فيه} قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيًا إلّا ارتشى في الحكم، وإنّ خيارهم اجتمعوا، فأخذ بعضهم على بعضٍ العهود ألّا يفعلوا ولا يرتشي، فجعل الرّجل منهم إذا استقضى ارتشى، فيقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم، فيقول: "سيغفر لي"، فتطعن عليه البقيّة الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات، أو نزع، وجعل مكانه رجلٌ ممّن كان يطعن عليه، فيرتشي. يقول: وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه.
قال اللّه تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ ودرسوا ما فيه} يقول تعالى منكرًا عليهم في صنيعهم هذا، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبيّننّ الحقّ للنّاس، ولا يكتمونه كقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187]
وقال ابن جريج: قال ابن عبّاسٍ: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ}؛ قال: فيما يوجبون على اللّه من غفران ذنوبهم الّتي لا يزالون يعودون فيها، ولا يتوبون منها.
وقوله تعالى: {والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون}؛ يرغّبهم تعالى في جزيل ثوابه، ويحذّرهم من وبيل عقابه، أي: وثوابي وما عندي خيرٌ لمن اتّقى المحارم، وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربّه.
{أفلا تعقلون} يقول: أفليس لهؤلاء الّذين اعتاضوا بعرض الدّنيا عمّا عندي عقلٌ يردعهم عمّا هم فيه من السّفه والتّبذير؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 498-499]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ثمّ أثنى تعالى على من تمسّك بكتابه الّذي يقوده إلى اتّباع رسوله محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، كما هو مكتوبٌ فيه، فقال تعالى: {والّذين يمسّكون بالكتاب}؛ أي: اعتصموا به واقتدوا بأوامره، وتركوا زواجره {وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 499]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ وظنّوا أنّه واقعٌ بهم خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (171)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم}؛ يقول: رفعناه، وهو قوله: {ورفعنا فوقهم الطّور بميثاقهم} [النّساء: 154]
وقال سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، رفعته الملائكة فوق رءوسهم.
وقال القاسم بن أبي أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ سار بهم موسى، عليه السّلام، متوجّهًا نحو الأرض المقدّسة، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالّذي أمره اللّه تعالى [به] -أن يبلّغهم من الوظائف، فثقلت عليهم، وأبوا أن يقربوها حتّى ينتق اللّه الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ، قال: رفعته الملائكة فوق رءوسهم. رواه النّسائيّ بطوله.
وقال سنيد بن داود في تفسيره، عن حجّاج بن محمّدٍ، عن أبي بكر بن عبد اللّه قال: هذا كتابٌ، أتقبلونه بما فيه، فإنّ فيه بيان ما أحلّ لكم وما حرّم عليكم، وما أمركم وما نهاكم؟ قالوا: انشر علينا ما فيها، فإن كانت فرائضها يسيرةً، وحدودها خفيفةً قبلناها. قال: اقبلوها بما فيها. قالوا: لا حتّى نعلم ما فيها، كيف حدودها وفرائضها؟ فراجعوا موسى مرارًا، فأوحى اللّه إلى الجبل فانقلع فارتفع في السّماء، حتّى إذا كان بين رءوسهم وبين السّماء قال لهم موسى: ألا ترون ما يقول ربّي، عزّ وجلّ؟ لئن لم تقبلوا التّوراة بما فيها، لأرمينّكم بهذا الجبل. قال: فحدّثني الحسن البصريّ قال: لمّا نظروا إلى الجبل خرّ كلّ رجلٍ ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل، فرقًا من أن يسقط [عليه] فكذلك ليس اليوم في الأرض يهوديٌّ يسجد إلّا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السّجدة الّتي رفعت بها العقوبة. قال أبو بكرٍ: فلمّا نشر الألواح فيها كتاب اللّه كتبه بيده، لم يبق على وجه الأرض جبلٌ ولا شجرٌ ولا حجرٌ إلّا اهتزّ، فليس اليوم يهوديٌّ على وجه الأرض صغيرٌ، ولا كبيرٌ، تقرأ عليه التّوراة إلّا اهتزّ ونفض لها رأسه. أي: حرّك كما قال تعالى: {فسينغضون إليك رءوسهم} [الإسراء: 51] أي يحرّكونها ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 499-500]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة