العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وسئلهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر ... الآية}، قال بعض المتأولين: إن اليهود المعارضين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: إن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم ومقررة ما كان من فعل أهل هذه القرية، فسؤالهم إنما كان على جهة التوبيخ، والقرية هنا مدين قاله ابن عباس، وقيل أيلة، قاله ابن عباس وعبد الله بن كثير وعكرمة والسدي والثوري، وقال قتادة هي مقنا بالقاف ساكنة، وقال ابن زيد هي مقناة ساحل مدين، ويقال فيها مغنى بالغين مفتوحة ونون مشددة، وقيل هي طبرية قاله الزهري، وحاضرة يحتمل أن يريد معنى الحضور أي البحر فيها حاضر، ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر، وإذ يعدون معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو، وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك «يعدّون»، قال أبو الفتح أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار «يعدّون» بفتح العين وشد الدال المضمومة، والاعتداء منهم في السبت هو نفس العمل والاشتغال كان صيدا أو غيره إلا أنه كان في هذه النازلة بالصيد وكان الله عز وجل ابتلاهم في أمر الحوت بأن يغيب عنهم سائر الجمعة فإذا كان يوم السبت جاءهم في الماء شارعا أي مقبلا إليهم مصطفا كما تقول أشرعت الرماح إذا مدت مصطفة، وهذا يمكن أن يقع من الحوت بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما يقتضيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقا من الساعة»، ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعورا بالسلامة في ذلك اليوم على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة.
قال رواة هذا القصص: فيقرب الحوت ويكثر حتى يمكن أخذه باليد فإذا كان ليلة الأحد غاب بجملته وقيل غابت كثرته ولم يبق منه إلا القليل الذي يتعب صيده، قاله قتادة ففتنهم ذلك وأضر بهم فتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفرا يخرج إليها ماء البحر على أخدود فإذا جاء الحوت يوم السبت وحصل في الحفرة ألقوا في الأخدود حجرا فمنعوه الخروج إلى البحر فإذا كان الأحد أخذوه فكان هذا أول التطرق.
وروى أشهب عن مالك قال: زعم ابن رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل خيطا ويصنع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب، وتركه كذلك إلى الأحد، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده وقالوا ذهبت حرمة السبت فقامت فرقة من بني إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهي واعتزلت، والعامل في قوله: ويوم لا يسبتون قوله: لا تأتيهم وهو ظرف مقدم، وقرأ عمر بن عبد العزيز «حيتانهم يوم أسباتهم»، وقرأ نافع وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر والناس «يسبتون» بكسر الباء، وقرأ عيسى بن عمر وعاصم بخلاف «يسبتون» بضمها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعاصم بخلاف «يسبتون» من أسبت إذا دخل في السبت، ومعنى قوله: كذلك الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به، هذا على من وقف على تأتيهم ومن وقف على كذلك فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا، أي فما أتى منها فهو قليل، ونبلوهم أي نمتحنهم لفسقهم وعصيانهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي قصص هذه الآية رواية وتطويل اختصرته واقتصرت منه على ما لا تفهم ألفاظ الآية إلا به). [المحرر الوجيز: 4/ 69-71]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قوماً اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164) فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165) فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت، وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه، وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطغيان العاصية وعتوها قالت للناهية لم تعظون قوماً يريدون العاصية اللّه مهلكهم أو معذّبهم على غلبة الظن وما عهد من فعل الله حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله، ثم اختلف بعد هذا فقالت فرقة إن الطائفة التي لم تعص ولم تنه هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي، قاله ابن عباس، وقال أيضا: ما أدري ما فعل بهم، وقالت فرقة بل نجت مع الناهية لأنها لم تعص ولا رضيت قاله عكرمة والحسن وغيرهما، وقال ابن الكلبي فيما أسند عنه الطبري إن بني إسرائيل لم تفترق إلا فرقتين، فرقة عصت وجاهرت وفرقة نهت وغيرت واعتزلت، وقالت للعاصية إن الله يهلكهم ويعذبهم، فقالت أمة من العاصين للناهين على جهة الاستهزاء لم تعظون قوما قد علمتم أن الله مهلكهم أو معذبهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقول الأول أصوب، وتؤيده الضمائر في قوله: إلى ربّكم ولعلّهم فهذه المخاطبة تقتضي مخاطبا ومخاطبا ومكنيا عنه، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «معذرة» بالرفع، أي موعظتنا، معذرة أي إقامة عذر، وقرأ عاصم في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف «معذرة» بالنصب أي وعظنا معذرة، قال أبو علي حجتها أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: الرجل القائل في هذا المثال معتذر عن نفسه وليس كذلك الناهون من بني إسرائيل فتأمل، ومعنى مهلكهم في الدنيا أو معذّبهم في الآخرة، وقوله: لعلّهم يتّقون يقتضي الترجي المحض، لأنه من قول آدميين). [المحرر الوجيز: 4/ 71-72]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: {نسوا} للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك. وما في قوله: {ما ذكّروا به} معنى الذي، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر، والسّوء لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت، والّذين ظلموا هم العاصون، وقوله: بعذابٍ بئيسٍ معناه مؤلم موجع شديد، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما «بيس» بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أنهاكم عن قيل وقال». وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بيس» كما تقول بئس الرجل وضعّفها أبو حاتم، قال أبو عمرو: وروي عن الحسن «بئس» بهمزة بين الباء والسين، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجة «بيس» بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم «بيس» بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري «بئس» بفتح الباء وهمزة مكسورة وسين منونة على وزن فعل، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
[المديد]
ليتني ألقى رقية في ....... خلوة من غير ما بئس
قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف، وروي عن نصر «بيس» بباء مكسورة من غيرهم، قال الزهراوي وروي عن الأعمش «بئّس» الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة، وقرأ فرقة «بئس» كالتي قبل إلا فتح السين، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه «بئيس» بياء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير، ونحو ذلك، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم، ومنه قول ذي الأصبع العدواني: [مجزوء الكامل]
حنقا عليّ ولا أرى ....... لي منهما نشرا بئيسا
وقرى أهل مكة «بئيس» كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم: هما لغتان، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه «بيئس» بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل ومعناه شديد، ومنه قول امرئ القيس بن عابس الكندي: [الرجز]
كلاهما كان رييسا بيئسا ....... يضرب في يوم الهياج القونسا
فهي صفة كضيغم وحيدر، وهي قراءة الأعمش، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه «بيئس» كالتي قبل إلا كسر الهمزة على وزن فيعل، وهذا شاذ لأنه لا يوجد فيعل في الصحيح وإنما يوجد في المعتل مثل سيد وميت، وقال الزهراوي: روى نصر عن عاصم «بيس» على مثال ميت وهذا على أنه من البوس لا أصل له في الهمز، قال أبو حاتم زعم عصمة أن الحسن والأعمش قرءا «بئيس» الباء مكسورة والهمزة ساكنة والياء مفتوحة على مثال خديم، وضعفها أبو حاتم، وقرأ ابن عامر من السبعة «بئس» بكسر الباء وسكون الهمزة وتنوين السين المكسورة وقرأت فرقة «بأس» بفتح الباء وسكون الألف، وقرأ أبو رجاء «بائس» على وزن فاعل، وقرأ فرقة «بيس» بفتح الباء والياء والسين على وزن فعل، وقرأ مالك بن دينار «بأس» بفتح الباء والسين وسكون الهمزة على وزن فعل غير مصروف، وقرأ فرقة «بأس» مصروفا، وحكى أبو حاتم «بيس» قال أبو الفتح هي قراءة نصر بن عاصم، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة «بيس» بكسر الباء ويهمز همزا خفيفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة،
وقوله: {بما كانوا يفسقون}؛ أي لأجل ذلك وعقوبة عليه). [المحرر الوجيز: 4/ 72-75]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«العتو» الاستعصاء وقلة الطواعية، وقوله: قلنا لهم يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم ذلك فكان أذهب في الإغراب والهوان والإصغار، ويحتمل أن يكون عبارة عن المقدرة المكونة لهم قردة، وخاسئين مبعدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد «اخسأ»، وكما يقال للكلب اخسأ، ف خاسئين خبر بعد خبر، هذا اختيار أبي الفتح، وضعف الصفة، وكذلك هو، لأن القصد ليس التشبيه بقردة مبعدات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويجوز أن يكون خاسئين حالا من الضمير في كونوا، والصفة أيضا متوجهة مع ضعفها، وروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير، وروي أن مسخهم كان بعد المعصية في صيد الحوت بعامين وقال ابن الكلبي إن إهلاكهم كان في زمن داود، وروي أن الناهين قسموا المدينة بينهم وبين العاصين بجدار، فلما أصبحوا ليلة أهلك العاصون لم يفتح مدينة العاصين حتى ارتفع النهار فاستراب الناهون لذلك فطلع أحد الناس على السور فرآهم ممسوخين قردة تتوا؟ ب، فصاح، فدخلوا عليهم يعرف الرجل قرابته ويعرف القرد أيضا كذلك قرابته، وينضمون إلى قرابتهم فيتحسرون، قال الزجاج: وقال قوم: يجوز أن تكون هذه القردة من نسلهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتعلق هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمة من الأمم فقدت وما أراها إلا الفأر إذا قرب لها لبن لم تشرب، وبقوله: -صلى الله عليه وسلم- في الضب، وقصص هذا الأمر أكثر من هذا لكن اختصرته واقتصرت على عيونه). [المحرر الوجيز: 4/ 75-76]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (167) وقطّعناهم في الأرض أمماً منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون (168)}
بنية تأذن هي التي تقتضي التكسب من أذن أي علم ومكن وآذن أي أعلم مثل كرم وأكرم وتكرم إلا أن تعلم وما جرى مجرى هذا الفعل إذا كان مسندا إلى اسم الله عز وجل لم يلحقه معنى التكسب الذي يلحق المحدثين، فإنما يترتب بمعنى علم صفة لا بتكسب بل هي قائمة بالذات وإلى هذا المعنى ينحو الشاعر بقوله:
تعلم أبيت اللعن
لأنه لم يأمره بالتعلم الذي يقتضي جهالة وإنما أراد أن يوقفه على قوة علمه، ومنه قول زهير:
تعلم إن شر الناس حي ....... ينادي في شعارهم يسار
فمعنى هذه الآية وإذ علم الله ليبعثن عليهم، ويقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ وإمضاء، كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم علم الله لأفعلن كذا، نحا إليه أبو علي الفارسي، وقال الطبري وغيره تأذّن معناه أعلم وهو قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذّن إلى الفاعل غير نسبة أعلم، وتبين ذلك من التعدي وغيره، وقال مجاهد: تأذّن معناه قال، وروي عنه أن معناه أمر، وقالت فرقة: معنى تأذّن تألى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا، والضمير في عليهم لمن بقي من بني إسرائيل لا للضمير في «لهم». وقوله: من يسومهم قال سعيد بن جبير هي إشارة إلى العذاب، وقال ابن عباس هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، ويسومهم معناه يكلفهم ويحملهم، وسوء العذاب الظاهر منه الجزية والإذلال، وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي، وقال ابن المسيب فيستحب أن تتعب اليهود في الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم الساكنة معهم وتملكوهم، ثم حسن في آخر هذه الآية لتضمنها الإيقاع بهم والوعيد أن ينبه على سرعة عقاب الله ويخوف بذلك تخويفا عاما لجميع الناس ثم رجى ذلك لطفا منه تبارك وتعالى). [المحرر الوجيز: 4/ 76-77]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)}
هذا السّياق هو بسطٌ لقوله تعالى: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} [البقرة: 65] يقول [اللّه] تعالى، لنبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه: {واسألهم} أي: واسأل هؤلاء اليهود الّذين بحضرتك عن قصّة أصحابهم الّذين خالفوا أمر اللّه، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذّر هؤلاء من كتمان صفتك الّتي يجدونها في كتبهم؛ لئلّا يحلّ بهم ما حلّ بإخوانهم وسلفهم. وهذه القرية هي "أيلة" وهي على شاطئ بحر القلزم.
قال محمّد بن إسحاق: عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}؛ قال: هي قريةٌ يقال لها "أيلة" بين مدين والطّور. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، وقتادة، والسّدّي.
وقال عبد اللّه بن كثيرٍ القارئ، سمعنا أنّها أيلة. وقيل: هي مدين، وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ وقال ابن زيدٍ: هي قريةٌ يقال لها. "مقنا" بين مدين وعيدوني.
وقوله: {إذ يعدون في السّبت}؛ أي: يعتدون فيه ويخالفون أمر اللّه فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك. {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أي ظاهرةً على الماء.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {شرّعًا}؛ من كلّ مكانٍ.
قال ابن جريرٍ: وقوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم}؛ أي: نختبرهم بإظهار السّمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرّم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في اليوم المحلّل لهم صيده {كذلك نبلوهم} نختبرهم {بما كانوا يفسقون}؛ يقول: بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها.
وهؤلاء قومٌ احتالوا على انتهاك محارم اللّه، بما تعاطوا من الأسباب الظّاهرة الّتي معناها في الباطن تعاطي الحرام.
وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد اللّه بن بطّة، رحمه اللّه: حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح الزّعفرانيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال:
«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل»
وهذا إسنادٌ جيّدٌ، فإنّ أحمد بن محمّد بن مسلمٍ هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثّقه، وباقي رجاله مشهورون ثقاتٌ، ويصحّح التّرمذيّ بمثل هذا الإسناد كثيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 493]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164) فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165) فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنّهم صاروا إلى ثلاث فرقٍ: فرقةٌ ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السّمك يوم السّبت، كما تقدّم بيانه في سورة البقرة. وفرقةٌ نهت عن ذلك، [وأنكرت] واعتزلتهم. وفرقةٌ سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنّها قالت للمنكرة: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنّهم هلكوا واستحقّوا العقوبة من اللّه؟ فلا فائدة في نهيكم إيّاهم. قالت لهم المنكرة: {معذرةً إلى ربّكم} قرأ بعضهم بالرّفع، كأنّه على تقديره: هذا معذرةٌ وقرأ آخرون بالنّصب، أي: نفعل ذلك {معذرةً إلى ربّكم} أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر {ولعلّهم يتّقون} يقولون: ولعلّ بهذا الإنكار يتّقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى اللّه تائبين، فإذا تابوا تاب اللّه عليهم ورحمهم.
قال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به} أي: فلمّا أبى الفاعلون المنكر قبول النّصيحة، {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا} أي: ارتكبوا المعصية {بعذابٍ بئيسٍ}؛ فنصّ على نجاة النّاهين وهلاك الظّالمين، وسكت عن السّاكتين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقّون مدحًا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذمّوا، ومع هذا فقد اختلف الأئمّة فيهم: هل كانوا من الهالكين أو من النّاجين؟ على قولين:
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: هي قريةٌ على شاطئ البحر بين مصر والمدينة، يقال لها: "أيلة"، فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرّعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السّبت لم يقدروا عليها. فمضى على ذلك ما شاء اللّه، ثمّ إن طائفةً منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفةٌ وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها اللّه عليكم يوم سبتكم؟ فلم يزدادوا إلّا غيًّا وعتوًّا، وجعلت طائفةٌ أخرى تنهاهم، فلمّا طال ذلك عليهم قالت طائفةٌ من النّهاة: تعلمون أنّ هؤلاء قومٌ قد حقّ عليهم العذاب، {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} وكانوا أشدّ غضبًا للّه من الطّائفة الأخرى؟ فقالوا: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} وكلٌّ قد كانوا ينهون، فلمّا وقع عليهم غضب اللّه نجت الطّائفتان اللّتان قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} والّذين قالوا: {معذرةً إلى ربّكم} وأهلك اللّه أهل معصيته الّذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردةً.
وروى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قريبًا من هذا.
وقال حمّاد بن زيدٍ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: ما أدري أنجا الّذين قالوا: "أتعظون قومًا اللّه مهلكهم"، أم لا؟ قال: فلم أزل به حتّى عرّفته أنّهم نجوا، فكساني حلّةً.
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريج، حدّثني رجلٌ، عن عكرمة قال: جئت ابن عبّاسٍ يومًا وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو، ثمّ لم أزل على ذلك حتّى تقدّمت فجلست، فقلت: ما يبكيك يا أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداك؟ قال: فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في "سورة الأعراف"، قال: تعرف أيلة قلت: نعم. قال: فإنّه كان بها حيٌّ من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السّبت، ثمّ غاصت لا يقدرون عليها حتّى يغوصوا بعد كدٍّ ومؤنةٍ شديدةٍ، كانت تأتيهم يوم السّبت شرّعًا بيضًا سمانًا كأنّها الماخض، تتبطّح ظهورها لبطونها بأفنيتهم. فكانوا كذلك برهةً من الدّهر، ثمّ إن الشّيطان أوحى إليهم فقال: إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت، فخذوها فيه، وكلوها في غيره من الأيّام. فقالت ذلك طائفةٌ منهم، وقالت طائفةٌ: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السّبت. فكانوا كذلك، حتّى جاءت الجمعة المقبلة، فغدت طائفةٌ بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفةٌ ذات اليمين، وتنحّت واعتزلت طائفةٌ ذات اليسار وسكتت. وقال الأيمنون: ويلكم، اللّه، اللّه ننهاكم أن تتعرّضوا لعقوبة اللّه. وقال الأيسرون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ قال الأيمنون: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} إن ينتهوا فهو أحبّ إلينا ألّا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرةً إلى ربّكم. فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون: فقد فعلتم، يا أعداء اللّه. واللّه لا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتّى يصبّحكم اللّه بخسفٍ أو قذفٍ أو بعض ما عنده من العذاب. فلمّا أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا، فلم يجابوا، فوضعوا سلّمًا، وأعلوا سور المدينة رجلًا فالتفت إليهم فقال: أي عباد اللّه، قردةٌ واللّه تعاوي لها أذنابٌ. قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشمّ ثيابه وتبكي، فتقول: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها، أي نعم. ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} قال: فأرى الّذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها؟. قال: قلت: جعلني اللّه فداك، ألا ترى أنّهم قد كرهوا ما هم عليه، وخالفوهم وقالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}؟ قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين
وكذا روى مجاهدٌ، عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يونس، أخبرنا أشهب بن عبد العزيز، عن مالك، قال: زعم ابن رومان أنّ قوله تعالى: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ قال: كانت تأتيهم يوم السّبت، فإذا كان المساء ذهبت، فلا يرى منها شيءٌ إلى يوم السّبت الآخر، فاتّخذ -لذلك -رجلٌ خيطًا ووتدًا، فربط حوتًا منها في الماء يوم السّبت، حتّى إذا أمسوا ليلة الأحد، أخذه فاشتواه، فوجد النّاس ريحه، فأتوه فسألوه عن ذلك، فجحدهم، فلم يزالوا به حتّى قال لهم: "فإنّه جلد حوتٍ وجدناه". فلمّا كان السّبت الآخر فعل مثل ذلك -ولا أدري لعلّه قال: ربط حوتين -فلمّا أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجدوا رائحةً، فجاءوا فسألوه فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع. فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتّى كثر ذلك. وكانت لهم مدينةٌ لها ربضٌ يغلقونها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم. فغدوا عليهم جيرانهم ممّا كانوا حولهم، يطلبون منهم ما يطلب النّاس، فوجدوا المدينة مغلقةً عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوّروا عليهم، فإذا هم قردةٌ، فجعل القرد يدنو يتمسّح بمن كان يعرف قبل ذلك، ويدنو منه ويتمسّح به
وقد قدّمنا في سورة "البقرة" من الآثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنعٌ وكفايةٌ، وللّه الحمد والمنّة.
القول الثّاني: أنّ السّاكتين كانوا من الهالكين.
قال محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه قال: ابتدعوا السّبت فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السّبت، شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر. فإذا انقضى السّبت، ذهبت فلم تر حتّى السّبت المقبل، فإذا جاء السّبت جاءت شرّعًا، فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثمّ إنّ رجلًا منهم أخذ حوتًا فخزم أنفه ثمّ، ضرب له وتدًا في السّاحل، وربطه وتركه في الماء. فلمّا كان الغد، أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحدٌ، إلّا عصبةٌ منهم نهوه، حتّى ظهر ذلك في الأسواق، ففعل علانيةً. قال: فقالت طائفةٌ للّذين ينهونهم: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم} فقالوا: سخط أعمالهم {ولعلّهم يتّقون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به} إلى قوله: {قردةً خاسئين} قال ابن عبّاسٍ: كانوا أثلاثًا: ثلثٌ نهوا، وثلثٌ قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} وثلثٌ أصحاب الخطيئة، فما نجا إلّا الّذين نهوا وهلك سائرهم.
وهذا إسنادٌ جيّدٌ عن ابن عبّاسٍ، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة السّاكتين، أولى من القول بهذا؛ لأنّه تبيّن حالهم بعد ذلك، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ}؛ فيه دلالةٌ بالمفهوم على أنّ الّذين بقوا نجوا.
و {بئيسٍ}؛ فيه قراءاتٌ كثيرةٌ، ومعناه في قول مجاهدٍ: "الشّديد"، وفي روايةٍ: "أليمٍ". وقال قتادة: موجعٌ. والكلّ متقاربٌ، واللّه أعلم.
وقوله: {خاسئين}؛ أي: ذليلين حقيرين مهانين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 494-497]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (167)}
{تأذّن}؛ تفعّل من الإذن أي: أعلم، قاله مجاهدٌ. وقال غيره: أمر.
وفي قوّة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللّفظة، ولهذا تلقّيت باللّام في قوله: {ليبعثنّ عليهم} أي: على اليهود {إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر اللّه وشرعه واحتيالهم على المحارم.
ويقال: إنّ موسى، عليه السّلام، ضرب عليهم الخراج سبع سنين -وقيل: ثلاث عشرة سنةً، وكان أوّل من ضرب الخراج. ثمّ كانوا في قهر الملوك من اليونانيّين والكشدانيّين والكلدانيّين، ثمّ صاروا في قهر النّصارى وإذلالهم وإيّاهم، أخذهم منهم الجزية والخراج، ثمّ جاء الإسلام، ومحمّدٌ، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، فكانوا تحت صفاره وذمّته يؤدّون الخراج والجزى
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في تفسير هذه الآية قال: هي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عنه: هي الجزية، والّذين يسومهم سوء العذاب: محمّدٍ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأمّته، إلى يوم القيامة.
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وابن جريج، والسّدّي، وقتادة.
وقال عبد الرّزّاق: عن معمر، عن عبد الكريم الجزريّ، عن سعيد بن المسيّب قال: يستحبّ أن تبعث الأنباط في الجزية.
قلت: ثمّ آخر أمرهم أنّهم يخرجون أنصار الدّجّال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم، عليه السّلام، وذلك آخر الزّمان.
وقوله: {إنّ ربّك لسريع العقاب}؛ أي: لمن عصاه وخالف أمره وشرعه، {وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} أي: لمن تاب إليه وأناب.
وهذا من باب قرن الرّحمة مع العقوبة، لئلّا يحصل اليأس، فيقرن اللّه تعالى بين التّرغيب والتّرهيب كثيرًا؛ لتبقى النّفوس بين الرجاء والخوف). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 497]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة