العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (90) إلى الآية (93) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (90) إلى الآية (93) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسألت مالكاً عن الميسر ما هو، قال: كل ما قومر عليه فهو حرامٌ). [الجامع في علوم القرآن: 2/139] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}؛
وقال في سورة البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}؛
فنسخت في المائدة فقال: {يا أيها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/70] (م)
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان} [المائدة: 90]
وقال ابن عبّاسٍ: " الأزلام: القداح يقتسمون بها في الأمور، والنّصب: أنصابٌ يذبحون عليها " وقال غيره: " الزّلم: القدح لا ريش له وهو واحد، الأزلام والاستقسام: أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره به، يجيل: يدير، وقد أعلموا القداح أعلامًا، بضروبٍ يستقسمون بها، وفعلت منه قسمت، والقسوم: المصدر "
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا محمّد بن بشرٍ، حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: حدّثني نافعٌ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: «نزل تحريم الخمر، وإنّ في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربةٍ ما فيها شراب العنب»
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، قال: قال أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه: " ما كان لنا خمرٌ غير فضيخكم هذا الّذي تسمّونه الفضيخ، فإنّي لقائمٌ أسقي أبا طلحة، وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجلٌ فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرّمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرّجل "
- حدّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن جابرٍ، قال: «صبّح أناسٌ غداة أحدٍ الخمر، فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء وذلك قبل تحريمها»
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ، أخبرنا عيسى، وابن إدريس، عن أبي حيّان، عن الشّعبيّ، عن ابن عمر، قال: سمعت عمر رضي اللّه عنه على منبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقول: " أمّا بعد، أيّها النّاس إنّه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسةٍ من: العنب والتّمر والعسل والحنطة والشّعير ، والخمر ما خامر العقل "). [صحيح البخاري: 6/53-54]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله إنّما الخمر والميسر)
ساق إلى من عمل الشّيطان وسقط باب قوله لغير أبي ذرٍّ ووقع بينهم في سياق ما قبل الحديث المرفوع تقديم وتأخير قوله وقال بن عبّاسٍ الأزلام القداح يقتسمون بها في الأمور وصله بن أبي حاتم من طريق عطاء عن بن عبّاسٍ مثله وقد تقدّم في حديث الهجرة قول سراقة بن مالكٍ لمّا تتبّع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا بكرٍ قال استقسمت بالأزلام هل أضرّهم أم لا فخرج الّذي أكره وقال بن جريرٍ كانوا في الجاهليّة يعمدون إلى ثلاثة سهامٍ على أحدها مكتوبٌ افعل وعلى الثّاني لا تفعل والثّالث غفلٌ وقال الفرّاء كان على الواحد أمرني ربّي وعلى الثّاني نهاني ربّي وعلى الثّالث غفلٌ فإذا أراد أحدهم الأمر أخرج واحدًا فإن طلع الآمر فعل أو النّاهي ترك أو الغفل أعاد وذكر بن إسحاق أنّ أعظم أصنام قريشٍ كان هبل وكان في جوف الكعبة وكانت الأزلام عنده يتحاكمون عنده فيما أشكل عليهم فما خرج منها رجعوا إليه قلت وهذا لا يدفع أن يكون آحادهم يستعملونها منفردين كما في قصّة سراقة وروى الطّبريّ من طريق سعيد بن جبيرٍ قال الأزلام حصًى بيضٌ ومن طريق مجاهدٍ قال حجارةٌ مكتوبٌ عليها وعنه كانوا يضربون بها لكلّ سفرٍ وغزوٍ وتجارةٍ وهذا محمولٌ على غير الّتي كانت في الكعبة والّذي تحصّل من كلام أهل النّقل أنّ الأزلام كانت عندهم على ثلاثة أنحاءٍ أحدها لكلّ أحدٍ وهي ثلاثةٌ كما تقدّم وثانيها للأحكام وهي الّتي عند الكعبة وكان عند كلّ كاهنٍ وحاكمٍ للعرب مثل ذلك وكانت سبعةً مكتوبٌ عليها فواحدٌ عليه منكم وآخر ملصقٌ وآخر فيه العقول والدّيات إلى غير ذلك من الأمور الّتي يكثر وقوعها وثالثها قداح الميسر وهي عشرةٌ سبعةٌ مخطّطةٌ وثلاثةٌ غفلٌ وكانوا يضربون بها مقامرةً وفي معناها كلّ ما يتقامر به كالنّرد والكعاب وغيرها قوله والنّصب أنصابٌ يذبحون عليها وصله بن أبي حاتمٍ أيضًا من طريق عطاءٍ عن بن عبّاسٍ وقال أبو عبيدة النّصب واحد الأنصاب وقال بن قتيبة هي حجارةٌ كانوا ينصبونها ويذبحون عندها فينصبّ عليها دماء الذّبائح والأنصاب أيضًا جمع نصبٍ بفتح أوّله ثمّ سكونٍ وهي الأصنام قوله وقال غيره الزّلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام قال أبو عبيدة واحد الأزلام زلمٌ بفتحتين وزلمٌ بضمّ أوّله وفتح ثانيه لغتان وهو القدح أي بكسر القاف وسكون الدّال قوله والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره قال أبو عبيدة الاستقسام من قسمت أمري بأن أجيل القداح لتقسم لي أمري أأسافر أم أقيم وأغزو أم لا أغزو أو نحو ذلك فتكون هي الّتي تأمرني وتنهاني ولكلّ ذلك قدحٌ معروفٌ قال الشّاعر ولم أقسم فتحسبني القسوم والحاصل أنّ الاستقسام استفعالٌ من القسم بكسر القاف أي استدعاء ظهور القسم كما أنّ الاستسقاء طلب وقوع السّقي قال الفرّاء الأزلام سهامٌ كانت في الكعبة يقسمون بها في أمورهم قوله يجيل يدير ثبت هذا لأبي ذرٍّ وحده وهو شرحٌ لقوله يجيل القدح قوله وقد أعلموا القدح أعلامًا بضروبٍ يستقسمون بها بيّن ذلك بن إسحاق كما تقدّم قريبًا قوله وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام هو استفعلت من قسمت أمري

[4616] قوله حدّثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه قوله نزل تحريم الخمر وإنّ في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربةٍ ما فيها شراب العنب يريد بذلك أنّ الخمر لا يختصّ بماء العنب ثمّ أيد ذلك بقول أنس ما كان لنا خمر غير فضيخكم ثمّ ذكر حديث جابرٍ في الّذين صبّحوا الخمر ثمّ قتلوا بأحدٍ وذلك قبل تحريمها ويستفاد منه أنّها كانت مباحة قبل التّحريم ثمّ ذكر حديث عمر أنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسةٍ وذكر منها العنب وظاهره يعارض حديث بن عمر المذكور أوّل الباب وسنذكر وجه الجمع بينهما في كتاب الأشربة مع شرح أحاديث الباب إن شاء اللّه تعالى وقوله في هذه الرّواية اهريقت أنكره بن التّين وقال الصّواب هريقت بالهاء بدل الهمزة ولا يجمع بينهما وأثبت غيره من أئمّة اللّغة ما أنكره وقد أخرج أحمد ومسلمٌ في سبب نزول هذه الآية عن سعد بن أبي وقّاصٍ قال صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرّم حتّى سكرنا فتفاخرنا إلى أن قال فنزلت إنّما الخمر والميسر إلى قوله فهل أنتم منتهون). [فتح الباري: 8/277-278]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان} (المائدة: 90)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {إنّما الخمر} الآية لم يقع لفظ باب إلاّ في رواية أبي ذر، وفي هذه الآية الكريمة نهى الله عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار، وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبس بن مرحوم عن حاتم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ رضي الله تعالى عنه، أنه قال: الشطرنج من القمار، وقال ابن أبي حاتم، حدثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان أن اللّيث وعطاء ومجاهدا وطاوس، قالوا: كل شيء من القمار فهو الميسر حتّى لعب الصّبيان بالجوز، وروى عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب مثله، قالا: حتّى الكعاب والجوز والبيض الّتي يلعب بها الصّبيان، وقال ابن كثير في (تفسيره) وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر: أنه شرّ من النّرد، ونصّ على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد، وكرهه الشّافعي. قلت: إذا كان الشطرنج شرا من النّرد فانظر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في النّرد، رواه مالك في (الموطّأ) وأحمد في (مسنده) وأبو داود وابن ماجه في (سننيهما عن) أبي موسى الأشعريّ، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)، وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد شير فكأنّما صبغ يده بلحم خنزير ودمه) .
وقال ابن عبّاس الأزلام القداح يستقسمون بها في الأمور
هذا التّعليق رواه أبو بكر بن المنذر عن علان بن المغيرة حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، ورواه أبو محمّد بن أبي حاتم بسند صحيح نحوه، قال: وروى عن الحسن ومجاهد وإبراهيم وعطاء ومقاتل نحو ذلك. قوله: (الأزلام)، جمع زلم، بفتح الزّاي واللّام، وجاء فيه ضم الزّاي. قوله: (القداح)، جمع قدح، بكسر القاف وسكون الدّال، وهو السهم الّذي كانوا يستقسمون به أو الّذي يرمى به عن القوس، يقال للسهم أول ما يقطع قطع، ثمّ ينحت ويبرى فيسمى: بريا ثمّ يقوم فيسمى، قدحا، ثمّ يراش ويركب نصله فيسمى سهما. قوله: (يستقسمون بها) من الاستسقام وهو طلب القسم الّذي قسم له وقدر ممّا لم يقدر، وهو استفعال منه، وكانوا إذا أراد أحدهم سفرا أو تزويجا أو نحو ذلك من المهمّات ضرب بالأزلام، وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب أمرني ربّي، وعلى الآخر: نهاني ربّي، وعلى الآخر: غفل، فإن خرج أمرني ربّي، مضى لشأنه، وإن خرج: نهاني أمسك، وإن خرج الغفل عادا أحالها وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النّهي قلت: الغفل، بضم الغين المعجمة وسكون الفاء، وقال ابن الأثير: هو الّذي لا يرجى خيره ولا شره، والمراد هنا الخالي عن شيء، وذكر ابن إسحاق، أن أعظم أصنام قريش كان هبل، وكان في جوف الكعبة وكانت الأزلام عنده يتحاكمون فيما أشكل عليهم فيما خرج منها رجعوا إليه.
والنّصب أنصابٌ يذبحون عليها
هذا أيضا من قول ابن عبّاس، وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عبّاس. قوله: (والنّصب)، بضم النّون والصّاد وسكونها: مفرد جمعه أنصاب. وقال ابن الأثير النصب حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدّم، ويقال: الأنصاب أيضا جمع نصب، بفتح النّون وسكون الصّاد، وهي الأصنام.
وقال غيره الزّلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام
أي: قال غير ابن عبّاس: (الزلم) بفتحتين هو (القدح الّذي لا ريش له) وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله: (وأحد الأزلام) أي: الزلم مفرد وجمعه أزلام، وفي الحقيقة لا فرق بين هذا القول وبين قول ابن عبّاس الّذي مضى، غير أن ابن عبّاس لم يذكر في كلامه مفرد؟ الأزلام، وفي القول ذكر المفرد ثمّ الجمع.
والاستسقام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره
أشار به إلى تفسير قول ابن عبّاس: يستقسمون بها في الأمور، وهو مشتقّ من الاستقسام، وهو أن يجيل القداح فإن طلع القدح الّذي عليه النّهي انتهى وترك، وإن طلع الّذي عليه الأمر ائتمر وفعل، وقد مر بيانه عن قريب.
يجيل يدير
أشار به إلى أن معنى قوله: يجيل يدير من الإجالة بالجيم وهي الإدارة، وهذا ما ثبت إلاّ في رواية أبي ذر.
وقد أعلموا القداح أعلاما بضروبٍ يستسقمون بها
أي: الجاهليّة أعلموا القداح لضروب أي: لأنواع من الأمور يطلبون بذلك بيان قسمهم من الأمر أو النّهي.
وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر
أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستسقام يقول: قسمت، بضم التّاء، وأشار بقوله والقسوم المصدر إلى أن مصدر قسمت الّذي هو إخبار عن نفسه من الثلاثي المجرّد يأتي قسوما على وزن فعولًا، وقد جاء لفظ القسوم في قول الشاعرة:
ولم أقسم فتحبسني القسوم
ولكن الاحتجاج بهذا على أن لفظ القسوم مصدر فيه نظر لأنّه يحتمل أن يكون جمع قسم، بكسر القاف.

- (حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمّد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز قال حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزل تحريم الخمر وإن في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب) مطابقته للتّرجمة ظاهرة واسحق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه ومحمّد بن بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني وقال الحميدي ليس له في الصّحيح عن نافع إلّا هذا الحديث والحديث من أفراده قوله " لخمسة أشربة " وهي شراب التّمر والعسل والحنطة والشعير والذرة فإن قلت روى أحمد من رواية المختار بن فلفل قال سألت أنسا عن الأوعية الحديث وفيه الخمر من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وفي رواية أبي يعلى الموصلي وحرمت الخمر وهي من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وفي رواية أبي هريرة عن النّبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - الخمر من هاتين الشجرتين النّخلة والعنب رواه مسلم قلت لا تعارض بين هذه الأحاديث لأن كل واحد من الرواة روى ما حفظه من الأصناف وأيضًا أن مفهوم العدد ليس بحجّة على الصّحيح وعليه الجمهور فإن قلت حديث أبي هريرة يدل على الحصر قلت لا نسلم ذلك لأن الحصر إنّما يكون إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين كقولك الله ربنا ونحوه -
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثنا ابن عليّة حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ قال: قال أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه ما كان لنا خمرٌ غير فضيخكم هذا الّذي تسمّونه الفضيخ فإنّي لقائمٌ أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجلٌ فقال وهل بلغكم الخبر فقالوا وما ذاك قال حرّمت الخمر قالوا أهرق هاذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها خبر الرّجل.

مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: حرمت الخمر، ويعقوب بن إبراهيم الدورق وهو شيخ مسلم أيضا، وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم وعليّة أمه، والحديث أخرجه مسلم في الأشربة عن يحيى بن أيّوب.
قوله: (غير فضيخكم)، الفضيخ، بفتح الفاء وكسر الضّاد المعجمة وفي آخره خاء معجمة، وهو شراب يتّخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النّار، واشتقاقه من الفضخ وهو الكسر، وقال إبراهيم الحربيّ: الفضيخ أن يكسر اليسر ويصب عليه الماء ويترك حتّى يغلي، وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار، فإن كان تمرا فهو خليط. قوله: (أبا طلحة)، هو زيد بن سهل الأنصاريّ زوج أم أنس. قوله: (وفلانًا وفلانًا)، وفي رواية مسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب: إنّي لقائم أسقيهاأبا طلحة وأبا أيّوب ورجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا إذ جاء رجل الحديث، وفي رواية له من حديث قتادة عن أنس، قال: كنت أسقي أبا دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار، وفي رواية أخرى له من حديث سليمان التّيميّ: حدثنا أنس بن مالك قال: إنّي لقائم على الحيّ على عمومتي أسقيهم من قضيخ لهم وأنا أصغرهم سنا لحديث، وفي رواية أخرى عن قتادة عن أنس قال: إنّي لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة الحديث، وسيأتي في كتاب الأشربة من حديث أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ الحديث. قوله: (إذ جاء رجل)، كلمة إذا انظر فيه معنى المفاجأة والرجل لم يسم. قوله: (أهرق)، أمر من إهراق، وقيل: الصّواب أرق لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما، ورد عليه بأن أهل اللّغة أثبتته كذلك. قوله: (القلال)، بالكسر جمع قلّة وهي الجرة الّتي يقلها القوي من الرّجال، والكوز اللّطيف الّذي تقله اليد ولا يثقل عليها، وفي الحديث جواز العمل بخبر الواحد، وفيه أن الخمر كانت مباحة قبل التّحريم.

- حدّثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن جابرٍ قال صبّح أناسٌ غداة أحدٍ الخمر فقتلوا من يومهم جميعا شهداءً وذلك قبل تحريمها.

مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (وذلك قبل تحريمها) وابن عيينة هو سفيان، وعمرو هو ابن دينار، والحديث مضى في الجهاد في: باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الّذين قتلوا في سبيل الله} (آل عمران: 169) الآية. فإنّه أخرجه هناك عن عليّ بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن جابر إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك، ومر في المغازي أيضا عن عبد الله بن محمّد.
والحديث أخرجه البزّار في (مسنده) حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ قتلوا شهداء يوم أحد. فقالت اليهود: فقد مات بعض الّذين قتلوا وهي في بطونهم، فأنزل الله تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناح فيما طعموا} (المائدة: 93) ثمّ قال: وهذا إسناد صحيح، وهو كما قال: ولكن في سياقه غرابة، وهذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان بعد غزوة أحد في شوّال سنة ثلاث من الهجرة.

- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان عن الشّعبيّ عن ابن عمر قال سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول أمّا بعد أيّها النّاس إنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسةٍ من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشّعير والخمر ما خامر العقل.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، وعيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وأبو حيّان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف: يحيى بن سعيد التّيميّ، والشعبيّ هو عامر بن شراحيل.
والحديث أخرجه أيضا في الاعتصام عن إسحاق أيضا وفي الأشربة أيضا عن أحمد بن أبي رجاء، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه أبو داود في الأشربة عن أحمد بن حنبل. وأخرجه التّرمذيّ فيه عن أحمد بن منيع. وأخرجه النّسائيّ فيه وفي الوليمة عن يعقوب بن إبراهيم وعن آخرين، وهذا الحديث موقوف على عمر، رضي الله تعالى عنه، ورواه النّسائيّ من رواية زكريّا بن أبي زائدة ومحمّد بن قيس كلاهما عن الشّعبيّ، ومن رواية أبي حصين عن الشّعبيّ عن ابن عمرة (ولم يذكر عمر) .
قوله: (والخمر ما خمر العقل) أي: ستره وغطاه وسار عليه كالخمار، وهو بعمومه يتناول كل ما أزال العقل سواء كان متخذا من العنب والزّبيب والحبوب بأنواعها أو نباتا كجوز الهند والحشيش ولبن الخشخاش وكل ذلك إذا أسكر حرم، ولا تعارض بين حديث عمر هذا وبين حديث ابنه عبد الله المذكور في أول الباب لما ذكرنا من الجواب عنه هناك). [عمدة القاري: 18/208-211]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان} [المائدة: 90] وقال ابن عبّاسٍ: الأزلام: القداح يقتسمون بها في الأمور، والنّصب: أنصابٌ يذبحون عليها. وقال غيره: الزّلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام، والإستقسام: أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره. ويجيل يدير وقد أعلموا القداح أعلامًا بضروبٍ يستقسمون بها، وفعلت منه قسمت والقسوم المصدر
(باب قوله) جل وعلا ({إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}) خبر عن الأشياء المتقدمة وإنما أخبر عن جمع بمفرد لأنه على حذف مضاف أي إنما تعاطي الخمر الخ ({من عمل الشيطان}) [المائدة: 90] لأنه مسبب من تسويله وتزيينه والظرف في موضع رفع صفة لرجس.
(وقال) بالواو ولأبي ذر قال: (ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه (الأزلام) هي (القداح) أي السهام التي (يقتسمون بها في الأمور) في الجاهلية (والنّصب) ولأبي ذر بإسقاط الواو. والنصب بضم النون والصاد قال ابن عباس مما وصله
ابن أبي حاتم هي (أنصاب) كانوا ينصبونها (يذبحون عليها) وقال ابن قتيبة حجارة ينصبونها ويذبحون عندها فتنصب عليها دماء الذبائح.
(وقال غيره) أي غير ابن عباس (الزلم) بفتحتين هو (القدح) بكسر القاف وسكون الدال وهو السهم الذي (لا ريش له وهو واحد الأزلام) ويقال للسهم أوّل ما يقطع قطع ثم ينحت ويبرى فيسمى بريًا ثم يقوّم فيسمى قدحًا، ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهمًا (والاستقسام) هو (أن يجيل) بالجيم (القداح) قيمها (فإن نهته) بأن خرج نهاني ربي (انتهى) وترك (وإن أمرته) بأن خرج أمرني ربي (فعل ما تأمره) زاد أبو ذر به وأن معنى قوله (يجيل) بضم التحتية وكسر الجيم أي (يدير) من الإدارة وكانوا يعطون القيم على إجالتها مائة درهم (وقد أعلموا القداح) وكانت سبعة مستوية موضوعة في جوف الكعبة عند هبل أعظم أصنامهم (أعلامًا) يكتبونها عليها (بضروب) أي بأنواع من الأمور، فعلى واحد أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، وعلى آخر واحد منكم، وعلى آخر من غيركم، وعلى آخر ملصق، وعلى آخر العقل والسابع غفل أي ليس عليه شيء. وكانوا (يستقسمون) أي يطلبون (بها) بيان قسمهم من الأمر الذي يريدونه كسفر أو نكاح أو تجارة أو اختلفوا فيه من نسب أو أمر قتيل أو حمل عقل وهو الدّية أو غير ذلك من الأمور العظيمة، فإن أجالوه على نسب وخرج منكم كان وسطًا فيهم وإن خرج من غيركم كان حلفًا فيهم وإن خرج ملصقًا كان على حاله، وإن اختلفوا في العقل فمن خرج عليه قدحه يحمله وإن خرج الغفل الذي لا علامة عليه أجالوا ثانيًا حتى يخرج المكتوب عليه وقد نهاهم الله عن ذلك وحرمه وسماه فسقًا.
ووقع في رواية يستقسمون به بتذكير الضمير أي يستقسمون بذلك الفعل (وفعلت منه قسمت) قال في العمدة: أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستقسام يقول قسمت بضم التاء (والقسوم) بضم القاف على وزن فعول (المصدر).
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا محمّد بن بشرٍ، حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدّثني نافعٌ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نزل تحريم الخمر وإنّ في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربةٍ ما فيها شراب العنب. [الحديث 4616 - أطرافه في: 5579].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه قال: (أخبرنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: نزل تحريم الخمر وإن في المدينة) ولأبي ذر لأن بالمدينة بالموحدة بدل في (يومئذٍ) قبل تحريمها (لخمسة أشربة) شراب العسل والتمر والحنطة والشعير والذرة (ما فيها شراب العنب).
وهذا الحديث من أفراده.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، قال: قال أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه-: ما كان لنا خمرٌ غير فضيخكم هذا الّذي تسمّونه الفضيخ، فإنّى لقائمٌ أسقي أبا طلحة وفلانًا وفلانًا إذ جاء رجلٌ فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرّمت الخمر، قالوا اهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرّجل.
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء آخره موحدة مصغرًا البناني البصري (قال: قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ما كان خمر غير فضيخكم) بفتح الفاء وكسر الضاد وبالخاء المعجمتين شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار والفضخ الكسر لأن البسر يشدخ ويترك في وعاء حتى يغلي (هذا الذي تسمونه الفضيخ فإني لقائم أسقي أبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس (وفلانًا وفلانًا) وقع من تسمية من كان مع أبي طلحة عند مسلم أبو دجانة وسهيل ابن بيضاء وأبو عبيدة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو أيوب (إذ جاء رجل) لم يسم (فقال): وفي الفرع قال: (وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر) أي حرمها الله تعالى على لسان رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قالوا: (أهرق) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فراء مكسورة أمر من أهراق، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: هرق بفتح الهاء وكسر الراء من غير همز وله أيضًا عن الكشميهني أرق بهمزة مفتوحة فراء مكسورة من غير هاء.
قال السفاقسي: الجمع بين الهاء والهمزة ليس بجيد لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما. وأجيب: بأنهم قد جمعوا بينهما كما في الصحاح وغيره، وصرح به سيبويه أي صب (هله القلاب يا أنس) بكسر القاف أي الجرار التي لا يقل أحدها إلا القوي من الرجال (قال) أي أنس: (فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل). ففيه قبول خبر الواحد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة.
- حدّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن جابرٍ، قال: صبّح أناسٌ غداة أحدٍ الخمر فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء وذلك قبل تحريمها.
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: صبح أناس) بفتح الصاد وتشديد الموحدة (غداة أحد) سنة ثلاث (الخمر) وفي الجهاد من طريق علي بن عبد الله المديني اصطبح ناس الخمر يوم أحد أي شربوه صبوحًا أي بالغداة (فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء) وعند الإسماعيلي من طريق القواريري عن سفيان اصطبح قوم الخمر أول النهار
وقتلوا آخر النهار شهداء (وذلك قبل تحريمها) وزاد البزار في مسنده فقالت اليهود: قد مات بعض الدين قتلوا وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] وفي سياق هذا الحديث غرابة وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: صنع رجل من الأنصار طعامًا فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرّم حتى سكرنا فتفاخرنا الحديث، وفيه فنزلت {إنما الخمر والميسر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}.
وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد والمغازي.
- حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ، أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان، عن الشّعبيّ عن ابن عمر قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- على منبر النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: أمّا بعد أيّها النّاس إنّه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسةٍ: من العنب، والتّمر، والعسل، والحنطة، والشّعير، والخمر ما خامر العقل. [الحديث 4619 - أطرافه في: 5581، 5588، 5589، 7337].

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (وابن إدريس) عبد الله الأودي الكوفي كلاهما (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن يزيد التيمي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- على منبر النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير) وفي هذا بيان حصول الخمر مما ذكر وليس للحصر لخلوّ التركيب عن أداته، ولتعقيبه بقوله (والخمر ما خامر العقل) أي ستره وغطاه كالخمار سواء كان مما ذكر أو من غيره كأنواع الحبوب والنبات كالأفيون والحشيش، ولا تعارض بين قول ابن عمر أوّلًا نزل تحريم الخمر وأن بالمدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب، وبين قول عمر نزل تحريم الخمر وهي من خمسة الخ لأن الأوّل أفاد أن التحريم نزل في حالة لم يكن شراب العنب فيها بالمدينة، والقول الثاني وهو قول عمر لا يقتضي أن شراب العنب كان بالمدينة إذ ذاك بوجه وحيئنذٍ فلا تعارض كما لا يخفى.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والأشربة، ومسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في الأشربة وكذا الترمذي والنسائي فيه وفي الوليمة). [إرشاد الساري: 7/107-109]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان}
قوله: (وفعلت منه قسمت) أي: صيغة المتكلم منه لفظة قسمت، والمقصود أن الاستفهام استفعال من القسم، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/49]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن، قال: أخبرنا محمّد بن يوسف، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل أبي ميسرة، عن عمر بن الخطّاب، أنّه قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت الّتي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر}، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت الّتي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}، فدعي عمر فقرئت عليه، ثمّ قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت الّتي في المائدة: {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}، إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فدعي عمر فقرئت عليه فقال: انتهينا انتهينا.
وقد روي عن إسرائيل هذا الحديث مرسلاً.
حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، أنّ عمر بن الخطّاب، قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ فذكر نحوه وهذا أصحّ من حديث محمّد بن يوسف). [سنن الترمذي: 5/103-104]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّما الخمر والميسر}
- أخبرنا محمّد بن عبد الرّحيم صاعقة، أخبرنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا ربيعة بن كلثوم بن جبرٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتّى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعضٍ، فلمّا صحوا جعل الرّجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته فيقول: قد فعل بي هذا أخي - وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان ربّي رؤوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا، فوقعت في قلوبهم الضّغائن، فأنزل الله عزّ وجلّ {إنّما الخمر والميسر} [المائدة: 90] إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] فقال ناسٌ: هي رجسٌ وهي في بطن فلانٍ قتل يوم بدرٍ، وفلانٍ قتل يوم أحدٍ، فأنزل الله عزّ وجلّ {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات} [المائدة: 93]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/85]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون}.
وهذا بيانٌ من اللّه تعالى ذكره للّذين حرّموا على أنفسهم النّساء والنّوم واللّحم من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تشبّهًا منهم بالقسّيسين والرّهبان، فأنزل اللّه فيهم على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتابه بنههم عن ذلك، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم} فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحلّ اللّه لهم من الطّيّبات. ثمّ قال: ولا تعتدوا أيضًا في حدودي، فتحلّوا ما حرّمت عليكم، فإنّ ذلك لكم غير جائزٍ كما غير جائزٍ لكم تحريم ما حللت، وإنّي لا أحبّ المعتدين.
ثمّ أخبرهم عن الّذي حرّم عليهم ممّا إذا استحلّوه وتقدّموا عليه كانوا من المعتدين في حدوده، فقال لهم: يا أيّها الّذين صدقوا اللّه ورسوله، إنّ الخمر الّتي تشربونها، والميسر الّذي تتياسرونه، والأنصاب الّتي تذبحون عندها، والأزلام الّتي تستقسمون بها {رجسٌ} يقول: إثمٌ ونتنٌ، سخطه اللّه وكرهه لكم {من عمل الشّيطان}
يقول: شربكم الخمر، وقماركم على الجزر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام من تزيين الشّيطان لكم، ودعائه إيّاكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال الّتي ندبكم إليها ربّكم، ولا ممّا يرضاه لكم، بل هو ممّا يسخطه لكم. {فاجتنبوه} يقول: فاتركوه وارفضوه، ولا تعملوه. {لعلّكم تفلحون} يقول: لكي تنجحوا فتدركوا الفلاح عند ربّكم، بترككم ذلك.
وقد بيّنّا معنى الخمر والميسر والأزلام فيما مضى، فكرهنا إعادته.
وأمّا الأنصاب، فإنّها جمع نصبٍ،وقد بيّنّا معنى النّصب بشواهده فيما مضى.
وروي عن ابن عبّاسٍ في معنى الرّجس في هذا الموضع ما:.
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {رجسٌ من عمل الشّيطان} يقول: سخطٌ.
وقال ابن زيدٍ في ذلك ما:.
- حدّثني به يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {رجسٌ من عمل الشّيطان} قال: الرّجس: الشّرّ {فاجتنبوه} يقول: فاتركوه وارفضوه، ولا تعملوه {لعلّكم تفلحون} يقول: لكي تنجحوا فتدركوا الفلاح عند ربّكم بترككم ذلك). [جامع البيان: 8/655-656]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن أبي غنيّة، ثنا أبو حيّان التّيميّ عن الشّعبيّ عن ابن عمر عن عمر قال: نزل تحريم الخمر وهي تصنع من خمسٍ من الشّعير والحنطة ومن العنب والتّمر والعسل، والخمر ما خامر العقل.
- وحدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم بن هشام الدّستوائيّ، ثنا قتادة عن سعيد بن المسيّب قال: إنّما سمّيت الخمر لأنّها صفا صفوها وسفل كدرها.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجا، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال بن أبي هلالٍ عن عطاء بن يسارٍ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون قال: هي في التّوراة أنّ اللّه أنزل الحقّ ليذهب به ويبطل به اللّعب والمزامير والزّفن والكنّانات يعني البراية، والزّمّارات يعني به الدّفّ والقنابير والشّعر والخمر لمن طعمها. أقسم اللّه بيمينه وعزّه من شربها بعد ما حرّمت لأعطّشنّه يوم القيامة. ومن تركها بعد ما حرّمتها لأسقينّه إيّاها في جنّة الفردوس.
قوله تعالى: والميسر
[الوجه الأول]
من فسّره على أنّه النّرد.
- حدّثنا أحمد بن منصور الزمادي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا صدقة، ثنا عثمان بن أبي العاتكة عن عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن أبي موسى الأشعريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اجتنبوا هذه الكعاب المرسومة الّتي يزجر بها زجرًا فإنّها من الميسر.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان عن عبد الملك بن عميرٍ وإبراهيم بن مسلمٍ الهجريّ عن أبي الأحوص عن عبد اللّه قال: إيّاكم وهذه الكعاب الموسومات فإنّها ميسر العجم- وروي عن عليٍّ وابن عمر وعائشة نحو ذلك
[الوجه الثاني]
من فسّره على أنّه القمار:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا شجاع بن الوليد أبو بدرٍ عن موسى بن عقبة عن نافعٍ عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: الميسر. قال: القمار، كانوا يتقامرون في الجاهليّة إلى مجيئ الإسلام فنهاهم اللّه عن هذه الأخلاق القبيحة.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن ليثٍ عن مجاهدٍ وعطاءٍ وطاوسٍ قال سفيان: أو اثنين منهم قالوا: كلّ شيءٍ من القمار فهو في الميسر حتّى لعب الصّبيان بالجوز
- وروي عن راشد بن سعدٍ وضمرة بن حبيبٍ مثله، وقالا حتّى الكعاب والجوز والبيض الّتي يلعب بها الصبيان.
[الوجه الثالث]
من جعل الميسر كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه.
- حدّثنا بحر بن نصرٍ المصريّ، ثنا ابن وهبٍ قال يحيى بن عبد اللّه بن سالمٍ حدّثني عبيد اللّه بن عمر قال: سئل القاسم بن محمّدٍ عن النّرد أهي في الميسر فقال: كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهو الميسر.
[الوجه الرابع]
من جعل اللّعب بالشّطرنج من الميسر:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن مرحومٍ، ثنا حاتمٌ، ثنا جعفر بن محمّدٍ عن أبيه عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه كان يقول: الشّطرنج من الميسر.
[الوجه الخامس]
من جعل الضّرب بالقدح من الميسر:
- حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، ثنا سلامة عن عقيلٍ عن ابن شهاب أبي الأعرج قال: الميسر الضّرب بالقدح على الأموال والثمار.
[الوجه السادس]
من جعل بيع اللّحم بالحيوان من الميسر:
- حدثنا أبي، ثنا القعبي عبد اللّه بن مسلمة قال: قرأت على مالك عن داود بن الحصين أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: كان ميسر أهل الجاهليّة بيع اللّحم بالشّاة والشّاتين.
قوله تعالى: الأنصاب
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاج بن محمّدٍ أنا ابن جريجٍ وعمر بن عطاء عن عطا عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: الأنصاب حجارةٌ كانوا يذبحون لها. وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: والأزلام
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: والأزلام قال: والأزلام قداحٌ كانوا يقتسمون بها الأمور- وروي عن الحسن ومجاهدٍ وعطاءٍ وإبراهيم ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو أحمد، ثنا إسرائيل عن أبي حصينٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: والأزلام قال: كانت لهم حصياتٌ إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها- وروي عن الثّوريّ نحو ذلك.
- حدثنا أبو زرعة بن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: الأزلام يعني القدحين اللذين كانا يستقسم بها أهل الجاهليّة في أمورهم أحدهما مكتوبٌ عليه أمرني ربّي والآخر نهاني ربّي، فإذا أرادوا أمرًا يربون بها، فإذا خرج الّذي عليه مكتوبٌ أمرني ربّي ركبوا الأمر الّذي همّوا به فإن خرج الّذي مكتوبٌ عليه نهاني ربّي تركوا الأمر الّذي أرادوا يركبونه فهذه الأزلام.
قوله تعالى: رجس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: رجسٌ يقول: سخطٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: رجسٌ من عمل الشّيطان يعني: إنّما يعني ما ذكر من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: رجسٌ من عمل الشّيطان قال الرّجس: الشّرّ من عمل الشّيطان.
قوله تعالى: من عمل الشّيطان
- حدّثنا أبو داود، ثنا يحيى بن عبد الله، حدثني أبي لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: من عمل الشّيطان يعني من تزيين الشّيطان.
قوله تعالى فاجتنبوه
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود ثنا محمّد بن أبي حسينٍ عن المصريّ ابن طعرة قارئ مصر قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آياتٍ، فأوّل شيءٍ نزل يسئلونك عن الخمر والميسر... الآية فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا:
يا رسول اللّه دعنا ننتفع بها كما قال اللّه تعالى، قال: فسكت عنهم.
ثمّ نزلت هذه الآية، إنّا لا نشربها قرب الصّلاة فسكت عنهم، ثمّ نزلت هذه الآية لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى، فقيل: حرّمت الخمر؟ فقالوا يا رسول اللّه إنّا لا نشربها قرب الصّلاة فسكت عنهم. ثمّ نزلت يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حرّمت الخمر.
- وحدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، ثنا بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه فهذا تحريمهنّ كما قال اللّه فاجتنبوا الرّجس من الأوثان يعني عبادة الأصنام فحرّم الخمر كما حرّم عبادة الأصنام.
قوله تعالى: لعلّكم
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قول اللّه لعلّكم تفلحون يعني لكي تفلحون.
قوله تعالى: تفلحون
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، أنبأ أبو حجرٍ المدينيّ عن محمّد بن كعبٍ القرطبيّ لعلّكم تفلحون يقول لعلّكم غدًا إذا لقيتموني.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق لعلّكم تفلحون أي لعلّكم أن تنجوا ممّا حذّركم اللّه به من عذابه وتدركون ما وعدكم فيه من ثوابه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1196-1200]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الميسر كعاب فارس وقداح العرب والقمار كله). [تفسير مجاهد: 203]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنه -: قال: {يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 44]
و{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس} [البقرة: 219] نسختها التي في المائدة {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(الميسر) القمار.
(والأنصاب) الأحجار التي كانوا ينصبونها، ويذبحون عليها لأصنامهم، وقيل: هي الأصنام). [جامع الأصول: 2/120-121]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د س) عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: أنه قال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس... } الآية فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: «اللهم بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ» فنزلت التي في النساء {يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت التي في المائدة {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: انتهينا، انتهينا. أخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي.
إلا أن أبا داود زاد بعد قوله: {وأنتم سكارى} : فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربنّ الصلاة سكرانٌ. وعنده: «انتهينا»، مرة واحدة). [جامع الأصول: 2/121-122]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّما الخمر والميسر} [المائدة: 90])
- عن ابن عبّاسٍ قال: «نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتّى إذا ثملوا، عبث بعضهم ببعضٍ، فلمّا صحوا جعل الرّجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته يقول: فعل هذا أخي فلانٌ، واللّه لو كان بي رؤوفًا رحيمًا ما فعل هذا بي. وقال: كانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن، فوقعت في قلوبهم الضّغائن، فأنزل اللّه - تعالى - {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90 - 91].
فقال ناسٌ من المتكلّفين: هي رجسٌ، وهي في بطن فلانٍ قتل يوم بدرٍ، وفلانٍ قتل يوم أحدٍ، فأنزل اللّه - تعالى -: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} [المائدة: 93]- الآية».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح، وقد تقدّم في الأشربة نحو هذا في تحريم الخمر.
- وعن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - قال: «لمّا نزل تحريم الخمر قالت اليهود: أليس إخوانكم الّذين ماتوا كانوا يشربونها؟ فأنزل اللّه - تعالى - {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} [المائدة: 93]. قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " فقيل لي: أنت منهم». قلت: في الصّحيح بعضه.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن عبد اللّه بن عمرٍو - رضي اللّه عنهما - أنّ هذه الآية الّتي في القرآن {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90] قال: هي في التّوراة: إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أنزل الحقّ ليذهب به الباطل، ويبطل به اللّعب والكنّارات والزّمّارات والزّفن والمعازف والمزاهر والسّعر، وأقسم ربّي بيمينٍ لا يشربها عبدٌ بعد ما حرّمتها إلّا أعطشه يوم القيامة، ولا يدعها بعد ما حرّمتها إلّا سقيته بحظير القدس.
رواه الطّبرانيّ في آخر حديثٍ صحيحٍ في قوله تعالى {إنّا أرسلناك شاهدًا} [الأحزاب: 45]، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/18-19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين * ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين}
- أخرج أحمد عن أبي هريرة قال حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله {يسألونك عن الخمر والميسر} البقرة الآية 219 الآية، فقال الناس ما حرم علينا إنما قال إثم كبير وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه في المغرب خلط في قراءته فأنزل الله أغلظ منها {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} النساء الآية 43 وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغتبق ثم نزلت آية أغلظ من ذلك {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} قالوا: انتهينا ربنا فقال الناس: يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح} إلى آخر الآية، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم.
وأخرج الطيالسي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء نزل {يسألونك عن الخمر والميسر} البقرة الآية 219 الآية، فقيل حرمت الخمر فقالوا: يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة
فسكت عنهم ثم نزلت {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت الخمر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والنحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فأتاه ناس فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر، وذلك قبل أن تحرم الخمر، فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار خير وقالت قريش: قريش خير، فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره فكان سعد مفزور الأنف قال: فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدثه، إن أول ما حرمت الخمر أن سعد بن أبي وقاص وأصحابا له شربوا فاقتتلوا فكسروا أنف سعد فأنزل الله {إنما الخمر والميسر} الآية.
وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال نزلت في ثلاث آيات من كتاب الله نزل تحريم الخمر نادمت رجلا فعارضته وعارضني فعربدت عليه فشججته فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} ونزلت في {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} العنكبوت الآية 8 {حملته أمه كرها} إلى آخر الآية ونزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} المجادلة الآية 12 فقدمت شعيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لزهيد فنزلت الآية الأخرى {أأشفقتم أن تقدموا} المجادلة الآية 13 الآية.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته فيقول: صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رؤوفا ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} فقال ناس من المتكلفين: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله هذه الآية {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
وأخرج ابن جرير عن بريدة قال بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر جلاء إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {منتهون} فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم قال: وبعض القوم شربته في بيده قد شرب بعضا وبقي بعض في الإناء فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما في باطيتهم فقالوا: انتهينا ربنا.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل المدينة إن الله يعرض عن الخمر تعريضا لا أدري لعله سينزل فيها أمر ثم قام فقال: يا أهل المدينة إن الله قد أنزل إلي تحريم الخمر فمن كتب منكم هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشربها.
وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن سابط قال: زعموا أن عثمان بن مظعون حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد فنزلت هذه الآية في سورة المائدة في الخمر فمر علي رجل فقال: حرمت الخمر وتلا هذه الآية فقال: تبا لها قد كان بصري فيها ثابتا.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال لما نزلت في البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} البقرة الآية 219 شربها قوم لقوله منافع للناس وتركها قوم لقوله إثم كبير منهم عثمان بن مظعون حتى نزلت الآية التي في النساء {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 فتركها قوم وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل حتى نزلت الآية التي في المائدة {إنما الخمر والميسر}
الآية، قال عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعدا لك وسحقا فتركها الناس ووقع في صدور أناس من الناس منها فجعل قوم يمر بالراوية من الخمر فتخرق فيمر بها أصحابها فيقولون: قد كنا نكرمك عن هذا المصرع وقالوا: ما حرم علينا شيء أشد من الخمر حتى جعل الرجل يلقى صاحبه فيقول: إن في نفسي شيئا، فيقول له صاحبه: لعلك تذكر الخمر، فيقول: نعم، فيقول: إن في نفسي مثل ما في نفسك حتى ذكر ذلك قوم واجتمعوا فيه فقالوا: كيف نتكلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد وخافوا أن ينزل فيهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعدوا له حجة فقالوا: أرأيت حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش أليسوا في الجنة قال: بلى، قالوا: أليسوا قد مضوا وهم يشربون الخمر فحرم علينا شيء دخلوا الجنة وهم يشربونه، فقال: قد سمع الله ما قلتم فإن شاء أجابكم فانزل الله {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} قالوا: انتهينا ونزل في الذين ذكروا حمزة وأصحابه {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {يسألونك عن الخمر والميسر} قال: الميسر، هو القمار كله {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} قال: فذمهما ولم يحرمهما وهي لهم حلال يومئذ ثم أنزل هذه الآية في شأن الخمر وهي أشد منها فقال {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 فكان السكر منها حراما ثم أنزل الآية التي في المائدة {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما لم يسكر.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: أول ما نزل تحريم الخمر {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير} البقرة الآية 219 الآية، فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها التي فيها وقال آخرون لا خير في شيء فيه إثم ثم نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 الآية، فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في بيوتنا وقال آخرون: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} الآية، فانتهوا فنهاهم فانتهوا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 قال: كان القوم يشربونها حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا عنها قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال حين أنزلت هذه الآية: قد تقرب الله في تحريم الخمر ثم حرمها بعد ذلك في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وعلم أنها تسفه الأحلام وتجهد الأموال وتشغل عن ذكر الله وعن الصلاة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فهل أنتم منتهون} قال: فانتهى القوم عن الخمر وأمسكوا عنها قال: وذكر لنا أن هذه الآية لما أنزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله قد حرم الخمر فمن كان عنده شيء فلا يطعمه ولا تبيعوها فلبث المسلمون زمانا يجدون ريحها من طرق المدينة لكثرة ما أهرقوا منها.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس، أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتى برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به لن يجلد فقال: لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله، قال: وفي أي كتاب الله تجد أن لا أجلدك قال: فإن الله تعالى يقول في كتابه {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات {ثم اتقوا وأحسنوا} شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين عذرا للماضين لأنهم لقوا الله قبل أن حرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} حتى بلغ الآية الأخرى فإن كان من {الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} فإن الله نهى أن يشرب الخمر، فقال عمر: فماذا ترون فقال علي بن أبي طالب: نرى أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر عمر فجلد ثمانين
وأخرج ابن مردويه عن أنس عن أبي طلحة زوج أم أنس قال لما نزلت تحريم الخمر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتفا يهتف: ألا إن الخمر قد حرمت فلا تبيعوها فمن كان عنده منه شيء فليهرقه، قال أبو طلحة: يا غلام حل عزلى تلك المزاد ففتحها فأهرقها وخمرنا يومئذ البسر والتمر فأهرق الناس حتى امتنعت فجاج المدينة.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: كنا نأكل من طعام لنا ونشرب عليه من هذا الشراب فأتانا فلان من نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشربون الخمر وقد أنزل فيها، قلنا ما تقولون قال: نعم سمعته من النّبيّ صلى الله عليه وسلم الساعة ومن عنده أتيتكم فقمنا فأكفينا ما كان في الإناء من شيء.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال كان عند أبي طلحة مال ليتيم فاشترى به خمرا فلما حرمت الخمر أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اجعله خلا فقال: لا أهرقه.
وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن الآية التي حرم الله فيها الخمر نزلت وليس في المدينة شراب يشرب إلا من تمر.
وأخرج أبو يعلى عن أنس قال: لما نزل تحريم الخمر فدخلت على ناس من أصحابي وهي بين أيديهم فضربتها برجلي وقلت: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نزل تحريم الخمر وشرابهم يومئذ البسر والتمر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كانوا يشربون الخمر بعد ما أنزلت التي في البقرة وبعد التي في سورة النساء فلما نزلت التي التي في سورة المائدة تركوه.
وأخرج مسلم وأبو يعلى، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن الله أعرض بالخمر فمن كان عنده منها شيء فليبع ولينتفع به فلم نلبث إلا يسيرا ثم قال: إن الله قد حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يبع ولا يشرب، قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها فسفكوها في طرق المدينة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب.
وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر بن عبد الله متى حرمت الخمر قال: بعد أحد صبحنا الخمر يوم أحد حين خرجنا إلى القتال.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: حرمت الخمر يوم حرمت وما كان شراب الناس إلا التمر والزبيب
وأخرج ابن مردويه، عن جابر قال كان رجل عنده مال أيتام فكان يشتري لهم ويبيع فاشترى خمرا فجعله في خوابي وإن الله أنزل تحريم الخمر فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه ليس لهم مال غيره فقال: أهرقه، فأهرقه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء وما خمرهم يومئذ إلا الفضيخ.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر إلا الفضيخ.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو قال: إن هذه الآية التي في القرآن {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} هي في التوراة إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ويبطل به اللعب والزفن والمزامير والكبارات، يعني البرابط والزمارات يعني الدف والطنابير والشعر والخمر مرة لمن طعمها وأقسم ربي بيمينه وعزة حيله لا يشربها عبد بعدما حرمتها عليه إلا عطشته يوم القيامة ولا يدعها بعد ما حرمتها إلا سقيته إياها من حظيرة القدس.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حرم الله الخمر وكل مسكر حرام.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: لقد أنزل الله تحريم الخمر وما بالمدينة زبيبة واحدة.
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن الجارود، وابن مردويه عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت الآية التي في المائدة سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ليتيم فقال: اهريقوها.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: حرمت الخمر وهي تخمر في الجراري.
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: نزل تحريم الخمر وما في أسقيتنا إلا الزبيب والتمر فأكفأناهما
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: من التمر خمر ومن العسل خمر ومن الزبيب خمر ومن العنب خمر ومن الحنطة خمر وأنهاكم عن كل مسكر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} البقرة الآية 219 الآية، كرهها قوم لقوله {فيهما إثم كبير} وشربها قوم لقوله {ومنافع للناس} حتى نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 فكانوا يدعونها في حين الصلاة ويشربونها في غير حين الصلاة، حتى نزلت {إنما الخمر والميسر} الآية فقال عمر: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، فتركوها ثم نزلت {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} النحل الآية 67 فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة {إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون}.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: نزلت هذه الآية {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، فلم يزالوا بذلك يشربونها حتى
صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا ساقيهم وعلي بن أبي طالب يقرأ {قل يا أيها الكافرون} الكافرون الآية 1 فلم يفهمها فأنزل الله يشدد في الخمر {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانت حلالا يشربونها من صلاة الغداة حتى يرتفع النهار فيقومون إلى صلاة الظهر وهم مصحون ثم لا يشربونها حتى يصلوا العتمة ثم يقومون إلى صلاة الفجر وقد صحوا فلم يزالوا بذلك يشربونها حتى صنع سعد بن أبي وقاص طعاما فدعا ساقيهم رجل من الأنصار فشوى لهم رأس بعير ثم دعاهم عليه فلما أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث فتكلم سعد بشيء فغضب الأنصاري فرفع لحي البعير فكسر أنف سعد فأنزل الله نسخ الخمر وتحريمها {إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وليس للعرب يومئذ عيش أعجب إليهم منها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الربيع قال: لما نزلت آية البقرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم يقدم في تحريم الخمر ثم نزلت آية النساء فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن ربكم يقرب في تحريم الخمر ثم نزلت آية المائدة فحرمت الخمر عند ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال نزلت أربع آيات في تحريم الخمر أولهن التي في البقرة ثم نزلت الثانية {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} النحل الآية 67 ثم أنزلت التي في النساء بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعض الصلوات إذ غنى سكران خلفه فأنزل الله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} النساء الآية 43 الآية، فشربها طائفة من الناس وتركها طائفة ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر ين الخطاب انتهينا يا ربنا.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوه عن ذلك فأنزل الله {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} البقرة الآية 216 فقالوا: هذا شيء قد جاء فيه رخصة نأكل الميسر ونشرب الخمر ونستغفر من ذلك حتى أتى رجل صلاة المغرب فجعل يقرأ {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} الكافرون الآيات الثلاث فجعل لا يجود ذلك ولا يدري ما يقرأ فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}
النساء الآية 43 فكان الناس يشربون الخمر حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} فقال: انتهينا يا رب.
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض وقالوا: حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك..
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت مدمن خمر إلا لقي الله كعابد وثن ثم قرأ {إنما الخمر والميسر} الآية.
وأخرج أحمد، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام.
وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح إن الله حرم بيع الخمر الأنصاب والميتة والخنزير فقال بعض الناس: كيف ترى في شحوم الميتة يدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا هي حرام ثم قال عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قدم رجل من دوس على النّبيّ صلى الله عليه وسلم براوية من خمر أهداها له فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله حرمها بعدك فأقبل الدوسي على رجل كان معه فأمره ببيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها وأمر بالمزاد فأهريقت حتى لم يبق فيها قطرة.
وأخرج ابن مردويه عن تميم الداري أنه كان يهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر فلما كان عام حرمت الخمر جاء براوية فلما نظر إليها ضحك وقال: هل شعرت أنها قد حرمت فقال: يا رسول الله أفلا نبيعها فننتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود انطلقوا إلى ما حرم الله عليهم من شحوم البقر والغنم فأذابوه اهالة فباعوا منه ما يأكلون والخمر حرام ثمنها حرام بيعها.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة والطحاوي، وابن أبي حاتم، وابن حبان والدارقطني، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عمر، أنه قام على المنبر فقال: أما بعد فإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة، من العنب والتمر والبر والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: إن هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء، من التمر والزبيب والعسل والبر والشعير فما خمرته منها ثم عتقته فهو خمر.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الزبيب والتمر هو الخمر يعني إذا انتبذا جميعا
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسكر.
وأخرج الحاكم وصححه عن مريم بنت طارق قالت: كنت في نسوة من المهاجرات حججنا فدخلنا على عائشة فجعل نساء يسألنها عن الظروف فقالت: إنكم لتذكرن ظروفا ما كان كثير منها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتقين الله واجتنبن ما يسكركن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر حرام وإن أسكرها ماء حبها فلتجتنبه.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر والنحاس في ناسخه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن الحسن قال: الميسر، القمار
وأخرج البيهقي في "سننه" عن نافع، أن ابن عمر كان يقول: الميسر، القمار.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في "سننه" عن مجاهد قال: الميسر كعاب فارس وقداح العرب وهو القمار كله.
وأخرج البيهقي عن مجاهد قال: الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى الاشعري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجرا فإنها من الميسر.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجر زجرا فإنها من الميسر.
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم وهاتين اللعبتين الموسومتين اللتين يزجران زجرا فإنهما ميسر العجم
وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجر زجرا فإنها ميسر العجم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر.
وأخرج عبد بن حميد، عن علي، قال: الشطرنج ميسر الأعاجم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد، أنه سئل عن النرد أهي من الميسر قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في الشعب عن القاسم، أنه قيل له: هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب من طريق ربيعة بن كلثوم عن أبيه قال: خطبنا ابن الزبير فقال: يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النرد شير وإن الله يقول في كتابه {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} وإني أحلف بالله لا أوتى بأحد لعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره وأعطيت سلبه من أتاني به.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالنرد شير فقد عصى الله ورسوله.
وأخرج أحمد عن أبي عبد الرحمن الخطمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمرو قال: اللاعب بالنرد قمارا كآكل لحم الخنزير واللاعب بها من غير قمار كالمدهن بودك الخنزير.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مجاهد قال: اللاعب بالنرد قمارا من الميسر واللاعب بها سفاحا كالصابغ يده في دم الخنزير والجالس عندها كالجالس عند مسالخه وأنه يؤمر بالوضوء منها والكعبين والشطرنج سواء.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلعبون بالنرد فقال: قلوب لاهية وأيد عاملة والسنة لاغية.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: النرد ميسر العجم.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال: الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبيد الله بن عمير قال: سئل ابن عمر عن الشطرنج فقال: هي شر من النرد.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر أنه سئل عن الشطرنج فقال: تلك المجوسية لا تلعبوا بها.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن عمير قال: رأى رجل من أهل الشام أنه يغفر لكل مؤمن في كل يوم اثنتي عشرة مرة إلا أصحاب الشاه يعني الشطرنج
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن قتادة قال: الميسر القمار كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله فيقعد سليبا حزينا ينظر إلى ماله في يد غيره وكانت تورث بينهم العداوة والبغضاء فنهى الله عن ذلك وتقدم فيه وأخبر إنما هو رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين، أنه رأى غلمانا يتقامرون في يوم عيد فقال: لا تقامروا فإن القمار من الميسر.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال: ما كان من لعب فيه قمار أو قيام أو صياح أو شر فهو من الميسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن شريح، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من الميسر: الصفير بالحمام والقمار والضرب بالكعاب.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: شهدت عثمان وهو يخطب وهو يأمر بذبح الحمام وقتل الكلاب.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن خالد الحذاء عن رجل يقال له أيوب قال: كان ملاعب آل فرعون الحمام.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال: من لعب بالحمام الطيارة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد المسيب بن قال: كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي في الميسر قال: كانوا يشترون الجزور فيجعلونها أجزاء ثم يأخذون القداح فيلقونها وينادي: يا ياسر الجزور يا ياسر الجزور فمن خرج قدحه أخذ جزءا بغير شيء ومن لم يخرج قدحه غرم ولم يأخذ شيئا.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس، انه كان يقال: أين أيسار
الجزور فيجتمع العشرة فيشترون الجزور بعشرة فصلان إلى الفصال فيجيلون السهام فتصير بتسعة حتى تصير إلى واحد ويغرم الآخرون فصيلا فصيلا إلى الفصال فهو الميسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأنصاب حجارة كانوا يذبحون لها والأزلام قداح كانوا يقتسمون بها الأمور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت لهم حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله {والأزلام} قال: هي كعاب فارس التي يقتمرون بها وسهام العرب.
وأخرج أبو الشيخ عن سلمة بن وهرام قال: سألت طاوسا عن الأزلام فقال: كانوا في الجاهلية لهم قداح يضربون بها قدح معلم يتطيرون منه فإذا ضربوا بها حين يريد أحدهم الحاجة فخرج ذلك القدح لم يخرج لحاجته وإن خرج غيره خرج لحاجته وكانت المرأة إذا أرادت حاجة لها لم تضرب بتلك القداح فذلك قوله الشاعر:
إذا جددت أنثى لأمر خمارها * أتته ولم تضرب له بالمقاسم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {رجس} قال: سخط.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق سعيد بن جبير في قوله {رجس} قال: إثم {من عمل الشيطان} يعني من تزيين الشيطان {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} يعني حين شج الأنصاري رأس سعد بن أبي وقاص {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} فهذا وعيد التحريم {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يعني في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام {فإن توليتم} يعني أعرضتم عن طاعتهما {فاعلموا أنما على رسولنا} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {البلاغ المبين} يعني أن يبين تحريم ذلك). [الدر المنثور: 5/453-480]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسألت مالكاً عن الميسر ما هو، قال: كل ما قومر عليه فهو حرامٌ). [الجامع في علوم القرآن: 2/139] (م)
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} إلى قوله: {والله يحبّ المحسنين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حزم بن أبي حزم القطعي قال: سمعت الحسن يقول: إنّ ناسًا من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كانوا يشربون الخمر، وكان عامّة عيشهم منها، فلمّا نزل تحريمها، قال ناسٌ: حرّمت علينا الخمر، وقد كان فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ يشربونها، وهم أصحاب الجنة، فماتوا، فقد كانوا يشربونها، إنّما أنزل تحريمها، ونزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}، فقال القوم: فقد انتهينا يا ربّنا، فقال: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}، القوم الّذين كانوا يشربونها، ثمّ ماتوا من قبل أن ينزل تحريمها، {إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، سمع جابر بن عبد اللّه، يقول: اصطبح ناسٌ من الخمر يوم أحدٍ، ثمّ قتلوا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا سعيد بن أبي عروبةٍ، عن قتادة - في قوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} -، قال: ذمّها اللّه في هذه الآية، ولم يحرّمها، وهي يومئذٍ حلالٌ، ثمّ أنزل اللّه فيه بعد ذلك آيةً في شأن الخمر هي أشدّ من هذه الآية، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}، فكان السّكر فيها (حرامًا)، ثمّ أنزل اللّه تعالى الآية الّتي في سورة المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه... } إلى قوله عز وجل: {هل أنتم منتهون}. قال قتادة: فجاء تحريمها في هذه الآية، قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا سعيد، عن قتادة قال: بلغنا أنّ هذه الآية لمّا نزلت: {إنّما الخمر والميسر}، قال نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((يا أيّها النّاس، إنّ اللّه عزّ وجلّ قد حرّم الخمر، فمن كان عنده منها شيءٌ فلا يطعمه، (ولا يبعه)) )، فأهراقوها، حتّى جعل المسلمون يجدون ريحها في طريق المدينة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا أبو حيّان التّيمي، قال: نا شدّاد أبو الفرات، قال: حدّثني أبو داود - شيخٌ، أو قال: رجلٌ من أهل المدائن -، قال: كنت تحت منبر حذيفة وهو يخطب النّاس بالمدائن، فقال: يا أيّها النّاس، ما بال أقوامٍ بلغني أنّهم يبيعون الخمر، ويقتنون الخنزير؟ ألا إنّ بائع الخمر وشاربها في الإثم سواءٌ، وإنّ مقتني الخنزير وآكله في الإثم سواءٌ، ألا أيّها النّاس تعاهدوا أرقكم، فانظروا ما يأتونكم به من كسبهم، فإنّه لا يدخل الجنّة لحم نبت (من) سحت.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم قال: نا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: قال سعيد بن المسيّب: إنّما سمّيت الخمر؛ لأنّها تركت حتّى صفا صفوها، ورسب كدرها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحكم، عن خيثمة بن عبد الرّحمن، قال: قال عبد اللّه بن عمرٍو: من شرب الخمر لم يزل مشركًا يومه حتّى يمسي، فإن سكر منها لم تقبل له صلاةٌ أربعين يومًا، فإن مات فيهن مات كافرًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر قال: لعنت الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا فليح بن سليمان، عن سعيد بن عبد الرّحمن بن وائل الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لعن اللّه الخمر، ولعن شاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وآكل ثمنها)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا العوّام، عن المسيّب بن رافعٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو.
- وأنا عبيدة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: معاقر الخمر كمن عبد اللّات والعزّى.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مطيع بن عبد اللّه، قال: نا الشّعبي، عن ابن عمر، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: لعن اللّه فلانًا ؛ فإنّه أوّل من أذن في بيع الخمر، وإنّ التّجارة لا تحلّ إلّا فيما يحلّ أكله، أو شربه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حبّان بن عليٍّ، قال: ثنا أبو سنان ضرار بن مرّة، عن عبد اللّه بن أبي الهذيل قال: قال عبد اللّه بن عمر: لو رأيت أحدًا يشرب الخمر لا يراني، إلّا قتلته، فاستطعت أن أقتله لقتلته.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا فليح - يعني ابن سليمان -، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن وعلة، قال: سألت ابن عبّاسٍ، فقلت: إنّا بأرضٍ لنا فيها كروم، وإنّ أكثر غلّتها: الخمر؟ فقال ابن عبّاسٍ: قدم رجلٌ من دوس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم براوية خمرٍ أهداها له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((هل علمت أنّ اللّه حرّمها بعدك؟)) فأقبل الدّوسي على رجلٍ كان معه، فأمره ببيعها، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((هل علمت أنّ الّذي حرّم شربها حرّم بيعها، وأكل ثمنها؟))، فأمر بالمزادة فأهريقت حتّى لم يبق فيها قطرة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، قال: نا أبو النّضر، عن رجلٍ، عن أبي هريرة، أنّ رجلًا أهدى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم راوية خمرٍ، وكان يهديها إليه. فقال: ((إنّ اللّه حرّمها بعدك)). فقال: أفلا أبيعها؟ فقال: ((إنّ الّذي حرّم علينا شربها حرّم علينا بيعها))، فقال: أفلا أكارم بها اليهود؟ فذكر أنّه أخبره أنّ الّذي حرّم شربها، حرّم عليهم أن يكارموا اليهود بها. قال: ما أصنع؟ قال: ((صبّها في البطحاء)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان قال: نا عمرٌو، عن يحيى بن جعدة، سمعته يقول: قال عثمان على المنبر: إيّاكم والخمر، فإنّها مفتاحٌ لكلّ شرٍّ، وإنّ رجلًا ممّن كان قبلكم قيل: إمّا أن تسجد لهذا الصّليب، وإما أن تحرق هذا الكتاب، وإمّا أن تقتل هذا الصّبيّ، وإمّا أن تصيب هذه المرأة، وإمّا أن تشرب هذه الكأس الخمر، فرأى أنّها أهون عليه، فلمّا شربها فعل ذلك، سجد للصّليب، وحرق الكتاب، وقتل الصبي، وأصاب من المرأة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يعقوب بن عبد الرّحمن، عن أبي حازمٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: أكبر الكبائر شرب الخمر.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الحارث بن شبيل بن عوفٍ، عن أبي عمرٍو الشّيبانيّ، قال: بلغ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن رجلٍ كان يكون بالسّواد يتّجر في الخمر، فأثرى وكثر ماله، فكتب فيه عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: أن اكسروا كلّ مالٍ وجدتموه له، وسيّبوا كل ماشية هي له.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: كلّ شيءٍ فيه قمار، فهو من الميسر، حتّى لعب الصّبيان بالجوز والكعاب.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنّه كان يكره قمار الصّبيان). [سنن سعيد بن منصور: 4/1569-1618]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون}.
يقول تعالى ذكره: إنّما يريد لكم الشّيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسّن ذلك لكم إرادةً منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغّض بعضكم إلى بعضٍ، فيشتّت أمركم بعد تأليف اللّه بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام. {ويصدّكم عن ذكر اللّه} يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إيّاكم عليكم وباشتغالكم بهذا الميسر عن ذكر اللّه الّذي به صلاح دنياكم وآخرتكم، وعن الصّلاة الّتي فرضها عليكم ربّكم {فهل أنتم منتهون} يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، وعاملون بما أمركم به ربّكم من أداء ما فرض عليكم من الصّلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الّذي به نجح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم.
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله نزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت بسببٍ كان من عمر بن الخطّاب، وهو أنّه ذكر مكروه عاقبةٍ شربها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسأل اللّه تحريمها.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: قال عمر: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، قال: فنزلت الآية الّتي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس}، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية الّتي في النّساء: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}، قال: وكان منادي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ينادي إذا حضرت الصّلاة: لا يقربنّ الصّلاة السّكران، قال: فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، قال: فنزلت الآية الّتي في المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فلمّا انتهى إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا انتهينا.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة قال: حدّثنا أبي، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال: قال عمر: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فإنّها تذهب بالعقل والمال، ثمّ ذكر نحو
- حديث وكيعٍ حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال: قال عمر بن الخطّاب: اللّهمّ بيّن لنا، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن أبيه وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطّاب، مثله.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ قال: حدّثنا زكريّا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطّاب، مثله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثني أبو معشرٍ المدنيّ، عن محمّد بن قيسٍ، قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أتاه النّاس، وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوه عن ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}، فقالوا: هذا شيءٌ قد جاء فيه رخصةٌ، نأكل الميسر ونشرب الخمر، ونستغفر من ذلك. حتّى أتى رجلٌ صلاة المغرب، فجعل يقرأ: قل يا أيّها الكافرون، أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد. فجعل لا يجوّد ذلك ولا يدري ما يقرأ، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}، فكان النّاس يشربون الخمر حتّى يجيء وقت الصّلاة فيدعون شربها، فيأتون الصّلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتّى أنزل اللّه تعالى: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}، فقالوا: انتهينا يا ربّ.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقّاصٍ، وذلك أنّه كان لاحى رجلاً على شرابٍ لهما، فضربه صاحبه بلحي جملٍ، ففزر أنفه، فنزلت فيهما.
ذكر الرّواية بذلك.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه سعدٍ، أنّه قال: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا فدعانا، قال: فشربنا الخمر حتّى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريشٌ، فقالت الأنصار: نحن أفضل منكم. قال: فأخذ رجلٌ من الأنصار لحي جملٍ فضرب به أنف سعدٍ ففزره، فكان سعدٌ أفزر الأنف. قال: فنزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} إلى آخر الآية.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن مصعب بن سعدٍ قال: قال سعدٌ: شربت مع قومٍ من الأنصار، فضربت رجلاً منهم أظنّ بفكّ جملٍ فكسرته، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} إلى آخر الآية.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه قال: شربت الخمر مع قومٍ من الأنصار، فذكر نحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ ابن شهابٍ، أخبره أنّ سالم بن عبد اللّه حدّثه أنّ أوّل ما حرّمت الخمر، أنّ سعد بن أبي وقّاصٍ وأصحابًا له شربوا، فاقتتلوا، فكسّروا أنف سعدٍ، فأنزل اللّه: {إنّما الخمر والميسر} الآية.
وقال آخرون: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا ربيعة بن كلثوم بن جبرٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتّى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعضٍ، فلمّا أن صحوا جعل الرّجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته، فيقول: فعل بي هذا أخي فلانٌ وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن واللّه لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا، حتّى وقعت في قلوبهم الضّغائن، فأنزل اللّه: {إنّما الخمر والميسر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}، فقال ناسٌ من المتكلّفين: هي رجسٌ، وهي في بطن فلانٍ قتل يوم بدرٍ، وقتل فلانٌ يوم أحدٍ، فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية.
- حدّثنا محمّد بن خلفٍ، قال: حدّثنا سعيد بن محمّدٍ الجرميّ، عن أبي تميلة، عن سلاّمٍ، مولى حفص بن أبي القاسمٍ، عن أبي بريدة، عن أبيه، قال: بينما نحن قعودٌ على شرابٍ لنا ونحن نشرب الخمر حلًّا، إذ قمت حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلّم عليه، وقد نزل تحريم الخمر: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان} إلى آخر الآيتين: {فهل أنتم منتهون}، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}. قال: وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام، ثمّ صبّوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا، انتهينا ربّنا.
وقال آخرون: إنّما كانت العداوة والبغضاء كانت تكون بين الّذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر لا بسبب السّكر الّذي يحدث لهم من شرب الخمر، فلذلك نهاهم اللّه عن الميسر.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال بشرٌ: وقد سمعته من يزيد وحدّثنيه قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الرّجل في الجاهليّة يقامر على أهله وماله، فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يدي غيره، فكانت تورث بينهم عداوةً وبغضاء، فنهى اللّه عن ذلك وقدّم فيه واللّه أعلم بالّذي يصلح خلقه.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى قد سمّى هذه الأشياء الّتي سمّاها في هذه الآية رجسًا وأمر باجتنابها.
وقد اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائزٌ أن يكون نزولها كان بسبب دعاء عمر رضي اللّه عنه في أمر الخمر، وجائزٌ أن يكون ذلك كان بسبب ما نال سعدًا من الأنصاريّ عند انتشائهما من الشّراب، وجائزٌ أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يسره وبغضه. وليس عندنا بأيّ ذلك كان خبرٌ قاطعٌ للعذر، غير أنّه أيّ ذلك كان فقد لزم حكم الآية جميع أهل التّكليف، وغير ضائرهم الجهل بالسّبب الّذي له نزلت هذه الآية، فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التّكليف اجتناب جميع ذلك، كما قال تعالى: {فاجتنبوه لعلّكم تفلحون}). [جامع البيان: 8/656-663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)
قوله تعالى: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا عثمان بن عمران شعبة عن سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن أبيه قال: صنع لنا رجلٌ من الأنصار طعامًا فأكلناه وشربنا الخمر وذلك قبل أن تحرّم الخمر، فأنشبنا نتفاخر فأنتشينا فتفاخرنا، فقلنا: نحن أفضل منكم وقالت الأنصار: نحن أفضل منكم فأخذ رجلٌ من الأنصار لحًى فضرب به أنف سعدٍ فشجّه. فنزلت إنما الخمر والميسر الآية
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يعني: حين شجّ الأنصاريّ رأس سعد بن أبي وقّاصٍ
قوله تعالى: ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة الآية
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطّاب اللّهمّ بيّن لنا في الخمر.
فنزلت فيها إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر فنزلت إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان حتّى بلغ- فهل أنتم منتهون قال عمر: انتهينا، إنّها تذهب المال وتذهب العقل.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيدٍ في قوله: ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون فهذا وعيد التّحريم. قالوا قد انتهينا يا ربّنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من كان عنده شيءٌ فلا يبعها ولا يشربها). [تفسير القرآن العظيم: 4/1200-1201]

تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين}
يقول تعالى ذكره: إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه، وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول في اجتنابكم ذلك واتّباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عمّا زجركم عنه من هذه المعاني الّتي بيّنها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالفوا الشّيطان في أمره إيّاكم بمعصية اللّه في ذلك وفي غيره، فإنّه إنّما يبغي لكم العداوة والبغضاء بينكم بالخمر والميسر {واحذروا} يقول: واتّقوا اللّه وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور الّتي حرّمها عليكم في هذه الآية وغيرها، أو يفقدكم عند ما أمركم به فتوبقوا أنفسكم وتهلكوها {فإن تولّيتم} يقول: فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به وتنتهوا عمّا نهيناكم عنه ورجعتم مدبرين عمّا أنتم عليه من الإيمان والتّصديق باللّه وبرسوله واتّباع ما جاءكم به نبيّكم، {فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين} يقول: فاعلموا أنّه ليس على من أرسلناه إليكم بالنّذارة غير إبلاغكم الرّسالة الّتي أرسل بها إليكم، مبيّنةً لكم بيانًا يوضّح لكم سبيل الحقّ والطّريق الّذي أمرتم أن تسلكوه، وأمّا العقاب على التّولية والانتقام بالمعصية، فعلى المرسل إليه دون الرّسل.
وهذا من اللّه تعالى وعيدٌ لمن تولّى عن أمره ونهيه، يقول لهم تعالى ذكره: فإن تولّيتم عن أمري ونهيي، فتوقّعوا عقابي واحذروا سخطي). [جامع البيان: 8/663-664]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين (92)
قوله تعالى: وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول يعني في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
قوله تعالى: فإن تولّيتم
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فإن تولّيتم: يعني أعرضتم عن طاعتها.
قوله تعالى: فاعلموا أنّما على رسولنا
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فاعلموا أنّما على رسولنا يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: البلاغ المبين
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: البلاغ المبين يعني أن يبيّن تحريم ذلك. في صفة أعمال المؤمنين وما أعد لهم في أموالهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1201]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا خلف بن خليفة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، أنّ الحسن كان يقول: "اتّقوا" فيما حرّم اللّه عليهم و"أحسنوا" فيما رزقهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 397]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} [المائدة: 93] إلى قوله: {واللّه يحبّ المحسنين} [المائدة: 93]
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا ثابتٌ، عن أنسٍ رضي اللّه عنه: أنّ الخمر الّتي أهريقت الفضيخ، وزادني محمّدٌ البيكنديّ، عن أبي النّعمان، قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديًا فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصّوت، قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: «ألا إنّ الخمر قد حرّمت» ، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قومٌ وهي في بطونهم، قال: فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} [المائدة: 93] "). [صحيح البخاري: 6/54]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا الآية)
كذا لأبي ذرٍّ ولغيره إلى قوله والله يحب المحسنين وذكر فيه حديث أنسٍ أنّ الخمر الّتي هريقت الفضيخ وسيأتي شرحه في الأشربة وقوله

[4620] وزادني محمّدٌ البيكنديّ عن أبي النّعمان كذا ثبت لأبي ذرٍّ وسقط لغيره البيكنديّ ومراده أنّ البيكنديّ سمعه من شيخهما أبي النّعمان بالإسناد المذكور فزاده فيه زيادةً والحاصل أنّ البخاريّ سمع الحديث من أبي النّعمان مختصرًا ومن محمّد بن سلّامٍ البيكنديّ عن أبي النّعمان مطوّلًا وتصرّف الزّركشيّ فيه غافلًا عن زيادة أبي ذرٍّ فقال القائل وزادني هو الفربريّ ومحمّدٌ هو البخاريّ وليس كما ظنّ رحمه اللّه وإنّما هو كما قدمته وقوله فنزلت تحريم الخمر فأمر مناديًا الآمر بذلك هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمنادي لم أر التّصريح باسمه والوقت الّذي وقع ذلك فيه زعم الواحديّ أنّه عقب قول حمزة إنّما أنتم عبيدٌ لأبي وحديث جابرٍ يردّ عليه والّذي يظهر أنّ تحريمها كان عام الفتح سنة ثمانٍ لما روى أحمد من طريق عبد الرّحمن بن وعلة قال سألت بن عبّاسٍ عن بيع الخمر فقال كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صديقٌ من ثقيفٍ أو دوسٍ فلقيه يوم الفتح براوية خمرٍ يهديها إليه فقال يا فلان أما علمت أنّ اللّه حرّمها فأقبل الرّجل على غلامه فقال بعها فقال إنّ الّذي حرّم شربها حرّم بيعها وأخرجه مسلمٌ من وجهٍ آخر عن أبي وعلة نحوه لكن ليس فيه تعيين الوقت وروى أحمد من طريق نافع بن كيسان الثّقفيّ عن أبيه أنّه كان يتّجر في الخمر وأنّه أقبل من الشّام فقال يا رسول اللّه إنّي جئتك بشرابٍ جيّدٍ فقال يا كيسان إنّها حرّمت بعدك قال فأبيعها قال إنّها حرّمت وحرّم ثمنها وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميمٍ الدّاريّ أنّه كان يهدي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ عامٍ راوية خمرٍ فلمّا كان عام حرّمت جاء براويةٍ فقال أشعرت أنّها قد حرّمت بعدك قال أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فنهاه ويستفاد من حديث كيسان تسمية المبهم في حديث بن عبّاسٍ ومن حديث تميمٍ تأييد الوقت المذكور فإنّ إسلام تميمٍ كان بعد الفتح وقوله فقال بعض القوم قتل قومٌ وهي في بطونهم فأنزل اللّه تعالى إلخ لم أقف على اسم القائل فائدةٌ في رواية الإسماعيليّ عن بن ناجية عن أحمد بن عبيدة ومحمّد بن موسى عن حمّادٍ في آخر هذا الحديث قال حمّادٌ فلا أدري هذا في الحديث أي عن أنسٍ أو قاله ثابتٌ أي مرسلًا يعني قوله فقال بعض القوم إلى آخر الحديث وكذا عند مسلمٍ عن أبي الرّبيع الزّهرانيّ عن حمّادٍ نحو هذا وتقدّم للمصنّف في المظالم عن أنسٍ بطوله من طريق عفّان عن حمّادٍ كما وقع عنده في هذا الباب فالله أعلم وأخرجه بن مردويه من طريق قتادة عن أنسٍ بطوله وفيه الزّيادة المذكورة وروى النّسائيّ والبيهقيّ من طريق بن عبّاسٍ قال نزل تحريم الخمر في ناسٍ شربوا فلمّا ثملوا عبثوا فلمّا صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناسٌ من المتكلّفين هي رجسٌ وهي في بطن فلانٍ وقد قتل بأحدٍ فنزلت ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ إلى آخرها وروى البزّار من حديث جابرٍ أنّ الّذين قالوا ذلك كانوا من اليهود وروى أصحاب السّنن من طريق أبي ميسرة عن عمر أنّه قال اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الآية الّتي في البقرة قل فيهما إثم كبير فقرئت عليه فقال اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الّتي في النّساء لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى فقرئت عليه فقال اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الّتي في المائدة فاجتنبوه إلى قوله منتهون فقال عمر انتهينا انتهينا وصححه عليّ بن المدينيّ والتّرمذيّ وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة نحوه دون قصّة عمر لكن قال عند نزول آية البقرة فقال النّاس ما حرّم علينا فكانوا يشربون حتّى أمّ رجلٌ أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فنزلت الآية الّتي في النّساء فكانوا يشربون ولا يقرب الرّجل الصّلاة حتّى يفيق ثمّ نزلت آية المائدة فقالوا يا رسول اللّه ناسٌ قتلوا في سبيل اللّه وماتوا على فرشهم وكانوا يشربونها فأنزل اللّه تعالى ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ الآية فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لو حرّم عليهم لتركوه كما تركتموه وفي مسند الطّيالسيّ من حديث بن عمر نحوه وقال في الآية الأولى قيل حرّمت الخمر فقالوا دعنا يا رسول اللّه ننتفع بها وفي الثّانية فقيل حرّمت الخمر فقالوا لا إنّا لا نشربها قرب الصّلاة وقال في الثّالثة فقالوا يا رسول اللّه حرمت الخمر قال بن التّين وغيره في حديث أنسٍ وجوب قبول خبر الواحد والعمل به في النّسخ وغيره وفيه عدم مشروعيّة تخليل الخمر لأنّه لو جاز لما أراقوها وسيأتي مزيدٌ لذلك في الأشربة إن شاء اللّه تعالى تنبيهٌ في رواية عبد العزيز بن صهيبٍ أنّ رجلًا أخبرهم أنّ الخمر حرّمت فقالوا أرق يا أنس وفي رواية ثابتٍ عن أنسٍ أنّهم سمعوا المنادي فقال أبو طلحة اخرج يا أنس فانظر ما هذا الصّوت وظاهرهما التّعارض لأنّ الأوّل يشعر بأنّ المنادي بذلك شافههم والثّاني يشعر بأنّ الّذي نقل لهم ذلك غير أنس فنقل بن التّين عن الدّاوديّ أنّه قال لا اختلاف بين الرّوايتين لأنّ الآتي أخبر أنسًا وأنسٌ أخبر القوم وتعقبه بن التّين بأنّ نصّ الرّواية الأولى أنّ الآتي أخبر القوم مشافهةً بذلك قلت فيمكن الجمع بوجهٍ آخر وهو أنّ المنادي غير الّذي أخبرهم أو أنّ أنسًا لمّا أخبرهم عن المنادي جاء المنادي أيضًا في أثره فشافههم). ). [فتح الباري: 8/279-280]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} إلى قوله: {والله يحبّ المحسنين} (المائدة: 93)

أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ليس على الّذين آمنوا} الآية. هذا المقدار المذكور رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: باب {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناح فيما طعموا} إلى قوله: {والله يحب المحسنين} ليس في بعض النّسخ لفظ باب، وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عبّاس. قال: لما حرمت الخمر قال أناس: يا رسول الله أصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله عز وجل: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناح فيما طعموا} قال: ولما حولت القبلة قال أناس: يا رسول الله! أصحابنا الّذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدّس، فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (البقرة: 113) قوله: (جناح) أي: إثم. قوله: (إذا ما اتّقوا)، يعني المعاصي والشرك. قوله: (وآمنوا) قيل باللّه ورسوله، وقيل بتحريم الخمر. قوله: (وعملوا الصّالحات) يعني: أقاموا على الفرائض. قوله: (ثمّ اتّقوا) هذه الثّانية المراد بها اجتنبوا العود إلى الخمر بعد التّحريم، وقيل: ظلم العباد، وقيل: ثمّ اتّقوا الشّبهات، وقيل: جميع المحارم. قوله: (وأحسنوا) أي العمل.

- حدّثنا أبو النّعمان حدّثنا حمّاد بن زيدٍ حدّثنا ثابتٌ عن أنسٍ رضي الله عنه أنّ الخمر الّتي أهريقت الفضيخ وزادني محمّدٌ عن أبي النّعمان قال كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا فنادى فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصّوت قال فخرجت فقلت هذا منادٍ ينادي ألا إنّ الخمر قد حرّمت فقال لي اذهب فأهرقها قال فجرت في سكك المدينة قال وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ فقال بعض القوم قتل قومٌ وهي في بطونهم قال فأنزل الله ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو النّعمان محمّد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم، والحديث مضى في المظالم في: باب صب الخمر في الطّريق، فإنّه أخرجه هناك عن محمّد بن عبد الرّحمن عن عفّان عن حمّاد بن زيد عن ثابت عن أنس.
قوله: (الفضيخ) بالرّفع لأنّه خبر: إن قوله: (وزادني محمّد)، أي: قال البخاريّ: أي زادني محمّد فيه، وهو محمّد بن سلام البيكندي، ولم يقع لفظ البيكندي إلاّ في رواية أبي ذر وهو يعلم أن المراد بمحمد المذكور مجردا عن النّسبة هو البيكندي، ولم يقف الكرماني على هذا، فقال: محمّد. قال الغساني: هو محمّد بن يحيى الذهلي، وكذا لم يقف عليه بعض من كتب على مواضع من البخاريّ ممّن عاصرناه، فقال القائل: وزادني هو الفربري، ومحمّد هو البخاريّ، وهو ذهول جدا، وحاصل الكلام: أن البخاريّ سمع هذا الحديث من أبي النّعمان مختصرا. ومن محمّد بن سلام عن أبي النّعمان مطولا. قوله: (فأمر) أي النّبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فجرت) أي سالت، وليس في هذا الحديث تعيين وقت التّحريم، وقد روى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الدّاريّ أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر. فلمّا كان عام حرمت جاء براوية فقال: أشعرت أنّها قد حرمت بعدك؟ قال أفلا أبيعها وانتفع بثمنها؟ فنهاه. انتهى. وكان إسلام تميم بعد الفتح). [عمدة القاري: 18/211-212]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} -إلى قوله- {واللّه يحبّ المحسنين}
هذا (باب) بالتنوين في قوله عز وجل: ({ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح}) إثم ({فيما طعموا}) تقول طعمت الطعام والشراب ومن الشراب والمراد ما لم يحرم عليهم لقوله
إذا ما اتقوا أي اتقوا المحرم (إلى قوله: {والله يحب المحسنين}) وسقط لأبي ذر قوله إلى قوله الخ وقال بعد طعموا الآية وسقط لغيره لفظ باب.
- حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا ثابتٌ، عن أنسٍ -رضي الله عنه-: أنّ الخمر الّتي أهريقت الفضيخ. وزادني محمّدٌ عن أبي النّعمان قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديًا فنادى فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصّوت قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي ألا إنّ الخمر قد حرّمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قومٌ وهي في بطونهم قال: فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} [المائدة: 93].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جدّه درهم الجهضمي قال: (حدّثنا ثابت) هو ابن أسلم البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن الخمر التي أهريقت) بضم الهمزة وسكون الهاء آخره تاء تأنيث ولأبي ذر هريقت بضم الهاء من غير همزة (الفضيخ) بالضاد والخاء المعجمتين مرفوع خبر أن وهو المتخذ من البسر كما مرّ قريبًا.
قال البخاري: (وزادني محمد) هو ابن سلام لا ابن يحيى الذهلي ووهم من قال إنه هو ويؤيده ما في رواية أبي ذر حيث قال، محمد البيكندي: وقد تبين بهذا أن قول صاحب المصابيح تبعًا لما في التنقيح أن القائل زادني هو الفربري ومحمد هو البخاري سهو وظهر أن البخاري سمع هذا الحديث من أبي النعمان مختصرًا ومن محمد بن سلام البيكندي مطوّلًا (عن أبي النعمان قال): أي أنس (كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة) الأنصاري (فنزل تحريم الخمر فأمر) أي النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- (مناديًا) قال الحافظ ابن حجر لم أر التصريح باسمه (فنادى) بتحريمها وكان ذلك عام الفتح سنة ثمان لحديث ابن عباس عند أحمد ولفظه: قال سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال: يا فلان أما علمت أن الله حرمها؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال: بعها. فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها (فقال أبو طلحة): أي لأنس (أخرج فانظر ما هذا الصوت. قال) أنس: (فخرجت) أي فسمعت ثم عدت إلى أبي طلحة (فقلت) له: (هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت) حرمها الله على لسان رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (فقال لي: اذهب فأهرقها) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة مجزوم على الأمر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فهرقها بفتح الهاء من غير همز وله أيضًا عن الكشميهني فأرقها بهمزة مفتوحة فراء مكسورة (قال): فأرقتها (فجرت) أي سالت (يفي سكك المدينة) أي طرقها (قال) أنس (وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم).
وعند النسائي والبيهقي من طريق ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين، وعند
البزار أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود، وأفاد في الفتح أن في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد: فلا أدري هذا يعني قوله فقال بعض القوم الخ في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي مرسلًا (قال: فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}) والمعنى بيان أنه لا جناح عليهم فيما طعموه إذا ما اتقوا المحارم، والحكم عام وإن اختص السبب فالجناح مرتفع عن كل من يطعم شيئًا من المستلذات إذا اتقى الله فيما حرم عليه منها ودام على الإيمان أو ازداد إيمانًا عند من يقول به.
وقال في فتوح الغيب: والمعنى ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات وتحريم الطيبات وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص ومعارج القدس والكمال وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به، وعلى الأعمال الصالحة لتحصل الاستقامة التامة فيتمكن بالاستقامة من الترقي إلى مرتبة المشاهدة ومعارج أن تعبد الله كأنك تراه وهو المعنى بقوله وأحسنوا وبها يمنح الزلفى عند الله ويحقه أن الله يحب المحسنين اهـ.
وقال غيره: والتفسير باتقاء الشرك لا يلائم صفة الكمال وأن قوله وعملوا الصالحات أي باشروا الأعمال الصالحة واتقوا الخمر والميسر بعد تحريمهما أو داوموا على التقوى والإيمان ثم اتقوا سائر المحرمات أو ثبتوا على التقوى وأحسنوا أعمالهم وأحسنوا إلى الناس بالمواساة معهم في الإنفاق عليهم من الطيبات، وقيل: التقوى عن الكفر والكبائر والصغائر وأضعف ما قيل فيه أنه للتكرار والتأكيد.
قال القاضي: ويحتمل أن يكون هذا التكرار باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاثة استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى، أو باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيًا من العذاب والشبهات تحرزًا عن الوقوع في الحرام وبعض المباحات تحفظًا للنفس عن الخسة وتهذيبًا لها عن دنس الطبيعة اهـ.
وختم الكلام يشعر بأن من فعل ذلك من المحسنين وأنه يستجلب المحبة الإلهية وسيأتي مزيد لشرح حديث الباب إن شاء الله تعالى في الأشربة). [إرشاد الساري: 7/109-110]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: مات رجالٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن تحرّم الخمر، فلمّا حرّمت الخمر، قال رجالٌ: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر، فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء). [سنن الترمذي: 5/104]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا بذلك محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: قال البراء: مات ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يشربون الخمر، فلمّا نزل تحريمها قال ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ قال: فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/104]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي رزمة، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قالوا: يا رسول الله أرأيت الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر لمّا نزل تحريم الخمر، فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/105]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، عن عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت منهم.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/105]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، حدّثنا خالد بن مخلدٍ، حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا} [المائدة: 93] قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه منهم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/86]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين}
يقول تعالى ذكره للقوم الّذين قالوا إذ أنزل اللّه تحريم الخمر بقوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه}: كيف بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها وبنا وقد كنّا نشربها: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} منكم حرجٌ فيما شربوا من ذلك في الحال الّتي لم يكن اللّه تعالى حرّمه عليهم، {إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات}، يقول: إذا ما اتّقى اللّه الأحياء منهم، فخافوه وراقبوه في اجتنابهم ما حرّم عليهم منه، وصدّقوا اللّه ورسوله فيما أمراهم ونهاهم، فأطاعوهما في ذلك كلّه {وعملوا الصّالحات} يقول: واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه اللّه في ذلك ممّا كلّفهم بذلك ربّهم {ثمّ اتّقوا وآمنوا} يقول: ثمّ خافوا اللّه وراقبوه باجتنابهم محارمه بعد ذلك التّكليف أيضًا، فثبتوا على اتّقاء اللّه في ذلك والإيمان به، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا {ثمّ اتّقوا وأحسنوا} يقول: ثمّ خافوا اللّه، فدعاهم خوفهم اللّه إلى الإحسان، وذلك الإحسان هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال، ولكنّه نوافل تقرّبوا بها إلى ربّهم طلب رضاه وهربًا من عقابه {واللّه يحبّ المحسنين} يقول: واللّه يحبّ المتقرّبين إليه بنوافل الأعمال الّتي يرضاها.
فالاتّقاء الأوّل: هو الاتّقاء بتلقّي أمر اللّه بالقبول والتّصديق والدّينونة به والعمل، والاتّقاء الثّاني: الاتّقاء بالثّبات على التّصديق وترك التّبديل والتّغيير، والاتّقاء الثّالث: هو الاتّقاء بالإحسان والتّقرّب بنوافل الأعمال.
فإن قال قائلٌ: ما الدّليل على أنّ الاتّقاء الثّالث هو الاتّقاء بالنّوافل دون أن يكون ذلك بالفرائض؟
قيل: إنّه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر الّتي شربوها قبل تحريمه إيّاها إذا هم اتّقوا اللّه في شربها بعد تحريمها وصدقوا اللّه ورسوله في تحريمها وعملوا الصّالحات من الفرائض. ولا وجه لتكرير ذلك، وقد مضى ذكره في آيةٍ واحدةٍ.
وبنحو الّذي قلنا من أنّ هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنّها نزلت فيه، جاءت الأخبار عن الصّحابة والتّابعين.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول اللّه، فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبد اللّه، عن إسرائيل بإسناده، نحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثني عبد الكبير بن عبد المجيد، قال: أخبرنا عبّاد بن راشدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، قال: بينا أنا أدير الكأس، على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبلٍ وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة، حتّى مالت رءوسهم من خليط بسرٍ وتمرٍ، فسمعنا مناديًا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت، قال: فما دخل علينا داخلٌ ولا خرج منّا خارجٌ حتّى أهرقنا الشّراب وكسرنا القلال. وتوضّأ بعضنا، واغتسل بعضنا، فأصبنا من طيب أمّ سليمٍ، ثمّ خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، فما منزلة من مات منّا وهو يشربها؟ فأنزل اللّه تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية فقال رجلٌ لقتادة: سمعته من أنس بن مالكٍ؟ قال: نعم، وقال رجلٌ لأنس بن مالكٍ: أنت سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم،اوحدّثني من لم يكذب، واللّه ما كنّا نكذب ولا ندري ما الكذب.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لمّا حرّمت الخمر قالوا: كيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: قال البراء: مات ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يشربون الخمر، فلمّا نزل تحريمها قال أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} الآية.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: نزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} فيمن قتل ببدرٍ وأحدٍ مع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، قال: لمّا نزلت: ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قيل لي أنت منهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} إلى قوله: {واللّه يحبّ المحسنين}، لمّا أنزل اللّه تعالى ذكره تحريم الخمر في سورة المائدة بعد سورة الأحزاب قال في ذلك رجالٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أصيب فلانٌ يوم بدرٍ وفلانٌ يوم أحدٍ وهم يشربونها، فنحن نشهد أنّهم من أهل الجنّة، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين} يقول: شربها القوم على تقوى من اللّه وإحسانٍ، وهي لهم يومئذٍ حلالٌ، ثمّ حرّمت بعدهم، فلا جناح عليهم في ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا}، قالوا: يا رسول اللّه، ما نقول لإخواننا الّذين مضوا، كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} يعني قبل التّحريم إذا كانوا محسنين متّقين. وقال مرّةً أخرى: ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا من الحرام قبل أن يحرّم عليهم إذا ما اتّقوا وأحسنوا بعد ما حرّم عليهم، وهو قوله: {فمن جاءه موعظةٌ من ربّه فانتهى فله ما سلف}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} يعني بذلك رجالاً من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرّم الخمر، فلم يكن عليهم فيها جناحٌ قبل أن تحرّم، فلمّا حرّمت قالوا: كيف تكون علينا حرامًا وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات} يقول: ليس عليهم حرجٌ فيما كانوا يشربون قبل أن أحرّمها إذا كانوا محسنين متّقين، واللّه يحبّ المحسنين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} لمن كان يشرب الخمر ممّن قتل مع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ببدرٍ وأحدٍ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ} الآية: هذا في شأن الخمر حين حرّمت، سألوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إخواننا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه هذه الآية). [جامع البيان: 8/664-669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين (93)
قوله تعالى: ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا داود، ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لمّا نزل تحريم الخمر. قالوا: كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرّم. فنزلت ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا..... الآية
قوله تعالى: إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، حدّثني محمّد بن عمر بن عبد اللّه بن الرّوميّ، حدّثني عليّ بن مسهرٍ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه ابن مسعودٍ قال: لمّا نزلت ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قيل أنت منهم».
- أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قرأه، ثنا ابن وهبٍ عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالدٍ عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عبد اللّه بن عامر بن ربيعة أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّ اللّه يقول ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا قال: إذا اتّقيت اجتنبت ما حرّم اللّه عليك.
قوله تعالى: ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين
- حدّثنا زيد بن إسماعيل الصّائغ البغداديّ، ثنا عاصم بن عليٍّ، ثنا قيس بن الرّبيع عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعودٍ ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قيل لي أنت منهم.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا أبو أسامة عن سعد بن أبي عوفٍ الثّقفيّ عن محمّد بن حاطبٍ قال: ذكر عثمان عن الحسين بن عليٍّ فقال: هذا أمير المؤمنين اتّقوا ثمّ قرأ إلى قوله: واللّه يحبّ المحسنين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ثمّ اتّقوا وأحسنوا بعد ما جرم وهو قوله: فمن جاءه موعظةٌ من ربّه فانتهى فله ما سلف
قوله تعالى: آمنوا وعملوا الصّالحات
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد قال: سمعت شيخًا من شيوخنا ممّن قد سمع العلم يقول في تفسير هذه الآية وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا من الخمر قبل تحريمها إذا ما اتّقوا أن يعودوا في شربها وآمنوا بتحريمها في هذه الآية ثمّ اتّقوا وآمنوا برسوله: اتّقوا المعاصي.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان ثنا الوليد قال: سمعت شيخًا من شيوخنا ممّن قد سمع العلم يقول في تفسير هذه الآية ثمّ اتّقوا وأحسنوا في أداء الزّكاة). [تفسير القرآن العظيم: 4/1201-1203]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال نزلت هذه الآية ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا فيمن كان يشرب الخمر ممن قتل ببدر وأحد). [تفسير مجاهد: 203]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت) ابن مسعود- رضي الله عنه - قال: لما نزلت: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا... } الآية [المائدة: 93] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: أنت منهم». هذه رواية مسلم.
وفي رواية الترمذي: قال عبد الله: لما نزلت: - وقرأ الآية - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت منهم »). [جامع الأصول: 2/119]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: مات رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تحرّم الخمر، فلما حرّمت الخمر، قال رجالٌ: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر؟ فنزلت: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} [المائدة:93].أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/120]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر، لما نزل تحريم الخمر؟ فنزلت: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/120]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عمر بن محمّدٍ الهمدانيّ حدّثنا محمّد بن بشار حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال مات ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهم يشربون الخمر فلمّا نزل تحريمها قال ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كيف أصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر فنزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح} الآية.
وأخرج الطياليسي، وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو الشيخ، وابن مردويه عن البراء بن عازب قال: مات ناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر فلما نزل تحريمها قال أناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فنزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح} الآية.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أنس قال بينا أدير الكاس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر فسمعنا مناديا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب وكسرنا القلال وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا وأصبنا من طيب أم سليم ثم خرجنا إلى المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} فقال رجل: يا رسول الله فما منزلة من مات منا وهو يشربها فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أنس قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فنادى مناد فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ البسر والتمر فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن جابر بن عبد الله قال: اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: لما نزل تحريم الخمر قالت اليهود: أليس إخوانكم الذين ماتوا كانوا يشربونها فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح} الآية، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم قيل لي: أنت منهم.
وأخرج الدار قطني في الافراد، وابن مردويه عن ابن مسعود قال لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله كيف بمن شربها من إخواننا الذين ماتوا وهي في بطونهم فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ليس على الذين آمنوا} الآية، يعني بذلك رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرم فلما حرمت قالوا: كيف تكون علينا حراما وقد مات إخواننا وهم يشربونها فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} يقول ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها إذ كانوا محسنين متقين والله يحب المحسنين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: نزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} فيمن كان يشربها ممن قتل ببدر وأحد مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: لما أنزل الله تحريم الخمرة في سورة المائدة بعد سورة الأحزاب قال في ذلك رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصيب فلان يوم بدر وفلان يوم أحد وهم يشربونها فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} يقول: شربها القوم على تقوى من الله وإحسان وهي لهم يومئذ حلال ثم حرمت بعدهم فلا جناح عليهم في ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق علي عن ابن عباس في قوله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح} قال: قالوا: يا رسول الله ما نقول لإخواننا الذين مضوا كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} من الحرام قبل أن يحرم عليهم {إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} وأحسنوا بعدما حرم عليهم وهوقوله {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة الآية 275.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لي: أنت منهم.
وأخرج الدينوري في المجالسة، وابن مردويه وأبو نعيم عن ثابت بن عبيد قال: جاء رجل من آل حاطب إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إني أرجع إلى المدينة وأنهم سائلي عن عثمان فماذا أقول لهم قال: أخبرهم أن عثمان كان من {الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر من طريق عطاء بن السائب عن محارب بن دثار أن ناسا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم شربوا الخمر بالشام فقال لهم يزيد بن أبي سفيان: شربتم الخمر فقالوا: نعم لقول الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} حتى فرغوا من الآية، فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه إن أتاك كتابي هذا نهارا فلا تنظر بهم الليل وإن أتاك ليلا فلا تنظر بهم النهار حتى تبعث بهم إلي لا يفتنوا عباد الله فبعث بهم إلى عمر فلما قدموا على عمر قال: شربتم الخمر قالوا: نعم، فتلا عليهم {إنما الخمر والميسر} إلى آخر الآية، قالوا: اقرأ التي بعدها {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} قال: فشاور فيهم الناس فقال لعلي: ما ترى قال: أرى أنهم شرعوا في دين الله ما لم يأذن الله فيه فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم فقد أحلوا ما حرم الله وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين فقد افتروا على الله الكذب وقد أخبرنا الله بحد ما يفتري به بعضنا على بعض، قال: فجلدهم ثمانين ثمانين.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لعن الخمر ولعن غارسها ولعن شاربها ولعن عاصرها ولعن مؤويها ولعن مديرها ولعن ساقيها ولعن حاملها ولعن آكل ثمنها ولعن بائعها.
وأخرج وكيع والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن أدخل الجنة.
وأخرج مسلم والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، أن رجلا قدم من اليمن فسأله النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو يسكر هو قالوا: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام إن الله عهد لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار.
وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمرو، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه وإن شربها الثالثة لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب لم يتب الله عليه وكان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال قال: صديد أهل النار.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شرب الخمر شربة لم تقبل صلاته أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل توبته أربعين صباحا فلا أدري أفي الثالثة أو في الرابعة قال: فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمر وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله قال: عصارة أهل النار.
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس، سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وساقيها ومسقيها.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عثمان، سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول اجتنبوا أم الخبائث فإنه كان رجل فيمن كان قبلكم يتعبد ويعتزل النساء فعلقته امرأة غاوية فأرسلت إليه خادمها فقالت: إنا ندعوك لشهادة فدخل فطفقت كلما دخل عليها باب أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة جالسة عندها غلام وباطية فيها خمر فقالت: أنا لم أدعك لشهادة ولكن دعوتك لتقتل هذا الغلام أو تقع علي أو تشرب كأسا من هذا الخمر فإن أبيت صحت وفضحتك فلما رأى أنه لا بد من ذلك قال: اسقني كأسا من هذا الخمر فسقته كأسا من الخمر ثم قال: زيديني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فإنه - والله - لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل أبدا ليوشكن أحدهما أن يخرج صاحبه، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف عن عثمان موثوقا.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر.
وأخرج ابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء قال أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا برئت منه الذمة وأن لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى بنى الفردوس بيده وحظره على كل مشرك وكل مدمن الخمر سكير.
وأخرج البيهقي، عن جابر بن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يرفع لهم إلى السماء عمل: العبد الآبق من مواليه حتى يرجع فيضع يده في أيديهم والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى والسكران حتى يصحو.
وأخرج البيهقي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر.
وأخرج البيهقي، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر.
وأخرج البخاري في التاريخ عن سهل بن أبي صالح عن محمد بن عبيد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لقي الله وهو مدمن خمر لقيه كعابد وثن.
وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله وقال البخاري ولا يصح حديث أبي هريرة.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد الوثن.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من شرب شرابا يذهب بعقله فقد أتى باب من أبواب الكبائر.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: لأن أزني أحب إلي من أن أسكر ولأن أسرق أحب إلي من أن أسكر لأن السكران يأتي عليه ساعة لا يعرف فيها ربه.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة ثم قال: لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة قيل: وما نهر الغوطة قال: نهر يخرج من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر: أن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ووثبوا جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه، فاختار الخمر وأنه لما شربه لم يمتنع من شيء أرادوه منه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة ولا يموت وفي مثانته منه شيء إلا حرمت عليه بها الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مسلم الخولاني، أنه حج فدخل على عائشة فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها فقالت: كيف تصبرون على بردها قال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم يقال له الطلا، قالت: صدق الله وبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمعته يقول إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني الله رحمة وهدى للعالمين وبعثني بمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية ثم قال: من شرب خمرا في الدنيا سقاه الله كما شرب منه من حميم جهنم معذب بعد أو مغفور له.
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين بعثني لأمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية والأوثان وحلف ربي عز وجل بعزته لا يشرب الخمر أحد في الدنيا إلا سقاه الله مثلها من الحميم يوم القيامة مغفور له أو معذب ولا يدعها أحد في الدنيا إلا سقيته إياها في حظيرة القدس حتى تقنع نفسه.
وأخرج الحاكم عن ثوبان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلفت على معصية فدعها واقذف ضغائن الجاهلية تحت قدمك وإياك وشرب الخمر فإن الله لم يقدس شاربها.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الملاهي عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قيل: يا رسول الله متى قال: إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي وقذف ومسخ وخسف، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتى ذلك قال: إذا ظهرت المعازف وكثرت القينات وشربت الخمر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف، قلت: يا رسول الله وهم يقولون لا إله إلا الله قال: إذا ظهرت القيان وظهر الزنا وشرب الخمر ولبس الحرير كان ذا عند ذا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل: وما هي يا رسول الله قال: إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع
الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذوا القيان والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ثلاثا: ريحا حمراء وخسفا ومسخا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال تمسخ طائفة من أمتي قردة وطائفة خنازير ويخسف بطائفة ويرسل على طائفة الريح العقيم بأنهم شربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان وضربوا بالدفوف.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمر واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير، قالوا: يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال: بلى ويصومون ويصلون ويحجون، قال: فما بالهم قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قالوا: متى ذلك يا رسول الله قال: إذا أظهروا المعازف واستحلوا الخمور ولبس الحرير.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الغازي بن ربيعة رفع الحديث قال ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وخنازير بشربهم الخمر وضربهم بالبرابط والقيان.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن صالح بن خالد رفع ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ليستحلن ناس من أمتي الحرير والخمر والمعازف وليأتين الله على أهل حاضرتهم بجبل عظيم حتى ينبذه عليهم ويمسخ آخرون قردة وخنازير.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيتن رجال على أكل وشرب وعزف يصبحون على أرائكهم ممسوخين قردة وخنازير.
وأخرج ابن عدي والحاكم والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف والمسخ والقذف، قالوا: ومتى ذاك يا رسول الله قال: إذا رأيتم النساء ركبن السروج وكثرت المعازف وفشت شهادات الزور وشربت الخمر لا يستخفى به وشربت المصلون في آنية أهل الشرك من الذهب والفضة واستغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال فإذا رأيتم ذلك فاستدفروا واستعدوا واتقوا القذف من السماء.
وأخرج البيهقي وضعفه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استعملت أمتي خمسا فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن ولبس الحرير واتخذوا القينات وشربوا الخمر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء.
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير وليصيبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس فيقولون: قد خسف الليلة ببني فلان وخسف الليلة بدار فلان وليرسلن عليهم حاصبا من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها وعلى دور وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها وعلى دور بشربهم الخمر ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهم الربا وقطيعتهم الرحم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود، وابن ماجه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير.
وأخرج البيهقي عن معاذ وأبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة ثم يكون رحمة وخلافة ثم كائن ملكا عضوضا ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأرض يستحلون الحرير والخمور والفروج يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل
وأخرج البيهقي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبس العنب أيام قطافه حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يعلم أنه يتخذ خمرا فقد تقدم في النار على بصيرة.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر: أنه كان يكره أن تسقى البهائم الخمر.
وأخرج البيهقي عن عائشة: أنها كانت تنهى النساء أن يمتشطن بالخمر.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن معاوية ابن أبي سفيان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه، قالها ثلاثا فإن شربها الرابعة فاقتلوه.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي موسى الأشعري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن سأله قال: إن قومي يصنعون شرابا من الذرة يقال له المزر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أيسكر قال: نعم قال: فانههم عنه، قال: نهيتهم ولم ينتهوا، قال: فمن لم ينته في الثالثة منهم فاقتله.
وأخرج عبد الرزاق عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاضربوه ثم قال في الرابعة: من شرب الخمر فاقتلوه.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا شربوا فاجلدوهم، قالها ثلاثا فإذا شربوا الرابعة فاقتلوهم، قال معمر: فذكرت ذلك لابن المنكدر فقال: قد ترك القتل قد أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بابن النعيمان فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده الرابعة أو أكثر.
وأخرج عبد الرزاق عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاقتلوهم ثم قال: إن الله قد وضع عنهم القتل فإذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ذكرها أربع مرات.
وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن دينار أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر فحدوه فإن شرب الثانية فحدوه فإن شرب الرابعة فاقتلوه قال: فأتى بابن النعيمان قد شرب فضرب بالنعال والأيدي ثم أتى به الثانية فكذلك ثم أتى به الرابعة فحده ووضع القتل.
وأخرج عبد الرزاق عن قبيصة بن ذؤيب أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب رجلا في الخمر أربع مرات ثم أن عمر بن خطاب ضرب أبا محجن الثقفي في الخمر ثمان مرات.
وأخرج الطبراني عن أبي الرمد البلوي أن رجلا منهم شرب الخمر فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه ثم شرب الثانية فأتوا به فضربه فما أدري قال في الثالثة أو الرابعة فجعل على العجل فضربت عنقه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر قال ابن عباس: فذهبنا ننظر في كتاب الله فإذا هم فيه في العاق {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} محمد الآية 82 إلى آخر الآية، وفي المنان {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} البقرة الآية 262 وفي الخمر {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى قوله {من عمل الشيطان}.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد، وابن مردويه عن الديلمي قال وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا نصنع طعاما وشرابا فنطعمه بني عمنا فقال: هل يسكر قلت: نعم، فقال: حرام، فلما كان عند توديعي إياه ذكرته له فقلت: يا نبي الله إنهم لن يصبروا عنه، قال: فمن لم يصبر عنه فاضربوا عنقه.
وأخرج ابن سعد وأحمد عن شرحبيل بن أوس قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه.
وأخرج أحمد والطبراني عن أم حبيبة بنت أبي سفيان أن ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمهم الصلاة والسنن والفرائض ثم قالوا: يا رسول الله إن لنا شرابا نصنعه من التمر والشعير فقال: الغبيراء قالوا: نعم، قال: لا تطعموه، قالوا: فإنهم لا يدعونها، قال: من لم يتركها فاضربوا عنقه.
وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذين يشربون الخمر وقد حرم الله عليهم لا يسقونها في حظيرة القدس
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال من شرب الخمر لم يقبل الله منه صلاة أربعين صباحا فإن مات في الأربعين دخل النار ولم ينظر الله إليه.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يلقى الله شارب الخمر يوم القيامة وهو سكران فيقول: ويلك ما شربت، فيقول: الخمر، قال: أو لم أحرمها عليك فيقول: بلى، فيؤمر به إلى النار.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير.
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو قال: انه في الكتاب مكتوب: أن خطيئة الخمر تعلو الخطايا كما تعلو شجرتها الشجر.
وأخرج عبد الرزاق عن مسروق بن الأجدع قال: شارب الخمر كعابد الوثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزى.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جبير قال: من شرب مسكرا لم يقبل الله منه ما كانت في مثانته منه قطرة فإن مات منها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال وهي صديد أهل النار وقيحهم.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر قال: من شرب مسكرا من الشراب فهو رجس ورجس صلاته أربعين ليلة فإن تاب الله عليه فإن شرب أيضا فهو رجس ورجس صلاته أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لها قال: في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال.
وأخرج عبد الرزاق عن أبان رفع الحديث قال: إن الخبائث جعلت في بيت فأغلق عليها وجعل مفتاحها الخمر فمن شرب الخمر وقع بالخبائث.
وأخرج عبد الرزاق عن عبيد بن عمير قال: إن الخمر مفتاح كل شر.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد المنكدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر صباحا كان كالمشرك بالله حتى يمسي وكذلك إن شربها ليلا كان كالمشرك بالله حتى يصبح ومن شربها حتى يسكر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا ومن مات وفي عروقه منها شيء مات ميتة جاهلية.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف الله بعزته وقدرته لا يشرب عبد مسلم شربة من خمر إلا سقيته بما انتهك منها من الحميم معذب بعد أو مغفور له ولا يتركها وهوعليها قادر ابتغاء مرضاتي إلا سقيته منها فأرويته في حظيرة القدس.
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: يجيء يوم القيامة شارب الخمر مسودا وجهه مزرقة عيناه مائلا شقه، أو قال: شدقه مدليا لسانه يسيل لعابه على صدره يقذره كل من يراه.
وأخرج أحمد عن قيس بن سعد بن عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة ألا وكل مسكر خمر وإياكم والغبيراء.
وأخرج أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان مثل ذلك فما أدري في الثالثة أم في الرابعة قال: فإن عاد كان حتما على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله ما طينة الخبال قال: عصارة أهل النار.
وأخرج ابن أبي سعد، وابن أبي شيبة عن خلدة بنت طلق قالت: قال لنا أبي: جلسنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء صحار فسأله ما ترى في شراب نصنعه من ثمارنا قال: تسألني عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أخاك فوالذي نفس محمد بيده ما شربه رجل قط ابتغاء لذة سكر فيسقيه الله الخمر يوم القيامة.
وأخرج أحمد عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة فإن مات مات كافرا وإن تاب تاب الله عليه وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قلت: يا رسول الله وما طينة الخبال قال: صديد أهل النار.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال الريب من الكفر والنوح عمل الجاهلية والشعر من أمر إبليس والغلول جمر من جهنم والخمر جامع كل إثم والشباب شعبة من الجنون والنساء حبائل الشيطان والكبر شر من الشر وشر المآكل مال اليتيم وشر المكاسب الربا والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم يزل جبريل ينهاني عن عبادة الأوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال
وأخرج البيهقي عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان في أول ما نهاني عنه ربي وعهد إلي بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر لملاحاة الرجال والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 5/480-508]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الخمر والميسر...}
الميسر: القمار كلّه، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: سهام كانت في الكعبة يقتسمون بها في أمورهم، وواحدها ولم). [معاني القرآن: 1/319]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والميسر) (89) أي الوجاب أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداحٍ أو بغيرها والقمار). [مجاز القرآن: 1/175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({والميسر}: القمار. يقال: يسرت: إذا ضربت بالقداح، والضارب بها يقال له: ياسر ويأسرون ويسر وأيسار. وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدة الزمان وكلبه ينحرون جزورا ويجزّئونها أجزاء ثم يضربون عليها بالقداح، فإذا قمر القامر جعل ذلك لذوي الحاجة واهل المسكنة. وهو النّفع الذي ذكره اللّه في سورة البقرة - فقال: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ويتسابون بتركها ويعيبون من لا ييسرون، ويسمونهم الأبرام. واحدهم برم.
{والأنصاب} حجارة كانوا يعبدونها في الجاهلية.
{والأزلام} القداح. وقد ذكرتها في أول هذه السورة.
{رجسٌ} وأصل الرجس: النّتن). [تفسير غريب القرآن: 145-146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90)
فالخمر معروف وهو ما خامر العقل، وقد فسرناه، والميسر القمار كله، وأصله إنّه كان قمارا في الجزور، وكانوا يقسمون الجزور في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءا، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء.
وقال أبو عبيدة: لا أعرف عدد الأجزاء، وكانوا يضربون عليها بالقداح وهي سهام خشب. لها أسماء نبينها على حقيقتها في كتابنا إن شاء اللّه، فيحصل كل رجل من ذلك القمار على قدر إمكانه، فهذا أصل الميسر، والقمار كلّه كالميسر وقد بيّنّا الأنصاب والأزلام في أول السورة.
فأعلم اللّه أن القمار والخمر والاستقسام بالأزلام وعبادة الأوثان رجس.
والرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل، فبالغ الله في ذم هذه الأشياء، وسماها رجسا، وأعلم أن الشيطان يسوّل ذلك لبني آدم، يقال: رجس الرجل يرجس، ورجس يرجس، إذا عمل عملا قبيحا، والرجس بفتح الراء شدّة الصوت، فكان الرجس العمل الذي يقبح ذكره، ويرتفع في القبح.
ويقال: سحاب ورعد رجّاس إذا كان شديد الصوت.
قال الشاعر:
=وكل رجّاس يسوق الرّجّسا
وأمّا الرجز بالزاي فالعذاب، أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب.
قال اللّه: (لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك) أي كشفت عنا العذاب، وقوله: (والرّجز فاهجر) قالوا: عبادة الأوثان.
وأصل الرجز في اللغة تتابع الحركات، فمن ذلك قولهم رجزاء إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها.
ومن هذا رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، والانتقال فيه من بيت إلى بيت سريع نحو قوله: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
ونحو قولهم:
=صبرا بني عبد الدار
ونحو قولهم:
=ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا
وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر، وإنما هو أنصاف أبيات أو أثلاث.
ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وتأتيك من لم تزوّد بالأخبار.
قال الخليل: لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا
وجاء النصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر ولا بيت، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر.
وجرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى:
أنا النبي لا كذب
=
أنا ابن عبد المطلب
قال بعضهم: إنما هو لا كذب أنا ابن عبد المطلب، بفتح الباء على الوصل.
قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال اللّه: (وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له)، أي ما يسفل له.
قال الأخفش: كان قول الخليل إن هذه الأشياء شعر، وأنا أقول: إنها ليست بشعر، وذكر أنه ألزم الخليل أن الخليل اعتقده.
ومعنى الرجز العذاب المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة.
ومعنى فاجتنبوه: أي اتركوه.
واشتقاقه في اللغة كونوا جانبا منه أي في ناحية). [معاني القرآن: 2/203-206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر
قال أبو عبيد تأول قول الله عز وجل: {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} وزعم الأصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لأن الميسر إذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من أقمار ميسر كما أن الخمر لشيء بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لأنه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الأنصاب والأزلام والرجس النتن). [معاني القرآن: 2/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} أي كونوا في جانب غير جانبه
ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول اللهم بين لنا في الخمر حتى نزلت {فهل أنتم منتهون} فقال قد انتهينا). [معاني القرآن: 2/356-357]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْمَيْسِرُ} القمار، وهو الضرب بالقداح.
{وَالأَنصَابُ} حجارة كانوا يعبدونها.
{وَالأَزْلاَمُ} القداح.
(والرجس) أصله النتن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70-71]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) )

تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) )

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذا ما اتّقوا...}
أي اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [معاني القرآن: 1/319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ} أي إثم فيما طعموا أي شربوا من الخمر قبل نزول التحريم. يقال: لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما. قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم=وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
والبرد: النوم. والنّقاح: الماء العذب.
{إذا ما اتّقوا وآمنوا} يريد: اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها). [تفسير غريب القرآن: 146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف بإخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد قدامة بن مظعون قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية فقال عمر أخطأت التأويل إنك إذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد
قيل هذا أحسن من الاول لأن فيها {إذا ما اتقوا وآمنوا} وإذا لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل إذا ما اتقوا الشرك وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا وآمنوا ازدادوا إيمانا ثم اتقوا الصغائر حذرا وأحسنوا تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل). [معاني القرآن: 2/357-358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (جناح) أي إثم). [ياقوتة الصراط: 212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِيمَا طَعِمُواْ} أي ما شربوا من الخمر قبل التحريم، يقال: لم أطعم خبزا ولا ماءً ولا نوماً، قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم= وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا برداً
النقاخ: الماء، والبرد: النوم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:36 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث علي رضي الله عنه: «إن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت وتغري به
لئام الناس -كالياسر الفالج- ينتظر فوزة من قداحه أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار.
قال: حدثنيه أبو بدر عن عبد الرحمن بن زبيد اليامي، عن من حدثه عن علي.
ويروى أيضا عن عوف، عن رجل من أهل الكوفة، عن علي.
قال أبو عبيدة وأبو عمرو والأصمعي وغيرهم -دخل كلام بعضهم في بعض- قوله: الياسر: من الميسر، وهو: القمار الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه حتى نزل القرآن بالنهي عنه في قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} الآية.
وكان أمر الميسر أنهم كانوا يشترون جزورا فينحرونها ثم يجزئونها أجزاء، وقد اختلفوا في عدد الأجزاء فقال أبو عمرو: على عشرة أجزاء، وقال الأصمعي: على ثمانية وعشرين جزءا، ولم يعرف أبو عبيدة
لها عددا، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح لسبعة منها أنصباء وهي: الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى، وثلاثة منها ليست لها أنصباء وهي: المنيح والسفيح والوغد، ثم يجعلونها على يدي رجل عدل عندهم يجيلها لهم باسم رجل رجل ثم يقتسمونها على قدر ما تخرج لهم السهام، فمن خرج سهمه من هذه السبعة التي لها أنصباء أخذ من الأجزاء بحصة ذلك، فإن خرج له واحد من الثلاثة، فقد اختلف الناس في هذا الموضع، فقال بعضهم: من خرجت باسمه لم يأخذ شيئا ولم يغرم، ولكن يعاد الثانية ولا يكون له نصيب ويكون لغوا، وقال بعضهم: بل يصير ثمن هذه الجزور كله على أصحاب هؤلاء الثلاثة فيكونون مقمورين، ويأخذ أصحاب السبعة أنصباءهم على ما خرج لهم فهؤلاء الياسرون.
ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا ولا يدعونه كله، ورأيت أبا عبيدة أقلهم ادعاء لعلمه.
قال أبو عبيدة: وقد سألت عنه الأعراب فقالوا: لا علم لنا بهذا، لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون
قال أبو عبيد: فالياسرون: هم الذي يتقامرون على الجزور، وإنما كان هذا في أهل الشرف منهم والثروة والجدة وكانوا يفتخرون به وقال الأعشى يمدح قوما:

المطعمو الضيف إذا ما شتوا = والجاعلو القوت على الياسر
وقال طرفة:
فهم أيسار لقمان إذا = أغلت الشتوة أبداء الجزر
وهو كثير في أشعارهم، فأراد علي بقوله: كالياسر الفالج ينتظر فوزة من قداحه أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار، يقول: هو بين خيرتين، إما صار إلى ما يحب من الدنيا فهو بمنزلة المعلى وغيره من القداح التي لها حظوظ، أو بمنزلة التي لا حظوظ لها -يعني الموت- فيحرم ذلك في الدنيا وما عند الله خير له). [غريب الحديث: 4/362-363]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والرجس الشيء القذر). [إصلاح المنطق: 27]

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وكان اللحم ييسره أبوها = أحب إلى الفتاة من العبير
يَيْسِرُهُ من الميسر وهو القمار بالقداح على الجزور، وأكثر ما يكون الميسر في الجدب؛ ويقال للرجل يفعل ذلك: ياسِرٌ ويَسِرٌ، والجمع: الأيسار؛ ويقال للذي لا يدخل في الميسر: برم، والجمع: الأبرام). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 27] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وكان اللحم ييسره أبوها = أحب إلى الفتاة من العبير
يَيْسِرُهُ من الميسر وهو القمار بالقداح على الجزور، وأكثر ما يكون الميسر في الجدب؛ ويقال للرجل يفعل ذلك: ياسِرٌ ويَسِرٌ، والجمع: الأيسار؛ ويقال للذي لا يدخل في الميسر: برم، والجمع: الأبرام). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 27] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) }

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91) وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين (92)
الخطاب للمؤمنين جميعا، لأن هذه الأشياء شهوات وعادات قد تلبس بها في الجاهلية وغلبت على النفوس فكان بقي منها في نفوس كثير من المؤمنين، فأما الخمر فكانت لم تحرم بعد، وأما الميسر ففيه قمار ولذة للفارغ من النفوس ونفع أيضا بوجه ما، وأما الأنصاب وهي حجارة يذكون عندها لفضل يعتقدونه فيها، وقيل هي الأصنام المعبودة كانوا يذبحون لها وعندها في الجاهلية. فإن كانت المرادة في هذه الآية الحجارة التي يذبح عندها فقط فذلك لأنه كان في نفس ضعفة المؤمنين شيء من تعظيم تلك الحجارة، وهذا كما قالت امرأة الطفيل بن عمرو الدوسي لزوجها: أتخاف على الصبية من ذي الشرى شيئا؟ وذو الشرى صنم لدوس، وإن كانت المرادة في هذه الآية الأصنام فإنما قرنت بهذه الأمور ليبين النقص في هذه إذ تقرن بالأصنام، ولا يتأول أنه بقي في نفس مؤمن شيء من تعظيم الأصنام والتلبس بها حتى يقال له
اجتنبه، وأما الأزلام فهي الثلاثة التي كان أكثر الناس يتخذونها. في أحدها «لا» وفي الآخر «نعم»، والآخر «غفل»، وهي التي حبسها سراقة بن جعشم حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الهجرة، فكانوا يعظمونها، وبقي منها في بعض النفوس شيء ومن هذا القبيل هو الزجر بالطير وأخذ الفأل منها في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس اليوم، وقد يقال لسهام الميسر أزلام، والزلم السهم وكان من الأزلام أيضا ما يكون عند الكهان وكان منها سهام عند الأصنام وهي التي ضرب بها على عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عند قريش في الكعبة أزلام فيها أحكام ذكرها ابن إسحاق وغيره، فأخبر الله تعالى أن هذه الأشياء رجسٌ، قال ابن زيد: الرجس الشر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كل مكروه ذميم، وقد يقال للعذاب، وقال ابن عباس في هذه الآية رجسٌ سخط، وقد يقال للنتن وللعذرة والأقذار رجس، والرجز العذاب لا غير، والركس العذرة لا غير، والرجس يقال للأمرين، وأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور واقترنت بصيغة الأمر في قوله فاجتنبوه نصوص الأحاديث وإجماع الأمة، فحصل الاجتناب في رتبة التحريم، فبهذا حرمت الخمر بظاهر القرآن ونص الحديث وإجماع الأمة، وقد تقدم تفسير لفظة الخمر ومعناها. وتفسير الميسر في سورة البقرة، وتقدم تفسير الأنصاب والاستقسام بالأزلام في صدر هذه السورة، واختلف الناس في سبب نزول هذه الآيات، فقال أبو ميسرة: نزلت بسبب عمر بن الخطاب فإنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عيوب الخمر وما ينزل بالناس من أجلها ودعا إلى الله في تحريمها، وقال: اللهم بين لنا فيها بيانا شافيا، فنزلت هذه الآيات، فقال عمر انتهينا، انتهينا وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد قال: صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر حتى انتشينا فتفاخرت الأنصار وقريش فقال كل فريق: نحن خير منكم، فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل فضرب به أنف سعد ففزره، فكان سعد أفزر الأنف، قال سعد ففيّ نزلت الآية إلى آخرها، وقال ابن عباس: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا حتى إذا ثملوا عربدوا فلما صحوا جعل كل واحد منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته وجسده، فيقول هذا فعل فلان بي، فحدث بينهم في ذلك ضغائن، فنزلت هذه الآيات في ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأمر الخمر إنما كان بتدريج ونوازل كثيرة، منها قصة حمزة حين جبّ الأسنمة، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، ومنها قراءة علي بن أبي طالب في صلاة المغرب «قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون» فنزلت يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى [النساء: 43] الآية، ثم لم تزل النوازل تحزب الناس بسببها حتى نزلت هذه الآية، فحرمت بالمدينة وخمر العنب فيها قليل، إنما كانت خمرهم من خمسة أشياء من العسل ومن التمر ومن الزبيب ومن الحنطة ومن الشعير، والأمة مجمعة على تحريم القليل والكثير من خمر العنب التي لم تمسها نار ولا خالطها شيء، وأكثر الأمة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، ولأبي حنيفة وبعض فقهاء الكوفة إباحة ما لا يسكر مما يسكر كثيره من غير خمر العنب، وهو مذهب مردود، وقد خرج قوم تحريم الخمر من وصفها برجس، وقد وصف تعالى في آية أخرى الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير بأنها رجس، فيجيء من ذلك أن كل رجس حرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، والاجتناب أن يجعل الشيء جانبا أو ناحية). [المحرر الوجيز: 3/246-249]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أعلم تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن تقع العداوة بسبب الخمر، وما كان يغري عليها بين المؤمنين وبسبب الميسر إذ كانوا يتقامرون على الأموال والأهل، حتى ربما بقي المقمور حزينا فقيرا فتحدث من ذلك ضغائن وعداوة، فإن لم يصل الأمر إلى حد العداوة كانت بغضاء، ولا تحسن عاقبة قوم متباغضين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»، وباجتماع النفوس والكلمة يحمى الدين ويجاهد العدو، والبغضاء تنقض عرى الدين وتهدم عماد الحماية، وكذلك أيضا يريد الشيطان أن يصد المؤمنين عن ذكر الله وعن الصلاة ويشغلهم عنها بشهوات، فالخمر والميسر والقمار كله من أعظم آلاته في ذلك، وفي قوله تعالى: فهل أنتم منتهون وعيد في ضمن التوقيف زائد على معنى انتهوا). [المحرر الوجيز: 3/249]


تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما كان في الكلام معنى انتهوا حسن أن يعطف عليه وأطيعوا وكرر أطيعوا في ذكر الرسول تأكيدا، ثم حذر تعالى من مخالفة الأمر وتوعد من تولى بعذاب الآخرة أي إنما على الرسول أن يبلغ وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يعصى أو يطاع). [المحرر الوجيز: 3/249]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين (93) يا أيّها الّذين آمنوا ليبلونّكم اللّه بشيءٍ من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم اللّه من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ (94)
سبب هذه الآية فيما قال ابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك: أنه لما نزل تحريم الخمر، قال قوم من الصحابة: يا رسول الله، كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر ونحو هذا من القول؟ فنزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نظير سؤالهم عمن مات على القبلة الأولى، ونزلت وما كان اللّه ليضيع إيمانكم [البقرة: 143] ولما كان أمر القبلة خطيرا ومعلما من معالم الدين تخيل قوم نقص من فاته، وكذلك لما حصلت الخمر والميسر في هذا الحد العظيم من الذم، أشفق قوم وتخيلوا نقص من مات على هذه المذمات، فأعلم تعالى عباده أن الذم والجناح إنما يلحق من جهة المعاصي، وأولئك الذين ماتوا قبل التحريم لم يعصوا في ارتكاب محرم بعد بل كانت هذه الأشياء مكروهة لم ينص عليها بتحريم، والشرع هو الذي قبحها وحسن تجنبها، و «الجناح» الإثم والحرج، وهو كله الحكم الذي يتصف به فاعل المعصية والنسبة التي تترتب للعاصي وطعموا معناه ذاقوا فصاعدا في رتب الأكل والشرب، وقد يستعار للنوم وغيره وحقيقته في حاسة الذوق، والتكرار في قوله اتّقوا يقتضي في كل واحدة زيادة على التي قبلها وفي ذلك مبالغة في هذه الصفات لهم، وذهب بعض المفسرين إلى أن يعين المراد بهذا التكرار فقال قوم: الرتبة الأولى هي اتقاء الشرك والكبائر والإيمان على كماله وعمل الصالحات، والرتبة الثانية هي الثبوت والدوام على الحالة المذكورة، والرتبة الثالثة هي الانتهاء في التقوى إلى امتثال ما ليس بفرض من النوافل في الصلاة والصدقة وغير ذلك، وهو الإحسان، وقال قوم الرتبة الأولى لماضي الزمن، والثانية للحال، والثالثة للاستقبال، وقال قوم: الاتقاء الأول هو في الشرك والتزام الشرع، والثاني في الكبائر، والثالث في الصغائر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وليست هذه الآية وقفا على من عمل الصالحات كلها، واتقى كل التقوى. بل هو لكل مؤمن وإن كان عاصيا أحيانا إذا كان قد عمل من هذه الخصال الممدوحة ما استحق به أن يوصف بأنه مؤمن عامل للصالحات متق في غالب أمره محسن، فليس على هذا الصنف جناح فيما طعم مما لم يحرم عليه، وقد تأول هذه الآية قدامة بن مظعون الجمحي من الصحابة رضي الله عنه، وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبد الله، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وعمرّ، وكان ختن عمر بن الخطاب خال عبد الله وحفصة، ولاه عمر بن الخطاب على البحرين ثم عزله لأن الجارود سيد عبد القيس قدم على عمر بن الخطاب فشهد عليه بشرب الخمر، فقال له عمر: ومن يشهد معك؟ فقال: أبو هريرة، فجاء أبو هريرة فقال له عمر بم تشهد؟ قال لم أره يشرب ولكن رأيته سكران يقيء، فقال له عمر: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب عمر إلى قدامة أن يقدم عليه، فقدم، فقال الجارود لعمر: أقم على هذا كتاب الله، فقال له عمر: أخصم أنت أم شهيد، قال: بل شهيد: قال: قد أديت شهادتك، فصمت الجارود ثم غدا على عمر، فقال أقم على قدامة كتاب الله، فقال له عمر: ما أراك إلا خصما وما شهد معك إلا رجل واحد، قال الجارود: إني أنشدك الله، قال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوأنك، فقال الجارود: ما هذا والله يا عمر بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني، فقال أبو هريرة: إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها، وهي امرأة قدامة، فبعث عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها الله، فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر لقدامة إني حادك، فقال: لو شربت كما يقولون لم يكن لك أن تحدني، قال عمر لم؟ قال: لأن الله تعالى يقول ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ الآية، فقال له عمر: أخطأت التأويل، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك، ثم حده عمر وكان مريضا فقال له قوم من الصحابة لا نرى أن تجلده ما دام مريضا، فأصبح يوما وقد عزم على جلده، فقال لأصحابه: ما ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى ذلك ما دام وجعا، فقال له عمر لأن يلقى الله وهو تحت السياط أحب إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي، وأمر بقدامة فجلد، فغاضب قدامة عمر وهجره إلى أن حج عمر وحج معه قدامة مغاضبا له، فلما كان عمر بالسقيا نام ثم استيقظ فقال: عجلوا عليّ بقدامة، فقد أتاني آت في النوم فقال:
سالم قدامة فإنه أخوك، فبعث في قدامة فأبى أن يأتي فقال عمر جروه إن أبى فلما جاء كلمه عمر واستغفر له فاصطلحا، قال أيوب بن أبي تميمة لم يحد أحد من أهل بدر في الخمر غيره). [المحرر الوجيز: 3/249-252]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91) وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين (92) ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين (93)}
يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر، وهو القمار.
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال: الشطرنج من الميسر. رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن عبيس بن مرحومٍ، عن حاتمٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن عليٍّ، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن عطاءٍ ومجاهدٍ وطاوسٍ -قال سفيان: أو اثنين منهم-قالوا: كلّ شيءٍ من القمار فهو من الميسر، حتّى لعب الصّبيان بالجوز.
وروي عن راشد بن سعدٍ وحمزة بن حبيبٍ وقالا حتّى الكعاب، والجوز، والبيض الّتي تلعب بها الصّبيان، وقال موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهليّة إلى مجيء الإسلام، فنهاهم اللّه عن هذه الأخلاق القبيحة.
وقال مالكٌ، عن داود بن الحصين: أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: كان ميسر أهل الجاهليّة بيع اللّحم بالشّاة والشّاتين.
وقال الزّهريّ، عن الأعرج قال: الميسر والضّرب بالقداح على الأموال والثّمار.
وقال القاسم بن محمّدٍ: كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه وعن الصّلاة، فهو من الميسر.
رواهنّ ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا صدقة، حدّثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي موسى الأشعريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة الّتي يزجر بها زجرًا فإنّها من الميسر". حديث غريب.
وكأنّ المراد بهذا هو النّرد، الّذي ورد في الحديث به في صحيح مسلمٍ، عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من لعب بالنّردشير فكأنّما صبغ يده في لحم خنزيرٍ ودمه". وفي موطأ مالك ومسند أحمد، وسنني أبي داود وابن ماجه، عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من لعب بالنّرد فقد عصى اللّه ورسوله". وروي موقوفًا عن أبي موسى من قوله، فاللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم حدّثنا الجعيد، عن موسى بن عبد الرّحمن الخطميّ، أنّه سمع محمّد بن كعبٍ وهو يسأل عبد الرّحمن يقول: أخبرني، ما سمعت أباك يقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال عبد الرّحمن: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "مثل الّذي يلعب بالنّرد، ثمّ يقوم فيصلّي، مثل الّذي يتوضّأ بالقيح ودم الخنزير ثمّ يقوم فيصلّي".
وأمّا الشّطرنج فقد قال عبد اللّه بن عمر: إنّه شرٌّ من النّرد. وتقدّم عن عليٍّ أنّه قال: هو من الميسر، ونصّ على تحريمه مالكٌ، وأبو حنيفة، وأحمد، وكرهه الشّافعيّ، رحمهم اللّه تعالى.
وأمّا الأنصاب، فقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وغير واحدٍ: هي حجارةٌ كانوا يذبحون قرابينهم عندها.
وأمّا الأزلام فقالوا أيضًا: هي قداحٌ كانوا يستقسمون بها.
وقوله: {رجسٌ من عمل الشّيطان} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: أي سخط من عمل الشّيطان. وقال سعيد بن جبيرٍ: إثمٌ. وقال زيد بن أسلم: أي شرٌّ من عمل الشّيطان.
{فاجتنبوه} الضّمير عائدٌ على الرّجس، أي اتركوه {لعلّكم تفلحون} وهذا ترغيبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/178-179]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} وهذا تهديدٌ وترهيبٌ.
ذكر الأحاديث الواردة في [بيان] تحريم الخمر:
قال الإمام أحمد: حدّثنا سريج حدّثنا أبو معشر، عن أبي وهب مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: حرّمت الخمر ثلاث مرّاتٍ، قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما، فأنزل اللّه: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} إلى آخر الآية [البقرة:219]. فقال النّاس: ما حرم علينا، إنّما قال: {فيهما إثمٌ كبيرٌ} وكانوا يشربون الخمر، حتّى كان يومًا من الأيّام صلّى رجلٌ من المهاجرين، أمّ أصحابه في المغرب، خلط في قراءته، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] آيةً أغلظ منها: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [النّساء: 43] وكان النّاس يشربون، حتّى يأتي أحدهم الصّلاة وهو مفيقٌ. ثمّ أنزلت آيةٌ أغلظ من ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} قالوا: انتهينا ربّنا. وقال النّاس: يا رسول اللّه، ناسٌ قتلوا في سبيل اللّه، [وناسٌ] ماتوا على سرفهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله اللّه رجسًا من عمل الشّيطان؟ فأنزل اللّه تعالى: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} إلى آخر الآية، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم". انفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطّاب [رضي اللّه عنه] أنّه قال: لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية الّتي في سورة النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا.
وهكذا رواه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من طرقٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد اللّه السّبيعي وعن أبي ميسرة -واسمه عمرو بن شرحبيل الهمدانيّ-عن عمر، به. وليس له عنه سواه، قال أبو زرعة: ولم يسمع منه. وصحّح هذا الحديث عليّ بن المدينيّ والتّرمذيّ.
وقد ثبت في الصّحيحين عن عمر بن الخطّاب أنّه قال في خطبته على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّها النّاس، إنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسةٍ: من العنب، والتّمر، والعسل، والحنطة، والشّعير، والخمر ما خامر العقل.
وقال البخاريّ: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدّثني نافعٌ، عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإنّ بالمدينة يومئذ لخمسة أشربةٍ ما فيها شراب العنب.
حديثٌ آخر: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا محمّد بن أبي حميدٍ، عن المصريّ -يعني أبا طعمة قارئ مصر -قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آياتٍ، فأوّل شيءٍ نزل: {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية [البقرة: 219] فقيل: حرّمت الخمر. فقالوا: يا رسول اللّه، ننتفع بها كما قال اللّه تعالى. قال: فسكت عنهم ثمّ نزلت هذه الآية: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النّساء: 43]. فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا لا نشربها قرب الصّلاة، فسكت عنهم ثمّ نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "حرّمت الخمر".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يعلى، حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن القعقاع بن حكيمٍ؛ أنّ عبد الرّحمن بن وعلة قال: سألت ابن عبّاسٍ عن بيع الخمر، فقال: كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صديقٌ من ثقيفٍ -أو: من دوسٍ-فلقيه يوم الفتح براوية خمرٍ يهديها إليه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا فلان، أما علمت أنّ اللّه حرّمها؟ " فأقبل الرّجل على غلامه فقال: اذهب فبعها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا فلان، بماذا أمرته؟ " فقال: أمرته أن يبيعها. قال: "إنّ الّذي حرّم شربها حرّم بيعها". فأمر بها فأفرغت في البطحاء.
رواه مسلمٌ من طريق ابن وهب، عن مالكٍ، عن زيد بن أسلم. ومن طريق ابن وهبٍ أيضًا، عن سليمان بن بلالٍ، عن يحيى بن سعيدٍ كلاهما -عن عبد الرّحمن بن وعلة، عن ابن عبّاسٍ، به. ورواه النّسائيّ، عن قتيبة، عن مالكٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، حدّثنا أبو بكر الحنفيّ، حدّثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن شهر بن حوشب، عن تميمٍ الدّاريّ أنّه كان يهدي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم راويةً من خمرٍ، فلمّا أنزل اللّه تحريم الخمر جاء بها، فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحك وقال: "إنّها قد حرّمت بعدك". قال: يا رسول اللّه، فأبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لعن اللّه اليهود، حرم عليهم شحوم البقر والغنم، فأذابوه، وباعوه، واللّه حرّم الخمر وثمنها".
وقد رواه أيضًا الإمام أحمد فقال: حدّثنا روح، حدّثنا عبد الحميد بن بهرام قال: سمعت شهر بن حوشبٍ قال: حدّثني عبد الرّحمن بن غنم: أنّ الدّاريّ كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلّ عامٍ راويةً من خمرٍ، فلمّا كان عام حرّمت جاء براويةٍ، فلمّا نظر إليه ضحك فقال أشعرت أنّها حرّمت بعدك؟ " فقال: يا رسول اللّه، ألّا أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لعن اللّه اليهود، انطلقوا إلى ما حرّم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه، فباعوه به ما يأكلون، وإن الخمر حرام وثمنها حرامٌ، وإنّ الخمر حرامٌ وثمنها حرامٌ، وإنّ الخمر حرامٌ وثمنها حرامٌ".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرّحمن، عن نافع بن كيسان أنّ أباه أخبره أنّه كان يتّجر في الخمر في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه أقبل من الشّام ومعه خمرٌ في الزّقاق، يريد بها التّجارة، فأتى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي جئتك بشرابٍ طيّبٍ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا كيسان، إنّها قد حرّمت بعدك". قال: فأبيعها يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّها قد حرّمت وحرم ثمنها". فانطلق كيسان إلى الزّقاق، فأخذ بأرجلها ثمّ هراقها.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجرّاح، وأبيّ بن كعب، وسهيل بن بيضاء، ونفرًا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم، حتّى كاد الشّراب يأخذ منهم، فأتى آتٍ من المسلمين فقال: أما شعرتم أنّ الخمر قد حرّمت؟ فما قالوا: حتّى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس اكف ما بقي في إنائك، فواللّه ما عادوا فيها، وما هي إلّا التّمر والبسر، وهي خمرهم يومئذٍ.
أخرجاه في الصّحيحين -من غير وجهٍ-عن أنسٍ وفي رواية حمّاد بن زيدٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: كنت ساقي القوم يوم حرّمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلّا الفضيخ البسر والتمر، فإذا منادٍ ينادي، قال: اخرج فانظر. فإذا منادٍ ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت، فجرت في سكك المدينة، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها. فهرقتها، فقالوا -أو: قال بعضهم: قتل فلانٌ وفلانٌ وهي في بطونهم. قال: فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثني عبد الكبير بن عبد المجيد حدّثنا عبّاد بن راشدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبلٍ، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، حتّى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمرٍ. فسمعت مناديًا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت! قال: فما دخل علينا داخلٌ ولا خرج منّا خارجٌ، حتّى أهرقنا الشّراب، وكسرنا القلال، وتوضّأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أمّ سليمٍ، ثمّ خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، فما منزلة من مات وهو يشربها؟ فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا [إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات]} الآية، فقال رجلٌ لقتادة: أنت سمعته من أنس بن مالكٍ؟ قال: نعم. وقال رجلٌ لأنس بن مالكٍ: أنت سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم -أو: حدّثني من لم يكذب، ما كنّا نكذب، ولا ندري ما الكذب.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن إسحاق، أخبرني يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن زحر، عن بكر بن سوادة، عن قيس بن سعد بن عبادة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ ربّي تبارك وتعالى حرّم عليّ الخمر، والكوبة، والقنّين. وإيّاكم والغبيراء فإنّها ثلث خمر العالم".
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا فرج بن فضالة، عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن رافعٍ عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه حرّم على أمّتي الخمر والميسر والمزر، والكوبة والقنّين. وزادني صلاة الوتر". قال يزيد: القنّين: البرابط. تفرّد به أحمد.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا أبو عاصمٍ -وهو النّبيل-أخبرنا عبد الحميد بن جعفرٍ، حدّثنا يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عمرو بن الوليد، عن عبد اللّه بن عمرٍو؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من قال عليّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من جهنّم". قال: وسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه حرّم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء، وكلّ مسكرٍ حرامٌ". تفرّد به أحمد أيضًا
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن أبي طعمة -مولاهم-وعن عبد الرّحمن بن عبد اللّه الغافقيّ أنّهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لعنت الخمر على عشرة وجوهٍ: لعنت الخمر بعينها وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها".
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث وكيعٍ، به.
وقال أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا أبو طعمة، سمعت ابن عمر يقول: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المربد، فخرجت معه فكنت عن يمينه، وأقبل أبو بكرٍ فتأخّرت عنه، فكان عن يمينه وكنت عن يساره. ثمّ أقبل عمر فتنحّيت له، فكان عن يساره. فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المربد، فإذا بزقاقٍ على المربد فيها خمرٌ -قال ابن عمر-: فدعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدية -قال ابن عمر: وما عرفت المدية إلّا يومئذٍ -فأمر بالزّقاق فشقّت، ثمّ قال: "لعنت الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها".
وقال أحمد: حدّثنا الحكم بن نافعٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيبٍ قال: قال عبد اللّه بن عمر: أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن آتيه بمديةٍ وهي الشّفرة، فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثمّ أعطانيها وقال: "اغد عليّ بها". ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة، وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشّام، فأخذ المدية منّي فشقّ ما كان من تلك الزّقاق بحضرته، ثمّ أعطانيها وأمر أصحابه الّذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلّها فلا أجد فيها زقّ خمرٍ إلّا شققته، ففعلت، فلم أترك في أسواقها زقًّا إلّا شققته.
حديثٌ آخر: قال عبد اللّه بن وهب: أخبرني عبد الرّحمن بن شريح، وابن لهيعة، واللّيث بن سعدٍ، عن خالد بن يزيد، عن ثابت بن يزيد الخولانيّ أخبره: أنّه كان له عمٌّ يبيع الخمر، وكان يتصدّق، فنهيته عنها فلم ينته، فقدمت المدينة فتلقّيت ابن عبّاسٍ، فسألته عن الخمر وثمنها، فقال: هي حرامٌ وثمنها حرامٌ. ثمّ قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه: يا معشر أمّة محمّدٍ، إنّه لو كان كتابٌ بعد كتابكم، ونبيٌّ بعد نبيّكم، لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم، ولكن أخّر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة، ولعمري لهو أشدّ عليكم، قال ثابتٌ: فلقيت عبد اللّه بن عمر فسألته عن ثمن الخمر، فقال: سأخبرك عن الخمر، إنّي كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد، فبينما هو محتبٍ حلّ حبوته ثمّ قال: "من كان عنده من هذه الخمر فليأتنا بها". فجعلوا يأتونه، فيقول أحدهم: عندي راويةٌ. ويقول الآخر: عندي زقٌّ أو: ما شاء اللّه أن يكون عنده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثمّ آذنوني". ففعلوا، ثمّ آذنوه فقام وقمت معه، فمشيت عن يمينه وهو متّكئٌ عليّ، فألحقنا أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فأخّرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعلني عن شماله، وجعل أبا بكرٍ في مكاني. ثمّ لحقنا عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه فأخّرني، وجعله عن يساره، فمشى بينهما. حتّى إذا وقف على الخمر قال للنّاس: "أتعرفون هذه قالوا: نعم، يا رسول اللّه، هذه الخمر. قال: "صدقتم". قال: "فإنّ اللّه لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها وساقيها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها". ثمّ دعا بسكّينٍ فقال: "اشحذوها". ففعلوا، ثمّ أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخرق بها الزّقاق، قال: فقال النّاس: في هذه الزّقاق منفعةٌ، قال: "أجل، ولكنّي إنّما أفعل ذلك غضبًا للّه، عزّ وجلّ، لما فيها من سخطه". فقال عمر: أنا أكفيك يا رسول اللّه؟ قال: "لا".
قال ابن وهب: وبعضهم يزيد على بعضٍ في قصّة الحديث. رواه البيهقيّ.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصّفّار، حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه المنادي، حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا شعبة، عن سماك، عن مصعب بن سعدٍ، عن سعدٍ، قال: أنزلت في الخمر أربع آياتٍ، فذكر الحديث. قال: وضع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتّى انتشينا، فتفاخرنا، فقالت الأنصار: نحن أفضل. وقالت قريشٌ: نحن أفضل. فأخذ رجلٌ من الأنصار لحي جزور، فضرب به أنف سعدٍ ففزره، وكان أنف سعدٍ مفزورًا. فنزلت آية الخمر: {إنّما الخمر والميسر [والأنصاب والأزلام]} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} أخرجه مسلمٌ من حديث شعبة.
حديثٌ آخر: قال البيهقيّ: وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنبأنا أبو عليٍّ الرّفّاء، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا ربيعة بن كلثومٍ، حدّثني أبي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا فلمّا أن ثمل عبث بعضهم ببعضٍ، فلمّا أنّ صحوا جعل الرّجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع هذا بي، أخي فلانٌ -وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائن واللّه لو كان بي رؤوفًا رحيمًا ما صنع هذا بي، حتّى وقعت الضّغائن في قلوبهم فأنزل اللّه هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان [فاجتنبوه لعلّكم تفلحون * إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة] فهل أنتم منتهون} فقال ناسٌ من المتكلّفين: هي رجسٌ، وهي في بطن فلانٍ، وقد قتل يوم أحدٍ، فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا [إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصّالحات ثمّ اتّقوا وآمنوا ثمّ اتّقوا وأحسنوا واللّه يحبّ المحسنين]}
ورواه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن عبد الرّحيم صاعقة، عن حجّاج بن منهالٍ.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن خلف، حدّثنا سعيد بن محمّدٍ الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلامٍ مولى حفصٍ أبي القاسم، عن أبي بريدة، عن أبيه قال: بينا نحن قعود على شرابٍ لنا، ونحن رملة، ونحن ثلاثةٌ أو أربعةٌ، وعندنا باطيةٌ لنا، ونحن نشرب الخمر حلًّا إذ قمت حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلّم عليه، إذ نزل تحريم الخمر: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} إلى آخر الآيتين {فهل أنتم منتهون}؟ فجئت إلى أصحابي فقرأتها إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضها وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا، كما يفعل الحجّام، ثمّ صبّوا ما في باطيتهم فقالوا: انتهينا ربّنا.
حديثٌ آخر: قال البخاريّ: حدّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر قال: صبّح ناسٌ غداة أحدٍ الخمر، فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء، وذلك قبل تحريمها.
هكذا رواه البخاريّ في تفسيره من صحيحه وقد رواه الحافظ أبو بكرٍ البزّار في مسنده: حدّثنا أحمد بن عبدة، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ سمع جابر بن عبد اللّه يقول: اصطبح ناسٌ الخمر من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قتلوا شهداء يوم أحدٍ، فقالت اليهود: فقد مات بعض الّذين قتلوا وهي في بطونهم. فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} ثمّ قال: وهذا إسنادٌ صحيحٌ. وهو كما قال، ولكن في سياقته غرابةٌ.
حديثٌ آخر: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ قال: لمّا نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية.
ورواه التّرمذيّ، عن بندار، غندر عن شعبة، به نحوٌ. وقال: حسنٌ صحيحٌ.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا جعفر بن حميدٍ الكوفيّ، حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد اللّه قال: كان رجلٌ يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فحمّل منها بمالٍ فقدم بها المدينة، فلقيه رجلٌ من المسلمين فقال: يا فلان، إنّ الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تلّ، وسجّى عليها بأكسيةٍ، ثمّ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، بلغني أنّ الخمر قد حرّمت؟ قال: "أجل" قال: لي أن أردّها على من ابتعتها منه؟ قال: "لا يصلح ردّها". قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال: "لا". قال: فإنّ فيها مالًا ليتامى في حجري؟ قال: "إذ أتانا مال البحرين فأتنا نعوّض أيتامك من مالهم". ثمّ نادى بالمدينة، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، الأوعية ننتفع بها؟. قال: "فحلّوا أوكيتها". فانصبّت حتّى استقرّت في بطن الوادي هذا حديثٌ غريبٌ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن السّدّي، عن أبي هبيرة -وهو يحيى بن عبّاد الأنصاريّ-عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ أبا طلحة سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أيتامٍ في حجره ورثوا خمرًا فقال: "أهرقها". قال: أفلا نجعلها خلًّا؟ قال: "لا".
ورواه مسلمٌ، وأبو داود، والتّرمذيّ، من حديث الثّوريّ، به نحوه.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن رجاء، حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، حدّثنا هلال بن أبي هلالٍ، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} قال: هي في التّوراة: "إنّ اللّه أنزل الحقّ ليذهب به الباطل، ويبطل به اللّعب، والمزامير، والزّفن، والكبارات -يعني البرابط--والزّمّارات -يعني به الدّفّ-والطّنابير-والشّعر، والخمر مرّةً لمن طعمها. أقسم اللّه بيمينه وعزّة حيله من شربها بعد ما حرّمتها لأعطّشنّه يوم القيامة، ومن تركها بعد ما حرّمتها لأسقينّه إيّاها في حظيرة القدس".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
حديثٌ آخر: قال عبد اللّه بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أنّ عمرو بن شعيب حدّثهم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من ترك الصّلاة سكرًا مرّةً واحدةً، فكأنّما كانت له الدّنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصّلاة سكرًا أربع مرّاتٍ، كان حقًّا على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال". قيل: وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل جهنّم".
ورواه أحمد، من طريق عمرو بن شعيبٍ.
حديثٌ آخر: قال أبو داود: حدّثنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا إبراهيم بن عمر الصّنعانيّ، قال: سمعت النّعمان -هو ابن أبي شيبة الجندي-يقول عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كلّ مخمّر خمر، وكلّ مسكر حرام، ومن شرب مسكرًا بخست صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب اللّه عليه، فإن عاد الرّابعة كان حقًّا على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال". قيل: وما طينة الخبال يا رسول اللّه قال: "صديد أهل النّار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقًّا على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال"
تفرد أبو داود.
حديثٌ آخر: قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: أنبأنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من شرب الخمر في الدّنيا، ثمّ لم يتب منها حرمها في الآخرة".
أخرجه البخاريّ ومسلمٌ، من حديث مالكٍ، به.
وروى مسلمٌ عن أبي الرّبيع، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن نافعٍ عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مسكر خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة".
حديثٌ آخر: قال ابن وهب: أخبرني عمر بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن يسار؛ أنه سمع سالم بن عبد اللّه يقول: قال عبد اللّه بن عمر: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة العاقّ لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى".
ورواه النّسائيّ، عن عمر بن عليٍّ، عن يزيد بن زريع، عن عمر بن محمّدٍ العمري، به.
وروى أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يدخل الجنّة منّان ولا عاقٌّ، ولا مدمن خمرٍ".
ورواه أحمد أيضًا، عن عبد الصّمد، عن عبد العزيز بن مسلمٍ عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، به. وعن مروان بن شجاعٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ، به ورواه النّسائيّ عن القاسم بن زكريّا، عن الحسين الجعفي، عن زائدة، عن بن ابن أبي زيادٍ، عن سالم بن أبي الجعد ومجاهدٍ، كلاهما عن أبي سعيدٍ، به.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يدخل الجنّة عاقٌّ، ولا مدمن خمرٍ، ولا منّان، ولا ولد زنية".
وكذا رواه عن يزيد، عن همّامٍ، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، به وقد رواه أيضًا عن غندر وغيره، عن شعبة، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن نبيط بن شريط، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يدخل الجنّة منّانٌ، ولا عاقٌّ والديه، ولا مدمن خمرٍ".
ورواه النّسائيّ، من حديث شعبة كذلك، ثمّ قال: ولا نعلم أحدًا تابع شعبة عن نبيط بن شريطٍ.
وقال البخاريّ: لا يعرف لجابان سماعٌ من عبد اللّه، ولا لسالمٍ من جابان ولا نبيطٍ.
وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ -ومن طريقه أيضًا، عن أبي هريرة، فاللّه أعلم.
وقال الزّهريّ: حدّثني أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، أنّ أباه قال: سمعت عثمان بن عفّان يقول: اجتنبوا الخمر، فإنّها أمّ الخبائث، إنّه كان رجلٌ فيمن خلا قبلكم يتعبّد ويعتزل النّاس، فعلقته امرأةٌ غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنّا ندعوك لشهادةٍ. فدخل معها، فطفقت كلّما دخل بابًا أغلقته دونه، حتّى أفضى إلى امرأةٍ وضيئةٍ عندها غلامٌ وباطية خمرٍ، فقالت: إنّي واللّه ما دعوتك لشهادةٍ ولكن دعوتك لتقع عليّ أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر. فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يرم حتّى وقع عليها، وقتل النّفس، فاجتنبوا الخمر فإنّها لا تجتمع هي والإيمان أبدًا إلّا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه.
رواه البيهقيّ وهذا إسنادٌ صحيحٌ. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدّنيا في كتابه "ذمّ المسكر" عن محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، عن الفضيل بن سليمان النّميريّ، عن عمر بن سعيدٍ، عن الزّهريّ، به مرفوعًا والموقوف أصحّ، واللّه أعلم.
وله شاهدٌ في الصّحيحين، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق سرقةً حين يسرقها وهو مؤمنٌ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ".
وقال أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا أسود بن عامرٍ، أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا حرّمت الخمر قال أناسٌ: يا رسول اللّه، أصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية. قال: ولمّا حوّلت القبلة قال أناسٌ: يا رسول اللّه، أصحابنا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} [البقرة:143].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا داود بن مهران الدّبّاغ، حدّثنا داود -يعني العطّار-عن ابن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، أنّها سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من شرب الخمر لم يرض اللّه عنه أربعين ليلةً، إن مات مات كافرًا، وإن تاب تاب اللّه عليه. وإن عاد كان حقًّا على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال". قالت: قلت: يا رسول اللّه، وما طينة الخبال؟ قال: "صديد أهل النّار"). [تفسير القرآن العظيم: 3/179-189]

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) }

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمّا نزلت: {ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا} فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "قيل لي: أنت منهم".
وهكذا رواه مسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، من طريقه.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: قرأت على أبي، حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، حدّثنا إبراهيم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إيّاكم وهاتان الكعبتان الموسّمتان اللتان تزجران زجرًا، فإنهما ميسر العجم"). [تفسير القرآن العظيم: 3/189]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة