العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (48) إلى الآية (50) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (48) إلى الآية (50) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أزهر، عن عاصم بن عمر، عن محمّد بن طلحة، عن رجلٍ من بني تميمٍ قال: سألت ابن عبّاسٍ عن: {ومهيمناً عليه}، قال: مؤتمناً عليه؛ قال وسألته عن: {شرعةً ومنهاجاً}، قال: سبيلا وسنّةً). [الجامع في علوم القرآن: 1/121]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أنزلت في ضبيعة بين شرحبيل، فنسختها: {واقتلوهم حيث وجدتموهم}، {فاعف عنهم واصفح}؛
فنسختها: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}، {أو أعرض عنهم}؛ نسختها: {فاحكم بينهم بما أنزل الله}). [الجامع في علوم القرآن: 3/85-86] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله ومهيمنا عليه قال شهيدا عليه). [تفسير عبد الرزاق: 1/190]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن السدي عن عكرمة قال نسخت هذه الآية فاحكم بينهم أو أعرض عنهم بقوله فاحكم بينهم بما أنزل الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/190] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال الدين واحد والشريعة مختلفة). [تفسير عبد الرزاق: 1/192]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس في قوله شرعة ومنهاجا قال سبيل وسنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/192]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عبّاسٍ {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا} قال: سبيلا وسنة [الآية: 48]). [تفسير الثوري: 103]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من بني تميمٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله: {ومهيمنًا عليه} - قال: مؤتمنًا عليه). [سنن سعيد بن منصور: 4/1498]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا زيد بن الحباب، قال: حدّثنا أبو سنانٍ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ يقول في قوله: {فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا} قال: أمّة محمّدٍ: البرّ والفاجر). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 445]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله»). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المهيمن القرآن أمينٌ على كل كتاب قبله أورد بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ كان قبله وروى عبد بن حميدٍ من طريق أربدة التّميمي عن بن عبّاس في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال مؤتمنا عليه وقال بن قتيبة وتبعه جماعةٌ مهيمنًا مفيعلٌ من أيمن قلبت همزته هاءً وقد أنكر ذلك ثعلبٌ فبالغ حتّى نسب قائله إلى الكفر لأنّ المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء اللّه تعالى لا تصغّر والحقّ أنّه أصلٌ بنفسه ليس مبدلًا من شيءٍ وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول هيمن فلانٌ على فلانٍ إذا صار رقيبًا عليه فهو مهيمنٌ قال أبو عبيدة لم يجئ في كلام العرب على هذا البناء إلّا أربعة ألفاظٍ مبيطرٌ ومسيطرٌ ومهيمنٌ ومبيقرٌ). [فتح الباري: 8/269]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن جرير حدثني موسى بن هارون ثنا عمرو بن حمّاد ثنا أسباط عن السّديّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله 29 المائدة {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} قال يكون إثمي وإثمك في عنقك
وأخبرنا عبد القادر بن محمّد الفراء أنا أحمد بن علّي العابد أنا محمّد بن إسماعيل أنا علّي بن حمزة أنا هبة الله بن محمّد الشّيرازيّ أنا أبو طالب بن غيلان أنا أبو بكر الشّافعي ثنا إسحاق بن الحسن ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن التّميمي عن ابن عبّاس {ومهيمنا عليه} 48 المائدة قال مؤتمنا عليه
رواه عبد من حديث سفيان وشعبة كليهما عن أبي إسحاق كذلك
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي عن ابن عبّاس قوله ومهيمنا عليه قال القرآن الأمين على كل كتاب قبله). [تغليق التعليق: 4/201-202]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المهيمن الأمين القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله
أشار به إلى قوله تعالى: {ومهيمنا عليه} (المائدة: 484) وفسره بقوله الأمين. وقال في (فضائل القرآن) قال: قال ابن عبّاس المهيمن الأمين. وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق سمعت التّيميّ سمعت ابن عبّاس، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قوله عز وجل: {ومهيمنا عليه} قال المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقال الخطابيّ: أصله مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة وهو على وزن مسيطر ومبيطر، قال ابن قتيبة وآخرون، مهيمن مفيعل يعني بالتّصغير من أمين، قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتّى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر، والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلاً من شيء وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، يقال: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، وقال أبو عبيدة لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلاّ أربعة ألفاظ: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، وقال الأزهري: المهيمن من صفات الله تعالى، وقال بعض المفسّرين: المهيمن الشّهيد والشّاهد، وقيل: الرّقيب، وقيل: الحفيظ). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (المهيمن) يريد قوله تعالى: {ومهيمنًا عليه} [المائدة: 48] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه ومهيمنًا عليه قال المهيمن (الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله) وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فحق وما خالفه منها فهو باطل وقال العوفي عن ابن عباس ومهيمنًا أي حاكمًا على ما قبله من الكتب). [إرشاد الساري: 7/100]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): ({شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48]: «سبيلًا وسنّةً»). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شرعةً ومنهاجًا سبيلًا وسنّةً وقد تقدّم في الإيمان وقال أبو عبيدة لكلٍّ جعلنا منكم شرعة أي سنّةً ومنهاجًا أي سبيلًا بيّنًا واضحًا). [فتح الباري: 8/270]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
قال سفيان ما في القرآن آية أشد علّي من {لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} 68 المائدة
وقال ابن عبّاس مخمصة مجاعة من أحياها يعني من حرم قتلها إلّا بحق حييّ النّاس منه جميعًا شرعة ومنهاجا سنة وسبيلا فبما نقضهم بنقضهم الّتي كتب الله حرم واحدها حرام تبوء تحمل دائرة دولة المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
قلت وأكثر هذه التفاسير وقع غير منسوب لأحد عند الأكثر
أما قول سفيان
وأما تفاسير ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية
[تغليق التعليق: 4/200]
عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 3 المائدة {مخمصة} يعني مجاعة وبه {ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا} 22 المائدة وأحياها لا يقتل نفسا حرمها الله فذاك الّذي أحيى النّاس جميعًا يعني أنه من حرم قتلها إلّا بحق يحي النّاس منه جميعًا
وتفسيره {شرعة ومنهاجا} 48 المائدة تقدم في أول الكتاب). [تغليق التعليق: 4/201] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (شرعةً ومنهاجا سبيلاً وسنّةً
أشار به إلى قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} (المائدة: 48) وفسّر شرعة. بقوله: سبيلا ومنهاجا. بقوله: سنة قال الكرماني: ما يفهم منه أن قوله: سبيلا تفسير قوله: منهاجا. وقوله: وسنة تفسير قوله: شرعة، حيث قال: وفيه لف ونشر غير مرتّب. قلت: روى ابن أبي حاتم بما فيه لف ونشر مرتّب مثل ظاهر تفسير البخاريّ حيث قال: سبيلا وسنة فقوله سبيلا تفسير شرعة. وقوله: منهاجا تفسير قوله: وسنة، وذلك حيث قال ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن التّيميّ عن ابن عبّاس، الكل جعلنا منكم شرعة قال سبيلا وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التّيميّ عن ابن عبّاس ومنهاجا سنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصريّ وقتادة والضّحّاك والسّديّ وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله شرعة ومنهاجا أي: سبيلا وسنة، وهذا كما هو لفظ البخاريّ، وفيه لف ونشر مرتّب، وقال ابن كثير: وعن ابن عبّاس أيضا وعطاء الخراساني، شرعة ومنهاجا أي: سنة وسبيلاً، ثمّ قال: والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشّريعة أيضا هي ممّا يبدأ فيه إلى الشّيء، ومنه يقال: شرع في كذا أي: ابتدأ وكذا الشّريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء، وأما المنهاج فهو الطّريق الواضح السهل، وتفسير قوله: شرعة ومنهاجا بالسبيل والسّنة أظهر في المناسبة من العكس). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مخمصة}) قال ابن عباس (مجاعة). وقال أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({من أحياها} يعني من حرّم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعًا). وقال أيضًا في قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم} ({شرعة ومنهاجًا}) [المائدة: 48] يعني (سبيلًا وسنة) وسقط قوله قال سفيان إلى هنا لغير أبوي ذر والوقت). [إرشاد الساري: 7/100] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {شرعةً ومنهاجًا} قال: سبيلٌ وسنّةٌ). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 121]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}
وهذا خطابٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول تعالى ذكره: {وأنزلنا إليك} يا محمّد {الكتاب} وهو القرآن الّذي أنزله عليه. ويعني بقوله: {بالحقّ} بالصّدق، ولا كذب فيه، ولا شكّ أنّه من عند اللّه {مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب} يقول: أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب اللّه الّتي أنزلها إلى أنبيائه {ومهيمنًا عليه} يقول: أنزلنا الكتاب الّذي أنزلناه إليك يا محمّد مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنّها حقٌّ من عند اللّه، أمينًا عليها، حافظًا لها.
وأصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرّجل الشّيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلانٌ عليه، فهو يهيمن هيمنةً، وهو عليه مهيمنٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل. إلاّ أنّهم اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم: معناه: شهيدًا.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومهيمنًا عليه} يقول: شهيدًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ومهيمنًا عليه} قال: شهيدًا عليه.
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب} يقول: الكتب الّتي خلت قبله {ومهيمنًا عليه} أمينًا وشاهدًا على الكتب الّتي خلت قبله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ومهيمنًا عليه} مؤتمنًا على القرآن وشاهدًا ومصدّقًا وقال ابن جريجٍ وقال آخرون: القرآن أمينٌ على الكتب فيما إذ أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمرٍ إن كان في القرآن فصدّقوا، وإلاّ فكذّبوا
وقال بعضهم: معناه: أمينٌ عليه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، جميعًا، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا عليه.
- حدّثنا محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا عليه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق بإسناده، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من تميمٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومهيمنًا عليه} قال: والمهيمن: الأمين، قال: القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب} وهو القرآن، شاهدٌ على التّوراة والإنجيل، مصدّقًا لهما {مهيمنًا عليه} يعني: أمينًا عليه، يحكم على ما كان قبله من الكتب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن قيسٍ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا عليه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال حدّثنا يحيى بن ادم عن زهير عن أبى إسحاق عن رجل من بنى تميم عن ابن عباس {ومهيمنًا عليه} قال موتمنا عليه.
- حدثني المثنى قال حدّثنا يحى الحمانى قال حدّثنا شريك عن أبى إسحاق عن التميمى عن ابن عباس مثله.
بعده زباد
حدّثنا معاذ بن المثنّى، حدّثنا محمّد بن المنهال، حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن روح بن القاسم، عن عمرو بن دينارٍ، عن طاووسٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الأرض قال: تمنحها أخاك، خيرٌ من أن تأخذ عليها خراجًا.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، وإسرائيل، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا على ما قبله من الكتب.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه} قال: مصدّقًا لهذه الكتب وأمينًا عليها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع، فقال: مؤتمنًا عليه.
وقال آخرون: معنى المهيمن المصدّق.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ومهيمنًا عليه} قال: مصدّقًا عليه. كلّ شيءٍ أنزله اللّه من توراةٍ أو إنجيلٍ أو زبورٍ فالقرآن مصدّقٌ على ذلك، وكلّ شيءٍ ذكر اللّه في القرآن فهو مصدّقٌ عليها وعلى ما حدّث عنها أنّه حقٌّ.
وقال آخرون: عنى بقوله: {مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه} نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومهيمنًا عليه} محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، مؤتمنٌ على القرآن.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومهيمنًا عليه} قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، مؤتمنٌ على القرآن.
فتأويل الكلام على ما تأوّله مجاهدٌ: وأنزلنا الكتاب مصدّقًا الكتب قبله إليك، مهيمنًا عليه. فيكون قوله مصدّقًا حالاً من الكتاب وبعضًا منه، ويكون التّصديق من صفة الكتاب، والمهيمن حالاً من الكاف الّتي في إليك، وهي كنايةٌ عن ذكر اسم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والهاء في قوله: {عليه} عائدةٌ على الكتاب.
وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له، ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهدٍ لقيل: وأنزلنا إليك الكتاب مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه؛ لأنّه لم تقدّمٌ من صفة الكاف الّتي في {إليك}، وليس بعدها شيءٌ يكون مهيمنًا عليه عطفًا عليه، وإنّما عطف به على المصدّق، لأنّه من صفة الكتاب الّذي من صفته المصدّق.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ المصدّق على قول مجاهدٍ وتأويله هذا من صفة الكاف الّتي في إليك، فإنّ قوله: {لما بين يديه من الكتاب} يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك، وأن يكون المصدّق من صفة الكاف الّتي في إليك، لأنّ الهاء في قوله: {بين يديه} كناية اسمٍ غير المخاطب، وهو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله إليك، ولو كان المصدّق من صفة الكاف لكان الكلام: وأنزلنا إليك الكتاب مصدّقًا لما بين يديك من الكتاب ومهيمنًا عليه، فيكون معنى الكلام حينئذٍ كذلك). [جامع البيان: 8/485-491]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ}
وهذا أمرٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهل الملل، بكتابه الّذي أنزله إليه، وهو القرآن الّذي خصّه بشريعته يقول تعالى ذكره: احكم يا محمّد بين أهل الكتاب والمشركين بما أنزل إليك من كتابي وأحكامي، في كلّ ما احتكموا فيه إليك من الحدود والجروح والقود والنّفوس، فارجم الزّاني المحصن، واقتل النّفس القاتلة بالنّفس المقتولة ظلمًا، وافقأ العين بالعين، واجدع الأنف بالأنف، فإنّي أنزلت إليك القرآن مصدّقًا في ذلك ما بين يديه من الكتب، ومهيمنًا عليه، رقيبًا يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبله. ولا تتّبع أهواء هؤلاء اليهود، الّذين يقولون: إن أوتيتم الجلد في الزّاني المحصن دون الرّجم، وقتل الوضيع بالشّريف إذا قتله، وترك قتل الشّريف بالوضيع إذا قتله، فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا، عن الّذي جاءك من عند اللّه من الحقّ، وهو كتاب اللّه الّذي أنزله إليك. يقول له: اعمل بكتابي الّذي أنزلته إليك إذا احتكموا إليك، فاختر الحكم عليهم، ولا تتركنّ العمل بذلك اتّباعًا منك أهواءهم وإيثارًا لها على الحقّ الّذي أنزلته إليك في كتابي. كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فاحكم بينهم بما أنزل اللّه} يقول: بحدود اللّه {ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن عنبسة، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ: أنّه كان يحلّف اليهوديّ والنّصرانيّ باللّه؛ ثمّ قرأ: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} وأنزل اللّه: {ألاّ تشركوا به شيئًا}). [جامع البيان: 8/491-492]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا}
يقول تعالى ذكره: لكلّ قومٍ منكم جعلنا شرعةً. والشّرعة: هي الشّريعة بعينها، تجمع الشّرعة شراعًا، والشّريعة شرائع، ولو جمعت الشّرعة شرائع كان صوابًا، لأنّ معناها ومعنى الشّريعة واحدٌ، فيردّها عند الجمع إلى لفظ نظيرها. وكلّ ما شرعت فيه من شيءٍ فهو شريعةٌ، ومن ذلك قيل لشريعة الماء: شريعةٌ، لأنّه يشرع منها إلى الماء، ومنه سمّيت شرائع الإسلام شرائع، لشروع أهله فيه، ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشّيء: هم شرعٌ سواءٌ.
وأمّا المنهاج، فإنّ أصله: الطّريق البيّن الواضح، يقال منه: هو طريقٌ نهجٌ ومنهجٌ بيّنٌ، كما قال الرّاجز:.
من يك في شكٍّ فهذا فلج = ماءٌ رواءٌ وطريقٌ نهج
ثمّ يستعمل في كلّ شيءٍ كان بيّنًا واضحًا يعمل به.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: {لكلٍّ جعلنا منكم} فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الملل المختلفة، أي أنّ اللّه جعل لكلّ ملّةٍ شريعةً ومنهاجًا.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} يقول سبيلاً وسنّةً. والسّنن مختلفةٌ: للتّوراة شريعةٌ، وللإنجيل شريعةٌ، وللقرآن شريعةٌ، يحلّ اللّه فيها ما يشاء ويحرّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه، ولكنّ الدّين الواحد الّذي لا يقبل غيره التّوحيد والإخلاص للّه الّذي جاءت به الرّسل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: الدّين واحدٌ، والشّريعة مختلفةٌ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليٍّ، قال: الإيمان منذ بعث اللّه تعالى ذكره آدم صلّى اللّه عليه وسلّم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، والإقرار بما جاء من عند اللّه، لكلّ قومٍ ما جاءهم من شرعةٍ أو منهاجٍ، فلا يكون المقرّ تاركًا ولكنّه مطيعٌ.
وقال آخرون: بل عنى بذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وقالوا: إنّما معنى الكلام: قد جعلنا الكتاب الّذي أنزلناه إلى نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أيّها النّاس لكلّكم: أي لكلّ من دخل في الإسلام وأقرّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه لي نبيّ، شرعةً ومنهاجًا.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: سنّةً {ومنهاجًا} السّبيل لكلّكم، من دخل في دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقد جعل اللّه له شرعةً ومنهاجًا، يقول: القرآن هو له شرعةٌ ومنهاجٌ.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: معناه: لكلّ أهل ملّةٍ منكم أيّها الأمم جعلنا شرعةً ومنهاجًا.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب لقوله: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} ولو كان عنى بقوله: {لكلٍّ جعلنا منكم} أمّة محمّدٍ وهم أمّةٌ واحدةٌ، لم يكن لقوله: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} وقد فعل ذلك فجعلهم أمّةً واحدةً معنًى مفهومٌ، ولكن معنى ذلك على ما جرى به الخطاب من اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التّوراة، وتقدّم إليهم فيها بالعمل بما فيها. ثمّ ذكر أنّه قفّى بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله، وأنزل عليه الإنجيل، وأمر من بعثه إليه بالعمل بما فيه. ثمّ ذكر نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخبره أنّه أنزل إليه الكتاب مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره وأعلمه أنّه قد جعل له ولأمّته شريعةً غير شرائع الأنبياء والأمم قبله الّذين قصّ عليه قصصهم، وإن كان دينه ودينهم في توحيد اللّه والإقرار بما جاءهم به من عنده والانتهاء إلى أمره ونهيه واحدًا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكلّ واحدٍ منهم، ولأمّته فيما أحلّ لهم وحرّم عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في الشّرعة والمنهاج من التّأويل قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: سنّةً وسبيلاً.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: سنّةً وسبيلاً.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان وإسرائيل وأبيه، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو يحيى الرّازيّ، عن أبي شيبان، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن وثّابٍ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال: سنّةً وسبيلاً.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {شرعةً ومنهاجًا} قال: سنّةً وسبيلاً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من بني تميمٍ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} يعني: سبيلاً وسنّةً.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، قال: سمعت الحسن، يقول: الشّرعة: السّنّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ، قال: سنّةً وسبيلاً.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {شرعةً ومنهاجًا} قال: الشّرعة: السّنّة، ومنهاجًا، قال: السّبيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} يقول: سبيلاً وسنّةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحوضيّ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا أبو إسحاق، قال: سمعت رجلاً من بني تميمٍ، عن ابن عبّاسٍ بنحوه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {شرعةً ومنهاجًا} يقول: سبيلاً وسنّةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: السّنّة والسّبيل.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} يقول: سبيلاً وسنّةً.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: أخبرني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {شرعةً ومنهاجًا} قال: سبيلاً وسنّةً). [جامع البيان: 8/493-498]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم فيما آتاكم}
يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربّكم لجعل شرائعكم واحدةً، ولم يجعل لكلّ أمّةٍ شريعةً ومنهاجً غير شرائع الأمم الآخر ومنهاجهم، فكنتم تكونون أمّةً واحدةً، لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم. ولكنّه تعالى ذكره يعلم ذلك، فخالف بين شرائعكم ليختبركم فيعرف المطيع منكم من العاصي والعامل بما أمره في الكتاب الّذي أنزله إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المخالف.
والابتلاء: هو الاختيار، وقد ثبت ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
وقوله {فيما آتاكم} يعني: فيما أنزل عليكم من الكتب. كما:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} قال عبد اللّه بن كثيرٍ: لا أعلمه إلاّ قال: ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب.
فإن قال قائلٌ: وكيف قال: ليبلوكم فيما آتاكم، ومن المخاطب بذلك، وقد ذكرت أنّ المعنى: لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا لكلّ نبيّاٍ مع الأنبياء الّذين مضوا قبله وأممهم الّذين قبل نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، والمخاطب النّبيّ وحده؟
قيل: إنّ الخطاب وإن كان لنبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّه قد أريد به الخبر عن الأنبياء قبله وأممهم، ولكنّ العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانًا وضمّت إليه غائبًا فأرادت الخبر عنه أن تغلّب المخاطب فيخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب، فلذلك قال تعالى ذكره: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا}). [جامع البيان: 8/498-499]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}.
يقول تعالى ذكره: فبادروا أيّها النّاس، إلى الصّالحات من الأعمال والقرب إلى ربّكم بإدمان العمل بما في كتابكم الّذي أنزله إلى نبيّكم، فإنّه إنّما أنزله امتحانًا لكم وابتلاءً، ليتبيّن المحسن منكم من المسيء، فيجازي جميعكم على عمله جزاءه عند مصيركم إليه، فإنّ مصيركم إليه جميعًا، فيخبر كلّ فريقٍ منكم بما كان يخالف فيه الفرق الأخرى، فيفصل بينهم بفصل القضاء، ويبيّن المحقّ بمجازاته إيّاه بجناته من المسيء بعقابه إيّاه بالنّار، فيتبيّن حينئذٍ كلّ حزبٍ عيانًا، المحقّ منهم من المبطل.
فإن قال قائلٌ: أو لم ينبئنا ربّنا في الدّنيا قبل مرجعنا إليه ما نحن فيه مختلفون؟ قيل: إنّه بيّن ذلك في الدّنيا بالرّسل والأدلّة والحجج، دون الثّواب والعقاب عيانًا، فمصدّقٌ بذلك ومكذّبٌ. وأمّا عند المرجع إليه، فإنّه ينبّئهم بذلك بالمجازاة الّتي لا يشكون معها في معرفة المحقّ والمبطل، ولا يقدرون على إدخال اللّبس معها على أنفسهم، فكذلك خبره تعالى ذكره أنّه ينبئنا عند المرجع إليه بما كنّا فيه نختلف في الدّنيا. وإنّما معنى ذلك: إلى اللّه مرجعكم جميعًا، فتعرفون المحقّ حينئذٍ من المبطل منكم. كما:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن أبي سنانٍ قال: سمعت الضّحّاك يقول: {فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا} قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم البرّ والفاجر). [جامع البيان: 8/499-500]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)
قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجا أنا عمران أبو العوّام القطّان عن قتادة عن أبي المليح عن وائلة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أنزل القرآن لأربعٍ وعشرين خلت من رمضان.
قوله تعالى: الكتاب بالحقّ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي حدّثني أبي عن أبيه عن بن عبّاسٍ قوله: وأنزلنا إليك الكتاب قال: فهو القرآن
قوله تعالى: مصدّقًا
- وبه عن ابن عباس قوله: مصدقا قال: شاهدا.
قوله تعالى: لما بين يديه من الكتاب
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب فهو القرآن شاهدٌ على التّوراة والإنجيل مصدّقًا بهما
وروي عن قتادة قال: الكتب الّتي خلت قبله.
قوله تعالى: ومهيمنا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان وإسماعيل عن أبي إسحاق عن التّميميّ واسمه أربد عن ابن عبّاسٍ قوله ومهيمنًا عليه قال: مؤتمنًا عليه
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن بن أبي نجيحٍ قوله: ومهيمنًا عليه قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم مؤتمنٌ على القرآن.
وروي عن عكرمة والحسن وسعيد بن جبيرٍ وعطاءٍ الخراسانيّ أنّه الأمين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قوله: ومهيمنًا عليه قال المهيمن: الأمين قال: القرآن الأمين على كلّ كتابٍ قبله- وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ نحو ذلك.
وروي عن محمّد بن قيسٍ قال: القرآن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا بن عليّة عن أبي رجاءٍ قال: سألت الحسن ومهيمنًا عليه قال: مصدّقًا بهذه الكتب وأمينًا عليها.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية عن علي عن عبّاسٍ قوله ومهيمنًا يقول: سيّدا. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: عليه
[الوجه الأول]
- وبه عن بن عبّاسٍ قوله: ومهيمنًا عليه قال: كلّ كتابٍ قبله. وروي عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ في أحد الرّوايات وعكرمة وعطيّة وعطاءٍ الخراسانيّ ومحمّد بن كعبٍ وقتادة والسّدّيّ وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: مهيمنًا عليه قال: مؤتمنًا على القرآن.
قوله تعالى: فاحكم بينهم
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: فاحكم بينهم بما أنزل اللّه قال: أمر محمّدًا على أن يحكم بينهم.
قوله تعالى: بما أنزل اللّه
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية عن علي عن بن عبّاسٍ قوله:
فاحكم بينهم بما أنزل اللّه قال: بحدود اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبّاد بن العوّام عن سفيان بن حسينٍ عن الحكم عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مخيّرًا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم. فردّهم إلى أحكامهم فنزلت وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
قوله تعالى: لكلٍّ جعلنا منكم شرعة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن التميمي عن بن عبّاسٍ قوله: شرعةً قال: سبيلا وروي عن مجاهدٍ في أحدى قوليه والسّدّيّ وأبي إسحاق الهمدانيّ وعكرمة والضّحّاك مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي لجيج عن مجاهدٍ
قوله: شرعةً قال: سنّةً. وروي عن الحسن في إحدى الرّوايات وعطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً قال: دينا.
قوله تعالى: ومنهاجا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي إسحاق عن التّميميّ عن بن عبّاسٍ قوله: ومنهاجًا قال: سنّةً- وروي عن مجاهدٍ في إحدى الرّوايات والحسين وعكرمة والسّدّيّ والضّحّاك وأبي إسحاق الهمدانيّ نحو ذلك
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله:
ومنهاجًا قال: سبيلا. وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ عمر عن قتادة قوله:
لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا قال: الدّين واحدٌ والشّرائع مختلفةٌ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا يقول: سبيلا وسنّةً والسّنن مختلفةٌ في التّوراة شريعةٌ وللإنجيل شريعةٌ والفرقان شريعةٌ، يحلّ اللّه فيها ما شاء ويحرّم ما شاء ليعلم من يطيعه (ممّن يعصيه) ، والدّين الّذي لا يقبل غير التّوحيد والإخلاص الّذي جاءت به الرّسل.
قوله تعالى: ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ عن جويبرٍ عن الضّحّاك ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً قال: أهل دينٍ واحدٍ أهل ضلالةٍ أو أهل هدى.
قوله: ولكن ليبلوكم في ما آتاكم
- حدّثنا الحسين بن الحسن أبو معينٍ ثنا إبراهيم أبو عبد اللّه الهرويّ ثنا حجّاجٌ قال: ابن جريجٍ قال ابن كثيرٍ: ما أعمله إلا في ما آتاكم من الكتاب
قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا زيد بن الحباب عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك في قوله: فاستبقوا الخيرات قال: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: إلى اللّه مرجعكم جميعًا
- وبه عن الضّحّاك قوله: إلى اللّه مرجعكم جميعًا قال: البرّ والفاجر.
قوله تعالى: فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قال: يبعثهم اللّه من بعد الموت فيبعث أولياءه وأعداءه فينبّئهم بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1149-1153]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد شرعة ومنهاجا قال الشرعة السنة والمنهاج السبيل). [تفسير مجاهد: 198]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ومهيمنا عليه قال مؤتمن على الكتب). [تفسير مجاهد: 198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون}.
أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال: لما أنبأكم الله عن أهل الكتاب قبلكم بأعمالهم أعمال السوء وبحكمهم بغير ما أنزل الله وعظ نبيه والمؤمنين موعظة بليغة شافية وليعلم من ولي شيئا من هذا الحكم أنه ليس بين العباد وبين الله شيء يعطيهم به خيرا ولا يدفع عنهم به سوءا إلا بطاعته والعمل بما يرضيه فلما بين الله لنبيه والمؤمنين صنيع أهل الكتاب وجورهم قال {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} يقول: للكتب التي قد خلت قبله. (ومهيمنا عليه). قال: شاهدا على الكتب التي قد خلت قبله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: (وأنزلنا إليك الكتاب قال: القرآن، (مصدقا لما بين يديه من الكتاب). قال: شاهدا على التوراة والإنجيل مصدقا لهما (ومهيمنا عليه). يعني أمينا عليه يحكم على ما كان قبله من الكتب.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ومهيمنا عليه} قال: المهيمن الأمين والقرآن أمين على كل كتاب قبله.
وأخرج أبو الشيخ عن عطية {ومهيمنا عليه} قال: أمينا على التوراة والإنجيل يحكم عليهما ولا يحكمان عليه قال: مؤتمنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج آدم بن أبي إياس، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد {ومهيمنا عليه} قال: محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمنا على القرآن والمهيمن الشاهد على ما قبله من الكتب
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ومهيمنا عليه} قال: شهيدا على كل كتاب قبله.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق {ومهيمنا عليه} قال: شهيدا على خلقه بأعمالهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاحكم بينهم بما أنزل الله} قال: بحدود الله.
وأخرج عبد بن حميد وسعيد بن منصور والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله {شرعة ومنهاجا} قال: سبيلا وسنة.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {شرعة ومنهاجا} قال: الشرعة الدين والمنهاج الطريق، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى * وبين لنا الإسلام دينا ومنهاجا
يعني به النّبيّ صلى الله عليه وسلم
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} قال: الدين واحد والشرائع مختلفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} يقول: سبيلا والسنن مختلفة للتوراة شريعة وللإنجيل من يطيعه ممن يعصيه ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص الذي جاءت به الرسل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن كثير في قوله {ولكن ليبلوكم في ما آتاكم} قال: من الكتب). [الدر المنثور: 5/340-343]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الله في المائدة: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}؛
فنسخت، فقال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتونك عن بعض ما أنزل الله إليك}). [الجامع في علوم القرآن: 3/68] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عبد الكريم الجزري في قوله وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة إذا جاءك أهل الكتاب فاحكم بينهم بما في كتاب الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/190]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن السدي عن عكرمة قال نسخت هذه الآية فاحكم بينهم أو أعرض عنهم بقوله فاحكم بينهم بما أنزل الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/190]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون}
يعني تعالى ذكره بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه: وأنزلنا إليك يا محمّد الكتاب، مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب، وأن احكم بينهم فأنّ في موضع نصبٍ بالتّنزيل.
ويعني بقوله: {بما أنزل اللّه} بحكم اللّه الّذي أنزله إليك في كتابه.
وأمّا قوله: {ولا تتّبع أهواءهم} فإنّه نهيٌ من اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتّبع أهواء اليهود الّذين احتكموا إليه في قتيلهم وفاجريهم، وأمرٌ منه له بلزوم العمل بكتابه الّذي أنزله إليه.
وقوله: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك} يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واحذر يا محمّد هؤلاء اليهود الّذين جاءوك محتكمين إليك أن يفتنوك، فيصدّوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك من حكم كتابه، فيحملوك على ترك العمل به واتّباع أهوائهم. وقوله: {فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} يقول تعالى ذكره: فإن تولّى هؤلاء اليهود الّذين اختصموا إليك عنك، فتركوا العمل بما حكمت به عليهم، وقضيت فيهم، فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، يقول: فاعلم أنّهم لم يتولّوا عن الرّضا بحكمك وقد قضيت بالحقّ إلاّ من أجل أنّ اللّه يريد أن يتعجّل عقوبتهم في عاجل الدّنيا ببعض ما قد سلف من ذنوبهم {وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون} يقول: وإنّ كثيرًا من اليهود لفاسقون، يقول: لتاركو العمل بكتاب اللّه، ولخارجون عن طاعته إلى معصيته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاءت الرّواية عن أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال كعب بن أسدٍ وابن صوريا وشأس بن قيسٍ بعضهم لبعضٍ: اذهبوا بنا إلى محمّدٍ لعلّنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمّد إنّك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنّا إن اتّبعناك اتّبعنا يهود ولم يخالفونا، وإنّ بيننا وبين قومنا خصومةً، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدّقك. فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه فيهم: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك} إلى قوله: {لقومٍ يوقنون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك} قال: أن يقولوا في التّوراة كذا، وقد بيّنّا لك ما في التّوراة. وقرأ: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّنّ بالسّنّ والجروح قصاصٌ} بعضها ببعضٍ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: دخل المجوس مع أهل الكتاب في هذه الآية: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه}). [جامع البيان: 8/501-502]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون (49)
قوله تعالى: وأن احكم بينهم
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن جميلٍ المروزيّ ثنا عبّاد بن العوّام عن سفيان بن حسينٍ عن الحكم عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مخيّرًا في هذه الآية حتى نزلت فاحكم بينهم بما أنزل اللّه
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحكم بينهم بعد ما كان قد رخّص له أن يعرض عنهم إن شاء، فنسخت هذه الآية الّتي كانت قبلها.
قوله تعالى: بما أنزل اللّه
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه قال: بحدود اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن أبي الجواري ثنا الوليد بن مسلمٍ عن الأوزاعيّ عن حسّان بن عطيّة في قوله: وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه قال: في كتابه.
قوله تعالى: ولا تتّبع أهواءهم
- ذكر عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ حدّثني سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: قال كعب بن أسدٍ وابن صوريا وعبد اللّه بن نورن بعضهم لبعضٍ اذهبوا بنا إلى محمّدٍ لعلّنا نفتنه عن دينه فإنّما هو بشرٌ فأتوه فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أن أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنّا إن اتّبعناك اتّبعك اليهود، ولن يخالفونا وإنّ بيننا وبين قومنا خصومة فتتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدّقك فأبا ذلك عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى فيهم وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك الآية.
قوله تعالى: واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك
- أخبرنا أبو يزيد بن أسلم يقول: في قوله: واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك قال: أن يقولوا في التّوراة كذا، قال: وبيّن له ما في التّوراة.
قوله تعالى: فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم
- حدّثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ فإن تولّوا يعني: الكفّار.
قوله تعالى: وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: لفاسقون يقول: الكاذبون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1153-1154]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: ثنا بشر بن عمر الزهراني، عن عثمان، عن قتادة قال: "ثمّ أنزل من بعد ذلك (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) قال قتادة: ذكر لنا لما نزلت (وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه) قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: نحن اليوم نحكم على اليهود والنّصارى وعلى من سواهم من الأديان".
- وقال أبو بكر بن أبي شبية: ثنا عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعريّ قال: "قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: هم قوم هذا ويعني في قوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) .
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/205]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا بشر بن عمر، عن عثمان، عن قتادة رضي الله عنه، قال: لمّا (نزل) من بعد ذلك: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه}.
قال (رسول اللّه) صلّى اللّه عليه وسلّم: نحن اليوم نحكم على اليهود والنّصارى، وعلى من سواهم من الأديان). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/613]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا: يا محمد انك عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك فأبى ذلك وأنزل الله عز وجل فيهم {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} إلى قوله {لقوم يوقنون}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} قال: أمر الله نبيه أن يحكم بينهم بعدما كان رخص له أن يعرض عنهم أن شاء فنسخت هذه الآية ما كان قبلها.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: نسخت من هذه السورة {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} المائدة الآية 42 قال: فكان مخيرا حتى أنزل الله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتاب الله.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم قال: نسخت ما قبلها {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} المائدة الآية 42.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مسروق، انه كان يحلف أهل الكتاب بالله وكان يقول {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}). [الدر المنثور: 5/343-344]

تفسير قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقومٍ يوقنون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن طاوسٍ، أنّه سئل عن الرّجل يفضّل بعض ولده على بعضٍ، فقرأ: {فحكم الجاهلية يبغون}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1499]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون}
يقول تعالى ذكره: أيبغي هؤلاء اليهود الّذين احتكموا إليك فلم يرضوا بحكمك، وقد حكمت فيهم بالقسط حكم الجاهليّة، يعني أحكام عبدة الأوثان من أهل الشّرك، وعندهم كتاب اللّه فيه بيان حقيقة الحكم الّذي حكمت به فيهم، وإنّه الحقّ الّذي لا يجوز خلافه.
ثمّ قال تعالى ذكره موبّخًا لهؤلاء الّذين أبوا قبول حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهم ولهم من اليهود، ومستجهلاً فعلهم ذلك منهم: ومن هذا الّذي هو أحسن حكمًا أيّها اليهود من اللّه تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانيّة اللّه ويقرّ بربوبيّته، يقول تعالى ذكره: أيّ حكمٍ أحسن من حكم اللّه إن كنتم موقنين أنّ لكم ربًّا وكنتم أهل توحيدٍ وإقرارٍ به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال مجاهدٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أفحكم الجاهليّة يبغون} قال: يهود.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أفحكم الجاهليّة يبغون} يهود.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا شيخٌ، عن مجاهدٍ: {أفحكم الجاهليّة يبغون} قال: يهود). [جامع البيان: 8/503]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون (50)
قوله تعالى: أفحكم الجاهليّة يبغون
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا حمّادٌ عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت تسمّى الجاهليّة العالميّة حتّى جاءت امرأةٌ قالت: يا رسول اللّه، كان في الجاهليّة كذا وكذا فأنزل اللّه ذكر الجاهليّة.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: أفحكم الجاهلية يبغون يهود.
- حدّثنا أبي ثنا هلال بن الفيّاض بن أبو عبيدة النّاجيّ قال: سمعت الحسن يقول: من حكم بغير حكم اللّه فحكم الجاهليّة.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيحٍ قال: كان طاوسٌ إذا سأله رجلٌ أفصل بين ولدين في النّحل قرأ أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لّقومٍ يوقنون
قوله تعالى: من أحسن من اللّه حكمًا لقوم يوقنون
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/1154-1155]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح أفحكم الجاهلية يبغون قال يعنى اليهود). [تفسير مجاهد: 198]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أحمد بن عليّ بن المثنّى حدّثنا أبو خيثمة حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا عليّ بن صالحٍ عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال كانت قريظة والنّضير وكانت النّضير أشرف من قريظة قال وكان إذا قتل رجلٌ من قريظة رجلا من النّضير قتل به وإذا قتل النضيري رجلا من قريظة ودى بمائة وسقٍ من تمرٍ فلمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتل رجلٌ من النّضير رجلا من قريظة فقالوا ادفعوه إلينا لنقتله فقالوا بيننا وبينكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتوه فنزلت: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} والقسط النّفس بالنّفس ثمّ نزلت: {أفحكم الجاهليّة يبغون}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/430] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {أفحكم الجاهلية يبغون} قال: يهود
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {أفحكم الجاهلية يبغون} قال: هذا في قتيل اليهود أن أهل الجاهلية كان يأكل شديدهم ضعيفهم وعزيزهم ذليلهم، قال {أفحكم الجاهلية يبغون}.
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلى الله مبتغ في الإسلام سنة جاهلية وطالب امرئ بغير حق ليريق دمه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهلية ثم تلا هذه الآية {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: كانت تسمى الجاهلية العالمية حتى جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله كان في الجاهلية كذا وكذا، فانزل الله ذكر الجاهلية). [الدر المنثور: 5/345]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومهيمناً عليه) (48) أي مصدّقاً مؤتمناً على القرآن وشاهداً عليه.
(لكلٍ ّجعلنا منكم شرعةً) (48) أي سنة (ومنهاجاً) (48) سبيلا واضحاً بينّاً، وقال:
من يك ذا شكٍّ فهذا فلج=ماءٌ رواء وطريقٌ نهج). [مجاز القرآن: 1/168]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لّما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن لّيبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}
وقال: {ومهيمناً عليه} يقول: "وشاهداً عليه" نصب على الحال.
وقال: {شرعةً ومنهاجاً} فـ"الشّرعة": الدين، من "شرع" "يشرع"، و"المنهاج": الطريق من "نهج" "ينهج"). [معاني القرآن: 1/225-226]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {ومهيمنا عليه}؛ فالمهيمن كان ابن عباس رحمه الله يقول: المؤتمن على الشيء.
قال أمية:
مليك على عرش السماء مهيمن = لعزته تعنوا الوجوه وتسجد
[معاني القرآن لقطرب: 496]
وأما قوله {شرعة ومنهاجا} قالوا: الشريعة والمشرعة للباب أو الطريق، والمنهاج: الطريق الواضح العظيم، وطريق نهج من ذلك؛ وقد أنهج الطريق إنهاجًا.
وأما إخلاق الثوب فيقال: نهج الثوب، ونهج نهوجًا، وأنهج إنهاجًا؛ أي أخلق). [معاني القرآن لقطرب: 497]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مهيمنا}: مؤتمنا على ما قبله من الكتب.
48- {شرعة}: شريعة.
48- {منهاجا}: سبيلا). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له} أي للجارح وأجر للمجروح.
48 - {ومهيمناً عليه} أي أمينا عليه.
{شرعةً} وشريعة هما واحد.
و(المنهاج): الطريق الواضح. يقال: نهجت لي الطريق: أي أوضحته.
{ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} أي لجمعكم على دين واحد.
والأمة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)
(ومهيمنا عليه)
رواها بعضهم ومهيمنا - بفتح الميم الثانية - وهي عربية ولا أحب القراءة بها، لأن الإجماع في القراءة على كسر الميم في قوله: (المؤمن المهيمن).
واختلف الناس في تفسير قوله: (المؤمن المهيمن)، واختلف الناس في تفسير قوله: (ومهيمنا عليه)
فقال بعضهم: معناه وشاهدا عليه.
وقال بعضهم: رقيبا عليه، وقال
بعضهم: معناه: مؤتمنا عليه.
وقال بعضهم: المهيمن اسم من أسماء الله في الكتب القديمة.
وقال بعضهم: مهيمن في معنى مؤتمن إلا أن الهاء بدل من الهمزة، والأصل مؤتمنا عليه كما قالوا: هرقت الماء، وأرقت الماء، وكما قالوا: إياك وهياك، وهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، وهو على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير، لأن معناه مؤتمن.
وقوله: (وليحكم أهل الإنجيل).
قرئت بإسكان اللام وجزم الميم على مذهب الأمر، وقرئت وليحكم بكسر اللام وفتح الميم على معنى ولأن يحكم ويجوز كسر اللام مع الجزم وليحكم أهل الإنجيل، ولكنه لم يقرأ به فيما علمت، والأصل كان كسر اللام، ولكن الكسرة حذفت استثقالا. والإنجيل القراءة فيه بكسر الهمزة.
ورويت عن الحسن: الأنجيل بفتح الهمزة، وهذه قولة ضعيفة، لأن أنجيل أفعيل، وليس في كلام العرب هذا المثال، وإنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل، وللقائل أن يقول إن إنجيل اسم أعجمي فلا ينكر أن يقع بفتح الهمزة؛ لأن كثيرا من الأسماء الأعجمية تخالف أمثلة العرب نحو آجرّ وإبراهيم وهابيل وقابيل، فلا ينكر أن يجيء إنجيل وإنما كرهت القراءة بها لأن إسنادها عن الحسن لا أدري هل هو من ناحية يوثق بها أم لا). [معاني القرآن: 2/180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومهيمنا عليه} قال ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وقال قتادة: أي شاهد
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: الأصل مؤيمن عليه أي أمين فأبدل من الهمزة هاء كما يقال هرمت الماء وأرمت الماء وقال أبو عبيد يقال هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا وهذه الأقوال كلها متقاربة المعاني لأنه إذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد وقرأ مجاهد وابن محيص (ومهيمنا عليه) بفتح الميم وقال مجاهد أي محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن). [معاني القرآن: 2/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}
قال ابن عباس: سبيلا وسنة
وقال قتادة: الدين كله واحد والشرائع مختلفة وشرعة وشريعة عند أهل اللغة بمعنى واحد وهو ما بان ووضح ومنه طريق للشارع أي ظاهر بين ومنه هما في الأمر شرع أي ظهورهما فيه واحد والمنهاج في اللغة الطريق البين.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر). [معاني القرآن: 2/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} قال ابن عباس: على دين واحد). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} أي ليختبركم). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (ومهيمنا عليه) أي: شاهدا).[ياقوتة الصراط: 210]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (شرعة) أي: ملة. و(مِنْهَاجاً) أي: طريقة دين). [ياقوتة الصراط: 210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمُهَيْمِنًا} أي أميناً
{شِرْعَةً} مثل شريعة، {وَمِنْهَاجًا} طريقا واضحاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُهَيْمِنًا}: مؤتمناً على ما قبله
48- {شِرْعَةً}: شريعة
48- {مِنْهَاجًا}: طريقاً). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأن احكم بينهم...}
دليل على أنّ قوله (وليحكم) جزم. لأنه كلام معطوف بعضه على بعض). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (واحذرهم) أن يفتنوك) (49) أن يضلّوك ويستزلّوك.
(عن بعض ما أنزل الله إليك) (49)، وأفتنت لغة، وقال الأعشى أعشى همدان:
لئن فتنتنى لهى بالأمس أفتنت... سعيداً فأمسى قد قلا كلّ مسلمٍ
فيه لغتان). [مجاز القرآن: 1/168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الصدّ والاستزلال. قال الله عز وجل: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، أي: يصدّوك ويستزلوك. وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، وقال: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} أي: صادين). [تأويل مشكل القرآن: 473]

تفسير قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) )
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي عمرو {أفحكم الجاهلية يبغون}.
الأعرج {تبغون} ). [معاني القرآن لقطرب: 480]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون (50)
أي تطلب اليهود في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله به وهو أهل الكتاب كما تفعل الجاهلية.
وقوله: (ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون).
أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون (50)
أي من أيقن تبيّن عدل اللّه وحكمه.
و(حكما) منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/180-181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أفحكم الجاهلية يبغون} روي عن الحسن وقتادة والأعرج والأعمش أنهم قرءوا {أفحكم الجاهلية يبغون} الحكم والحاكم في اللغة واحد وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية وهذا في قراءة من قرأ (أفحكم) ومعنى يبغون يطلبون.
وقال مجاهد: يراد بهذا اليهود يعني في أمر الزانيين حين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوهمون أنه يحكم عليهما بخلاف الرجم). [معاني القرآن: 2/320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} أي من أيقن تبين أن حكم الله جل وعز هو الحق). [معاني القرآن: 2/321]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (يبغون) أي: يطلبون). [ياقوتة الصراط: 210]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:12 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) }

تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأخبر تعالى بعد بنزول هذا القرآن، وقوله: بالحقّ يحتمل أن يريد مضمنا الحقائق من الأمور فكأنه نزل بها، ويحتمل أن يريد أنه أنزله بأن حق ذلك لا أنه وجب على الله ولكن حق في نفسه وأنزله الله تعالى صلاحا لعباده، وقوله: من الكتاب يريد من الكتب المنزلة. فهو اسم جنس، واختلفت عبارة المفسرين في معنى «مهيمن». فقال ابن عباس: مهيمناً شاهدا. وقال أيضا مؤتمنا. وقال ابن زيد: معناه مصدقا، وقال الحسن بن أبي الحسن أمينا، وحكى الزجاج رقيبا ولفظة المهيمن أخص من هذه الألفاظ، لأن المهيمن على الشيء هو المعنيّ بأمره الشاهد على حقائقه الحافظ لحاصله ولأن يدخل فيه ما ليس منه والله تبارك وتعالى هو المهيمن على مخلوقاته وعباده، والوصي مهيمن على محجوريه وأموالهم، والرئيس مهيمن على رعيته وأحوالهم، والقرآن جعله الله مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين، و «مهيمن» بناء اسم فاعل، قال أبو عبيدة: ولم يجئ في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة أحرف.
وهي مسيطر ومبيطر ومهيمن ومجيمر. وذكر أبو القاسم الزجّاج في شرحه لصدر أدب الكتاب ومبيقر. يقال بيقر الرجل إذا سار من الحجاز إلى الشام ومن أفق إلى أفق، وبيقر أيضا لعب البيقرا وهي لعب يلعب بها الصبيان، وقال مجاهد قوله تعالى: ومهيمناً عليه يعني محمدا صلى الله عليه وسلم هو مؤتمن على القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وغلط الطبري رحمه الله في هذه اللفظة على مجاهد فإنه فسر تأويله على قراءة الناس «مهيمنا» بكسر الميم الثانية فبعد التأويل ومجاهد رحمه الله إنما يقرأ هو وابن محيصن «ومهيمنا» عليه بفتح الميم الثانية فهو بناء اسم المفعول. وهو حال من الكتاب معطوفة على قوله:
مصدّقاً وعلى هذا يتجه أن المؤتمن عليه هو محمد صلى الله عليه وسلم وعليه في موضع رفع على تقدير أنها مفعول لم يسم فاعله. هذا على قراءة مجاهد وكذلك مشى مكي رحمه الله، وتوغل في طريق الطبري في هذا الموضع قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد رحمه الله: «مهيمن» أصله «مويمن» بني من أمين، أبدلت همزته هاء كما قالوا أرقت الماء وهرقته، قال الزجاج: وهذا حسن على طريق العربية، وهو موافق لما جاء في التفسير من أن معنى «مهيمن» مؤتمن، وحكى ابن قتيبة هذا الذي قال المبرد في بعض كتبه، فحكى النقاش أن ذلك بلغ ثعلبا فقال: إن ما قال ابن قتيبة رديء، وقال هذا باطل، والوثوب على القرآن شديد وهو ما سمع الحديث من قوي ولا ضعيف وإنما جمع الكتب، انتهى كلام ثعلب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويقال من مهيمن هيمن الرجل على الشيء إذا حفظه وحاطه وصار قائما عليه أمينا، ويحتمل أن يكون مصدّقاً ومهيمناً حالين من الكاف في إليك. ولا يخص ذلك قراءة مجاهد وحده كما زعم مكي.
قوله عز وجل: ...فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)
قال بعض العلماء هذه ناسخة لقوله: أو أعرض عنهم [المائدة: 42] وقد تقدم ذكر ذلك. وقال الجمهور: إنه ليس بنسخ، وإن المعنى فإن اخترت أن تحكم فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ثم حذر تعالى نبيه من اتباع أهوائهم أي شهواتهم وإرادتهم التي هي هوى وسول للنفس، والنفس أمّارة بالسوء فهواها مرد لا محالة، وحسن هنا دخول عن في قوله: عمّا جاءك من الحقّ لما كان الكلام بمعنى لا تنصرف أو لا تزحزح بحسب أهوائهم عما جاءك. واختلف المتأولون في معنى قوله عز وجل لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة وجمهور المتكلمين: المعنى «لكل أمة منكم جعلنا شرعة ومنهاجا» أي لليهود شرعت ومنهاج وللنصارى كذلك وللمسلمين كذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندهم في الأحكام، وأما في المعتقد فالدين واحد لجميع العالم توحيد وإيمان بالبعث وتصديق للرسل، وقد ذكر الله تعالى في كتابه عددا من الأنبياء شرائعهم مختلفة، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده [الأنعام: 90] فهذا عند العلماء في المعتقدات فقط، وأما أحكام الشرائع فهذه الآية هي القاضية فيها لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتأويل الأول عليه الناس. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: لكلٍّ جعلنا منكم الأمم كما قدمنا. ويحتمل أن يكون المراد الأنبياء لا سيما وقد تقدم ذكرهم وذكر ما أنزل عليهم، وتجيء الآية مع هذا الاحتمال في الأنبياء تنبيها لمحمد صلى الله عليه وسلم أي فاحفظ شرعتك ومنهاجك لئلا يستزلك اليهود وغيرهم في شيء منه، والمتأولون على أن الشرعة والمنهاج في هذه الآية لفظان بمعنى واحد، وذلك أن الشرعة والشريعة هي الطريق إلى الماء وغيره مما يورد كثيرا فمن ذلك قول الشاعر:
وفي الشرائع من جلان مقتنص = بالي الثياب خفيّ الصوت مندوب
أراد في الطرق إلى المياه، ومنه الشارع وهي سكك المدن، ومنه قول الناس وفيها يشرع الباب، والمنهاج أيضا الطريق، ومنه قول الشاعر:
من يك في شك فهذا نهج = ماء رواء وطريق نهج
أراد واضحا والمنهاج بناء مبالغة في ذلك، وقال ابن عباس وغيره: شرعةً ومنهاجاً معناه سبيلا وسنة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: ويحتمل لفظ الآية أن يريد بالشرعة الأحكام، وبالمنهاج المعتقد أي وهو واحد في جميعكم، وفي هذا الاحتمال بعد، والقراء على «شرعة» بكسر الشين وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب «شرعة» بفتح الشين، ثم أخبر تعالى بأنه لو شاء لجعل العالم أمة واحدة ولكنه لم يشأ لأنه أراد اختبارهم وابتلاءهم فيما آتاهم من الكتب والشرائع، كذا قال ابن جريج وغيره، فليس لهم إلا أن يجدّوا في امتثال الأوامر وهو استباق الخيرات، فلذلك أمرهم بأحسن الأشياء عاقبة لهم، ثم حثهم تعالى بالموعظة والتذكير بالمعاد في قوله إلى اللّه مرجعكم جميعاً والمعنى فالبدار البدار، وقوله تعالى: فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون معناه يظهر الثواب والعقاب فتخبرون به إخبار إيقاع، وإلا فقد نبأ الله في الدنيا بالحق فيما اختلفت الأمم فيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه الآية بارعة الفصاحة جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وكل كتاب الله كذلك، إلا أنا بقصور أفهامنا يبين في بعض لنا أكثر مما يبين في بعض). [المحرر الوجيز: 3/182-186]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيراً من النّاس لفاسقون (49) أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكماً لقومٍ يوقنون (50)
وأن احكم معطوف على الكتاب في قوله: وأنزلنا إليك الكتاب [المائدة: 48]، وقال مكي: هو معطوف على «الحق» في قوله: وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ [المائدة: 48]، والوجهان حسنان، ويقرأ
بضم النون من «أن احكم» مراعاة للضمة في عين الفعل المضارع، ويقرأ بكسرها على القانون في التقاء الساكنين، وهذه الآية ناسخة عند قوم للتخيير الذي في قوله أو أعرض عنهم [المائدة: 42] وقد تقدم ذكر ذلك، ثم نهاه تعالى عن اتباع أهواء بني إسرائيل إذ هي مضلة، والهوى في الأغلب إنما يجيء عبارة عما لا خير فيه، وقد يجيء أحيانا مقيدا بما فيه خير، من ذلك قول عمر بن الخطاب في قصة رأيه ورأي أبي بكر في أسرى بدر: فهوى رسول الله رأي أبي بكر، ومنه قول عمر بن عبد العزيز وقد قيل له ما ألذ الأشياء عندك؟ قال: حق وافق هوى، والهوى مقصور ووزنه فعل، ويجمع على أهواء، والهواء ممدود ويجمع على أهوية، ثم حذر تبارك وتعالى من جهتهم «أن يفتنوه» أي يصرفوه بامتحانهم وابتلائهم عن شيء مما أنزل الله عليه من الأحكام، لأنهم كانوا يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له مرارا احكم لنا في نازلة كذا بكذا ونتبعك على دينك، وقوله تعالى: فإن تولّوا قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر، تقديره لا تتبع واحذر، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك وإن تولوا فاعلم، ويحسن أن يقدر هذا المحذوف المعادل بعد قوله لفاسقون، وقوله تعالى: فاعلم الآية وعد للنبي صلى الله عليه وسلم فيهم، وقد أنجزه بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر أهل خيبر وفدك وغيرهم، وخصص تعالى إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان:
نوع يخصهم كشرب الخمر ورباهم ورشاهم ونحو ذلك، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كمعاملاتهم للكفار وأقوالهم في الدين، فهذا النوع هو الذي يوجد إليهم السبيل وبه هلكوا وبه توعدهم الله في الدنيا، فلذلك خصص البعض دون الكل، وإنما يعذبون بالكل في الآخرة، وقوله تعالى: وإنّ كثيراً من النّاس لفاسقون إشارة إليهم لكن جاءت العبارة تعمهم وغيرهم ليتنبه سواهم ممن كان على فسق ونفاق وتولّ عن النبي عليه السلام فيرى أنه تحت الوعيد). [المحرر الوجيز: 3/186-187]

تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف القراء في قوله تعالى: أفحكم الجاهليّة يبغون فقرأ الجمهور بنصب الميم على إعمال فعل ما يلي ألف الاستفهام بينه هذا الظاهر بعد، وقرأ يحيى بن وثاب والسلمي وأبو رجاء والأعرج «أفحكم» برفع الميم، قال ابن مجاهد: وهي خطأ، قال أبو الفتح: ليس كذلك ولكنه وجه غيره أقوى منه.
وقد جاء في الشعر، قال أبو النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي = عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
برفع كلّ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهكذا الرواية، وبها يتم المعنى الصحيح لأنه أراد التبرؤ من جميع الذنب، ولو نصب «كل» لكان ظاهر قوله إنه صنع بعضه، وهذا هو حذف الضمير من الخبر وهو قبيح، التقدير يبغونه ولم أصنعه، وإنما يحذف الضمير كثيرا من الصلة كقوله تعالى: أهذا الّذي بعث اللّه رسولًا [الفرقان: 41]، وكما تقول مررت بالذي أكرمت، ويحذف أقل من ذلك من الصفة، وحذفه من الخبر قبيح كما جاء في بيت أبي النجم، ويتجه بيته بوجهين: أحدهما أنه ليس في صدر قوله ألف استفهام يطلب الفعل كما هي في قوله تعالى: أفحكم والثاني أن في البيت عوضا من الهاء المحذوفة، وذلك حرف الإطلاق أعني الياء في اصنعي فتضعف قراءة من قرأ «أفحكم» بالرفع لأن الفعل بعده لا ضمير فيه ولا عوض من الضمير، وألف الاستفهام التي تطلب الفعل ويختار معها النصب وإن لفظ بالضمير حاضرة، وإنما تتجه القراءة على أن يكون التقدير أفحكم الجاهلية حكم يبغون فلا تجعل يبغون خبرا بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، ونظيره قوله تعالى: من الّذين هادوا يحرّفون الكلم [النساء: 46] تقديره قوم يحرفون فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، ومثله قول الشاعر:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما = أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وقرأ سليمان بن مهران «أفحكم» بفتح الحاء والكاف والميم وهو اسم جنس، وجاز إضافة اسم الجنس على نحو قولهم منعت العراق قفيزها ودرهمها ومصر أردبها، وله نظائر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأنه قال أفحكام الجاهلية يبغون؟ إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان ويحكمون بحسبه وبحسب الشهوات، ثم ترجع هذه القراءة بالمعنى إلى الأولى لأن التقدير أفحكم الجاهليّة، وقرأ ابن عامر «تبغون» بالتاء على الخطاب لهم أي قل لهم. وباقي السبعة «يبغون» بالياء من تحت، ويبغون معناه يطلبون ويريدون، وقوله تعالى: ومن أحسن من اللّه حكماً تقرير أي لا أحد أحسن منه حكما تبارك وتعالى وحسن دخول اللام في قوله: لقومٍ من حيث المعنى يبين ذلك ويظهر لقوم يوقنون). [المحرر الوجيز: 3/187-189]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون (48) وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون (49) أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون (50)}

لمّا ذكر تعالى التّوراة الّتي أنزلها اللّه على موسى كليمه [عليه السّلام] ومدحها وأثنى عليها، وأمر باتّباعها حيث كانت سائغة الاتّباع، وذكر الإنجيل ومدحه، وأمر أهله بإقامته واتّباع ما فيه، كما تقدّم بيانه، شرع تعالى في ذكر القرآن العظيم، الّذي أنزله على عبده ورسوله الكريم، فقال: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ} أي: بالصّدق الّذي لا ريب فيه أنّه من عند اللّه، {مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب} أي: من الكتب المتقدّمة المتضمّنة ذكره ومدحه، وأنّه سينزل من عند اللّه على عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان نزوله كما أخبرت به، ممّا زادها صدقًا عند حامليها من ذوي البصائر، الّذين انقادوا لأمر اللّه واتّبعوا شرائع اللّه، وصدّقوا رسل اللّه، كما قال تعالى: {إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدًا ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} [الإسراء:107، 108] أي: إن كان ما وعدنا اللّه على ألسنة الرّسل المتقدّمين، من مجيء محمّدٍ، عليه السّلام، {لمفعولا} أي: لكائنًا لا محالة ولا بدّ.
وقوله: {ومهيمنًا عليه} قال سفيان الثّوريّ وغيره، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، أي: مؤتمنًا عليه. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المهيمن: الأمين، قال: القرآن أمينٌ على كلّ كتاب قبله.
وروي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهدٍ، ومحمّد بن كعبٍ، وعطيّة، والحسن، وقتادة، وعطاءٍ الخراسانيّ، والسّدّي، وابن زيدٍ، نحو ذلك.
وقال ابن جريجٍ: القرآن أمينٌ على الكتب المتقدّمة، فما وافقه منها فهو حقٌّ، وما خالفه منها فهو باطلٌ.
وعن الوالبيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومهيمنًا} أي: شهيدًا. وكذا قال مجاهدٌ، وقتادة، والسّدّي.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: {ومهيمنًا} أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب.
وهذه الأقوال كلّها متقاربة المعنى، فإنّ اسم "المهيمن" يتضمّن هذا كلّه، فهو أمينٌ وشاهدٌ وحاكمٌ على كلّ كتابٍ قبله، جعل اللّه هذا الكتاب العظيم، الّذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلّها. وتكفّل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال [تعالى] {إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} [الحجر:9].
فأمّا ما حكاه ابن أبي حاتمٍ، عن عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، وابن أبي نجيح عن مجاهدٍ؛ أنّهم قالوا في قوله: {ومهيمنًا عليه} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أمينٌ على القرآن، فإنّه صحيحٌ في المعنى، ولكن في تفسير هذا بهذا نظرٌ، وفي تنزيله عليه من حيث العربيّة أيضًا نظرٌ. وبالجملة فالصّحيح الأوّل، قال أبو جعفر بن جريرٍ، بعد حكايته له عن مجاهدٍ: وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ "المهيمن" عطفٌ على "المصدّق"، فلا يكون إلّا من صفة ما كان "المصدّق" صفةً له. قال: ولو كان كما قال مجاهدٌ لقال: "وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنًا عليه". يعني من غير عطفٍ.
وقوله: {فاحكم بينهم بما أنزل اللّه} أي: فاحكم يا محمّد بين النّاس: عربهم وعجمهم، أميهم وكتابيّهم {بما أنزل اللّه} إليك في هذا الكتاب العظيم، وبما قرّره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك. هكذا وجّهه ابن جريرٍ بمعناه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مخيّرًا، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم. فردّهم إلى أحكامهم، فنزلت: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم} فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
وقوله: {ولا تتّبع أهواءهم} أي: آراءهم الّتي اصطلحوا عليها، وتركوا بسببها ما أنزل اللّه على رسوله؛ ولهذا قال: {ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ} أي: لا تنصرف عن الحقّ الّذي أمرك اللّه به إلى أهواء هؤلاء من الجهلة الأشقياء.
وقوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً} قال: سبيلًا.
وحدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومنهاجًا} قال: وسنّةً. وكذا روى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {شرعةً ومنهاجًا} سبيلًا وسنّةً.
وكذا روي عن مجاهدٍ وعكرمة، والحسن البصريّ، وقتادة، والضّحّاك، والسّدّي، وأبي إسحاق السّبيعيّ؛ أنّهم قالوا في قوله: {شرعةً ومنهاجًا} أي: سبيلًا وسنّةً.
وعن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ أيضًا وعطاءٍ الخراسانيّ عكسه: {شرعةً ومنهاجًا} أي: سنّةً وسبيلًا والأوّل أنسب، فإنّ الشّرعة وهي الشّريعة أيضًا، هي ما يبتدأ فيه إلى الشّيء ومنه يقال: "شرع في كذا" أي: ابتدأ فيه. وكذا الشّريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء. أمّا "المنهاج": فهو الطّريق الواضح السّهل، والسّنن: الطّرائق، فتفسير قوله: {شرعةً ومنهاجًا} بالسّبيل والسّنّة أظهر في المناسبة من العكس، واللّه أعلم.
ثمّ هذا إخبارٌ عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث اللّه به رسله الكرام من الشّرائع المختلفة في الأحكام، المتّفقة في التّوحيد، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نحن معاشر الأنبياء إخوةٌ لعلّاتٍ، ديننا واحدٌ" يعني بذلك التّوحيد، الّذي بعث اللّه به كلّ رسولٍ أرسله، وضمّنه كلّ كتابٍ أنزله، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} الآية [النّحل: 36]، وأمّا الشّرائع فمختلفةٌ في الأوامر والنّواهي، فقد يكون الشّيء في هذه الشّريعة حرامًا ثمّ يحلّ في الشّريعة الأخرى، وبالعكس، وخفيفًا فيزاد في الشّدّة في هذه دون هذه. وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، والحجّة الدّامغة.
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} يقول: سبيلًا وسنّةً، والسّنن مختلفةٌ: هي في التّوراة شريعةٌ، وفي الإنجيل شريعةٌ، وفي الفرقان شريعةٌ، يحلّ اللّه فيها ما يشاء، ويحرّم ما يشاء، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه، والدّين الّذي لا يقبل اللّه غيره: التّوحيد والإخلاص للّه، الّذي جاءت به الرّسل.
وقيل: المخاطب بهذا هذه الأمّة، ومعناه: {لكلٍّ جعلنا} القرآن {منكم} أيّتها الأمّة {شرعةً ومنهاجًا} أي: هو لكم كلّكم، تقتدون به. وحذف الضّمير المنصوب في قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم} أي: جعلناه، يعني القرآن، {شرعةً ومنهاجًا} أي: سبيلًا إلى المقاصد الصّحيحة، وسنّةً أي: طريقًا ومسلكًا واضحًا بيّنًا.
هذا مضمون ما حكاه ابن جريرٍ عن مجاهدٍ، رحمه اللّه، والصّحيح القول الأوّل، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} فلو كان هذا خطابًا لهذه الأمّة لما صحّ أن يقول: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} وهم أمّةٌ واحدةٌ، ولكنّ هذا خطابٌ لجميع الأمم، وإخبارٌ عن قدرته تعالى العظيمة الّتي لو شاء لجمع النّاس كلّهم على دينٍ واحدٍ وشريعةٍ واحدةٍ، لا ينسخ شيءٌ منها. ولكنّه تعالى شرع لكلّ رسولٍ شرعة على حدة، ثمّ نسخها أو بعضها برسالة الآخر الّذي بعده حتّى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبةً، وجعله خاتم الأنبياء كلّهم؛ ولهذا قال تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} أي: أنّه تعالى شرع الشّرائع مختلفةً، ليختبر عباده فيما شرع لهم، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كلّه.
وقال عبد الله بن كثير: {فيما آتاكم} يعني: من الكتاب.
ثمّ إنّه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها، فقال: {فاستبقوا الخيرات} وهي طاعة اللّه واتّباع شرعه، الّذي جعله ناسخًا لما قبله، والتّصديق بكتابه القرآن الّذي هو آخر كتابٍ أنزله.
ثمّ قال تعالى: {إلى اللّه مرجعكم جميعًا} أي: معادكم أيّها النّاس ومصيركم إليه يوم القيامة {فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون} أي: فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحقّ، فيجزي الصّادقين بصدقهم، ويعذّب الكافرين الجاحدين المكذّبين بالحقّ، العادلين عنه إلى غيره بلا دليلٍ ولا برهانٍ، بل هم معاندون للبراهين القاطعة، والحجج البالغة، والأدلّة الدّامغة.
وقال الضّحّاك: {فاستبقوا الخيرات} يعني: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. والأظهر الأوّل). [تفسير القرآن العظيم: 3/127-130]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم} تأكيدٌ لما تقدّم من الأمر بذلك، والنّهي عن خلافه.
ثمّ قال [تعالى] {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك} أي: احذر أعداءك اليهود أن يدلّسوا عليك الحقّ فيما ينهونه إليك من الأمور، فلا تغترّ بهم، فإنّهم كذبة كفرة خونةٌ. {فإن تولّوا} أي: عمّا تحكم به بينهم من الحقّ، وخالفوا شرع اللّه {فاعلم أنّما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} أي: فاعلم أنّ ذلك كائنٌ عن قدر اللّه وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما عليهم من الذّنوب السّالفة الّتي اقتضت إضلالهم ونكالهم. {وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون} أي: أكثر النّاس خارجون عن طاعة ربّهم، مخالفون للحقّ ناؤون عنه، كما قال تعالى: {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]. وقال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه} [الآية] [الأنعام: 116].
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال كعب بن أسدٍ، وابن صلوبا، وعبد اللّه بن صوريا، وشاس بن قيسٍ، بعضهم لبعضٍ: اذهبوا بنا إلى محمّدٍ، لعلّنا نفتنه عن دينه! فأتوه، فقالوا: يا محمّد، إنّك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وإنّا إن اتّبعناك اتّبعنا يهود ولم يخالفونا، وإنّ بيننا وبين قومنا خصومةً فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك، ونصدّقك! فأبى ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، فيهم: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك} إلى قوله: {لقومٍ يوقنون} رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 3/130-131]

تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون} ينكر تعالى على من خرج عن حكم اللّه المحكم المشتمل على كلّ خيرٍ، النّاهي عن كلّ شرٍّ وعدلٍ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، الّتي وضعها الرّجال بلا مستندٍ من شريعة اللّه، كما كان أهل الجاهليّة يحكمون به من الضّلالات والجهالات، ممّا يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التّتار من السّياسات الملكيّة المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الّذي وضع لهم اليساق وهو عبارةٌ عن كتابٍ مجموعٍ من أحكامٍ قد اقتبسها عن شرائع شتّى، من اليهوديّة والنّصرانيّة والملّة الإسلاميّة، وفيها كثيرٌ من الأحكام أخذها من مجرّد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متّبعًا، يقدّمونها على الحكم بكتاب اللّه وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافرٌ يجب قتاله، حتّى يرجع إلى حكم اللّه ورسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم] فلا يحكم سواه في قليلٍ ولا كثيرٍ، قال اللّه تعالى: {أفحكم الجاهليّة يبغون} أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم اللّه يعدلون. {ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون} أي: ومن أعدل من اللّه في حكمه لمن عقل عن اللّه شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنّه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنّه تعالى هو العالم بكلّ شيءٍ، القادر على كلّ شيءٍ، العادل في كلّ شيءٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هلال بن فيّاضٍ، حدّثنا أبو عبيدة النّاجيّ قال: سمعت الحسن يقول: من حكم بغير حكم اللّه، فحكم الجاهليّة [هو]
وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح قال: كان طاوسٌ إذا سأله رجلٌ: أفضّل بين ولدي في النحل؟ قرأ: {أفحكم الجاهليّة يبغون [ومن أحسن من اللّه حكمًا لقومٍ يوقنون]}
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عبد الوهّاب بن نجدة الخوطيّ، حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي حسينٍ، عن نافع بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبغض النّاس إلى اللّه، عزّ وجلّ ومبتغٍ في الإسلام سنّة الجاهليّة، وطالب دم امرئٍ بغير حقٍّ ليريق دمه". وروى البخاريّ، عن أبي اليمان بإسناده نحوه. ). [تفسير القرآن العظيم: 3/131]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة