تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولدٌ له ما في السّماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلاً (171)
إنّما في هذه الآية حاصرة، اقتضى ذلك العقل في المعنى المتكلم فيه، وليست صيغة إنّما تقتضي الحصر، ولكنها تصلح للحصر وللمبالغة في الصفة وإن لم يكن حصر، نحو: إنما الشجاع عنترة وغير ذلك. وسبحانه: معناه تنزيها له وتعظيما عن أن يكون له ولد كما تزعمون أنتم أيها النصارى في أمر عيسى، إذ نقلتم أبوة الحنان والرأفة إلى أبوة النسل، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «إن يكون له ولد» بكسر الألف من «أن» وهي نافية بمعنى ما يكون له ولد، وقوله تعالى: له ما في السّماوات وما في الأرض الآية: إخبار يستغرق عبودية عيسى وغير ذلك من الأمور). [المحرر الوجيز: 3/74]
تفسير قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً للّه ولا الملائكة المقرّبون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً (172)
ثم برأ تعالى جهة المسيح عليه السلام من أقوالهم، وخلصه للذي يليق به فقال ن يستنكف المسيح أن يكون
الآية، والاستنكاف: إباية بأنفة، وقوله تعالى: لا الملائكة المقرّبون زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان، أي ولا هؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين، لا يستنكفون عن ذلك فكيف سواهم، وفي هذه الآية الدليل الواضح على تفضيل الملائكة على الأنبياء، ثم أخبر تعالى عمن يستنكف أي يأنف عن عبادة الله ويستكبر، بأنه سيناله الحشر يوم القيامة والرد إلى الله، وقوله سيحشرهم عبارة وعيد، وقرأ جمهور الناس «فسيحشرهم» بالياء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «فسنحشرهم» بنون الجماعة، «فنوفيهم»، «ونزيدهم»، «فنعذبهم»، كلها بالنون، قال أبو الفتح: وقرأ مسلمة «فسيحشرهم» «فيعذبهم» بسكون الراء والباء على التخفيف). [المحرر الوجيز: 3/74-75]
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ....
وبين الله تعالى أمر المحشورين، فأخبر عن المؤمنين العاملين بالصالحات، أنه «يوفيهم أجورهم» حتى لا يبخس أحد قليلا ولا كثيرا، وأنه يزيدهم من فضله، وتحتمل هذه الزيادة أن تكون المخبر عنها في أن الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف، ويحتمل أن يكون التضعيف الذي هو غير مصرد محسوب، وهو المشار إليه في قوله تعالى: واللّه يضاعف لمن يشاء [البقرة: 261].
قوله تعالى: وأمّا الّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيراً (173) يا أيّها النّاس قد جاءكم برهانٌ من ربّكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً (174) فأمّا الّذين آمنوا باللّه واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضلٍ ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً (175)
هذا وعيد للمستنكفين الذين يدعون عبادة الله أنفة وتكبرا، وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه، كفعل حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر بمحمد عليه السلام، وكفعل أبي جهل وغيره، وإلا فإذا فرضت أحدا من البشر عرف الله تعالى، فمحال أن تجده يكفر به تكبرا عليه، والعناد المجوز إنما يسوق إليه الاستكبار عن البشر، ومع تقارب المنازل في ظن المتكبر). [المحرر الوجيز: 3/75]