نزول قول الله تعالى: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {آَمَنَ الرَسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ}
أخبرنا الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: حدثنا أمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن ذريع قال: حدثنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسِكُم أَو تُخفوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللهُ} الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم -أراه قال- سمعنا وعصينا قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) فلما اقترأها القوم فذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها: {آَمَنَ الرَسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ} الآية كلها ونسخها الله تعالى فأنزل الله: {لا يُكَلِّفُ الله ُنَفسًا إِلا وِسعَها} الآية إلى آخرها رواه مسلم عن أمية بن بسطام.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا والدي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسكُم أَو تُخفوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللهُ} دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا)) فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم فقالوا: سمعنا وأطعنا فأنزل الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله ُنَفسًا إِلا وِسعَها} حتى بلغ {أوَ أَخطأنا} فقال: قد فعلت إلى آخر البقرة كل ذلك يقول قد فعلت رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية {وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسِكُم أو تخفوه يحاسبكم به الله} جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا بما فيها وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا هلكنا والله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هكذا أنزلت)) فقالوا: هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق قال: ((فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى: سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا)) فقالوا: سمعنا وأطعنا واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولاً فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله: {لا يُكَلِّفُ الله ُنَفسًا إِلا وِسعَها} الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به)) ). [أسباب النزول:88 - 89]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن الآية إلى آخر قوله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [285]
أخرج مسلم وأحمد وابن حبان من رواية العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب وقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق من الصلاة والصيام والصدقة وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها فقال أتريدون أن تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها آمن الرسول بما انزل إليه من ربه إلى قوله وإليك المصير). [العجاب في بيان الأسباب:645 - 1/646]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [286]
أخرج مسلم وأحمد وابن حبان في الحديث الذي قبله فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة وزاد على التلاوة بعد قوله أو أخطأنا قال نعم وكذا بعد قوله من قبلنا وكذا بعد قوله طاقة لنا به وكذا بعد قوله وارحمنا وكذا في آخر السورة
ووقع في رواية الطبري من وجه آخر عن العلاء بعد أن ساق هذا الحديث باختصار عند قوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال العلاء قال أبي قال أبو هريرة قال رسول الله قال الله نعم ربنا لا تحمل علينا إصرا فساق الآية إلى آخرها قال أبي قال أبو هريرة قال رسول الله قال الله نعم
قلت وقضيته أن في سياق رواية مسلم إدراجا وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية محمد بن إبراهيم البوشنجي عن أمية بن بسطام شيخ مسلم فيه ولفظه
قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا فلما ذلت بها ألسنتهم أنزل الله التي بعدها آمن الرسول إلى قوله إن نسينا أو أخطأنا قال لا أؤاخذكم وساق إلى قوله ما لا طاقة لنا به قال لا أحملكم إلى قوله واغفر لنا وارحمنا
حديث آخر عن ابن عباس أخرج أحمد ومسلم والطبري من طريق آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم مثله فقال رسول الله قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة
وفي رواية مسلم لما تلا إلى قوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال قد فعلت وأعاد بعد قوله من قبلنا وبعد قوله أنت مولانا
طريق أخرى عن سعيد بن جبير أخرج الطبري من طريق ورقاء ومحمد بن فضيل فرقهما عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما نزلت آمن الرسول بما أنزل إليه قرأها رسول الله فلما انتهى إلى قوله غفرانك ربنا قال الله قد غفرت لكم فلما قرأ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله لا أؤاخذكم فلما قرأ ولا تحمل علينا إصرا قال لا أحمل عليكم فلما قرأ ولا تحملنا ما لا طلقة لنا به قال الله لا أحملكم فلما قرأ واعف عنا قال الله قد عفوت عنكم فلما قرأ واغفر لنا قال الله قد غفرت لكم فلما قرأ وارحمنا قال الله قد رحمتكم فلما قرأ وانصرنا على القوم الكافرين قال الله قد نصرتكم عليهم
وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق أخرى عن عطاء بن السائب
- نحوه وأخرجه الفريابي في تفسيره عن الثوري عن عطاء بن السائب مقرونا برواية الثوري عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم النخعي وروايته مختصرة
طريق أخرى عن ابن عباس قال عبد الرزاق أنا معتمر بن سليمان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال دخلت على ابن عباس فقلت يا أبا عباس كنت عند ابن عمر فقرأ 240 هذه الآية فبكى قال أية آية فقال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال ابن عباس إن هذه الآية لما نزلت غمت أصحاب رسول الله غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا وقالوا هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا ولا نعمل فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا قال فنسختها هذه الآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى ما اكتسبت وتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال
وأخرجه الطبري من طريق إسحاق بن سليمان عن عبد الرزاق عن جعفر ابن سليمان نحوه طريق أخرى عن ابن عباس قال الطبري حدثني أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام نا أبو زرعة وهب الله بن راشد عن حيوة بن شريح سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول
قال ابن شهاب حدثني سعيد بن مرجانة قال جئت عبد الله بن عمر فتلا هذه الآية إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية ثم قال ابن عمر لئن أخذنا بهذه الآية لنهلكن ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه ثم جئت ابن عباس فذكرت له فقال ابن عباس يغفر الله لأبي عبد الرحمن لقد فرق أصحاب رسول الله منها كما فرق ابن عمر منها فأنزل الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية فنسخ الله الوسوسة وأثبت القول والفعل
ثم أخرج عن يونس عن ابن وهب عن يونس عن الزهري مثله وقال فيه ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه فقمت حتى أتيت ابن عباس وقال فيه لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد فأنزل بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل أن النفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قرأها ابن عمر فذكر مرسلا وفيه فقام رجل من عنده فأتى ابن عباس فذكر نحوه
طريق أخرى أخرج الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم أن أباه قرأ إن تبدوا ما في أنفسكم الآية فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن فذكر نحوه باختصار وأخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري قال: قال ابن عباس لما نزلت ضج المؤمنون ضجة فذكره مختصرا وقال فيه إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا عون الوسوسة
وأخرج الطبري من طريق بيان عن حيكم بن جابر قال لما أنزل على النبي آمن الرسول بما انزل إليه من ربه الآية إلى المصير قال له جبريل إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة يعني فأجاب سؤاله
وأخرج الطبري من طريق السدي قال يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست أنفسهم وما عملوا فشكوا ذلك إلى النبي وقالوا والله ما نملك الوسوسة فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها
قلت وأنكر بعضهم نسخها وقالوا يؤاخذهم بها بأن يسألهم عنها يوم القيامة وقيل غير ذلك وليس من شرط هذا الكتاب
وأخرج الطبري من طريق جويبر عن الضحاك نحو رواية عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس التي تقدمت لكن قال في أوله أتى جبريل فقال يا محمد قل ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا او أخطأنا فقالها فقال جبريل قد فعل وساق البقية يقول في الجواب فقال جبريل قد فعل ولم يستوعب التفصيل في كل كلمة ومن طريق أسباط عن السدي نحوه
وأخرج عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن السدي حدثني من سمع عليا يقول لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أحزنتنا فقلنا يحدث أحدنا نفسه فنحاسب فلا ندري من يغفر له منا ومن لا يغفر له فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
وأخرج البخاري القصة عن ابن عمر باختصار وكأنه قال ذلك بعد أن سبق من قول ابن عباس ما تقدم ولفظه عن مروان الأصغر عن رجل من أصحاب النبي احسبه ابن عمر قال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال نسختها الآية التي بعدها
واخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نسختها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
طريق أخرى قال محمد بن يوسف الفريابي نا الثوري وقال عبد بن حميد نا قبيصة نا سفيان عن موسى بن عبيدة عن خالد بن مرثد عن محمد بن كعب قال ما بعث الله من نبي ولا أرسل من رسول أنزل عليهم الكتاب إلا انزل عليه إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء فكانت الأمم تأبى ذلك على أنبيائها فيكفرون ويضلون فلما نزلت على النبي اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم 243 فقالوا يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا قال نعم فاسمعوا وأطيعوا فذلك قوله آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فوضع الله عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح
وقال الثعلبي روت الرواة بألفاظ مختلفة فقال بعضهم لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار فجثوا على الركب وقالوا والله يا رسول الله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه فقال هكذا أنزلت فقالوا هلكنا وكلفنا من العمل بما لا نطيق قال فلعلكم تقولون كما قال من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا فمكثوا بذلك حولا فأنزل الله آية الفرج والراحة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
قال الثعلبي وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس ومن التابعين وأتباعهم فسرد جماعة انتهى وهذا من عيوب كتابه ومن تبعه عليه يجمعون الأقوال عن الثقات وغيرهم ويسوقون القصة مساقا واحدا على لفظ من يرمى بالكذب أو الضعف الشديد ويكون أصل القصة صحيحا والنكارة في ألفاظ زائدة كما في هذه القصة من تسمية الذين ذكروا وفي كثير من الألفاظ التي نقلت والسياق في هذه بخصوصها إنما هو لبعضهم
طريق أخرى عن ابن عباس تخالف جميع ما تقدم
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال ذاك سر عملك وعلانيته يحاسبه الله به وليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا فيعمل به فإن عمل به كتبت له عشر حسنات وإن هو لم يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن وإن كان أسر في نفسه سوءا وحدث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر فإن هو لم يعمل لم يؤاخذه الله به وإن هو عمل به تجاوز الله عنه كما قال أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم
ومن طريق مقاتل بن حيان أنه بلغه إن ابن عباس كان يقول إذا دعي الناس إلى الحساب يحاسب العبد بما عمل وينظر في عمله فيخبره الله بما أبدى منه وبما أخفاه في نفسه ولم يعمله ولم تكن الملائكة تطلع عليه ولكن الله حاسبهم بما أسروا في أنفسهم فلم يطلع عليه أحد
قوله تعالى {ولا تحمل علينا إصرا} [286]
قال ابن الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطأوا عجلت لهم العقوبة فحرم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق فيض بن إسحاق الرقي قال: قال الفضيل في قوله تعالى لا تحمل علينا إصرا الآية قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب الذنب قيل له توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه فوضعت الآصار عن هذه الأمة
وأخرج الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح في قوله كما حملته على الذين من قبلنا قال لا تمسخنا قردة وخنازير
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد قال لا تلزمنا ذنبا لا توبة فيه ولا كفارة
ومن طريق محمد بن شعيب بن شابور عن عمه قال المراد به الغلمة
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الوليد بن مسلم عن ابن شابور عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال الأنعاظ
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف إلى الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال ما لا طاقة لنا به هو الحب قال الثعلبي وقيل الفرقة وقيل القطعية وقيل شماتة الأعداء انتهى
والأولى كما قال الطبري الحمل على العموم لكن فيما كان ألزم به من كان قبلنا من التكاليف والله أعلم
قال الطبري عن المثنى بن إبراهيم نا أبو نعيم نا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذا كان إذا فرغ من هذه السورة فقال وانصرنا على القوم الكافرين قال آمين
آخر ما في سورة البقرة). [العجاب في بيان الأسباب:646 - 1/656]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال لما نزلت {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} اشتد ذلك على الصحابة، فأتوا رسول الله صلى الله علبه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير))، فلما اقترأها القوم وذللت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها {آمن الرسول} الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} إلى آخرها.
روى مسلم وغيره عن ابن عباس نحوه). [لباب النقول: 52]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} إلى آخر السورة الآيتان 285، 286.
قال الإمام مسلم رحمه الله ج2 ص145 حدثني محمد بن منهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي واللفظ لأمية قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)). قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير؛ فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في أثرها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال نعم {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال نعم.
الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ج2 ص412 وابن جرير ج3 ص143 والبيهقي في شعب الإيمان ج1 ص221.
قال الإمام مسلم رحمه الله ج2 ص146: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر، قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا وكيع عن سفيان عن آدم بن سليمان مولى خالد قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا)) قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: قد فعلت: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: قد فعلت: {واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا} قال: قد فعلت). [الصحيح المسند في أسباب النزول:49 - 50]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين