العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م, 11:15 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌۭ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًۭا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَٱعْفُوا۟ وَٱصْفَحُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ(109)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ)عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره ولم يؤمر يومئذ بقتالهم فأنزل الله عز وجل في براءة فأتى الله فيها بأمره وقضائه فقال: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} إلى {وهم صاغرون} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وأمر فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يفدوا بالجزية ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثالثة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره...} الآية [109 / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر...} إلى قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [29 مدنية / التوبة / 9]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30].
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):
(
باب ذكر الآية الحادية عشرةقال اللّه جلّ وعزّ {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}[البقرة: 109]
حدّثنا أبو جعفر قال: حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا حسينٌ، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] قال: " هي منسوخةٌ نسختها {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] "
قال أبو جعفرٍ: وإنّما قلنا: إنّ البيّن أنّ منها منسوخًا وهو {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] لأنّ المؤمنين كانوا بمكّة يؤذون ويضربون فيتفلّتون على قتال المشركين فحظر عليهم وأمروا بالعفو والصّفح حتّى يأتي اللّه جلّ وعزّ بأمره فأتى اللّه بأمره ونسخ ذلك والبيّن في الآية الثّانية عشرة أنّها غير منسوخةٍ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة قوله تعالى {فاعفوا واصفحوا} نسخ ما فيها من العفو والصفح بقوله تعالى {قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {وهم صاغرون} وباقي الآية محكم). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي الله بأمره}.
هذه الآية - عند السّدّي - منسوخةٌ بالأمر بالقتال في سورة براءة وغيرها، وقد أعلمنا الله في نصّها أنه سيأتي بأمره وينسخها.
وقد قال جماعةٌ: إنها ليست من هذا الباب، ولا نسخ فيها، لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعل للعفو والصّفح أجلاً بقوله: {حتّى يأتي الله بأمره}. فهو فرضٌ أعلمنا الله أنه سينقلنا عنه في وقتٍ آخر. والمنسوخ لا يكون محدودًا بوقتٍ، إنما يكون مطلقًا.
قال أبو محمد: والقول بأنها منسوخةٌ أبين لأنّ الوقت الّذي تعلّق به الأمر بالعفو والصّفح غير معلوم حدّه وأمده.
ولو حدّ الوقت وبيّنه فقال: إلى وقت كذا لكان كون الآية غير منسوخة أبين.
وكلا القولين حسنٌ - إن شاء الله -.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره}.قال المفسّرون: أمر اللّه بالعفو والصّفح عن أهل الكتاب قبل أن يؤمر بقتالهم، ثمّ نسخ العفو والصّفح بقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه} الآية، هذا مرويٌّ عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وغيرهما.
أخبرنا أبوبكر بن حبيب الله العامريّ قال: أخبرنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا عبد الصّمد، قال: أخبرنا (ابن) حمّوية، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم، وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفضل البقّال، قال أبنا ابن بشران قال أخبرنا إسحاق الكاذيّ، قال حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال حدّثني أبي، قال حدثنا عبد الصمد، كلاهما عن همّام بن يحيى عن قتادة قال: أمر اللّه نبيّه أن يعفو عنهم ويصفح، حتّى يأتي اللّه بأمره، فأنزل في براءةٍ {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [الآية] فنسخها بهذه الآية، وأمره فيها بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا،] أو يقرّوا [ بالجزية.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا معمرٌ عن قتادة {فاعفوا واصفحوا} نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}. أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أخبرنا عليّ بن أيّوب قال: أخبرنا ابن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أخبرنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد ابن محمّدٍ المروزيّ، قال أخبرنا آدم بن أبي إياسٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية {فاعفوا واصفحوا} قال: نسخ بقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية.
فصلٌ: واعلم أنّ تحقيق الكلام دون التّحريف فيه أن يقال: إنّ هذه الآية ليست بمنسوخةٍ، لأنّه لم يأمر بالعفو مطلقًا، وإنّما أمر به إلى غايةٍ وبيّن الغاية بقوله: {حتّى يأتي اللّه بأمره} وما بعد الغاية يكون حكمه مخالفًا لما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون أحدهما ناسخًا للآخر، بل يكون الأوّل قد انقضت مدته بغايته والآخر محتاجاً إلى حكمٍ آخر، وقد ذهب إلى ما قلته جماعةٌ من فقهاء المفسّرين وهو الصّحيح وهذا إذا قلنا: إنّ المراد العفو عن قتالهم (وقد قال) الحسن: هذا فيما بينكم وبينهم دون ترك حقّ اللّه تعالى حتّى يأتي اللّه بالقيامة.
وقال غيره: بالعقوبة، فعلى هذا يكون الأمر بالعفو محكمًا لا منسوخاً.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الخامسة: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره} زعم قومأنّها منسوخةٌ بآية السّيف وليس بصحيحٍ لأنّه لم يأمر بالعفو مطلقا بل إلى غاية ومثل هذا لا يدخل في المنسوخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط، نحو قوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} الآية [البقرة: 3] زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة، وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة، فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل: {وقولوا للناس حسنا} الآية [البقرة: 83].وقوله عز وجل: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الآية [البقرة: 190] وذلك لا يصح ومتى كان للخطاب طريق في الحكم بأنه محكم كان أولى من حمله على أنه منسوخ، نحو قوله عز وجل: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} الآية [البقرة: 109] فحمل هذا على أنه محكم أولى.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م, 12:04 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى {وَلِلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٌۭ(115)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (أول ما نسخ من القرآن من سورة البقرة القبلة. كانت نحو بيت المقدس، تحولت نحو الكعبة، فقال الله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسعٌ عليمٌ}. نسخ بقوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}.). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (سمعت قتادة يقول في قول الله عز وجل: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى نحو الكعبة البيت الحرام
وقال في آية أخرى: {فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه ونسخت هذه ما كان قبلها من أمر القبلة
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الرابعة: قوله تعالى: {ولله الشرق والمغرب...} [115مدنية / البقرة / 2] هذا محكم والمنسوخ منها قوله: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [115 / البقرة] منسوخة وناسخة قوله تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [144 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية من هذه السّورةقال اللّه جلّ وعزّ {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ} [البقرة: 115] فللعلماء في هذه الآية ستّة أقوالٍ:
قال قتادة: «هي منسوخةٌ»، وذهب إلى أنّ المعنى صلّوا كيف شئتم فإنّ المشرق والمغرب للّه فحيث استقبلتم فثمّ وجه اللّه جلّ وعزّ لا يخلو منه مكانٌ كما قال جلّ وعزّ {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلّا هو رابعهم}[المجادلة: 7] الآية
وقال ابن زيدٍ: «كانوا أبيحوا أن يصلّوا إلى أيّ قبلةٍ شاءوا؛ لأنّ المشارق والمغارب للّه جلّ وعزّ» فأنزل اللّه جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتًا من بيوت اللّه تبارك وتعالى)) يعني بيت المقدس فصلّوا إليه فصلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إليه بضعة عشر شهرًا فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتّى هديناه فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه إلى السّماء فأنزل اللّه عزّ وجلّ {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144]
قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال مجاهدٌ، والضّحّاك في قوله جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] معناه أينما تولّوا من مشرقٍ أو مغربٍ فثمّ وجه اللّه الّتي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعلوا الآية
ناسخةً، وجعل قتادة، وابن زيدٍ الآية منسوخةً
وقال إبراهيم النّخعيّ: " من صلّى في سفرٍ في مطرٍ وظلمةٍ شديدةٍ إلى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115]
" والقول الرّابع أنّ قومًا قالوا: لمّا صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على النّجاشيّ صلّى عليه وكان يصلّي إلى غير قبلتنا فأنزل اللّه جلّ وعزّ {وللّه المشرق والمغرب} [البقرة: 115]
والقول الخامس أنّ المعنى ادعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه يستجب لكم
والقول السّادس من أجلّها قولًا وهو أنّ المصلّي في السّفر على راحلته النّوافل جائزٌ له أن يصلّي إلى القبلة وإلى غير القبلة
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلّك على صحّته أنّه:
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن المثنّى، وعمرو بن عليٍّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الملك، قال: حدّثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر، " أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو مقبلٌ من مكّة إلى المدينة على دابّته وفي ذلك أنزل اللّه {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115]
" قال وأخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي على راحلته حيثما توجّهت به»
قال أبو جعفرٍ: والصّواب أن يقال: ليست الآية ناسخةً ولا منسوخةً لأنّ العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملةٌ لغير النّسخ وما كان محتملًا لغير النّسخ لم يقل فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ إلّا بحجّةٍ يجب التّسليم لها فأمّا ما كان يحتمل المجمل والمفسّر والعموم والخصوص فعن النّسخ بمعزلٍ ولا سيّما مع هذا الاختلاف
وقد اختلفوا أيضًا في الآية الثّالثة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة قوله تعالى {وللّه المشرق والمغرب} هذا محكم والمنسوخ منها قوله تعالى {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} وذلك أن طائفة أرسلهم النّبي (صلى الله عليه وسلم)
في سفر فعميت عليهم القبلة فصلوا إلى غير جهتها فلمّا تبينوا ذلك رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبروه فنزلت هذه الآية {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثم وجه الله}

وقال قتادة والضّحّاك وجماعة لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة صلى نحو بيت المقدّس سبعة عشر شهرا ثمّ حول إلى الكعبة وهذا قول الأكثرين من أهل التّاريخ منهم معقل بن يسار والبراء بن عازب وقال قتادة ثمانية عشر شهرا وفيها رواية أخرى عن إبراهيم الحربيّ قال فيها ثلاثة عشر شهرا وقال آخرون قالت اليهود بعد تحويل القبلة لا يخلو محمّد منأمرين إمّا أن يكون كان على حق فقد رجع عنه وإمّا أن يكون على باطل فما كان ينبغي له أن يقيم عليه فأنزل الله تعالى {وللّه المشرق والمغرب} الآية ثمّ نسخت بقوله {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}
واختلف أهل العلم في أي صلاة وفي أي وقت فقال الأكثرون حولت القبلة في يوم الإثنين النّصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدّمة المدينة في وقت الظّهر وقال قتادة حولت يوم الثّلاثاء النّصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدّمة المدينة وكان النّبي (صلى الله عليه وسلم) إذا قام إلى الصّلاة يحول وجهه ويرنو نحو السّماء بطرفه ويقول يا جبريل إلى متى أصلّي إلى قبلة اليهود فقال جبريل إنّما أنا عبد مأمور فسل ربك قال فبينما هو على ذلك إذ نزل عليه جبريل عليه السّلام فقال اقرأ يا محمّد / قد نرى تقلب ذلك وجهك في السماء / تنتظر الأمر فحذف هذا من الكلام لعلم السّامع به ونزل {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي نحوه وتلقاءه والشطر فيكلام العرب النّصف وهذه ههنا لغة الأنصار فصارت ناسخة لقوله {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}
وفي رواية أخرى رواه إبراهيم الحربي قال حولت القبلة في جمادي الآخرة
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}ظاهر هذا يدلّ على جواز الصّلاة إلى كلّ جهةٍ من شرقٍ وغربٍ وغيره.
وهو منسوخٌ - عند مالك وأصحابه - بقوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144، 149، 150] فيكون هذا مما نسخ قبل العمل به؛ لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه صلّوا في سفرٍ ولا حضرٍ فريضةً إلى حيثما توجّهوا. ونسخها بقوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} وهو أيضًا قول قتادة، وابن زيد، وهو مرويٌّ عن ابن عباس والحسن.
وللعلماء في هذه الآية خمسة أقوال غير القول الذي ذكرنا:
الأول: قول مجاهد والضحاك: قالا: هي ناسخةٌ للصّلاة إلى بيت
المقدس لأن اليهود أنكروا رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وترك بيت المقدس، وقالوا: {ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}؟ [البقرة: 142] فأنزل الله: {قل للّه المشرق والمغرب} وأنزل تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} [البقرة: 115] أي: فثمّ جهة الله التي أمر بها.
وقيل: الذين أنكروا ذلك هم العرب الكفار، وهم السّفهاء.
الثاني: قول النخعي: قال: هي مخصوصةٌ محكمةٌ نزلت فيمن جهل القبلة له أن يصلّي أينما توجّه ولا إعادة عليه. وعليه الإعادة عند مالك وأصحابه في الوقت. وهو خارجٌ عن الأصول.
الثالث: قاله بعض أهل المعاني: قالوا هي محكمةٌ مخصوصةٌ في صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي حين صلّى عليه، واستقبل جهته إلى غير قبلة، فهي خصوصٌ للنبي -عليه السلام-.
الرابع: قاله بعض أهل المعاني، قالوا: الآية مخصوصةٌ في الدّعاء، ومعناها: ادعوا كيف شئتم مستقبلين القبلة وغير مستقبلين، الله يسمع ذلك كلّه.
الخامس: قيل إنها مخصوصةٌ في صلاة المسافر للنوافل على راحلته، يصلّي أينما توجّهت به راحلته، وهو جارٍ على مذهب مالك وأصحابه.
قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}
ذكر ابن حبيبٍ أنه منسوخٌ بقوله: {إلاّ الّذين تابوا} [البقرة: 160].
وهذا غلطٌ ظاهرٌ، ليس هو من الناسخ والمنسوخ؛ إنما هو استثناءٌ -استثنى الله جلّ ذكره- في التائبين من الموصوفين قبله.
ولا يحسن أن يقال في الاستثناء إنه نسخٌ؛ لأنّ الاستثناء لا يكون إلاّ بحرفٍ يدلّ على معنى استثناء كذا ولا يكون الاستثناء إلا لبيان الأعيان.
والنّسخ إنّما هو لبيان الأزمان التي انتهى إليها الفرض الأوّل، وابتدأ منها الفرض الثاني. وقد بيّنا هذا فيما تقدّم.
وكذلك ذكر ابن حبيب آياتٍ كثيرةً من الاستثناء أدخلها في الناسخ والمنسوخ. وهو وهمٌ ظاهر.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة: قوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
اختلف المفسّرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال:
أحدها: أنّها نزلت في اشتباه القبلة. أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ قال: أخبرنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم قال: حدّثنا عبد الحميد، قال أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أشعث بن سعيدٍ قال: حدّثنا
عاصم بن عبيد اللّه، عن عبد الله بنا (عامر) بن ربيعة عن أبيه قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاةٍ في ليلةٍ سوداء مظلمةٍ فلم نعرف القبلة فذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}.
وروى جابر بن عبد اللّه قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً كنت فيها فأصابتنا ظلمةٌ فلم نعرف القبلة، فقالت طائفةٌ: القبلة هاهنا فصلّوا وخطّوا خطًّا، وقال بعضهم هاهنا فصلّوا وخطّوا خطًّا، فلمّا أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك فسكتّ، فأنزل اللّه تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
قلت: وهذا الحكم باقٍ عندنا وإنّ من اشتبهت عليه القبلة فصلّى بالاجتهاد فصلاته صحيحةٌ مجزيةٌ وهو قول سعيد بن المسيّب ومجاهد و[عطاء] والشّعبيّ، والنّخعيّ وأبي حنيفة، وللشّافعيّ قولان:
أحدهما: كمذهبنا.
والثّاني:يجب الإعادة، وقال الحسن، والزّهريّ،
وربيعة يعيد في الوقت، فإذا فات الوقت لم يعد، وهو قول مالكٍ.
القول الثّاني: إنّ المراد بالآية صلاة التّطوّع.
أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: بنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عبد الصّمد، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حموية قال: أبنا إبراهيم
ابن خريم، قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يحدّث عن ابن عمر قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي على راحلته تطوّعًا أينما توجّهت به، وهو جاءٍ من مكّة إلى المدينة ثمّ قرأ ابن عمر {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فقال ابن عمر رضي اللّه عنه: في هذا أنزلت الآية.
القول الثّالث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا صلّى على النّجاشيّ، قال أصحاب رسوله اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف نصلّي على رجلٍ مات وهو يصلّي على غير قبلتنا؟ وكان يصلّي إلى بيت المقدس حتّى مات
وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنزلت هذه الآية رواه عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما.
القول الرّابع: أنّ المراد بالآية: أينما كنتم من شرقٍ أو غربٍ فاستقبلوا الكعبة، قاله مجاهدٌ.
القول الخامس: أنّ اليهود لمّا تكلّموا] حين [ صرفت القبلة إلى الكعبة نزلت هذه الآية، ومعناها: لا تلتفتنّ إلى اعتراض اليهود بالجهل وإنّ المشرق والمغرب للّه يتعبّدكم بالصّلاة إلى مكانٍ ثمّ يصرفكم عنه كما يشاء. ذكره أبو بكر بن الأنباريّ، وقد روى معناه عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما.
والقول السّادس: أنّه ليس المراد بالصّلاة وحدها وإنّما معنى الآية من أيّ وجهٍ قصدتم اللّه، وعلى أيّ حالٍ عبدتموه علم ذلك وأثابكم عليه.
والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد، قال الشّاعر:

أستغفر اللّه ذنبًا لست محصيه..=. ربّ العباد إليه الوجه والعمل

معناه: إليه القصد والتّقدّم. ذكره محمّد بن القاسم أيضًا.
والقول السّابع: أنّ معنى الآية أينما كنتم [من] الأرض فعلم اللّه بكم محيطٌ لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكم ذكره ابن القاسم أيضًا وعلى هذه الأقوال الآية محكمةٌ.
القول الثّامن: ذكر أربابه أنّها منسوخةٌ، فروى عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: أوّل ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قوله
تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم بصلاته صخرة بيت المقدس (فصلّى) إليها، وكانت قبلة اليهود، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأمّيّين من العرب فنسخ ذلك {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}.
أخبرنا] إسماعيل [ بن أحمد السّمرقنديّ قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد اللّه البقّال قال أبنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن بشران، قال: أبنا أبو الحسين إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني حجّاج بن محمد، قال: أنبا بن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: أوّل ما نسخ من القرآن - فيما ذكر لنا واللّه أعلم - شأن القبلة، قال: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق ثمّ صرفه اللّه إلى البيت العتيق فقال: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرف إلى البيت العتيق فقال: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}.
قال أحمد بن حنبلٍ: وحدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، أخبرنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: كانوا يصلّون نحو بيت المقدس ونبيّ اللّه بمكّة وبعدما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا ثمّ وجهه اللّه تعالى بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام، قال أحمد، وبنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: بنا همام قال، بنا قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: وكانوا يصلّون نحو بيت المقدس ثمّ وجّهه اللّه نحو الكعبة
وقال عز وجل: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قبلةٍ. أخبرنا
محمّد بن عبد اللّه العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس، عن شيبان عن قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: نسخ هذا بعد ذلك، فقال الله عز وجل {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}.
قلت: وهذا قول أبي العالية والسدي.
فصلٌ: واعلم: أنّ قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ليس فيه أمرٌ بالتّوجّه إلى بيت المقدس ولا إلى غيره بل هو دالٌّ على أنّ الجهات كلّها سواءٌ في جواز التّوجّه إليها.
فأمّا التّوجّه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء، هل كان برأي النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلم واجتهاده، أوكان عن وحيٍ؟ فروي عن ابن عبّاسٍ وابن جريجٍ أنّه كان عن أمر اللّه تعالى لقوله عز وجل: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول}.
وأخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا محمّد بن الحسين قال بنا كثير بن يحيى
قال: بنا أبي، قال: بنا أبو بكرٍ الهدبيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: قالت اليهود إنّ محمّدًا مخالفٌ لنا في كلّ شيءٍ فلو تابعنا على قبلتنا، أو على شيء لتابعناه، فظنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ هذا منهم جدٌّ، وعلم اللّه منهم الكذب، وأنّهم لا يفعلون فأراد اللّه أن يبيّن ذلك لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلم.
فقال: إذا قدمت المدينة فصلّ قبل بيت المقدس، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت اليهود: قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا، فأنزل الله عز وجل {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقد علمنا أنهم لا يفعلون، ولكن أردنا أن نبيّن ذلك لك.
وقال الحسن وعكرمة وأبو العالية، والرّبيع بل كان برأيه واجتهاده وقال قتادة: كان النّاس يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا، بقوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب} ثمّ أمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيدٍ: "كانوا ينحون أن يصلوا إلى أي قبلة" شاؤوا، لأنّ
المشارق والمغارب للّه، وأنزل اللّه تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هؤلاء يهودٌ قد استقبلوا بيتًا من بيوت اللّه - يعني بيت المقدس- فصلّوا إليه" فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بضعة عشر شهرًا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتّى هديناه، فكره النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه إلى السّماء فأنزل اللّه تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن أيوب قال: بنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال بنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع، قال: حدّثني أبو العالية: أنّ نبيّ اللّه خيّر بين أن يوجّه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس، لكي يتألّف أهل الكتاب ثمّ وجّهه اللّه إلى البيت [الحرام].
واختلف العلماء في سبب اختياره بيت المقدس على قولين:
أحدهما: أنّ العرب لمّا كانت تحجّ ولم تألف بيت المقدس، أحبّ اللّه امتحانهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتّبع الرّسول ممّن لا يتّبعه، كما قال تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} وهذا قول الزّجّاج.
والثّاني: أنّه (اختاره) ليتألّف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر ابن جرير الطبري.
قلت: فإذا ثبت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسّنّة، ثمّ نسخ ذلك بالقرآن.
والتّحقيق في هذه الآية أنّها أخبرت أنّ الإنسان أين تولّى بوجهه فثمّ وجه اللّه، فيحتاج مدعّي نسخها أن يقول: فيها إضمارٌ. تقديره: {فولّوا وجوهكم} في الصّلاة أين شئتم ثمّ نسخ ذلك المقدّر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السادسة: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت بقوله {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره فولوا وجوهكم في الصلاة أنى شئتم ثم ينسخ ذلك القدر. والصحيح أنها محكمة لأنها أخبرت أن الإنسان أين تولى فثم وجه الله ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة لا على وجه النسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م, 03:15 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُخْلِصُونَ(139)}

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّادسة قوله تعالى {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} نسخ هذا بآية السّيف على قول الجماعة). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة: قوله تعالى: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}.
قد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هذا الكلام اقتضى نوع مساهلةٍ للكفّار ثمّ نسخ بآية السّيف، ولا أرى هذا القول صحيحاً، لأربعة أوجه:
أحدها: أنّ معنى الآية: أتخاصموننا في دين اللّه وكانوا يقولون: نحن أولى باللّه منكم، لأنّنا أبناء اللّه وأحبّاؤه ومنّا كانت الأنبياء وهو ربّنا وربّكم أي: نحن كلّنا في حكم العبوديّة سواءٌ فكيف يكونون أحقّ به؟ {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي (لا اختصاص لأحدٍ به) إلا من جهة
الطّاعة والعمل، وإنّما يجازى كلٌّ منّا بعمله. ولا تنفع الدّعاوى وعلى هذا البيان لا وجه للنّسخ.
والثّاني: أنّه خبرٌ خارجٌ مخرج الوعيد والتّهديد.
والثّالث: أنّا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم.
والرّابع: أنّ المنسوخ ما لا يبقى له حكمٌ، وحكم هذا الكلام لا يتغيّر فإنّ كلّ عاملٍ له (جزاء) عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم.
.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السابعة: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} قال بعضهم هذا يقتضي نوع مساهلة الكفار ثم نسخ بآية السيف وهو بعيد لأن من شرطها التنافي ولا تنافي وأيضا فإنه خبر.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م, 03:17 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةًۭ تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ)
عن همّام بن يحيى البصري قال
: (سمعت قتادة يقول في قول الله عز وجل: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى نحو الكعبة البيت الحرام
وقال في آية أخرى: {فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه ونسخت هذه ما كان قبلها من أمر القبلة
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال أبو جعفرٍ: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " فكان أوّل ما نسخ اللّه جلّ وعزّ من القرآن القبلة وذلك أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره اللّه جلّ وعزّ أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبلها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا فكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فكان يدعو اللّه جلّ وعزّ وينظر إلى السّماء فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144] إلى قوله جلّ وعزّ {فولّوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144] يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قل للّه المشرق والمغرب} [البقرة: 142] وقال {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] وقال اللّه جلّ وعزّ {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول
ممّن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] " قال ابن عبّاسٍ: ليتميّز أهل اليقين من أهل الشّكّ والرّيبة
" قال أبو جعفرٍ: فهذا يسهل في حفظ نسخ هذه الآية ونذكر ما فيها من الإطالة كما شرطنا
فمن ذلك ما قرئ على أحمد بن عمرٍو، عن محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ قال: حدّثنا أبو عوانة قال: حدّثنا الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر ستّة عشر شهرًا»
قال أبو جعفرٍ: وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستّة عشر شهرًا ثمّ صرف إلى الكعبة»
قال أبو جعفرٍ: وفي حديث البراء «صلّى ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا»
وروى الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، قال: «صرف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة في جمادى» وقال ابن إسحاق: «في رجبٍ» وقال الواقديّ: «في النّصف من شعبان» قال أبو جعفرٍ: وأولاها بالصّواب القول الأوّل؛ لأنّ الّذي قال به أجلّ، ولأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة في شهر ربيعٍ الأوّل فإذا صرف في آخر جمادى الآخرة إلى الكعبة صار ذلك ستّة عشر شهرًا كما قال ابن عبّاسٍ وأيضًا فإذا صلّى إلى الكعبة في جمادى فقد صلّى إليها فيما بعدها فعلى قول ابن عبّاسٍ إنّ اللّه جلّ وعزّ كان أمره بالصّلاة إلى بيت المقدس ثمّ نسخه.
وقال غيره: بل نسخ فعله ولم يكن أمره بالصّلاة إلى بيت المقدس ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتبع آثار الأنبياء قبله حتّى يؤمر بنسخ ذلك
وقال قومٌ: بل نسخ اللّه جلّ وعزّ قوله {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] بالأمر بالصّلاة إلى الكعبة
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب الأوّل وهو صحيحٌ عن ابن عبّاسٍ والّذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاسٍ وإنّما أخذ التّفسير عن مجاهدٍ وعكرمة
وهذا القول لا يوجب طعنًا؛ لأنّه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقةٌ صدوقٌ
وحدّثني أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: سمعت عليّ بن الحسين، يقول: سمعت الحسين بن عبد الرّحمن بن فهمٍ، يقول: سمعت أحمد بن حنبلٍ، يقول بمصر: «كتاب التّأويل عن معاوية بن صالحٍ لو جاء رجلٌ إلى مصر فكتبه ثمّ انصرف به ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلًا»
فأمّا أن تكون الآية ناسخةً لقول اللّه جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فبعيدٌ؛ لأنّها تحتمل أشياء سنبيّنها في ذكر الآية الثّانية
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}
هذه الآية عند أكثر المفسرين وأهل المعاني ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس وهي عندهم أول ما نسخ.
وإذا كان هذا أوّل ناسخٍ ومنسوخٍ -على قول جميعهم- والناسخ والمنسوخ مدنيّ - فواجبٌ أن لا يكون ناسخٌ ومنسوخٌ مكيًّا؛ إذ أوّل النسخ عندهم إنّما حدث بالمدينة، وكان نسخ القبلة بعد الهجرة بستّة عشر شهرًا، وقيل سبعة عشر شهرًا، إلا أن يكونوا أرادوا بقولهم هذا: أوّل ناسخٍ ومنسوخٍ، يعنون: بالمدينة، فيجوز أن يكون ثمّ مكيٌّ نسخ مكّيًا. ولم أجده مجمعًا عليه، وسترى ما وجدت منه.
واختلف في صلاة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، هل كان بأمرٍ من الله -عزّ وجلّ- أو باختياره؟
فقال جماعةٌ: كان بأمرٍ من الله، بدليل قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} -يعني بيت المقدس-
وقد قيل: القبلة في هذه الآية: الكعبة، و"كنت": بمعنى: أنت. فلا
حجّة فيه لمن استدلّ به على أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم – صلى إلى بيت المقدس بأمرٍ من الله - على هذا القول -؛ لأنّ القبلة في قوله: {الّتي كنت عليها} مرادٌ بها الكعبة.
وعلى القول الأول، يراد بها بيت المقدس.
و"كنت" بمعنى: أنت، جائزٌ على أن تكون "كان" زائدةً. وقد قيل في قوله: {كنتم خير أمّةٍ} معناه: أنتم خير أمّة.
قال ابن زيد: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكّة يصلّون نحو الكعبة ثماني سنين. قال وكانوا يصلّون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، فلما فرض الله "خمس صلواتٍ"؛ إذ عرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صارت الركعتان للمسافر. قال: فلما هاجر النبيّ عليه السلام إلى المدينة أمره الله - عزّ وجل - بالصّلاة نحو بيت المقدس.
وعنه أيضًا أنه قال: لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: ما ندري أين نتوجه؟ فأنزل الله: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} [البقرة: 115] فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، فتكلّمت اليهود
فقالوا: ما درى محمدٌ وأصحابه. ولا اهتدوا لقبلتهم إلا بنا، فشقّ ذلك على النبيّ عليه السلام فنسخ الله القبلة، وأمره بالصّلاة نحو الكعبة.
وقال ابن حبيب: كان الله - جلّ وعزّ - قد أمر نبيّه أن يقتدي بمن كان قبله من الأنبياء، يريد بقوله: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]. قال: فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلّى نحو بيت المقدس؛ لأنها كانت قبلة جماعةٍ من الأنبياء قبله. ثم شقّ على النبي قول اليهود في القبلة. فنسخ الله ذلك بالكعبة.
وقد قيل: إن الله جلّ ذكره كان قد فرض على إبراهيم - خليله - الصّلاة نحو الكعبة، ودلّ على ذلك قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} - على قراءة من قرأ بفتح الخاء - على الخبر -.
ثم أمر الله نبيّه - بغير قرآن - بالصّلاة نحو بيت المقدس، فصلّى نحوها بضعة عشر شهرًا، وكان يحبّ التّوجّه إلى الكعبة.
فنسخ الله الصّلاة نحو بيت المقدس بالصّلاة إلى الكعبة، فصار المنسوخ ناسخًا لما نسخه الله قبل. وهذا قليل النّظير في الناسخ والمنسوخ.
فهذا كلّه يدلّ على أن الصلاة نحو بيت المقدس كان بأمر الله له، فهو نسخ قرآن بقرآن.
وقد روي أن الأنصار صلّت نحو بيت المقدس قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم حولين).
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صلّى نحو بيت المقدس بضعة عشر شهرًا، وكانت نفسه تائقةً إلى قبلة أبيه إبراهيم. فأمره الله باستقبالها.
وقيل: بل صلّى نحو بيت المقدس ليتألّف بذلك اليهود؛ وذلك أنه هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها ومن حواليها اليهود، فصلّى نحو بيت المقدس، ليتألّف بذلك اليهود، فطعنوا في ذلك وتكلّموا فيه بما شقّ على النبيّ وأصحابه. فأمر الله بالصلاة نحو الكعبة.فيكون - على هذا القول - من نسخ السّنة بالقرآن -.
والشّطر: النحو - في الآية -.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144]، قالوا: هي ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس، قالوا: والصلاة إلى بيت المقدس أول ما نسخ، وهذا ليس بناسخ لقرآن؛ لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بقرآن أنزل عليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115] فصلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، ثم صرف إلى البيت العتيق)، فعلى هذا تكون الآية ناسخة لقوله سبحانه: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115]؛ لأنه سبحانه أباح له صلى الله عليه وسلم استقبال ما شاء من الجهات ثم نسخه بما ذكرنا.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (نزلت في صلاة التطوع، يصلي حيث ما توجهت به الراحلة).
وقيل: نزلت في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا باجتهادهم إلى جهات مختلفة، فأعلموا أن صلاتهم جائزة.
وروى عامر بن ربيعة عن أبيه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115]).
). [جمال القراء: 1/249-27]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م, 06:39 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(158)}

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّابعة قوله تعالى {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله} هذا محكم والمنسوخ قوله {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} ومعناها أن لا يطّوف بهما وكان على الصّفا صنم يقال له إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة وكانا رجلا وامرأة في
الجاهليّة فدخلا الكعبة فزنيا الكعبة فيها فمسخهما الله تعالى صنمين فوضعت المشركون الصّنم الّذي كان رجلا على الصّفا والصنم الّذي كان امرأة على المروة وعبدوهما من دون الله تعالى فلمّا أسلمت الأنصار تحرجوا أن يسعوا بينهما فأنزل الله تعالى {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله} الآية ثمّ نسخ الله تعالى ذلك بقوله {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة: قوله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} الآية.
قد ذكر عن بعض المفسّرين أنّه قال: معنى الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. قال: ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه} والسّعي بينهما من ملّة إبراهيم.
قلت: وهذا قولٌ مرذولٌ: لا يصلح الالتفات إليه، لأنّه يوجب إضمارًا في الآية ولا يحتاج إليه. وإن كان قد قرئ به فإنّه مرويٌّ عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأنس، وابن جبيرٍ، وابن سيرين، وميمون بن مهران أنهم قرأوا (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)، ولهذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن تكون دالّةً على أنّ السّعي بينهما لا يجب.
والثّاني: أن يكون (لا) صلةً. كقوله: ما (منعك) أن لا تسجد فيكون معناه معنى القراءة المشهورة، وقد ذهب مالكٌ والشّافعيّ وأحمد إلى أنّ السّعي من أركان الحجّ وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو واجبٌ (يجزي) عنه الدّم.
والصّحيح في سبب نزول هذه الآية، ما أخبرنا به أبوبكر بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا: إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن داود، عن عامرٍ، قال: كان على الصّفا [وثنٌ] يدعى (أساف) ووثنٌ على المروة يدعى نائلة، وكان أهلالجاهليّة يسعون بينهما ويمسّحون الوثنين فلمّا جاء الإسلام أمسك المسلمون عن السّعي بينهما فنزلت هذه الآية.
قلت: فقد بان بهذا أنّ المسلمين إنّما امتنعوا عن الطّواف لأجل الصّنمين فرفع اللّه عز وجل الجناح عمّن طاف بينهما، لأنّه إنّما يقصد تعظيم اللّه تعالى بطوافه دون الأصنام.
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م, 06:52 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ ۙ أُو۟لَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ(159)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الخامسة: قوله تعالى: {إن الذين تكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية [159 / مدنية / البقرة / 2] نسخها الله تعالى بالاستثناء فقال: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} [159 / البقرة].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّامنة قوله تعالى {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى قوله {ويلعنهم اللاعنون} نسخها الله تعالى عمّن أسلم بالاستثناء وهو قوله تعالى {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبينوا} وقال أبو هريرة لولا هذه الآية ما حدثتكم بشيء,,ويقال من ورع العالم أن يتكلّم ومن ورع الجاهل أن يسكت). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}
ذكر ابن حبيبٍ أنه منسوخٌ بقوله: {إلاّ الّذين تابوا} [البقرة: 160].
وهذا غلطٌ ظاهرٌ، ليس هو من الناسخ والمنسوخ؛ إنما هو استثناءٌ -استثنى الله جلّ ذكره- في التائبين من الموصوفين قبله.
ولا يحسن أن يقال في الاستثناء إنه نسخٌ؛ لأنّ الاستثناء لا يكون إلاّ بحرفٍ يدلّ على معنى استثناء كذا ولا يكون الاستثناء إلا لبيان الأعيان.والنّسخ إنّما هو لبيان الأزمان التي انتهى إليها الفرض الأوّل، وابتدأ منها الفرض الثاني. وقد بيّنا هذا فيما تقدّم.وكذلك ذكر ابن حبيب آياتٍ كثيرةً من الاستثناء أدخلها في الناسخ والمنسوخ. وهو وهمٌ ظاهر.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية العاشرة: قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى قوله: {اللاّعنون}.
قد زعم قوم من القرّاء (الّذين) قلّ حظّهم من علم العربيّة والفقه أنّ هذه الآية منسوخةٌ بالاستثناء بعدها ولو كان لهم نصيبٌ من ذلك، لعلموا أنّ الاستثناء ليس بنسخٍ وإنّما هو إخراج بعض ما شمله اللّفظ، وينكشف هذا من وجهين.
أحدهما: أنّ النّاسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر، وههنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
والثّاني: أنّ الجمل إذا دخلها الاستثناء يثبت أنّ المستثنى لم يكن مرادًا دخوله في الجملة الباقية وما لا يكون مرادًا باللّفظ الأوّل لا يدخل عليه النّسخ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثامنة: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} . زعم بعض من قلّ فهمه أنّها نسخت بالاستثناء بعدها وهذا لا يلتفت إليه وذلك كلما أتى من هذا الجنس فإن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللّفظ وليس بناسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة