العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 08:19 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (ويقال: قنبت الشمس تقنب قنوباً.
وإذا لم يبق منها شيءٌ قيل: دلكت براحة. ٍ
وغربت غروباً مثل دلكت براحة.
وقالوا: دلكت براح يا هذا، مثل حذام. وبراح بكسر الباء. ودلكت براح يا هذا، فضمّوا، وقال الراجز:
هذا مقام قدمي رباح
للشمس حتى طلعت براح
وقالوا: دلكت براحٍ يا هذا، إذا غابت أو كادت، وهو ينظر إليها براحته.
وقال ابن عباس: {لدلوك الشمس}: لزوالها الظهر والعصر. وقال رؤبة:
شادخة الغرّة غرّاء الضحك
تبلّج الزّهراء في جنح الدّلك
فجعل الدّلك غيبوبة الشمس. وقال ذو الرّمّة:
(مصابيح ليست باللّواتي تقودها = نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالك) ).
[الأزمنة: 17]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (يتفق اللفظ ويختلف المعنى فيكون اللفظ الواحد على معنيين فصاعدا، وذلك مثل: «الأمة» يريد الدين. وقول الله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا} منه. قال أبو محمد: الأمة: الرجل وحده يؤتم به. والأمة: القامة، قامة الرجل. والأمة من الأمم ومنه التخوف من الخوف، والتخوف: التنقص. ومنه، غسق الليل غسقا وغسوقا، قال: أي أظلم. وغسق جلد الرجل، وهو ما كان من قذر أو درن. ومن هذا اللفظ الواحد الذي يجيء على معنيين فصاعدا ما يكون متضادا في الشيء وضده). [الأضداد: 70] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ويقال: جُنَّ الليل، وأجَنَّ، وغسا، وأغسى، غسوا وإغساء، وأغسق، وأظلم، وألبس. وبعضهم يقول: جّنَّ الليل جَنَانا). [الأيام والليالي: 67] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث أبي وائل في قول الله عز وجل: {أقم الصلوة لدلوك الشمس} قال: دلوكها غروبها، قال: وهو في كلام العرب: دلكت براح.
حدثناه شريك عن عاصم عن أبي وائل.
قوله: دلكت براح، يقول: غابت وهو ينظر إليها وقد وضع كفه على حاجبه، ومنه قول العجاج:
أدفعها بالراح كي تزحلفا
حدثناه محمد بن يزيد الواسطي ويزيد بن هارون كلاهما عن العوام، عن إبراهيم مولى صخير، عن أبي وائل.
قوله اقحز: يعنى أنزى.
...
وقال غيره:
هذا مقام قدمي رباح = غدوة حتى دلكت براح
قال: وفيه لغة أخرى يقال: دلكت براح يا هذا، مثل قطام وحذام، ونزال غير منونة. قال الكسائي: يقال: هذا يوم راح: إذا كان شديد الريح.
ومن قال: دلوكها: زيغها ودلوكها: دحضها، فهما أيضا ميلها.
وقال الكسائي في غير حديث أبي وائل: الدلوك: ميلها بعد نصف النهار.
حدثنيه يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
وأصل الدلوك أن تزول عن موضعها فقد يكون هذا في معنى قول ابن عمر وقول أبي وائل جميعا.
وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب إذا لم يكن فيه حكم ولا حلال ولا حرام، ألا تراه يقول: وهو في كلام العرب: دلكت براح.
وقد روي مثل هذا عن ابن عباس.
حدثني يحيى عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني أنا ابتدأتها.
وحدثنا هشيم عن حصين عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يُسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر). [غريب الحديث: 5/410-413]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (دلكت الشمس: غابت.

حتى دلكت براحي
أي دفعتها براحتي. ومن قال براح فهو اسم للشمس). [مجالس ثعلب: 308]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وكذلك «غَسقَ» يقع على معنيين مختلفين للعلة التي تقدمت، أحدهما أظلم، من غسق الليل، والآخر سال من الغساق، وهو ما يغسق من صديد أهل النار، قال عمارة بن عقيل:
ترى الضيف بالصلعاء تغسق عينه = من الجوع حتى تحسب الضيف أرمدا
وقال عمران بن حطان:
إذا ما تذكرت الحياة وطيبها = إلي جرى دمع من العين غاسق
أي: سائل). [كتاب الأضداد: 5]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والدّلك: اصفرار الشمس عند المغيب، يقال: دلكت الشمس تدلك دلوكًا). [الأمالي: 2/291]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا أيضا: هجد، أي: نام. وهجد: سهر). [الأضداد: 129]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *هجد* والهاجد النائم، والهاجد المصلي المتهجد في الليل، قال الحطيئة (الطويل):

فحياك ود ما هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
أي: ينام وأكثر ما يقال المتهجد المتيقظ، قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} أي: تيقظ بالقرآن، وقال النابغة (الكامل):

لو أنها عرضت لأشمط راهب = عبد الإله صرورة متهجد
قال الأصمعي: ساب أعرابي امرأته فقال: عليك لعنة المتهجدين). [كتاب الأضداد: 40]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (أبو عمرو: ... غيره: الهاجد المصلي بالليل والهاجد النائم، قال الحطيئة:
فحياك ود من هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد).
[الغريب المصنف: 2/628]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والهاجد حرف من الأضداد، يقال للنائم هاجد، وللساهر هاجد، قال المرقش:

سرى ليلا خيال من سليمى = فأرقني وأصحابي هجود
أراد نيام. وقال الآخر:
وحاضروا الماء هجود ومصل
وقال الآخر:

ألا هلك امرؤ ظلت عليه = بشط عنيزة بقر هجود
أراد نسوى كالبقى في حسن أعينهن، سواهر. وقال الحطيئة:
فحياك ود ما هداك لفتية = وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
وقال الأخطل:
عوامد للإلجام ألجام حامر = يثرن قطا لولا سراهن هجدا
ويروى: (هجدا). الألجام: ما بين الحزن والسهولة. قال أبو بكر. واحدها لجم، قال لبيد:
قال هجدنا فقد طال السرى = وقدرنا إن خنا الدهر غفر
أراد بـ (هجدنا) نومنا. وقال الآخر:
أسرى لأشعث هاجد بمفازة = بخيال ناعمة السرى مكسال
وقال الآخر:
بسير لا ينيخ القوم فيه = لساعات الكرى إلا هجودا
معناه إلا ساهرين؛ أي من السهر نومة وإناخته، فلا نوم ولا إناخة له. ويروى:
بسير لا ينيخ الركب فيه
ومثل هذا قول الكميت:
إن قيل قيلوا ففوق أظهرها = أو عرسوا فالذميل والخبب
الذميل والخبب: ضربان من السير، ومعناه من الذميل والخبب تعريسه، فلا تعريس له، وقال الله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك}، فمعناه فاسهر به.
وقال الأصمعي: ساب رجل امرأته فقال: عليها لعنة
المتهجدين، أي الساهرين بذكر الله عز وجل. وقال نابغة بني ذبيان:

ولو أنها عرضت لأشمط راهب = عبد الإله صرورة متهجد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها = ولخاله رشدا وإن لم يرشد).
[كتاب الأضداد: 50-52]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
ألا هلك امرؤ ظلت عليه = بشط عنيزةٍ بقر هجود
شبه النساء بالبقر. والهجود ههنا المنتبهات، والمتهجد والهاجد من الأضداد والهاجد هو النائم والمنتبه، قال الله عز وجل: {ومن الليل فتهجد به}، قال الأصمعي: ودعا رجل على امرأته فقال: عليك لعنة المتهجدين). [شرح المفضليات: 551]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) }

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: زهق الباطل زهوقا: درس وذهب، وزهقت نفس الرجل زهوقا. وقالوا أيضا: زهقت الدابة تزهق زهوقا: إذا اشتد مخ العظم وأكثر قصبه). [الأضداد: 123]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومن حرف من الأضداد، تكون لبعض الشيء، وتكون لكله، فكونها للتبعيض لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى (كل)، شاهده قول الله عز وجل: {ولهم فيها من كل الثمرات}، معناه كل الثمرات، وقوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}، معناه: وعدهم الله كلهم مغفرة؛ لأنه قدم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عز وجل في غير هذا الموضع: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، معناه: ولتكونوا كلكم أمة تدعو إلى الخير، قال الشاعر:

أخو رغائب يعطاها ويسألها = يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أراد: يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. ومستحيل أن تكون
(مِنْ) هاهنا تبعيضا إذ دخلت على ما لا يتبعض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصا، وهم لا ينوون أن القميص قطع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يدلون بـ(من) على التجنيس، كقوله عز وجل: {فاجتبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأجناس.
وقال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}، فـ (مِنْ)، ليست هاهنا تبعيضا؛ لأنه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غير شفاء، فـ(مِنْ) تحتمل تأويلين: أحدهما التجنيس، أي ننزل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أن تكون (من) مزيدة للتوكيد، كقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، وهو يريد يغضوا أبصارهم، وكقول ذي الرمة:

إذا ما امرؤ حاولن يقتتلنه = بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى = وفترن من أبصار مضروجة نجل
أراد: وفترن أبصار مضروجة.
وكان بعض أصحابنا يقول: من ليست مزيدة للتوكيد في قوله: {من كل الثمرات}، وفي قوله: {من أبصارهم} وفي قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال: أما قوله: {من كل الثمرات}، فإن (من) تبعيض، لأن العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذ كان قد تقدم منها ما قد أكل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أبدا، فوقع التبعيض لهذا المعنى.
قال: وقوله: {يغضوا من أبصارهم} معناه: يغضوا بعض أبصارهم. وقال: لم يحظر علينا كل النظر، إنما حظر علينا بعضه، فوجب التبعيض من أجل هذا التأويل.
قال: وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} من هاهنا مجنسة، وتأويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أي يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرجل: اشتكيت من دواء شربته، أي من أجل الدواء.
وقال بعض المفسرين: من في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} مبعضة، لأنه ذكر أصحاب نبيه صلى الله عليه، وكان قد ذكر
قبلهم الذين كفروا فقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}. وقال بعد: {منهم}؛ أي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين). [كتاب الأضداد: 252-255] (م)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} الآية. هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.
فقال ابن عمر، وابن عباس، وأبو بردة، والحسن، والجمهور: "دلوك الشمس": زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر، و"غسق الليل" أشير به إلى المغرب والعشاء، و"قرآن الفجر" أريد به صلاة الصبح، فالآية -على هذا- تعم جميع الصلوات" وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر"، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس، فقال: "اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس".
[المحرر الوجيز: 5/523]
وقال ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن أسلم: "دلوك الشمس": غروبها، والإشارة بذلك إلى المغرب. و"غسق الليل": اجتماع ظلمته، فالإشارة إلى العتمة، و"قرآن الفجر": صلاة الصبح، ولم تقع إشارة -على التأويل- إلى الظهر والعصر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والقول الأول أصوب لعمومه الصلوات، وهما من جهة اللغة حسنان، وذلك أن "الدلوك" هو الميل في اللغة، فأول الدلوك هو الزوال، وآخره هو المغرب، ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل، فذكر الله الصلوات التي في حالة الدلوك وعنده، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في "غسق الليل"، ومن الدلوك الذي هو الميل قول الأعرابي للحسن بن أبي الحسن: أيدالك الرجل امرأته؟ يريد: أيميل بها إلى المطل في دينها؟ فقال له الحسن: نعم، إذا كان ملحفا، أي: عديما، ومنه قول ذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها ... نجوم ولا بالآفلات الدوالك
ومن ذلك قول الشاعر:
هذا مكان قدمي رباح ... غدوة حتى دلكت براح
[المحرر الوجيز: 5/524]
ويروى "براح" بكسر الباء، قال أبو عبيدة، والأصمعي، وأبو عمرو الشيباني: معناه: براحة الناظر يستكف بها أبدا لينظر كيف ميلها وما بقي لها، وهذا نحو قول الحجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا ... أدفعها بالراح كي تزحلفا
وذكر الطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "دلكت براح، يعني: براح مكانا". قال: فإن كان هذا من تفسير ابن مسعود فهو أعلم، وإن كان من كلام راو فأهل الغريب أعلم بذلك.
ويروى البيت الأول: "غدوة حتى هلكت براح" بفتح الباء، على وزن قطام وحزام، وهو اسم من أسماء الشمس.
و"غسق الليل": اجتماعه وتكاثف ظلمته، قال الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/525]
آب هذا الليل إذ غسقا
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: غسق الليل: بدؤه.
ونصب قوله تعالى: {وقرآن الفجر} بفعل مضمر، تقديره: واقرأ قرآن، ويصح أن ينصب عطفا على "الصلاة"، أي: وأقم قرآن الفجر، وعبر عن صلاة الصبح خاصة بالقرآن لأن القرآن هو عظمها، إذ قراءتها طويلة مجهود بها. ويصح أن ينصب قوله: "قرآن" على الإغراء. وقوله: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} معناه: يشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث المشهور من قوله عليه السلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر" الحديث بطوله من رواية أبي هريرة وغيره. وعلى القول بذلك مضى الجمهور.
وذكر الطبري حديثا عن ابن عسكر، من طريق أبي الدرداء في قوله تعالى: {كان مشهودا}، قال محمد بن سهل بن عسكر: (يشهده الله وملائكته)، وذكر في ذلك الحديث أن الله تبارك وتعالى ينزل في آخر الليل، ونحو هذا مما ليس بقوي). [المحرر الوجيز: 5/526]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن الليل}، "من" للتبعيض، والتقدير: ووقتا من الليل، أي: وأقم وقتا من الليل، والضمير في "به" عائد على هذا المقدر، ويحتمل أن يعود على القرآن وإن كان لم يجر له ذكر مطلق، كما هو الضمير مطلق، لكن جرى مضافا إلى الفجر. و"تهجد" معناه: اطرح الهجود عنك، والهجود: النوم، يقال: هجد يهجد -بضم الجيم- هجودا إذا نام، ومنه قول الشاعر:
ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود
ومنه قول الحطيئة:
فحياك ود ما هداك لفتية ... وخوص بأعلى ذي طوالة هجد
وهذا الفعل جار مجرى: تحرب وتحرج وتأثم وتحنث، ومثله فظلتم تفكهون، فمعناه: تندمون، أي تطرحون الفاكهة عن أنفسكم، وهي انبساط النفس وسرورها، يقال: رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك، فالمعنى: ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة، وقال الأسود، وعلقمة، وعبد الرحمن بن الأسود: التهجد بعد نومة، وقال الحجاج بن عمرو: إنما التهجد بعد رقدة، وقال الحسن: التهجد ما كان بعد العشاء الآخرة.
[المحرر الوجيز: 5/527]
وقوله تعالى: {نافلة لك}، قال ابن عباس وغيره: معناه: زيادة لك في الفرض، قالوا: وكان قيام الليل فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحتمل الآية أن يكون هذا على جهة الندب في التنفل، ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو وأمته، كخطابه في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. وقال مجاهد: إنما هي نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم; لأنه مغفور له، والناس يحطون بمثل ذلك خطاياهم، وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية، فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل، وقربا أشرف من نوافل أمته; لأن هذه إما أن تجبر بها فرائضهم، وإما أن تحط بها خطيئاتهم، وقد يتصور من لا ذنب له ينتفل، فيكون تنفله فضلا، كنصراني يسلم وصبي يحتلم، وضعف الطبري قول مجاهد.
وقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} عدة من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء حتى ينتهي إليه عليه الصلاة والسلام. والحديث بطوله في البخاري ومسلم فلذلك اختصرناه، ولأجل ذلك الاحتمال الذي له في مرضاة جميع العالم مؤمنهم وكافرهم قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر". و"عسى" من الله واجبة، و"مقاما" نصب على الظرف.
[المحرر الوجيز: 5/528]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن غريب حديث الشفاعة اقتضابه المعنى، وذلك أن صدر الحديث يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم يستنهض للشفاعة في أن يحاسب الناس، وينطلقون من الموقف، فيذهب لذلك، وينص بأثر ذلك على أنه شفع في إخراج المذنبين من النار، فمعناه الاقتضاب والاختصار; لأن الشفاعة في المذنبين لم تكن إلا بعد الحساب والزوال من الموقف ودخول قوم الجنة ودخول قوم النار، وهذه الشفاعة لا يتدافعها الأنبياء، بل يشفعون ويشفع العلماء، وذكر الطبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينبغي أن يتأول هذا على ما قلناه: لأمته وغيرها، أو يقال: كل منهما مقام محمود. وقال النقاش: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السبق إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والمشهور أنهما شفاعتان فقط. حكى الطبري عن فرقة منها مجاهد أنها قالت: المقام المحمود هو أن الله عز وجل يجلس محمدا عليه الصلاة والسلام - معه على عرشه، وروت في ذلك حديثا، وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد، ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وقد ذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
من أنكر جوازه على تأويله). [المحرر الوجيز: 5/529]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}
ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور، ويحاول من الأسفار والأعمال، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة، فهي على أتم عموم، معناها: رب أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص، ثم اختلفوا في تعيينه -فقال ابن عباس، والحسن، وقتادة: أراد: أدخلني المدينة وأخرجني من مكة، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم، اللهم إن مكان الدخول والفرار هو الأهم. وقال أبو صالح، ومجاهد: أدخلني في أمر تبليغ الشرع، وأخرجني منه بالإعداد التام، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الإدخال بالموت في القبر، والإخراج البعث. وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله أصوب.
وقرأ الجمهور: "مدخل" و"مخرج" بضم الميم، فهو جرى على: أدخلني وأخرجني. وقرأ أبو حيوة، وقتادة، وحميد: "مدخل" و"مخرج" بفتح الميم، فهو غير جار على: أدخلني، ولكن التقدير: "أدخلني فأدخل مدخل"، لأنه إنما يجري على دخل، و"الصدق" هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح، كما تقول: "رجل صدق" أي: جامع للمحاسن.
وقوله تعالى: {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا}، قال مجاهد وغيره: حجة، يريد: تنصرني ببيانها على الكفار، وقال الحسن وقتادة: يريد: منعة ورياسة وسيفا ينصر دين الله تعالى، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر الدين، فروي أن الله تعالى وعده بذلك، ثم أنجز له في حياته وتممه بعد وفاته). [المحرر الوجيز: 5/530]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل} الآية. قال قتادة: "الحق": القرآن، و"الباطل": الشيطان، وقالت فرقة: "الحق" الإيمان، و"الباطل": الكفر، وقال ابن جريج: الحق: الجهاد، و"الباطل": الشرك، وقيل غير ذلك، والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة، فيكون التعبير: جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه، وزهق الكفر بجميع ما انطوى فيه، و"الباطل": كل ما لا تنال به غاية نافعة. وقوله سبحانه: {كان زهوقا}، ليست "كان" إشارة إلى زمن مضى، بل المعنى: كان وهو يكون، وهذا كقولك: كان الله عالما قادرا، ونحو هذا.
وهذه الآية نزلت بمكة، ثم إن رسول الله كان يستشهد بها يوم فتح مكة، وقت طعنه الأصنام، وسقوطها لطعنه إياها بمخصرة، حسبما في السيرة لابن هشام وفي غيرها). [المحرر الوجيز: 5/531]

تفسير قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "وننزل" بالنون، وقرأ مجاهد: "وينزل" بالياء خفيفة، ورواها المروزي عن حفص. وقوله تعالى: {من القرآن}، يصح أن تكون "من" لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس، كأنه قال وننزل ما فيه شفاء من "القرآن"، وأنكر بعض المتأولين أن تكون "من" للتبعيض، لأنه تحفظ من أن يلزمه أن بعضه لا شفاء فيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس يلزمه هذا، بل يصح أن تكون "من" للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض، فكأنه قال: "وننزل من القرآن" شيئا شيئا ما فيه كله شفاء. واستعارته الشفاء للقرآن هو بحسب إزالته للريب، وكشفه غطاء القلب لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى، المقررة لشرعه. ويحتمل أن يراد بالشفاء نفعه من الأمراض بالرقى
[المحرر الوجيز: 5/531]
والتعويذ ونحوه، وكونه رحمة ظاهرة. وقوله تعالى: {ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} بمعنى أنه عليهم عمى; إذ هم معرضون بحالة من لا يفهم ولا يلقن). [المحرر الوجيز: 5/532]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة