العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفتح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م, 05:52 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي تفسير سورة الفتح [ من الآية (22) إلى الآية (26) ]

وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب نزول الآية رقم (24)
- أسباب نزول الآية رقم (25)
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 04:58 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو قاتلكم الّذين كفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا (22) سنّة اللّه الّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة اللّه تبديلاً}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرّضوان: {ولو قاتلكم الّذين كفروا} باللّه أيّها المؤمنون بمكّة {لولّوا الأدبار} يقول: لانهزموا عنكم، فولّوكم أعجازهم، وكذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب {ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا} يقول: ثمّ لا يجد هؤلاء الكفّار المنهزمون عنكم، المولّوكم الأدبار، وليًّا يواليهم على حربكم، ولا نصيرًا ينصرهم عليكم، لأنّ اللّه تعالى ذكره معكم، ولن يغلب حزبٌ اللّه ناصره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولو قاتلكم الّذين كفروا لولّوا الأدبار} يعني كفّار قريشٍ، قال اللّه: {ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا} ينصرهم من اللّه). [جامع البيان: 21/286-287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وكف أيدي الناس عنكم} قال: الحليفان أسد وغطفان عليهم عيينة بن حصن معه مالك بن عوف النصري أبو النضر وأهل خيبر على بئر معونة فألقى الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ولم يلقوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي قوله {ولو قاتلكم الذين كفروا} هم أسد وغطفان {لولوا الأدبار} حتى {ولن تجد لسنة الله تبديلا} يقول سنة الله في الذين خلوا من قبل أنه لن يقاتل أحد نبيه إلا خذله الله فقتله أو رعبه فانهزم ولن يسمع به عدو إلا إنهزموا واستسلموا). [الدر المنثور: 13/485-486] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار} يعني أهل مكة والله أعلم). [الدر المنثور: 13/488]

تفسير قوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {سنّة اللّه الّتي قد خلت من قبل} يقول تعالى ذكره: لو قاتلكم هؤلاء الكفّار من قريشٍ، لخذلهم اللّه حتّى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به، الّذين قاتلوا أولياءه من الأمم الّذين مضوا قبلهم.
وأخرج قوله: {سنّة اللّه} نصبًا من غير لفظه، وذلك أنّ في قوله: {لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا} معنى سننت فيهم الهزيمة والخذلان، فلذلك قيل: {سنّة اللّه} مصدرًا من معنى الكلام لا من لفظه، وقد يجوز أن تكون تفسيرًا لما قبلها من الكلام.
وقوله: {ولن تجد لسنّة اللّه تبديلاً} يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ولن تجد يا محمّد لسنّة اللّه الّتي سنّها في خلقه تغييرًا، بل ذلك دائمٌ، للإحسان جزاؤه من الإحسان، وللإساءة والكفر العقاب والنّكال). [جامع البيان: 21/287-288]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وكف أيدي الناس عنكم} قال: الحليفان أسد وغطفان عليهم عيينة بن حصن معه مالك بن عوف النصري أبو النضر وأهل خيبر على بئر معونة فألقى الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ولم يلقوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي قوله {ولو قاتلكم الذين كفروا} هم أسد وغطفان {لولوا الأدبار} حتى {ولن تجد لسنة الله تبديلا} يقول سنة الله في الذين خلوا من قبل أنه لن يقاتل أحد نبيه إلا خذله الله فقتله أو رعبه فانهزم ولن يسمع به عدو إلا إنهزموا واستسلموا). [الدر المنثور: 13/485-486] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثني سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ: أنّ ثمانين هبطوا على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من جبل التّنعيم عند صلاة الصّبح، وهم يريدون أن يقتلوه، فأخذوا أخذًا، فأعتقهم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/239]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عفّان، حدّثنا حمّادٌ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، أنّ ناسًا، من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جبل التّنعيم عند صلاة الفجر، فأخذهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعفا عنهم، فأنزل الله عزّ وجلّ {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [الفتح: 24] الآية
- أخبرنا محمّد بن عقيلٍ، أخبرنا عليّ بن الحسين، حدّثني أبي، عن ثابتٍ، قال: حدّثني عبد الله بن مغفّلٍ المزنيّ، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في أصل الشّجرة الّتي قال الله، وكأنّي بغصنٍ من أغصان تلك الشّجرة على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرفعته عن ظهره، وعليّ بن أبي طالبٍ وسهيل بن عمرٍو بين يديه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم " فأخذ سهيلٌ يده، فقال: ما نعرف الرّحمن الرّحيم، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، فقال: «اكتب باسمك اللهمّ»، هذا ما صالح عليه محمّدٌ رسول الله أهل مكّة، فأمسك بيده فقال: فقد ظلمناك إن كنت رسولًا، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، فقال: " اكتب: هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب، وأنا رسول الله "، قال: فكتب، فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السّلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل جئتم في عهد أحدٍ، أو هل جعل لكم أحدٌ أمانًا؟،» فقالوا: لا، فخلّى سبيلهم، فأنزل الله عزّ وجلّ {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [الفتح: 24] إلى {بصيرًا} [الفتح: 24]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/265]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان اللّه بما تعملون بصيرًا}.
يقول تعالى ذكره لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذين بايعوا بيعة الرّضوان {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم} يعني أنّ اللّه كفّ أيدي المشركين الّذين كانوا خرجوا على عسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بالحديبية يلتمسون غرّتهم ليصيبوا منهم، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتى بهم أسرى، فخلّى عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن عليهم ولم يقتلهم فقال اللّه للمؤمنين: وهو الّذي كفّ أيدي هؤلاء المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكّة، من بعد أن أظفركم عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاءت الآثار.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي يقول، أخبرنا الحسين بن واقدٍ، قال: ثني ثابتٌ البنانيّ، عن عبد اللّه بن مغفّلٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان جالسًا في أصل شجرةٍ بالحديبية، وعلى ظهره غصنٌ من أغصان الشّجرة فرفعتها عن ظهره، وعليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه بين يديه وسهيل بن عمرٍو، وهو صاحب المشركين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعليٍّ: (اكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم)، فأمسك سهيلٌ بيده، فقال: ما نعرف الرّحمن، اكتب في قضيّتنا ما نعرف فقال رسول اللّه: (اكتب باسمك اللّهمّ)، فكتب، فقال: (هذا ما صالح محمّدٌ رسول اللّه أهل مكّة)، فأمسك سهيلٌ بيده، فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيّتنا ما نعرف قال: (اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب وأنا رسول اللّه)، فخرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السّلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذ اللّه بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (هل خرجتم في أمان أحدٍ؟) فقلوا: لا، قال: فخلّى عنهم، قال: فأنزل اللّه {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن مغفّلٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالحديبية في أصل الشّجرة الّتي قال اللّه في القرآن، وكان غصنٌ من أغصان تلك الشّجرة على ظهر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فرفعته عن ظهره، ثمّ ذكر نحو حديث محمّد بن عليٍّ، عن أبيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: ثني من لا أتّهم، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ، أنّ قريشًا، كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ليصيبوا لهم من أصحابه أحدًا، فأخذوا أخذًا، فأتي بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وخلّى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجارة والنّبل.
- قال ابن حميدٍ: قال سلمة: قال ابن إسحاق: ففي ذلك قال: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: أقبل معتمرًا نبيّ اللّه، فأخذ أصحابه ناسًا من أهل الحرم غافلين، فأرسلهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذلك الإظفار ببطن مكّة.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عائشة، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ ثمانين رجلاً من أهل مكّة، هبطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من جبل التّنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأعتقهم، فأنزل اللّه {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} إلى آخر الآية.
- وكان قتادة يقول في ذلك ما: حدّثنا به بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية، قال: بطن مكّة الحديبية ذكر لنا أنّ رجلاً من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له: زنيمٌ اطّلع الثّنيّة من الحديبية، فرماه المشركون بسهمٍ فقتلوه، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيلاً، فأتوه باثني عشر فارسًا من الكفّار، فقال لهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لكم عليّ عهدٌ؟ هل لكم عليّ ذمّةٌ؟ قالوا: لا، فأرسلهم، فأنزل اللّه في ذلك القرآن {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} إلى قوله: {بما تعملون بصيرًا}.
وقال آخرون في ذلك ما: حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن ابن أبزى، قال: لمّا خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالهدي، وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا نبيّ اللّه، تدخل على قومٍ لك حربٌ بغير سلاحٍ ولا كراعٍ، قال: فبعث إلى المدينة فلم يدع بها كراعًا ولا سلاحًا إلاّ حمله؛ فلمّا دنا من مكّة منعوه أن يدخل، فسار حتّى أتى منًى، فنزل بمنًى، فأتاه عينه أنّ عكرمة بن أبي جهلٍ قد خرج عليك في خمس مئةٍ، فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمّك قد أتاك في الخيل، فقال خالدٌ: أنا سيف اللّه وسيف رسوله، فيومئذٍ سمّي سيف اللّه، يا رسول اللّه، ارم بي حيث شئت، فبعثه على خيلٍ، فلقي عكرمة في الشّعب فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عاد في الثّانية فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عاد في الثّالثة حتّى أدخله حيطان مكّة، فأنزل اللّه {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} إلى قوله {عذابًا أليمًا}. قال: فكفّ اللّه النّبيّ عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علمٍ.
وقوله: {وكان اللّه بما تعملون بصيرًا} يقول تعالى ذكره: وكان اللّه بأعمالكم وأعمالهم بصيرًا لا يخفى عليه منها شيءٌ). [جامع البيان: 21/288-292]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس السّيّاريّ، وأبو أحمد الصّيرفيّ بمرو قالا: ثنا إبراهيم بن هلالٍ، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ الحسين بن واقدٍ، حدّثني ثابتٌ البنانيّ، عن عبد اللّه بن مغفّلٍ المزنيّ رضي اللّه عنه، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في أصل الشّجرة الّتي قال اللّه تعالى في القرآن، وكان غصنٌ من أغصان تلك الشّجرة على ظهر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فرفعته عن ظهره، وعليّ بن أبي طالبٍ وسهيل بن عمرٍو جالسان بين يدي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لعليٍّ: «اكتب» فذكر من الحديث أسطرًا مخرّجةً في الكتابين من ذكر سهيل بن عمرٍو قال عبد اللّه بن مغفّلٍ: فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السّلاح، فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذ اللّه بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «هل جئتم في عهد أحدٍ أو هل جعل لكم أحدٌ أمانًا؟» فقالوا: اللّهمّ لا. فخلّى سبيلهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم، وكان اللّه بما تعملون بصيرًا} [الفتح: 24] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين إذ لا يبعد سماع ثابتٍ من عبد اللّه بن مغفّلٍ» وقد اتّفقا على إخراج حديث معاوية بن قرّة على حديث حميد بن هلالٍ عنه وثابتٌ أسنّ منهما جميعًا). [المستدرك: 2/500]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت د) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنّ ثمانين رجلاً من أهل مكّة، هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم مسلّحين - يريدون غرّة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأخذهم سلماً، فاستحياهم، وأنزل الله عزّ وجل: {وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24] هذه رواية مسلم.
وفي رواية الترمذي، أنّ ثمانين نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح؛ يريدون أن يقتلوه، فأخذوا، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم... } الآية.
وأخرجه أبو داود بنحوه من مجموع الروايتين.
[شرح الغريب]
(مسلحين) قوم مسلحون، أي: معهم سلاح.
(غرّة) الغرة: الغفلة.
(استحياهم): استبقاهم ولم يقتلهم.
(سلماً) - السّلم بكسر السين وفتحها: الصلح، وهو المراد في الحديث، على ما فسره الحميدي في غريبه، وكذا يكون قد رواه بدليل شرحه.
وقال الخطابي: إنه السلم - بفتح السين واللام -يريد به الاستسلام والإذعان، ومنه قوله تعالى: {وألقوا إليكم السّلم} أي: الانقياد.
والذي ذهب إليه الخطابي هو الأشبه بالقصة، فإنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهراً، فأسلموا أنفسهم عجزاً، على أن الأول له وجه، وذلك: أنه لم يجر لهم معهم حرب، إنما صالحوهم على أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوهم، فسمي الانقياد إلى ذلك صلحاً. وهو السّلم، والله أعلم). [جامع الأصول: 2/359-360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وكف أيدي الناس عنكم} قال: الحليفان أسد وغطفان عليهم عيينة بن حصن معه مالك بن عوف النصري أبو النضر وأهل خيبر على بئر معونة فألقى الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ولم يلقوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي قوله {ولو قاتلكم الذين كفروا} هم أسد وغطفان {لولوا الأدبار} حتى {ولن تجد لسنة الله تبديلا} يقول سنة الله في الذين خلوا من قبل أنه لن يقاتل أحد نبيه إلا خذله الله فقتله أو رعبه فانهزم ولن يسمع به عدو إلا إنهزموا واستسلموا). [الدر المنثور: 13/485-486] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 24 - 25
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}). [الدر المنثور: 13/488-489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} قال: بطن مكة الحديبية ذكر لنا أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له زنيم أطلع الثنية زمان الحديبية فرماه المشركون فقتلوه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فأتوا بأثني عشر فارسا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم عهد أو ذمة قالوا لا، فأرسلهم فأنزل الله في ذلك {وهو الذي كف أيديهم عنكم} الآية). [الدر المنثور: 13/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موثورين محزونين وإن لحوا تكن عنقا قطعها الله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم يا رسول اللهن إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذن، فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: حل حل فألحت فقالوا: خلأت القصواء، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت فعدل بهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتربضه الناس تربضا فلم يلبث الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، قال: فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيتز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره، فقال بديل سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا قد جئناكم من عند الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول: كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: أي قوم ألستم بالولد قالوا: بلى، قال: ألست بالوالد قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديلز فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: أمصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال: من ذا قال: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب المغيرة يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا قالوا: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف واحد منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف واحد منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم إبتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وإنه عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز وهو رجل فاجر، فجعل يكلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد سهل لكم من أمركم، فجاء سهيل فقال هات أكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله ما نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، قال الزهري وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به، قال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضفطة ولكن لك من العام المقبل فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمر ويرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترد إلي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله لا أصالحك على شيء أبدا، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت في الله وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، فقال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله قال: بلى، فقلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذن قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال: بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقا قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت فو الله إنه لعلى الحق، قلت: أوليس كان يحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك قال: نعم، قالت: فاخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك.
فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا بحالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) (الممتحنة 10) حتى بلغ (بعصم الكوافر) فطلق عمر رضي الله عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلته لنا فدفعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر وقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به وجربت، فقال له أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قد قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله: قد أوفى الله بذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت منهم أبو جندل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج رجل من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، قال: فوالله ما يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحمن لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمنز فأرسل إليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} حتى بلغ {حمية الجاهلية} وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت). [الدر المنثور: 13/489-498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 13/498-499]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ومسلم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلها فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمعضتهم وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم فاخترطت سيفي فاشتددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم وجعلته في يدي ثم قلت: والذي أكرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دعوهم يكون لهم بدء الفجور ومنتهاه فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}). [الدر المنثور: 13/499-500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه، وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل، وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بيده قال: ما نعرف الرحمن ولا الرحيم أكتب في قضيتنا ما نعرف، قال: اكتب: باسمك اللهم، وكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة فأمسك سهيل بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: اكتب هذا ما صالح محمد بن عبد الله فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأسماعهم، ولفظ الحاكم: بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا فقالوا: لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله {وهو الذي كف أيديهم عنكم}). [الدر المنثور: 13/500-501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن أبزي قال: لما خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر: يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها سلاحا ولا كراعا إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بمنى فأتاه عيينة بن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليه في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله فيومئذ سمي سيف الله يا رسول الله إرم بي أين شئت فبعثه على خيل فلقيه عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ثم عاد في الثانية حتى أدخله حيطان مكة ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله {وهو الذي كف أيديهم عنكم} الآية، قال: فكف الله النّبيّ عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل). [الدر المنثور: 13/501]

تفسير قوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما قال القتل والسباء). [تفسير عبد الرزاق: 2/227]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه ولولا رجالٌ مّؤمنون ونساءٌ مّؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم مّعرّةٌ بغير علمٍ ليدخل اللّه في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا}
- يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون من قريشٍ هم الّذين جحدوا توحيد اللّه، وصدّوكم أيّها المؤمنون باللّه عن دخول المسجد الحرام، وصدّوا الهدي معكوفًا: يقول: محبوسًا عن أن يبلغ محلّه فموضع (أن) نصبٌ لتعلّقه إن شئت ب(معكوفٍ)، وإن شئت ب(صدّوا).
وكان بعض نحويّي البصرة يقول في ذلك: وصدّوا الهدي معكوفًا كراهية أن يبلغ محلّه.
وعنى بقوله تعالى ذكره: {أن يبلغ محلّه} أن يبلغ محلّ نحره، وذلك دخول الحرم، والموضع الّذي إذا صار إليه حلّ نحره، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساق معه حين خرج إلى مكّة في سفرته تلك سبعين بدنةً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: ثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، أنّهما حدّثاه، قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالاً، وساق معه سبعين بدنةً وكان النّاس سبع مئة رجلٍ، فكانت كلّ بدنةٍ عن عشرةٍ.
بنحو الّذي قلنا في معنى قوله: {هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا} أي محبوسًا {أن يبلغ محلّه} وأقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة، ومعهم الهدي، حتّى إذا كانوا بالحديبية، صدّهم المشركون، فصالحهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يرجع من عامه ذلك، ثمّ يرجع من العام المقبل، فيكون بمكّة ثلاث ليالٍ، ولا يدخلها إلاّ بسلاحٍ الرّاكب، ولا يخرج بأحدٍ من أهلها، فنحروا الهدي، وحلقوا، وقصّروا، حتّى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه حتّى دخلوا مكّة معتمرين في ذي القعدة، فأقام بها ثلاث ليالٍ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردّوه، فأقصّه اللّه منهم فأدخله مكّة في ذلك الشّهر الّذي كانوا ردّوه فيه، فأنزل اللّه {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، وأحمد بن منصورٍ الرّماديّ، واللّفظ لابن عمارة، قالا: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: بعثت قريشٌ سهيل بن عمرٍو، وحويطب بن عبد العزّى، وحفص بن فلانٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليصالحوه فلمّا رآهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم سهيل بن عمرٍو، قال: (قد سهّل اللّه لكم من أمركم، القوم ماتّون إليكم بأرحامهم وسائلوكم الصّلح، فابعثوا الهدي، وأظهروا التّلبية، لعلّ ذلك يليّن قلوبهم)، فلبّوا من نواحي العسكر حتّى ارتجّت أصواتهم بالتّلبية، فجاءوا فسألوه الصّلح؛ قال: فبينما النّاس قد توادعوا وفي المسلمين ناسٌ من المشركين، وفي المشركين ناسٌ من المسلمين قال: ففتك به أبو سفيان؛ قال: وإذا الوادي يسيل بالرّجال؛ قال: قال إياس، قال سلمة: فجئت بستّةٍ من المشركين متسلّحين أسوقهم، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فأتيت بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يسلب ولم يقتل وعفا؛ قال: فشدّدنا على من في أيدي المشركين منّا، فما تركنا في أيديهم منّا رجلاً إلاّ استنقذناه؛ قال: وغلبنا على من في أيدينا منهم؛ ثمّ إنّ قريشًا بعثوا سهيل بن عمرٍو، وحويطبًا، فولوا صلحهم، وبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليًّا في صلحه؛ فكتب عليٌّ بينهم: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا ما صالح عليه محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا، صالحهم على أنّه لا إغلال ولا إسلال، وعلى أنّه من قدم مكّة من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم حاجًّا أو معتمرًا، أو يبتغي من فضل اللّه، فهو آمنٌ على دمه وماله؛ ومن قدم المدينة من قريشٍ مجتازًا إلى مصر أو إلى الشّام يبتغي من فضل اللّه، فهو آمنٌ على دمه وماله؛ وعلى أنّه من جاء محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من قريشٍ فهو إليهم ردٌّ، ومن جاءهم من أصحاب محمّدٍ فهو لهم فاشتدّ ذلك على المسلمين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (من جاءهم منّا فأبعده اللّه، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فعلم اللّه الإسلام من نفسه، جعل له مخرجًا) فصالحوه على أنّه يعتمر في عامٍ قابلٍ في هذا الشّهر، لا يدخل علينا بخيلٍ ولا سلاحٍ، إلاّ ما يحمل المسافر في قرابه، يثوي فينا ثلاث ليالٍ، وعلى أنّ هذا الهدي حيثما حبسناه محلّه لا يقدّمه علينا فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نحن نسوقه وأنتم تردّون وجوهه، فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع الهدي وسار النّاس.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا موسى، قال: أخبرني أبو مرّة، مولى أمّ هانئٍ، عن ابن عمر، قال: كان الهدي دون الجبال الّتي تطلع على وادي الثّنيّة عرض له المشركون، فردّوا وجوهه؛ قال: فنحر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الهدي حين حبسوه، وهي الحديبية، وحلق، وتأسّى به أناسٌ حين رأوه حلق، وتربّص آخرون، فقالوا: لعلّنا نطوف بالبيت، فقال رسول اللّه: رحم اللّه المحلّقين، قيل: والمقصّرين، قال: رحم اللّه المحلّقين، قيل: والمقصّرين، قال: والمقصّرين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمر بن ذرٍّ الهمدانيّ، عن مجاهدٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اعتمر ثلاث عمر، كلّها في ذي القعدة، يرجع في كلّها إلى المدينة، منها العمرة الّتي صدّ فيها الهدي، فنحره في محلّه، عند الشّجرة، وشارطوه أن يأتي في العام المقبل معتمرًا، فيدخل مكّة، فيطوف بالبيت ثلاثة أيّامٍ، ثمّ يخرج، ولا يحبسون عنه أحدًا قدم معه، ولا يخرج من مكّة بأحدٍ كان فيها قبل قدومه من المسلمين؛ فلمّا كان من العام المقبل دخل مكّة، فأقام بها ثلاثًا يطوف بالبيت؛ فلمّا كان اليوم الثّالث قريبًا من الظّهر، أرسلوا إليه: إنّ قومك قد آذاهم مقامك، فنودي في النّاس: لا تغرب الشّمس وفيها أحدٌ من المسلمين قدم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن المسور بن مخرمة، قال: خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زمن الحديبية في بضع عشرة مئةٍ من أصحابه، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينًا له من خزاعة يخبره عن قريشٍ، وسار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى إذا كان بغدير الأشطاط قريبًا من عسفان، أتاه عينه الخزاعيّ، فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيٍّ وعامر بن لؤيٍّ قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعًا، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الّذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزوبين وإن نجوا تكن عنقًا قطعها اللّه؟ أم ترون أنّا نؤمّ البيت، فمن صدّنا عنه قاتلناه؟ فقام أبو بكرٍ رضي اللّه عنه فقال: يا رسول اللّه: إنّا لم نأت لقتال أحدٍ، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه؛ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فروحوا إذا. وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدًا قطّ كان أكثر مشاورةً لأصحابه من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فراحوا حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيلٍ لقريشٍ طليعةً، فخذوا ذات اليمين فواللّه ما شعر بهم خالدٌ حتّى إذا هو بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريشٍ، وسار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته؛ فقال النّاس: حل حل، فقال: (ما حل؟) فقالوا: خلأت القصواء، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (ما خلأت وما ذاك لها بخلقٍ، ولكنّها حبسها حابس الفيل)، ثمّ قال: (والّذي نفسي بيده لا يسألوني خطّةً يعظّمون بها حرمات اللّه إلاّ أعطيتهم إيّاها)، ثمّ زجرت فوثبت فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمدٍ قليل الماء، إنّما يتبرّضه النّاس تبرّضًا، فلم يلبثه النّاس أن نزحوه فشكي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العطش، فنزع سهمًا من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللّه ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه، فبينما هم كذلك جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفرٍ من خزاعة، وكانوا عيبةً نصح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل تهامة، فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيٍّ، وعامر بن لؤيٍّ، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّا لم نأت لقتال أحدٍ، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشًا قد نهكتهم الحرب، وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددناهم مدّةً، ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلاّ فقد جمّوا وإن هم أبوا فوالّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، أو لينفذنّ اللّه أمره) فقال بديلٌ: سنبلّغهم ما تقول، فانطلق حتّى أتى قريشًا، فقال: إنّا جئناكم من عند هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا؛ قال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدّثنا عنه بشيءٍ، وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته؛ يقول: قال سمعته يقول كذا وكذا، فحدّثهم بما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقام عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى؛ قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل أنتم تتّهموني؟ قالوا: لا؛ قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى؛ قال: فإنّ هذا الرّجل قد عرض عليكم خطّة رشدٍ فاقبلوها، ودعوني آته؛ فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوًا من مقالته لبديلٍ؛ فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت قومك، فهل سمعت بأحدٍ من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فواللّه إنّي لأرى وجوهًا وأشوابًا من النّاس خليقًا أن يفرّوا ويدعوك، فقال أبو بكرٍ: امصص بظر اللاّت، واللاّت: طاغية ثقيفٍ الّتي كانوا يعبدون، أنحن نفرّ وندعه؟ فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو بكرٍ، فقال: أما والّذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك؛ وجعل يكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه السّيف، وعليه المغفر؛ فكلّما أهوى عروة إلى لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ضرب يده بنعل السّيف، وقال: أخّر يدك عن لحيته، فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر أولست أسعى في غدرتك وكان المغيرة بن شعبة صحب قومًا في الجاهليّة، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أمّا الإسلام فقد قبلناه، وأمّا المال فإنّه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه وإنّ عروة جعل يرمق أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعينه، فواللّه إن تنخّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نخامةً إلاّ وقعت في كفّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النّظر إليه تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، واللّه لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، واللّه ما رأيت ملكًا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّدٍ محمّدًا؛ واللّه إن تنخّم نخامةً إلاّ وقعت في كفّ رجلٍ منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا عنده خفوا أصواتهم، وما يحدّون النّظر إليه تعظيمًا له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشدٍ فاقبلوها فقال رجلٌ من كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته؛ فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا فلانٌ، وهو من قومٍ يعظّمون البدن، فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله قومٌ يلبّون؛ فلمّا رأى ذلك قال: سبحان اللّه، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت، فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت، فقام رجلٌ منهم يقال له مكرز بن حفصٍ، فقال: دعوني آته، فقالوا ائته، فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا مكرز بن حفصٍ، وهو رجلٌ فاجرٌ فجاء فجعل يكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبينما هو يكلّمه، إذ جاء سهيل بن عمرٍو، قال أيّوب: قال عكرمة: إنّه لمّا جاء سهيلٌ، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قد سهّل لكم من أمركم. قال الزّهريّ: فجاء سهيل بن عمرٍو، فقال: هات نكتب بيننا وبينك كتابًا؛ فدعا الكاتب فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فقال: ما الرّحمن؟ فواللّه ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللّهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: واللّه لا نكتبها إلاّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اكتب باسمك اللّهمّ ثمّ قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّدٌ رسول اللّه، فقال سهيلٌ: واللّه لو كنّا نعلم أنّك رسول اللّه ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمّد بن عبد اللّه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه إنّي لرسول اللّه وإن كذّبتموني، ولكن اكتب محمّد بن عبد اللّه؛ قال الزّهريّ: وذلك لقوله: واللّه لا يسألوني خطّةً يعظّمون بها حرمات اللّه إلاّ أعطيتهم إيّاها؛ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: على أن تخلّوا بيننا وبين البيت، فنطوف به؛ قال سهيلٌ: واللّه لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطةً، ولكن لك من العام المقبل، فكتب فقال سهيلٌ: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجلٌ وإن كان على دينك إلاّ رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان اللّه، وكيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك، إذا جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرٍو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيلٌ: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إلينا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (فأجزه لي)، فقال: ما أنا بمجيره لك، قال: (بلى فافعل)، قال: ما أنا بفاعلٍ؛ قال صاحبه مكرز وسهيلٌ إلى جنبه: قد أجرناه لك؛ فقال أبو جندلٍ: أي معاشر المسلمين، أأردّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ كان قد عذّب عذابًا شديدًا في اللّه.
قال عمر بن الخطّاب: واللّه ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذٍ، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذن؟ قال: إنّي رسول اللّه، ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: ألست تحدّثنا أنّا سنأتي البيت، فنطوف به؟ قال: بلى، قال: فأخبرتك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنّك آتيه ومتطوّفٌ به؛ قال: ثمّ أتيت أبا بكرٍ، فقلت: أليس هذا نبيّ اللّه حقًّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذًا؟ قال: أيّها الرّجل إنّه رسول اللّه، وليس يعصي ربّه، فاستمسك بغرزه حتّى تموت، فواللّه إنّه لعلى الحقّ؛ قلت: أوليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنّك آتيه ومطوّفٌ به.
قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً؛ فلمّا فرغ من قضيّته، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثمّ احلقوا)، قال: فواللّه ما قام منّا رجلٌ حتّى قال ذلك ثلاث مرّاتٍ؛ فلمّا لم يقم منهم أحدٌ، قام فدخل على أمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه أتحبّ ذلك؟ اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدًا منهم كلمةً حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلّم أحدًا منهم كلمةً، حتّى نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه؛ فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا؛ ثمّ جاءه نسوةٌ مؤمناتٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عليه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} حتّى بلغ {بعصم الكوافر} قال: فطلّق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشّرك؛ قال: فنهاهم أن يردّوهنّ، وأمرهم أن يردّوا الصّداق حينئذٍ؛ قال رجلٌ للزّهريّ: أمن أجل الفروج؟ قال: نعم، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصيرٍ رجلٌ من قريشٍ، وهو مسلمٌ، فأرسل في طلبه رجلان، فقالا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به، حتّى إذا بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بصيرٍ لأحد الرّجلين: واللّه إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدًا، فاستلّه الآخر فقال: واللّه إنّه لجيّدٌ، لقد جرّبت به وجرّبت؛ فقال أبو بصيرٍ: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتّى برد وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: رأى هذا ذعرًا، فقال: واللّه قتل صاحبي، وإنّي واللّه لمقتولٌ، فجاء أبو بصيرٍ فقال: قد واللّه أوفى اللّه ذمّتك ورددتني إليهم، ثمّ أنجاني اللّه منهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (ويل أمّه مسعر حربٍ لو كان له أحدٌ) فلمّا سمع عرف أنّه سيردّه إليهم؛ قال: فخرج حتّى أتى سيف البحر، وتفلّت أبو جندل بن سهيل بن عمرٍو، فلحق بأبي بصيرٍ، فجعل لا يخرج من قريشٍ رجلٌ قد أسلم إلاّ لحق بأبي بصيرٍ، حتّى اجتمعت منهم عصابةٌ، فواللّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريشٍ إلى الشّأم إلاّ اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريشٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يناشدونه اللّه والرّحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمنٌ فأنزل اللّه {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} حتّى بلغ حميّة الجاهليّة وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيٌّ، ولم يقرّوا ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زمن الحديبية في بضع عشرة مائةٍ، ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه قال في حديثه: قال الزّهريّ: فحدّثني القاسم بن محمّدٍ، أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: ألست برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: (بلى)، قال أيضًا: وخرج أبو بصيرٍ والّذين أسلموا من الّذين ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى لحقوا بالسّاحل على طريق عير قريشٍ، يقتلون من فيها من الكفّار وتغنّموها؛ فلمّا رأى ذلك كفّار قريشٍ، ركب نفرٌ منهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا له: إنّها لا تغني مدّتك شيئًا، ونحن نقتل وتنهب أموالنا، وإنّا نسألك أن تدخل هؤلاء في الّذين أسلموا منّا في صلحك وتمنعهم، وتحجز عنّا قتالهم، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} ثمّ ساق الحديث إلى آخره، نحو حديث ابن عبد الأعلى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن مسلم بن شهابٍ الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أنّهما حدّثاه، قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام الحديبية، يريد زيارة البيت، لا يريد قتالاً، وساق معه هديه سبعين بدنةً، حتّى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبيّ، فقال له: يا رسول اللّه هذه قريشٌ قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النّمور، ونزلوا بذي طوًى يعاهدون اللّه، لا تدخلها عليهم أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم، قد قدّموها إلى كراع الغميم؛ قال: فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: (يا ويح قريشٍ لقد أهلكتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الّذي أرادوا، وإن أظهرني اللّه عليهم دخلوا في الإسلام وافرين) ثمّ ذكر نحو حديث معمرٍ بزياداتٍ فيه كثيرةٍ، على حديث معمرٍ تركت ذكرها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} قال: كان الهدي بذي طوًى، والحديبية خارجةٌ من الحرم، نزلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين غوّرت قريشٌ عليه الماء.
وقوله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ} يقول تعالى ذكره: ولولا رجالٌ من أهل الإيمان ونساءٌ منهم أيّها المؤمنون باللّه أن تطئوهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكّة، وقد حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم فتقتلوهم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} حتّى بلغ {بغير علمٍ} هذا حين ردّ محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه أن يدخلوا مكّة، فكان بها رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ، فكره اللّه أن يؤذوا أو يوطئوا بغير علمٍ، {فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ}.
واختلف أهل التّأويل في المعرّة الّتي عناها اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بها الإثم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ} قال: إثمٌ بغير علمٍ.
وقال آخرون: عنى بها غرم الدّية
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ} والمعرّة: الغرم أي أًن تصيبوا منهم معرّةٌ بغير علمٍ فتخرّجوا ديته فأمّا إثمٌ فلم يخشه عليهم.
والمعرّة: هي المفعلة من العرّ، وهو الجرب.
وإنّما المعنى: فتصيبكم من قبلهم معرّةٌ تعرّون بها، يلزمكم من أجلها كفّارة قتل الخطأ، وذلك عتق رقبةٍ مؤمنةٍ، من أطاق ذلك، ومن لم يطق فصيام شهرين.
وإنّما اخترت هذا القول دون القول الّذي قاله ابن إسحاق، لأنّ اللّه إنّما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها، ولم يكن قاتله علم إيمانه الكفّارة دون الدّية، فقال: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} لم يوجب على قاتله خطأ ديته، فلذلك قلنا: عنى بالمعرّة في هذا الموضع الكفّارة.
و {أن} من قوله: {أن تطئوهم} في موضع رفعٍ ردًّا على الرّجال، لأنّ معنى الكلام: ولولا أن تطئوا رجالاً مؤمنين ونساءً مؤمناتٍ لم تعلموهم، فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ لأذن اللّه لكم أيّها المؤمنون في دخول مكّة، ولكنّه حال بينكم وبين ذلك {ليدخل اللّه في رحمته من يشاء} يقول: ليدخل اللّه في الإسلام من أهل مكّة من يشاء قبل أن تدخلوها، وحذف جواب لولا استغناءً بدلالة الكلام عليه.
وقوله: {لو تزيّلوا} يقول: لو تميّز الّذين في مشركي مكّة من الرّجال المؤمنين والنّساء المؤمنات الّذين لم تعلموهم منهم، ففارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم {لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا} يقول: لقتلنا من بقي فيها بالسّيف، أو لأهلكناهم ببعض ما يؤلمهم من عذابنا العاجل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لو زيّلوا} الآية، إنّ اللّه يدفع بالمؤمنين عن الكفّار.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله {لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم} يعني أهل مكّة كان فيهم مؤمنون مستضعفون: يقول اللّه لولا أولئك المستضعفون لو قد تزيّلوا، لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لو تزيّلوا} لو تفرّقوا، فتفرّق المؤمن من الكافر، {لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا}). [جامع البيان: 21/292-307]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولولا رجالٌ مؤمنون} [الفتح: 25].
- عن أبي جمعة الأنصاريّ جنيد بن سبعٍ قال: قاتلت النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - أوّل النّهار كافرًا، وقاتلت معه آخر النّهار مسلمًا، وكنّا ثلاثة رجالٍ وتسع نسوةٍ وفينا نزلت {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} [الفتح: 25].
رواه الطّبرانيّ بإسنادين رجال أحدهما ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/107]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا محمّد بن عبّادٍ المكّيّ، ثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، عن أبي خلفٍ عن عبد اللّه بن عوف، سمعت أباجمعة جنبذ بن سبع، يقول: "قاتلت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل النّهار كافرًا، وقاتلت معه أخر النّهار مسلمًا، وكنّا ثلاثة رجالٍ وسبع نسوةٍ، وفينا نزلت: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ... الآية) "). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/271]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا محمّد بن عبّادٍ المكّيّ، ثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، عن أبي خلفٍ، عن عبد اللّه بن عوفٍ قال: سمعت أبا جمعة جنيد بن سبعٍ يقول: قاتلت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل النّهار كافرًا. وقاتلت معه آخر النّهار مسلمًا، وكنّا ثلاثة رجالٍ، وسبع نسوةٍ. وفينا نزلت: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} الآية.
أبو خلفٍ اسمه: حجرٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر عن الضحاك وسعيد بن جبير {والهدي معكوفا} قال: محبوسا). [الدر المنثور: 13/502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها). [الدر المنثور: 13/502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن مالك بن ربيعة السلولي رضي الله عنه أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الشجرة ويوم رد الهدي معكوفا قبل أن يبلغ محله وأن رجلا من المشركين قال يا محمد: ما يحملك على أن تدخل هؤلاء علينا ونحن كارهون فقال: هؤلاء خير منك ومن أجدادك يؤمنون بالله واليوم الآخر والذي نفسي بيده لقد رضي الله عنهم، قوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون} الآية). [الدر المنثور: 13/502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الحسن بن سفيان وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن قانع والباوردي والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم بسند جيد عن أبي جمعة حنيبذ بن سبيع قال: قاتلت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما وفينا نزلت {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين). [الدر المنثور: 13/502-503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم} قال: حين ردوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم {أن تطؤوهم} بقتلهم إياهم {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقتلهم إياهم). [الدر المنثور: 13/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ولولا رجال مؤمنون} قال: دفع الله عن المشركين يوم الحديبية بأناس من المؤمنين كانوا بين أظهرهم). [الدر المنثور: 13/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: هم أناس كانوا بمكة تكلموا بالإسلام كره الله أن يؤذوا وأن يوطأوا حين رد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الحديبية فتصيب المسلمين منهم معرة يقول ذنب بغير علم). [الدر المنثور: 13/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {فتصيبكم منهم معرة بغير علم} قال: إثم {لو تزيلوا} قال: لو تفرقوا). [الدر المنثور: 13/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} قال: هو القتل والسبي). [الدر المنثور: 13/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} قال: إن الله عز وجل يدفع بالمؤمنين عن الكفار). [الدر المنثور: 13/504]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل بن حاتم، عن شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ قال: سمعت عباية يحدّث عن عليٍّ يقول: {وألزمهم كلمة التّقوى}، قال: لا إله إلا اللّه). [الجامع في علوم القرآن: 1/147]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا عبد الله بن كثير عن شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت عبادة يقول سمعت عليا يقول في هذه الآية وألزمهم كلمة التقوى لا إله إلا الله وحده). [تفسير عبد الرزاق: 2/229]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها قالا شهادة أن لا إله إلا الله.
أنا معمر عن الزهري قال بسم الله الرحمن الرحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/229]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي في قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى قال لا إله إلا الله قال وأحسبه قال والله أكبر). [تفسير عبد الرزاق: 2/229]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني ابن عيينة عن شيخ مؤذن كان لأهل مكة عن علي الأسدي قال سمعهم بن عمر يقولون لا إله إلا الله والله أكبر فقال ابن عمر هي هي قال قلت ما هي هي يا أبا عبد الرحمن قال وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها). [تفسير عبد الرزاق: 2/229]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سلمة بن كهيلٍ عن عباية بن ربعيٍّ عن عليّ في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلّا اللّه والله أكبر [الآية: 26].
سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ قال: لا إله إلا الله.
سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمونٍ مثله). [تفسير الثوري: 278]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن قزعة البصريّ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن شعبة، عن ثويرٍ، عن أبيه، عن الطّفيل بن أبيّ بن كعبٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه مرفوعًا إلاّ من حديث الحسن بن قزعة.
وسألت أبا زرعة، عن هذا الحديث فلم يعرفه مرفوعًا إلاّ من هذا الوجه). [سنن الترمذي: 5/239]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (وقوله تعالى: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة}
- أخبرنا إبراهيم بن سعيدٍ، حدّثنا شبابة بن سوّارٍ، عن أبي زبرٍ عبد الله بن العلاء بن زبرٍ، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّه كان يقرأ: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة} [الفتح: 26]، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فبلغ ذلك عمر فأغلظ له، قال: إنّك لتعلم أنّي كنت أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيعلّمني ممّا علّمه الله، فقال عمر: بل أنت رجلٌ عندك علمٌ وقرآنٌ، فاقرأ وعلّم ممّا علّمك الله ورسوله). [السنن الكبرى للنسائي: 10/263]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليمًا}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة} حين جعل سهيل بن عمرٍو في قلبه الحميّة، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الّذي كتب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمشركين: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وأن يكتب فيه: محمّدٌ رسول اللّه، وامتنع هو وقومه من دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عامه ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: كانت حميّتهم الّتي ذكر اللّه، إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة، أنّهم لم يقرّوا ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم وحالوا بينهم وبين البيت.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، عن معمرٍ، عن الزّهريّ بنحوه.
- حدّثني عمرو بن محمّدٍ العثمانيّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، قال: ثني أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيدٍ، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، أنّ أبا هريرة أخبره أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فمن قال لا إله إلاّ اللّه فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على اللّه وأنزل اللّه في كتابه، فذكر قومًا استكبروا فقال: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاّ اللّه يستكبرون}.
وقال اللّه: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها} وهي لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية، يوم كاتبهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على قضيّة المدّة.
و {إذ} من قوله: {إذ جعل الّذين كفروا} من صلة قوله: {لعذّبنا} وتأويل الكلام: لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا، حين جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة.
والحميّة فعيلةٌ من قول القائل: حمى فلانٌ أنفه حميّةً ومحميّةً؛ ومنه قول المتلمّس:
ألا إنّني منهم وعرضي عرضهم كذا الرّأس يحمي أنفه أن يكشّما.
يعني بقوله: يحمي: يمنع وقال {حميّة الجاهليّة} لأنّ الّذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر، ولم يكن شيءٌ منه ممّا أذن اللّه لهم به، ولا أحدٌ من رسله.
وقوله: {فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} يقول تعالى ذكره فأنزل اللّه الصّبر والطّمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين، إذ حمي الّذين كفروا حميّة الجاهليّة، ومنعوهم من الطّواف بالبيت، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ومحمّدٌ رسول اللّه {وألزمهم كلمة التّقوى} يقال: ألزمهم قول لا إله إلاّ اللّه الّذي يتّقون بها النّار، وأليم العذاب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل على اختلافٍ في ذلك منهم، وروي به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه، والخبر الّذي ذكرناه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
- حدّثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن الطّفيل، عن أبيه، سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ العتكيّ، قال: سمعت سالمًا، سمع شعبة، سمع سلمة بن كهيلٍ، سمع عباية، سمع عليًّا، رضي اللّه عنه في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن عباية بن ربعيٍّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر.
- حدّثني محمّد بن عيسى الدّامغانيّ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن سفيان وشعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن رجلٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: لا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، عن شعبة، عن سلمة، عن عباية، رجلٍ من بني تميمٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} يقول: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، فهي كلمة التّقوى، يقول: فهي رأس التّقوى.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، يحدّث عن عمرو بن ميمونٍ، أنّه كان يقول في هذه الآية {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني محمّد بن عيسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرني سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وألزمهم كلمة التّقوى} وهي: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: هي لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {وألزمهم كلمة التّقوى} هي لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطاءٍ الخراسانيّ، {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلاّ اللّه، محمّدٌ رسول اللّه.
- حدّثني الضّراريّ محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمّد بن سوّارٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد أبي خالدٍ المكّيّ، عن عليٍّ الأزديّ، قال: كنت مع ابن عمر بين مكّة ومنًى بالمأزمين، فسمع النّاس، يقولون: لا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، فقال: هي هي، فقلت: ما هي؟ قال: {وألزمهم كلمة التّقوى} الإخلاص {وكانوا أحقّ بها وأهلها}.
وقال آخرون: بل هي كلمة التّقوى، الإخلاص.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن الحسين الأزديّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: الإخلاص.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {كلمة التّقوى} كلمة الإخلاص.
وقال آخرون: هي قوله: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، في قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وقال آخرون: هي قول لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: أحدهما الإخلاص.
وقال الآخر: كلمة التّقوى: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ.
وقوله: {وكانوا أحقّ بها وأهلها} يقول تعالى ذكره: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنون أحقّ بكلمة التّقوى من المشركين وأهلها: يقول: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنون أهل كلمة التّقوى دون المشركين.
وذكر أنّها في قراءة عبد اللّه وكانوا أهلها وأحقّ بها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل. ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكانوا أحقّ بها وأهلها} وكان المسلمون أحقّ بها، وكانوا أهلها: أي التّوحيد، وشهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.
وقوله: {وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليمًا} يقول تعالى ذكره: ولم يزل اللّه بكلّ شيءٍ ذا علمٍ، لا يخفى عليه شيءٌ هو كائنٌ، ولعلمه أيّها النّاس بما يحدث من دخولكم مكّة وبها رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم، لم يأذن لكم بدخولكم مكّة في سفرتكم هذه). [جامع البيان: 21/307-315]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كلمة التقوى قال هي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله). [تفسير مجاهد: 2/603]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا المبارك بن فضالة عن الحسن قال هم فارس والروم). [تفسير مجاهد: 2/603]

قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا إبراهيم بن إسحاق القاضي، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا سفيان الثّوريّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عباية بن ربعيٍّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ: {وألزمهم كلمة التّقوى} [الفتح: 26] قال: «لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/500]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبي بن كعب - رضي الله عنه -: عن النبي صلى الله عليه وسلم {وألزمهم كلمة التّقوى} [الفتح: 26] قال: «لا إله إلا الله».أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 26.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن جرير والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين: إتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية نرجى ء الصلح الذي كان بين النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ألسنا على الحق وهم على الباطل قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال: بلى، قال ففيم نعطى الدنية في ديننا ونرجع لما يحكم الله بيننا وبينهم فقال يا ابن الخطاب: إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا، فرجع متغيظا لم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال يا أبا بكر: ألسنا على الحق وهم على الباطل قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال: بلى، قال: فلم نعطى الدنية في ديننا قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله عنه فأقرأه إياها، قال يا رسول الله: أو فتح هو قال: نعم). [الدر المنثور: 13/504-505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي والحاكم وصححه من طريق أبي إدريس عن أبي كعب رضي الله عنه أنه كان يقرأ [ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرم فأنزل الله سكينته على رسوله ] فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه فبعث إليه فدخل عليه فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح فقرأ زيد على قراءتنا اليوم فغلظ له عمر فقال أبي أأتكلم قال: تكلم، فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويقرئني وأنت بالباب فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلا لم أقرئ حرفا ما حييت، قال: بل أقرى ء الناس). [الدر المنثور: 13/505-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {حمية الجاهلية} قال: حميت قريش أن يدخل عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا يدخلها علينا أبدا فوضع الله الحمية عن محمد وأصحابه). [الدر المنثور: 13/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الأجلح قال: كان حمزة بن عبد المطلب رجلا حسن الشعر حسن الهيئة صاحب صيد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي جهل فولع به وآذاه فرجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلفه فقالت إحداهما لو علم ذا ما صنع بابن أخيه أقصر عن مشيته فالتفت إليهما فقال: وما ذاك قالت: أبو جهل فعل بمحمد كذا وكذا فدخلته الحمية فجاء حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل فعلا رأسه بقوسه ثم قال: ديني دين محمد إن كنتم صادقين فامنعوني فقامت إليه قريش فقالوا يا أبا يعلى فأنزل الله {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية} إلى قوله {وألزمهم كلمة التقوى} قال: حمزة بن عبد المطلب، أما قوله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى}). [الدر المنثور: 13/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن جرير والدار قطني في الأفراد، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الحسين بن مروان في فوائده عن علي رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قالا: لا إله إلا الله والله أكبر). [الدر المنثور: 13/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرمه الله على النار فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنا أحدثكم ما هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله محمدا وأصحابه وهي كلمة التقوى التي حض عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما {وألزمهم كلمة التقوى} قال: شهادة لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى). [الدر المنثور: 13/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي عن علي الأزدي قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنه بين مكة ومنى فسمع الناس يقولون لا إله إلا الله والله أكبر فقال: هي هي فقلت: ما هي هي قال {وألزمهم كلمة التقوى}). [الدر المنثور: 13/508-509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له). [الدر المنثور: 13/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن مجاهد وعطاء في قوله {وألزمهم كلمة التقوى} قال أحدهما: الإخلاص وقال الآخر: كلمة التقوى لا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). [الدر المنثور: 13/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد {وألزمهم كلمة التقوى} قال: كلمة الإخلاص). [الدر المنثور: 13/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد والحسن وقتادة وإبراهيم التيمي وسعيد بن جبير مثله). [الدر المنثور: 13/509-510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطاء الخراساني رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله). [الدر المنثور: 13/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: بسم الله الرحمن الرحيم). [الدر المنثور: 13/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة {وكانوا أحق بها وأهلها} وكان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها والله أعلم). [الدر المنثور: 13/510]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 05:00 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)}
المعنى لو قاتلك من لم يقاتلك لنصرت عليهم، لأن سنة الله النصر لأوليائه وحزبه). [معاني القرآن: 5/26] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } [آية: 22]
قال قتادة كفار قريش
قال أبو جعفر ولو قاتلكم من لم يقاتلكم منهم لانهزموا لأن في سنة الله نصر أوليائه
قال قتادة يعني في قوله عز وجل: {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} ولا يجدون لهم وليا ولا نصيرا من الله جل وعز). [معاني القرآن: 6/508]

تفسير قوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)}
المعنى لو قاتلك من لم يقاتلك لنصرت عليهم، لأن سنة الله النصر لأوليائه وحزبه.
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)}
و {سُنَّةَ اللَّهِ} منصوبة على المصدر، لأن قوله {لَوَلَّوُا الْأَدْبَار}) معناه سنّ اللّه خذلانهم سنّة، وقد مر مثل هذا في قوله: {كتاب اللّه عليهم}.
وفي قوله: {صنع اللّه}، ولو قرئت " {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ}" لكان جيّدا في العربية.
المعنى تلك سنة اللّه التي قد خلت من قبل، ولكن لا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأنّ بها). [معاني القرآن: 5/26]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ...}.
هذا لأهل الحديبية، لا لأهل خيبر). [معاني القرآن: 3/67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)}
{مَكَّةَ} لا تنصرف لأنّها مؤنثة وهي معرفة.
وقوله: {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}.
جاء في التفسير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي باثنتي عشر رجلا أخذوا بلا عهد ولا عقد فخلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنّ عليهم، وكان عاقبة ذلك أن سلم للرجل من بينه وبينه قرابة ومن هو مؤمن أن يصاب).[معاني القرآن: 5/26-27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [آية: 24]
كف أيدي المشركين عمن خلفه المؤمنون حين خرجوا إلى الحديبية
قال قتادة في قوله تعالى: {وكف أيديكم عنهم} تطلع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له زنيم فرماه المشركون بسهم فقتلوه فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا فأخذوا اثني عشر فارسا فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم الكم عهد أو ذمة قالوا لا فأطلقهم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ}
قال قتادة يعني الحديبية). [معاني القرآن: 6/508-509]

تفسير قوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا...} محبوسا.
وقوله: {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ...} منحره، أي: صدوا الهدى.
وقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ...}.
كان مسلمون بمكة، فقال: لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد: الدية، ثم قال الله جل وعز: {لو تزيّلوا} لو تميّز وخلص الكفار من المؤمنين، لأنزل الله بهم القتل والعذاب). [معاني القرآن: 3/67-68]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} " محبوساً واحداً في قول أبي عمرو بن العلاء هدية مثل جدية السرج والرحل وهما البدادان، وعامة العرب يقولون: هدية وهدايا.
"{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ}" جناية كجناية العر وهو الجرب.
" {لَوْ تَزَيَّلُوا} " لو انمازوا. [مجاز القرآن: 2/217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}
قال: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} على "وصدوا" {الْهَدْيَ مَعْكُوفًا} كراهية {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.
وقال: {أَنْ تَطَئُوهُمْ} على البدل "{لولا رجال أن تطؤوهم}"). [معاني القرآن: 4/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والهدي معكوفا}: محبوسا.
25- {منهم معرة}: جناية كجناية العر وهو الجرب.
25- {لو تزيلوا}: إنمازوا). [غريب القرآن وتفسيره: 341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} أي محبوسا. يقال: عكفته عن كذا، إذا حبسته، ومنه: «العاكف في المسجد» إنما هو: الذي حبس نفسه فيه. أن يبلغ محلّه أي منحره.
{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ}، مفسر في كتاب «التأويل»). [تفسير غريب القرآن: 413]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25].
كان بمكة قوم مؤمنون مختلطون بالمشركين غير متميزين ولا معروفي الأماكن، فلما صدّ المشركون رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، عن المسجد الحرام وعكفوا الهدي أن يبلغ محلّه. قال الله سبحانه: لولا أن بمكة رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لا تعرفونهم فتطئوهم لو دخلتموها، أي تقتلوهم ليدخلهم الله في رحمته لو فعلتم فتصيبكم من قتلهم بغير علم معرّة، أي يعيبكم المشركون بذلك ويقولون: قد قتلوا أهل دينهم وعذبوهم كما فعلوا بنا، وتلزمكم الدّيات.
[تأويل مشكل القرآن: 367]
ثم قال: {لَوْ تَزَيَّلُوا}، أي تميزوا من المشركين {لَعَذَّبْنَا} المشركين بالسيف
عذاباً أليماً: فصار قوله سبحانه: {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} جوابا لكلامين: أحدهما: لولا رجالٌ مؤمنون، والآخر: لو تزيّلوا). [تأويل مشكل القرآن: 368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(قال الله عزّ وجلّ: ( {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)}
وموضع " أن " رفع بدل من {رجال}، المعنى لولا أن تطأوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات.
ثم قال: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
أي لو تميّز الكافرون من المسلمين لأنزلنا بالكافرين ما يكون عذابا لهم في الدنيا.
ومعنى: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ}.
قيل: لولا أن يقتلوا منهم قوما مؤمنين خطأ فتلزمكم الديات والمعنى - واللّه أعلم - لولا كراهة أن يلحقكم عنت بأن قتلتم من هو على دينكم إذ أنتم مختلطون بهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما.
وقوله: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.
{الْهَدْي }منصوب سبق على الكاف والميم، المعنى وصدوا الهدي.
و (مَعْكُوفًا) محبوسا أن يبلغ محله.
{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} كما وصفنا لنصرناكم عليهم، ولكن الذي منع عن ذلك كراهة وطء المؤمنين بالمكروه والقتل.
وموضع { أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} منصوب على معنى وصدوا الهدي محبوسا عن أن يبلغ محلّه). [معاني القرآن: 5/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[آية: 25]
قال قتادة والهدي معكوفا محبوسا
وقوله جل وعز: {أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آية: 25]
أن تطئوهم أي تقتلوهم فتصيبكم منهم معرة أي عيب
يقول المشركون قتلوا أهل دينهم ولو فعلتم لأدخلهم الله في رحمته
وقوله جل وعز: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [آية: 25]
قال مجاهد لعذبنا الذين كفروا بالسباء والقتل). [معاني القرآن: 6/510-511]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}أي: شدة). [ياقوتة الصراط: 471]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعْكُوفًا}: محبوساً
{تَزَيَّلُوا}: تميزوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعْكُوفًا}: محبوساً ،{مَّعَرَّةٌ}: خيانة، عنت ، {تَزَيَّلُوا}: تميزوا). [العمدة في غريب القرآن: 276]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ...}.
حموا أنفا أن يدخلها عليهم رسول الله صلى الله عليه، فأنزل الله سكينته يقول: أذهب الله عن المؤمنين أن يدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا الله ورسوله.
وقوله: {كَلِمَةَ التَّقْوَى...} لا إله إلا الله.
وقوله: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا...}.
ورأيتها في مصحف الحارث بن سويد التيمي من أصحاب عبد الله، "وكانوا أهلها وأحق بها" وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج). [معاني القرآن: 3/68]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " {الحمّية} " يقال: حميت أنفي حميةً ومحمية وحميت المريض حمية وحميت القوم العدو والحمى منعتهم حمايةً قال الفرزدق:
كأن ربيعاً من حماية منقرٍ = أتان دعاها للوداق حمارها

وأحميت الحمى جعلته حماءً لا يدخل وأحميت الحديدة وأحميت النار الرجل أغضبته على إحماءً). [مجاز القرآن: 2/217-218]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الحمية}: يقال حميت أنفي حمية ومحمية).[غريب القرآن وتفسيره: 341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}: قول «لا إله إلا اللّه»). [تفسير غريب القرآن: 413]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجل - {(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)}
أنزل اللّه عليهم الوقار والهيبة.
{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}جاء في التفسير أن شعارهم لا إله إلا الله، وكلمة التقوى توحيد الله والإيمان برسوله عليه السلام.
{ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي كانوا أحق بها من غيرهم، لأنّ اللّه - جلّ وعزّ - اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولدينه أهل الخير ومستحقيه، ومن هو أولى بالهداية من غيره). [معاني القرآن: 5/27-28]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [آية: 26]
قال علي بن أبي طالب وابن عمر وأبو هريرة كلمة التقوى لا إله إلا الله
ثم قال تعالى: { وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [آية: 26]
أي أن الله اختارهم لدينه). [معاني القرآن: 6/511]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كَلِمَةَ التَّقْوَى}: لا إله إلا الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْحَمِيَّةَ}: الأنفة). [العمدة في غريب القرآن: 276]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الآخرة 1434هـ/21-04-2013م, 05:00 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ). [المقتضب: 3/175] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فالمضاف والنكرة مخاطبان، كما كان في المفرد المعرفة، وقد كان حقهما أن يخبر عنهما، ولا يخاطبا.
قيل له: قد علمنا أن المضاف معرفة بالمضاف إليه، كما كان قبل النداء والنكرة في حال النداء؛ كما كان قبل ذلك.
وزيد وما أشبهه في حال النداء معرفة بالإشارة منتقل عنه ما كان قبل ذلك فيه من التعريف.
ألا ترى أنك تقول إذا أردت المعرفة: يا رجل أقبل. فإنما تقديره: يا أيها الرجل أقبل، وليس على معنى معهود، ولكن حدثت فيه إشارة النداء، فلذلك لم تدخل فيه الألف واللام، وصار معرفة بما صارت به المبهمة معارف.
والمبهمة مثل: هذا، وذاك، وهذه، وتلك، وأولئك وذاك، وذاكن، وذلكن. إلا أنك إذا ناديته فهو معرفة بالإشارة؛ كما كانت هذه الأسماء، غير أنه مخاطب، وهي مخبر عنها. فهذا يوضح لك أمر الواحد المفرد.
ومع ذلك أن المضاف تمنعه الإضافة من البناء: كما كان ذلك في قبل، وبعد، وأمس، وما أشبههن.
تقول: ذهب أمس بما فيه، وقد ذهب أمسنا، وكذلك تقول: جئت من قبل، ومن بعد يا فتى.
فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وقال: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}
وقال في الإضافة: {من بعد أن أظفركم عليهم} و{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}). [المقتضب: 4/205-206] (م)

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ}: أي يصيبكم أمر تكرهونه، وهو أخذ الديات. والعر: الجرب). [مجالس ثعلب: 310]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار}، إشارة إلى قريش ومن والاها في تلك السنة، قاله قتادة، وفي هذا تقوية لنفوس المؤمنين، وقال بعض المفسرين: أراد الروم وفارس، وهذا ضعيف، وإنما الإشارة إلى العدو الأحضر). [المحرر الوجيز: 7/ 681]

تفسير قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {سنة الله} إشارة إلى وقعة بدر، وقيل: إشارة إلى عادة الله تعالى من نصرة الأنبياء عليهم السلام قديما، ونصب "سنة" على المصدر، ويجوز الرفع، ولم يقرأ به). [المحرر الوجيز: 7/ 681]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم} الآية، روي في سببها أن قريشا جمعت جماعة من فتيانها، وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل، وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس في عدد هؤلاء اختلافا متفاوتا، فلذلك اختصرته، فلما أحس بهم المسلمون وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم خالد بن الوليد وسماه حينئذ "سيف الله" في جملة من الناس، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة، وأسروا منهم جملة، فسيقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن عليهم وأطلقهم، فهذا هو أن كف الله أيديهم عن المسلمين بالرعب، وكف أيدي المسلمين عنهم بالنهي في بيوت مكة وغيرها، وذلك هو "بطن مكة"، وقال قتادة: أسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بالحديبية عند عسكره ومن عليهم، وذلك هو "بطن مكة"، قال النقاش: الحرام كله مكة، والظفر عليهم هو أسر من أسر منهم، وما في هذه الآية تحريض على العمل الصالح; لأن من استشعر أن الله يبصر عمله أصلحه.
وقرأ الجمهور من القراء: "بما تعملون" بالتاء على الخطاب، وقرأ أبو عمرو وحده بالياء على ذكر الكفار وتهددهم). [المحرر الوجيز: 7/ 681]

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما * إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما}
يريد الله تعالى بقوله: {هم الذين كفروا} أهل مكة الذين تقدم ذكرهم، وقوله تعالى: {وصدوكم عن المسجد الحرام} هو منعهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من العمرة عام الحديبية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة يريد العمرة وتعظيم البيت، وخرج معه بمائة بدنة، قاله النقاش، وقيل: بسبعين، قاله المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، فلما دنا من مكة قال أهل مكة: هذا محمد الذي قد حاربنا وقتل فينا يريد أن يدخل مكة مراغمة لنا، والله لا تركناه حتى نموت دون ذلك، فاجتمعوا لحربه واستنجدوا بقبائل من العرب وهم الأحابيش، وبعثوا فغوروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم المياه التي تقرب من مكة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على بئر الحديبية، وحينئذ وضع سهمه في الماء فجرى غمرا حتى كفى الجيش، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مكة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعث أهل مكة إليه رجالا منهم عروة بن مسعود، وبديل بن ورقاء، وتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك أياما حتى سفر سهيل بن عمرو، وبه انعقد الصلح على أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ويعتمر من العام القادم، فهذا كان صدهم إياه، وهو مستوعب في كتب السير، فلذلك اختصرناه.
وقرأ الجمهور: "والهدي" بسكون الدال، وقرأ الأعرج، والحسن بن أبي الحسن: "والهدي" بكسر الدال وشد الياء، وهما لغتان، وهو معطوف على الضمير في قوله تعالى: {وصدوكم}، أي: وصدوا الهدي، و"معكوفا" حال، ومعناه: محبوسا، تقول: عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته، وقد قال أبو علي: إن "عكف" لا يعرفه متعديا، وحكى ابن سيده وغيره تعديه، وهذا العكف الذي وقع للهدي كان من قبل المشركين بصدهم، ومن قبل المسلمين لرؤيتهم وتصرفهم في أمرهم فحبسوا هديهم، و"أن" في قوله تعالى: {أن يبلغ محله} يحتمل أن يعمل فيها الصد، كأنه تعالى قال: وصدوا الهدي كراهة أن، أو عن أن، ويحتمل أن يعمل فيها العكف، فتكون "أن" مفعولا من أجله، أي الهدي المحبوس لأجل أن يبلغ محله، وهذا هو حبس المسلمين، وإلا فحبس المشركين ليس لأجل أن يبلغ الهدي محله. و"محله": مكة والبيت.
وذكر الله تعالى العلة في أن صرف المسلمين ولم يمكنهم من دخول مكة في تلك الوجهة، وهو أنه كان بمكة مؤمنون، رجال ونساء، خفي إيمانهم، فلو استباح المسلمون بيضتها أهلكوا أولئك المؤمنين، قال قتادة: فدفع الله تعالى عن المشركين ببركة أولئك المؤمنين، وقد يدفع بالمؤمنين عن الكفار، وقوله تعالى: {لم تعلموهم} صفة للمذكورين، وقوله تعالى: {أن تطئوهم} يحتمل أن تكون بدلا من "رجال"، كأنه تعالى قال: ولولا قوم مؤمنون أن تطؤوهم، أي: لولا وطئكم قوما مؤمنين، فهو على هذا في موضع رفع، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بدلا من الضمير في قوله تعالى: {لم تعلموهم}، كأنه تعالى قال: لم تعلموا وطأهم أنه وطء المؤمنين، والوطء هنا: الإهلاك بالسيف وغيره، على وجه التشبيه، ومنه قول الشاعر:
ووطئتنا وطئا على حنق ... وطء المقيد نابت الهرم
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم، اشدد وطأتك على مضر"،، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن آخر وطأة الرب يوم وج بالطائف"; لأنها كانت آخر وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكر هذا المعنى النقاش.
و "المعرة": السوء والمكروه اللاصق، مأخوذ من العر والعرة وهي الجرب الصعب اللازم. واختلف الناس في تعيين هذه المعرة، فقال ابن زيد: هي المأثم، وقال ابن إسحاق: هي الدية، وهذان ضعيفان لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان من أهل الحرب، وقال الطبري - حكاه الثعلبي -: هي الكفارة، وقال منذر: المعرة: أن يعيبهم الكفار ويقولوا: قتلوا أهل دينهم، وقال بعض المفسرين: هي الملام والقول في ذلك وتألم النفس منه في باقي الزمان، وهذه أقوال حسان، وجواب "لولا" محذوف تقديره: لمكناكم من دخول مكة وأيدناكم عليهم، وقرأ الأعمش: "فتنالكم منه معرة".
واللام في قوله تعالى: "ليدخل" يحتمل أن يتعلق بمحذوف من القول تقديره: لولا هؤلاء لدخلتم مكة، لكن شرفنا هؤلاء المؤمنين بأن رحمناهم ودفعنا بسببهم عن مكة ليدخل الله تعالى، أي: ليبين للناظر أن الله تعالى يدخل في رحمته من يشاء، أو أي: ليقع دخولهم في رحمة الله تعالى ودفعه عنهم، ويحتمل أن تتعلق بالإيمان المتقدم الذكر، فكأنه تعالى قال: ولولا قوم مؤمنون آمنوا ليدخل الله في رحمته، وهذا مذكور لكنه ضعيف; لأن قوله تعالى: "من يشاء" يضعف هذا التأويل.
ثم قوله تعالى: {لو تزيلوا} أي: لو ذهبوا عن مكة، تقول: زيلت زيدا عن موضعه إزالة، أي أذهبته، وليس هذا الفعل من "زال يزول"، وقد قيل: هو منه، وقرأ أبو حيوة وقتادة: [تزايلوا] بألف بعد الزاي، أي: ذهب هؤلاء عن هؤلاء وهؤلاء عن هؤلاء. وقوله تعالى: "منهم" لبيان الجنس إذا كان الضمير في [تزيلوا] للجميع من المؤمنين والكافرين، وقال النحاس: وقد قيل: إن قوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون} الآية، يريد تعالى من في أصلاب الكافرين من سيؤمن في غابر الدهر، وحكاه الثعلبي والنقاش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا). [المحرر الوجيز: 7/ 681-685]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والعامل في قوله تعالى: {إذ جعل} قوله تعالى: {لعذبنا} ويحتمل أن يكون المعنى: اذكر إذ جعل، و"الحمية" التي جعلوها هي حمية أهل مكة في الصد، قال الزهري: وحمية سهيل ومن شاهد عقد الصلح في أن منعوا أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" ولجوا حتى كتب "باسمك اللهم"، وكذلك منعوا أن يكتب "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" ولجوا حتى قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "امح واكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ..." الحديث، وجعلها تعالى حمية جاهلية لأنها كانت بغير حجة وفي غير موضعها; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاءهم محاربا لعذروا في حميتهم، وإنما جاء معظما للبيت لا يريد حربا، فكانت حميتهم جاهلية صرفا.
و"السكينة" هي الطمأنينة إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثقة بوعد الله تعالى، والطاعة وزوال الأنفة التي لحقت عمر وغيره. و"كلمة التقوى" قال الجمهور: "هي لا إله إلا الله"، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عطاء بن أبي رباح: هي "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وقال أبو هريرة وعطاء الخراساني: هي لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال علي بن أبي طالب: هي "لا إله إلا الله، والله أكبر"، وحكاه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهذه كلها أقوال متقاربة حسان؛ لأن هذه الكلمة تقي النار، فهي كلمة التقوى، وقال الزهري عن المسور، ومروان: كلمة التقوى المشار إليها هي: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وهي التي أباها كفار قريش فألزمها الله المؤمنين وجعلهم أحق بها، و"لا إله إلا الله" أحق باسم "كلمة التقوى" من "بسم الله الرحمن الرحيم."، وفي مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "وكانوا أهلها وأحق بها"، والمعنى: كانوا أهلها على الإطلاق في علم الله تعالى وسابق قضائه لهم، وقيل: أحق بها من اليهود والنصارى في الدنيا، وقيل: أهلها في الآخرة بالثواب، وقوله تعالى: {وكان الله بكل شيء عليما} إشارة إلى علمه بالمؤمنين الذين دفع عن كفار قريش بسببهم، وإلى علمه بوجه المصلحة في صلح الحديبية، فيروى أنه لما انعقد، أمن الناس في تلك المدة الحرب والفتنة، وامتزجوا، وعلت دعوة الإسلام، وانقاد إليه كل من كان له فهم من العرب، وزاد عدد الإسلام أضعاف ما كان قبل ذلك، ويقتضي ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في عام الحديبية في أربع عشرة مائة، ثم سار إلى مكة بعد ذلك بعامين في عشرة آلاف فارس، صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 7/ 685-686]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 02:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 03:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو قاتلكم الّذين كفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا} يقول تعالى مبشّرًا لعباده المؤمنين: بأنّه لو ناجزهم المشركون لنصر اللّه رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولانهزم جيش الكفّار فارًّا مدبرًا لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا؛ لأنّهم محاربون للّه ولرسوله ولحزبه المؤمنين). [تفسير ابن كثير: 7/ 341]

تفسير قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {سنّة اللّه الّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة اللّه تبديلا} أي: هذه سنّة اللّه وعادته في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطنٍ فيصل إلى نصر اللّه الإيمان على الكفر، فرفع الحقّ ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدرٍ بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين، مع قلّة عدد المسلمين وعددهم، وكثرة المشركين وعددهم).[تفسير ابن كثير: 7/ 341]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان اللّه بما تعملون بصيرًا}: هذا امتنانٌ من اللّه على عباده المؤمنين حين كفّ أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوءٌ، وكفّ أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلًّا من الفريقين، وأوجد بينهم صلحًا فيه خيرةٌ للمؤمنين، وعاقبةٌ لهم في الدّنيا والآخرة. وقد تقدّم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاءوا بأولئك السّبعين الأسارى فأوثقوهم بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنظر إليهم وقال: "أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه". قال: وفي ذلك أنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّادٌ، عن ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: لمّا كان يوم الحديبية هبط على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكّة في السّلاح، من قبل جبل التّنعيم، يريدون غرّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعا عليهم فأخذوا -قال عفّان: فعفا عنهم-ونزلت هذه الآية: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم}
ورواه مسلمٌ وأبو داود في سننه، والتّرمذيّ والنّسائيّ في التّفسير من سننيهما، من طرقٍ، عن حمّاد بن سلمة، به.
وقال أحمد -أيضًا-: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا الحسين بن واقدٍ، حدّثنا ثابتٌ البناني، عن عبد اللّه بن مغفّل المزني قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أصل الشّجرة الّتي قال اللّه تعالى في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشّجرة على ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعليّ بن أبي طالبٍ. وسهل بن عمرٍو بين يديه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعليٍّ: "اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم"، فأخذ سهلٌ بيده وقال: ما نعرف الرّحمن الرّحيم. اكتب في قضيّتنا ما نعرف. قال: "اكتب باسمك اللّهمّ"، وكتب: "هذا ما صالح عليه محمّدٌ رسول اللّه أهل مكّة". فأمسك سهل بن عمرٍو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيّتنا ما نعرف. فقال: "اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد اللّه". فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السّلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذ اللّه بأسماعهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هل جئتم في عهد أحدٍ؟ أو: هل جعل لكم أحدٌ أمانًا؟ " فقالوا: لا. فخلّى سبيلهم، فأنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان اللّه بما تعملون بصيرًا}. رواه النّسائيّ من حديث حسين بن واقدٍ، به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا يعقوب القمّي، حدّثنا جعفرٌ، عن ابن أبزى قال: لما خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا نبيّ اللّه، تدخل على قومٍ لك حرب بغير سلاحٍ ولا كراع؟ قال: فبعث إلى المدينة، فلم يدع فيها كراعًا ولا سلاحًا إلّا حمله، فلمّا دنا من مكّة منعوه أن يدخل، فسار حتّى أتى منًى، فنزل بمنًى، فأتاه عينه أنّ عكرمة بن أبي جهلٍ قد خرج عليك في خمسمائةٍ، فقال لخالد بن الوليد: "يا خالد، هذا ابن عمّك أتاك في الخيل، فقال خالدٌ: أنا سيف اللّه، وسيف رسوله -فيومئذ سمّي سيف اللّه-يا رسول اللّه، ارم بي أين شئت. فبعثه على خيلٍ، فلقي عكرمة في الشّعب فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عاد في الثّانية فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عاد في الثّالثة فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، فأنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة [من بعد أن أظفركم عليهم]} إلى: {عذابًا أليمًا}. قال: فكفّ اللّه النّبيّ عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل.
ورواه ابن أبي حاتمٍ عن ابن أبزى بنحوه. وهذا السّياق فيه نظرٌ؛ فإنّه لا يجوز أن يكون عام الحديبية؛ لأنّ خالدًا لم يكن أسلم؛ بل قد كان طليعة المشركين يومئذٍ، كما ثبت في الصّحيح. ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء، لأنّهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل فيعتمر ويقيم بمكّة ثلاثة أيّامٍ، فلمّا قدم لم يمانعوه، ولا حاربوه ولا قاتلوه. فإن قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح؛ لأنّه لم يسق عام الفتح هديًا، وإنّما جاء محاربًا مقاتلًا في جيشٍ عرمرم، فهذا السّياق فيه خللٌ، قد وقع فيه شيءٌ فليتأمّل، واللّه أعلم.
وقال ابن إسحاق: حدّثني من لا أتّهم، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ: أنّ قريشًا بعثوا أربعين رجلًا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصيبوا من أصحابه أحدًا، فأخذوا أخذًا، فأتي بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فعفا عنهم وخلّى سبيلهم، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحجارة والنّبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل اللّه: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ رجلًا يقال له: "ابن زنيم" اطّلع على الثّنيّة من الحديبية، فرماه المشركون بسهمٍ فقتلوه، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيلًا فأتوه باثني عشر فارسًا من الكفّار، فقال لهم: "هل لكم عليّ عهدٌ؟ هل لكم عليّ ذمّةٌ؟ ". قالوا: لا. فأرسلهم، وأنزل اللّه في ذلك: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} الآية). [تفسير ابن كثير: 7/ 342-343]

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ ليدخل اللّه في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا (25) إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليمًا (26)}
يقول تعالى مخبرًا عن الكفّار من مشركي العرب من قريشٍ ومن مالأهم على نصرتهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {هم الّذين كفروا} أي: هم الكفّار دون غيرهم، {وصدّوكم عن المسجد الحرام} أي: وأنتم أحقّ به، وأنتم أهله في نفس الأمر، {والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} أي: وصدّوا الهدي أن يصل إلى محلّه، وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنةً، كما سيأتي بيانه.
وقوله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} أي: بين أظهرهم ممّن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفةً على أنفسهم من قومهم، لكنّا سلّطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوامٌ لا تعرفونهم حالة القتل؛ ولهذا قال: {لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ} أي: إثمٌ وغرامةٌ {بغير علمٍ ليدخل اللّه في رحمته من يشاء} أي: يؤخّر عقوبتهم ليخلّص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثيرٌ منهم إلى الإسلام.
ثمّ قال: {لو تزيّلوا} أي: لو تميّز الكفّار من المؤمنين الّذين بين أظهرهم {لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا} أي: لسلّطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلًا ذريعًا.
قال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أبو الزّنباع -روح بن الفرج- حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي عبّادٍ المكّيّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه أبو سعيدٍ -مولى بني هاشمٍ- حدّثنا حجر بن خلفٍ: سمعت عبد اللّه بن عوفٍ يقول: سمعت جنيد بن سبعٍ يقول: قاتلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل النّهار كافرًا، وقاتلت معه آخر النّهار مسلمًا، وفينا نزلت: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} قال: كنّا تسعة نفرٍ: سبعة رجالٍ وامرأتين.
ثمّ رواه من طريقٍ أخرى عن محمّد بن عبّادٍ المكّيّ به، وقال فيه: عن أبي جمعة جنيد بن سبيع، فذكره والصّواب أبو جعفرٍ: حبيب بن سباعٍ. ورواه ابن أبي حاتمٍ من حديث حجر بن خلف، به. وقال: كنّا ثلاثة رجالٍ وتسع نسوةٍ، وفينا نزلت: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن إسماعيل البخاريّ، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن جبلة، عن أبي حمزة، عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابًا أليمًا} يقول: لو تزيّل الكفّار من المؤمنين، لعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا بقتلهم إيّاهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 344-345]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة}، وذلك حين أبوا أن يكتبوا "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم"، وأبوا أن يكتبوا: "هذا ما قاضى عليه محمّدٌ رسول اللّه"، {فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التّقوى}، وهي قول: "لا إله إلّا اللّه"، كما قال ابن جريرٍ، وعبد اللّه ابن الإمام أحمد: حدّثنا الحسن بن قزعة أبو عليٍّ البصريّ، حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، حدّثنا شعبة، عن ثويرٍ، عن أبيه عن الطّفيل -يعني: ابن أبيّ بن كعبٍ [رضي اللّه عنه] -عن أبيه [أنّه] سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: "لا إله إلّا اللّه".
وكذا رواه التّرمذيّ عن الحسن بن قزعة، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديثه، وسألت أبا زرعة عنه فلم يعرفه إلّا من هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثني اللّيث، حدّثني عبد الرّحمن بن خالدٍ، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، أنّ أبا هريرة أخبره، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فمن قال: لا إله إلّا اللّه، فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقه، وحسابه على الله"، وأنزل الله في كتابه، وذكر قومًا فقال: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون} [الصّافّات: 35]، وقال اللّه جلّ ثناؤه: {وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها} وهي: "لا إله إلّا اللّه، محمّدٌ رسول اللّه"، فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية، وكاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضيّة المدّة..
وكذا رواه بهذه الزّيادات ابن جريرٍ من حديث الزّهريّ، والظّاهر أنّها مدرجةٌ من كلام الزّهريّ، واللّه أعلم.
وقال مجاهدٌ: {كلمة التّقوى}: الإخلاص. وقال عطاء بن أبي رباحٍ: هي لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك، له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وقال يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، عن المسور: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له.
وقال الثّوريّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عباية بن ربعي، عن عليٍّ: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر. وكذا قال ابن عمر، رضي اللّه عنهما.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: يقول: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وهي رأس كلّ تقوى.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلّا اللّه والجهاد في سبيله.
وقال عطاءٌ الخراسانيّ: هي: لا إله إلّا اللّه، محمّدٌ رسول اللّه.
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن معمر عن الزّهريّ: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
وقال قتادة: {وألزمهم كلمة التّقوى} قال: لا إله إلّا اللّه.
{وكانوا أحقّ بها وأهلها}: كان المسلمون أحقّ بها، وكانوا أهلها.
{وكان اللّه بكلّ شيءٍ عليمًا} أي: هو عليمٌ بمن يستحق الخير من يستحقّ الشّرّ.
وقد قال النّسائيّ: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ، حدّثنا شبابة بن سوّارٍ، عن أبي رزينٍ، عن عبد اللّه بن العلاء بن زبرٍ، عن بسر بن عبيد اللّه، عن أبي إدريس، عن أبيّ بن كعبٍ أنّه كان يقرأ: {إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهليّة} [الفتح: 26]، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام. فبلغ ذلك عمر فأغلظ له، فقال: إنّك لتعلم أنّي كنت أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيعلّمني ممّا علّمه اللّه. فقال عمر: بل أنت رجلٌ عندك علمٌ وقرآنٌ، فاقرأ وعلّم ممّا علّمك اللّه ورسوله.
وهذا ذكر الأحاديث الواردة في قصّة الحديبية وقصّة الصّلح:
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمّد بن إسحاق بن يسار، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالًا وساق معه الهدي سبعين بدنةً، وكان النّاس سبعمائة رجلٍ، فكانت كلّ بدنةٍ عن عشرةٍ، وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبيّ، فقال: يا رسول اللّه، هذه قريشٌ قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبست جلود النّمور، يعاهدون اللّه ألّا تدخلها عليهم عنوةً أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّموه إلى كراع الغميم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا ويح قريشٍ! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر النّاس؟ فإن أصابوني كان الّذي أرادوا، وإن أظهرني اللّه [عليهم] دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّةٌ، فماذا تظنّ قريشٌ؟ فواللّه لا أزال أجاهدهم على الّذي بعثني اللّه به حتّى يظهرني اللّه أو تنفرد هذه السّالفة". ثمّ أمر النّاس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريقٍ تخرجه على ثنيّة المرار والحديبية من أسفل مكّة. قال: فسلك بالجيش تلك الطّريق، فلمّا رأت خيل قريشٍ قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريشٍ، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى إذا سلك ثنيّة المرار، بركت ناقته، فقال النّاس: خلأت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما خلأت، وما ذلك لها بخلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكّة، واللّه لا تدعوني قريشٌ اليوم إلى خطّةٍ يسألوني فيها صلة الرّحم، إلّا أعطيتهم إيّاها" [ثمّ] قال للنّاس: "انزلوا". قالوا: يا رسول اللّه، ما بالوادي من ماءٍ ينزل عليه النّاس. فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه، فنزل في قليبٍ من تلك القلب، فغرزه فيه فجاش بالماء حتّى ضرب النّاس عنه بعطنٍ. فلمّا اطمأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا بديل بن ورقاء في رجالٍ من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريشٍ فقالوا: يا معشر قريشٍ، إنّكم تعجلون على محمّدٍ، وإنّ محمّدًا لم يأت لقتالٍ، إنّما جاء زائرًا لهذا البيت معظّمًا لحقّه، فاتّهموهم.
قال محمّد بن إسحاق: قال الزّهريّ: [و] كانت خزاعة في عيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركها ومسلمها، لا يخفون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا كان بمكّة، فقالوا: وإن كان إنّما جاء لذلك فواللّه لا يدخلها أبدًا علينا عنوة، ولا يتحدّث بذلك العرب. ثمّ بعثوا إليه مكرز بن حفصٍ، أحد بني عامر بن لؤيٍّ، فلمّا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هذا رجلٌ غادرٌ". فلمّا انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو ما كلّم به أصحابه، ثمّ رجع إلى قريشٍ فأخبرهم بما قال له رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] ؛ فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكنانيّ، وهو يومئذٍ سيّد الأحابيش، فلمّا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هذا من قومٍ يتألّهون، فابعثوا الهدي" في وجهه، فبعثوا الهدي، فلمّا رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه، رجع ولم يصل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إعظامًا لما رأى، فقال: يا معشر قريشٍ، قد رأيت ما لا يحلّ صده، الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه. قالوا: اجلس، إنّما أنت أعرابيٌّ لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، فقال: يا معشر قريشٍ، إن قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمّدٍ إذا جاءكم، من التّعنيف وسوء اللّفظ، وقد عرفتم أنّكم والد وأنا ولدٌ، وقد سمعت بالّذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثمّ جئت حتّى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتّهمٍ. فخرج حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجلس بين يديه، فقال: يا محمّد جمعت أوباش النّاس، ثمّ جئت بهم لبيضتك لتفضّها، إنّها قريشٌ قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النّمور، يعاهدون الله ألّا تدخلها عليهم عنوةً أبدًا، وايم اللّه لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا. قال: وأبو بكرٍ قاعدٌ خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: امصص بظر اللّات! أنحن ننكشف عنه؟! قال: من هذا يا محمّد؟ قال: "هذا ابن أبي قحافة". قال: أما واللّه لولا يدٌ كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها. ثمّ تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمغيرة بن شعبة واقفٌ على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديد، قال: فقرع يده. ثمّ قال: أمسك يدك عن لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل -واللّه- لا تصل إليك. قال: ويحك! ما أفظعك وأغلظك! فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: من هذا يا محمّد؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة". قال: أغدر، وهل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟! قال فكلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمثل ما كلّم به أصحابه، وأخبره أنّه لم يأت يريد حربًا. قال: فقام من عند رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضّأ وضوءًا إلّا ابتدروه، ولا يبصق بصاقًا إلّا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيءٌ إلّا أخذوه. فرجع إلى قريشٍ فقال: يا معشر قريشٍ، إنّى جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنّجاشيّ في ملكهما، واللّه ما رأيت ملكا قطّ مثل محمّدٍ في أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يسلمونه لشيءٍ أبدًا، فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك قد بعث خراش بن أميّة الخزاعيّ إلى مكّة، وحمله على جملٍ له يقال له: "الثّعلب" فلمّا دخل مكّة عقرت به قريشٌ، وأرادوا قتل خراشٍ، فمنعتهم الأحابيش، حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعا عمر ليبعثه إلى مكّة، فقال: يا رسول اللّه، إنّى أخاف قريشًا على نفسي، وليس بها من بني عديٍّ أحدٌ يمنعني، وقد عرفت قريشٌ عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجلٍ هو أعزّ منّي: عثمان بن عفّان. قال: فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فبعثه إلى قريشٍ يخبرهم أنّه لم يأت لحرب أحدٍ، وإنّما جاء زائرًا لهذا البيت، معظّمًا لحرمته. فخرج عثمان حتّى أتى مكّة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابّته وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتّى بلّغ رسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانطلق عثمان حتّى أتى أبا سفيان وعظماء قريشٍ، فبلّغهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] قال: واحتبسته قريشٌ عندها، قال: وبلغ رسول اللّه أنّ عثمان قد قتل.
قال محمّدٌ: فحدّثني الزّهريّ: أنّ قريشًا بعثوا سهل بن عمرٍو، وقالوا: ائت محمّدًا فصالحه ولا يكون في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا، فواللّه لا تحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوةً أبدًا. فأتاه سهل بن عمرٍو فلمّا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا الرّجل". فلمّا انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تكلّما وأطالا الكلام، وتراجعا حتّى جرى بينهما الصّلح، فلمّا التأم الأمر ولم يبق إلّا الكتاب، وثب عمر بن الخطّاب فأت أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أو ليس برسول الله؟ أو لسنا بالمسلمين؟ أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطى الذّلّة في ديننا؟ فقال أبو بكرٍ: يا عمر،الزم غرزه حيث كان، فإنّي أشهد أنّه رسول اللّه. [ثمّ] قال عمر: وأنا أشهد. ثمّ أتى رسول اللّه فقال: يا رسول الله، أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟ قال: "بلى" قال: فعلام نعطى الذّلّة في ديننا؟ فقال: "أنا عبد اللّه ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيّعني". ثمّ قال عمر: ما زلت أصوم وأصلّي وأتصدّق وأعتق من الّذي صنعت مخافة كلامي الّذي تكلّمت به يومئذٍ حتّى رجوت أن يكون خيرًا. قال: ثمّ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّ بن أبي طالبٍ [رضي اللّه عنه] فقال: اكتب: "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم". فقال سهل بن عمرٍو: ولا أعرف هذا، ولكن اكتب: "باسمك اللّهمّ، فقال رسول الله: "اكتب باسمك اللهم. هذا ما صلح عليه محمّدٌ رسول اللّه، سهل بن عمرٍو"، فقال سهل بن عمرٍو: ولو شهدت أنّك رسول اللّه لم أقاتلك، ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبد اللّه، وسهل بن عمرٍو، على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها النّاس، ويكفّ بعضهم عن بعضٍ، على أنّه من أتى رسول اللّه من أصحابه بغير إذن وليّه، ردّه عليهم، ومن أتى قريشًا ممّن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يردّوه عليه وأنّ بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنّه لا إسلال ولا إغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّدٍ وعهده، دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريشٍ وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول اللّه وعهده، وتواثبت بنو بكرٍ فقالوا: نحن في عقد قريشٍ وعهدهم، وأنّك ترجع عنّا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكّة، وأنّه إذا كان عام قابلٍ خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت بها ثلاثًا معك سلاح الرّاكب لا تدخلها بغير السّيوف في القرب، فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكتب الكتاب، إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرٍو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد كان أصحاب رسول اللّه خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح، لرؤيا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلمّا رأوا ما رأوا من الصّلح والرّجوع، وما تحمّل رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] على نفسه، دخل النّاس من ذلك أمرٌ عظيمٌ، حتّى كادوا أن يهلكوا. فلمّا رأى سهلٌ أبا جندلٍ قام إليه فضرب وجهه وقال: يا محمّد، قد لجّت القضيّة بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: "صدقت". فقام إليه فأخذ بتلابيبه. قال: وصرخ أبو جندلٍ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أتردّونني إلى أهل الشّرك فيفتنوني في ديني؟ قال: فزاد النّاس شرًّا إلى ما بهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا جندلٍ، اصبر واحتسب، فإنّ اللّه جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدًا، وإنّا لن نغدر بهم". قال: فوثب إليه عمر بن الخطّاب فجعل يمشي مع [أبي] جندلٍ إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندلٍ، فإنّما هم المشركون، وإنّما دم أحدهم دم كلبٍ، قال: ويدني قائم السّيف منه، قال: يقول: رجوت أن يأخذ السّيف فيضرب به أباه قال: فضنّ الرّجل بأبيه. قال: ونفذت القضيّة، فلمّا فرغا من الكتاب، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي في الحرم، وهو مضطربٌ في الحلّ، قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا أيّها النّاس، انحروا واحلقوا". قال: فما قام أحدٌ. قال: ثمّ عاد بمثلها، فما قام رجلٌ حتّى عاد صلّى اللّه عليه وسلّم بمثلها، فما قام رجلٌ.
فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل على أمّ سلمة فقال: "يا أمّ سلمة ما شأن النّاس؟ " قالت: يا رسول اللّه، قد دخلهم ما رأيت، فلا تكلّمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل النّاس ذلك. فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يكلّم أحدًا حتّى أتى هديه فنحره، ثمّ جلس فحلق، قال: فقام النّاس ينحرون ويحلقون. قال: حتّى إذا كان بين مكّة والمدينة في وسط الطّريق نزلت سورة الفتح.
هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه، وهكذا رواه يونس بن بكير وزيادٌ البكّائيّ، عن ابن إسحاق، بنحوه، وفيه إغرابٌ، وقد رواه أيضًا عن عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، به نحوه وخالفه في أشياء وقد رواه البخاريّ، رحمه اللّه، في صحيحه، فساقه سياقةً حسنةً مطوّلةً بزياداتٍ جيّدةٍ، فقال في كتاب الشّروط من صحيحه:
حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر: أخبرني الزّهريّ: أخبرني عروة بن الزّبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، يصدّق كلّ واحدٍ منهما حديث صاحبه، قالا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زمن الحديبية في بضع عشرة مائةً من أصحابه، فلمّا أتى ذا الحليفة قلّد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرةٍ وبعث عينًا له من خزاعة، وسار حتى إذا كان بغير الأشطاط أتاه عينه، فقال: إنّ قريشًا قد جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادّوك ومانعوك. فقال: "أشيروا أيّها الناس عليّ، أترون أن نميل عل عيالهم، وذراري هؤلاء الّذين يريدون أن صدّونا عن البيت؟ " وفي لفظٍ: "أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الّذين أعانوهم. فإن يأتونا كان اللّه قد قطع عنقا من المشركين وإلّا تركناهم محزونين"، وفي لفظٍ: "فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محروبين وإن نجوا يكن عنقًا قطعها اللّه، أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟ ". فقال أبو بكرٍ [رضي اللّه عنه]: يا رسول اللّه خرجت عامدًا لهذا البيت، لا نريد قتل أحدٍ ولا حربًا، فتوجّه له، فمن صدّنا عنه قاتلناه. وفي لفظٍ: فقال أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه: اللّه ورسوله علم إنّما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحدٍ، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فروحوا إذن"، وفي لفظٍ: "فامضوا على اسم اللّه".
حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين". فواللّه ما شعر بهم خالدٌ حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريشٍ، وسار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته. فقال النّاس: حلّ حلّ فألحّت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل". ثمّ قال: "والّذي نفسي بيده، لا يسألوني خطّةً يعظّمون فيها حرمات اللّه، إلّا أعطيتهم إيّاها". ثمّ زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمدٍ قليل الماء، يتبرّضه النّاس تبرّضًا، فلم يلبث النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع من كنانته سهمًا ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللّه ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفرٍ من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] من أهل تهامة، فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيٍّ وعامر بن لؤيٍّ، نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا لم نجئ لقتال أحدٍ، ولكن جئنا معتمرين، وإنّ قريشًا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددنهم مدّةً ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا، وإن هم أبوا فوالّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، ولينفذنّ اللّه أمره" قال بديلٌ: سأبلّغهم ما تقول، فانطلق حتّى أتى قريشًا فقال: إنّا قد جئنا من عند هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولًا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيءٍ. وقال: ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدّثهم بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقام عروة بن مسعودٍ فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشدٍ فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم له نحوًا من قوله لبديل بن ورقاء. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحدٍ من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تك الأخرى فإنّي واللّه لأرى وجوهًا، وإنّي لأرى أشوابًا من النّاس خليقًا أن يفرّوا ويدعوك، فقال أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه: امصص بظر اللّات! أنحن نفرّ وندعه؟! قال: من ذا؟ قالوا: أبو بكرٍ. قال: أما والّذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك. قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة، رضي اللّه عنه قائمٌ على رأس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه السّيف وعليه المغفر، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب يده بنعل السّيف، وقال له: أخّر يدك من لحية النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه وقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟! وكان المغيرة بن شعبة صحب قومًا في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيٍّ".
ثمّ إنّ عروة جعل يرمق أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعينيه، قال: فواللّه ما تنخّم رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] نخامةً إلّا وقعت في كفّ رجلٍ منهم، فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذ توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النّظر إليه، تعظيمًا له صلّى اللّه عليه وسلّم، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، واللّه لقد وفدت على الملوك، ووفدت على كسرى وقيصر والنّجاشيّ، واللّه إن رأيت ملكًا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّدٍ محمّدًا، واللّه إن تنخّم نخامةً إلّا وقعت في كفّ رجلٍ منهم، فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النّظر إليه تعظيمًا له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجلٌ منهم من بني كنانة: دعوني آته. فقالوا: ائته فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذا فلانٌ، وهو من قومٍ يعظّمون البدن، فابعثوها له" فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون، فلمّا رأى ذلك قال: سبحان اللّه! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقال رجلٌ منهم يقال له: "مكرز بن حفصٍ"، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذا مكرز [بن حفصٍ] وهو رجلٌ فاجرٌ"، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهل بن عمرٍو.
وقال معمرٌ: أخبرني أيّوب، عن عكرمة أنّه قال: لما جاء سهل بن عمرٍو قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "قد سهل لكم من أمركم".
قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهل بن عمرٍو فقال: هات أكتب بيننا وبينك كتابًا فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " [اكتب]: بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهل [بن عمرٍو]: أمّا "الرّحمن" فواللّه ما أدري ما هو، ولكن اكتب: "باسمك اللّهمّ"، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: واللّه لا نكتبها إلّا "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم". فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اكتب: باسمك اللّهمّ". ثمّ قال: "هذا ما قاضى عليه محمّدٌ رسول اللّه". فقال سهلٌ: واللّه لو كنّا نعلم أنّك رسول اللّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: "محمّد بن عبد اللّه"، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "واللّه إنّي لرسول اللّه وإن كذّبتموني. اكتب محمّد بن عبد اللّه" قال الزّهريّ: وذلك لقوله: "واللّه لا يسألوني خطّةً يعظّمون فيها حرمات اللّه إلّا أعطيتهم إيّاها". فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به". فقال سهلٌ: واللّه لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطةً، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهلٌ: "وعلى أن لا يأتيك منّا رجلٌ وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا". فقال المسلمون: سبحان اللّه! كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟! فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهلبن عمرٍو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهلٌ: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّا لم نقض الكتاب بعد". قال: فواللّه إذًا لا أصالحك على شيءٍ أبدًا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فأجزه لي" فقال: ما أنا بمجيزٍ ذلك لك، قال: "بلى فافعل". قال: ما أنا بفاعلٍ. قال مكرزٌ: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندلٍ: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيت؟! وكان قد عذّب عذابًا شديدًا في اللّه عزّ وجلّ. قال عمر [بن الخطّاب] رضي اللّه عنه: فأتيت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: ألست نبيّ اللّه حقًّا؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: "بلى". قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: "بلى". قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذًا؟ قال: "إنّي رسول اللّه، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: أو لست كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ " قلت: لا قال: "فإنّك آتيه ومطوّف به". قال: فأتيت أبا بكرٍ فقلت: يا أبا بكرٍ أليس هذا نبيّ اللّه حقًّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذًا؟ قال: أيّها الرّجل، إنّه رسول اللّه، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق. قلت: أو ليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى قال: أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنّك تأتيه وتطوف به.
قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالًا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثمّ احلقوا". قال: فواللّه ما قام منهم رجلٌ حتّى قال ذلك ثلاث مرّاتٍ!! فلمّا لم يقم منهم أحدٌ دخل على أمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من النّاس، قالت له أمّ سلمة: يا نبيّ اللّه، أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تكلّم أحدًا منهم كلمةً حتّى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلّم أحدًا منهم حتّى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا، ثمّ جاءه نسوةٌ مؤمناتٍ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} حتّى بلغ: {بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]. فطلّق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة. ثمّ رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة فجاءه أبو بصيرٍ -رجلٌ من قريشٍ-وهو مسلمٌ، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بصيرٍ لأحد الرّجلين: واللّه إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدًا، فاستلّه الآخر، فقال: أجل! واللّه إنّه لجيّدٌ، لقد جرّبت منه ثمّ جرّبت، فقال أبو بصيرٍ: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتّى برد، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين رآه: "لقد رأى هذا ذعرًا"، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قتل واللّه صاحبي، وإنّي لمقتولٌ. فجاء أبو بصيرٍ فقال: يا رسول اللّه، قد -واللّه-أوفى اللّه ذمّتك، قد رددتني إليهم ثمّ نجّاني اللّه منهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويل أمّه مسعر حربٍ! لو كان له أحدٌ". فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر، قال: وتفلّت منهم أبو جندل بن سهلٍ، فلحق بأبي بصيرٍ، فجعل لا يخرج من قريشٍ رجلٌ قد أسلم إلّا لحق بأبي بصيرٍ، حتّى اجتمعت منهم عصابةٌ، فواللّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريشٍ إلى الشّام إلّا اعترضوا لها فقتلوهم، وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تناشده اللّه والرّحم لما أرسل إليهم: "فمن أتاه منهم فهو آمنٌ". فأرسل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم، وأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة} حتّى بلغ: {حميّة الجاهليّة}، وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه رسول اللّه ولم يقرّوا ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
هكذا ساقه البخاريّ هاهنا، وقد أخرجه في التّفسير، وفي عمرة الحديبية، وفي الحجّ، وغير ذلك من حديث معمرٍ وسفيان بن عيينة، كلاهما عن الزّهريّ، به ووقع في بعض الأماكن عن الزّهريّ، عن عروة، عن مروان والمسور بن [مخرمة]، عن رجالٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك. وهذا أشبه واللّه أعلم، ولم يسقه أبسط من هاهنا، وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباينٌ في مواضع، وهناك فوائد ينبغي إضافتها إلى ما هاهنا، ولذلك سقنا تلك الرّواية وهذه، واللّه المستعان وعليه التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العزيز الحكيم.
وقال البخاريّ في التّفسير: حدّثنا أحمد بن إسحاق السّلمي، حدّثنا يعلى، حدّثنا عبد العزيز بن سياهٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال: أتيت أبا وائلٍ أسأله فقال: كنّا بصفّين فقال رجلٌ: ألم تر إلى الّذين يدعون إلى كتاب اللّه؟ فقال عليّ بن أبي طالبٍ: نعم. فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية -يعني: الصّلح الّذي كان بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمشركين-ولو نرى قتالًا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ فقال: "بلى" قال: ففيم نعطي الدّنيّة في ديننا، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا؟ فقال: "يا ابن الخطّاب، إنّي رسول اللّه، ولن يضيّعني اللّه أبدًا"، فرجع متغيّظًا، فلم يصبر حتّى جاء أبا بكرٍ فقال: يا أبا بكرٍ، ألسنا على الحق وهم على الباطل، فقال: يا ابن الخطّاب، إنّه رسول اللّه، ولن يضيّعه اللّه أبدًا، فنزلت سورة الفتح.
وقد رواه البخاريّ أيضًا في مواضع أخر ومسلمٌ والنّسائيّ من طرق أخر عن أبي وائل سفيان ابن سلمة، عن سهل بن حنيفٍ به، وفي بعض ألفاظه: "يا أيّها النّاس، اتّهموا الرّأي، فلقد رأيتني يوم أبي جندلٍ ولو أقدر على أن أردّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمره لرددته" وفي روايةٍ: فنزلت سورة الفتح، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمر بن الخطّاب فقرأها عليه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، أنّ قريشًا صالحوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيهم سهل بن عمرٍو، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لعليٍّ: "اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم"، فقال سهلٌ: لا ندري ما بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ولكن اكتب ما نعرف: "باسمك اللّهمّ". فقال: "اكتب من محمّدٍ رسول اللّه". قال: لو نعلم أنّك رسول اللّه لاتّبعناك، ولكن اكتب: اسمك واسم أبيك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اكتب: من محمّد بن عبد اللّه". واشترطوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ من جاء منكم لم نردّه عليكم، ومن جاءكم منّا رددتموه علينا، فقال: يا رسول اللّه أتكتب هذا؟ قال: "نعم، إنّه من ذهب منّا إليهم فأبعده اللّه". رواه مسلمٌ من حديث حمّاد بن سلمة، به.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ قال: حدّثني سماكٌ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: لمّا خرجت الحروريّة اعتزلوا، فقلت لهم: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: "اكتب يا عليّ: هذا ما صالح عليه محمّدٌ رسول اللّه" قالوا: لو نعلم أنّك رسول اللّه ما قاتلناك، فقال رسول اللّه: "امح يا عليّ، اللّهمّ إنّك تعلم أنّي رسولك، امح يا عليّ، واكتب: هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد اللّه". واللّه لرسول اللّه خيرٌ من عليٍّ، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك يمحاه من النّبوّة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمّارٍ اليماميّ، بنحوه.
وروى الإمام أحمد، عن يحيى بن آدم: حدّثنا زهيرٌ، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية سبعين بدنةً فيها جملٌ لأبي جهلٍ، فلمّا صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها).[تفسير ابن كثير: 7/ 345-355]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة