العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة يونس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:25 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة يونس [ من الآية (93) إلى الآية (95) ]

تفسير سورة يونس
[ من الآية (93) إلى الآية (95) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:26 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق قال بوأهم الله تعالى الشام وبيت المقدس). [تفسير عبد الرزاق: 1/297]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ ورزقناهم من الطّيّبات فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد أنزلنا بني إسرائيل منازل صدقٍ. قيل: عنى بذلك الشّأم وبيت المقدس. وقيل: عنى به الشّام ومصر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، وأبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {مبوّأ صدقٍ} قال: منازل صدقٍ: مصر والشّام.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {مبوّأ صدقٍ} قال: بوّأهم اللّه الشّام وبيت المقدس.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} الشّام. وقرأ: {إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين}.
وقوله: {ورزقناهم من الطّيّبات} يقول: ورزقنا بني إسرائيل من حلال الرّزق وهو الطّيّب.
وقوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم} يقول جلّ ثناؤه: فما اختلف هؤلاء الّذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل، حتّى جاءهم ما كانوا به عالمين؛ وذلك أنّهم كانوا قبل أن يبعث محمّدٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مجمعين على نبوّة محمّدٍ والإقرار به وبمبعثه غير مختلفين فيه بالنّعت الّذي كانوا يجدونه مكتوبًا عندهم، فلمّا جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم وآمن به من بعضهم، والمؤمنون به منهم كانوا عددًا قليلاً، فذلك قوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم} ومعناه حتّى جاءهم المعلوم الّذي كانوا يعلمونه نبيًّا للّه، فوضع العلم مكان المعلوم.
وكان بعضهم يتأوّل العلم ههنا كتاب اللّه ووحيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم} قال: العلم: كتاب اللّه الّذي أنزله وأمره الّذي أمرهم به، وهل اختلفوا حتّى جاءهم العلم بغيًا بينهم أهل الأهواء، هل اقتتلوا إلاّ على البغي؟ قال: والبغي وجهان: وجه النّفاسة في الدّنيا ومن اقتتل عليها من أهلها، وبغيٌ في العلم يرى هذا جاهلاً مخطئًا ويرى نفسه مصيبًا عالمًا، فيبغي بإصابته وعلمه على هذا المخطئ.
وقوله: {إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّك يا محمّد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل فيك يوم القيامة فيما كانوا فيه من أمري في الدّنيا يختلفون، بأن يدخل المكذّبين بك منهم النّار، والمؤمنين بك منهم الجنّة. فذلك قضاؤه يومئذٍ فيما كانوا يختلفون من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 12/283-285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ ورزقناهم من الطّيّبات فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (93)
قوله تعالى: ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ عن قتادة مبوّأ صدقٍ قال: بوّأهم اللّه الشّام وبيت المقدس.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا مروان الفزاريّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: مبوّأ صدقٍ قال: منازل صدقٍ مصر والشّام.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ قال: الشّام وقرأ: الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين.
قوله تعالى: ورزقناهم من الطّيّبات الآية
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: الطّيّبات قال: الطّيّبات: ما أحل لهم من كلّ شيءٍ أن يصيبوه وهو الحلال من الرّزق). [تفسير القرآن العظيم: 6/1985]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 93.
أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه في وقه {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} قال: بؤأهم الله الشام وبيت المقدس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في وقوله {مبوأ صدق} قال: منازل صدق مصر والشام
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} قال: العلم كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به). [الدر المنثور: 7/702-703]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فإن كنت في شك مما أنزلنا فسأل الذين يقرءون الكتب قال بلغنا أن النبي قال لا أشك ولا أسأل). [تفسير عبد الرزاق: 1/298]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (94) : قوله تعالى: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} - قال: ما شك ولا سأل.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، ومنصورٍ، عن الحسن، قالا : لم يشكّ ولم يسأل). [سنن سعيد بن منصور: 5/332-333]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإن كنت يا محمّد في شكٍّ من حقيقة ما أخبرناك وأنزل إليك من أنّ بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوّتك قبل أن تبعث رسولاً إلى خلقه، لأنّهم يجدونك عندهم مكتوبًا ويعرفونك بالصّفة الّتي أنت بها موصوفٌ في كتابهم في التّوراة والإنجيل؛ فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك من أهل التّوراة والإنجيل كعبد اللّه بن سلام ونحوه من أهل الصّدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} قال: التّوراة والإنجيل الّذين أدركوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل الكتاب فآمنوا به، يقول: فاسألهم إن كنت في شكٍّ بأنّك مكتوبٌ عندهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله تعالى: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} قال: هو عبد اللّه بن سلامٍ، كان من أهل الكتاب فآمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} قال: هم أهل الكتاب.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: {فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} يعني أهل التّقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب، ممّن أدرك نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن قال قائلٌ: أوكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في شكٍّ من خبر اللّه أنّه حقٌّ يقينٌ حتّى قيل له: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك}؟
قيل: لا، وكذلك قال جماعةٌ من أهل العلم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك} فقال: لم يشكّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يسأل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو، عن أبي عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} قال: ما شكّ وما سأل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، ومنصورٍ، عن الحسن، في هذه الآية، قال: لم يشكّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يسأل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} ذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا أشكّ ولا أسأل.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك} قال: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا أشكّ ولا أسأل.
فإن قال: فما وجه مخرج هذا الكلام إذن إن كان الأمر على ما وصفت؟
قيل: قد بيّنّا في غير موضعٍ من كتابنا هذا استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه: إن كنت مملوكي فانته إلى أمري؛ والعبد المأمور بذلك لا يشكّ سيّده القائل له ذلك أنّه عبده. كذلك قول الرّجل منهم لابنه: إن كنت ابني فبرّني؛ وهو لا يشكّ في ابنه أنّه ابنه، وأنّ ذلك من كلامهم صحيحٌ مستفيضٌ فيهم، وذكرنا ذلك بشواهدٍ، وأنّ منه قول اللّه تعالى: {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه} وقد علم جلّ ثناؤه أنّ عيسى لم يقل ذلك. وهذا من ذلك، لم يكن صلّى اللّه عليه وسلّم شاكًّا في حقيقة خبر اللّه وصحّته، واللّه تعالى بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنّه جلّ ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا، إذ كان القرآن بلسانهم نزل.
وأمّا قوله: {لقد جاءك الحقّ من ربّك} الآية، فهو خبرٌ من اللّه مبتدأٌ، يقول تعالى ذكره: أقسم لقد جاءك الحقّ اليقين من الخبر بأنّك للّه رسولٌ، وأنّ هؤلاء اليهود والنّصارى يعلمون صحّة ذلك، ويجدون نعتك عندهم في كتبهم. {فلا تكوننّ من الممترين} يقول: فلا تكوننّ من الشّاكين في صحّة ذلك وحقيقته.
ولو قال قائلٌ: إنّ هذه الآية خوطب بها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمراد بها بعض من لم يكن صحّت بصيرته بنبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن كان قد أظهر الإيمان بلسانه، تنبيهًا له على موضع تعرّف حقيقة أمره الّذي يزيل اللّبس عن قلبه، كما قال جلّ ثناؤه: {يا أيّها النّبيّ اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين إنّ اللّه كان عليمًا حكيمًا}؛ كان قولاً غير مدفوعةٍ صحّته). [جامع البيان: 12/286-289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (94)
قوله تعالى: فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك
- حدّثنا أبي، ثنا أبو محمّدٍ اليمانيّ بمصر جارًا أي أبي صالحٍ، ثنا النضر ابن محمّدٍ الجرشيّ، ثنا عكرمة بن عمّارٍ، حدّثني أبو زميلٍ سماك الحنفيّ، ثنا ابن عبّاسٍ وقلت له: إنّي أجد في نفسي شيئًا لا أستطيع أن أتكلّم به قال: لعلّه شك أو شيء مما شكٍّ قلت: نعم قال: ما نجى من هذا أحدٌ حتّى نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإن كنت في شكٍّ مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك ثمّ قال: إذا وجدت من ذلك فقل: هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا سعيد بن شرحبيل، ثنا هشيمٌ عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك قال: لم يشكّ رسول اللّه ولم يسأل.
قوله: فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك يعني: أهل التّقوى وأهل الإيمان ممّن أدرك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك قال: هو عبد اللّه بن سلامٍ رضي اللّه عنه، كان من أهل الكتاب وآمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن خلفٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين يقول: فلا تكوننّ في شكٍّ من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1985-1986]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 94 - 95.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} قال: لم يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أشك ولا أسأل.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} قال: التوراة
والإنجيل الذين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فآمنوا به يقول: سلهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم.
وأخرج أبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سماك الحنفي قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما إني أجد في نفسي ما لا أستطيع أن أتكلم به فقال: شك قلت: نعم، قال: ما نجا من هذا أحد حتى نزلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} الآية، فإذا أحسست أو وجدت من ذلك شيئا فقل (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) (الحديد الآية 3).
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن الحسن رضي الله عنه قال: خمسة أحرف في القرآن (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) (إبراهيم الآية 26) معناه وما كان مكرهم لتزول منه الجبال (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) (الأنبياء الآية 17) معناه ما كنا فاعلين (قل إن كان للرحمن ولد) (الزخرف الآية 81) معناه ما كان للرحمن ولد (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) (الأحقاف الآية 26) معناه في الذين ما مكناكم فيه {فإن كنت في شك مما أنزلنا} معناه فما كنت في شك.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} قال: سؤالك إياهم نظرك في كتابي كقولك: سل عن آل المهلب دورهم). [الدر المنثور: 7/703-704]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ولا تكوننّ يا محمّد من الّذين كذّبوا بحجج اللّه وأدلّته، فتكون ممّن غبن حظّه وباع رحمة اللّه ورضاه بسخطه وعقابه). [جامع البيان: 12/289]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين (95)
قوله تعالى: ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه الآية
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: بآيات اللّه أمّا بآيات محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1986]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:27 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم...}
يعني بني إسرائيل أنهم كانوا مجتمعين على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلمّا بعث كذّبه بعض وآمن به بعض. فذلك اختلافهم. و{العلم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وصفته). [معاني القرآن: 1/478]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} أي أنزلناهم منزل صدق). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} أي أنزلناهم
قال قتادة يعني الشام وبيت المقدس
وقال الضحاك مصر والشام). [معاني القرآن: 3/316]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَوَّأْنَا} أنزلنا.
{مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أي منزل صدق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 104]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن كنت في شكٍّ...}
قاله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه غير شاكّ، ولم يشكك عليه السلام فلم يسأل. ومثله في العربية أنك تقول لغلامك الذي لا يشكّ في ملكك إياه:
إن كنت عبدي فاسمع وأطع. وقال الله تبارك وتعالى لنبيه عيسى صلى الله عليه وسلم {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} وهو يعلم أنه لم يقله،
فقال الموفّق معتذرا بأحسن العذر: (إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) ). [معاني القرآن: 1/479]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك} المخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله، والمراد غيره، كما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} فإن المخاطبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمراد غيره من الشّكاك، لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلّها، وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره.
والجواب عن هذا مستقصى في (باب الكناية والتعريض) فكرهت إعادته في هذا الموضع). [تأويل مشكل القرآن: 81-82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ففيه تأويلان:
أحدهما : أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب،
فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون.
ومثل هذا قول الكميت في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

إلى السّراج المنير أحمد لا = يعدلني رغبةٌ ولا رَهَبُ
عنه إلى غيره ولو رفع النَّـ = ـاسُ إليَّ العيون وارتقبوا
وقيل: أفرطتَ، بل قصدتُ = ولو عنَّفني القائلون أو ثلبوا
لَجَّ بتفضيلك اللّسانُ ولو = أُكثرَ فيك اللَّجاجُ واللَّجَبُ
أنت المصفَّى المحضُ المهذَّب في النِّسْـ = ـبَةِ إنْ نصَّ قومك النَّسَبُ
فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم، والمراد أهل بيته، فورّى عن ذكرهم به، وأراد بالعائبين واللائمين بني أمية.
وليس يجوز أن يكون هذا للنبي صلّى الله عليه وسلم، لأنه ليس أحد من المسلمين يسوءه مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يعنّف قائلا عليه،
ومن ذا يساوى به، ويفضّل عليه، حتى يكثر في مدحه الضّجاج واللّجب؟.
وإن الشعراء ليمدحون الرجل من أوساط الناس فيفرطون ويفرّطون فيغلون وما يرفع الناس إليهم العيون ولا يرتقبون، فكيف يلام هذا على الاقتصاد في مدح من الإفراط في مدحه غير تفريط، ولكنه أراد أهل بيته.
والتأويل الآخر: أن الناس كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أصنافا: منهم كافر به مكذّب، لا يرى إلا أن ما جاء به الباطل.
وآخر مؤمن به مصدّق يعلم أن ما جاء به الحق.
وشاك في الأمر لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.
فخاطب الله سبحانه هذا الصّنف من الناس فقال: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم فسل الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، مثل: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري وأشباههم، ولم يرد المعاندين منهم فيشهدون على صدقه، ويخبرونك بنبوّته، وما قدّمه الله في الكتب من ذكره فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ، وهو يريد غير النبي، صلّى الله عليه وسلم.
كما قال في موضع آخر: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}
وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:

إذا كنت متّخذا صاحبا = فلا تصحبنَّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم.
وهذا، وإن كان جائزا حسنا، فإنّ المذهب الأول أعجب إليّ، لأنّ الكلام اتصل حتى قال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
وهذا لا يجوز أن يكون إلّا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم). [تأويل مشكل القرآن: 269-274]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين}
هذه آية قد كثر سؤال الناس عنها وخوضهم فيها جدّا، وفي السورة ما يدل على بيانها وكشف حقيقتها:
والمعنى أن اللّه - جلّ وعزّ - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى: إن كنتم في شك فاسألوا.
والدليل على ذلك قوله في آخر السورة:
{قل يا أيّها النّاس إن كنتم في شكّ من ديني فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم}.
فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليس في شكّ، وأمره أن يتلو عليهم ذلك.
ويروى عن الحسن أنه قال: لم يسأل ولم يشك، فهذا بيّن جدا.
والدليل على أن المخاطبة للنبي مخاطبة للناس قوله:
{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}.
فقال (طلّقتم) ولفظ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم – وحده فهذا أحسن الأقوال وفيها قولان آخران.
{فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين}، كما تقول للرجل: إن كنت أبي فتعطف عليّ، أي إن كنت أبي فواجب أن تتعطف على، ليس أنه شك في أنه أبوه.
وفيها وجه ثالث: أن تكون " أن " في معنى " ما " فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك، فاسأل الذين يقرأون، أي لسنا نأمرك لأنك شاك.
ولكن لتزداد، كما قال إبراهيم: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} فالزيادة في التثبيت ليست مما يبطل صحة القصد). [معاني القرآن: 3/32-33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك}
في معناه أقوال:
1- منها أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته فالمعنى على هذا فإن كنتم في شك كما قال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}
2 - وقيل هذا كما يقال إن كنت أبي فافعل كذا وهو أبوه.
3- وقيل إن ههنا بمعنى ما كما قال جل وعز: {إن الكافرون إلا في غرور} والمعنى فما كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك سؤال ازدياد كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم {قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى يا محمد قل للشاك إن كنت في شك فاسأل الذين يقرءون الكتاب أي سل من آمن من أهل الكتاب فيخبرك بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه
قال الحسن لم يسأل ولم يشك
وقال الضحاك الذين يقرءون الكتاب يعني بهم من آمن من أهل الكتاب وكان من أهل التقوى). [معاني القرآن: 3/316-318]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( قال أبو عمر: سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان: معنى {فإن كنت في شك} أي: قل يا محمد للكافر:
فإن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود، الذين يقرءون الكتاب من
قبلك، أي: يا عابد الوثن، إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود - يعني: عبد الله بن سلام، وأمثاله - لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لليهود أنهم أعلم منهم،
من أجل أنهم أصحاب كتاب، فدعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم: هل بعث الله رسولا من بعد موسى - عليه السلام؟).
[ياقوتة الصراط:258- 259]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) }

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 03:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ ورزقناهم من الطّيّبات فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (93) فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فسئل الّذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (94) ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين (95)
المعنى لقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار وحللناهم من الأماكن أحسن محل، ومبوّأ صدقٍ أي يصدق فيه ظن قاصده وساكنه وأهله، ويعني بهذه الآية: إحلالهم بلاد الشام وبيت المقدس، قاله قتادة وابن زيد، وقيل: بلاد مصر والشام، قاله الضحاك، والأول أصح بحسب ما حفظ من أنهم لن يعودوا إلى مصر، على أن القرآن كذلك وأورثناها بني إسرائيل [الشعراء: 59] يعني ما ترك القبط من جنات وعيون وغير ذلك، وقد يحتمل أن يكون أورثناها [الشعراء: 59] معناه الحالة من النعمة وإن لم يكن في قطر واحد، وقوله فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم يحتمل معنيين أحدهما فما اختلفوا في نبوة محمد وانتظاره حتى جاءهم وبان علمه وأمره فاختلفوا حينئذ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأولين، وهذا التأويل يحتاج إلى سند، والتأويل الآخر الذي يحتمله اللفظ أن بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أول حاله فلما جاءهم العلم والأوامر وغرق فرعون اختلفوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمعنى الآية مذمة ذلك الصدر من بني إسرائيل، ثم أوجب الله بعد ذلك أنه يقضي بينهم ويفصل بعقاب من يعاقب ورحمة من يرحم). [المحرر الوجيز: 4/ 525-526]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فإن كنت في شكٍّ الآية، قال بعض المتأولين وروي ذلك عن الحسن: أن «إن» نافية بمعنى ما والجمهور على أن «إن» شرطية، والصواب في معنى الآية أنها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض، وقال قوم: الكلام بمنزلة قولك إن كنت ابني فبرّني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس هذا المثال بجيد وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى «أأنت قلت للناس اتخذوني». وروي أن رجلا سأل ابن عباس عما يحيك في الصدر من الشك فقال ما نجا من ذلك أحد ولا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل عليه فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكر الزهراوي أن هذه المقالة أنكرت أن يقولها ابن عباس وبذلك أقول، لأن الخواطر لا ينجو منها أحد وهي خلاف الشك الذي يحال فيه عليه الاستشفاء بالسؤال، والّذين يقرؤن الكتاب من قبلك هم من أسلم من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: «أنا لا أشك ولا أسأل». وقرأ «فسل» دون همز الحسن وأبو جعفر وأهل المدينة وأبو عمرو وعيسى وعاصم، وقرأ جمهور عظيم بالهمز، ثم جزم الله الخبر بقوله لقد جاءك الحقّ من ربّك، واللام في لقد لام قسم، والممترين معناه الشاكين الذين يحتاجون في اعتقادهم إلى المماراة فيها، وقوله ممّا أنزلنا إليك يريد به من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في أمره إلا من بعد مجيئه، وهذا قول أهل التأويل قاطبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الذي يشبه أن ترتجى إزالة الشك فيه من قبل أهل الكتاب، ويحتمل اللفظ أن يريد بما أنزلنا جميع الشرع ولكنه بعيد بالمعنى لأن ذلك لا يعرف ويزول الشك فيه إلا بأدلة العقل لا بالسماع من مؤمني بني إسرائيل). [المحرر الوجيز: 4/ 526-527]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا الآية، مما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولهذا فائد، ليس في مخاطبة الناس به وذلك شدة التخويف لأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من مثل هذا فغيره من الناس أولى أن يحذر ويتقي على نفسه). [المحرر الوجيز: 4/ 527]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ ورزقناهم من الطّيّبات فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم إنّ ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (93)}
يخبر تعالى عمّا أنعم به على بني إسرائيل من النّعم الدّينيّة والدّنيويّة ف {مبوّأ صدقٍ} قيل: هو بلاد مصر والشّام، ممّا يلي بيت المقدس ونواحيه، فإنّ اللّه تعالى لمّا أهلك فرعون وجنوده استقرّت يد الدّولة الموسويّة على بلاد مصر بكمالها، كما قال اللّه تعالى: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها وتمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [الأعراف: 137] وقال في الآية الأخرى: {فأخرجناهم من جنّاتٍ وعيونٍ وكنوزٍ ومقامٍ كريمٍ كذلك وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 57-59] ولكن استمرّوا مع موسى، عليه السّلام، طالبين إلى بلاد بيت المقدس [وهي بلاد الخليل عليه السّلام فاستمرّ موسى بمن معه طالبًا بيت المقدس] وكان فيه قومٌ من العمالقة، [فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة] فشرّدهم اللّه تعالى في التّيه أربعين سنةً، ومات فيه هارون، ثمّ، موسى، عليهما السّلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نونٍ، ففتح اللّه عليهم بيت المقدس، واستقرّت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصّر حينًا من الدّهر، ثمّ عادت إليهم، ثمّ أخذها ملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم مدّةً طويلةً، وبعث اللّه عيسى ابن مريم، عليه السّلام، في تلك المدّة، فاستعانت اليهود -قبّحهم اللّه -على معاداة عيسى، عليه السّلام، بملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم، وأوحوا إليهم أنّ هذا يفسد عليكم الرّعايا فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه اللّه إليه، وشبّه لهم بعض الحواريّين بمشيئة اللّه وقدره فأخذوه فصلبوه، واعتقدوا أنّه هو، {وما قتلوه يقينًا بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} [النّساء: 157، 158] ثمّ بعد المسيح، عليه السلام بنحو [من] ثلثمائة سنةٍ، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان -في دين النّصرانيّة، وكان فيلسوفًا قبل ذلك. فدخل في دين النّصارى قيل: تقيّةً، وقيل: حيلةً ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعةً وبدعًا أحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصّغار، والصّوامع والهياكل، والمعابد، والقلايات. وانتشر دين النّصرانيّة في ذلك الزّمان، واشتهر على ما فيه من تبديلٍ وتغييرٍ وتحريفٍ، ووضعٍ وكذبٍ، ومخالفةٍ لدين المسيح. ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلّا القليل من الرّهبان، فاتّخذوا لهم الصّوامع في البراري والمهامّة والقفار، واستحوذت يد النّصارى على مملكة الشّام والجزيرة وبلاد الرّوم، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينيّة، والقمامة، وبيت لحمٍ، وكنائس [بلاد] بيت المقدس، ومدن حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءاتٍ هائلةً محكمةً، وعبدوا الصّليب من حينئذٍ، وصلّوا إلى الشّرق، وصوّروا الكنائس، وأحلّوا لحم الخنزير، وغير ذلك ممّا أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة الحقيرة، الّتي يسمّونها الكبيرة، وصنّفوا له القوانين،
وبسط هذا يطول.
والغرض أنّ يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصّحابة، رضي اللّه عنهم، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، وللّه الحمد والمنّة.
وقوله: {ورزقناهم من الطّيّبات} أي: الحلال، من الرّزق الطّيّب النّافع المستطاب طبعًا وشرعًا.
وقوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم} أي: ما اختلفوا في شيءٍ من المسائل إلّا من بعد ما جاءهم العلم، أي: ولم يكن لهم أن يختلفوا، وقد بيّن اللّه لهم وأزال عنهم اللّبس. وقد ورد في الحديث: أنّ اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقةً، وأنّ النّصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقةً، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، منها واحدةٌ في الجنّة، وثنتان وسبعون في النّار. قيل: من هم يا رسول اللّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللّفظ، وهو في السّنن والمسانيد ولهذا قال اللّه تعالى: {إنّ ربّك يقضي بينهم} أي: يفصل بينهم {يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 294-296]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (94) ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين (95) إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم (97)}
قال قتادة بن دعامة: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا أشكّ ولا أسأل"
وكذا قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن البصريّ، وهذا فيه تثبيتٌ للأمّة، وإعلامٌ لهم أنّ صفة نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم موجودةٌ في الكتب المتقدّمة الّتي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} الآية [الأعراف: 157]. ثمّ مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرّفونه ويبدّلونه، ولا يؤمّنون به مع قيام الحجّة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} أي: لا يؤمنون إيمانًا ينفعهم، بل حين لا ينفع نفسًا إيمانها؛ ولهذا لمّا دعا موسى، عليه السّلام، على فرعون وملئه قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]، كما قال تعالى: {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 296]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة