العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الرعد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 11:45 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {أم هل تستوي الظّلمات والنّور...}
ويقرأ (أم هل يستوي الظّلمات والنّور) وتقرأ (تستوي) بالتاء. وهو قوله: {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} وفي موضع آخر: (وأخذت) ). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل من رّبّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم مّن دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار}
وقال: {أم جعلوا للّه شركاء} فهذه "أم" التي تكون منقطعة من أول الكلام). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل من ربّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}
{أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي هل - أو أغير الله خلق شيئا فاشتبه عليهم خلق الله من خلق غيره.
وقوله عزّ وجلّ -: {قل اللّه خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار}.
أي قل ذلك وبيّنه بما أخبر اللّه به من الدلالة على توحيده من أول هذه السورة بما يدل على أنه خالق كل شيء). [معاني القرآن: 3/144-145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم). [معاني القرآن: 3/487]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها...}
ضربه مثلا للقرآن إذا نزل عليهم لقوله: {فسالت أوديةٌ بقدرها} يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
وقوله: {فاحتمل السّيل زبداً} يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن في قلب من لم يؤمن وعبد آلهته وصار لا شيء في يده {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} فهذا مثل المؤمن.
ثم قال عزّ وجلّ: {وممّا يوقدون عليه في النّار} من الذهب والفضة والنّحاس زبد كزبد السيل يعني خبثه الذي تحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزبد في السيل.
وأمّا قوله: {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ} يقول: يوقدون عليه في النار يبتغون به الحلي والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله.
وقوله: {فيذهب جفاء} ممدود أصله الهمز يقول: جفأ الوادي غثاءه جفئا. وقيل: الجفاء: كما قيل: الغثاء: وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القماش والدّقاق والغثاء والحطام فهو مصدر. ويكون في مذهب اسم على هذا المعنى؛ كما كان العطاء اسماً على الإعطاء، فكذلك الجفاء والقماش لو أردت مصدره قلت: قمشته قمشاً. والجفاء أي يذهب سريعاً كما جاء). [معاني القرآن: 2/61-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاحتمل السّيل زبداً رابياً} مجازه: فاعلٌ من ربا يربو. أي ينتفخ.
(أو متاعٍ زبدٌ مثله)، وهو ما تمتعت به، قال المشعث:
تمتع يا مشعّث إنّ شيئاً=سبقت به الممات هو المتاع
(كذلك يضرب الله الحقّ والباطل) أي يمثّل الله الحق ويمثل الباطل.
(فأمّا الزّبد فيذهب جفآءً) قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها أو سكنت فلا يبقى منه شيء). [مجاز القرآن: 1/328-329]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أنزل من السّماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رّابياً وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مّثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
وقال: {فسالت أوديةٌ بقدرها} تقول: "أعطني قدر شبرٍ" و"قدر شبرٍ" وتقول: "قدرت" و"أنا أقدر" "قدراً" فأما المثل ففيه "القدر" و"القدر".
وقال: {أو متاعٍ زبدٌ مّثله} يقول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زيدٌ مثله" قول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا"). [معاني القرآن: 2/57]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة ونافع {ومما توقدون} بالتاء.
قراءة أخرى {يوقدون} بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 761]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {زيدا رابيا} فالزبد الحلي من الذهب والفضة، والنظم كله.
وأما {فيذهب جفاء} وهو الجفال أيضًا؛ وهو الزبد يذهب على رأس الماء؛ يقال: جفأت الأرض جفاءً؛ إذا نشفت الماء.
[وروى محمد بن صالح]
جفأً، وكذلك جفأ الوادي، وأجفا، في معنى نشف.
وأجفأ الوادي إذا جاء بالغثاء. [عن العبدي].
[وروى محمد بن صالح]:
إذا جاء بذلك، وقالوا: جفأت القدر أجفؤها؛ إذا أخرجت جفاءها؛ وهو زبدها الذي يعلوها؛ وأجفأتها أيضًا لغة؛ وقالوا: جفأت الرجل جفئًا: صرعته.
[وروى محمد بن صالح]:
[معاني القرآن لقطرب: 769]
قال معمر عن أبي عمر وبن العلاء: وأجفأت القدر إذا غلت، حتى ينصب زبدها فيذهب.
[وروى محمد]:
وقوله عز وجل {فاحتمل السيل زبدا رابيا} أي يذهب لا منفعة له؛ كذلك ما دخل في قلب من لم يؤمن وعبد آلهة؛ صار لا شيء في يده.
{وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} فهذا مثل المؤمن وما يثبت في قلبه من منفعة القرآن.
ثم قال {ومما توقدون عليه في النار} من الذهب والفضة والنحاس زبد كزبد السيل، يعني خبثه وما لا تحصله النار فتخرجه فذلك بمنزلة الزبد.
[إلى هاهنا رواه محمد بن صالح] ). [معاني القرآن لقطرب: 770]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله {ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} يجر المتاع على "وابتغاء متاع"، ويصير الزبد مرفوعًا على: ومن الذي توقدون زبد مثله). [معاني القرآن لقطرب: 771]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زبدا رابيا}: من ربا يربو.
{أو متاع}: ما متعت به.
{جفاء}: يقال قد أجفأ الناس وقد جفأتهم إذا سقتهم وقد أجفأت القدر إذا القدر إذا غلت فعلاها الزبد فإذا سكنت لم يبق منه شيء). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فسالت أوديةٌ بقدرها} أي على قدرها في الصغر والكبر.
{فاحتمل السّيل زبداً رابياً} أي زبدا عاليا على الماء.
{ابتغاء حليةٍ} أي حلى، أو متاعٍ أو آنية. يعني: أن من فلزّ الأرض وجواهرها مثل الرصاص والحديد والصّفر والذهب والفضة - خبثا يعلوها إذا أذيبت، مثل زبد الماء.
والجفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته. يقال: أجفأت القدر بزبدها: إذا ألقت زبدها عنها). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمتاع: الآلات التي ينتفع بها، قال الله تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 512]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.
هذا مثل ضربه الله للحق والباطل. يقول: الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، ومثل ذلك مطر جود، أسال الأودية بقدرها: الكبير على قدره، والصغير على قدره.
فاحتمل السّيل زبداً رابياً أي: عاليا على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق، ومن جواهر الأرض التي تدخل الكير ويوقد عليها. يعني الذهب والفضة للحلية، والشّبه والحديد للآلة، حيث يعلوها مثل زبد الماء.
فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً أي: يلقيه الماء عنه فيتعلّق بأصول الشّجر وبجنبات الوادي، وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير. فهذا مثل الباطل.
{وَأَمَّا مَا} الماء الذي {يَنْفَعُ النَّاسَ} وينبت المرعى {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} وكذلك الصّفو من الفلزّ يبقى خالصا لا شوب فيه. فهو مثل الحق). [تأويل مشكل القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال - عزّ وجلّ - ضاربا مثلا للكافرين والمؤمنين:
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السّيل زبدا رابيا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال}
{أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها}أي بما قدّر لها من ملئها، ويجوز بقدرها أي بقدر ملئها.
{فاحتمل السّيل زبدا رابيا} أي: طافيا عاليا فوق الماء.
{وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع} أي ابتغاء متاع.
(زبد مثله}.
والذي يوقد عليه في النار ابتغاء حلية: الذّهب والفضة، والذي يوقد عليه ابتغاء أمتعة الحديد والصفر والنحاس والرصاص.
و{زبد مثله} أي مثل زبد الماء.
{كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد} أي من زبد الماء، والزّبد من خبث الحديد، والصّفر والنحاس والرصاص.
{فيذهب جفاء} أي فيذهب ذلك لا ينتفع به، والجفاء ما جفا، الوادي، أي رمى به.
{وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وأما ما ينفع الناس من الماء والفضة والذهب والحديد وسائر ما ذكرنا فيمكث في الأرض.
فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء
المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الآلات التي ذكرت لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزّبد الذي يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد، وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به.
وموضع كذلك نصب، قال أبو زيد: يقال جفأت الرجل إذا صرعته وأجفات القدر بزبدها إذا ألقت زبدها فيه.
{فيذهب جفاء}. من هذا اشتقاقه.
وموضع {جفاء} نصب على الحال، وهو ممدود.
وزعم البصريون والكوفيون جميعا أنّ ما كان مثل القماش والقمام والجفاء فهذه الأشياء تجيء على مثال فعال). [معاني القرآن: 3/145-146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها}
قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها
قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها
وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى واحد
وقيل معناها بما قدر لها
ثم قال تعالى: {فاحتمل السيل زبدا رابيا}أي طالعا عاليا
قال مجاهد تم الكلام
ثم قال تعالى: {ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله}
قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص
قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة
ثم قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء}
قال مجاهد أي جمودا
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها
قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا
يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته
ثم قال تعالى: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}
قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء
ثم قال تعالى: {كذلك يضرب الله الأمثال} تم الكلام). [معاني القرآن: 3/488-490]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رابيا} عاليا على الماء.
{ابتغاء حلية} أي حلي {أو متاع} آنية من الرصاص والحديد حيث يعلوها -إذ أذيبت- مثل زبد السيل.
(والجفاء) ما رمى به الوادي في جانبيه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَّابِيًا}: زائداً
{جُفَاء}: يذهب به السيل). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
(18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} استجبت لك واستجبتك سواء وهو أجبت، والحسنى هي كل خير من الجنة فما دونها،
أي لهم الحسنى.
(المهاد) الفراش والبساط). [مجاز القرآن: 1/329]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: عزّ وجلّ: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}
أي لهم الجنة، وجائز أن يكون لهم جزاء المحسنين، وهو راجع إلى الجنة أيضا كما قال - عزّ وجلّ -: {هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان}.
{أولئك لهم سوء الحساب}.
وسوء الحساب ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم كما قال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.
وقيل سوء الحساب أن يستقصى عليه حسابه ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته، وكلاهما فيه عطب.
ودليل هذا القول الثاني من نوقش الحساب عذّب.
وتكون سوء الحساب المناقشة). [معاني القرآن: 3/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}قال قتادة هي الجنة
وقوله تعالى: {أولئك لهم سوء الحساب}
قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال
ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك
قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء). [معاني القرآن: 3/490-491]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 05:11 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) }


تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (باب الممدود الذي يضم أوله
من ذلك الدعاء، والحداء والغثاء، والجفاء وهو ما جفأه الوادي أي رمى به). [المقصور والممدود: 89] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأحمر: جفأ الوادي يجفأ جفأ إذا رمى بالزبد والقذر والقمش، واسم ذلك الزبد الجفاء ممدود، قال الله تبارك وتعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء}). [الغريب المصنف: 2/444]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال وجاء رجل فقال: رأيت عسا من لبن، جيء به حتى وضع، ثم جيء بعس آخر، فوضع فيه فوسعه، فجعلت وأصحاب لي نأكل من رغوته، ثم تحول رأس جمل، فجعلنا نأكله بالعسل.

فقال ابن سيرين: بئس ما رأيت لك ولأصحابك؛ أما اللبن فالفطرة؛ وأما الذي وضع فيه فوسعه، فهو ما دخل في الفطرة من شيء وسعته؛ وأما أكلكم رغوته، فإن الله عز وجل يقول: {فأما الزبد فيذهب جفاء} فأخذتم الجفاء؛ وأما الجمل، فرجل عربي، وليس في الجمل أعظم من رأسه، ورأس العرب أمير المؤمنين، فأنتم تعتابونه؛ وأما العسل، فشيء تزينون به كلامكم؛ وأمير المؤمنين إذ ذاك عمر بن عبد العزيز). [تعبير الرؤيا: 94]

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) }

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:53 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:54 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:03 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل من رب السماوات والأرض} الآية. جاء السؤال والجواب في هذه الآية من ناحية واحدة، إذ كان السؤال والتقرير عن أمر واضح لا مدافعة لأحد فيه ملتزم للحجة، فكان السبق إلى الجواب أفصح في الاحتجاج وأسرع في قطعهم من انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقع البدار إليه. وقال مكي: جهلوا الجواب وطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، فلما تقيد من هذا كله أن الله تعالى هو رب السماوات والأرض وقع التوبيخ على اتخاذهم من دونه أولياء متصفين بأنهم لا ينفعون أنفسهم ولا يضرونها، وهذه غاية العجز، وفي ضمن هذا الكلام: "وتركتموه وهو الذي بيده ملكوت كل شيء"، ولفظة: من دونه تقتضي ذلك.
ثم مثل الكفار والمؤمنين -بعد هذا- بقوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "تستوي الظلمات" بالتاء، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "يستوي" بالياء، فالتأنيث أحسن لأنه مؤنث لم يفصل بينه وبين عامله بشيء، والتذكير شائع لأنه تأنيث غير حقيقي والفعل مقدم، وشبهت هذه الآية الكافر بالأعمى والكفر بالظلمات، وشبهت المؤمن بالبصير والإيمان بالنور. ثم وقفهم بعد، هل رأوا خلقا لغير الله فحملهم ذلك واشتباههم بما خلق الله على أن جعلوا إلها غير الله. ثم أمر محمدا عليه الصلاة والسلام بالإفصاح بصفات الله تعالى في أنه خالق كل شيء، وهذا عموم في
[المحرر الوجيز: 5/195]
اللفظ يراد به الخصوص في كل ما هو خلق الله تعالى، ويخرج عن ذلك صفات ذاته لا رب غيره، والقرآن، ووصف نفسه بالوحدانية من حيث لا موجود إلا به، وهو في وجوده مستغن عن الموجودات، لا إله إلا هو العلي العظيم). [المحرر الوجيز: 5/196]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}
صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله تعالى وإقامة الحجة على الكفرة به، ثم لما فرغ من ذكر ذلك جعله مثالا للحق والباطل، والإيمان والكفر والشك في الشرع واليقين به.
"ماء": يريد به المطر، و"الأودية": ما بين الجبال من الانخفاض والخنادق، وقوله سبحانه: "بقدرها" يحتمل أن يريد بما قدر لها من الماء ويحتمل أن يريد بقدر ما تحمله على قدر صغرها وكبرها وقرأ جمهور الناس "بقدرها" بفتح الدال، وقرأ الأشهب العقيلي بسكونها.
و "الزبد": ما يحمله السيل من غثاء ونحوه وما يرمي به ضفتيه من الحباب الملتبك به، ومنه قول حسان بن ثابت:
والبحر حين تهب الريح شامية ... فباطل ويرمي العبر بالزبد
و "الرابي": المنتفخ الذي قد ربا، ومنه الربوة.
وقوله تعالى: "ومما" خبر ابتداء، والابتداء قوله: "زبد" و"مثله" نعت لـ "الزبد"، والمعنى: ومن الأشياء التي توقدون عليها ابتغاء الحلي -وهي الذهب والفضة- ابتغاء الاستمتاع بما في المرافق -وهي الحديد والرصاص والنحاس ونحوها من الأشياء التي توقدون عليها، فأخبر تعالى أن من هذه أيضا -إذا أحمي عليها- يكون زبد مماثل للزبد الذي يحمله السيل، ثم ضرب تعالى ذلك مثالا للحق والباطل، أي أن الماء الذي
[المحرر الوجيز: 5/196]
تشربه الأرض فيقع النفع به هو كالحق، والزبد الذي يجفو وينفش ويذهب هو كالباطل، وكذلك ما يخلص من الذهب والفضة والحديد ونحوها هو كالحق، وما يذهب في الدخان هو كالباطل. وقوله: {في النار} متعلق بمحذوف تقديره: كائنا كذا، قال مكي وغيره: ومنعوا أن يتعلق بقوله: "يوقدون" لأنهم زعموا أنه ليس يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بـ "يوقدون" يتضمن تخصيص حال من حال أخرى. وذهب أبو علي الفارسي إلى تعلقه بـ "يوقدون"، وقال: قد يوقد على شيء وليس في النار كقوله تعالى: {فأوقد لي يا هامان على الطين} فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه وليس في النار لكن يصيبه لهبها. وقوله: "جفاء" مصدر من قولك: "جفأت القدر" إذا غلت حتى خرج زبدها وذهب. وقرأ رؤبة: "جفالا" من قولهم: "جفلت الريح السحاب" إذا حملته وفرقته، قال أبو حاتم: لا تعتبر قراءة الأعراب في القرآن.
وقوله: {ما ينفع الناس} يريد الخالص من الماء ومن تلك الأحجار، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة، والحسن: "توقدون" بالتاء، أي أنتم أيها الموقدون، وهي صفة لجميع أنواع الناس. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وابن محيصن، ومجاهد، وطلحة، ويحيى، وأهل الكوفة "يوقدون" بالياء، على الإشارة إلى الناس. و"جفاء" مصدر في موضع الحال، وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى: {من السماء} يريد به الشرع والدين. وقوله: {فسالت أودية} يريد به القلوب، أي: أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه.
[المحرر الوجيز: 5/197]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول لا يصح والله أعلم عن ابن عباس لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق، ولا وجه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير علة تدعو إلى ذلك، والله الموفق للصواب برحمته، وإن صح هذا القول عن ابن عباس فإنما قصد أن قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل} معناه: الحق الذي يتقرر في القلوب، والباطل: الذي يعتريها). [المحرر الوجيز: 5/198]

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}
الذين استجابوا هم المؤمنون الذين دعاهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه.
و"الحسنى": هي الجنة، ويدخل في هذا النصر في الدنيا ونحو ذلك من البشارات التي تكون للمؤمن وكل ما يختص به المؤمنون من نعم الله عز وجل.
والذين لم يستجيبوا هم: الكفرة. وسوء الحساب هو التقصي على المحاسب، وأن لا يقع في حسابه من التجاوز. قاله حوشب، وإبراهيم النخعي،
[المحرر الوجيز: 5/198]
وفرقد السبخي وغيره. و"المأوى)" حيث يأوي الإنسان ويسكن، و"المهاد" ما يفترش ويلبس بالجلوس والرقاد). [المحرر الوجيز: 5/199]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 07:51 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 07:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل من ربّ السّماوات والأرض قل اللّه قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار (16)}
يقرّر تعالى أنّه لا إله إلّا هو؛ لأنّهم معترفون أنّه هو الّذي خلق السّموات والأرض، وهو ربّها ومدبّرها، وهم مع هذا قد اتّخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وأولئك الآلهة لا تملك لنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى {نفعًا ولا ضرًّا} أي: لا تحصّل منفعةً، ولا تدفع مضرّةً. فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع اللّه، ومن عبد اللّه وحده لا شريك له، وهو على نورٍ من ربّه؟ ولهذا قال: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي: أجعل هؤلاء المشركون مع اللّه آلهةً تناظر الرّبّ وتماثله في الخلق، فخلقوا كخلقه، فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنّها مخلوقةٌ من مخلوقٍ غيره؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنّه لا يشابهه شيءٌ ولا يماثله، ولا ندّ له ولا عدل له، ولا وزير له، ولا ولد ولا صاحبة، تعالى اللّه عن ذلك علوًّا كبيرًا. وإنّما عبد هؤلاء المشركون معه آلهةً هم يعترفون أنّها مخلوقةٌ له عبيدٌ له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. وكما أخبر تعالى عنهم في قوله: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} [الزّمر: 3] فأنكر تعالى ذلك عليهم، حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع عنده أحدإلا بإذنه، {ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سبأٍ: 23]، {وكم من ملكٍ في السّماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى} [النّجم: 26] وقال: {إن كلّ من في السّماوات والأرض إلا آتي الرّحمن عبدًا لقد أحصاهم وعدّهم عدًّا وكلّهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 93 -95] فإذا كان الجميع عبيدًا، فلم يعبد بعضهم بعضًا بلا دليلٍ ولا برهانٍ، بل بمجرّد الرّأي والاختراع والابتداع؟ ثمّ قد أرسل رسله من أوّلهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة من سوى اللّه، فكذّبوهم وخالفوهم، فحقّت عليهم كلمة العذاب لا محالة، {ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 446-447]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال (17)}
اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحقّ في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، فقال تعالى: {أنزل من السّماء ماءً} أي: مطرًا، {فسالت أوديةٌ بقدرها} أي: أخذ كلّ وادٍ بحسبه، فهذا كبيرٌ وسع كثيرًا من الماء، وهذا صغيرٌ فوسع بقدره، وهو إشارةٌ إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علمًا كثيرًا، ومنها ما لا يتّسع لكثيرٍ من العلوم بل يضيق عنها، {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} أي: فجاء على وجه الماء الّذي سال في هذه الأودية زبدٌ عالٍ عليه، هذا مثلٌ، وقوله: {وممّا يوقدون عليه في النّار} هذا هو المثل الثّاني، وهو ما يسبك في النّار من ذهبٍ أو فضّةٍ {ابتغاء حليةٍ} أي: ليجعل حليةً أو نحاسًا أو حديدًا، فيجعل متاعًا فإنّه يعلوه زبدٌ منه، كما يعلو ذلك زبدٌ منه. {كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل} أي: إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له، كما أنّ الزّبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذّهب ونحوه ممّا يسبك في النّار، بل يذهب ويضمحلّ؛ ولهذا قال: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} أي: لا ينتفع به، بل يتفرّق ويتمزّق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشّجر وتنسفه الرّياح. وكذلك خبث الذّهب والفضّة والحديد والنّحاس يذهب، لا يرجع منه شيءٌ، ولا يبقى إلّا الماء وذلك الذّهب ونحوه ينتفع به؛ ولهذا قال: {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال} كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43].
قال بعض السّلف: كنت إذا قرأت مثلًا من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: {وما يعقلها إلا العالمون}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} هذا مثلٌ ضربه اللّه، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها، فأمّا الشّكّ فلا ينفع معه العمل، وأمّا اليقين فينفع اللّه به أهله. وهو قوله: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} [وهو الشّكّ] {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وهو اليقين، وكما يجعل الحليّ في النّار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النّار؛ فكذلك يقبل اللّه اليقين ويترك الشّكّ.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} يقول: احتمل السّيل ما في الوادي من عودٍ ودمنة {وممّا يوقدون عليه في النّار} فهو الذّهب والفضّة والحلية والمتاع والنّحاس والحديد، فللنّحاس والحديد خبثٌ، فجعل اللّه مثل خبثه كزبد الماء، فأمّا ما ينفع النّاس فالذّهب والفضّة، وأمّا ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذاك مثل العمل الصّالح يبقى لأهله، والعمل السّيّئ يضمحلّ عن أهله، كما يذهب هذا الزّبد، فكذلك الهدى والحقّ جاءا من عند اللّه، فمن عمل بالحقّ كان له، ويبقى كما يبقى ما ينفع النّاس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكّينٌ ولا سيفٌ حتّى يدخل في النّار فتأكل خبثه، ويخرج جيّده فينتفع به. كذلك يضمحلّ الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم النّاس، وعرضت الأعمال، فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحقّ بالحقّ.
وكذلك روي في تفسيرها عن مجاهدٍ، والحسن البصريّ، وعطاءٍ، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقد ضرب اللّه، سبحانه وتعالى، في أوّل سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريًّا ومائيًّا، وهما قوله: {مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا فلمّا أضاءت ما حوله} الآية [البقرة: 17]، ثمّ قال: {أو كصيّبٍ من السّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ} الآية [البقرة: 19]. وهكذا ضرب للكافرين في سورة النّور مثلين، أحدهما: قوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً} [النّور: 39] الآية، والسّراب إنّما يكون في شدّة الحرّ؛ ولهذا جاء في الصّحيحين: "فيقال لليهود يوم القيامة: فما تريدون؟ فيقولون: أي ربّنا، عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون؟ فيردون النّار فإذا هي كالسّراب يحطم بعضها بعضًا".
ثمّ قال في المثل الآخر: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ} الآية [النّور: 40]. وفي الصّحيحين عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم، كمثل غيثٍ أصاب أرضًا، فكان منها طائفةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللّه بها النّاس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفةً منها [أخرى] إنّما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين اللّه ونفعه اللّه بما بعثني ونفع به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى اللّه الّذي أرسلت به".
فهذا مثل مائيٌّ، وقال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "مثلي ومثلكم، كمثل رجلٍ استوقد نارًا، فلمّا أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدّوابّ الّتي يقعن في النّار يقعن فيها، وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيقتحمن فيها". قال: "فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النّار، هلمّ عن النّار [هلمّ عن النّار، هلمّ] فتغلبوني فتقتحمون فيها". وأخرجاه في الصّحيحين أيضًا فهذا مثلٌ ناريٌّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 447-449]


تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد (18)}
يخبر تعالى عن مآل السّعداء والأشقياء فقال: {للّذين استجابوا لربّهم} أي: أطاعوا اللّه ورسوله، وانقادوا لأوامره، وصدّقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم {الحسنى} وهو الجزاء الحسن كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنّه قال: {قال أمّا من ظلم فسوف نعذّبه ثمّ يردّ إلى ربّه فيعذّبه عذابًا نكرًا وأمّا من آمن وعمل صالحًا فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرًا} [الكهف: 87، 88] وقال تعالى: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26].
وقوله: {والّذين لم يستجيبوا له} أي لم: يطيعوا اللّه {لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا} أي: في الدّار الآخرة، لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب اللّه بملء الأرض ذهبًا ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يتقبّل منهم؛ لأنّه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا {أولئك لهم سوء الحساب} أي: في الدّار الآخرة، أي: يناقشون على النّقير والقطمير، والجليل والحقير، ومن نوقش الحساب عذّب؛ ولهذا قال: {ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 449]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة