العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:13 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية، هذه الآية نزلت في البيعة الثالثة وهي بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو، وذلك أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة فقالوا: اشترط لك ولربك، والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة، فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم حمايته مما يحمون منه أنفسهم، واشترط لربه التزام الشريعة وقتال الأحمر والأسود في الدفع عن الحوزة، فقالوا: ما لنا على ذلك؟ قال الجنة، فقالوا: نعم ربح البيع لا نقيل ولا نقال، وفي بعض الروايات ولا نستقيل فنزلت الآية في ذلك.
ثم الآية بعد ذلك عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وقال بعض العلماء: ما من مسلم إلا ولله في عنقه هذه البيعة وفى بها أو لم يف، وفي الحديث أن فوق كل بربرا حتى يبذل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك، وهذا تمثيل من الله عز وجل جميل صنعه بالمبايعة، وذلك أن حقيقة المبايعة أن تقع بين نفسين بقصد منهما وتملك صحيح، وهذه القصة وهب الله عباده أنفسهم وأموالهم ثم أمرهم ببذلها في ذاته ووعدهم على ذلك ما هو خير منها، فهذا غاية التفضل، ثم شبه القصة بالمبايعة، وأسند الطبري عن كثير من أهل العلم أنهم قالوا: ثامن الله تعالى في هذه الآية عباده فأعلى لهم وقاله ابن عباس والحسن بن أبي الحسن، وقال ابن عيينة: معنى الآية اشترى منهم أنفسهم ألا يعملوها إلا في طاعة الله، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالآية على هذا أعم من القتل في سبيل الله، ومبايعة الخلفاء هي منتزعة من هذه الآية. كان الناس يعطون الخلفاء طاعتهم ونصائحهم وجدهم ويعطيهم الخلفاء عدلهم ونظرهم والقيام بأمورهم، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع الواعظ أبا الفضل بن الجوهري يقول على المنبر بمصر: ناهيك من صفقة البائع فيها رب العلى والثمن جنة المأوى والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم،
وقوله يقاتلون في سبيل اللّه مقطوع ومستأنف، وذلك على تأويل سفيان بن عيينة، وأما على تأويل الجمهور من أن الشراء والبيع إنما هو مع المجاهدين فهو في موضع الحال، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وقتادة وأبو رجاء وغيرهم: «فيقتلون» على البناء للفاعل «ويقتلون» على البناء للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي والنخعي وابن وثاب وطلحة والأعمش بعكس ذلك، والمعنى واحد إذ الغرض أن المؤمنين يقاتلون فيوجد فيهم من يقتل وفيهم من يقتل وفيهم من يجتمعان له وفيهم من لا تقع له واحدة منهما، وليس الغرض أن يجتمع ولا بد لكل واحد واحد، وإذا اعتبر هذا بان، وقوله سبحانه وعداً عليه حقًّا مصدر مؤكد لأن ما تقدم من الآية هو في معنى الوعد فجاء هو مؤكدا لما تقدم من قوله: بأنّ لهم الجنّة، وقال المفسرون: يظهر من قوله: في التّوراة والإنجيل والقرآن، أن كل أمة أمرت بالجهاد ووعدت عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن ميعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم تقدم ذكره في هذه الكتب، وقوله ومن أوفى بعهده من اللّه استفهام على جهة التقرير أي لا أحد أوفى بعهده من الله، وقوله فاستبشروا فعل جاء فيه استفعل بمعنى أفعل وليس هذا من معنى طلب الشيء، كما تقول: استوقد نارا واستهدى مالا واستدعى نصرا بل هو كعجب واستعجب، ثم وصف تعالى ذلك البيع بأنه الفوز العظيم، أي أنه الحصول على الحظ الأغبط من حط الذنوب ودخول الجنة بلا حساب). [المحرر الوجيز: 4/ 415-417]

تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112) ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113)
هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنه اشترى منهم أنفسهم، وارتفعت هذه الصفات لما جاءت مقطوعة في ابتداء آية على معنى: «هم التائبون»، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى رتبة والآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات التي هي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها وقالت فرقة: بل هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط، والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله، وأسند الطبري في ذلك عن الضحاك بن مزاحم أن رجلا سأله عن قول الله عز وجل: إنّ اللّه اشترى [التوبة: 111] وقال الرجل ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل، فقال الضحاك: ويلك أين الشرط التّائبون العابدون الآية، وهذا القول تحريج وتضييق والله أعلم، والأول أصوب، والشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد، وقد روي أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ختم الله لنا بالحسنى، وقالت فرقة: إن رفع «التائبين» إنما هو على الابتداء وما بعده صفة، إلا قوله الآمرون فإنه خبر الابتداء كأنه قال «هم الآمرون»، وهذا حسن إلا أن معنى الآية ينفصل من معنى التي قبلها وذلك قلق فتأمله، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «التائبين العابدين» إلى آخرها، ولذلك وجهان أحدهما: الصفة للمؤمنين على اتباع اللفظ والآخر النصب على المدح، والتّائبون لفظ يعم الرجوع من الشر إلى الخير كان ذلك من كفر أو معصية والرجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها، وإن لم تكن الأولى شرا بل خيرا، وهكذا توبة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره سبعين مرة في اليوم، والتائب هو المقلع عن الذنب العازم على التمادي على الإقلاع النادم على ما سلف، والتائب عن ذنب يسمى تائبا وإن قام على غيره إلا أن يكون من نوعه فليس بتائب والتوبة ونقضها دائبا خير من الإصرار، ومن تاب ثم نقض ووافى على النقض فإن ذنوبه الأولى تبقى عليه لأن توبته منها علم الله أنها منقوضة، ويحتمل الأمر غير ذلك والله أعلم.
وقال الحسن في تفسير الآية: التّائبون معناه من الشرك، والعابدون لفظ يعم القيام بعبادة الله والتزام شرعه وملازمة ذلك والمثابرة عليه والدوام، والعابد هو المحسن الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، «أن تعبد الله كأنك تراه» الحديث، وبأدنى عبادة يؤديها المرء المسلم يقع عليه اسم عابد ويحصل في أدنى رتبته وعلى قدر زيادته في العبادة يحصل الوصف،
والحامدون معناه: الذاكرون لله بأوصافه الحسنى في كل حال وعلى السراء والضراء وحمده لأنه أهل لذلك، وهو أعم من الشكر إذ الشكر إنما هو على النعم الخاصة بالشاكر، والسّائحون معناه الصائمون، وروي عن عائشة أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، وأسنده الطبري وروي أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث «إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغوني صلاة أمتي عليّ»، ويروى الحديث «صياحين» بالصاد من الصياح والسياحة في الأرض مأخوذ من السيح وهو الماء الجاري على الأرض إلى غير غاية، وقال بعض الناس وهو في كتاب النقاش: السّائحون هم الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته، وهذا قول حسن وهي من أفضل العبادات، ومن ذلك قول معاذ بن جبل: اقعد بنا نؤمن ساعة، ويروى أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وجعل يفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال: أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى: إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل [غافر: 71] وفكرت كيف أتلقى الغل وبقيت في ذلك ليلي أجمع، والرّاكعون السّاجدون هم المصلون الصلوات الخمس كذا قال أهل العلم، ولكن لا يختلف في أن من يكثر النوافل هو أدخل في الاسم وأغرق في الاتصاف، وقوله: الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر هو أمر فرض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجملة ثم يفترق الناس فيه مع التعيين، فأما ولاة الأمر والرؤساء فهو فرض عليهم في كل حال، وأما سائر الناس فهو فرض عليهم بشروط: منها أن لا تلحقه مضرة وأن يعلم أن قوله يسمع ويعمل به ونحو هذا ثم من تحمل بعد في ذات الله مشقة فهو أعظم أجرا، وأسند الطبري عن بعض العلماء أنه قال: حيثما ذكر الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو الأمر بالإسلام والنهي عن الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا شك أنه يتناول هذا وهو أحرى، إذ يتناول ما دونه فتعميم اللفظ أولى، وأما هذه الواو التي في قوله والنّاهون ولم يتقدم في واحدة من الصفات قبل فقيل معناها الربط بين هاتين الصفتين وهي «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» إذ هما من غير قبيل الصفات الأول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن الأول فيما يخص المرء، وهاتان بينه وبين غيره، ووجب الربط بينهما لتلازمهما وتناسبهما، وقيل هي زائدة وهذا قول ضعيف لا معنى له، وقيل هي واو الثمانية لأن هذه الصفة جاءت ثامنة في الرتبة، ومن هذا قوله في أبواب الجنة وفتحت أبوابها [الزمر: 73]، وقوله وثامنهم كلبهم [الكهف: 22]، ومن هذا قوله ثيّباتٍ وأبكاراً [التحريم: 5].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: على أن هذه تعترض حتى لا يلزم أن يكون واو ثمانية، لأنها فرقت بين فصلين يعمان بمجموعهما جميع النساء، ولا يصح أن يكون «ثيبات أبكارا» [التحريم: 5]، فهي فاصلة ضرورة، وواو الثمانية قد ذكرها ابن خالويه، في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله وفتحت أبوابها [الزمر: 73]، وأنكرها أبو علي، وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأستاذ أبي عبد الله الكفيف المالقي وكان ممن استوطن غرناطة وقرأ فيها في مدة ابن حبوس أنه قال: هي لغة فصيحة لبعض العرب من
شأنهم أن يقولوا إذا عدوا واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة، فهكذا هي لغتهم، ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو، وقوله والحافظون لحدود اللّه لفظ عام تحته إلزام الشريعة والانتهاء عما نهى الله في كل شيء وفي كل فن، وقوله وبشّر المؤمنين قيل هو لفظ عام أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر أمته جميعا بالخير من الله، وقيل بل هذه الألفاظ خاصة لمن لم يغز أي لما تقدم في الآية وعد المجاهدين وفضلهم أمر أن يبشر سائر الناس ممن لم يغز بأن الإيمان مخلص من النار والحمد لله رب العالمين). [المحرر الوجيز: 4/ 417-422]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)}
يخبر تعالى أنّه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنّة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنّه قبل العوض عمّا يملكه بما تفضّل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصريّ وقتادة: بايعهم واللّه فأغلى ثمنهم.
وقال شمر بن عطيّة: ما من مسلمٍ إلّا وللّه، عزّ وجلّ، في عنقه بيعةٌ، وفّى بها أو مات عليها، ثمّ تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل اللّه بايع اللّه، أي: قبل هذا العقد ووفّى به.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي وغيره: قال عبد اللّه بن رواحة، رضي اللّه عنه، لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني ليلة العقبة -: اشترط لربّك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنّة". قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} الآية.
وقوله: {يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون} أي: سواءٌ قتلوا أو قتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنّة؛ ولهذا جاء في الصّحيحين: "وتكفّل اللّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادٌ في سبيلي، وتصديقٌ برسلي، بأن توفّاه أن يدخله الجنّة، أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه، نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ".
وقوله: {وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن} تأكيدٌ لهذا الوعد، وإخبارٌ بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التّوراة المنزّلة على موسى، والإنجيل المنزّل على عيسى، والقرآن المنزّل على محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
وقوله: {ومن أوفى بعهده من اللّه} [أي: ولا واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من اللّه] فإنّه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} [النّساء: 87] {ومن أصدق من اللّه قيلا} [النّساء: 122]؛ ولهذا قال: {فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد، بالفوز العظيم، والنعيم المقيم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 218]

تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112)}
هذا نعت المؤمنين الّذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصّفات الجميلة والخلال الجليلة: {التّائبون} من الذّنوب كلّها، التّاركون للفواحش، {العابدون} أي: القائمون بعبادة ربّهم محافظين عليها، وهي الأقوال والأفعال فمن أخصّ الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال: {الحامدون} ومن أفضل الأعمال الصيام، وهو ترك الملاذّ من الطّعام والشّراب والجماع، وهو المراد بالسّياحة هاهنا؛ ولهذا قال: {السّائحون} كما وصف أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك في قوله تعالى: {سائحاتٍ} [التّحريم: 5] أي: صائماتٍ، وكذا الرّكوع والسّجود، وهما عبارةٌ عن الصّلاة، ولهذا قال: {الرّاكعون السّاجدون} وهم مع ذلك ينفعون خلق اللّه، ويرشدونهم إلى طاعة اللّه بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود اللّه في تحليله وتحريمه، علمًا وعملًا فقاموا بعبادة الحقّ ونصح الخلق؛ ولهذا قال: {وبشّر المؤمنين} لأنّ الإيمان يشمل هذا كلّه، والسّعادة كلّ السّعادة لمن اتّصف به.
[بيان أنّ المراد بالسّياحة الصّيام]:
قال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن زرّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: {السّائحون} الصّائمون. وكذا روي عن سعيد بن جبير، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: كلّ ما ذكر اللّه في القرآن السّياحة، هم الصّائمون. وكذا قال الضّحّاك، رحمه اللّه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: سياحة هذه الأمّة الصّيام.
وهكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وعطاءٌ، وأبو عبد الرّحمن السّلميّ، والضّحّاك بن مزاحم، وسفيان بن عيينة وغيرهم: أنّ المراد بالسّائحين: الصّائمون.
وقال الحسن البصريّ: {السّائحون} الصّائمون شهر رمضان.
وقال أبو عمرٍو العبدي: {السّائحون} الّذين يديمون الصّيام من المؤمنين.
وقد ورد في حديثٍ مرفوعٍ نحو هذا، وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا حكيم بن حزامٍ، حدّثنا سليمان، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "السّائحون هم الصّائمون"
[ثمّ رواه عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة أنّه قال: {السّائحون} الصّائمون].
وهذا الموقوف أصحّ.
وقال أيضًا: حدّثني يونس، عن ابن وهبٍ، عن عمر بن الحارث، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عمير قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّائحين فقال: "هم الصّائمون".
وهذا مرسلٌ جيّدٌ.
فهذه أصحّ الأقوال وأشهرها، وجاء ما يدلّ على أنّ السّياحة الجهاد، وهو ما روى أبو داود في سننه، من حديث أبي أمامة أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، ائذن لي في السّياحة. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "سياحة أمّتي الجهاد في سبيل اللّه".
وقال ابن المبارك، عن ابن لهيعة: أخبرني عمارة بن غزيّة: أنّ السّياحة ذكرت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبدلنا اللّه بذلك الجهاد في سبيل اللّه، والتّكبير على كلّ شرفٍ".
وعن عكرمة أنّه قال: هم طلبة العلم. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون. رواهما ابن أبي حاتمٍ.
وليس المراد من السّياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبّد بمجرّد السّياحة في الأرض، والتّفرّد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإنّ هذا ليس بمشروعٍ إلّا في أيّام الفتن والزّلازل في الدّين، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يوشك أن يكون خير مال الرّجل غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن".
وقال العوفيّ وعليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون بطاعة اللّه. وكذا قال الحسن البصريّ، وعنه رواية: {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائض اللّه، وفي روايةٍ: القائمون على أمر اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 218-221]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة