العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 01:33 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ومنهم من يلمزك الآية، الضمير في قوله ومنهم عائد على المنافقين، وأسند الطبري إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: جاء ابن ذي الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما فقال: اعدل يا محمد الحديث المشهور بطوله، وفيه قال أبو سعيد: فنزلت في ذلك ومنهم من يلمزك في الصّدقات، وروى داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقة فقسمها ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه نزعة منافق، وكذلك روي من غير ما طريق أن الآية نزلت بسبب كلام المنافقين إذ لم يعطوا بحسب شطط آمالهم، ويلمزك معناه يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة = وأن أغيب فأنت الهامز اللمزة
ومنه قول رؤبة: [الرجز]
... ... ... ... = في ظل عصري باطلي ولمزي
والهمز أيضا في نحو ذلك ومنه قوله تعالى ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ [الهمزة: 1] وقيل لبعض العرب: أتهمز الفأرة فقال: إنها تهمزها الهرة قال أبو علي: فجعل الأكل همزا، وهذه استعارة كما استعار حسان بن ثابت الغرث في قوله: [الطويل]
... ... ... ... = وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
تركيبا على استعارة الأكل في الغيبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يجعل الأعرابي الهمز الأكل، وإنما أراد ضربها إياها بالناب والظفر، وقرأ جمهور الناس «يلمزك» بكسر الميم، وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة «يلمزك» بضم الميم، وهي قراءة أهل مكة وقراءة الحسن وأبي رجاء وغيرهم، وقرأ الأعمش «يلمّزك»، وروى أيضا حماد بن سلمة عن ابن كثير «يلامزك»، وهي مفاعلة من واحد لأنه فعل لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 4/ 338-340]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله الآية، وصف للحال التي ينبغي أن يكون عليها المستقيمون، يقول تعالى: ولو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق لهم وما أعطاهم على يدي رسوله ورجوا أنفسهم فضل الله ورسوله وأقروا بالرغبة إلى الله لكان خيرا لهم وأفضل مما هم فيه، وحذف الجواب من الآية لدلالة ظاهر الكلام عليه، وذلك من فصيح الكلام وإيجازه). [المحرر الوجيز: 4/ 340]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)
إنّما في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف الصّدقات على الثمانية الأصناف، وإنما اختلف في صورة القسمة فقال مالك وغيره: ذلك على قدر اجتهاد الإمام وبحسب أهل الحاجة، وقال الشافعي: هي ثمانية أقسام على ثمانية أصناف لا يخل بواحد منها إلا أن المؤلّفة انقطعوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويقول صاحب هذا القول: إنه لا يجزئ المتصدق والقاسم من كل صنف أقل من ثلاثة، وأما الفقير والمسكين فقال الأصمعي وغيره: الفقير أبلغ فاقة وقال غيرهم: المسكين أبلغ فاقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا طريق إلى هذا الاختلاف ولا إلى الترجيح إلا النظر في شواهد القرآن والنظر في كلام العرب وأشعارها، فمن حجة الأولين قول الله عز وجل أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [الكهف: 79] واعترض هذا الشاهد بوجوه منها، أن يكون سماهم «مساكين» بالإضافة إلى الغاصب وإن كانوا أغنياء على جهة الشفقة كما تقول في جماعة تظلم مساكين لا حيلة لهم وربما كانوا مياسير ومنها: أنه قرئ «لمساكين» بشد السين بمعنى: دباغين يعملون المسوك قاله النقاش وغيره ومنها:
أن تكون إضافتها إليهم ليست بإضافة ملك بل كانوا عاملين بها فهي كما تقول: سرج الفرس، ومن حجة الآخرين قول الراعي: [البسيط]
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقد اعترض هذا الشاهد بأنه إنما سماه فقيرا بعد أن صار لا حلوبة له، وإنما ذكر الحلوبة بأنها كانت، وهذا اعتراض يرده معنى القصيدة ومقصد الشاعر بأنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي بأجمعه، فقال: أما الفقير فاستؤصل ماله فكيف بالغني مع هذه الحال، وذهب من يقول إن المسكين أبلغ فاقة إلى أنه مشتق من السكون، وأن الفقير مشتق من فقار الظهر كأنه أصيب فقارة فيه لا محالة حركة، وذهب من يقول إن الفقير أبلغ فاقة: إلى أنه مشتق من فقرت البئر إذا نزعت جميع ما فيها، وأن المسكين من السكن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومع هذا الاختلاف فإنهما صنفان يعمهما الإقلال والفاقة، فينبغي أن يبحث على الوجه الذي من أجله جعلهما الله اثنين، والمعنى فيهما واحد، وقد اضطرب الناس في هذا، فقال الضحاك بن مزاحم: «الفقراء» هم من المهاجرين والمساكين من لم يهاجر، وقال النخعي نحوه، قال سفيان: يعني لا يعطى فقراء الأعراب منها شيئا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والمسكين السائل» يعطى في المدينة وغيرها، وهذا القول هو حكاية الحال وقت نزول الآية، وأما منذ زالت الهجرة فاستوى الناس، وتعطى الزكاة لكل متصف بفقر،
وقال عكرمة: «الفقراء» من المسلمين، والمساكين من أهل الذمة، ولا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر: «الفقير» من لا مال له ولا حرفة سائلا كان أو متعففا، «والمسكين» الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلا كان أو غير سائل، وقال قتادة بن دعامة: الفقير الزمن المحتاج، والمسكين الصحيح المحتاج،
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري وابن زيد وجابر بن زيد ومحمد بن مسلمة: «المساكين» الذين يسعون ويسألون، و «الفقراء» هم الذين يتصاونون، وهذا القول الأخير إذا لخص وحرر أحسن ما يقال في هذا، وتحريره: أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذل ولا بذل وجهه، وذلك إما لتعفف مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال، فهذه هي المسكنة، فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينا، ويقوي هذا أن الله تعالى قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة وقرنها بالذلة مع غناهم،
وإذا تأملت ما قلناه بان أنهما صنفان موجودان في المسلمين، ويقوي هذا قوله تعالى: للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف [البقرة: 273] وقيل لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: إني والله مسكين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، اقرأوا إن شئتم لا يسئلون النّاس إلحافاً [البقرة: 273]، فدل هذا الحديث على أن المسكين في اللغة هو الطواف، وجرى تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على المتصاون مجرى تقديم «الفقراء» في الآية لمعنى الاهتمام إذ هم بحيث إن لم يتهمم بهم هلكوا، والمسكين يلح ويذكر بنفسه، وأما العامل فهو الرجل الذي يستنيبه الإمام في السعي على الناس وجمع صدقاتهم، وكل من يصرف من عون لا يستغنى عنه فهو من العاملين لأنه يحشر الناس على السعي، وقال الضحاك: للعاملين ثمن ما عملوا على قسمة القرآن، وقال الجمهور: لهم قدر تعبهم ومؤنتهم قاله مالك والشافعي في كتاب ابن المنذر، فإن تجاوز ذلك ثمن الصدقة فاختلف، فقيل يتم لهم ذلك من سائر الأنصباء وقيل، بل يتم لهم ذلك من خمس الغنيمة، واختلف إذا عمل في الصدقات هاشمي فقيل: يعطى منها عمالته وقيل: بل يعطاها الخمس، ولا يجوز للعامل قبول الهدية والمصانعة ممن يسعى عليه وذلك إن فعله رد في بيت المال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية حين استعمله على الصدقة فقال، هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا قعدت في بيت أبيك وأمك حتى تعلم ما يهدى لك» وأخذ الجميع منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتأمل عمالة الساعي هل يأخذها قبل العمل أو بعده، وهل هي إجازة أو هي جعل وهل العمل معلوم أو هو يتتبع وإنما يعرف قدره بعد الفراغ، وأما المؤلّفة قلوبهم فكانوا صنفين، مسلمين وكافرين مساترين، قال يحيى بن أبي كثير، كان منهم أبو سفيان بن حرب بن أمية والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعيينة والأقرع ومالك بن عوف والعباس بن مرداس والعلاء بن جارية الثقفي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأكثر هؤلاء من الطلقاء الذين ظاهر أمرهم يوم الفتح الكفر، ثم بقوا مظهرين الإسلام حتى وثقه الاستئلاف في أكثرهم واستئلافهم إنما كان لتجلب إلى الإسلام منفعة أو تدفع عنه مضرة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن والشعبي وجماعة من أهل العلم: انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره، وهذا مشهور مذهب مالك رحمه الله، قال عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول عمر عندي إنما هو لمعنيين، فإنه قال لأبي سفيان حين أراد أخذ عطائه القديم: إنما تأخذ كرجل من المسلمين فإن الله قد أغنى عنك وعن ضربائك، يريد في الاستئلاف، وأما أن ينكر عمر الاستئلاف جملة وفي ثغور الإسلام فبعيد، وقال كثير من أهل العلم: المؤلّفة قلوبهم موجودون إلى يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا تأملت الثغور وجد فيها الحاجة إلى الاستئلاف، وقال الزهري: المؤلّفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد لتبسط نفسه ويحبب دين الإسلام إليه،
وأما الرّقاب فقال ابن عباس والحسن ومالك وغيره: هو ابتداء العتق وعون المكاتب بما يأتي على حريته، واختلف هل يعان بها المكاتب في أثناء نجومه بالمنع والإباحة، واختلف على القول بإباحة ذلك إن عجز فقيل يرد ذلك من عند السيد، وقيل يمضى لأنه كان يوم دفعه بوجه مترتب، وقال الشافعي: معنى وفي الرّقاب في المكاتبين ولا يبتدأ منها عتق عبد، وقاله الليث وإبراهيم النخعي وابن جبير، وذلك أن هذه الأصناف إنما تعطى لمنفعة المسلمين أو لحاجة في أنفسها، والعبد ليس له واحدة من هاتين العلتين، والمكاتب قد صار من ذوي الحاجة وقال الزهري: سهم الرقاب نصفان، نصف للمكاتبين ونصف يعتق منه رقاب مسلمون ممن صلى، قال ابن حبيب: ويفدى منه أسارى المسلمين ومنع ذلك غيره،
وأما «الغارم» فهو الرجل يركبه دين في غير معصية ولا سفه، قال العلماء: فهذا يؤدى عنه وإن كانت له عروض تقيم رمقه وتكفي عياله، وكذلك الرجل يتحمل بحمالة في ديارات أو إصلاح بين القبائل ونحو هذا، وهو أحد الخمسة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله أو رجل تحمل بحمالة أو من أهديت له أو من اشتراها بماله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد سقط المؤلّفة من هذا الحديث، ولا يؤدى من الصدقة دين ميت ولا يعطى منها من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله، وإنما «الغارم» من عليه دين يسجن فيه، وقد قيل في مذهبنا وغيره: يؤدى دين الميت من الصدقات قاله أبو ثور، وأما في سبيل اللّه فهو المجاهد يجوز أن يأخذ من الصدقة لينفقها في غزوه وإن كان غنيا قال ابن حبيب: ولا يعطى منها الحاج إلا أن يكون فقيرا فيعطى لفقره، وقال ابن عباس وابن عمر وأحمد وإسحاق: يعطى منها الحاج وإن كان غنيا، والحج سبيل الله، ولا يعطى منها في بناء مسجد ولا قنطرة ولا شراء مصحف ونحو هذا، وأما ابن السّبيل فهو الرجل في السفر والغربة يعدم فإنه يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده، وسمي المسافر ابن السبيل لملازمته السبيل كما يقال للطائر: ابن ماء لملازمته له ومنه عندي قولهم: ابن جلا وقد قيل فيه غير هذا ومنه قولهم: بنو الحرب وبنو المجد ولا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة، قال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وابن حبيب: ولا من التطوع ولا يعطى مواليهم لأن مولى القوم منهم، وقال ابن القاسم: يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع ويعطى مواليهم من الصدقتين، ومن سأل من الصدقة وقال إنه فقير، فقالت فرقة يعطى دون أن يكلف بينة على فقره بخلاف حقوق الآدميين يدعي معها الفقر فإنه يكلف البينة لأنها حقوق الناس يؤخذ لها بالأحوط، وأيضا فالناس إذا تعلقت بهم حقوق آدمي محمولون على الغنى حتى يثبت العدم ويظهر ذلك من قوله تعالى وإن كان ذو عسرةٍ [البقرة: 280] أي ان وقع فيعطي هذا أن الأصل الغنى فإن وقع ذو عسرة فنظرة،
وقالت فرقة: الرجل الصحيح الذي لا يعلم فقره لا يعطى إلا أن يعلم فقره، وأما إن ادعى أنه غارم أو مكاتب أو ابن سبيل أو في سبيل الله أو نحو ذلك مما لم يعلم منه فلا يعطى إلا ببينة قولا واحدا، وقد قيل في الغارم: تباع عروضه وجميع ما يملك ثم يعطى بالفقر، ويعطي الرجل قرابته الفقراء وهم أحق من غيرهم فإن كان قريبه غائبا في موضع تقصر إليه الصلاة فجاره الفقير أولى، وإن كان في غيبة لا تقصر إليه الصلاة فقيل هو أولى من الجار الفقير، وقيل الجار أولى ويعطي الرجل قرابته الذين لا تلزمه نفقتهم، وتعطي المرأة زوجها، وقال بعض الناس ما لم ينفق ذلك عليها، ويعطي الرجل زوجته إذا كانت من الغارمين، واختلف في ولاء الذي يعتق من الصدقة، فقال مالك: ولاؤه لجماعة المسلمين وقال أبو عبيد: ولاؤه للمعتق وقال عبيد الله بن الحسن: يجعل ماله في بيت الصدقات، وقال الحسن وأحمد وإسحاق: ويعتق من ماله رقاب، وإذا كان لرجل على معسر دين فقيل يتركه له ويقطع ذلك من صدقته وقيل لا يجوز ذلك جملة، وقيل إن كان ممن لو رفعه للحاكم أمكن أن يؤديه جاز ذلك وإلا لم يجز لأنه قد توي وأما السبيل: فهو الذي قدمنا ذكره يعطى الرجل الغازي وإن كان غنيا، وقال أصحاب الرأي لا يعطى الغازي في سبيل الله إلا أن يكون منقطعا به، قال ابن المنذر؟ وهذا خلاف ظاهر القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن فقوله وفي سبيل اللّه، وأما الحديث فقوله «إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله»، وأما صورة التفريق فقال مالك وغيره: على قدر الحاجة ونظر الإمام يضعها في أي صنف رأى وكذلك المتصدق، وقاله حذيفة بن اليمان وسعيد بن جبير وإبراهيم وأبو العالية، قال الطبري: وقال بعض المتأخرين: إذا قسم المتصدق قسم في ستة أصناف لأنه ليس ثم عامل ولأن المؤلفة قد انقطعوا فإن قسم الإمام ففي سبعة أصناف، وقال الشافعي وعكرمة والزهري: هي ثمانية أقسام لثمانية أصناف لا يخل بواحد منها واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: «إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسم نبي ولا غيره حتى قسمها بنفسه فجعلها ثمانية أقسام لثمانية أصناف فإن كنت واحدا منها أعطيتك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحديث في مصنف أبي داود، وقال أبو ثور: إذا قسمها الإمام لم يخل بصنف منها وإن أعطى الرجل صدقته صنفا دون صنف أجزأه ذلك وقال النخعي: إذا كان المال كثيرا قسم على الأصناف كلها وإذا كان قليلا أعطاه صنفا واحدا. وقالت فرقة من العلماء: من له خمسون درهما فلا يعطى من الزكاة، وقال الحسن وأبو عبيد، لا يعطى من له أوقية وهي أربعون درهما، قال الحسن: وهو غني وقال الشافعي: قد يكون الرجل الذي لا قدر له غنيا بالدرهم مع سعيه وتحيله، وقد يكون الرجل له القدر والعيال ضعيف النفس والحيلة فلا تغنيه آلاف، وقال أبو حنيفة: لا يأخذ الصدقة من له مائتا درهم ومن كان له أقل فلا بأس أن يأخذ، قال سفيان الثوري: لا يدفع إلى أحد من الزكاة أكثر من خمسين درهما، إلا أن يكون غارما وقال أصحاب الرأي، إن أعطي ألفا وهو محتاج أجزأ ذلك، وقال أبو ثور: يعطى من الصدقة حتى يغنى ويزول عنه اسم المسكنة ولا بأس أن يعطى الفقير الألف وأكثر من ذلك، وقال ابن المنذر: أجمع أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم أن من له دار وخادم لا يستغني عنهما أن يأخذ من الزكاة وللمعطي أن يعطيه، وقال مالك: إن لم يكن في ثمن الدار والخادم فضلة على ما يحتاج إليه منهما جاز له الأخذ وإلا لم يجزه، وأما الرجل يعطي الآخر وهو يظنه فقيرا فإذا هو غني، فإنه إن كان بفور ذلك أخذها منه فإن فاتت نظر، فإن كان الآخذ غنيا وأخذها مع علمه بأنها لا تحل له ضمنها على كل وجه، وإن كان لم يغر بل اعتقد أنها تجوز له، أو لم يتحقق مقصد المعطي نظر، فإن كان أكلها أو لبسها ضمنها، وإن كانت تلفت لم يضمن، واختلف في إجزائها عن المتصدق فقال الحسن وأبو عبيدة: تجزيه، وقال الثوري وغيره: لا تجزيه، وأهل بلد الصدقة أحق بها إلا أن تفضل فضلة فتنقل إلى غيرها بحسب نظر الإمام، قال ابن حبيب في الواضحة: أما المؤلّفة فانقطع سهمهم، وأما سبيل الله فلا بأس أن يعطي الإمام الغزاة إذا قل الفيء في بيت المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الشرط فيه نظر، قال ابن حبيب: وينبغي للإمام أن يأمر السعاة بتفريقها بالمواضع التي جبيت فيها ولا يحمل منه شيء إلى الإمام إلا أن يرى ذلك لحاجة أو فاقة نزلت بقوم، قال مالك: ومن له مزرعة أو شيء في ثمنه إذا باعه ما يغنيه لم يجز له أخذ الصدقة، وهذه جملة من فقه الآية كافية على شرطنا في الإيجاز والله الموفق برحمته، وقوله تعالى: فريضةً من اللّه أي موجبة محدودة وهو مأخوذ من الفرض في الشيء بمعنى الحز والقطع ثبوت ذلك ودوامه، شبه ما يفرض من الأحكام، ونصب فريضةً على المصدر، ثم وصف نفسه تعالى بصفتين مناسبتين لحكم هذه الآية لأنه صدر عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة بينهم). [المحرر الوجيز: 4/ 340-349]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون (58) ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنّا إلى اللّه راغبون (59)}
يقول تعالى: {ومنهم} أي ومن المنافقين {من يلمزك} أي: يعيب عليك {في} قسم {الصّدقات} إذا فرّقتها، ويتّهمك في ذلك، وهم المتّهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدّين، وإنّما ينكرون لحظّ أنفسهم؛ ولهذا إن {أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} أي: يغضبون لأنفسهم.
قال ابن جريج: أخبرني داود بن أبي عاصمٍ قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بصدقةٍ، فقسمها هاهنا وهاهنا حتّى ذهبت. قال: ووراءه رجلٌ من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة في قوله: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات} يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصّدقات. وذكر لنا أنّ رجلًا من [أهل] البادية حديث عهدٍ بأعرابيّةٍ، أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقسم ذهبًا وفضّةً، فقال: يا محمّد، واللّه لئن كان اللّه أمرك أن تعدل، ما عدلت. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي". ثمّ قال نبيّ اللّه: "احذروا هذا وأشباهه، فإنّ في أمّتي أشباه هذا، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم". وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "والّذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئًا ولا أمنعكموه، إنّما أنا خازنٌ".
وهذا الّذي ذكره قتادة شبيهٌ بما رواه الشّيخان من حديث الزّهريّ، عن أبي سلمة عن أبي سعيدٍ في قصّة ذي الخويصرة -واسمه حرقوص -لمّا اعترض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين قسم غنائم حنينٍ، فقال له: اعدل، فإنّك لم تعدل. فقال: "لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد رآه مقفّيًا إنّه يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّهم شرّ قتلى تحت أديم السّماء" وذكر بقيّة الحديث). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 163-164]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى منبّها لهم على ما هو خيرٌ من ذلك لهم، فقال: {ولو أنّهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنّا إلى اللّه راغبون} فتضمّنت هذه الآية الكريمة أدبًا عظيمًا وسرًّا شريفًا، حيث جعل الرّضا بما آتاه اللّه ورسوله والتّوكّل على اللّه وحده، وهو قوله: {وقالوا حسبنا اللّه} وكذلك الرّغبة إلى اللّه وحده في التّوفيق لطاعة الرّسول وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتفاء بآثاره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 164]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)}
لمّا ذكر [اللّه] تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولمزهم إيّاه في قسم الصّدقات، بيّن تعالى أنّه هو الّذي قسمها وبيّن حكمها، وتولّى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحدٍ غيره، فجزّأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم -وفيه ضعفٌ -عن زياد بن نعيمٍ، عن زياد بن الحارث الصدائي، رضي اللّه عنه، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعته، فأتى رجلٌ فقال: أعطني من الصّدقة فقال له: "إنّ اللّه لم يرض بحكم نبيٍّ ولا غيره في الصّدقات حتّى حكم فيها هو، فجزّأها ثمانية أصنافٍ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك" وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثّمانية: هل يجب استيعاب الدّفع إليها أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين:
أحدهما: أنّه يجب ذلك، وهو قول الشّافعيّ وجماعةٍ.
والثّاني: أنّه لا يجب استيعابها، بل يجوز الدّفع إلى واحدٍ منها، ويعطى جميع الصّدقة مع وجود الباقين. وهو قول مالكٍ وجماعةٍ من السّلف والخلف، منهم: عمر، وحذيفة، وابن عبّاسٍ، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران.
قال ابن جريرٍ: وهو قول عامّة أهل العلم، وعلى هذا فإنّما ذكرت الأصناف هاهنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء.
ولوجوه الحجاج والمآخذ مكانٌ غير هذا، واللّه أعلم.
وإنّما قدّم الفقراء هاهنا لأنّهم أحوج من البقيّة على المشهور، لشدّة فاقتهم وحاجتهم، وعند أبي حنيفة أنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير، وهو كما قال، قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أنبأنا ابن عون، عن محمّدٍ قال: قال عمر، رضي اللّه عنه: الفقير ليس بالّذي لا مال له، ولكنّ الفقير الأخلق الكسب. قال ابن عليّة: الأخلق: المحارف عندنا
والجمهور على خلافه. وروي عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والحسن البصريّ، وابن زيدٍ. واختار ابن جريرٍ وغير واحدٍ أنّ الفقير: هو المتعفّف الّذي لا يسأل النّاس شيئًا، والمسكين: هو الّذي يسأل ويطوف ويتّبع النّاس.
وقال قتادة: الفقير: من به زمانةٌ، والمسكين: الصّحيح الجسم.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: هم فقراء المهاجرين. قال سفيان الثّوريّ: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا.
وكذا روي عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى.
وقال عكرمة: لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وإنّما المساكين مساكين أهل الكتاب.
ولنذكر أحاديث تتعلّق بكلٍّ من الأصناف الثّمانية.
فأمّا "الفقراء"، فعن ابن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ ولا لذي مرّة سويّ". رواه أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ
ولأحمد أيضًا، والنّسائيّ، وابن ماجه عن أبي هريرة، مثله
وعن عبيد اللّه بن عديّ بن الخيار: أنّ رجلين أخبراه: أنّهما أتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يسألانه من الصّدقة، فقلّب إليهما البصر، فرآهما جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسبٍ".
رواه أحمد، وأبو داود، والنّسائيّ بإسنادٍ جيّدٍ قويٍّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ في كتاب الجرح [والتّعديل: أبو بكرٍ العبسيّ قال: قرأ عمر، رضي اللّه عنه: {إنّما الصّدقات للفقراء} قال: هم أهل الكتاب] روى عنه عمر بن نافعٍ، سمعت أبي يقول ذلك
قلت: وهذا قولٌ غريبٌ جدًّا بتقدير صحّة الإسناد، فإنّ أبا بكرٍ هذا، وإن لم ينصّ أبو حاتمٍ على جهالته، لكنّه في حكم المجهول.
وأمّا المساكين: فعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان". قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: "الّذي لا يجد غنًى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئًا".
رواه الشّيخان: البخاريّ ومسلمٌ
وأمّا العاملون عليها: فهم الجباة والسّعاة يستحقّون منها قسطًا على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين تحرم عليهم الصّدقة، لما ثبت في صحيح مسلمٍ عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث: أنّه انطلق هو والفضل بن عبّاسٍ يسألان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستعملهما على الصّدقة، فقال: "إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّدٍ ولا لآل محمّدٍ، إنّما هي أوساخ النّاس"
وأمّا المؤلّفة قلوبهم: فأقسامٌ: منهم من يعطى ليسلم، كما أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صفوان بن أميّة من غنائم حنينٍ، وقد كان شهدها مشركًا. قال: فلم يزل يعطيني حتّى صار أحبّ النّاس إليّ بعد أن كان أبغض النّاس إليّ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، أنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن صفوان بن أميّة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ، وإنّه لأبغض النّاس إليّ، فما زال يعطيني حتّى صار وإنّه لأحبّ النّاس إليّ.
ورواه مسلمٌ والتّرمذيّ، من حديث يونس، عن الزّهريّ، به
ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنينٍ أيضًا جماعةً من
صناديد الطّلقاء وأشرافهم: مائةً من الإبل، مائةً من الإبل وقال: "إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه، مخافة أن يكبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم"
وفي الصّحيحين عن أبي سعيدٍ: أنّ عليًّا بعث إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذهيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفرٍ: الأقرع بن حابسٍ، وعيينة بن بدرٍ، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وقال: "أتألّفهم"
ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه. ومنهم من يعطى ليجبي الصّدقات ممّن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضّرر من أطراف البلاد. ومحلّ تفصيل هذا في كتب الفروع، واللّه أعلم.
وهل تعطى المؤلّفة على الإسلام بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فيه خلافٌ، فروي عن عمر، وعامرٍ الشّعبيّ وجماعةٍ: أنّهم لا يعطون بعده؛ لأنّ اللّه قد أعزّ الإسلام وأهله، ومكّن لهم في البلاد، وأذلّ لهم رقاب العباد.
وقال آخرون: بل يعطون؛ لأنّه عليه الصّلاة والسّلام قد أعطاهم بعد فتح مكّة وكسر هوازن، وهذا أمرٌ قد يحتاج إليه فيصرف إليهم.
وأمّا الرّقاب: فروي عن الحسن البصريّ، ومقاتل بن حيّان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، والنّخعي، والزّهريّ، وابن زيدٍ: أنّهم المكاتبون، وروي عن أبي موسى الأشعريّ نحوه، وهو قول الشّافعيّ واللّيث.
وقال ابن عبّاسٍ، والحسن: لا بأس أن تعتق الرّقبة من الزّكاة، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبلٍ، ومالكٍ، وإسحاق، أي: إنّ الرّقاب أعمّ من أن يعطى المكاتب، أو يشتري رقبةً فيعتقها استقلالًا. وقد ورد في ثواب الإعتاق وفكّ الرّقبة أحاديث كثيرةٌ، وأنّ اللّه يعتق بكلّ عضوٍ منها عضوًا من معتقها حتّى الفرج بالفرج، وما ذاك إلّا لأنّ الجزاء من جنس العمل، {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} [الصّافّات:39]
وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ثلاثةٌ حقٌّ على اللّه عونهم: الغازي في سبيل اللّه، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف".
رواه الإمام أحمد وأهل السّنن إلّا أبا داود
وفي المسند عن البراء بن عازبٍ قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، دلّني على عملٍ يقرّبني من الجنّة ويباعدني من النّار. فقال: "أعتق النسمة وفكّ الرّقبة". فقال: يا رسول الله، أو ليسا واحدًا؟ قال: "لا عتق النّسمة أن تفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في ثمنها"
وأمّا الغارمون: فهم أقسامٌ: فمنهم من تحمّل حمالةً أو ضمن دينًا فلزمه فأجحف بماله، أو غرم في أداء دينه أو في معصيةٍ ثمّ تاب، فهؤلاء يدفع إليهم. والأصل في هذا الباب حديث قبيصة بن مخارقٍ الهلاليّ قال: تحمّلت حمالةً فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسأله فيها، فقال: "أقم حتّى تأتينا الصّدقة، فنأمر لك بها". قال: ثمّ قال: "يا قبيصة، إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتّى يصيبها، ثمّ يمسك. ورجلٍ أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فحلّت له المسألة حتّى يصيب قوامًا من عيشٍ: أو قال: سدادًا من عيشٍ -ورجلٍ أصابته فاقةٌ حتّى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحجا من قومه، فيقولون: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قوامًا من عيشٍ -أو قال سدادًا من عيشٍ -فما سواهنّ من المسألة سحتٌ، يأكلها صاحبها سحتًا". رواه مسلم
وعن أبي سعيدٍ قال: أصيب رجلٌ في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ثمارٍ ابتاعها، فكثر دينه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تصدّقوا عليه". فتصدّق النّاس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلّا ذلك". رواه مسلمٌ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، أنبأنا صدقة بن موسى، عن أبي عمران الجوني، عن قيس بن زيدٍ عن قاضي المصرين عن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يدعو اللّه بصاحب الدّين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه، فيقول: يا بن آدم، فيم أخذت هذا الدّين؟ وفيم ضيّعت حقوق النّاس؟ فيقول: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيّع، ولكن أتى على يديّ إمّا حرقٌ وإمّا سرقٌ وإمّا وضيعةٌ. فيقول اللّه: صدق عبدي، أنا أحقّ من قضى عنك اليوم. فيدعو اللّه بشيءٍ فيضعه في كفّة ميزانه، فترجح حسناته على سيّئاته، فيدخل الجنّة بفضل اللّه ورحمته"
وأمّا في سبيل اللّه: فمنهم الغزاة الّذين لا حقّ لهم في الدّيوان، وعند الإمام أحمد، والحسن، وإسحاق: والحجّ من سبيل اللّه، للحديث.
وكذلك ابن السّبيل: وهو المسافر المجتاز في بلدٍ ليس معه شيءٌ يستعين به على سفره، فيعطى من الصّدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مالٌ. وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفرٍ من بلده وليس معه شيءٌ، فيعطى من مال الزّكاة كفايته في ذهابه وإيابه. والدّليل على ذلك الآية، وما رواه الإمام أبو داود وابن ماجه من حديث معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلّا لخمسةٍ: العامل عليها، أو رجلٍ اشتراها بماله، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل اللّه، أو مسكينٍ تصدّق عليه منها فأهدى لغنيٍّ"
وقد رواه السّفيانان، عن زيد بن أسلم، عن عطاءٍ مرسلًا. ولأبي داود عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تحلّ الصّدقة لغنيٍّ إلّا في سبيل اللّه، وابن السّبيل، أو جارٍ فقيرٍ فيهدي لك أو يدعوك"
وقوله: {فريضةً من اللّه} أي حكمًا مقدّرًا بتقدير اللّه وفرضه وقسمه {واللّه عليمٌ حكيمٌ} أي: عليمٌ بظواهر الأمور وبواطنها وبمصالح عباده، {حكيمٌ} فيما يفعله ويقوله ويشرعه ويحكم به، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 165-170]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة