العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:35 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (159) إلى الآية (163) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (159) إلى الآية (163) ]

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن شبرمة، عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {وشاورهم في الأمر} -، قال: قد علم اللّه أنّه ما به إليهم من حاجةٍ، ولكن أراد أن يستنّ به من (بعده) .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن رجلٍ، عن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: (وشاورهم في بعض الأمر) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1098-1100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فبما رحمةٍ من اللّه} فبرحمةٍ من اللّه وما صلةٌ، وقد بيّنت وجه دخولها في الكلام في قوله: {إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها}، والعرب تجعل ما صلةً في المعرفة والنّكرة، كما قال: {فبما نقضهم ميثاقهم}، والمعنى: فبنقضهم ميثاقهم. وهذا في المعرفة، وقال في النّكرة: {عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين}، والمعنى: عن قليلٍ، وربّما جعلت اسمًا وهي في مذهب صلةٍ، فيرفع ما بعدها أحيانًا على وجه الصّلة، ويخفض على إتباع الصّلة ما قبلها، كما قال الشّاعر:.
فكفى بنا فضلاً على من غيرنا = حبّ النّبيّ محمّدٍ إيّانا
إذا جعلت غير صلةٍ رفعت بإضمار هو، وإن خفضت أتبعت من فأعربته باعرابه، فذلك حكمه على ما وصفنا مع النّكرات.
فأمّا إذا كانت الصّلة معرفةً، كان الفصيح من الكلام الإتباع، كما قيل: {فبما نقضهم ميثاقهم}، والرّفع جائزٌ في العربيّة.
وبنحو ما قلنا في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم}
يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم وأمّا قوله: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} فإنّه يعني بالفظّ الجافي، وبالغليظ القلب القاسي القلب غير ذي رحمةٍ ولا رأفةٍ، وكذلك صفته صلّى اللّه عليه وسلّم، كما وصفه اللّه: {بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}.
فتأويل الكلام: فبرحمة اللّه يا محمّد ورأفته بك، وبمن آمن بك من أصحابك، لنت لهم لتبّاعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك، وحسّنت لهم أخلاقك، حتّى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضيت عن كثيرٍ ممّن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك، ولم يتبعك، ولا ما بعثت به من الرّحمة، ولكنّ اللّه رحمهم ورحمك معهم، فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} إي واللّه، لطهّره اللّه من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبًا رحيمًا بالمؤمنين فًد. وذكر لنا أنّ نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في التّوراة: ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخوبٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في قوله: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} قال: ذكر لينه لهم، وصبره عليهم لضعفهم، وقلّة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كلّ ما خالفوا فيه ممّا افترض عليهم من طاعة نبيّهم
وأمّا قوله: {لانفضّوا من حولك} فإنّه يعني: لتفرّقوا من حولك وانصرفوا عنك.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: قوله: {لانفضّوا من حولك} قال: انصرفوا عنك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {لانفضّوا من حولك} أي لتركوك). [جامع البيان: 6/185-187]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
يعني تعالى ذكره بقوله: {فاعف عنهم} فتجاوز يا محمّد عن تبّاعك وأصحابك من المؤمنين بك، وبما جئت به من عندي، ما نالك من أذاهم ومكروهٍ في نفسك {واستغفر لهم} وادع ربّك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرمٍ، واستحقّوا عليه عقوبةً منه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فاعف عنهم}: أي فتجاوز عنهم {واستغفر لهم} ذنوب من قارف من أهل الإيمان منهم
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاورهم، وما المعنى الّذي أمره أن يشاورهم فيه؟ فقال بعضهم: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: {وشاورهم في الأمر} بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدوّ، تطييبًا منه بذلك أنفسهم، وتألّفًا لهم على دينهم، وليروا أنّه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان اللّه عزّ وجلّ قد أغناه بتدبيره له أموره وسياسته إيّاه وتقويمه أسبابه عنهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين} أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السّماء؛ لأنّه أطيب لأنفس القوم، وإنّ القوم إذا شاور بعضهم بعضًا، وأرادوا بذلك وجه اللّه عزم لهم على أرشده.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وشاورهم في الأمر} قال: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه الوحي من السّماء؛ لأنّه أطيب لأنفسهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وشاورهم في الأمر} أي لتريهم أنّك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنيًّا، تالفهم بذلك على دينهم
وقال آخرون: بل أمره بشورتهم ليبين في ذلك، له الرّأي وأصوب الأمور في التّدبير، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قوله: {وشاورهم في الأمر} قال: ما أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمشورة إلاّ لما علم فيها من الفضل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، عن إياس بن دغفلٍ عن الحسن: ما شاور قومٌ قطّ، إلاّ هدوا لأرشد أمورهم
وقال آخرون: إنّما أمره اللّه بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه، مع إغنائه بتقويمه إيّاه، وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتّبعه المؤمنون من بعده، فيما حزّ بهم من أمر دينهم ويستنّوا بسنّته في ذلك، ويحتذوا المثال الّذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة الّتي هو بها من اللّه أصحابه وتبّاعه في الأمر، ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، فيتشاوروا بينهم، ثمّ يصدروا عمّا اجتمع عليه ملؤهم؛ لأنّ المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متّبعين الحقّ في ذلك، لم يخلهم اللّه عزّ وجلّ من لطفه، وتوفيقه للصّواب من الرّأي والقول فيه. قالوا: وذلك نظير قوله عزّ وجلّ الّذي مدح به أهل الإيمان: {وأمرهم شورى بينهم}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: قال سفيان بن عيينة في قوله: {وشاورهم في الأمر} قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيه أثرٌ
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في ذلك أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمشاورة أصحابه، فيما حزّ به من أمر عدوّه ومكايد حربه، تألّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة الّتي يؤمن عليه معها فتنة الشّيطان، وتعريفًا منه أمّته ما في الأمور الّتي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النّوازل الّتي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلّى اللّه عليه وسلّم يفعله، فأمّا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ اللّه كان يعرّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إيّاه صواب ذلك. وأمّا أمّته، فإنّهم إذا تشاوروا مستنّين بفعله في ذلك على تصادقٍ وتأخٍّ للحقّ وإرادة جميعهم للصّواب، من غير ميلٍ إلى هوًى، ولا حيدٍ عن هدًى؛ فاللّه مسدّدهم وموفّقهم.
وأمّا قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} فإنّه يعني: فإذا صحّ عزمك بتثبيتنا إيّاك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أ‍مرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها، وتوكّل فيما يأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربّك، فثق به في كلّ ذلك، وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإنّ اللّه يحبّ المتوكّلين، وهم الرّاضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوًى أو خالفه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين} فإذا عزمت: أي على أمرٍ جاءك منّي، أو أمرٍ من دينك في جهاد عدوّك، لا يصلحك ولا يصلحهم إلاّ ذلك، فامض على ما أمرت به على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك، وتوكّل على اللّه: أي ارض به من العباد، إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر اللّه، ويتوكّل على اللّه.
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} الآية، أمره اللّه إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه ويتوكّل عليه). [جامع البيان: 6/188-192]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم قال:
هذا خلق محمّدٍ نعته اللّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم.
قوله تعالى: ولو كنت فظّاً غليظ القلب
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك أي: واللّه قد طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله رحيماً قريباً رؤوفاً بالمؤمنين. وروي عن قتادة مثل ذلك.
قوله تعالى: لانفضّوا من حولك
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمد ابن إسحاق: لانفضّوا من حولك أي لتركوك.
قوله تعالى: فاعف عنهم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: فاعف عنهم أي: تجاوز عنهم.
قوله تعالى: واستغفر لهم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: واستغفر لهم أي استغفر لهم ذنوبهم.
قوله تعالى: وشاورهم في الأمر
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدّث عن معمرٍ، عن ابن شهابٍ، عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً أكثر مشورةً لأصحابه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ عمران القطّان، عن الحسن في قوله: وشاورهم في الأمر قال: واللّه ما تشاور قطّ إلا عزم اللّه لهم بالرّشد والّذي ينفع.
- حدّثنا أبو سعيدٍ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الضّحّاك، في قوله: وشاورهم في الأمر قال: ما أمر اللّه نبيّه بالمشورة إلا لما يعلم فيها من الفضل.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن ابن شبرمة، عن الحسن في قوله: وشاورهم في الأمر قال: قد علم أنّه ليس به إليهم حاجةٌ، وربّما قال:
ليس له إليهم حاجةٌ، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وشاورهم في الأمر قال: أمر اللّه نبيّه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه الوحي من السّماء، لأنّه أطيب لأنفسهم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن يزيد، عن سعيدٍ عن قتادة: مثل ذلك إلّا أنّه زاد: وأنّ القوم إذا شاوروا بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه اللّه، عزم اللّه لهم على أرشده.
- ذكر عن ابن المبارك، عن أبي إسماعيل، يعني: جابر بن إسماعيل عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن عبيدة وشاورهم في الأمر قال: في الحرب
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق في قوله: وشاورهم في الأمر أي لتريهم إنّك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت غنيّاً عنهم، تؤلّفهم بذلك على دينهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ابن دينارٍ قال: قرأ ابن عبّاسٍ: وشاورهم في بعض الأمر.
قوله تعالى: فإذا عزمت
- حدّثنا أبي، ثنا عمر الدّوريّ، ثنا أبو عمارة يعني: حمزة بن القاسم، عن أبي تميلة، عن أبي منيبٍ قال: سمعت جابر بن زيدٍ وأبا نهيكٍ قريا: فإذا عزمت لك يا محمّد على أمرٍ فتوكّل على اللّه.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ قال: أمره اللّه إذا عزم على أمرٍ أن يمضي فيه. وروي عن قتادة مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: فإذا عزمت على أمرٍ جاءك منّي، أو أمرٍ من دينك في جهاد عدوّك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك، فأمضى على ما أمرت به، على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك.
قوله تعالى: فتوكّل على اللّه
- وبه قال محمّد بن إسحاق: فتوكّل على اللّه أي ارض به من العباد إنّ الله يحبّ المتوكّلين). [تفسير القرآن العظيم: 2/800-802]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 159.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فبما رحمة من الله} يقول: فبرحمة من الله {لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} أي والله طهره من الفظاظة والغلظة وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالمؤمنين، وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ولا يجزى ء بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم نعته الله
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {لانفضوا من حولك} قال: لانصرفوا عنك.
وأخرج الحكيم الترمذي، وابن عدي بسند فيه متروك عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن الحسن في قوله {وشاورهم في الأمر} قال: قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وشاورهم في الأمر} قال: أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: ما أمر الله نبيه بالمشاورة إلا لما علم ما فيها من الفضل والبركة
قال سفيان: وبلغني أنها نصف العقل، وكان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت {وشاورهم في الأمر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {وشاورهم في الأمر} قال: أبو بكر وعمر.
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا من الناس أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به.
وأخرج الحاكم، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم كنت مستخلفا أحدا عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب، وابن المنذر بسند حسن عن ابن عباس أنه قرأ وشاورهم في بعض الأمر.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن سيرين عن عبيدة: (وشاورهم في الأمر). قال: في الحرب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {فإذا عزمت فتوكل على الله} قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن زيد وأبي نهيك أنهما قرآ فإذا عزمت يا محمد على أمر فتوكل على الله.
وأخرج ابن مردويه، عن علي، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال: مشاورة أهل الرأي ثم أتباعهم.
وأخرج الحاكم عن الحباب بن المنذر قال أشرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسكر خلف الماء فقلت يا رسول الله أبوحي فعلت أو برأي قال: برأي يا حباب، قلت: فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك فإن لجأت لجأت إليه فقبل ذلك مني، قال: ونزل جبريل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأمرين أحب إليك تكون في دنياك مع أصحابك أو ترد على ربك فيما وعدك من جنات النعيم فاستشار أصحابه فقالوا: يا رسول الله تكون معنا أحب إلينا وتخبرنا بعورات عدونا وتدعو الله لينصرنا عليهم وتخبرنا من خبر السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لا تتكلم يا حباب فقلت: يا رسول الله اختر حيث اختار لك ربك، فقبل ذلك مني قال الذهبي: حديث منكر
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا يوم بدر فقال الحباب بن المنذر: ليس هذا بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم ثم نبني عليه حوضا ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواها من القلب، فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حباب أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك.
وأخرج ابن سعد بن يحيى بن سعيد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم استشار الناس يوم بدر فقام الحباب بن المنذر فقال: نحن أهل الحرب أرى أن تغور المياه إلا ماء واحدا نلقاهم عليه، قال: واستشارهم يوم قريظة والنضير فقام الحباب بن المنذر فقال: أرى أن ننزل بين القصور فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء وخبر هؤلاء عن هؤلاء فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله). [الدر المنثور: 4/87-92]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني تعالى ذكره بذلك إن ينصركم اللّه أيّها المؤمنون باللّه ورسوله، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه، والكافرين به، فلا غالب لكم من النّاس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إيّاكم أحدٌ، ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه، فلا تهابوا أعداء اللّه لقلّة عددكم، وكثرة عددهم، ما كنتم على أمره، واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله، فإنّ الغلبة لكم والظّفر دونهم. {وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده} يعني إن يخذلكم ربّكم، بخلافكم أمره، وترككم طاعته وطاعة رسوله، فيكلكم إلى أنفسكم، فمن ذا الّذي ينصركم من بعده، يقول: فأيسوا من نصرة النّاس، فإنّكم لا تجدون ناصرمن بعد خذلان اللّه إيّاكم إن خذلكم، يقول: فلا تتركوا أمري، وطاعتي وطاعة رسولي، فتهلكوا بخذلاني إيّاكم. {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يعني: ولكن على ربّكم أيّها المؤمنون فتوكّلوا دون سائر خلقه، وبه فارضوا من جميع من دونه، ولقضائه فاستسلموا، وجاهدوا فيه أعداءه، يكفكم بعونه، ويمددكم بنصره.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} أي إن ينصرك اللّه فلا غالب لك من النّاس، لن يضرّك خذلان من خذلك، وإن يخذلك، فلن ينصرك النّاس، فمن الّذي ينصركم من بعده: أي لئلا تترك أمري للنّاس، وارفض أمر النّاس لأمري {وعلى اللّه} لا على النّاس {فليتوكّل المؤمنون}). [جامع البيان: 6/192-193]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (160) وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (161)
قوله تعالى: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم
- وبه قال محمّد بن إسحاق: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم أي إن ينصرك اللّه فلا غالب لك من النّاس، لن يضرّك خذلان من خذلك.
قوله تعالى: وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده
- وبه قال ابن إسحاق: أي لئلا تترك أمري للنّاس، وأرفض النّاس لأمري.
قوله تعالى: وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون
- وبه قال ابن إسحاق: وعلى اللّه أي لا على النّاس فليتوكّل المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/803-806]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 160
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق في الآية قال: أي إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس لن يضرك خذلان من خذلك وإن يخذلك فلن يضرك الناس {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي لا تترك أمري للناس وارفض الناس لأمري {وعلى الله} لا على الناس {فليتوكل المؤمنون}). [الدر المنثور: 4/92-93]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وكان أول من [جمع القرآن .. .. ] بذلك عليه عمر بن الخطاب، وذلك حين قتل أصحاب رسول الله [ .. .. أبو بكر] الصديق قال لعمر: فمن يكتبه، قال: زيد بن ثابت فإنه فطن [ .. .. ] رسول الله؛ وكتبه زيد بن ثابت، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت [ .. .. آية] إلا بشاهدٍ في عدلٍ؛ وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: [ .. .. ] اكتبوها، فإن رسول الله جعل شهادته شهادة رجلين، فكتبت؛ وإن عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم فلم يكتبوها، لأنه كان وحده، فلما فرغ من ذلك المصحف كان عند أبي بكر، ثم كان بعد عند عمر، ثم كان بعد عمر
[الجامع في علوم القرآن: 3/26]
عند حفصة زوج النبي، حتى قدم حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان، فقال: يا أمير المؤمنين، إني سمعت الناس قد اختلفوا في القرآن، فيقول الرجل: حرفي الذي أقرأ به خيرٌ من حرفك؛ فأرسل عثمان إلى حفصة أن تبعث به إليه، فقالت: على أن ترده إلي، قال: نعم؛ قال: فنسخ منها مصاحف فبعث بها إلى الآفاق وأمرهم أن يبعثوا إليه بما كان عندهم منها، وأمر بها أن تحرق؛ قال: ومن حبس عنده منها شيئا فهو غلولٌ.
قال ابن مسعود: مصحفي هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله يقول: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}، فأنا أغله حتى ألقى الله به يوم القيامة.
قال: وكان حين جمع القرآن جعل زيد بن ثابت وأبي بن كعب يكتبان القرآن، وجعل معهما سعيد بن العاص يقيم عربيته، فقال أبي بن كعب: التابوه، فقال سعيد: إنما هو التابوت، فقال عثمان: اكتبوه كما قال سعيد: التابوت، فكتبوا: {التابوت}). [الجامع في علوم القرآن: 3/27]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وما كان نبي أن يغل قال أن يغله أصحابه ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/137]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر وقال قتادة كان النبي إذا غنم مغنما بعث مناديا فنادى ألا لا يغلن رجل مخيطا فما دونه ألا لا يغلن رجل بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء ألا لا يغلن رجل فرسه فيأتي به يوم القيامة على ظهره له حمحمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/137]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن زيد بن أسلم قال جاء عقيل بن أبي طالب بمخيط فقال لامرأته خيطي بهذه ثيابك قال فبعث النبي مناديا ألا يغلن رجل إبرة فما دونها فقال عقيل لامرأته ما
[تفسير عبد الرزاق: 1/137]
أرى إبرتك إلا قد فاتتك). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أنا همام قال سمعت أبا هريرة قال: قال النبي غزا نبي من الأنبياء فقال لا يغزون معي رجل تزوج امرأة لم يبن بها ولا رجل له غم ينتظر ولادتها ولا رجل يبني بناء لم يفرغ منه فلما أتي المكان الذي يريده وجاءه عند العصر قال للشمس إنك مأمورة وإني مأمور اللهم احبسها علي ساعة فحبست له ساعة حتى فتح الله عليه وزعموا أنها لم تحبس لأحد من قبله ولا بعده ثم وضعت الغنيمة فجاءت النار فلم تأكلها فقال إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة منكم رجل قال فلزقت يده بيد رجلين أو ثلاثة قال فقال إن منكم الغلول قال فأخرجوا رأس بقرة من ذهب فألقوا في الغنيمة فجاءت النار فأكلتها قال فقال رسول الله فلم تحل الغنيمة لأحد قبلنا وذلك أن الله رأى ضعفنا فطيبها لنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قراءة ابن عباس: (وما كان النبي أن يغل) قال: بلى ويقتل [الآية: 161]). [تفسير الثوري: 81]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، أنا مغيرة، عن إبراهيم، وأنا عوفٌ، عن الحسن، أنّهما كانا يقرآن: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن، قال: أن يخان). [سنن سعيد بن منصور: 3/1101-1102]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن خصيفٍ، قال: حدّثنا مقسمٌ، قال: قال ابن عبّاسٍ: نزلت هذه الآية {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} في قطيفةٍ حمراء افتقدت يوم بدرٍ. فقال بعض النّاس: لعلّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} إلى آخر الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وقد روى عبد السّلام بن حربٍ، عن خصيفٍ، نحو هذا وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، ولم يذكر فيه عن ابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/80]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته جماعةٌ من قرّاء الحجاز والعراق: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بمعنى: أن يخون أصحابه فيما أفاء اللّه عليهم من أموال أعدائهم.
واحتجّ بعض قارئي هذه القراءة أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قطيفةٍ فقدت من مغانم القوم يوم بدرٍ، فقال بعض من كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لعلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها. ورووا في ذلك رواياتٍ.
- فمنها ما: حدّثنا به محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثنا مقسمٌ، قال: حدّثني ابن عبّاسٍ أنّ هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} نزلت في قطيفةٍ حمراء فقدت يوم بدرٍ، قال: فقال بعض النّاس: أخذها قال: فأكثروا في ذلك فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ: كيف تقرأ هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أو يغلّ؟ قال: لا، بل {يغلّ}، فقد كان النّبيّ واللّه يغلّ ويقتل.
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: كان ذلك في قطيفةٍ حمراء فقدت في غزوة بدرٍ، فقال أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فلعلّ النّبيّ أخذها فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال سعيدٌ: بل واللّه إنّ النّبيّ ليغلّ ويقتل.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خلاّدٌ، عن زهيرٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت قطيفةٌ فقدت يوم بدرٍ، فقالوا: أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا خصيفٌ عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قالا: يغلّ، قال: قال عكرمة أو غيره، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت قطيفةٌ فقدت يوم بدرٍ، فقالوا: أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فأنزل اللّه هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، قال حدّثنا قزعة بن سويدٍ الباهليّ، عن حميدٍ الأعرج، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: نزلت هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} في قطيفةٍ حمراء فقدت يوم بدرٍ من الغنيمة.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن سليمان الأعمش قال: كان ابن مسعودٍ يقرأ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} فقال ابن عبّاسٍ: بلى، ويقتل، قال: فذكر ابن عبّاسٍ أنّه إنّما كانت في قطيفةٍ، قالوا: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، غلّها يوم بدرٍ فأنزل اللّه: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}
وقال آخرون ممّن قرأ ذلك كذلك بفتح الياء وضمّ الغين: إنّما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجّههم في وجهٍ، ثمّ غنم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يقسم للطّلائع، فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يعلّمه فيها أنّ فعله الّذي فعله خطأٌ، وأنّ الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطّلائع مثل ما قسم لغيرهم، ويعرّفه الواجب عليه من الحكم فيما أفاء اللّه عليه من الغنائم، وأنّه ليس له أن يخصّ بشيءٍ منها أحدًا ممّن شهد الوقعة أو ممّن كان ردءًا لهم في غزوهم دون أحدٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} يقول: ما كان للنّبيّ أن يقسم لطائفةٍ من المسلمين ويترك طائفةً ويجور في القسم، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر اللّه، ويحكم فيه بما أنزل اللّه، يقول: ما كان اللّه ليجعل نبيًّا يغلّ من أصحابه، فإذا فعل ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، استنّوا به.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، أنّه كان يقرأ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: أن يعطي بعضًا، ويترك بعضًا، إذا أصاب مغنمًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلائع، فغنم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يقسم للطّلائع، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} يقول: ما كان لنبيٍّ أن يقسم لطائفةٍ من أصحابه، ويترك طائفةً، ولكن يعدل، ويأخذ في ذلك بأمر اللّه عزّ وجلّ، ويحكم فيه بما أنزل اللّه.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: ما كان له إذا أصاب مغنمًا أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضًا، ولكن يقسم بينهم بالسّويّة
وقال آخرون ممّن قرأ ذلك بفتح الياء وضمّ الغين: إنّما أنزل ذلك تعريفًا للنّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لا يكتم من وحي اللّه شيئًا.
ذكر منى قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} أي ما كان لنبيٍّ أن يكتم النّاس ما بعثه اللّه به إليهم عن رهبةٍ من النّاس ولا رغبةٍ، ومن يغلل ذلك يأت به يوم القيامة
فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك: ما ينبغي لنبيٍّ أن يكون غالًّا، بمعنى: أنّه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم، يقال منه: غلّ الرّجل فهو يغلّ، إذا خان، غلولاً، ويقال أيضًا منه: أغلّ الرّجل فهو يغلّ إغلالاً، كما قال شريحٌ: ليس على المستعير غير المغلّ ضمانٌ، يعني غير الخائن؛ ويقال منه: أغلّ الجازر: إذا سرق من اللّحم شيئًا مع الجلد.
وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما كان لنبيٍّ أن يغلّ} يقول: ما كان ينبغي له أن يخون، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال: أن يخون
وقرأ ذلك آخرون: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) بضمّ الياء وفتح الغين، وهي قراءة عظم قرّاء أهل المدينة والكوفة.
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه ثمّ أسقط الأصحاب، فبقي الفعل غير مسمًّى فاعله؛ وتأويله: وما كان لنبيٍّ أن يخان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال عوفٌ: قال الحسن: أن يخان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) يقول: وما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه الّذين معه من المؤمنين، ذكر لنا أنّ هذه الآية نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، وقد غلّ طوائف من أصحابه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال: أن يغلّه أصحابه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) قال الرّبيع بن أنسٍ، يقول: ما كان لنبيٍّ أن يغلّه أصحابه الّذين معه، قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّ هذه الآية أنزلت على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، وقد غلّ طوائف من أصحابه
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: وما كان لنبيٍّ أن يتّهم بالغلول فيخون ويسرق، وكأنّ متأوّلي ذلك كذلك وجّهوا قوله: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ) إلى أنّه مرادٌ به يغلل يفعل، ثمّ خفّفت الغين من يفعّل فصارت يفعل، كما قرأ من قرأ قوله: فإنّهم لا يكذبونك بتأوّل {يكذّبونك}.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي قراءة من قرأ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء، ولا يكون نبيًّا من غلّ.
وإنّما اخترنا ذلك؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أوعد عقيب قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أهل الغلول، فقال: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} الآية، والّتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدّليل الواضح على أنّه إنّما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أنّ الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} لأنّه لو كان إنّما نهى بذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتّهموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالغلول، لعقّب ذلك بالوعيد على التّهمة، وسوء الظّنّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيانٌ بيّنٌ، أنّه إنّما عرّف المؤمنين وغيرهم من عباده أنّ الغلول منتفٍ من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأنّ ذلك جرمٌ عظيمٌ، والأنبياء لا تأتي مثله.
فإن قال قائلٌ ممّن قرأ ذلك كذلك: فأولى منه: وما كان لنبيٍّ أن يخوّنه أصحابه إن كان ذلك كما ذكرت، ولم يعقّب اللّه قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} إلاّ بالوعيد على الغلول، ولكنّه إنّما وجب الحكم بالصّحّة لقراءة من قرأ: (يغلّ) بضمّ الياء وفتح الغين؛ لأنّ معنى ذلك: وما كان للنّبيّ أن يغلّه أصحابه، فيخونوه في الغنائم.
قيل له: أفكان لهم أن يغلّوا غير النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيخونوه، حتّى خصّوا بالنّهي عن خيانة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟
فإن قالوا: نعم، خرجوا من قول أهل الإسلام؛ لأنّ اللّه لم يبح خيانة أحدٍ في قول أحدٍ من أهل الإسلام قطّ.
إن قال قائلٌ: لم يكن ذلك لهم في نبيٍّ ولا غيره.
قيل: فما وجه خصوصهم إذًا بالنّهي عن خيانة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وغلوله وغلول بعض اليهود. بمنزلةٍ فيما حرّم اللّه على الغالّ من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما.
وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ معنى ذلك هو ما قلنا من أنّ اللّه عزّ وجلّ نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه، ناهيًا بذلك عباده عن الغلول، وآمرًا لهم بالاستنان بمنهاج نبيّهم، كما قال ابن عبّاسٍ في الرّواية الّتي ذكرناها من رواية عطيّة ثمّ عقّب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه، فقال: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} الآيتين معًا). [جامع البيان: 6/193-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}
يعني بذلك تعالى ذكره: ومن يخن من غنائم المسلمين شيئًا، وفيئهم، وغير ذلك يأت به يوم القيامة في المحشر.
- كما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيد أبي حيّان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قام خطيبًا، فوعظ وذكّر، ثمّ قال: ألا عسى رجلٌ من منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاءٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ لها حمحمةٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته بقرةٌ لها خوارٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، ألا هل عسى رجلٌ منكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاعٌ تخفق، يقول: يا رسول اللّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحميم، عن أبي حيّان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثل هذا، زاد فيه: على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، لا ألفينّ أحدكم على رقبته نفسٌ لها صياحٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أبو حيّان، عن أبي زرعة، عن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة، قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينا يومًا، فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، فقال: لا ألفينّ يجيءأحدكم يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول اللّه أغثني ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ، عن عبد الرّحميم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن بشرٍ، عن يعقوب القمّيّ، قال: حدّثنا حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثغاءٌ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا لا رغاءٌ، يقول: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من له حمحمةٌ، ينادي: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك.ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعًا من أدمٍ ينادي: يا محمّد يا محمّد، فأقول: لا أملك لك من اللّه شيئًا قد بلّغتك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، عن عبد اللّه بن ذكوان، عن عروة بن الزّبير، عن أبي حميدٍ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصدّقًا فجاء بسوادٍ كثيرٍ، قال: فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يقبضه منه؛ فلمّا أتوه، جعل يقول: هذا لي، وهذا لكم؛ قال: فقالوا: من أين لك هذا؟ قال: أهدي إليّ، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبروه بذلك، فخرج فخطب، فقال: أيّها النّاس ما بالي أبعث قومًا إلى الصّدقة، فيجيء أحدهم بالسّواد الكثير، فإذا بعثت من يقبضه قال: هذا لي، وهذا لكم فإن كان صادقًا أفلا أهدي له وهو في بيت أبيه، أو في بيت أمّه؟ ثمّ قال: أيّها النّاس من بعثناه على عملٍ فغلّ شيئًا، جاء به يوم القيامة على عنقه يحمله، فاتّقوا اللّه أن يأتي أحدكم يوم القيامة على عنقه بعيرٌ له رغاءٌ، أو بقرةٌ تخور، أو شاةٌ تثغو.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، وابن نميرٍ، وعبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميدٍ السّاعديّ، قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلاً من الأزد، يقال له ابن الأتبيّة على صدقات بني سليمٍ؛ فلمّا جاء قال: هذا لكم، وهذا هديّةٌ أهديت لي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أفلا يجلس أحدكم في بيته فتأتيه هديّته؟ ثمّ حمد اللّه وأنثى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي أستعمل رجالاً منكم على أمورٍ ممّا ولاّني اللّه، فيقول أحدهم: هذا الّذي لكم، وهذا هديّةٌ أهديت إليّ أفلا يجلس في بيت أبيه أوفى بيت أمّه فتأتيه هديّته؟ والّذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئًا إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، فلا أعرفنّ ما جاء رجلٌ يحمل بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوارٌ، أو شاةً تثغو ثمّ رفع يده فقال: ألا هل بلّغت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن أبي حميدٍ، حدّثه بمثل هذا الحديث، قال: أفلا جلست في بيت أبيك وأمّك حتّى تأتيك هديّتك؟ ثمّ رفع يده حتّى إنّي لأنظر إلى بياض إبطيه، ثمّ قال اللّهمّ بلّغت قال أبو حميدٍ: بصر عيني، وسمع أذني..
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ موسى بن جبيرٍ، حدّثه أنّ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن الحباب الأنصاريّ، حدّثه أنّ عبد اللّه بن أنيسٍ حدّثه أنّه، تذاكر هو وعمر يومًا الصّدقة، فقال: ألم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر غلول الصّدقة: من غلّ منها بعيرًا أو شاةً فإنّه يحمله يوم القيامة؟ قال عبد اللّه بن أنيسٍ: بلى.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سعد بن عبادة مصدّقًا، فقال: إيّاك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعيرٍ تحمله له رغاءٌ قال: لا آخذه ولا أجيء به فأعفاه.
- حدّثنا أحمد بن المغيرة الحمصيّ أبو حميدٍ، قال: حدّثنا الرّبيع بن روحٍ، قال: حدّثنا ابن عيّاشٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمر بن حفصٍ، عن نافعٍ مولى ابن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه استعمل سعد بن عبادة، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّم عليه، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إيّاك يا سعد أن تجيء يوم القيامة تحمل على عنقك بعيرًا له رغاءٌ فقال سعدٌ: فإن فعلت يا رسول اللّه إنّ ذلك لكائنٌ؟ قال: نعم، قال سعدٌ: قد علمت يا رسول اللّه أنّي أسأل فأعطي، فأعفني، فأعفاه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبّاب، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن الحارث، قال: حدّثني جدّي عبيد بن أبي عبيدٍ، وكان أوّل مولودٍ بالمدينة، قال: استعملت على صدقة دوسٍ، فجاءني أبو هريرة في اليوم الّذي خرجت فيه، فسلّم، فخرجت إليه، فسلّمت عليه، فقال: كيف أنت والبعير؟ كيف أنت والبقر؟ كيف أنت والغنم؟ ثمّ قال: سمعت حبّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أخذ بعيرًا بغير حقّه جاء به يوم القيامة له رغاءٌ، ومن أخذ بقرةً بغير حقّها جاء بها يوم القيامة لها خوارٌ، ومن أخذ شاةً بغير حقّها جاء بها يوم القيامة على عنقه لها يعاءٌ فإيّاك والبقر فإنّها أحد قرونًا وأشدّ أظلافًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، قال: حدّثني محمّدٌ، عن عبد الرّحمن بن الحارث، عن جدّه عبيد بن أبي عبيدٍ، قال: استعملت على صدقة دوسٍ؛ فلمّا قضيت العمل قدمت، فجاءني أبو هريرة فسلّم عليّ، فقال: أخبرني كيف أنت والإبل؟ ثمّ ذكر نحو حديثه عن زيدٍ، إلاّ أنّه قال: جاء به يوم القيامة على عنقه له رغاءٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} قال قتادة: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا غنم مغنمًا، بعث مناديًا: ألا لا يغلّنّ رجلٌ مخيطًا فما دونه، ألا لا يغلّنّ رجلٌ بعيرًا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاءٌ، ألا لا يغلّنّ رجلٌ فرسًا، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمةٌ). [جامع البيان: 6/201-207]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ} ثمّ تعطى كلّ نفسٍ جزاء ما كسبت بكسبها وافيًا غير منقوصٍ ما استحقّه واستوجبه من ذلك: {وهم لا يظلمون} يقول: وهم لا يفعل بهم إلاّ الّذي ينبغي أن يفعل بهم من غير أن يعتدي عليهم، فينقصوا عمّا استحقّوه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} ثمّ يجزى بكسبه غير مظلومٍ ولا معتدًى عليه). [جامع البيان: 6/207-208]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما كان لنبيٍّ أن يغل
[الوجه الأول]
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ يقول: لا ينبغي لنبيٍّ أن يغلّ.
- حدّثنا أبي، ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: مثله وقبله، قال: كانت قطيفةٌ فقدّوها يوم بدرٍ فقالوا: لعلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها، فأنزل اللّه تعالى: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: يخون.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: يخون- وروي عن الحسن نحو ذلك
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ يقول:
وما كان لنبيٍّ أن يقسم لطائفةٍ من المسلمين ويترك طائفةً، ويجور في القسم، ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر اللّه، ويحكم فيه بما أنزل اللّه يقول اللّه تعالى:
ما كان اللّه ليجعل نبيّاً يغلّ فيه بما أنزل اللّه، يقول اللّه تعالى: ما كان اللّه ليجعل نبيّاً يغلّ من أصحابه، فإذا فعل النّبيّ ذلك استنّوا به- وروي عن الضحاك نحوه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة وما كان لنبيٍّ أن يغلّ قال: أن يغلّه أصحابه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ فزعم أنّه لم يكن للمؤمنين أن يغلّوا في دينهم.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال:
محمّد بن إسحاق: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي: ما كان لنبيٍّ أن يكتم النّاس ما بعثه اللّه به إليهم عن رهبةٍ من النّاس ولا رغبةٍ.
والوجه الخامس:
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلف بن هشامٍ، ثنا الخفّاف، عن هارون، عن الزّبير يعني: ابن خرّيتٍ
، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وعن حنظلة، عن شهرٍ، عن ابن عبّاسٍ أن يغلّ: أن يتّهمه أصحابه
قوله تعالى: ومن يغلل
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ومن يغلل يعني: يغلل ممّا أفاء اللّه على المسلمين من فيء المشركين بقليلٍ أو كثيرٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ومن يغلل أي: من يفعل ذلك.
قوله تعالى: يأت بما غلّ يوم القيامة
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك الدّقيقيّ، ثنا إسماعيل بن أبان حدثنا محمد ابن أبان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الحجر ليزن سبع خلفاتٍ ليلقى في جهنّم، فيهوي فيها سبعين خريفاً، ويؤتى بالغلول، فيلقى معه، ثمّ يكلّف صاحبه أن يأتي به وهو قول اللّه عزّ وجل: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا ابن المبارك، عن أبي معشرٍ المدنيّ، عن سعيدٍ المقبريّ قال: جاء رجلٌ إلى أبي هريرة فقال: أرأيت قول اللّه تعالى: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة؟ هذا يغلّ ألف درهمٍ وألفي درهمٍ يأتي بها؟ أرأيت من يغلّ مائة بعيرٍ مائتي بعيرٍ كيف يصنع؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحدٍ؟ وفخذه مثل ورقان؟ وساقه مثل بيضاء؟ ومجلسه ما بين المدينة إلى الرّبذة؟ ألا يحلّ هذا؟
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، أنبأ ابن المبارك، عن عبد اللّه بن شوذبٍ، حدّثني عامر بن عبد الواحد، عن عبد اللّه بن بريدة، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: لو كنت مستحلا من الغلول القليل، لاستحللت منه الكثير ما من أحدٍ يغلّ غلولا إلا كلّف أن يأتي به من أسفل درك جهنّم.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة وهو عارٌ عليهم يوم القيامة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: يأت بما غلّ يوم القيامة يعني: يأت به يوم القيامة قد حمله على عنقه.
قوله تعالى: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ يعني برّاً وفاجراً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ثمّ توفّى كلّ نفسٍ مّا كسبت وهم لا يظلمون قال: ثمّ يجزى بكسبه غير مظلومٍ ولا معتدًى عليه.
قوله تعالى: ما كسبت
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: ما كسبت يعني: ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ.
قوله تعالى: وهم لا يظلمون
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وهم لا يظلمون يعني: في أعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/803-806]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: نزلت هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161] في قطيفة حمراء فقدت يوم بدرٍ، فقال بعض القوم: لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخذها، فأنزل الله هذه الآية إلى آخرها، أخرجه الترمذي وأبو داود.
[شرح الغريب]
(يغل) الغل: الخيانة، وقد قرئ (يغلّ - ويغلّ)، أي يخون، ويخان.
(قطيفة) : دثار له خميلة). [جامع الأصول: 2/71-72]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161].
- عن ابن عبّاسٍ قال: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]. قال: ما كان لنبيٍّ أن يتّهمه أصحابه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح.
- «وعن ابن عبّاسٍ قال: بعث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - جيشًا فردّت رايته، ثمّ بعث فردّت، ثمّ بعث فردّت بغلول رأس غزالٍ من ذهبٍ، فنزلت: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]».
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/328]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، ثنا هارون القارئ، عن الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} [آل عمران: 161]، قال: ما كان لنبيٍّ أن يتّهمه أصحابه.
- وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عتّاب بن بشيرٍ، ثنا خصيفٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:....، نحوه). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/43-44]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا حسنٌ، ثنا أبو عمرٍو القارئ، عن عاصمٍ، عن أبي عبد الرّحمن قال: "قلت لابن عبّاسٍ: إنّ ابن مسعودٍ كان يقرأ: "أن يغل" فقال لي: قد جاز له أن يغل وأن يقتل، أما هي أن يغل وهو ما كان الله- عز وجل- ليجعل نبيّاً غالّاً"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/191]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا محمّد ابن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي الحويرث أنّه سمع الحكم بن (منهال) يقول: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعمر رضي الله عنه: اجمع لي من هنا من قريشٍ... الحديث.
تقدّم في باب الورع والتّقوى من الرّقائق). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/559]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: حدثنا حسنٌ، ثنا أبو عمرٍو القارئ، عن عاصمٍ، عن أبي عبد الرّحمن، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: إنّ ابن مسعودٍ رضي الله عنه، يقرأ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}، بفتح الغين فقال لي: قد جاز له أن يغلّ وأن (يقتل)، إنّما هي أن يغلّ (يعني) بضمّ العين، وما كان اللّه (عزّ وجلّ) ليجعل نبيًّا غالًّا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/561]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 161 - 163.
أخرج أبو داود، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال: كان ابن مسعود يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} فقال ابن عباس: بلى، ويقتل إنما كانت في قطيفة قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها يوم بدر، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم جيشا فردت رايته ثم بعث فردت بغلول رأس غزالة من ذهب، فنزلت {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: ما كان للنبي أن يتهمه أصحابه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض الناس: لعل النبي
صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل} قال: خصيف فقلت لسعيد بن جبير {وما كان لنبي أن يغل} يقول: ليخان قال: بل يغل فقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم والله يغل ويقتل أيضا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الياء ورفع الغين
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي وأبي رجاء ومجاهد وعكرمة، مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بفتح الياء.
وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال: قلت لابن عباس إن ابن مسعود يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} يعني بفتح الغين فقال لي: قد كان له أن يغل وأن يقتل إنما هي {أن يغل} يعني بضم الغين، ما كان الله ليجعل نبيا غالا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر الله ويحكم فيه بما أنزل الله يقول: ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم استسنوا به.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا فلما قدمت الطلائع فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وما كان لنبي أن يغل} قال أن يخون.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الغين قال: أن يخان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة والربيع {وما كان لنبي أن يغل} يقول: ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه، وذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه.
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل قال الله (و يقتلون الأنبياء بغير حق) (البقرة الآية 61) ولكن المنافقين اتهموا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل}
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا توفي يوم حنين فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا عليه، فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين.
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في النار فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة فقال: أسمعت بلالا ثلاثا قال: نعم، قال: فا منعك أن تجيء به قال: يا رسول الله أعتذر، قال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن صالح بن محمد بن زائدة قال: دخل مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه، قال: فوجدنا في متاعه مصحفا فسئل سالم عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن شقيق قال أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك فلان، قال: بل هو الآن يجر إلى النار في عباءة غل بها الله ورسوله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال كان على ثقل النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه عباءة قد غلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال قيل يا رسول الله استشهد مولاك فلان قال: كلا، إني رأيت عليه عباءة قد غلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال أهدى رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فخرج به معه إلى خيبر فنزل بين العصر والمغرب فأتى الغلام سهم غائر فقتله، فقلنا هنيئا لك الجنة فقال: والذي نفسي بيده إن شملته لتحرق عليه الآن في النار غلها من المسلمين، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أصبت يومئذ شراكين فقال: يقدمنك مثلهما من نار جهنم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول أن يحرق فسطاطه ومتاعه.
وأخرج الطبراني عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا إسلال ولا غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
وأخرج الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فلما سرت أرسل في أثري فرددت فقال: أتدري لم بعثت إليك لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} لهذا دعوتك فامض لذلك.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غنم مغنما بعث مناديه يقول: ألا لا يغلن رجل مخيطا فما فوقه ألا لا أعرفن رجلا يغل بعيرا يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء ألا لا أعرفن رجلا يغل فرسا يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له حمحمة ألا لا أعرفن رجلا يغل شاة يأتي بها يوم القيامة حاملها على عنقه لها ثغاء يتتبع من ذلك ما شاء الله أن يتتبع، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اجتنبوا الغلول فإنه عار وشنار ونار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: ألا لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك
من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك.
وأخرج هناد، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رجلا قال له: أرأيت قول الله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها أرأيت من يغل مائة بعير ومائتي بعير كيف يصنع بها قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ورقان وساقه مثل بيضاء ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة ألا يحمل هذا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحجر ليزن سبع خلفات ليلقى في جهنم فيهوي فيها سبعين خريفا ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس من عمل منكم لنا في عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل - وفي لفظ - فإنه غلول يأتي به يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن أنيس، أنه تذاكر هو وعمر يوما الصدقة فقال: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة من غل منها بعيرا أو شاة فانه يحمله يوم القيامة قال عبد الله بن أنيس: بلى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} يعني يأت بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: لو كنت مستحلا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ما من أحد يغل غلولا إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم.
وأخرج أحمد، وابن أبي داود في المصاحف عن خمير بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف أن تغير فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه من غل شيئا جاء به يوم القيامة ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة). [الدر المنثور: 4/93-104]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن مطرف عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى أفمن اتبع رضوان الله قال من لم يغل كمن باء بسخط من الله قال كمن غل). [تفسير عبد الرزاق: 1/138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أفمن اتّبع رضوان اللّه في ترك الغلول كمن باء بسخطٍ من اللّه بغلوله ما غلّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن طريفٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} قال: من لم يغلّ {كمن باء بسخطٍ من اللّه} كمن غلّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن مطرّف بن مطرّفٍ، عن الضّحّاك، قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} قال: امن أدّى الخمس {كمن باء بسخطٍ من اللّه} غل فباء بسخط من الله فاستوجب سخطًا من اللّه.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {أفمن اتّبع رضوان اللّه} على ما أحبّ النّاس وسخطوا {كمن باء بسخطٍ من اللّه} لرضا النّاس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي، فثوابه الجنّة ورضوانٌ من ربّه، كمن باء بسخطٍ من اللّه، فاستوجب غضبه وكان مأواه جهنّم وبئس المصير؟ أسواءٌ المثلان؟ أي فاعرفوا
وأولى التّأويلين بتأويل الآية عندي قول الضّحّاك بن مزاحمٍ؛ لأنّ ذلك عقيب وعيد اللّه على الغلول ونهيه عباده عنه، ثمّ قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده، أسواءٌ المطيع للّه فيما أمره ونهاه، والعاصي له في ذلك؟ أي أنّهما لا يستويان ولا تستوي حالتاهما عنده، لأنّ لمن أطاع اللّه فيما أمره ونهاه الجنّة، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه النّار
فمعنى قوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه} إذًا: أفمن ترك الغلول وما نهاه اللّه عنه عن معاصيه وعمل بطاعة اللّه في تركه ذلك وفي غيره ممّا أمره به ونهاه من فرائضه، متّبعًا في كلّ ذلك رضا اللّه، ومجتنبًا سخطه {كمن باء بسخطٍ من اللّه} يعني: كمن انصرف متحمّلاً سخط اللّه وغضبه، فاستحقّ بذلك سكنى جهنّم، يقول: ليسا سواءً.
وأمّا قوله: {وبئس المصير} فإنّه يعني: وبئس الشى الّذي يصير إليه ويئوب إليه من باء بسخطٍ من اللّه جهنّم). [جامع البيان: 6/208-210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (162)
قوله تعالى: أفمن اتّبع رضوان اللّه
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: أفمن اتّبع رضوان اللّه يعني: أرضى اللّه فلم يغلل من الغنيمة
- وروي عن الضّحّاك قال: من لم يغلّ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، أنبأ أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن قوله: أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: يقول: من أخذ الحلال خيرٌ له ممّن أخذ الحرام، وهذا في الغلول وفي المظالم كلّها.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق:
أفمن اتّبع رضوان اللّه على ما أحبّ النّاس وسخطوا كمن باء بسخطٍ من اللّه لرضي النّاس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنّة ورضوانٌ من ربّه؟
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا مؤمّلٌ، عن سفيان قال: بلغني، عن مجاهدٍ أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: من أدّى الخمس.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، أنبأ ابن ثور، عن ابن جريح أفمن اتّبع رضوان اللّه قال: أمر اللّه في أداء الخمس.
قوله تعالى: كمن باء بسخطٍ من اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن سفيان، عن مطرّفٍ، عن الضّحّاك كمن باء بسخطٍ من اللّه قال: من غلّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: كمن باء بسخطٍ من اللّه يعني: كمن استوجب سخطاً من اللّه في الغلول، فليس هو بسواءٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال محمد ابن إسحاق: قوله: كمن باء بسخطٍ من اللّه فاستوجب غضبه.
قوله تعالى: ومأواه جهنّم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: ثمّ بيّن مستقرّهما، فقال للّذي يغلّ:
مأواه جهنّم.
قوله تعالى: وبئس المصير
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وبئس المصير يعني: مصير أهل الغلول). [تفسير القرآن العظيم: 2/806-807]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} يعني رضا الله فلم يغلل من الغنيمة {كمن باء بسخط من الله} يعني كمن استجوب سخطا من الله في الغلول فليس هو بسواء ثم بين مستقرهما فقال للذي يغل {ومأواه جهنم وبئس المصير} يعني مصير أهل الغلول ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال {هم درجات} يعني فضائل {عند الله والله بصير بما يعملون} يعني بصير بمن غل منكم ومن لم يغل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من لم يغل {كمن باء بسخط من الله} كمن غل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج {أفمن اتبع رضوان الله} قال: أمر الله في أداء الخمس {كمن باء بسخط من الله} فاستوجب سخطا من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من أدى الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {أفمن اتبع رضوان الله} يقول: من أخذ الحلال خير له ممن أخذ الحرام وهذا في الغلول وفي المظالم كلها). [الدر المنثور: 4/93-104]

تفسير قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: {هم درجاتٌ عند الله} [سورة آل عمران: 163]، بعضهم أفضل من بعض، يرى الذي قد فضل فضيلته، ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس). [الزهد لابن المبارك: 2/559]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون}

يعني تعالى ذكره بذلك أنّ من اتّبع رضوان اللّه، ومن باء بسخطٍ من اللّه مختلفو المنازل عند اللّه، فلمن اتّبع رضوان اللّه الكرامة والثّواب الجزيل، ولمن باء بسخطٍ من اللّه المهانة والعقاب الأليم.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون} أي لكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا في الجنّة والنّار، إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {هم درجاتٌ عند اللّه} يقول: بأعمالهم
وقال آخرون: معنى ذلك لهم درجاتٌ عند اللّه، يعني: لمن اتّبع رضوان اللّه منازل عند اللّه كريمةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {هم درجاتٍ عند اللّه} قال: هي كقوله لهم درجاتٌ عند اللّه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {هم درجاتٌ عند اللّه} يقول: لهم درجاتٌ عند اللّه.
وقيل قوله: {هم درجاتٌ} كقول القائل: هم طبقاتٌ، كما قال ابن هرمة:.
إن حمّ المنون يكون قومىٌ = لريب الدّهر أم درج السّيول
وأمّا قوله: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} فإنّه يعني: واللّه ذو علمٍ بما يعمل أهل طاعته ومعصيته، لا يخفى عليه من أعمالهم شيءٌ، يحصي على الفريقين جميعًا أعمالهم، حتّى توفّى كلّ نفسٍ منهم جزاء ما كسبت من خيرٍ وشرٍّ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} يقول: إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته). [جامع البيان: 6/210-211]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون (163)
قوله تعالى: هم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: هم درجاتٌ عند اللّه يقول: لهم درجاتٌ عند اللّه.
قوله تعالى: درجاتٌ عند اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، ثنا الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: هم درجاتٌ عند اللّه يقول:
بأعمالهم.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: هم درجاتٌ عند اللّه قال: للنّاس درجاتٌ بأعمالهم في الخير والشّرّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: ثمّ ذكر مستقرّ من لا يغل فقال: هم درجاتٌ يعني: لهم فضائل عند اللّه.
قوله تعالى: واللّه بصيرٌ بما يعملون
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: واللّه بصيرٌ بما يعملون يعني:
بصيرٌ بمن غلّ منكم ومن لم يغلّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/807-808]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله هم درجات
[تفسير مجاهد: 138]
عند الله يقول لهم درجات عند الله). [تفسير مجاهد: 139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {هم درجات عند الله} يقول: بأعمالهم
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {هم درجات عند الله} قال: هي كقوله (لهم درجات عند الله) (الأنفال الآية 4).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {هم درجات} يقول: لهم درجات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله {هم درجات} قال: للناس درجات بأعمالهم في الخير والشر.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {هم درجات عند الله} قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي فاق فضله على الذي أسفل منه ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد). [الدر المنثور: 4/93-104]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 10:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فبما رحمةٍ مّن اللّه لنت لهم...}
العرب تجعل (ما) صلة في المعرفة والنكرة واحدا.
قال الله {فبما نقضهم ميثاقهم} والمعنى: فبنقضهم، و{عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين} والمعنى: عن قليل. والله أعلم. وربما جعلوه اسما وهي في مذهب الصلة؛ فيجوز فيما بعدها الرفع على أنه صلة، والخفض على إتباع الصلة لما قبلها؛ كقول الشاعر:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حبّ النبي محمدٍ إيانا
وترفع (غير) إذا جعلت صلة بإضمار (هو)، وتخفض على الاتباع لمن، وقال الفرزدق:
إني وإياك إن بلّغن أرحلنا * كمن بواديه بعد المحل ممطور
فهذا مع النكرات، فإذا كانت الصلة معرفة آثروا الرفع، من ذلك {فبما نقضهم} لم يقرأه أحد برفع ولم نسمعه. ولو قيل جاز. وأنشدونا بيت عديّ:
لم أر مثل الفتيان في غير الـ * أيام ينسون ما عواقبها
والمعنى: ينسون عواقبها صلة لما. وهو مما أكرهه؛ لأن قائله يلزمه أن يقول: {أيّما الأجلان قضيت} فأكرهه لذلك ولا أردّه. وقد جاء، وقد وجّهه بعض النحويين إلى: ينسون أي شيء عواقبها، وهو جائز، والوجه الأوّل أحبّ إليّ.
والقرّاء لا تقرأ بكل ما يجوز في العربية، فلا يقبحنّ عندك تشنيع مشنّع مما لم يقرأه القرّاء مما يجوز). [معاني القرآن: 1/244-245]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فبما رحمةٍ من الله}: أعملت الباء فيها فجررتها بها كما نصبت هذه الآية: {إنّ الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً ما بعوضةً}
{لا نفضّوا من حولك} أي: تفرّقوا على كل وجه.
{فإذا عزمت} أي: إذا أجمعت). [مجاز القرآن: 1/107]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فبما رحمةٍ مّن اللّه لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
قال تعالى: {فبما رحمةٍ مّن اللّه} يقول: "فبرحمةٍ" و{ما} زائدة). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لانفضوا}: تفرقوا). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فبما رحمةٍ من اللّه} أي: فبرحمة. و«ما» زائدة.
{لانفضّوا من حولك} أي: تفرقوا). [تفسير غريب القرآن: 114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين}
{فبما رحمة من اللّه لنت}
" ما " بإجماع النحويين ههنا صلة لا تمنع الباء من عملها فيما عملت.
المعنى: فبرحمة من اللّه لنت لهم، إلا أن " ما " قد أحدثت بدخولها توكيد المعنى، ولو قرئت فبما رحمة من اللّه جاز، المعنى: فبما هو رحمة كما أجازوا... {مثلا ما بعوضة} ولا تقرأنّ بها، فإن القراءة سنة ولا يجوز أن يقرأ قارئ بما لم يقرأ به الصحابة أو التابعون أو من كان من قرّاء الأمصار المشهورين في القراءة.
والمعنى: أن ليّنك لهم مما يوجب دخولهم في الدين لأنك تأتيهم بالحجج والبراهين مع لين وخلق عظيم.
{ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}
الفظ: الغليظ الجانب السيئ الخلق، يقال فظظت تفظّ فظاظة، وفظظا، إلا أن فظاظة أكثر لثقل التضعيف، وما كان من الأسماء على (فعل) في المضاعف فغير مدغم نحو المدد والشرر، وما كان على (فعل) فمدغم على كل حال نحو رجل صب، وأصله صبب وكذلك فظ وأصله فظظ، ومثله من غير المضاعف. قد فرقت تفرق، فرقا، وأنت فرق، " وإذا اضطر شاعر رد فعلا إلى أصله في المضاعف قال الشاعر:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي... أني أجود لأقوام وقد ضننوا
والفظ: ماء الكرش، والفرث وسمي فظا لغلظ مشربه.
وقوله عزّ وجلّ: {وشاورهم في الأمر} أي: شاورهم فيما لم يكن عندك فيه وحي، فأما ما فيه أمر من الله جلّ وعزّ ووحي فاشتراك الأراء فيه ساقط.
وإنما أراد اللّه عزّ وجلّ - بذلك السنة في المشاورة، وأن يكرم أصحابه بمشاورته إياهم، ثم أمر بعد الإجماع على الرأي بالتوكل على اللّه - عزّ وجلّ - قال: {فإذا عزمت فتوكل على اللّه} أي: لا تظن أنك تنال منالا تحبه إلّا باللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 1/482-483]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}
الفظ في اللغة: الغليظ الجانب السيء الخلق يقال فظظت تفظ فظاظة.
ومعنى {لانفضوا من حولك}: لتفرقوا، هذا قول أبي عبيدة،
وكأنه التفرق من غير جهة واحدة ويقال فلان يفض الغطاء، أي: يفرقه وفضضت الكتاب من هذا). [معاني القرآن: 1/500-501]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}
المشاورة في اللغة: أن تظهر ما عندك وما عند صاحبك من الرأي والشوار متاع البيت المرئي وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: أن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم فيما لم يأت فيه وحي لأنه قد يكون عند بعضهم فيما يشاور فيه علم وقد يعرف الناس من أمور الدنيا ما لا يعرفه الأنبياء فإذا كان وحي لم يشاورهم.
والقول الآخر: أن الله عز وجل أمره بهذا ليستميل به قلوبهم وليكون ذلك سنة لمن بعده.
حدثني أحمد بن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس {وشاورهم في الأمر} قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الحسن: أمر بذلك صلى الله عليه وسلم لتستن به أمته). [معاني القرآن: 1/501-502]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {لانْفَضُّوا بين حولك} أي: لتفرقوا). [ياقوتة الصراط: 192]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اَنفَضُّواْ}: تفرقوا). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}
الخذلان في اللغة: الترك ومنه يقال تخاذل القوم إذا انماز بعضهم من بعض ويقال ظبية خاذلة إذا انفردت عن القطيع قال زهير:
بجيد مغزلة أدماء خاذلة = من الظباء تراعي شادنا). [معاني القرآن: 1/502-503]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {وإن يخذلكم} أي: يترككم من نصره). [ياقوتة الصراط: 193]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ...}
يقرأ بعض أهل المدينة أن يغلّ؛ يريدون أن يخان.
وقرأه أصحاب عبد الله كذلك: أن يغلّ؛ يريدون أن يسرّق أو يخوّن، وذلك جائز وإن لم يقل: يغلّل فيكون مثل قوله: {فإنهم لا يكذّبونك - ويكذبونك}.
وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي "أن يغلّ"، وذلك أنهم ظنّوا يوم أحد أن لن تقسم لهم الغنائم كما فعل يوم بدر، ومعناه: أن يتّهم ويقال قد غلّ). [معاني القرآن: 1/245]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}: أن يخان). [مجاز القرآن: 1/107]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ مّا كسبت وهم لا يظلمون}
قال تعالى: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} وقال بعضهم {يغلّ} وكلٌّ صواب والله أعلم لأنّ المعنى "أن يخون" أو "يخان"). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وما كان لنبي أن يغل}: يخون وذلك أنهم اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ {يغل} فهو يخان، والمعنى: أن بعض القوم خان). [غريب القرآن وتفسيره: 111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أي: يخون في الغنائم.
{ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} معناه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم: ((لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة على عنقه شاة لها ثغاء، لا أعرفن كذا، لا أعرفن كذا، فيقول)): يا محمد ((فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت))
يريد: أن من غل شاة أو بقرة أو ثوبا أو غير ذلك، أتى به يوم القيامة يحمله.
ومن قرأ «يغل» أراد يخان. ويجوز أن يكون يلفى خائنا. يقال:
أغللت فلانا، أي: وجدته غالا، كما يقال: أحمقه وجدته أحمق. وأحمدته وجدته محمودا.
وقال الفرّاء: من قرأه {يغلّ} أراد: يخوّن. ولو كان المراد هذا المعنى لقيل يغلّل. كما يقال: يفسّق ويخون ويفجر). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وما كان لنبيّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}
{وما كان لنبيّ أن يغلّ} و {أن يغل} قرئتا جميعا.

فمن قرأ {أن يغلّ} فالمعنى: وما كان لنبي أن يخون أمّته وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم في غزاة، فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا، فقال - صلى الله عليه وسلم - ((لو أن لكم عندي مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم)).
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه شاة قد غلّها لها ثغاء، ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه بعير قد غلّه له رغاء، ألا لا أعرفنّ رجلا يأتي يوم القيامة ومعه فرس قد غلّه له حمحمة)).

ومن قرأ {أن يغلّ} فهو جائز على ضربين:
أي: ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه، أي: يخوّنوه - وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا يحبس أحدكم خيطا ولا مخيطا)).

وأجاز أهل اللغة: أن يغل أن يخوّن، ويقال: أغللت الجلد إذا سلخته فأبقيت فيه شيئا من الشحم، وقد غل الرجل يغلّ إذا خان لأنه أخذ شيئا في خفاء، فكل ما كان من هذا الباب فهو راجع إلى هذا، من ذلك الغال وهو الوادي الذي ينبت الشجر وجمعه غلّان، ومن ذلك الغل وهو الحقد، وتقول قد أغلّت الضيعة فهي مغلّة إذا أتت بشيء وأصلها باق - قال زهير -:
فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
والغلالة: الثوب الذي يلبس " تحت الثياب " والذي يلبس تحت الدرع - درع الحديد - غلالة، وتغلّلت بالغالية " وتغليت " إنما هو جعلها في
أصول الشعر.
والغل: الماء الذي يجري في أصول الشجر.

ومعنى {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزّى}
معنى (إذا): ههنا ينوب عما مضى من الزمان وما يستقبل جميعا والأصل في (إذ) الدلالة على ما مضى، تقول أتيتك إذ قمت وآتيك إذا جئتني.
ولم يقل ههنا " إذ ضربوا في الأرض " لأنه يريد شأنهم هذا أبدا، ومثل ذلك في الكلام: فلان إذا حدث صدق، وإذا ضرب صبر.
(فإذا) لما يستقبل، إلا أنه لم يحكم له بهذا المستقبل إلا بما خبر منه فيما مضى.
وقوله جلّ وعزّ: {وشاورهم في الأمر}
يقال شاورت الرجل مشاورة وشوارا، وما يكون من ذلك فاسمه المشورة، وبعضهم يقول المشورة. يقال فلان حسن الصورة والمشورة أي حسن الهيئة واللباس وإنه لشئر (صثن) وحسن الشارة والشوار متاع البيت.
ومعنى شاورت فلان: أظهرت في الرأي ما عندي وما عنده، وشرت الدابة أشورها إذا امتحنتها فعرفت هيئتها في سيرها.
ويقال شرت العسل وأشرت العسل إذا أخذته من مواضع النحل وعسل مشور.
قال الأعشى.
كأنّ القرنفل والزّنجبيل... باتا بفيها وأريا مشورا
والأري العسل، ويقال عسل مشار.
قال الشاعر:
وغناء يأذن الشيخ له... وحديث مثل ماذيّ مشار). [معاني القرآن: 1/483-485]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما كان لنبي أن يغل}
وتقرأ (يغل) ومعنى {يغل}: يخون وروى أبو صخر عن محمد بن كعب في معنى وما كان لنبي أن يغل قال: يقول ما كان لنبي أن يكتم شيئا من كتاب الله عز وجل.
ويغل يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يلقى غالا، أي: خائنا كما تقول أحمدت الرجل إذا أصبته محمودا وأحمقته إذا أصبته أحمق.
قالوا ويقوي هذا القول أنه روي عن الضحاك أنه قال: يغل يبادر الغنائم لئلا تؤخذ.
والمعنى الآخر: أن يكون يغل بمعنى يغل منه، أي: يخان منه، وروى عن قتادة أن معنى يغل يخان
وقد قيل فيه قول ثالث: لا يصح وهو أن معنى يغل يخون ولو كان كذلك لكان يغلل.
ثم قال عز وجل: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة ومعه شاة لها ثغاء فيقول)): يا محمد ((فأقول: لا أملك لك من الله شيئا))
والغلول في اللغة: أن يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه ومنه يقال للماء الذي يجري بين الشجر غلل كما قال الشاعر:
لعب السيول به فأصبح ماؤه = غللا يقطع في أصول الخروع
ومنه الغلالة ومنه يقال تغلغل فلان في الأمر والأصل تغلل.
ومنه في صدره علي غل، أي: حقد ومنه غللت لحيتي وغليتها). [معاني القرآن: 1/503-505]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يغل} أي: يخون و(يغل): يخون). [ياقوتة الصراط: 193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} أي: يخون في الغنائم ومن قرأ (يُغَل) بضم الياء، فمعناه: يُخان، وقيل، معناه: يخون). [تفسير المشكل من غريب القرآن:53-54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَغُلَّ}: يخون). [العمدة في غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخط من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير}
يقرأ رضوان بكسر الراء، ورضوان بضم الراء، وقد رويتا جميعا عن عاصم.
{كمن باء بسخط من اللّه}
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أرمر المسلمين في أحد باتباعه، اتبعه المؤمنون وتخلف عنه جماعة من المنافقين، فأعلم الله جلّ وعزّ: - أن من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد اتبع رضوان اللّه، ومن تخلف عنه فقد باء بسخط من الله.
ومعنى باء لذنبه: احتمله، وصار المذنب مأوى الذنب، ولذلك بوأت فلانا منزلا أي جعلته ذا منزل). [معاني القرآن: 1/486]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل تعالى: {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله}
قال الضحاك: أفمن اتبع رضوان الله من لم يغل كمن باء بسخط من الله كمن غل.
ومعنى باء: احتمل). [معاني القرآن: 1/505-506]

تفسير قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هم درجاتٌ عند اللّه...}
يقول: هم في الفضل مختلفون: بعضهم أرفع من بعض). [معاني القرآن: 1/245]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هم درجاتٌ عند الله} أي: هم منازل، معناها: لهم درجات عند الله، كقولك: هم طبقات، قال ابن هرمة:
أرجماً للمنون يكون قومي... لريب الدّهر أم درج السيول
تفسيرها: أم هم على درج السيول. ويقال للدرجة التي يصعد عليها: درجة، وتقديرها: قصبة، ويقال لها أيضاً: درجة). [مجاز القرآن: 1/107-108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({هم درجاتٌ عند اللّه}أي: هم طبقات في الفضل. فبعضهم أرفع من بعض). [تفسير غريب القرآن: 115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {هم درجات عند اللّه واللّه بصير بما يعملون} أي: المؤمنون ذوو درجة رفيعة، - والكافرون ذوو درجة عند اللّه وضيعة.
ومعنى {هم درجات}: هم ذوو درجات، لأن الإنسان غير الدرجة كما تقول: الناس طبقات، أي: ذوو طبقات؛ وأنشد سيبويه:

أنصب للمنية تعتريهم... رجال أم همو درج السيول
أي: هم ذوو درج، ويجوز أم همو درج السيول على الظرف). [معاني القرآن: 1/486-487]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}
قال مجاهد: المعنى لهم درجات عند الله.
والتقدير في اللغة العربية: هم ذوو درجات ثم حذف، والمعنى: بعضهم أرفع درجة من بعض.

وقيل {هم} لمن اتبع رضوان الله ولمن باء بسخطه، أي: لكل واحد مهم جزاء عمله بقدر). [معاني القرآن: 1/506]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:20 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث عمر رضي الله عنه أنه رمى الجمرة بسبع حصيات ثم مضى فلما خرج من فضض الحصى، وعليه خميصة سوداء، أقبل على سلمان بن ربيعة فكلمه بكلام قد ذكره.
قال: حدثنيه حجاج عن ابن جريج عن هارون بن أبي عائشة عن عدي بن عدي عن سلمان بن ربيعة عن عمر.
قوله: «فضض الحصى» يعني: المتفرق المتكسر، وكل شيء تفرق من شيء فقد انفض منه، وقال الله تبارك وتعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
ومنه قول عائشة رحمها الله لمروان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيك كذا وكذا. فأنت فضض منه.
وكذلك الفضيض هو مثل الفضض). [غريب الحديث: 4/293-294]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث خالد رحمه الله حين
كتب إلى مرازبة فارس مقدمه العراق: وأما بعد فالحمد لله الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم وسلب ملككم.
قال: حدثناه ابن أبي زائدة، عن مجالد عن الشعبي، عن خالد قوله: فض خدمتكم، يعني كسر وفرق، وكل متكسر متفرق فهو منفض قال الله تبارك وتعالى: {لانفضوا من حولك} ). [غريب الحديث: 5/36-37]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن الحروف ما يستجمع منه معانٍ: فمن ذلك مَنْ لها أربعة مواضع كما ذكرت لك.

ومن ذلك ما لها خمسة مواضع: تكون جزاءً في قولك: ما تصنع أصنع.
وتكون استفهاما لقولك: ما صنعت?
وتكون بمنزلة الذي في قولك: أرأيت ما عندنا؟: إلا أنها في هذه المواضع اسم، ووقوعها على ذات غير الآدميين نحو قولك - إذا قال ما عندك؟ فرس، أو حمار، أو مال، أو بر، وليس جواب قوله: ما عندك؟ زيد، ولا عمرو. وقد خبرتك بعمومها في قوله: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} وأما وقوعها لصفات الآدميين فكقولهم: ما زيد؟ فيقول: شريف، أو وضيع.
ولها موضعان تقع فيهما وليست باسم، إنما هي فيهما حرك: فأحدهما: النفي، نحو قولك: ما زيد في الدار، وما يقوم زيد.
والموضع الآخر هي فيه زائدة مؤكدة لا يخل طرحها بالمعنى، كقول الله عز وجل: {فبما رحمة} وكذلك {فبما نقضهم ميثاقهم} ). [المقتضب: 1/186] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
وصبري عمن كنت ما إن أزايله
إن: زائدة، وهي تزاد مغيرة للإعراب، وتزاد توكيدًا، وهذا موضع ذلك، فالموضع الذي تغير فيه الإعراب هو وقوعها بعد"ما" الحجازية، تقول: ما زيدٌ أخاك، وما هذا بشرًا، فإذا أدخلت إن هذه بطل النصب بدخولها، فقلت: ما إن زيد منطلق، قال الشاعر:
وما إن طبنا جبنٌ ولكن = منايانا ودولة آخرينا
فزعم سيبويه أنها منعت "ما" العمل كما منعت "ما" إن الثقيلة أن تنصب تقول: إن زيدًا منطلق، فإذا أدخلت"ما" صارت من حروف الابتداء، ووقع بعدها المبتدأ وخبره والأفعال، نحو: إنما زيد أخوك، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ولولا "ما" لم يقع الفعل بعد"إن" لأن"إن" بمنزلة الفعل، ولا يلي فعل فعلاً لأنه لا يعمل فيه، فأما كان يقوم زيدٌ، {كاد يزيغ قلوب فريق منهم} ففي كان وكاد فاعلان مكنيان.
و"ما" تزاد على ضربين، فأحدهما أن يكون دخولها في الكلام كإلغائها، نحو {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي فبرحمة، وكذلك: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} وكذلك {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} وتدخل لتغيير اللفظ، فتوجب في الشيء ما لولا هي لم يقع، نحو ربما ينطلق زيد، و{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولولا" ما" لم تقع رب على الأفعال، لأنها من عوامل الأسماء، وكذلك جئت بعد ما قام زيد، كما قال المرار:
أعلقة أم الوليد بعد ما = أفنان رأسك كالثغام المخلس
فلولا" ما" لم يقع بعدها إلا اسم واحد، وكان مخفوضًا بإضافة" بعد" إليه، تقول: جئتك بعد زيد). [الكامل: 1/440-442] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} قال: يقول أهل البصرة توكيد، فإذا سئلوا: كيف هي توكيد؟ يقولون: لا ندري). [مجالس ثعلب: 249]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حين صالح أهل مكة وكتب بينه وبينهم كتابا فكتب فيه «ألا إغلال ولا إسلال وأن بينهم عيبة مكفوفة.
قال أبو عمرو: الإسلال السرقة، يقال: في بني فلان سلة إذا كانوا يسرقون.
والإغلال: الخيانة.
وكان أبو عبيدة يقول:
يقال: رجل مُغل مُسل أي صاحب سلة وخيانة.
ومنه قول شريح:
ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان يعني الخائن.
وقال النمر بن تولب يعاتب امرأته جمرة في شيء كرهه منها فقال:



جزى الله عنا جمرة ابنة نوفلجـــزاء مـغــل بـالأمـانـة كـــاذب

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن».
فإنه يروى: لا يُغِل ولا يَغل.
فمن قال: يَغل بالفتح فإنه يجعله من الغِل وهو الضغن والشحناء ومن قال: يُغل بضم الياء جعله من الخيانة من الإغلال.
وأما الغُلول فإنه من المغنم خاصة.
يقال منه: قد غَل يَغُل غُلولا، ولا نراه من الأول ولا من الثاني.
ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة: أغل يُغِل.
ومن الغل: غَل يَغِل.
ومن الغُلول: غَل يَغُل بضم الغين.
فهذه الوجوه مختلفة.
قال الله عز وجل: {وما كان لنبي أن يَغُل}.
ولم نسمع أحدا قرأها بالكسر.
وقرأها بعضهم: «يُغَل»، فمن قرأها بهذا الوجه فإنه يحتمل معنيين:
أن يكون يُغَل يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته.
ويكون يُغَل ينسب إلى الغلول.
وقد قال بعض المحدثين: قوله: لا إغلال أراد لبس الدروع، ولا إسلال أراد سل السيوف.
ولا أعرف لهذا وجها ولا أدري ما هو؟). [غريب الحديث: 1/251-254]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال قد أغل الجازر والسالخ يغل إغلالا إذا ترك في الإهاب من اللحم شيئا وقد أغل يغل إغلالا إذا خان قال النمر بن تولب:




(جزى الله عنا جمرة ابنة نوفلجـــزاء مـغــل بـالأمـانـة كـــاذب)

وقال آخر:



(حدثت نفسك بالوفاء ولم تكنلـلـغــدر خـائــنــة مــغـــل الإصــبـــع)

وأما في المغنم فلم نسمع فيه إلا غل يغل غلولا وقرئ في كتاب الله عز وجل: {وما كان لنبي أن يَغُل} و{يُغَل} فمعنى يغل يخون ومعنى يغل يخون ويقال قد غل صدره يغل غلا إذا كان ذا غش ويقال قد أغل يغل إذا كانت له غلة قال الراجز:



(أقبل سيل كان من أمر اللهيـحـرد حـــرد الـجـنـة المـغـلـه)

أي: يقصد قصدها). [إصلاح المنطق: 265-266]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والمغل الذي عنده غلول، وهو ما يختان ويحتجن، ويستعمل مستعارًا في غير المال، يقال: غل يغل كقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
ويقال: أغل فهو مغل إذا صودف يغل، أو نسب إليه، ومن قرأ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}. فتأويله أن يأخذ ويستأثر، ومن قرأ: (يُغَلَّ) فتأويله على ضربين يكون أن يقال ذلك فيه، ويكون وهو الذي يختار أن يخون، فإن قال قائل كيف يكون التقدير، وقد قال: ما كان لنبي أن يغل فيغل لغيره، وأنت لا تقول ما كان لزيد أن يقوم عمرو? فالجواب أنه في التقدير على معنى: ما ينبغي لنبي أن يخون، كما قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. ولو قلت: ما كان لزيد أن يقوم عمرو إليه لكان جيدًا، على تقديرك: ما كان زيدٌ ليقوم عمرو إليه، كما قلنا في الآية). [الكامل: 1/464-465]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والمغل الذي عنده غلول، وهو ما يختان ويحتجن، ويستعمل مستعارًا في غير المال، يقال: غل يغل كقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
ويقال: أغل فهو مغل إذا صودف يغل، أو نسب إليه، ومن قرأ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}. فتأويله أن يأخذ ويستأثر، ومن قرأ: {يُغَلَّ} فتأويله على ضربين يكون أن يقال ذلك فيه، ويكون وهو الذي يختار أن يخون، فإن قال قائل كيف يكون التقدير، وقد قال: ما كان لنبي أن يغل فيغل لغيره، وأنت لا تقول ما كان لزيد أن يقوم عمرو? فالجواب أنه في التقدير على معنى: ما ينبغي لنبي أن يخون، كما قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. ولو قلت: ما كان لزيد أن يقوم عمرو إليه لكان جيدًا، على تقديرك: ما كان زيدٌ ليقوم عمرو إليه، كما قلنا في الآية). [الكامل: 1/464-465] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فبما رحمةٍ من اللّه، معناه: فبرحمة من الله «وما» قد جرد عنها معنى النفي ودخلت للتأكيد وليست بزائدة على الإطلاق لا معنى لها، وأطلق عليها سيبويه اسم الزيادة من حيث زال عملها، وهذه بمنزلة قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء: 155] قال الزجاج: الباء بإجماع من النحويين صلة وفيها معنى التأكيد، ومعنى الآية: التقريع لجميع من أخل يوم- أحد- بمركزه، أي كانوا يستحقون الملام منك، وأن لا تلين لهم، ولكن رحم الله جميعكم، أنت يا محمد بأن جعلك الله على خلق عظيم، وبعثك لتتمم محاسن الأخلاق، وهم بأن لينك لهم وجعلت بهذه الصفات لما علم تعالى في ذلك من صلاحهم وأنك لو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك، وتفرقوا عنك، والفظ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفة النبي عليه السلام في الكتب المنزلة: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وقال الجواري لعمر بن الخطاب: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله الحديث، وفظاظة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما كانت مستعملة منه آلة لعضد الحق والشدة في الدين، والفظاظة: الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا ومنه قول الشاعر: [البسيط]
أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ = وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
وغلظ القلب: عبارة عن تجهم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة ومن ذلك قول الشاعر: [البسيط]
يبكى علينا ولا نبكي على أحد = لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
والانفضاض: افتراق الجموع ومنه فض الخاتم.
قوله تعالى: ... فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين (159) إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (160)
أمر الله تعالى رسوله بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة وحق، فإذا صاروا في هذه الدرجة، أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلا للاستشارة في الأمور والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: وأمرهم شورى بينهم [الشورى: 38] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، وقال عليه السلام: المستشار مؤتمن، وصفة المستشار في الأحكام أن يكون عالما دينا، وقل ما يكون ذلك إلا في عاقل، فقد قال الحسن بن أبي الحسن: ما كمل دين امرئ لم يكمل عقله، وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا وادا في المستشير، والشورى بركة، وقد جعل عمر بن الخطاب الخلافة- وهي أعظم النوازل- شورى، وقال الحسن: والله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما بحضرتهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه، وقد قال في غزوة بدر: أشيروا عليّ أيها الناس، في اليوم الذي تكلم فيه المقداد، ثم سعد بن عبادة، ومشاورته عليه السلام إنما هي في أمور الحروب والبعوث ونحوه من أشخاص النوازل، وأما في حلال أو حرام أو حد فتلك قوانين شرع. ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ [الأنعام: 38] وكأن الآية نزلت مؤنسة للمؤمنين، إذ كان تغلبهم على الرأي في قصة- أحد- يقتضي أن يعاقبوا بأن لا يشاوروا في المستأنف، وقرأ ابن عباس «وشاورهم في بعض الأمر» وقراءة الجمهور إنما هي باسم الجنس الذي يقع للبعض وللكل، ولا محالة أن اللفظ خاص بما ليس من تحليل وتحريم، والشورى مبينة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف ويتخير، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه، عزم عليه وأنفذه متوكلا على الله، إذ هي غاية الاجتهاد المطلوب منه، وبهذا أمر تعالى نبيه في هذه الآية، وقرأ جابر بن زيد وأبو نهيك وجعفر بن محمد وعكرمة «عزمت» - بضم التاء سمى الله تعالى إرشاده وتسديده عزما منه، وهذا في المعنى نحو قوله تعالى: لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه [النساء: 105] ونحو قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال: 17] فجعل تعالى هزمه المشركين بحنين وتشويه وجوههم رميا، إذ كان ذلك متصلا برمي محمد عليه السلام بالحصباء. وقد قالت أم سلمة ثم عزم الله لي، والتوكل على الله تعالى من فروض الإيمان وفصوله، ولكنه مقترن بالجد في الطاعة والتشمير والحزامة بغاية الجهد: وليس الإلقاء باليد وما أشبهه بتوكل، وإنما هو كما قال عليه السلام: قيدها وتوكل). [المحرر الوجيز: 2/403-406]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم ثبت تعالى المؤمنين بقوله: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم أي فالزموا الأمور التي أمركم بها ووعدكم النصر معها، و «الخذل»: هو الترك في مواطن الاحتياج إلى التارك، وأصله من خذل الظباء، وبهذا قيل لها: خاذل إذ تركتها أمها، وهذا على النسب أي ذات خذل لأن المتروكة هي الخاذل بمعنى مخذولة، وقوله تعالى: فمن ذا الّذي ينصركم تقدير جوابه: لا من- والضمير في بعده يحتمل العودة على المكتوبة، ويحتمل العودة على الخذل الذي تضمنه قوله إن يخذلكم). [المحرر الوجيز: 2/406]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (161) أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (162) هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون (163)
تقدم القول في صيغة: وما كان لكذا أن يكون كذا، في قوله تعالى: وما كان لنفسٍ أن تموت [آل عمران: 145] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «يغل» بفتح الياء وضم الغين، وبها قرأ ابن عباس وجماعة من العلماء، وقرأ باقي السبعة «أن يغل» بضم الياء وفتح الغين، وبها قرأ ابن مسعود وجماعة من العلماء، واللفظة: بمعنى الخيانة في خفاء، قال بعض اللغويين هي مأخوذة من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والدوح، قال أبو عمرو: تقول العرب: أغل الرجل يغل إغلالا: إذا خان، ولم يؤد الأمانة، ومنه قول النمر بن تولب: [الطويل]
جزى الله عنّي جمرة ابنة نوفل = جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال شريح: ليس على المستعير غير المغل ضمان، قال أبو علي: وتقول من الغل الذي هو الضغن: غل يغل بكسر الغين، ويقولون في الغلول من الغنيمة: غل يغل بضم الغين، والحجة لمن قرأ يغل أن ما جاء من هذا النحو في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل على نحو ما كان لنا أن نشرك باللّه من شيءٍ [يوسف: 38] ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك [يوسف: 76] وما كان لنفسٍ أن تموت [آل عمران: 145] وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم [التوبة: 115] وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب [آل عمران: 179] ولا يكاد يجيء: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به، وفي هذا الاحتجاج نظر، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «يغل» بضم الغين، فقيل له: إن ابن مسعود قرأ «يغل» بفتح الغين، فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل، واختلف المفسرون في السبب الذي أوجب أن ينفي الله تعالى عن النبي أن يكون غالا على هذه القراءة- التي هي بفتح الياء وضم الغين، فقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم: نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: لعل رسول الله أخذها فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: قيل: كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجا، وقيل كانت من منافقين، وقد روي أن المفقود إنما كان سيفا، قال النقاش: ويقال: إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم أحد: الغنيمة الغنيمة أيها الناس، إنما نخشى أن يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئا فهو له، فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: خشيتم أن نغل؟ ونزلت هذه الآية، وقال الضحاك: بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم، فقسم للناس ولم يقسم للطلائع، فأنزل الله تعالى عليه عتابا، وما كان لنبيٍّ أن يغلّ أي يقسم لبعض ويترك بعضا، وروي نحو هذا القول عن ابن عباس، ويتجه على هذا أن تكون الآية إعلاما بعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه للغنائم، وردا على الأعراب الذين صاحوا به: اقسم علينا غنائمنا يا محمد، وازدحموا حتى اضطروه إلى السمرة التي أخذت رداءه، ونحا إليه الزجّاج، وقال ابن إسحاق: الآية إنما نزلت إعلاما بأن النبي عليه السلام لم يكتم شيئا مما أمر بتبليغه.
قال القاضي: وكأن الآية على هذا في قصة- أحد- لما نزل عليه: وشاورهم في الأمر [آل عمران: 159] إلى غير ذلك مما استحسنوه بعد إساءتهم من العفو عنهم ونحوه، وبالجملة فهو تأويل ضعيف، وكان يجب أن يكون «يغل» بضم الياء وكسر الغين، لأنه من الإغلال في الأمانة، وأما قراءة من قرأ «أن يغل» بضم الياء وفتح الغين، فمعناها عند جمهور من أهل العلم: أن ليس لأحد أن يغله: أي يخونه في الغنيمة، فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في المغانم والتوعد عليه، وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظورا مع الأمراء لشنعة الحال مع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن المعاصي تعظم مع حضرته لتعين توقيره، والولاة هم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلهم حظهم من التوقير، وقال بعض الناس: معنى «أن يغل» أن يوجد غالا، كما تقول: أحمدت الرجل وجدته محمودا، فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى «يغل» بفتح الياء وضم الغين، وقال أبو علي الفارسي: معنى «يغل» بضم الياء وفتح الغين يقال له: غللت وينسب إلى ذلك، كما تقول أسقيته، إذا قلت: سقاك الله كما قال ذو الرمة: [الطويل]
وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه = تكلّمني أحجاره وملاعبه
وهذا التأويل موقر للنبي عليه السلام، ونحوه في الكلام: أكفرت الرجل إذا نسبته إلى الكفر، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا آكل سمنا حتى يحيا الناس من أول ما يحيون: أي يدخلون في الحيا وقوله تعالى: ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة وعيد لمن يغل من الغنيمة، أو في زكاته، فيجحدها ويمسكها، فالفضيحة يوم القيامة بأن يأتي على رؤوس الأشهاد بالشيء الذي غل في الدنيا، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ألا يخشى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، ثم ذكر ذلك عليه السلام في بقرة لها خوار وجمل له رغاء، وفرس له حمحمة، وروى نحو هذا الحديث ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، الحديث بطوله، وروى نحوه أبو حميد الساعدي وعمر بن الخطاب وعبد الله بن أنيس، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أدوا الخياط والمخيط، فقام رجل فجاء بشراك أو شراكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك أو شراكان من نار، وقال في مدعم، إن الشملة التي غل من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه نارا.
قال القاضي: وهذه الفضيحة التي يوقع الله بالغالّ، هي نظيرة الفضيحة التي توقع بالغادر، في أن ينصب له لواء بغدرته حسب قوله عليه السلام، وجعل الله هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه، ألا ترى إلى قول الحارد: [الكامل]
أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة = رفع اللّواء لنا بها في المجمع
وكانت العرب ترفع للغادر لواء، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته، وقد تقدم القول في نظير، ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون [البقرة: 281] ). [المحرر الوجيز: 2/407-411]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أفمن اتّبع رضوان اللّه الآية، توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين، والرضوان: مصدر، وقرأه عاصم- فيما روي عنه- بضم الراء- وقرأ جميعهم بكسرها، وحكى أبو عمرو الداني عن الأعمش، أنه قرأها- بكسر الراء وضم الضاد، وهذا كله بمعنى واحد مصدر من الرضى، والمعنى، اتبعوا الطاعة الكفيلة برضوان الله، ففي الكلام حذف مضاف، وباء بسخطٍ- معناه: مضى متحملا له، والسخط: صفة فعل، وقد تتردد متى لحظ فيها معنى الإرادة، وقال الضحاك: إن هذه الآية مشيرة إلى أن من لم يغل واتقى فله الرضوان، وإلى أن من غل وعصى فله السخط، وقال غيره: هي مشيرة إلى أن من استشهد- بأحد- فله الرضوان، وإلى المنافقين الراجعين عن النبي صلى الله عليه وسلم فلهم السخط، وباقي الآية بيّن). [المحرر الوجيز: 2/411-412]

تفسير قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في قوله تعالى: هم درجاتٌ من المراد بذلك؟ فقال ابن إسحاق وغيره: المراد بذلك الجمعان المذكوران، أهل الرضوان وأصحاب السخط، أي لكل صنف منهم تباين في نفسه في منازل الجنة، وفي أطباق النار أيضا، وقال مجاهد والسدي ما ظاهره: إن المراد بقوله هم إنما هو لمتبعي الرضوان، أي لهم درجات كريمة عند ربهم، وفي الكلام حذف مضاف تقديره «هم درجات» والدرجات المنازل بعضها أعلى من بعض في المسافة أو في التكرمة، أو العذاب، وقرأ إبراهيم النخعي «هم درجة» بالإفراد، وباقي الآية وعيد ووعد). [المحرر الوجيز: 2/412]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين (159) إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (160) وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (161) أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (162) هم درجاتٌ عند اللّه واللّه بصيرٌ بما يعملون (163) لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ (164)}
يقول تعالى مخاطبًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ممتنًّا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمّته، المتّبعين لأمره، التّاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} أي: أيّ شيءٍ جعلك لهم ليّنًا لولا رحمة اللّه بك وبهم.
قال قتادة: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} يقول: فبرحمةٍ من اللّه لنت لهم. و"ما" صلةٌ، والعرب تصلها بالمعرفة كقوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} [النّساء:155، المائدة:13] وبالنّكرة كقوله: {عمّا قليلٍ} [المؤمنون:40] وهكذا هاهنا قال: {فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهم} أي: برحمةٍ من اللّه.
وقال الحسن البصريّ: هذا خلق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه اللّه به.
وهذه الآية الكريمة شبيهةٌ بقوله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} [التّوبة:128].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حيوة، حدّثنا بقيّة، حدّثنا محمّد بن زيادٍ، حدّثني أبو راشدٍ الحبراني قال: أخد بيدي أبو أمامة الباهليّ وقال: أخذ بيدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: "يا أبا أمامة، إنّ من المؤمنين من يلين لي قلبه". انفرد به أحمد.
ثمّ قال تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} الفظّ: الغليظ، [و] المراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: {غليظ القلب} أي: لو كنت سيّئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضّوا عنك وتركوك، ولكنّ اللّه جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم، كما قال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّه رأى صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الكتب المتقدّمة: أنّه ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح.
وروى أبو إسماعيل محمّد بن إسماعيل التّرمذيّ، أنبأنا بشر بن عبيد الدّارميّ، حدّثنا عمّار بن عبد الرّحمن، عن المسعوديّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه أمرني بمداراة النّاس كما أمرني بإقامة الفرائض" حديث غريب.
ولهذا قال تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم [كما] شاورهم يوم بدرٍ في الذّهاب إلى العير فقالوا: يا رسول اللّه، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن [شمالك] مقاتلون.
وشاورهم -أيضًا-أين يكون المنزل؟ حتّى أشار المنذر بن عمرو المعتق ليموت، بالتّقدّم إلى أمام القوم، وشاورهم في أحدٍ في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدوّ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم.
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ، فأبى عليه ذلك السعدان: سعد بن معاذٍ وسعد بن عبادة، فترك ذلك.
وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحدٍ، وإنّما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال.
وقال عليه السّلام في قصّة الإفك: "أشيروا عليّ معشر المسلمين في قومٍ أبنوا أهلي ورموهم، وايم الله ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن -والله-ما علمت عليه إلّا خيرًا". واستشار عليّا وأسامة في فراق عائشة، رضي اللّه عنها.
فكان [صلّى اللّه عليه وسلّم] يشاورهم في الحروب ونحوها. وقد اختلف الفقهاء: هل كان ذلك واجبًا عليه أو من باب النّدب تطييبًا لقلوبهم؟ على قولين.
وقد قال الحاكم في مستدركه: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن محمّدٍ البغداديّ، حدّثنا يحيى بن أيّوب العلّاف بمصر، حدّثنا سعيد بن [أبي] مريم، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وشاورهم في الأمر} قال: أبو بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما. ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه.
وهكذا رواه الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزلت في أبي بكرٍ وعمر، وكانا حواري رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ووزيريه وأبوي المسلمين.
وقد روى الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا عبد الحميد، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرّحمن بن غنم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي بكرٍ وعمر: "لو اجتمعنا في مشورةٍ ما خالفتكما".
وروى ابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن العزم؟ قال "مشاورة أهل الرّأي ثمّ اتّباعهم".
وقد قال ابن ماجه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ عن شيبان عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "المستشار مؤتمنٌ".
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، وحسّنه [و] النّسائيّ، من حديث عبد الملك بن عمير بأبسط منه.
ثمّ قال ابن ماجه: حدّثنا أبو بكرٍ ابن أبي شيبة، حدّثنا أسود بن عامرٍ، عن شريكٍ، عن الأعمش، عن أبي عمرو الشّيبانيّ، عن أبي مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "المستشار مؤتمنٌ". تفرّد به.
[وقال أيضًا] وحدّثنا أبو بكرٍ، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة وعليّ بن هاشمٍ، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه. تفرّد به أيضًا.
وقوله: {فإذا عزمت فتوكّل على اللّه} أي: إذا شاورتهم في الأمر وعزمت عليه فتوكّل على اللّه فيه {إنّ اللّه يحبّ المتوكّلين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/148-150]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الّذي ينصركم من بعده وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} وهذا كما تقدّم من قوله: {وما النّصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم} [آل عمران:126] ثمّ أمرهم بالتّوكّل عليه فقال: {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/150]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والحسن، وغير واحدٍ: ما ينبغي لنبيٍّ أن يخون.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا المسيّب بن واضح، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان [عن] خصيفٍ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: فقدوا قطيفةً يوم بدرٍ فقالوا: لعلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها. فأنزل اللّه: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أي: يخون.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، حدّثنا خصيف، حدّثنا مقسم حدّثني ابن عبّاسٍ أنّ هذه الآية: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} نزلت في قطيفةٍ حمراء فقدت يوم بدرٍ، فقال بعض النّاس: أخذها قال فأكثروا في ذلك، فأنزل اللّه: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}
وكذا رواه أبو داود، رحمه اللّه، والتّرمذيّ جميعًا، عن قتيبة، عن عبد الواحد بن زيادٍ، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ. ورواه بعضهم عن خصيف، عن مقسم -يعني مرسلًا.
وروى ابن مردويه من طريق أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: اتّهم المنافقون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشيءٍ فقد، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ}
وقد وروي من غير وجهٍ عن ابن عبّاسٍ نحو ما تقدّم. وهذا تبرئةٌ له، صلوات اللّه وسلامه عليه، عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} أي: بأن يقسم لبعض السّرايا ويترك بعضًا وكذا قال الضّحّاك.
وقال محمّد بن إسحاق: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلّغه أمّته.
وقرأ الحسن البصريّ وطاوسٌ، ومجاهدٌ، والضّحّاك: {وما كان لنبيٍّ أن يغلّ} بضمّ الياء أي: يخان.
وقال قتادة والرّبيع بن أنسٍ: نزلت هذه الآية يوم بدرٍ، وقد غلّ بعض أصحابه. رواه ابن جريرٍ عنهما، ثمّ حكى عن بعضهم أنّه قرأ هذه القراءة بمعنى يتّهم بالخيانة.
ثمّ قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ. وقد وردت السّنّة بالنّهي عن ذلك أيضًا في أحاديث متعدّدةٍ.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الملك، حدّثنا زهيرٌ -يعني ابن محمّدٍ-عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ [رضي اللّه عنه] عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أعظم الغلول عند الله ذراعٌ من الأرض: تجدون الرّجلين جارين في الأرض -أو في الدّار-فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعًا، فإذا اقتطعه طوّقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة".
["وفي الصّحيحين عن سعيد بن زيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين"] .
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة والحارث بن يزيد عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ. قال: سمعت المستورد بن شدّادٍ يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "من ولي لنا عملا وليس له منزلٌ فليتّخذ منزلا أو ليست له زوجةٌ فليتزوّج، أو ليس له خادمٌ فليتّخذ خادمًا، أو ليست له دابّةٌ فليتّخذ دابّةً، ومن أصاب شيئًا سوى ذلك فهو غالٌّ".
هكذا رواه الإمام أحمد، وقد رواه أبو داود بسندٍ آخر وسياقٍ آخر فقال:
حدّثنا موسى بن مروان الرّقّي، حدّثنا المعافى، حدّثنا الأوزاعيّ، عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير، عن المستورد بن شدّادٍ. قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من كان لنا عاملا فليكتسب زوجةً، فإن لم يكن له خادمٌ فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكنٌ فليكتسب مسكنًا". قال: قال أبو بكرٍ: أخبرت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من اتّخذ غير ذلك فهو غالٌّ، أو سارقٌ".
قال شيخنا الحافظ المزّيّ [رحمه اللّه] رواه جعفر بن محمّدٍ الفريابي، عن موسى بن مروان فقال: عن عبد الرّحمن بن جبير بدل جبير بن نفيرٍ، وهو أشبه بالصّواب.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا حفص بن بشر، حدّثنا يعقوب القمّي حدّثنا حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلّم "لا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثغاءٌ، فينادي: يا محمّد، يا محمّد، فأقول: لا أملك [لك] من الله شيئًا، قد بلّغتك. ولا أعرفنّ أحدكم [يأتي] يوم القيامة يحمل جملا له رغاءٌ، فيقول: يا محمّد، يا محمّد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلّغتك. ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسًا له حمحمةٌ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلّغتك. ولا أعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل [قشعًا] من أدمٍ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلّغتك".
لم يروه أحدٌ من أهل الكتب السّتّة.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، سمع عروة يقول: أخبرنا أبو حميدٍ السّاعديّ قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له: ابن اللّتبيّة على الصّدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر فقال: "ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمّه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّدٍ بيده لا يأتي أحدٌ منكم منها بشيءٍ إلا جاء به يوم القيامة على رقبته إن كان بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوارٌ، أو شاةً تيعر" ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرة إبطيه ثمّ قال: "اللّهمّ هل بلّغت" ثلاثًا.
وزاد هشام بن عروة: فقال أبو حميدٍ: بصر عيني، وسمع أذني، وسلوا زيد بن ثابتٍ.
أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة وعند البخاريّ: وسلوا زيد بن ثابتٍ. ومن غير وجهٍ عن الزّهريّ، ومن طريقٍ عن هشام بن عروة، كلاهما عن عروة، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا إسماعيل بن عيّاش، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عروة بن الزّبير، عن أبي حميد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "هدايا العمّال غلولٌ".
وهذا الحديث من أفراد أحمد وهو ضعيف الإسناد، وكأنّه مختصرٌ من الّذي قبله، واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال أبو عيسى التّرمذيّ في كتاب الأحكام، حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو أسامة، عن داود بن يزيد الأودي، عن المغيرة بن شبل، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى اليمن، فلمّا سرت أرسل في أثري فرددت، فقال: "أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبنّ شيئًا بغير إذني فإنّه غلولٌ، {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} لهذا دعوتك، فامض لعملك".
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، وفي الباب عن عديّ بن عميرة، وبريدة، والمستورد بن شداد، وأبي حميد، وابن عمر.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن عليّة، حدّثنا أبو حيّان يحيى بن سعيدٍ التّيميّ، عن أبي زرعة بن عمر بن جريرٍ، عن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا، فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، ثمّ قال: "لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، فيقول: يا رسول اللّه، أغثني. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حمحمةٌ، فيقول: يا رسول اللّه، أغثني. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاعٌ تخفق، فيقول: يا رسول اللّه، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ فيقول: يا رسول اللّه أغثني. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلّغتك".
أخرجاه من حديث أبي حيّان، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، حدّثني قيسٌ، عن عديّ بن عميرة الكنديّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "يأيّها النّاس، من عمل لنا [منكم] عملًا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غلّ يأتي به يوم القيامة" قال: فقال رجلٌ من الأنصار أسود -قال مجالد: هو سعيد بن عبادة -كأنّي أنظر إليه، فقال: يا رسول اللّه، اقبل عنّي عملك. قال: "وما ذاك؟ " قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: "وأنا أقول ذاك الآن: من استعملناه على عملٍ فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه. وما نهي عنه انتهى". وكذا رواه مسلمٌ، وأبو داود، من طرقٍ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري، عن ابن جريج، حدّثني منبوذٌ، رجلٌ من آل أبي رافعٍ، عن الفضل بن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن أبي رافعٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا صلّى العصر ربّما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدّث معهم حتّى ينحدر المغرب قال أبو رافعٍ: فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مسرعًا إلى المغرب إذ مرّ بالبقيع فقال: "أفٍّ لك.. أفٍّ لك" مرّتين، فكبر في [ذرعي] وتأخّرت وظننت أنّه يريدني، فقال: "ما لك؟ امش" قال: قلت: أحدثت حدثًا يا رسول اللّه؟ قال: "وما ذاك؟ " قلت: أفّفت بي قال: "لا ولكن هذا قبر فلانٍ، بعثته ساعيًا على آل فلانٍ، فغلّ نمرة فدرع الآن مثله من نارٍ".
حديثٌ آخر: قال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن سالمٍ الكوفيّ المفلوج -وكان بمكّة- حدّثنا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن أبي صادقٍ، عن ربيعة بن ناجدٍ، عن عبادة بن الصّامت، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، ثمّ يقول: "ما لي فيه إلّا مثل ما لأحدكم، إيّاكم والغلول، فإنّ الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدّوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل اللّه القريب والبعيد، في الحضر والسّفر، فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، إنّه لينجي الله به من الهمّ والغمّ؛ وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائمٍ". وقد روى ابن ماجه بعضه عن المفلوج، به.
حديثٌ آخر: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ردّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول عارٌ ونارٌ وشنارٌ على أهله يوم القيامة".
حديثٌ آخر: قال أبو داود: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن مطرّف، عن أبي الجهم، عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساعيًا ثمّ قال: "انطلق -أبا مسعودٍ-لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعيرٌ من إبل الصّدقة له رغاءٌ قد غللته". قال: إذًا لا أنطلق. قال: إذًا لا أكرهك". تفرّد به أبو داود.
حديثٌ آخر: قال أبو بكر بن مردويه: أنبأنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا عبد الحميد بن صالحٍ أنبأنا أحمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ الحجر ليرمى به [في] جهنّم فيهوي سبعين خريفًا ما يبلغ قعرها، ويؤتى بالغلول فيقذف معه"، ثمّ يقال لمن غلّ ائت به، فذلك قوله: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة}.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، حدّثني سماكٌ الحنفي أبو زميل، حدّثني عبد اللّه بن عبّاسٍ، حدّثني عمر بن الخطّاب قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ. حتّى أتوا على رجلٍ فقالوا: فلانٌ شهيدٌ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلا إنّي رأيته في النّار في بردةٍ غلّها -أو عباءةٍ". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا ابن الخطّاب اذهب فناد في النّاس: إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون". قال: فخرجت فناديت: ألا إنّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
وكذا رواه مسلمٌ، والتّرمذيّ من حديث عكرمة بن عمّارٍ به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
حديثٌ آخر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدقًا، فقال: "إيّاك يا سعد أن تجيء يوم القيامة ببعيرٍ تحمله له رغاءٌ" قال: لا آخذه ولا أجيء به. فأعفاه. ثمّ رواه من طريق عبيد اللّه عن نافعٍ، به، نحوه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا عبد العزيز بن محمّدٍ، حدّثنا صالح بن محمّد بن زائدة، عن سالم بن عبد اللّه، أنّه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الرّوم، فوجد في متاع رجلٍ غلول. قال: فسأل سالم بن عبد اللّه فقال: حدّثني أبي عبد اللّه، عن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه": قال: وأحسبه قال: واضربوه قال: فأخرج متاعه في السوق، فوجد فيه مصحفا، فسأل سالم: بعه وتصدّق بثمنه.
وهكذا رواه عليّ بن المدينيّ، وأبو داود، والتّرمذيّ من حديث عبد العزيز بن محمد الأتدراوردي -زاد أبو داود: وأبو إسحاق الفزاريّ-كلاهما عن أبي واقدٍ اللّيثيّ الصّغير صالح بن محمّد بن زائدة، به.
وقد قال عليّ بن المدينيّ، رحمه اللّه، والبخاريّ وغيرهما: هذا حديثٌ منكرٌ من رواية أبي واقدٍ هذا. وقال الدّارقطنيّ: الصّحيح أنّه من فتوى سالمٍ فقط، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [أحمد] بن حنبلٍ، رحمه اللّه، ومن تابعه من أصحابه، وخالفه أبو حنيفة، ومالكٌ، والشّافعيّ، والجمهور، فقالوا: لا يحرق متاع الغالّ، بل يعزّر تعزير مثله. وقال البخاريّ: وقد امتنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الصّلاة على الغالّ، ولم يحرق متاعه، واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى عن عمر: قال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث: أنّ موسى بن جبير حدّثه: أنّ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن الحباب الأنصاريّ حدّثه: أنّ عبد اللّه بن أنيسٍ حدّثه: أنّه تذاكر هو وعمر بن الخطّاب يومًا الصّدقة فقال: ألم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر غلول الصّدقة: "من غلّ منها بعيرًا أو شاةً، فإنّه يحمله يوم القيامة"؟ قال عبد اللّه بن أنيسٍ: بلى.
ورواه ابن ماجه، عن عمرو بن سوّاد، عن عبد اللّه بن وهبٍ، به.
ورواه الأمويّ عن معاوية، عن أبي إسحاق، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن قال: عقوبة الغال أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه.
ثمّ روي عن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] قال: الغالّ يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حدّ [المملوك، ويحرم نصيبه، وخالفه أبو حنيفة ومالكٌ والشّافعيّ والجمهور فقالوا: لا يحرق متاع الغالّ، بل يعزّر تعزير مثله، وقد قال البخاريّ: وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصّلاة على الغالّ ولم يحرق متاعه، واللّه أعلم].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أسود بن عامرٍ، أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن خمير بن مالكٍ قال: أمر بالمصاحف أن تغيّر قال: فقال ابن مسعودٍ: من استطاع منكم أن يغلّ مصحفًا فليغلّه، فإنّه من غلّ شيئًا جاء به يوم القيامة، ثمّ قال قرأت من فم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبعين سورةً، أفأترك ما أخذت من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟.
وروى وكيع في تفسيره عن شريكٍ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن إبراهيم، قال: لمّا أمر بتحريق المصاحف قال عبد اللّه: يا أيّها النّاس، غلّوا المصاحف، فإنّه من غلّ يأت بما غلّ يوم القيامة، ونعم الغل المصحف. يأتي به أحدكم يوم القيامة.
وقال [أبو] داود عن سمرة بن جندب قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غنم غنيمةً أمر بلالًا فينادي في النّاس، فيجيئون بغنائمهم يخمّسه ويقسمه، فجاء رجلٌ يومًا بعد النّداء بزمامٍ من شعرٍ فقال: يا رسول اللّه، هذا كان ممّا أصبنا من الغنيمة. فقال: "أسمعت بلالا ينادي ثلاثًا؟ "، قال: نعم. قال: "فما منعك أن تجيء به؟ " فاعتذر إليه، فقال: "كلا أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله منك"). [تفسير القرآن العظيم: 2/150-157]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أفمن اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخطٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير} أي: لا يستوي من اتّبع رضوان اللّه فيما شرعه، فاستحقّ رضوان اللّه وجزيل ثوابه وأجير من وبيل عقابه، ومن استحقّ غضب اللّه وألزم به، فلا محيد له عنه، ومأواه يوم القيامة جهنّم وبئس المصير.
وهذه لها نظائر في القرآن كثيرةٌ كقوله تعالى: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى} [الرّعد:19] وكقوله {أفمن وعدناه وعدًا حسنًا فهو لاقيه كمن متّعناه متاع الحياة الدّنيا [ثمّ هو يوم القيامة من المحضرين]} [القصص:61]). [تفسير القرآن العظيم: 2/157]

تفسير قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {هم درجاتٌ عند اللّه} قال الحسن البصريّ ومحمّد بن إسحاق: يعني: أهل الخير وأهل الشّرّ درجاتٌ، وقال أبو عبيدة والكسائيّ: منازل، يعني: متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنّة ودركاتهم في النّار، كما قال تعالى: {ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا} الآية [الأنعام:132]؛ ولهذا قال: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} أي: وسيوفيهم إيّاها، لا يظلمهم خيرًا ولا يزيدهم شرًّا، بل يجازي كلًّا بعمله). [تفسير القرآن العظيم: 2/158]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة