العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الثاني 1434هـ/20-02-2013م, 12:16 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (267) إلى الآية (271) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (267) إلى الآية (271) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:32 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني ابن جريجٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ أنّ رجلا علّق حشفًا من أفنان التّمر في المسجد، فقال رسول اللّه: من علّق هذا، فنزل: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}). [الجامع في علوم القرآن: 1/102]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قال لا تعمد إلى رذالة مالك فتتصدق منه قال ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه يقول
[تفسير عبد الرزاق: 1/108]
إلا أن يهضم لكم منه). [تفسير عبد الرزاق: 1/109]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: أخبرني من سمع الحكم يحدّث عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} -، قال: من التّجارة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض}، قال: من الثّمار.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثل ذلك.
[سنن سعيد بن منصور: 3/975]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا سلمة بن علقمة، عن محمّد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن
[سنن سعيد بن منصور: 3/977]
قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}، قال: ذلك في الزّكاة، والدّرهم الزّائف أحبّ إليّ من التّمرة). [سنن سعيد بن منصور: 3/978]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء، {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنّا أصحاب نخلٍ فكان الرّجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته، وكان الرّجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلّقه في المسجد، وكان أهل الصّفّة ليس لهم طعامٌ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتّمر فيأكل، وكان ناسٌ ممّن لا يرغب في الخير يأتي الرّجل بالقنو فيه الشّيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلّقه، فأنزل اللّه تبارك تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قالوا: لو أنّ أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى، لم يأخذه إلاّ على إغماضٍ أو حياءٍ. قال: فكنّا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ، وأبو مالكٍ هو: الغفاريّ ويقال اسمه: غزوان وقد روى الثّوريّ، عن السّدّيّ، شيئًا من هذا). [سنن الترمذي: 5/69]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: يا أيّها الّذين صدّقوا باللّه ورسوله وآي كتابه.
ويعني بقوله: {أنفقوا} زكّوا وتصدّقوا.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدّقوا). [جامع البيان: 4/694]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من طيّبات ما كسبتم}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: زكّوا من طيّب ما كسبتم بتصرّفكم إمّا بتجارةٍ، وإمّا بصناعةٍ من الذّهب والفضّة.
[جامع البيان: 4/694]
ويعني بالطّيّبات الجياد، يقول: زكّوا أموالكم الّتي اكتسبتموها حلالاً، وأعطوا في زكاتكم الذّهب والفضّة الجياد منها دون الرّديء.
- كما: حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: من التّجارة.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني حاتم بن بكرٍ الضّبّيّ، قال: حدّثنا وهبٌ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ في قوله: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: يعنى التّجارة الحلال.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن معقلٍ: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: ليس في مال المؤمن خبيثٍ، ولكن لا تيمّموا الخبيث منه تنفقون.
[جامع البيان: 4/695]
- حدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليّ بن أبي طالبٍ صلوات اللّه عليه عن قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: من الذّهب والفضّة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {من طيّبات ما كسبتم} قال: التّجارة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: من أطيب أموالكم وأنفسه.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو بن حماد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: هذا من الذّهب والفضّة هكذا قال السدى). [جامع البيان: 4/696]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وممّا أخرجنا لكم من الأرض}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأنفقوا أيضًا ممّا أخرجنا لكم من الأرض، فتصدّقوا وزكّوا من النّخل والكرم والحنطة والشّعير، وما أوجبت فيه الصّدقة من نبات الأرض.
[جامع البيان: 4/696]
- كما: حدّثني عصام بن روّادٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليًّا صلوات اللّه عليه عن قول اللّه عزّ وجلّ: {وممّا أخرجنا لكم من الأرض} قال: يعني من الحبّ والثّمر كلّ شيءٍ عليه زكاةٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وممّا أخرجنا لكم من الأرض} قال: من النّخل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وممّا أخرجنا لكم من الأرض} قال: من ثمر النّخل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} قال: من التّجارة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض} من الثّمار.
[جامع البيان: 4/697]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وممّا أخرجنا لكم من الأرض} قال: هذا في الثمر والحبّ). [جامع البيان: 4/698]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تيمّموا الخبيث}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه {ولا تيمّموا الخبيث} ولا تعمّدوا ولا تقصدوا.
وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: ولا تؤموا من أممت، وهذه من تيمّمت، والمعنى واحدٌ وإن اختلفت الألفاظ، يقال: تأمّمت فلانًا وتيمّمته وأممته، بمعنى: قصدته وتعمّدته كما قال ميمون بن قيسٍ الأعشى:
تيمّمت قيسًا وكم دونه = من الأرض من مهمهٍ ذي شزن.
- وكما حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تيمّموا الخبيث} ولا تعمّدوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ولا تيمّموا} ولا تعمّدوا.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، مثله). [جامع البيان: 4/698]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}.
[جامع البيان: 4/698]
يعني جلّ ثناؤه بالخبيث الرّديء غير الجيّد، يقول: لا تعمّدوا الرّديء من أموالكم في صدقاتكم، فتصدّقوا منه، ولكن تصدّقوا من الطّيّب الجيّد، وذلك أنّ هذه الآية نزلت في سبب رجلٍ من الأنصار علّق قنوًا من حشفٍ في الموضع الّذي كان المسلمون يعلّقون صدقة ثمارهم صدقةً من تمره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثنا أبي، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ في قول اللّه عزّ وجلّ {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض} إلى قوله: {واللّه غنيّ حميدٌ} قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيّام جداد النّخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلّقوه على حبلٍ بين الأسطوانتين في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرّجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر يظنّ أنّ ذلك جائزٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فى من فعل ذلك: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال لا تيمّموا الحشف منه تنفقون.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، زعم السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: فكان يعمد بعضهم، فيدخل قنو الحشف ويظنّ أنّه جائزٌ عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} القنو الّذي قد حشف، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه.
[جامع البيان: 4/699]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء بن عازبٍ، قال: كانوا يجيئون في الصّدقة بأردأ ثمرهم وأردأ طعامهم، فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} الآية.
- حدّثني عصام بن روّادٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن ابن سيرين، عن عبيدة السّلمانيّ، قال: سألت عليًّا عن قول اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: فقال عليٌّ: نزلت هذه الآية في الزّكاة المفروضة، كان الرّجل يعمد إلى التّمر فيصرمه، فيعزل الجيّد ناحيةً، فإذا جاء صاحب الصّدقة أعطاه من الرّديء، فقال عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الجليل بن حميدٍ اليحصبيّ، أنّ ابن شهابٍ، حدّثه قال: حدّثني أبو أمامة بن سهل بن حنيفٍ في الآية الّتي قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: هو الجعرور، ولون حبيقٍ، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يؤخذ في الصّدقة.
[جامع البيان: 4/700]
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: كانوا يتصدّقون، يعني من النّخل بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدّقوا بطيّبه كانوا يعلقون من التمر بالمدينه، من كل ما أنفقتم، ولا تنفقوا إلا طيبا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} إلى قوله: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميدٌ} ذكر لنا أنّ الرّجل كان يكون له الحائطان من النخل على عهد نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيعمد إلى أردئهما تمرًا فيتصدّق به ويخلط فيه من الحشف، فعاب اللّه ذلك عليهم ونهاهم عنه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: لا تعمد إلى رذالة مالك فتصدّق به، ولست تأخذه إلاّ أن تغمض فيه.
[جامع البيان: 4/701]
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: كان الرّجل يتصدّق برذالة ماله، فنزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: في الأقناء الّتي تعلّق، فرأى فيها حشفًا، فقال: ما هذا؟.
- قال ابن جريجٍ: سمعت عطاءً يقول: علّق إنسانٌ حشفًا في الأقناء الّتي تعلّق بالمدينة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما هذا؟ بئسما علّق هذا فنزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}
- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جريج، عن عطاء، عن ابن معقل، {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}. قال: إن كسب المؤمن لا يكون خبيثا، ولكن لا تتصدق بالحشف، ولا بالدرهم الزائف وما لا خير فيه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تيمّموا الخبيث من الحرام منه تنفقون، وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطّيّب.
[جامع البيان: 4/702]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: الخبيث: الحرام، لا تيمّمه تنفق منه فإنّ اللّه عزّ وجلّ لا يقبله.
وتأويل الآية: هو التّأويل الّذي حكيناه عمّن حكينا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والتابعين واتّفاق أهل التّأويل على صحة ذلك دون الّذي قاله ابن زيدٍ). [جامع البيان: 4/703]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولستم بآخذي الخبيث في حقوقكم، والهاء في قوله: {بآخذيه} من ذكر الخبيث {إلاّ أن تغمضوا فيه} يعني إلاّ أن تتجافوا في أخذكم إيّاه عن بعض الواجب لكم من حقّكم، فتترخّصوا فيه لأنفسكم.
يقال منه: أغمض فلانٌ لفلانٍ عن بعض حقّه فهو يغمض له عنه، ومن ذلك قول الطّرمّاح بن حكيمٍ:
لم يفتنا بالوتر قومٌ وللضّي = م رجالٌ يرضون بالإغماض
[جامع البيان: 4/703]
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لستم بآخذي الرّديء من المال من غرمائكم في واجب حقوقكم قبلهم إلاّ عن إغماضٍ منكم لهم في الواجب لكم عليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليًّا عنه، فقال: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرّديء حتّى يهضم له.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء بن عازبٍ: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لرجلٍ على رجلٍ فأعطاه ذلك لم يأخذه إلاّ أن يرى أنّه قد نقصه من حقّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثنا معاوية،
[جامع البيان: 4/704]
عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لكم على أحدٍ حقٌّ فجاءكم بحقٍّ دون حقّكم، لم تأخذوا بحساب الجيّد حتّى تنقصوه فذلك قوله: {إلاّ أن تغمضوا فيه} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقّي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ وهو قوله: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلاّ بزيادة على الطّيّب في الكيل.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} وذلك أنّ رجالاً كانوا يعطون زكاة أموالهم من التّمر، فكانوا يعطون الحشف في الزّكاة، فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضًا ثمّ قضاه لم يأخذه إلاّ أن يرى أنّه قد أغمض عن بعض حقّه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لك على رجلٍ دينٌ فقضاك أردأ ممّا كان لك عليه هل كنت تأخذ ذلك منه إلاّ وأنت له كارهٌ.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد،
[جامع البيان: 4/705]
قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: كانوا حين أمر اللّه أن يؤدّوا الزّكاة يجيء الرّجل من المنافقين بأردأ طعامٍ له من تمرٍ وغيره، فكره اللّه ذلك، وقال: {أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض} يقول: {لستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه}، يقول: لم يكن رجلٌ منكم له حقٌّ على رجلٍ فيعطيه دون حقّه فيأخذه إلاّ وهو يعلم أنّه قد نقصه، فلا ترضوا لي ما لا ترضون لأنفسكم، فيأخذ شيئًا وهو يغمضٌ عليه أنقص من حقّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرّديء الخبيث إذا اشتريتموه من أهله بسعر الجيّد إلاّ بإغماضٍ منهم لكم في ثمنه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عمران بن حديرٍ، عن الحسن: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: لو وجدتموه في السّوق يباع ما أخذتموه حتّى يهضم لكم من ثمنه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا} فيه يقول: لستم بآخذي هذا الرّديء بسعر هذا الطّيّب إلاّ أن يغمض لكم منه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرّديء من حقّكم إلاّ أن تغمضوا من حقّكم.
[جامع البيان: 4/706]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن ابن معقلٍ: {ولستم بآخذيه} يقول: ولستم بآخذيه من حقٍّ هو لكم، إلاّ أن تغمضوا فيه، يقول: أغمض لك من حقّى.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرّديء الخبيث لو أهدي لكم إلاّ أن تغمضوا فيه، فتأخذوه وأنتم له كارهون على استحياءٍ منكم ممّن أهداه إليكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثنا أبي، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلاّ على استحياءٍ من صاحبه أنّه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجةٌ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، قال: زعم السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء نحوه، إلاّ أنّه قال: إلاّ على استحياءٍ من صاحبه وغيظٍ أنّه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجةٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي الحرام إلاّ أن تغمضوا على ما فيه من الإثم عليكم في أخذه.
[جامع البيان: 4/707]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: وسألته عن قوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: يقول: لست آخذًا ذلك الحرام حتّى تغمض على ما فيه من الإثم قال: وفي كلام العرب: أما واللّه لقد أخذه ولقد أغمض على ما فيه وهو يعلم أنّه حرامٌ باطلٌ.
والّذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ حثّ عباده على الصّدقة وأداء الزّكاة من أموالهم وفرضها عليهم فيها، فصار ما فرض من ذلك في أموالهم حقًّا لأهل سهمان الصّدقة، ثمّ أمرهم تعالى ذكره أن يخرجوا من الطّيّب دون الخبيث، وهو الجيّد من أموالهم الطّيّب، وذلك أنّ أهل السّهمان شركاء أرباب الأموال في أموالهم بما وجب لهم فيها من الصّدقة بعد وجوبها، فلا شكّ أنّ كلّ شريكين في مالٍ فلكلّ واحدٍ منهما بقدر ملكه، وليس لأحدهما منع شريكه من حقّه من المال الّذي هو فيه شريكه بإعطائه بمقدار حقّه منه من غيره، ممّا هو أردأ وأخس منه أو أخسّ، فكذلك المزكّي ماله حرّم اللّه عليه أن يعطي أهل السّهمان ممّا وجب لهم في ماله من الطّيّب الجيّد من الحقّ، فصاروا فيه شركاءه به من الخبيث الرّديء غيره،
[جامع البيان: 4/708]
ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطّيّب من ماله الجيّد، كما لو كان مال ربّ المال رديئًا كلّه غير جيّدٍ، فوجبت فيه الزّكاة وصار أهل سهمان الصّدقة فيه شركاء بما أوجب اللّه لهم فيه لم يكن عليه أن يعطيهم الطّيّب الجيّد من غير ماله الّذي منه حقّهم، فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال: زكّوا من جيّد أموالكم الجيّد، ولا تيمّموا الخبيث الرّديء تعطونه أهل سهمان الصّدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيّد الطّيّب في أموالكم، ولستم بآخذي الرّديء لأنفسكم مكان الجيّد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم إلاّ عن إغماضٍ منكم وهضمٍ لهم وكراهةٍ منكم لأخذه، يقول: ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حقٌّ ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم؛ فأمّا إذا تطوّع الرّجل بصدقةٍ غير مفروضةٍ فإنّي وإن كرهت له أن يعطي فيها إلاّ أجود ماله وأطيبه؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أحقّ من تقرّب إليه بأكرم الأموال وأطيبها، والصّدقة قربان المؤمن، فلست أحرّم عليه أن يعطي فيها غير الجيّد؛ لأنّ ما دون الجيّد ربّما كان أعمّ نفعًا لكثرته، أو لعظم خطره، وأحسن موقعًا من المسكين، وممّن أعطيه قربةً إلى اللّه عزّ وجلّ من الجيّد، لقلّته أو لصغر خطره وقلّة جدوى نفعه على من أعطيه.
وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل العلم.
[جامع البيان: 4/709]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سلمة بن علقمة، عن محمّد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه} قال: ذلك في الزّكاة، الدّرهم الزّائف أحبّ إليّ من التّمرة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا سلمة بن علقمة، عن محمّد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن ذلك، فقال: إنّما ذلك في الزّكاة، والدّرهم الزّائف أحبّ إليّ من التّمرة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه} فقال عبيدة: إنّما هذا في الواجب، ولا بأس أن يتطوّع الرّجل بالتّمرة، والدّرهم الزّائف خيرٌ من التّمرة.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن ابن سيرين، في قوله: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: إنّما هذا في الزّكاة المفروضة، فأمّا التّطوّع فلا بأس أن يتصدّق الرّجل بالدّرهم الزّائف، والدّرهم الزّائف خيرٌ من التّمرة). [جامع البيان: 4/710]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميدٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واعلموا أيّها النّاس أنّ اللّه عزّ وجلّ غنيّ عن صدقاتكم وعن غيرها، وإنّما أمركم بها، وفرضها في أموالكم، رحمةً منه لكم يغني بها عالتكم، ويقوّي بها ضعفتكم، ويجزل لكم عليها في الآخرة مثوبتكم، لا من حاجةٍ به فيها إليكم.
ويعني بقوله: {حميدٌ} أنّه محمودٌ عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله.
- كما: حدّثني الحسين بن عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، قال: حدّثنا أبي، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ، في قوله تبارك وتعالى: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ} عن صدقاتكم). [جامع البيان: 4/711]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ حميدٌ (267)
قوله: يا أيها الذين آمنوا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا الوليد عن الأوزاعيّ عن الزّهريّ، قال: إذا قال اللّه: يا أيّها الّذين آمنوا فالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، منهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/525]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أنفقوا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله: أنفقوا يقول: تصدّقوا.
وروي عن مقاتلٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/525]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: من طيبات
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: أنفقوا من طيّبات ما كسبتم يقول: من أطيب أموالكم وأنفسه. وروي عن الزّهريّ، مثل ذلك.
- حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني أبي، عن أبيه، عن الأشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يشترون الطّعام الرّخيص ويتصدّقون، فأنزل اللّه على نبيّه: يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبّادٍ الكوفيّ، ثنا سعيد بن خثيمٍ ثنا محمّد بن خالدٍ الضّبّيّ، قال: مرّ إبراهيم النّخعيّ على امرأةٍ من مرادٍ، يقال لها:
أمّ بكرٍ المراديّة، فقالت سمعت عليًّا يقول: من طيبات ما كسبتم يعني: المغزل.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدد، نثا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قول اللّه: من طيّبات ما كسبتم قال: قالت عائشة: إنّ من أطيب كسب الرّجل ولده.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ومحمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، قالا: ثنا وكيعٌ، عن شعبة عن الحكم، عن مجاهدٍ
أنفقوا من طيّبات ما كسبتم قال:
التّجارة الحلال.
- حدّثنا أبي، ثنا آدم، ثنا شعبة، بإسناده، نحوه وزاد فيه قال: التجارة الحلال). [تفسير القرآن العظيم: 1/526]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وممّا أخرجنا لكم من الأرض
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، وحدّثنا الحسن بن علي بن ثنا نحيى بن آدم، قالا ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: وممّا أخرجنا لكم من الأرض قال: النّخل.
وفي حديث حجّاجٍ: ثنا به ومما أخرجنا لكم من الأرض: من النّخل كانوا يتصدّقون بحشفه وشراره فنهوا عن ذلك، فأمروا أن يتصدّقوا بطيّبه.
وخالفهما ابن أبي زائدة،
حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا نحيى بن أبي زائدة، حدّثني ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وممّا أخرجنا لكم من الأرض قال: النّبت.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ أنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: وممّا أخرجنا لكم من الأرض يعني به: الثّمار، التّمر والزّبيب والأعناب والحبّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/527]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا تيمّموا
- حدثنا أبو سعيد بن يحي القطّان، ثنا عمرٌو العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ، في قوله: ولا تيمّموا يقول: لا تعمّدوا وروي عن مقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/527]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: الخبيث
- حدّثنا أبو سعيد بن يحي القطّان، ثنا عمرٌو العنقزيّ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن عديّ بن ثابتٍ عن البراء بن عازبٍ في قوله: ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون يقول: لا تعمدوا للحشف منه تنفقون.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى ابنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب عن عبد اللّه بن معقلٍ، في هذه الآية ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون قال: كسب المسلم لا يكون خبيثًا، ولكن لا تصدّق بالحشف والدّرهم الزّيف، وما لا خير فيه. وفيه وجهٌ آخر.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن ابن سيرين قال: قلت لعبيدة ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون قال: هذا في الزّكاة المفروضة،
[تفسير القرآن العظيم: 2/527]
ولا بأس أن يتصدّق بالتّمرة. والدّرهم الزّيف خيرٌ من التّمرة.
قال أبو محمّدٍ وروي عن عبيدة بخلاف هذا.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن عليّ الصّدائيّ، ثنا أزهر، ثنا ابن عونٍ عن محمّدٍ، عن عبيدة، في قوله: ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون قال: الدّرهم الزّيف وشبهه). [تفسير القرآن العظيم: 1/528]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: منه تنفقون
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الوليد، ثنا سليمان بن كثيرٍ، عن الزّهريّ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن لونين من التّمر: الجعرور، لون الحبيق. وكان النّاس يتيمّمون شرار ثمارهم، ثمّ يخرجونها في الصّدقة. فنزلت: ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون). [تفسير القرآن العظيم: 1/528]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء: ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه قال: نزلت فينا، كنّا أصحاب نخلٍ، فكان الرّجل يأتي من نخله، يقدّر كثرته وقلّته، فيأتي الرّجل أحدهم إذا جاع، جاء فضربه بعصاه، فسقط من البسر والتّمر، وكان النّاس ممّن لا يرغبون في الخير، يأتي بالقنو الحشف والشّيص، ويأتي بالقنو قد انكسر فيعلّقه، فنزلت: ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه قال: لو أنّ أحدكم أهدي له مثل ما أعطى، ما أخذه إلا على إغماضٍ وحياءٍ، فكنّا بعد ذلك، يجيء الرّجل بصالح ما عنده.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه يقول: لو كان لكم على أحدٍ حقٌّ، فجاءكم بحقٍّ دون حقّكم ولم تأخذوه بحساب الجيد، حتى تنقصوه،
[تفسير القرآن العظيم: 2/528]
قال: فذلك قوله: إلا أن تغمضوا فيه فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقّي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟.
- حدّثنا أبي، ثنا مقاتل بن محمّدٍ، ثنا وكيعٌ، عن عمران بن حديرٍ عن الحسن ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه قال: لو وجدتموه يباع في السّوق، لم تشتروه حتّى يهضم عنه من الثّمن.
- حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، ثنا نحيى بن آدم، ثنا قيس بن الرّبيع، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن معقلٍ إلا أن تغمضوا فيه قال: تجوّزوا فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/529]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ حميد
- حدثنا أبو سعيد بن نحيى القطان، نثا عمرٌو العنقزيّ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ عن صدقاتكم.
- قرأت على محمّد بن المفضّل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، في قوله: واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ في سلطانه عمّا عندكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/529]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنفقوا من
[تفسير مجاهد: 116]
طيبات ما كسبتم قال من التجارة). [تفسير مجاهد: 117]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أحمد بن سهل بن حمدويه الفقيه ببخارى، ثنا قيس بن أنيفٍ، ثنا قتيبة بن سعيدٍ، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: " أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزكاة الفطر، بصاعٍ من تمرٍ، فجاء رجلٌ بتمرٍ رديءٍ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد اللّه بن رواحة: «لا تخرص هذا التّمر» فنزل القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/311]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو عبد الرّحمن محمّد بن محمودٍ الحافظ، ثنا حمّاد بن أحمد القاضي، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي يقول: أنبأ أبو حمزة، عن إبراهيم الصّائغ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولادكم هبة اللّه لكم، يهب لمن يشاء إناثًا، ويهب لمن يشاء الذّكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه، هكذا إنّما اتّفقا على حديث عائشة: «أطيب ما أكل الرّجل من كسبه وولده من كسبه» ). [المستدرك: 2/312]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الشّيخ أبو بكرٍ أحمد بن إسحاق الفقيه، أنبأ محمّد بن غالبٍ الضّبّيّ، ومحمّد بن سنانٍ قالا: ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا عبّادٌ وهو ابن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ، عن أبيه، قال: أمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بصدقةٍ، فجاء رجلٌ من هذا السّحل - قال سفيان: يعني الشّيص - فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من جاء بهذا؟» وكان لا يجيء أحدٌ بشيءٍ إلّا نسب إلى الّذي جاء به، فنزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه، تنفقون ولستم بآخذيه، إلّا أن تغمضوا فيه} [البقرة: 267] " ونهى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن لونين من التّمر، أن يؤخذا في الصّدقة: الجعرور، ولون الحبيق " قال الزّهريّ: «واللّونين من تمر المدينة» تابعه سليمان بن كثيرٍ، عن الزّهريّ). [المستدرك: 2/312]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، ثنا يحيى بن محمّد بن يحيى الشّهيد، والسّريّ بن خزيمة، قالا: ثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، ثنا سليمان بن كثيرٍ، ثنا الزّهريّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ، عن أبيه، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لونين من التّمر الجعرور، ولون الحبيق» قال: وكان ناسٌ يتيمّمون شرّ ثمارهم، فيخرجونها في الصّدقة، فنهوا عن لونين من التّمر ونزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/312]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (ثنا أبو عاصمٍ النّبيل، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، حدّثني صالح بن أبي عريبٍ، عن كثير بن مرّة، عن عوف بن مالكٍ، قال: خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومعه عصًا، فإذا أقناءٌ معلّقةٌ في المسجد، قنوٌ منها حشفٌ فطعن في ذلك القنو وقال: «ما يضرّ صاحب هذه لو تصدّق أطيب من هذه، إنّ صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة» ثمّ قال: «واللّه ليدعنّها مذلّلةً أربعين عامًا للعوافي» ثمّ قال: «أتدرون ما العوافي» قالوا: اللّه ورسوله أعلم قال: «الطّير والسّباع» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/313]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (ثنا أبو عاصمٍ النّبيل، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، حدّثني صالح بن أبي عريبٍ، عن كثير بن مرّة، عن عوف بن مالكٍ، قال: خرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومعه عصًا، فإذا أقناءٌ معلّقةٌ في المسجد، قنوٌ منها حشفٌ فطعن في ذلك القنو وقال: «ما يضرّ صاحب هذه لو تصدّق أطيب من هذه، إنّ صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة» ثمّ قال: «واللّه ليدعنّها مذلّلةً أربعين عامًا للعوافي» ثمّ قال: «أتدرون ما العوافي» قالوا: اللّه ورسوله أعلم قال: «الطّير والسّباع» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/313]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن أحمد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن محمّد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ " {وممّا أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار تخرج إذا كان جذاذ النّخل من حيطانها أفناء البسر فيعلّقونه على حدّ رأس أسطوانتين في مسجد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمد أحدهم فيدخل قنو الحشف يظنّ أنّه جائزٌ في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك {ولا تيمّموا الخبيث منه، تنفقون ولستم بآخذيه، إلّا أن تغمضوا فيه} [البقرة: 267] يقول: لو أهدي لكم لم تقبلوه إلّا على استحياءٍ من صاحبه غيظًا أنّه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجةٌ {واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ} [البقرة: 267] عن صدقاتكم {حميدٌ} [البقرة: 267] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/313]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) البراء بن عازب رضي الله عنه قال: في قوله تعالى: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] نزلت فينا معشر الأنصار، كنّا أصحاب نخلٍ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين، فيعلّقه في المسجد، وكان أهل الصّفّة ليس لهم طعامٌ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو، فضربه بعصاه، فسقط البسر والتّمر، فيأكل، وكان ناسٌ ممّن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف، وبالقنو قد انكسر، فيعلّقه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا
[جامع الأصول: 2/56]
لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال لو أنّ أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى، لم يأخذه إلا على إغماضٍ، أو حياء، قال: فكنّا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده " أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(تيمّموا الخبيث) التيمم: القصد، والخبيث: الرديء والحرام.
(بالقنو) العذق من الرطب.
(أهل الصّفة) : هم الفقراء من الصحابة الذين كانوا يسكنون صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مسكن لهم، ولا مكسب ولا مال ولا ولد، وإنما كانوا متوكلين ينتظرون من يتصدق عليهم بشيء يأكلونه ويلبسونه.
(الإغماض) : المسامحة والمساهلة، يقول في البيع: أغمض لي: إذا
[جامع الأصول: 2/57]
استزدته من البيع، واستحطته من الثمن.
(الشّيص) : الرديء من البسر). [جامع الأصول: 2/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الذهب والفضة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة
[الدر المنثور: 3/253]
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من التجارة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: من الثمار.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وفي لفظ مسلم: ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق.
وأخرج مسلم، وابن ماجه والدارقطني، عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر
[الدر المنثور: 3/254]
صدقة.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني، عن جابر بن عبد الله أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: فيما سقت الأنهار والعيون العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر.
وأخرج الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والعيون العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم وليس في تسعين
[الدر المنثور: 3/255]
ومائة شيء فإذا بلغ مائتين ففيها خمسة دراهم.
وأخرج الدارقطني والحاكم وصحححه عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته قالها بالزاي.
وأخرج أبو داود من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع.
وأخرج ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر وعائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ومن الأربعين دينارا دينارا.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ليس في أقل من خمس ذود شيء ولا في أقل
[الدر المنثور: 3/256]
من أربعين من الغنم شيء ولا في أقل من ثلاثين من البقر شيء ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء ولا في أقل من مائتي درهم شيء ولا في أقل من خمسة أوسق شيء والعشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير وما سقي سيحا ففيه العشر وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر.
وأخرج ابن ماجه والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: سئل عبد الله بن عمر عن الجوهر والدار والفصوص والخرز وعن نبات الأرض البقل والقثاء والخيار، فقال: ليس في الحجر زكاة وليس البقول زكاة إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الخمسة: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة.
وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب قال إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر.
وأخرج الترمذي والدارقطني عن معاذ أنه كتب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال: ليس فيها شيء
[الدر المنثور: 3/257]
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة ولا في العرايا صدقة ولا في أقل من خمسة أوسق صدق ولا في العوامل صدقة ولا في الجبهة صدقة، قال الصقر بن حبيب: الجبهة: الخيل والبغال والعبيد.
وأخرج الدارقطني عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة.
وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليس في الخضراوات صدقة
[الدر المنثور: 3/258]
وأخرج البزار والدارقطني عن طلحة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة.
وأخرج الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة، واخرج ابن أبي شيبة والدارقطني، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفوت لكن عن صدقة أرقائكم وخيلكم ولكن هاتوا صدقة أوراقكم وحرثكم وماشيتكم.
وأخرج أبو داود، وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر.
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس
[الدر المنثور: 3/259]
وأخرج الترمذي، وابن ماجه عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
وأخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثة تبيع وفي كل أربعين مسن أو مسنة.
وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العسل في كل عشرة أزق زق.
وأخرج أبو داود، وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر ولفظ أبي داود قال جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نخل له وكان سأله أن يحمي له واديا يقال له سلبة فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي فلما ولي عمر بن
[الدر المنثور: 3/260]
الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك فكتب إليه عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نخله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء.
وأخرج الشافعي والبخاري وأبو داود والنسائي، وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أنس، أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين فكتب له هذا الكتاب: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطيه فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين
[الدر المنثور: 3/261]
فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت احدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمس حقة فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا ابنة مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة فإذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر فإن لم يكن المال إلا
[الدر المنثور: 3/262]
تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه قال كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر ثم عمر وكان فيه: في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت فحقتان إلى عشرين ومائة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وفي الغنم في الأربعين شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة فشاتان إلى مائتين فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلثمائة فإن كان الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب، قال الزهري: فإذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثا
[الدر المنثور: 3/263]
ثلث شرار وثلث خيار وثلث وسط فيأخذ المصدق من الوسط.
وأخرج الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث مع عمرو بن حزم فقرى ء على أهل اليمن وهذه نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النّبيّ إلى شرحبيل بن عبد كلال والحرث بن عبد كلال ويغنم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء أو كان سيحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فإذا زادت على خمسة وثلاثين واحدة ففيها ابن لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى أن تبلغ
[الدر المنثور: 3/264]
ستين فإن زادت واحدة فجذعة إلى أن تبلغ خمسة وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنا لبون إلى أن تبلغ تسعين فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الحمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة فما
زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة وفي كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين باقورة بقرة وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة فإن زادت فما زاد ففي كل مائة شاة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا عجفاء ولا ذات عوار ولا تيس غنم إلا أن يشاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم وليس فيما دون خمس أواق شيء وفي كل أربعين دينارا دينار إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل بيت محمد إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسهم ولفقراء المؤمنين وفي سبيل الله، وابن السبيل وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدى صدقتها من العشر وإنه ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء، قال: وكان في الكتاب، إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وإن
[الدر المنثور: 3/265]
العمرة الحج الأصغر ولا يمس القرآن إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق حتى يبتاع ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد وشقه باد ولا يصلين أحد منكم عاقصا شعره ولا في ثوب واحد ليس على منكبيه منه شيء، وكان في الكتاب: إن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول وإن في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف الذي أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل اصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس وإن الرجل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار.
وأخرج أبو داود عن حبيب المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين: يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن فغضب عمران
[الدر المنثور: 3/266]
وقال:
أوجدتم في كل أربعين درهما درهم ومن كل كذا وكذا شاة شاة ومن كذا وكذا بعيرا كذا وكذا، وجدتم هذا في القرآن قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين.
وأخرج أبو داود، وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات
[الدر المنثور: 3/267]
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب.
وأخرج أحمد وأبو داود والدارقطني عن ثعلبة بن صغير قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا قبل الفطر بيومين فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه.
وأخرج أحمد والنسائي، وابن ماجه والحاكم وصححه عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله وأمرنا بصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان لم يأمرنا به ولم ينهنا عنه ونحن نفعله
[الدر المنثور: 3/268]
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد ممن تمونون.
وأخرج الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون.
وأخرج البزار والدرقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر صارخا ببطن مكة ينادي أن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك حاضر أو باد صاع من شعير أو تمر.
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان على كل إنسان صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء أنها حدثته: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد
[الدر المنثور: 3/269]
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت والصاع الذي يقتاتون به يفعل ذلك أهل المدينة كلهم.
وأخرج أبو حفص بن شاهين في فضائل رمضان عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر قال ابن شاهين: حديث غريب جيد الإسناد.
وأخرج مالك والشافعي عن زريق بن حكيم، أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارا دينار فما نقص فبحسابه حتى تبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا.
وأخرج الدارقطني عن أبي عمرو بن جماس عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم والجعاب فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي: أد صدقة مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم قال: قومه ثم أخرج صدقته
[الدر المنثور: 3/270]
وأخرج البزار والدارقطني عن سمرة بن جندب قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاد له وهم عملة لا يريد بيعهم فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئا وكان يأمرنا أن نخرج عن الرقيق الذي هو يعد للبيع.
وأخرج الحاكم وصححه عن بلال بن الحرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إنما هو شيء دسره البحر فإن كان فيه شيء ففيه الخمس.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة عن ابن شهاب قال: في الزيتون العشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: في الزيتون العشر.
وأخرج الدارقطني، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل السائمة في كل فرس دينار
[الدر المنثور: 3/271]
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر في الرقيق). [الدر المنثور: 3/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن البراء بن عازب في قوله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحفش وبالقنو
[الدر المنثور: 3/272]
قد انكسر فيعلقه فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا عن اغماض وحياء، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى أردئهما تمرا فيتصدق به ويخلط به الحشف فنزلت الآية فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك قال: كان أناس من المنافقين حين أمر الله أن تؤدى الزكاة يجيئون بصدقاتهم بأردأ ما عندهم من الثمرة فأنزل الله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي يخرص
[الدر المنثور: 3/273]
النخل أن لا
يجيزه فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية.
وأخرج الحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال: أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر فجاء رجل بتمر رديء فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة لا تخرص هذا التمر فنزل هذا القرآن {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في "سننه" عن سهل بن حنيف قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فجاء رجل بكبائس من هذا السحل - يعني الشيص - فوضعه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من جاء بهذا - وكان كل من جاء بشيء نسب إليه - فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر أن يؤخذا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق
[الدر المنثور: 3/274]
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال: سألت علي بن أبي طالب عن قول الله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية، فقال: نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء، فقال الله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا بئسما علق هذا، فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن يحيى بن حبان المازني من الأنصار أن رجلا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصناف من التمر
[الدر المنثور: 3/275]
معروفة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة وآمعاء فارة وكل هذا لا خير فيه من تمر النخيل فردها الله ورسوله وأنزل الله فيه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله {حميد}.
وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي عن مجاهد قال: كانوا يتصدقون بالحشف وشرار التمر فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال: وفي ذلك نزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ما له فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عوف بن مالك قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عصا فإذا أقناء معلقة في المسجد قنو منها حشف فطعن في ذلك القنو وقال: ما يضر صاحبه لو تصدق بأطيب من هذه إن صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة
[الدر المنثور: 3/276]
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه {ولستم بآخذيه} قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه فذلك قوله {إلا أن تغمضوا فيه} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه وهو قوله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (آل عمران الآية 92).
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مغفل في قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: كسب المسلم لا يكون خبيثا ولكن لا تصدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه، وفي قوله {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تجوزوا فيه.
وأخرج ابن ماجه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب {ولا تيمموا الخبيث} يقول: ولا تعمدوا للخبيث منه تنفقون واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم
[الدر المنثور: 3/277]
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: لا تعمدوا إلى شر ثماركم وحروثكم فتعطوه في الصدقة ولو أعطيتم ذلك لم تقبلوا، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول:
يممت راحلتي أمام محمد * أرجو فواضله وحسن نداه
وقال أيضا: تيممت قيسا وكم دونه * من الأرض من مهمه ذي شرر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: إنما ذلك في الزكاة في الشيء الواجب فأما في التطوع فلا بأس بأن يتصدق الرجل بالدرهم الزيف هو خير من التمرة
[الدر المنثور: 3/278]
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال كان رجال يعطون زكاة أموالهم من التمر فكانوا يعطون الحشف في الزكاة فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل وذلك فيما كانوا يعلقون من التمر بالمدينة ومن كل ما أنفقتم فلا تنفقوا إلا طيبا.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: الحشفة والحنطة المأكولة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: أرأيت لو كان لك على رجل حق فأعطاك دراهم فيها زيوف فأخذتها أليس قد كنت غمضت من حقك.
وأخرج وكيع عن الحسن {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتوه حتى يهضم لكم من الثمن.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لك على رجل حق لم ترض أن تأخذ منه دون حقك فكيف ترضى لله بأردأ مالك تقرب به إليه
[الدر المنثور: 3/279]
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر الطيب إلا أن يهضم لكم منه.
وأخرج أبو داود والطبراني عن عبد الله بن معاوية الفاخري قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان، من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله
وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه وافرة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الذربة ولا المريضة ولا الشرط اللثيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره.
وأخرج الشافعي عن عمر بن الخطاب، أنه استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف فقال: قل لهم: لا آخذ منكم الربى ولا الماخض ولا ذات الدر ولا الشاة الأكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق والجذعة والثنية فذلك عدل بين رديء المال وخياره
[الدر المنثور: 3/280]
وأخرج الشافعي عن سعر أخي بني عدي قال جاءني رجلان فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس، قال: فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها علي وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى، قال: فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال: بعثني النّبيّ صلى الله عليه وسلم مصدقا فمررت برجل فجمع لي ماله فلم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض فقلت له: أدابة مخاض فإنها صدقتك فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ذلك قال: إني فاعل، فخرج معي بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال إن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك وأمر بقبض الناقة منه ودعا له بالبركة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي هريرة قال: لدرهم طيب أحب إلي من مائة ألف اقرأ {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} من الحلال
[الدر المنثور: 3/281]
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مغفل {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الحلال.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: الحرام.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف
ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولا يمحو السيء إلا بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث.
وأخرج البزار عن ابن مسعود رفعه قال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن عمر قال: إذا طاب المكسب زكت النفقة إن الخبيث لا يكفر الخبيث
[الدر المنثور: 3/282]
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: إن كسب المال من سبيل الحلال قليل فمن كسب مالا من غير حله فوضعه في غير حقه فآثر من ذلك أن لا يسلب اليتيم ويكسو الأرملة ومن كسب مالا من غير حله فوضعه في غير حقه فذلك الداء العضال ومن كسب مالا من حله فوضعه في حقه فذلك يغسل الذنوب كما يغسل الماء التراب عن الصفا.
وأخرج ابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك ومن جمع مالا من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من كسب طيبا خبثه منع الزكاة ومن كسب خبيثا لم تطيبه الزكاة.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك
[الدر المنثور: 3/283]
حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله له: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك.
وأخرج أحمد عن أبي بردة بن نيار قال سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب فقال: بيع مبرور وعمل الرجل بيده.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أي كسب الرجل أطيب قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: قال الله: كلوا من طيبات ما كسبتم وأولادكم من أطيب كسبكم فهم وأموالهم لكم.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والنسائي، وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه
[الدر المنثور: 3/284]
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه والوالد يأخذ من مال ولده ما شاء بغير إذنه.
وأخرج عبد بن حميد عن عامر الأحول قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا من أولادنا قال: هم من أطيب كسبكم وأموالهم لكم.
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن المنكدر قال جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مالا وإن لي عيالا ولأبي مال وله عيال وإن أبي يأخذ مالي، قال: أنت ومالك لأبيك.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: يأخذ الرجل من مال ولده إلا الفرج.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: الرجل في حل من مال ولده.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: يأخذ الوالد من مال ولده ما شاء والوالدة كذلك ولا للولد أن يأخذ من مال والده إلا ما طابت به نفسه.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: ليس للرجل من مال ابنه إلا ما احتاج إليه من طعام أو شراب أو لباس.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الزهري قال: لا يأخذ
[الدر المنثور: 3/285]
الرجل من مال ولده شيئا إلا إن يحتاج فيستنفق بالمعروف يعوله ابنه كما كان الأب يعوله فأما إذا كان موسرا فليس له أن يأخذ من مال ابنه فيقي به ماله أو يضعه فيما لا يحل.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن قال: يأخذ الرجل من مال ابنه ما شاء وإن كانت له جارية تسراها إن شاء، قال قتادة: فلم يعجبني ما قال في الجارية.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الزهري قال: إذا كانت أم اليتيم محتاجة أنفق عليها من ماله يدها مع يده، قيل له: فالموسرة قال: لا شيء لها، والله أعلم). [الدر المنثور: 3/286]

تفسير قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر قال إن للملك لمة وللشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجدها فليحمد الله ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فمن وجدها فليستعذ بالله). [تفسير عبد الرزاق: 1/109]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السّائب، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للشّيطان لمّةً بابن آدم وللملك لمّةً فأمّا لمّة الشّيطان فإيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحقّ، وأمّا لمّة الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ، فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من الله فليحمد اللّه ومن وجد الأخرى فليتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قرأ {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وهو حديث أبي الأحوص، لا نعرفه مرفوعًا إلاّ من حديث أبي الأحوص). [سنن الترمذي: 5/69]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {الشّيطان يعدكم الفقر}
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن أبي الأحوص، عن عطاءٍ، عن مرّة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ للشّيطان لمّةً، وللملك لمّةً، فأمّا لمّة الشّيطان فإيعادٌ بالشّرّ، وتكذيبٌ بالحقّ، وأمّا لمّة الملك فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحقّ، فمن وجد من ذلك فليعلم أنّه من الله، فليحمد الله، ومن وجد من الآخر فليتعوّذ من الشّيطان، ثمّ قرأ {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلًا} [البقرة: 268]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/37]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
يعني بذلك تعالى ذكره: الشّيطان يعدكم أيّها النّاس بالصّدقة وأدائكم الزّكاة الواجبة عليكم في أموالكم أن تفتقروا، {ويأمركم بالفحشاء} يعني: ويأمركم بمعاصي اللّه عزّ وجلّ، وترك الصلاة طاعته {واللّه يعدكم مغفرةً منه} يعني أنّ اللّه عزّ وجلّ يعدكم أيّها المؤمنون أن يستر عليكم فحشاءكم بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصّدقة الّتي تتصدّقون {وفضلاً} يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضّل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم.
- كما: حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: اثنان من اللّه، واثنان من الشّيطان، الشّيطان يعدكم الفقر يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنّك تحتاج إليه، ويأمركم بالفحشاء، واللّه يعدكم مغفرةً منه على هذه المعاصي وفضلاً في الرّزق.
[جامع البيان: 5/5]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً} يقول: مغفرةً لفحشائكم، وفضلاً لفقركم.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السّائب، عن مرّة، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للشّيطان لمّةً من ابن آدم وللملك لمّةً: فأمّا لمّة الشّيطان: فإيعادٌ بالشّرّ، وتكذيبٌ بالحقّ؛ وأمّا لمّة الملك: فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحقّ، فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من اللّه وليحمد اللّه، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ باللّه من الشّيطان، ثمّ قرأ {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكيم بن بشير بن سلمان، قال: حدّثنا عمرٌو، عن عطاء بن السّائب، عن مرّة، عن عبد اللّه، قال: إنّ للإنسان من الملك لمّةً، ومن الشّيطان لمّةً؛ فاللّمّة من الملك: إيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحقّ، واللّمّة من الشّيطان: إيعادٌ بالشّرّ، وتكذيبٌ بالحقّ، وتلا عبد اللّه: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً}، قال عمرٌو: وسمعنا في هذا الحديث أنّه كان يقال: إذا أحسّ أحدكم من لمّة الملك شيئًا فليحمد اللّه، وليسأله من فضله، وإذا أحسّ من لمّة الشّيطان شيئًا، فليستغفر اللّه وليتعوّذ من الشّيطان.
[جامع البيان: 5/6]
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن أبي الأحوص، أو عن مرّة، قال: قال عبد اللّه: ألا إنّ للملك لمّةً، وللشّيطان لمّةً؛ فلمّة الملك إيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ، ولمّة الشّيطان إيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحقّ؛ وذلكم بأنّ اللّه يقول: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ} فإذا وجدتم من هذه شيئًا فاحمدوا اللّه عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئًا فتعوّذوا باللّه من الشّيطان.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} قال: إنّ للملك لمّةً، وللشّيطان لمّةً؛ فلمّة الملك؛ إيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ، فمن وجدها فليحمد اللّه؛ ولمّة الشّيطان: إيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحقّ، فمن وجدها فليستعذ باللّه.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السّائب، عن مرّة الهمدانيّ أنّ ابن مسعودٍ قال: إنّ للملك لمّةً، وللشّيطان لمّةً؛ فلمّة الملك: إيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ، ولمّة الشّيطان إيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحقّ، فمن أحسّ من لمّة الملك شيئًا فليحمد اللّه عليه، ومن أحسّ من لمّة الشّيطان شيئًا فليتعوّذ باللّه منه ثمّ تلا هذه الآية: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطرٍ، عن المسيّب بن رافعٍ، عن عامر بن عبدة، عن عبد اللّه، بنحوه.
[جامع البيان: 5/7]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن مرّة بن شراحيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: إنّ للشّيطان لمّةً، وللملك لمّةً، فأمّا لمّة الشّيطان فتكذيبٌ بالحقّ وإيعادٌ بالشّرّ، وأمّا لمّة الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ، فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من اللّه وليحمد اللّه عليه، ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشّيطان ثمّ قرأ: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً}). [جامع البيان: 5/8]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه واسعٌ عليمٌ}
يعني تعالى ذكره: واللّه واسع الفضل الّذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه، عليمٌ بنفقاتكم وصدقاتكم الّتي تنفقون وتصدّقون بها، يحصيها لكم حتّى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم). [جامع البيان: 5/8]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلًا واللّه واسعٌ عليمٌ (268)
قوله تعالى: الشّيطان
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن خصيفٍ، قوله: الشّيطان قال: هو إبليس). [تفسير القرآن العظيم: 1/529]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: يعدكم الفقر
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا هنّاد بن السّريّ، ثنا أبو الأحوص، عن عطاء ابن السّائب، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للشّيطان لمّةً بابن آدم، وللملائكة لمّةً، فأمّا لمّة الشّيطان فإيعادٌ بالشّرّ، وتكذيبٌ بالحقّ، وأمّا لمّة الملائكة فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحقّ فمن وجد من ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد لله، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ باللّه من الشّيطان ثم
[تفسير القرآن العظيم: 2/529]
قرأ: الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا
- حدّثنا أحمد بن منصور بن راشدٍ المروزيّ، نثا علي بن الحسن بن شقيق، ابنا الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
ثنتان- يعني من اللّه- وثنتان من الشّيطان الشّيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء يقول: لا تنفق مالك وأمسكه عليك، فإنّك تحتاج إليه.
- ذكر عن سفيان عن منصورٍ الشّيطان يعدكم الفقر قال: طول الأمل). [تفسير القرآن العظيم: 1/530]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويأمركم بالفحشاء
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ، ثنا عليّ بن الحسن ثنا الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء بالسّوء.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ابن شقيقٍ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله:
ويأمركم بالفحشاء يعني: المعاصي. قال أبو محمّدٍ: وروي عن سعيد بن جبيرٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: بالفحشاء يقول: الزّنا. وروي عن الحسن وعكرمة والسّدّيّ، مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/530]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه يعدكم مغفرةً منه
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا عليّ بن الحسن، ابنا الحسين ابن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ واللّه يعدكم مغفرةً منه:
على هذه المعاصي.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ابنا ابن المبارك، ابنا سعيدٌ أو غيره، عن قتادة، في قوله: واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا يقوله: مغفرةً لفحشائكم. قال ابن المبارك: الفحشاء: أي المعاصي.
[تفسير القرآن العظيم: 2/530]
- أخبرنا محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ. عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله:
واللّه يعدكم مغفرةً منه لذنوبكم عند الصّدقة). [تفسير القرآن العظيم: 1/531]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وفضلا واللّه واسعٌ عليمٌ
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا عليّ بن الحسن، ابنا الحسين ابن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا قال: في الرّزق.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ابنا ابن المبارك، ثنا سعيدٌ أو غيره، عن قتادة: واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا قال: فضلا لفقركم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ أبنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا يعني: أن يخلفكم نفقاتكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/531]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ للشّيطان لمّة بابن آدم، وللملك لمّة، فأمّا لمّة الشيطان، فإيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحق، وأمّا لمّة الملك، فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنّه من الله، فيحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم»، ثم قرأ: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء.... الآية}. [البقرة: 268] أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(اللمة) : المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها: الهمة التي تقع في القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه). [جامع الأصول: 2/58]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
[الدر المنثور: 3/286]
بالفحشاء} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اثنتان من الله واثنتان من الشيطان {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} يقول: لا تنفق مالك وأمسكه عليك فإنك تحتاج إليه {والله يعدكم مغفرة منه} على هذه المعاصي وفضلا في الرزق.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {والله يعدكم مغفرة منه} لفحشائكم وفضلا لفقركم.
وأخرج ابن المنذر عن خالد الربعي قال: عجبت لثلاث آيات ذكرهن الله في القرآن (ادعوني أستجب لكم) (غافر الآية 60) ليس بينهما حرف وكانت إنما تكون لنبي فأباحها الله لهذه الأمة والثانية قف عندها ولا تعجل (اذكروني أذكركم) فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك والثالثة {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: إنما مثل ابن آدم مثل الشيء الملقى بين يدي الله وبين الشيطان فإن كان لله تبارك وتعالى فيه
[الدر المنثور: 3/287]
حاجة أجاره من الشيطان وإن لم يكن لله فيه حاجة خلى بينه وبين الشيطان). [الدر المنثور: 3/288]

تفسير قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني أيضا ابن زيد عن أبيه في قول الله: {ومن يؤت الحكمة}، فقال: الحكمة العقل في الدين). [الجامع في علوم القرآن: 2/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء قال الحكمة القرآن والفقه في القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 1/109]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} -، قال: الحكمة: الصواب). [سنن سعيد بن منصور: 3/979]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يؤتي اللّه الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
واختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: الحكمة الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع هي القرآن والفقه به.
ذكر من قال ذلك:
حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} يعني المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخّره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
[جامع البيان: 5/8]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: الحكمة: القرآن، والفقه في القرآن.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} والحكمة: الفقه في القرآن.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الهلاليّ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا مهديّ بن ميمونٍ، قال: حدّثنا شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} قال: الكتاب والفهم به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء..} الآية، قال: ليست بالنّبوّة، ولكنّه القرآن والعلم والفقه.
[جامع البيان: 5/9]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: الفقه في القرآن
وقال آخرون: معنى الحكمة الإصابة في القول والفعل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: سمعت مجاهدًا، قال: {ومن يؤت الحكمة} قال: الإصابة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: يؤتي إصابته من يشاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: الكتاب يؤتي إصابته من يشاء
وقال آخرون: هو العلم بالدّين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {يؤتي الحكمة من يشاء} العقل في الدّين، وقرأ: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}.
[جامع البيان: 5/10]
حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الحكمة: العقل. زيد
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قلت لمالكٍ: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدّين، والفقه فيه، والاتّباع له
وقال آخرون: الحكمة: الفهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، قال هو الفهم يعنى: الحكمة
وقال آخرون: هي الخشية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة} الآية، قال: الحكمة: الخشية؛ لأنّ رأس كلّ شيءٍ خشية اللّه، وقرأ: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلموا} ئ
وقال آخرون: هي النّبوّة.
[جامع البيان: 5/11]
ذكر من قال ذلك
حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة} الآية، قال: الحكمة هي النّبوّة
وقد بيّنّا فيما مضى معنى الحكمة، وأنّها مأخوذةٌ من الحكم وفصل القضاء، وأنّها الإصابة بما دلّ على صحّته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع.
فإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال الّتي قالها القائلون الّذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلاً فيما قلنا من ذلك؛ لأنّ الإصابة في الأمور إنّما تكون عن فهمٍ بها وعلمٍ ومعرفةٍ، وإذا كان ذلك كذلك كان المصيب عن فهمٍ منه بمواضع الصّواب في أموره فهمًا خاشيًا للّه فقيهًا عالمًا، وكانت النّبوّة من أقسامه؛ لأنّ الأنبياء مسدّدون مفهّمون، وموفّقون لإصابة الصّواب في بعض الأمور، والنّبوّة بعض معاني الحكمة.
فتأويل الكلام: يؤتي اللّه إصابة الصّواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته اللّه ذلك فقد آتاه خيرًا كثيرًا). [جامع البيان: 5/12]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يذّكّر إلاّ أولو الألباب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وما يتّعظ بما وعظ به ربّه في هذه الآيات الّتي وعظ فيها المنفقين أموالهم بما وعظ به غيرهم فيها، وفي غيرها من آي كتابه، فيذكر وعده ووعيده فيها، فينزجر عمّا زجره عنه ربّه، ويطيعه فيما أمره به، {إلاّ أولو الألباب}، يعني: إلاّ أولو العقول الّذين عقلوا عن اللّه عزّ وجلّ أمره ونهيه.
[جامع البيان: 5/12]
فأخبر جلّ ثناؤه أنّ المواعظ غير نافعةٍ إلاّ أولي الحجا والحلوم، وأنّ الذّكرى غير ناهيةٍ إلاّ أهل النّهى والعقول). [جامع البيان: 5/13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب (269)
قوله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ، يعني في قوله: يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخّره وحلاله وحرامه، وأمثاله.
والوجه الثّاني:
- حدثنا أبى، ابنا نحيى بن المغيرة، ابنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: يؤتي الحكمة من يشاء قال: ليست بالنّبوّة، ولكنّه العلم والفقه والقرآن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: يؤتي الحكمة من يشاء قال: الحكمة: الخشية، فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/531]
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال: هو الإصابة في القول.
والوجه الخامس:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا محمّد بن بشرٍ، ثنا سفيان عن أبي حمزة عن إبراهيم ومن يؤت الحكمة قال: الفهم.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: الحكمة قال: السّنّة.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، قوله:
ومن يؤت الحكمة قال: الحكمة: هي النّبوّة
والوجه الثّامن:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الطّاهر، ثنا ابن وهبٍ، حدّثنا مالك بن أنسٍ، قال: قال زيد بن أسلم: إنّ الحكمة: العقل، قال مالكٌ: وإنّه ليقع في قلبي، أنّ الحكمة هو الفقه في دين اللّه وأمرٌ يدخله اللّه في القلوب من رحمته وفضله، وممّا يبيّن ذلك أنك تحد الرّجل عاقلا في أمر الدّنيا، إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا به، يؤتيه اللّه إيّاه، ويحرمه هذا، فالحكمة:
الفقه في دين اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/532]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: من يشاء
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن العلاء قالا: ثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن صفوان بن عمرٍو السّكسكيّ عن حميد بن عبد اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 2/532]
بن زيدٍ المزّيّ قال: قضى عليّ بن أبي طالبٍ بقضيّةٍ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فبلغت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأعجبته، فقال: الحمد للّه الّذي جعل فينا الحكمة أهل البيت). [تفسير القرآن العظيم: 1/533]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكر إلا أولوا الألباب
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن كثير بن مروان، حدّثني أبي عن لقمان بن عامرٍ، عن أبي الدّرداء، في قول الله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرًا قال: قراءة القرآن، والفكرة فيه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الحسن بن عمر بن شقيقٍ، ثنا أبو مقاتلٍ جعفر بن سلمٍ السّمرقنديّ، عن مقاتل بن حيّان، في قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال: قراءة القرآن ظاهرًا.
- حدّثنا الحسن بن محمد الصبح، ثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال: قراءة القرآن ظاهرا.
[الوجه الثّالث]
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، في قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال القرآن.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن، قال سمعت الحسين، بن واقدٍ ومن يؤت الحكمة قال: استظهار القرآن.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الحسن بن عمر بن شقيقٍ، ثنا جعفر بن سليمان الضّبعيّ، عن مطرٍ الورّاق، في قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال: بلغنا أنّ الحكمة خشية اللّه، والعلم بالله.
[تفسير القرآن العظيم: 2/533]
والوجه الخامس:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو طاهرٍ، أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال مالكٌ: العلم: الحكمة، نورٌ يهدي اللّه به من يشاء، وليس بكثرة المسائل.
والوجه السّادس:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا هارون بن سعيدٍ الأيليّ، أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ، يقول: منهم من يؤتى حكمته في لسانه، ولا يؤتى حكمته في قلبه، ومنهم من يؤتى حكمته في قلبه ولا يؤتى في لسانه. ليس في القلب منها شيءٌ يعمل به، فالعمل لا يصدّق ما ينطق به اللّسان، والّذي يؤتى الحكمة في قلبه ولا يؤتاها في لسانه يعمل بما جعل اللّه له في قلبه من الحكمة، وإذا لم يؤتاها بلسانه، لم تبلّغ عنه، فهذا ينفع نفسه ولا ينفع غيره. والثّالث يعمل بما جعل اللّه في قلبه من الحكمة، عمل الحكماء، وينطق بما جعل اللّه في لسانه من الحكمة منطق الحكماء، ينفع به نفسه وغيره، الّذي ينطق به اللّسان، دليلٌ على ما في القلب، والّذي عمل به- الّذي في القلب- من الحكمة، مصدّقٌ للّذي نطق به.
والوجه السّابع:
- حدّثنا سعيد بن سعدٍ البخاريّ، ثنا عمرو بن عون، ابنا هشيمٌ، عن كوثر بن حكيمٍ، عن مكحولٍ، قال: إنّ القرآن جزءٌ من اثنين وسبعين جزءًا من النّبوّة، وهو الحكمة الّتي قال الله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرًا.
والوجه الثّامن:
- حدّثنا أبي، أخبرني عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل، قال: سمعت، ثنا أبو سنانٍ في قوله: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا قال: النّبوّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/534]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما يذّكّر إلّا أولوا الألباب
قد تقدم تفسيره. آية 179). [تفسير القرآن العظيم: 1/534]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يؤتي الحكمة من يشاء قال القرآن يؤتي إصابته من يشاء). [تفسير مجاهد: 116]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله.
وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا {يؤت الحكمة} قال: القرآن يعني تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس {يؤت الحكمة} قال: القرآن.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: النبوة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {يؤتي
[الدر المنثور: 3/288]
الحكمة من يشاء} قال: ليست بالنبوة ولكنه القرآن والعلم والفقه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {يؤت الحكمة} قال: الفقه في القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء {يؤت الحكمة} قال: قراءة القرآن والفكرة فيه.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية {يؤت الحكمة} قال: الكتاب والفهم به.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {يؤتي الحكمة} قال: الكتاب يؤتي إصابته من يشاء.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم {يؤتي الحكمة} قال: الفهم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يؤتي الحكمة} قال: الإصابة في القول.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {يؤت الحكمة} قال: الفقه في القرآن
[الدر المنثور: 3/289]
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {يؤتي الحكمة} قال: القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {يؤت الحكمة} قال: الخشية لأن خشية الله رأس كل حكمة وقرأ (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (فاطر الآية 28).
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي قال: وجدت فاتحة زبور داود، إن رأس الحكمة خشية الرب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر الوراق قال: بلغنا أن الحكمة خشية الله والعلم بالله.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: الخشية حكمة من خشي الله فقد أصاب أفضل الحكمة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال: قال زيد بن أسلم: إن الحكمة العقل وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة الفقه في دين الله وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا فالحكمة الفقه في دين الله
[الدر المنثور: 3/290]
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: إن القرآن جزء من اثنين وسبعين جزءا من النبوة وهو الحكمة التي قال الله {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}.
وأخرج ابن المنذر عن عروة بن الزبير قال: كان يقال: الرفق رأس الحكمة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة ومن قرأ نصف القرآن أعطي نصف النبوة ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينجز ما معه من القرآن، فيقال له: اقبض، فيقبض فيقال له: هل تدري ما في يديك فإذا في يده اليمنى الخلد وفي الأخرى النعيم.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله وصغر ما عظم الله وليس ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله
[الدر المنثور: 3/291]
وأخرج الحاكم وصححه عن عبيد الله بن أبي نهيك قال: قال سعد: تجار كسبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن، قال سفيان بن عيينة: يعني يستغني به.
وأخرج البزار والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن.
وأخرج البزار عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن.
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو أن امرأة أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي مسكين لا يقدر على شيء، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لزوجها: أتقرأ من القرآن شيئا قال: أقرأ سورة كذا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخ بخ زوجك غني، فلزمت المرأة زوجها ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله قد بسط الله علينا رزقنا.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة أن رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اشتريت مقسم بني فلان فربحت عليه كذا
[الدر المنثور: 3/292]
وكذا، فقال: ألا أنبئك بما هوأكثر ربحا قال: وهل يوجد قال: رجل تعلم عشر آيات، فذهب الرجل فتعلم عشر آيات فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن مسعود: أنه كان يقرى ء الرجل الآية ثم يقول: تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض حتى يقول ذلك في القرآن كله.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه قال: لو قيل لأحدكم: لو غدوت إلى القرية كان لك أربع قلائص كان يقول: قد أن لي أن أغدو فلو أن أحدكم غدا فتعلم آية من كتاب الله كانت له خيرا من أربع وأربع حتى عد شيئا كثيرا.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر التجار أيعجز أحدكم اذا رجع من سوقه أن يقرأ عشر آيات يكتب الله له بكل آية حسنة.
وأخرج البزار عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره
[الدر المنثور: 3/293]
وأخرج أبو نعيم في فضل العلم ورياضة المتعلمين والبيهقي عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه.
وأخرج البخاري في تاريخه والبيهقي عن رجاء الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطاه الله حفظ كتابه وظن أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد غمط أعظم النعم.
وأخرج البيهقي عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مؤدب يجب أن تؤتي أدبه وأدب الله القرآن فلا تهجروه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: ما أنزل الله من آية إلا والله يحب أن يعلم العباد فيما أنزلت وماذا عنى بها.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول ما يرفع من الأرض العلم فقالوا: يا رسول الله يرفع القرآن قال: لا ولكن
[الدر المنثور: 3/294]
يموت من يعلمه، أو قال: من يعلم تأويله، ويبقى قوم يتأولونه على أهوائهم.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال كنا إذا تعلمنا من النّبيّ صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشرالتي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه، قيل لشريك: من العمل قال: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن جرير، وابن المنذر والمرهبي في فضل العلم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قال: فتعلمنا العلم والعمل.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه وينثره
[الدر المنثور: 3/295]
نثر الدقل.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكلمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.
وأخرج أحمد في الزهد عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وأخرج أبو نعيم في الحلية موصولا من طريق مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لقمان قال لإبنه: يا بني عليك بمجالسة العلماء واسمع كلام الحكماء فان الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها
[الدر المنثور: 3/296]
وأخرج البيهقي في الشعب عن يزيد بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنافس إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه فيقول رجل: لو أن الله أعطاني ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق منه ويتصدق به فيقول رجل: لو أن الله أعطاني كما أعطى فلانا فأتصدق به، قال رجل: أرأيتك النجدة تكون في الرجل قال: ليست لهما بعدل إن الكلب يهم من وراء أهله.
وأخرج البخاري ومسلم، وابن ماجه عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
وأخرج أبو يعلى عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ومن لم يفقهه لم يبل له.
وأخرج البزار والطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده
[الدر المنثور: 3/297]
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفصل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع.
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والمرهبي في فضل العلم عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العلم خير من فضل العبادة وخير دينكم الورع.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قليل العلم خير من كثير من العبادة وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا اذا أعجب برأيه.
وأخرج الطبراني عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى وما استقام دينه حتى يستقيم عقله.
وأخرج ابن ماجه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة ولأن تغدو
[الدر المنثور: 3/298]
فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير من أن تصلي ألف ركعة.
وأخرج المرهبي في قضل العلم والطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه، وقال أبو هريرة لأن أجلس ساعة فأتفقه أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح.
وأخرج الترمذي والمرهبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا تجتمعان في منافق حسن سمت وفقه في الدين.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العلم أفضل من العبادة وملاك الدين الورع.
وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسير الفقه خير من كثير العبادة وخير أعمالكم أيسرها
[الدر المنثور: 3/299]
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين.
وأخرج الطبراني عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي.
وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول: يا معشر العلماء اني لم أضع فيكم علمي لأعذبكم اذهبوا فقد غفرت لكم). [الدر المنثور: 3/300]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأيّ نفقةٍ أنفقتم، يعني أيّ صدقةٍ تصدّقتم، أو أيّ نذرٍ نذرتم؛ يعني بالنّذر: ما أوجبه المرء على نفسه تبرّرًا في طاعة اللّه، وتقرّبًا به إليه، من صدقةٍ أو عمل خيرٍ، {فإنّ اللّه يعلمه} أي أنّ جميع ذلك بعلم اللّه، لا يعزب عنه منه شيءٌ، ولا يخفى عليه منه قليلٌ ولا كثيرٌ، ولكنّه يحصيه أيّها النّاس عليكم حتّى يجازي جميعكم على جميع ذلك فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من نفسه، جازاه بالّذي وعده من التّضعيف؛ ومن كانت نفقته وصدقته رياء النّاس ونذره للشّيطان جازاه بالّذي أوعده من العقاب وأليم العذاب،.
- كالّذي: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} ويحصيه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله ثمّ أوعد جلّ ثناؤه من كانت نفقته رياءً ونذوره طاعةً للشّيطان، فقال: {وما للظّالمين من أنصارٍ} يعني: وما لمن أنفق ماله رياء النّاس وفي معصية اللّه، وكانت نذوره للشّيطان وفي طاعته، {من أنصارٍ} وهم جمع نصيرٍ، كما الأشراف جمع شريفٍ،
[جامع البيان: 5/13]
ويعني بقوله: {من أنصارٍ} من ينصرهم من اللّه يوم القيامة، فيدفع عنهم عقابه يومئذٍ بقوّة وشدّة بطشٍ ولا بفديةٍ،ولاحليه
وقد دلّلنا على أنّ الظّالم هو الواضع للشّيء في غير موضعه، وإنّما سمّى اللّه المنفق رياء النّاس، والنّاذر في غير طاعته ظالمًا، لوضعه إنفاق ماله في غير موضعه ونذره في غير ماله وضعه فيه، فكان ذلك ظلمه.
فإن قال لنا قائلٌ: فكيف قال: {فإنّ اللّه يعلمه} ولم يقل: يعلمهما، وقد ذكر النّذر والنّفقة
قيل: إنّما قال: {فإنّ اللّه يعلمه} لأنّه أراد فإنّ اللّه يعلم ما أنفقتم أو نذرتم، فلذلك وحّد الكناية). [جامع البيان: 5/14]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ (270) إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبيرٌ (271)
قوله: وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه ويحصيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/535]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما للظّالمين من أنصارٍ
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن مسعرٍ، عن معن بن عبد الرّحمن، عن شريحٍ، قال: الظّالم ينتظر العقوبة، والمظلوم ينتظر النّصر). [تفسير القرآن العظيم: 1/535]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} قال: يحصيه.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري من طريق ابن شهاب عن عوف بن الحرث بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة لأمها، أن عائشة رضي الله عنها
[الدر المنثور: 3/300]
حدثت: أن عبد الله بن
الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا قالوا نعم، قالت عائشة: فهو لله نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبدا، فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرتها إياه، فقالت: والله لا أشفع فيه أحدا أبدا ولا أحنث نذري الذي نذرت أبدا فلما طال على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة فقال لهما: أنشدكما الله إلا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام على النّبيّ ورحمة الله وبركاته أندخل فقالت عائشة: ادخلوا، قالوا: أكلنا يا أم المؤمنين قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم عائشة أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير في الحجاب واعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا كلمته وقبلت منه ويقولان: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة وأنه لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فلما أكثروا التذكير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وتقول: إني قد نذرت والنذر شديد فلم يزالوا بها حتى كلمت ابن الزبير ثم أعتقت بنذرها أربعين رقبة لله ثم كانت تذكر بعدما أعتقت أربعين رقبة فتبكي حتى تبل دموعها خمارها
[الدر المنثور: 3/301]
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حجيرة الأكبر، أن رجلا أتاه فقال: إني نذرت أن لا أكلم أخي فقال: إن الشيطان ولد له ولد فسماه نذرا وان من قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد حلت عليه اللعنة.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عمران بن حصين قال: أسرت امرأة من الأنصار فأصيبت العضباء فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: انها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: سبحان الله، بئس ما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء
[الدر المنثور: 3/302]
لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ثابت بن الضحاك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس على العبد نذر فيما لا يملك.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج من البخيل
[الدر المنثور: 3/303]
وأخرج البخاري ومسلم، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدرته فيستخرج الله به من البخيل فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه فقال: ما بال هذا قالوا: نذر أن يمشي إلى الكعبة، قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب.
وأخرج مسلم، وابن ماجه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أدرك شيخا يمشي بين ابنيه يتوكأ عليهما، فقال: ما شأن هذا قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اركب أيها الشيخ فإن الله غني عنك وعن نذرك.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال: لتمش ولتركب.
وأخرج أبو داود عن ابن عباس أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية
[الدر المنثور: 3/304]
وإنها لا تطيق ذلك فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتحج راكبة وتكفر عن يمينها.
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عقبة بن عامر أنه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام.
وأخرج البخاري وأبو داود، وابن ماجه عن ابن عباس قال بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد لا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه
[الدر المنثور: 3/305]
وأخرج أبو داود، وابن ماجه عن أبي عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا أطاقه فليوف به.
وأخرج النسائي عن عمران بن حصين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر في معصية ولا غضب وكفارته كفارة يمين.
وأخرج الحاكم وصححه عن عمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة، قال: وإن المثلة أن يخرم أنفه وأن ينذر أن يحج ماشيا فمن نذر أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب
[الدر المنثور: 3/306]
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني نذرت أن أقوم على قعيقعان عريانا إلى الليل، فقال: أراد الشيطان أن يبدي عورتك وأن يضحك الناس بك البس ثيابك وصل عند الحجر ركعتين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: النذور أربعة: فمن نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره، وأما قوله تعالى: {وما للظالمين من أنصار}.
أخرج ابن أبي حاتم عن شريح قال: الظالم ينتظر العقوبة والمظلوم ينتظر النصر.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الظلم ظلمات يوم القيامة.
وأخرج البخاري في الأدب ومسلم والبيهقي في الشعب عن
[الدر المنثور: 3/307]
جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
وأخرج البخاري في الأدب، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة يبلغ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظلم فإن الظلم هو الظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش وإياكم والشح فإن الشح دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم وقطعوا أرحامهم.
وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش والتفحش وإياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا.
وأخرج الطبراني عن الهرماس بن زياد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته فقال: إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة وإياكم والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى
[الدر المنثور: 3/308]
سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم.
وأخرج الأصبهاني من حديث عمر بن الخطاب، مثله.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم وتستسقوا فلا تسقوا وتستنصروا فلا تنصروا.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي: إمام ظلوم غشوم وكل غال مارق.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة.
وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد والمسافر والمظلوم.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه
[الدر المنثور: 3/309]
وأخرج الطبراني والأصبهاني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب، دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب.
وأخرج الطبراني عن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
وأخرج أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب.
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري.
وأخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل
[الدر المنثور: 3/310]
وأخرج الأصبهاني عن عبد الله بن سلام قال: إن الله لما خلق الخلق فاستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم فقالوا: يا رب مع من أنت قال: أنا مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه.
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس أن ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته وهو مستخف من الناس حتى نزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت فإذا حلابها مقدار حلاب ثلاثين بقرة فحدث الملك نفسه أن يأخذها فلما كان الغد غدت البقرة إلى مرعاها ثم راحت فحلبت فنقص لبنها على النصف وجاء مقدار حلاب خمس عشرة بقرة فدعا الملك صاحب
منزله فقال: أخبرني عن بقرتك أرعت اليوم في غيرمرعاها بالأمس وشربت من غير مشربها بالأمس فقال: ما رعت في غير مرعاها بالأمس ولا شربت في غير مشربها بالأمس، فقال: ما بال حلابها على النصف فقال: أرى الملك هم بأخذها فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة، قال: وأنت من أين يعرفك الملك قال: هو ذاك كما قلت لك، قال: فعاهد الملك ربه في نفسه أن لا
[الدر المنثور: 3/311]
يظلم ولا يأخذها ولا يملكها ولا تكون في ملكه أبدا، قال: فغدت فرعت ثم راحت ثم حلبت فإذا لبنها قد عاد على مقدار ثلاثين بقرة، فقال الملك بينه وبين نفسه واعتبر: أرى الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة لا جرم لأعدلن فلأكونن على أفضل العدل.
وأخرج الأصبهاني عن سعيد بن عبد العزيز: من أحسن فليرج الثواب ومن أساء فلا يستنكر الجزاء ومن أخذ عزا بغير حق أورثه الله ذلا بحق ومن جمع مالا بظلم أورثه الله فقرا بغير ظلم.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: إن الله عز وجل قال: من استغنى بأموال الفقراء أفقرته وكل بيت يبنى بقوة الضعفاء أجعل عاقبته إلى خراب). [الدر المنثور: 3/312]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن رجل عن عمار الدهني عن أبي جعفر في قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي يعني الزكاة المفروضة وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يعني التطوع). [تفسير عبد الرزاق: 1/109]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن حنظلة السّدوسي، عن عكرمة أنّه كان يقرأ: {ونكفّر عنكم من سيّئاتكم}). [سنن سعيد بن منصور: 3/980]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبيرٌ}
يعني بقوله جلّ ثناؤه {إن تبدوا الصّدقات} إن تعلنوا الصّدقات فتعطوها من تصدّقتم بها عليه، {فنعمّا هي} يقول: فنعم الشّيء هي {وإن تخفوها} يقول: وإن تستروها فلم تعلنوها {وتؤتوها الفقراء} يعني: وتعطوها الفقراء في السّرّ، {فهو خيرٌ لكم} يقول: فإخفاؤكم إيّاها خيرٌ لكم من إعلانها، وذلك في صدقة التّطوّع.
[جامع البيان: 5/14]
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} كلٌّ مقبولٌ إذا كانت النّيّة صادقةً، وصدقة السّرّ أفضل. وذكر لنا أنّ الصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} قال: كلٌّ مقبولٌ إذا كانت النّيّة صادقةً، والصّدقة في السّرّ أفضل، وكان يقول: إنّ الصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} فجعل اللّه صدقة السّرّ في التّطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها يقال بخمسةٍ وعشرين ضعفًا، وكذلك جميع الفرائض والنّوافل في الاشياء كلّها.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول في قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} قال: يقول: هو سوى الزّكاة
[جامع البيان: 5/15]
وقال آخرون: إنّما عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي} إن تبدوا الصّدقات على أهل الكتابين من اليهود والنّصارى فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فهو خيرٌ لكم، قالوا: وأمّا ما أعطى فقراء المسلمين من زكاةٍ وصدقة تطوّعٍ فإخفاؤه أفضل من علانه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن شريحٍ، أنّه سمع يزيد بن أبي حبيبٍ، يقول: إنّما نزلت هذه الآية: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي} في الصّدقة على اليهود والنّصارى.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: كان يزيد بن أبي حبيبٍ يأمر بقسم الزّكاة في السّرّ قال عبد اللّه: أحبّ أن تعطى في العلانية، يعني الزّكاة
ولم يخصّص اللّه من قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي} صدقه دون صدقه فذلك على العموم إلاّ ما كان من زكاةٍ واجبةٍ، فإنّ الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أنّ الفضل في إعلانه وإظهاره سوى الزّكاة الّتي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها مع إجماع جميعهم على أنّها واجبةٌ، فحكمها في أنّ الفضل في أدائها علانيةً حكم سائر الفرائض غيرها). [جامع البيان: 5/16]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم}
اختلف القرّاء في قراءة ذلك. فروي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرؤه: (وتكفّر عنكم) بالتّاء، ومن قرأه كذلك، فإنّه يعني به: وتكفّر الصّدقات عنكم من سيّئاتكم،
وقرأ آخرون: {ويكفّر عنكم} بالياء بمعنى: ويكفّر اللّه عنكم بصدقاتكم على ما ذكر في الآية من سيّئاتكم،
وقرأ ذلك بعد عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة: (ونكفّر عنكم) بالنّون وجزم الحرف، يعني: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء نكفّر عنكم من سيّئاتكم، بمعنى مجازاة اللّه عزّ وجلّ مخفي الصّدقة بتكفير بعض سيّئاته بصدقته الّتي أخفاها.
وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصّواب قراءة من قرأ: (ونكفّر عنكم) بالنّون وجزم الحرف، على معنى الخبر من اللّه عن نفسه أنّه يجازى المخفي صدقته من التّطوّع ابتغاء وجهه من صدقته بتكفير سيّئاته، وإذا قرئ كذلك فهو مجزومٌ على النسق على موضع الفاء في قوله: {فهو خيرٌ لكم} لأنّ الفاء هنالك حلّت محلّ جواب الجزاء.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف اخترت الجزم على النّسق على موضع الفاء، وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء، وقد علمت أنّ الأفصح من الكلام في النّسق على جواب الجزاء الرّفع، وإنّما الجزم تجويزٌ؟
[جامع البيان: 5/17]
قيل: اخترنا ذلك ليؤذن بجزمه أنّ التّكفير أعني تكفير اللّه من سيّئات المصّدّق لا محالة داخلٌ فيما وعد اللّه المصّدّق أن يجازيه به على صدقته؛ لأنّ ذلك إذا جزم مؤذنٌ بما قلنا لا محالة، ولو رفع كان قد يحتمل أن يكون داخلاً فيما وعده اللّه أن يجازيه به، وأن يكون خبرًا مستأنفًا أنّه يكفّر من سيّئات عباده المؤمنين على غير المجازاة لهم بذلك على صدقاتهم؛ لأنّ ما بعد الفاء في جواب الجزاء استئنافٌ، فالمعطوف على الخبر المستأنف في حكم المعطوف عليه في أنّه غير داخلٍ في الجزاء مستانف ولذلك من العلّة اخترنا جزم (نكفّر) عطفًا به على موضع الفاء من قوله: {فهو خيرٌ لكم} وقراءته بالنّون.
فإن قال قائلٌ: وما وجه دخول من في قوله: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم}؟
قيل: وجه دخولها في ذلك بمعنى: ونكفّر عنكم من سيّئاتكم ما نشاء تكفيره منها دون جميعها؛ ليكون العباد على وجلٍ من اللّه فلا يتّكلوا على وعده ما وعد على الصّدقات الّتي يخفيها المتصدّق فيجترئوا على حدوده ومعاصيه.
وقال بعض نحويّي البصرة: معنى من الإسقاط من هذا الموضع، ويتأوّل معنى ذلك: ونكفّر عنكم سيّئاتكم). [جامع البيان: 5/18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه بما تعملون خبيرٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واللّه بما تعملون في صدقاتكم من إخفائها وإعلان وإسرارٍ بها وإجهارٍ، وفي غير ذلك من أعمالكم {خبيرٌ} يعني بذلك: ذو خبرةٍ وعلمٍ، لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، فهو بجميعه محيطٌ، ولكلّه محصٍ على أهله حتّى يوفّيهم ثواب جميعه وجزاء قليله وكثيره). [جامع البيان: 5/18]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي
[الوجه الأول]
ذكر عن محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن أبي العاتكة عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذرٍّ، قال: قلت يا رسول اللّه: فما الصّدقة: قال: أضعافٌ مضاعفةٌ، وعند اللّه مزيدٌ، ثمّ نزع هذه الآية: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قوله: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم فكان هذا يعمل به، قبل أن تنزل، فلمّا نزلت براءةٌ بفرائض الصّدقات وتفضيلها، انتهت الصّدقات إليها.
وروي عن مقاتل بن حيّان، أنّها منسوخةٌ.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق.
أخبرنا رجلٌ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن أبي جعفرٍ، في قوله: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي يعني: الزكاة المفروضة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/535]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثنا أبي، عن ابن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول في قوله: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها قال: يقولون: هي سوى الزّكاة.
- ذكر عن محمّد بن شعيب بن شابور، ابنا عثمان بن أبي العاتكة عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذرٍّ، قال: دخلت ذات يومٍ فإذا أنا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، قلت: فما الصّدقة؟ قال أضعافٌ مضاعفةٌ وعند اللّه مزيدٌ. قلت: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: سرٌّ إلى الصّدقة، أو جهدٌ من مقلٍّ، ثمّ نزع هذه الآية: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم الفقراء). [تفسير القرآن العظيم: 1/536]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( قوله: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم فجعل الفريضة علانيتها أفضل من سرّها. يقال: خمسةٌ وعشرون ضعفًا، وكذلك جميع الفرائض والنّوافل في الأشياء كلّها.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن زيادٍ المحاربيّ مؤذّنٌ محاربٌ، أبنا موسى بن عميرٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ في قوله: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم قال: أنزلت في أبي بكرٍ وعمر، أمّا عمر فجاء بنصف ماله، حتّى دفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما خلّفت وراءك لأهلك يا عمر؟ قال: خلّفت لهم نصف مالي. وأمّا أبو بكرٍ فجاء بماله كلّه، يكاد أن يخفيه من نفسه، حتّى دفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما خلّفت وراءك لأهلك يا أبا بكرٍ؟ قال: عدة اللّه وعدة رسوله. فبكى عمر، وقال: بأبي أنت وأمّي يا أبا بكرٍ، ما استبقنا إلى باب خيرٍ قطّ، إلا كنت سابقنا اليه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/536]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم قال: كلٌّ مقبولٌ، إذا كانت النّيّة صادقةً، والصّدقة في السّرّ أفضل، كان يقال: إنّ الصّدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النّار. وروي عن قتادة، نحو ذلك.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أبنا عبد الرّزّاق أخبرني رجلٌ عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن أبي جعفرٍ في قوله: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يعني: التّطوّع). [تفسير القرآن العظيم: 1/537]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ويكفّر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الطّبّاع، ثنا عبّاد بن العوّام، ثنا حنظلة ثنا شهرٌ، عن ابن عبّاسٍ ويكفّر عنكم من سيّئاتكم قال: الصّدقة هي الّتي تكفّر). [تفسير القرآن العظيم: 1/537]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل على علانيتها سبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها
[الدر المنثور: 3/312]
وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل السر أفضل من العلانية أفضل لمن أراد الإقتداء به.
وأخرج البيهقي عن معاوية بن قرة قال: كل شيء فرض الله عليك فالعلانية فيه أفضل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن تبدوا الصدقات} الآية، قال: كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كل مقبول إذا كانت النية صادقة وصدقة السر أفضل، وذكر لنا أن الصدقة تطفى ء الخطيئة كما يطفى ء الماء النار.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} قال: هذا منسوخ وقوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات الآية 19) قال: منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في
[الدر المنثور: 3/313]
التوبة (إنما الصدقات للفقراء) (التوبة الآية 60) الآية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: قلت يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال: جهد مقل أو سر إلى فقير ثم تلا هذه الآية {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} الآية.
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك عن كنز من كنوز الجنة قلت: بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة، قلت: فالصلاة يا رسول الله قال: خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، قلت: فالصوم يا رسول الله قال: قرض مجزى ء، قلت: فالصدقة يا رسول الله قال: أضعاف مضاعفة وعند الله مزيد، قلت: فأيها أفضل قال: جهد من مقل وسر إلى فقير.
وأخرج أحمد والطبراني في الترغيب عن أبي أمامة، أن أبا ذر قال: يا رسول الله ما الصدقة قال: أضعاف مضاعفة وعند الله المزيد ثم قرأ (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا
[الدر المنثور: 3/314]
كثيرة) (البقرة الآية 245) قيل: يا رسول الله أي الصدقة
أفضل قال: سر إلى فقير أو جهد من مقل ثم قرأ {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} الآية.
وأخرج أحمد والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال: نعم الحديد، قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الحديد قال: نعم النار، قالت: فهل من خلقك شيء أشد من النار قال: نعم الماء، قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال: نعم الريح، قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
[الدر المنثور: 3/315]
يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن صدقة السر تطفى ء غضب الرب.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفى ء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا تطفى ء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال صدقة السر تطفى ء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر
[الدر المنثور: 3/316]
وفعل المعروف يقي مصارع السوء.
وأخرج أحمد في الزهد عن سالم بن أبي الجعد قال: كان رجل في قوم صالح عليه السلام قد آذاهم فقالوا: يا نبي الله ادع الله عليه، فقال: اذهبوا فقد كفيتموه وكان يخرج كل يوم فيحتطب فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخر فاحتطب ثم جاء بحطبه سالما فجاؤوا إلى صالح فقالوا: قد جاء بحطبه سالما لم يصبه شيء فدعاه صالح فقال: أي شيء صنعت اليوم فقال: خرجت ومعي قرصان تصدقت بأحدهما وأكلت الآخر، فقال صالح: حل حطبك، فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جذل من الحطب فقال: بها دفع عنه، يعني بالصدقة.
وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد قال: خرجت امرأة وكان معها صبي لها فجاء الذئب فاختلسه منها فخرجت في أثره وكان معها رغيف فعرض لها سائل فأعطته الرغيف فجاء الذئب بصبيها فرده عليها.
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة فتخلف رجل من أعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا
[الدر المنثور: 3/317]
الله والذي أعطاه وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم نزلوا فوضعوا رؤوسهم فقام رجل يتملقني ويتلو آياتي ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له، وثلاثة يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير والتسبيح أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار.
وأخرج ابن ماجه، عن جابر بن عبد الله قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا.
وأخرج أبو يعلى، عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة:
يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفى ء
[الدر المنثور: 3/318]
الخطيئة كما يطفى ء الماء النار، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فبائع نفسه فموبق رقبته ومبتاع نفسه في عتق رقبته.
وأخرج ابن حبان عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها، يا كعب بن عجرة الصلاة قربان، والصوم جنة والصدقة تطفى ء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا.
وأخرج أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل امرى ء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس.
وأخرج ابن خزيمة والحاكم وصححه عن عمر قال: ذكر لي أن الأعمال تباهي فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.
وأخرج أحمد والبزار، وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخرج رجل بشيء من
[الدر المنثور: 3/319]
الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطانا.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الصدقة لتطفى ء على أهلها حر القبور وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فإن
[الدر المنثور: 3/320]
الصدقة فكاككم من النار.
وأخرج الطبراني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها.
وأخرج الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله أفتنا عن الصدقة قال: إنها فكاك من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله.
وأخرج الترمذي وحسنه، وابن حبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الصدقة لتطفى ء غضب الرب وتدفع ميتة السوء.
وأخرج الطبراني عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة تسد سبعين بابا من السوء.
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ويذهب الله بها الكبر والفخر.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي ذر قال: ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحيا سبعين شيطانا كلهم ينهى عنها.
وأخرج ابن المبارك في البر والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة قال: قال
[الدر المنثور: 3/321]
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليدخل باللقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة رب البيت الآمر به والزوجة تصلحه: والخادم الذي يناول المسكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي لم ينس خدمنا.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة.
وأخرج أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان.
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقيم العوج وتدفع ميتة
[الدر المنثور: 3/322]
السوء وتقع من الجائع موقعها من الشبعان.
وأخرج ابن حبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض فاخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال: لو نزلت فذكرت الله فازددت خيرا فنزل ومعه رغيف
أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأوما إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود، أن راهبا عبد الله في صومعة ستين سنة فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه فنزل إليها فواقعها ست ليال ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه وأعطى آخر عن يساره نصفه فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه فوضعت الستون في كفة ووضعت
[الدر المنثور: 3/323]
الستة في كفة فرجحت الستة ثم وضع الرغيف فرجح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري، نحوه.
وأخرج البيهقي عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقال له خصفة بن خصفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون ما الشديد قلنا: الرجل يصرع الرجل قال: إن الشديد كل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب تدرون ما الرقوب قلنا: الرجل لا يولد له قال: إن الرقوب الرجل الذي له الولد لم يقدم منهم شيئا ثم قال: تدرون ما الصعلوك قلنا: الرجل لا مال له قال: الصعلوك كل الصعلوك الذي له المال لم يقدم منه شيئا.
وأخرج البزار والطبراني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة.
وأخرج البزار والطبراني عن النعمان بن بشير أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
[الدر المنثور: 3/324]
اتقوا النار ولو بشق تمرة.
وأخرج البزار والطبراني عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة.
وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال يا عائشة اشتري نفسك من الله لا أغني عنك من الله شيئا ولو بشق تمرة يا عائشة لا يرجعن من عندك سائل ولو بظلف محرق.
وأخرج مسلم عن أبي ذر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: يصبح على كل سلامى من
أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزى ء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
وأخرج البزار وأبو يعلى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ميسم من الإنسان صدقة كل يوم، فقال بعض القوم: إن هذا لشديد يا
[الدر المنثور: 3/325]
رسول الله ومن يطيق هذا قال: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة وإن حملك على الضعيف صدقة وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة صدقة.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن ابن آدم ستون وثلثمائة مفصل عن كل واحد منها في كل يوم صدقة فالكلمة يتكلم بها الرجل صدقة وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة والشربة من الماء تسقى صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة.
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تبسمك في وجه أخيك يكتب لك به صدقة وإن إفراغك من دلو أخيك يكتب لك به صدقة وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك به صدقة وإرشادك للضال يكتب لك به صدقة.
وأخرج البزار عن أبي جحيفة قال دهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من قيس مجتابي الثمار متقلدي السيوف فساءه ما رأى من حالهم فصلى ثم دخل
[الدر المنثور: 3/326]
بيته ثم خرج فصلى وجلس في مجلسه فأمر بالصدقة أو حض عليها فقال: تصدق رجل من ديناره تصدق رجل من درهمه تصدق رجل من صاع بره تصدق رجل من صاع تمره، فجاء رجل من الأنصار بصرة من ذهب فوضعها في يده ثم تتابع الناس حتى رأى كومين من ثياب وطعام فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل كأنه مذهبة.
وأخرج البزار عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث يوما على الصدقة فقام علية بن زيد فقال: ما عندي إلا عرضي وإني أشهدك يا رسول الله أني تصدقت بعرضي على من ظلمني ثم جلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت المتصدق بعرضك قد قبل الله منك.
وأخرج البزار عن علية بن زيد قال حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على
[الدر المنثور: 3/327]
الصدقة فقام علية فقال: يا رسول الله حثثت على الصدقة وما عندي إلا عرضي فقد تصدقت به على من ظلمني فأعرض عني فلما كان في اليوم الثاني قال: أين علية بن زيد أو أين المتصدق بعرضه فإن الله تعالى قد قبل منه.
وأخرج أحمد وأبو نعيم في فضل العلم والبيهقي عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله من أين نتصدق وليس لنا أموال قال: إن من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وأستغفر الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعزل الشوك عن طريق الناس والعظم والحجر وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها وتسعى بشدة ذراعيك مع الضعيف كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ولك في جماعك زوجتك أجر قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك فرجوت أجره فمات أكنت تحتسب به قلت: نعم، قال: فأنت خلقته قلت: بل الله خلقه، قال: فأنت هديته قلت: بل الله هداه، قال: فأنت كنت
[الدر المنثور: 3/328]
ترزقه قلت: بل الله كان يرزقه، قال: فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال قط فتصدقوا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت أهديت لنا شاة مشوية فقسمتها كلها إلا كتفها فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: كلها لكم إلا كتفها.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب، وابن عساكر عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} إلى آخر الآية في أبي بكر وعمر جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه
[الدر المنثور: 3/329]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت
لأهلك قال: عدة الله وعدة رسوله، فقال عمر لأبي بكر: ما سبقناك إلى باب خير قط إلا سبقتنا إليه، واخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت: مثله، وأتى أبو بكر يحمل ما عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب قال: إنما أنزلت هذه الآية {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} في الصدقة على اليهود والنصارى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ (وتكفر عنكم من سيئاتكم) وقال: الصدقة هي التي تكفر
[الدر المنثور: 3/330]
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة ابن مسعود (خير لكم تكفر) بغير واو). [الدر المنثور: 3/331]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:53 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه...}
فتحت (أن) بعد إلاّ وهي في مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك.
والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماضٍ، صفة غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه.
ومثله قوله: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} ومثله {إلاّ أن يعفون} هذا كلّه جزاء، وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله؛ فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلاّ) تركت على كسرتها؛ من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك . فإن أدخلت (إلاّ) قلت: أحسن إلا ألاّ يقبل منك. فمثله
قوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}، {وأن تصوموا خير لكم} هو جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة بـ (خير) صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك.
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما في موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع في المعنى؛ لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء؛ قال الشاعر:
فلست مقاتلا أبداً قريشا * مصيبا رغم ذلك من أصابا
في تأويل رفع لوقوع مصيب على من.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع} إن جعلت (من) مردودة على خفض (الناس) فهو من هذا، و(استطاع) في موضع رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه.
وكذلك تقول في الكلام: أيّهم يقم فاضرب، فإن قدّمت الضرب
فأوقعته على أي قلت اضرب أيّهم يقوم؛ قال بعض العرب: فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر:
فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان في غد؛ لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلاّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان في غد.
ومثل إن في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت بزيد، (وهتفت بزيد) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية في القول ولم تنفذ في النداء؛ لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ في النداء وأشباهه، فيجوز له؛ كقوله:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجنٌ بنجد
* وشجن لي ببلاد الهند *
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها.
وفي القياس أن تكسر؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول: لي شجنين شجنا بنجد.

فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم؛ لأنّ ما في موضع نصب. وكذلك قلت: زيد صالح أنه صالح؛ لأن قولك (قلت زيد قائم) في موضع نصب.
فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) وإذا فتحت فهي سواها. قول الله تبارك وتعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا} وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه؛ كأنه قال: إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا.
ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنّا؛ كأنه قال: فلينظر الإنسان إلى طعامه، ثم أخبر بالاستئناف).
[معاني القرآن: 1/178-181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تيممّوا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمداً على عينٍ تيمّمت مالكا
{إلاّ أن تغمضوا فيه}: ترخّص لنفسك). [مجاز القرآن: 1/82-83]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله جل ثناؤه {ولا تيمموا الخبيث} يقولون: تيممتك تيممًا، وأممتك أما أيضًا؛ وهو القصد.
وأما قوله {إلا أن تغمضوا فيه} فالإغماض المصدر، وقالوا: ضربه بحجر فغمض في يده غموضًا: إذا أثر فيه؛ وقالوا: هبطت غمضًا من الأرض؛ أي وهدة؛ فكأن المعنى في {تغمضوا فيه}: الإدهان في الشيء والخب له). [معاني القرآن لقطرب: 384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا). [تفسير غريب القرآن:97-98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تبارك اسمه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد} فالمعنى: أنفقوا من جيّد ما كسبتموه من تجارة، ومن ورق وعين، وكذلك من جيّد الثمار، ومعنى {أنفقوا}: تصدقوا وكان قوم أتوا في الصدقة برديء الثمار.
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر السعاة إلا يخرص الجعرور ومعى الفارة وذلك أنها من رديء النخل، فأمر ألا تخرص عليهم لئلا يعتلوا به في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}أي: لا تقصدوا إلى رديء المال، والثمار فتتصدقوا به، وأنتم (تعلمون أنكم) لا تأخذونه إلا بالإغماض فيه.
ومعنى {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه}: يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد}أي: لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى، وقد غنّى فلان غناء إذا بالغ في التطريب في الإنشاد حتى يستغنى الشعر أن يزاد في نغمته، وقد غنيت المرأة غنيانا.
قال قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها... فتهجر أم شأننا شأنها
غنيانها: غناها.
والغواني: النساء، قيل إنهن سمين غواني لأنهن غنين بجمالهن. وقيل بأزواجهن).
[معاني القرآن: 1/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}أي: تصدقوا بالجيد
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: كانوا يجيئون في الصدقات بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال أبو إسحاق في قوله تعالى {واعلموا أن الله غني حميد} أي: لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه). [معاني القرآن: 1/295-297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطيبات: الحلال، في كل القرآن). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تيمموا الخبيث} أي: لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الذي من التمر والمال.
{تغمضوا فيه} تترخصوا فيه.، يقول عز وجل: لا تتصدقوا بما لا تأخذوه إلا برخص لو أعطاكموه أحد. وقيل: معناه إلا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا برخص حتى تغطوا أعينكم من كراهيتكم له لرداءته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَيَمَّمُـــواْ}: تقصـــدوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مّغفرةً مّنه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال: {الشّيطان يعدكم الفقر} وقال بعضهم {الفقر} مثل: "الضعف" و"الضعف" وجعل "يعد" متعدياً إلى مفعولين). [معاني القرآن: 1/153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {الشيطان يعدكم الفقر}؛ فإنهم يقولون: الفقر والفقر.
ومن هذا اللفظ: فقار الظهر؛ والفقر: لفقار الظهر أيضًا، وقد فقر ظهره يفقره فقرًا: إذا كسر ظهره، قال الله عز وجل {تظن أن يفعل بها فاقرة} كأنه من ذلك.
وقالوا: وعدته خيرًا، بغير ألف، وأوعدته شرًا، بالألف على التهدد؛ وقال بعضهم: وعدته، فيهما جميعًا، وهكذا الآية {يعدكم الفقر} أي الشر، جاءت بغير ألف، من وعد يعد، وهي تهدد.
[معاني القرآن لقطرب: 384]
وقال القطامي على مثل ذلك:
ألا عللاني كل حي معلل = و لا تعداني الشر والخير مقبل). [معاني القرآن لقطرب: 385]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا واللّه واسع عليم}
يقال الفقر والفقر جميعا، والمعنى: أنه يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد - ومعنى {يعدكم الفقر}: يعدكم بالفقر ولكن الباء حذفت. وأفضى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ويقال وعدته أعده وعدا و عدة وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة.
ومعنى {ويأمركم بالفحشاء}أي: بأن لا تتصدقوا فتتقاطعوا.
ومعنى{واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: يعدكم أن يجازيكم على صدقتكم بالمغفرة، ويعدكم أن يخلف عليكم.
ومعنى {واللّه واسع عليم}:
{واسع} يعطي من سعة، و {عليم} يعلم حيث يضع ذلك، ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} أي: بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الرديء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{والله واسع عليم} يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/297]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
معنى {يؤتي} يعطي، و {الحكمة} فيها قولان:
1- قال بعضهم هي: النبوة.

2- ويروى عن ابن مسعود أن الحكمة هي القرآن، وكفى بالقرآن حكمة، لأن الأمّة به صارت علماء بعد جهل، وهو وصلة إلى كل علم يقرّب من اللّه عزّ وجلّ: وذريعة إلى رحمته؛ لذلك قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} أي: أعطي كل الحلم، وما يوصل إلى رحمة اللّه، و " يؤت " جزم بمن، والجواب {فقد أوتي خيرا كثيرا}
ومعنى {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ما يفكر فكرا يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي: ذوو العقول.
وواحد الألباب لب، يقال قد لببت يا رجل وأنت تلب، لبابة ولبّا، وقرأت على محمد بن يزيد عن يونس: لببت لبابة.
وليس في المضاعف على فعلت غير هذا، ولم يروه أحد إلا يونس، وسألت غير البصريين عنه فلم يعرفه). [معاني القرآن: 1/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال مجاهد: العقل والعفة والإصابة في القول.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة العقل في دين الله.
وقال الضحاك: الحكمة القرآن.
وقال قتادة: الفهم.
قلت: وهذه الأقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال إبراهيم النخعي: الفهم في القرآن). [معاني القرآن: 1/297-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} أي: وما يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الألباب}: العقول في كل مكان). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
قال: {وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} تحمل الكلام على الآخر كما قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}. وإن شئت جعلت تذكير هذا على "الكسب" في المعنى كما قال: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم}يقول: "فالإيتاء خيرٌ لكم والإخفاء".
وقوله: {وما أنزل عليكم مّن الكتاب والحكمة يعظكم به} فهذا على {ما}.
وقوله: {أو نذرتم} تقول: "نذر" "ينذر على نفسه" "نذراً" و"نذرت مالي" فـ"أنا أنذره" "نذراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}، قال الشاعر:

هم ينذرون دمي وأنذر أن = لقيت بأن أشدّا
وقال عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصار}أي: ما تصدقتم به من فرض لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
{فإنّ اللّه يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي عليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره}.
يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، والجميع النّذور، وأنذرت القوم إذا أعلمتهم وخوفتهم إنذارا ونذيرا ونذرا.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فستعلمون كيف نذير}.
وقال جل ثناؤه: {فكيف كان عذابي ونذر}.
النذر: مثل النّكر، والنذير مثل النكير). [معاني القرآن: 1/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة}
قال أبو إسحاق أي: في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة
{أو نذرتم من نذر} كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
وقيل المعنى: ما أنفقتم من نفقة من غير نذر أو نذرتم ثم عقدتم على أنفسكم إنفاقه {فإن الله يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي به.
قال مجاهد: {يعلمه}أي يحصيه). [معاني القرآن: 1/299-300]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (نافع {فنعما هي} بإدغام وإسكان العين، {نعما يعظكم}.
الأعمش {فنعما هي}؛ وهي أحسن من الأولى؛ لأنه جمع بين ساكنين.
قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن محيصن {فنعما هي} بكسر النون والعين جميعًا.
ابن عباس رحمه الله"وتكفر عنكم" يعني الصدقات.
قراءة أبي عمرو {ونكفر عنكم} بالنون.
الحسن {ويكفر عنكم} بالياء، كأنه قال: ويكفر الله عنكم). [معاني القرآن لقطرب: 277]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فنعما هي}؛ وقد ذكرنا القراءة فيها؛ فأما يونس فقال: {نعما}، فأسكن العين وأدغم الميم في الميم، وليس ذلك بحسن؛ لأنه يجمع بين ساكنين ليس أحدهما بمثقل لازم له التثقيل؛ وقد قال بعض العرب على قول يونس: نحن نفعل؛ فأدغم النون في النون ولم يحرك الحاء، تركها ساكنة.
وأنشدنا من نثق به للبيد:
يا عامر يا عامر نعما = إن تمس فينا جسدا قد رما
فحرك العين منصوبة.
وبعض العرب يقول: نعم الرجل أنت، على فعل بكسرة العين.
وقال طرفة:
ما أقلت قدماي إنهم = نعم الساعون في الحي الشطر
فعلى هذه {نعما يعظكم به}.
وإنما نعم الرجل من نعم، مثل: فخذ وفخذ، ولعب ولعب؛ وكذلك الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء هذه الستة، إذا كن ثواني في فعل وفعيل، كسرن في لغة تميم وعامر وأسد؛ وذلك قول الله عز وجل {والله شهيد}، {وأنا به زعيم}، و{حمل بعير}، و{غفور رحيم}، ولئيم، وشعير، وفي فعل {كما يئس الكفار}
[معاني القرآن لقطرب: 385]
، و{شهد الله}، إلا أن "القراءة سنة متبعة لا تقرأ إلا بما أثر عن العلماء".
وقد يجوز إسكان الأوسط من فعل، كما ذكرنا في السبع والسدس، وعلى هذا "نعم" أسكنها بعد أن كسر النون.
وأهل الحجاز وكلب يفتحون هذا: زعيم وبعير وشعير وأصحاب السعير؛ وكأنه أحب إلينا.
وقال عدي بن زيد فيما كسر من هذا:
ومكان زعل ظلمانه = كرجال الحبش تمشي بالعمد
وقال أيضًا:
شئز جنبي كأني مهدأ = جعل القين على الدف إبر
وقال طرفة، فرد نعم إلى أصلها:
ما أقلت قدمي إنهم = نعم الساعون في الأمر الشطر
وقال بعض العرب: نعيم الرجل أنت، فأدخل الياء.
وأنشدنا بعضهم:
وكم أخ لي صالح قد رزيته = نعيم وبعض القوم غير نعيم
وذلك شاذ قليل). [معاني القرآن لقطرب: 386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبير}
معنى {إن تبدوا}: تظهروا، يقال بدا الشيء يبدو إذا ظهر، وأبديته أنا إبداء، إذا أظهرته، وبدا لي بدا " إذا تغيّر رأي عمّا كان عليه.
و{تبدوا} جزم بـ {إن}، وقوله: {فنعمّا هي} الجواب.
وروى أبو عبيد أنّ أبا جعفر وشيبة ونافعا وعاصما وأبا عمرو بن العلاء قرأوا: {فنعمّا هي} بكسر النون وجزم العين وتشديد الميم، وروى أن يحيى بن وثاب، والأشمس وحمزة والكسائي قرأوا: {فنعمّا هي} - بفتح النون وكسر العين.
وذكر أبو عبيد أنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لابن العاص: ((نعمّا بالمال الصّالح للرجل الصّالح)).

فذكر أبو عبيد أنه يختار هذه القراءة من أجل هذه الرواية.
ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة ألبتّة، لأن فيها الجمع بين ساكنين من غير حرف ما ولين.
فأما ما قرأناه من حرف عاصم ورواية أبي عمرو {فنعمّا هي}، بكسر النون والعين، فهذا جيّد بالغ لأن ههنا كسر العين والنون،
وكذلك قراءة أهل الكوفة (نعمّا هي) جيدة لأن الأصل في نعم نعم ونعم. ونعم فيها ثلاث لغات، ولا يجوز مع إدغام الميم نعمّا هي. و " ما " في تأويل - الشيء زعم البصريون أن نعمّا هي: نعم الشيء هي. وقد فسرنا هذا فيما مضى.

ومعنى {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير}:
هذا كان على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان الإخفاء في إيتاء الزكاة أحسن، فأمّا اليوم فالناس يسيئون الظن، فإظهار الزكاة أحسن، فأمّا التطوع فإخفاؤه أحسن، لأنه أدل على أنه يريد اللّه به وحده.
يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا سترته، وخفي خفاء إذا استتر، وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته،
وأهل المدينة يسمون النبّاش: المختفي.

قال الشاعر في خفيته أظهرته:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه...وإن تبعثوا الحرب لا نقعد). [معاني القرآن: 1/353-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات}أي: تظهروها.
وفي الحديث: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وقال الضحاك: كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه). [معاني القرآن: 1/300-301]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 12:29 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ حميدٌ (267)}
هذا الخطاب هو لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه صيغة أمر من الإنفاق، واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق، الزكاة المفروضة أو التطوع، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين: «هي في الزكاة المفروضة». نهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم زائف خير من تمرة، فالأمر على هذا القول للوجوب، والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن بن أبي الحسن وقتادة، أن الآية في التطوع، وروى البراء بن عازب، وعطاء بن أبي رباح ما معناه: «أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين فعلق رجل حشفا فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بئسما علق هذا»، فنزلت الآية».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والأمر على هذا القول على الندب، وكذلك ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار، والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب وصاحب التطوع يتلقاها على الندب، وهؤلاء كلهم وجمهور المتأولين قالوا معنى من طيّبات من جيد ومختار ما كسبتم، وجعلوا الخبيث بمعنى الرديء والرذالة»، وقال ابن زيد معناه: «من حلال ما كسبتم»، قال: وقوله: {ولا تيمّموا الخبيث} أي الحرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه»، وقوله: {من طيّبات ما كسبتم} يحتمل أن لا يقصد به لا الجيد ولا الحلال، لكن يكون المعنى كأنه قال: أنفقوا مما كسبتم، فهو حض على الإنفاق فقط. ثم دخل ذكر الطيب تبيينا لصفة حسنة في المكسوب عاما وتعديدا للنعمة كما تقول: أطعمت فلانا من مشبع الخبز وسقيته من مروي الماء، والطيب على هذا الوجه يعم الجودة والحل، ويؤيد هذا الاحتمال أن عبد الله بن مغفل قال: ليس في مال المؤمن خبيث، وكسبتم معناه كانت لكم فيه سعاية، إما بتعب بدن أو مقاولة في تجارة، والموروث داخل في هذا لأن غير الوارث قد كسبه، إذ الضمير في كسبتم إنما هو لنوع الإنسان أو المؤمنين، وممّا أخرجنا لكم من الأرض النباتات والمعادن والركاز وما ضارع ذلك، وتيمّموا معناه تعمدوا وتقصدوا، يقال تيمم الرجل كذا وكذا إذا قصده، ومنه قول امرئ القيس:
تيمّمت العين التي عند ضارج ....... يفيء عليها الظّلّ عرمضها طام
ومنه قول الأعشى:
تيمّمت قيسا وكم دونه ....... من الأرض من مهمه ذي شزن
ومنه التيم الذي هو البدل من الوضوء عند عدم الماء، وهكذا قرأ جمهور الناس وروى البزي عن ابن كثير تشديد التاء في أحد وثلاثين موضعا أولها هذا الحرف، وحكى الطبري أن في قراءة عبد الله بن مسعود «ولا تؤموا الخبيث» من أممت إذا قصدت، ومنه إمام البناء، والمعنى في القراءتين واحد، وقرأ الزهري ومسلم بن جندب «ولا تيمّموا» بضم التاء وكسر الميم، وهذا على لغة من قال: يممت الشيء بمعنى قصدته، وفي اللفظ لغات، منها أممت الشيء خفيفة الميم الأولى وأممته بشدها ويممته وتيممته، وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ «ولا تؤمموا» بهمزة بعد التاء، وهذه على لغة من قال أممت مثقلة الميم، وقد مضى القول في معنى الخبيث وقال الجرجاني في كتاب نظم القرآن: «قال فريق من الناس: إن الكلام تم في قوله: الخبيث ثم ابتدأ خبرا آخر في وصف الخبيث فقال: تنفقون منه وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم أي ساهلتم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع، والضمير في منه عائد على الخبيث». قال الجرجاني وقال فريق آخر: «بل الكلام متصل إلى قوله فيه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فالضمير في منه عائد على ما كسبتم، ويجيء تنفقون كأنه في موضع نصب على الحال، وهو كقوله: أنا أخرج أجاهد في سبيل الله»، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه} فقال البراء بن عازب وابن عباس والضحاك وغيرهم: «معناه ولستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم عند الناس إلا بأن تساهلوا في ذلك، وتتركون من حقوقكم وتكرهونه ولا ترضونه، أي فلا تفعلوا مع الله ما لا ترضونه لأنفسكم»، وقال الحسن بن أبي الحسن معنى الآية: «لستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع، إلا أن يهضم لكم من ثمنه»، وروي نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذان القولان يشبهان كون الآية في الزكاة الواجبة» وقال البراء بن عازب أيضا: «معناه ولستم بآخذيه لو أهدي إليكم إلّا أن تغمضوا أي تستحيي من المهدوي أن تقبل منه ما لا حاجة لك فيه، ولا قدر له في نفسه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا يشبه كون الآية في التطوع»، وقال ابن زيد معنى الآية: «ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا في مكروهه»، وقرأ جمهور الناس «إلا أن تغمضوا» بضم التاء وسكون الغين وكسر الميم. وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا، وروي عنه أيضا «تغمّضوا» بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشددة، وحكى مكي عن الحسن البصري «تغمّضوا» مشددة الميم مفتوحة وبفتح التاء. وقرأ قتادة بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا قال أبو عمرو: «معناه إلا أن يغمض لكم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «هذه اللفظة تنتزع إما من قول العرب أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز»، فمن ذلك قول الطرماح بن حكيم:
لم يفتنا بالوتر قوم وللضـ ....... ـيم أناس يرضون بالإغماض
وإما أن تنتزع من تغميض العين لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عنه عينيه ومنه قول الشاعر:
إلى كم وكم أشياء منكم تريبني ....... أغمض عنها لست عنها بذي عمى
وهذا كالإغضاء عند المكروه، وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الآية وأشار إليه مكي، وإما من قول العرب أغمض الرجل إذا أتى غامضا من الأمر كما تقول: أعمن إذا أتى عمان، وأعرق إذا أتى العراق، وأنجد، وأغور، إذا أتى نجدا والغور الذي هو تهامة، ومنه قول الجارية: وإن دسر أغمض فقراءة الجمهور تخرج على التجاوز وعلى تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض وعلى أنها بمعنى حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك إما لكونه حراما على قول ابن زيد، وإما لكونه مهديا أو مأخوذا في دين على قول غيره، وأما قراءة الزهري الأولى فمعناها تهضموا سومها من البائع منكم فيحطكم، قال أبو عمرو:«معنى قراءتي الزهري حتى تأخذوا بنقصان».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وأما قراءته الثانية فهذا مذهب أبي عمرو الداني فيها». ويحتمل أن تكون من تغميض العين. وأما قراءة قتادة فقد ذكرت تفسير أبي عمرو لها. وقال ابن جني: «معناها توجدوا قد غمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم وجريتم على غير السابق إلى النفوس، وهذا كما تقول: أحمدت الرجل وجدته محمودا إلى غير ذلك من الأمثلة»، ثم نبه تعالى على صفة الغنى أي لا حاجة به إلى صدقاتكم، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر، وحميدٌ معناه محمود في كل حال، وهي صفة ذات). [المحرر الوجيز: 2/ 71-76]


تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ (268) يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب (269)}
هذه الآية وما بعدها وإن لم تكن أمرا بالصدقة فهي جالبة للنفوس إلى الصدقة، بين عز وجل فيها نزغات الشيطان ووسوسته وعداوته، وذكر بثوابه هو لا رب غيره. وذكر بتفضله بالحكمة وأثنى عليها، ونبه أن أهل العقول هم المتذكرون الذين يقيمون بالحكمة قدر الإنفاق في طاعة الله عز وجل وغير ذلك، ثم ذكر علمه بكل نفقة ونذر. وفي ذلك وعد ووعيد. ثم بين الحكم في الإعلان والإخفاء وكذلك إلى آخر المعنى. والوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد بالموعود ما هو فقد يقيد بالخير وبالشر كالبشارة. فهذه الآية مما قيد الوعد فيها بمكروه وهو الفقر و «الفحشاء» كل ما فحش وفحش ذكره، ومعاصي الله كلها فحشاء، وروى حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ «الفقر» بضم الفاء، وهي لغة، وقال ابن عباس: «في الآية اثنتان من الشيطان، واثنتان من الله تعالى»، وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للشيطان لمة من ابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجد ذلك فليتعوذ، وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير فمن وجد ذلك فليحمد الله، ثم قرأ عليه السلام {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم} الآية»، والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والتنعيم في الآخرة، وبكل قد وعد الله تعالى، وذكر النقاش: «أن بعض الناس تأنس بهذه الآية في أن الفقر أفضل من الغنى، لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير وهو بتخويفه الفقر يبعد منه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وليس في الآية حجة قاطعة أما إن المعارضة بها قوية وروي أن في التوراة «عبدي أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة» وفي القرآن مصداقه: وهو {وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه، وهو خير الرّازقين} [سبأ: 39]» وواسعٌ لأنه وسع كل شيء رحمة وعلما). [المحرر الوجيز: 2/ 77-78]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه يؤتي الحكمة أي يعطيها لمن يشاء من عباده، واختلف المتأولون في الحكمة في هذا الموضع فقال السدي: «الحكمة النبوءة»، وقال ابن عباس: «هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وعربيته». وقال قتادة: «الحكمة الفقه في القرآن»، وقاله مجاهد، وقال مجاهد أيضا: «الحكمة الإصابة في القول والفعل»، وقال ابن زيد وأبوه زيد بن أسلم: «الحكمة العقل في الدين»، وقال مالك: «الحكمة المعرفة في الدين والفقه فيه والاتباع له»، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: «الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له»، وقال أيضا: «الحكمة طاعة الله والفقه في الدين والعمل به»، وقال الربيع: «الحكمة الخشية»، ومنه قول النبي عليه السلام: «رأس كل شيء خشية الله تعالى»، وقال إبراهيم: «الحكمة الفهم» وقاله زيد بن أسلم، وقال الحسن: «الحكمة الورع»، وهذه الأقوال كلها ما عدا قول السدي قريب بعضها من بعض لأن الحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتقان في عمل أو قول. وكتاب الله حكمة، وسنة نبيه حكمة. وكل ما ذكر فهو جزء من الحكمة التي هي الجنس.
وقرأ الجمهور «من يؤت الحكمة» على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الزهري ويعقوب «ومن يؤت» بكسر التاء على معنى ومن يؤت الله الحكمة ف من مفعول أول مقدم والحكمة مفعول ثان، وقرأ الأخفش: «ومن يؤته الحكمة»، وقرأ الربيع بن خثيم «تؤتي الحكمة من تشاء» بالتاء في «تؤتي» و «تشاء» منقوطة من فوق، «ومن يؤت الحكمة» بالياء، وباقي الآية تذكرة بينة وإقامة لهمم الغفلة، والألباب العقول واحدها لب). [المحرر الوجيز: 2/ 78-79]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ (270) إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبيرٌ (271)}
كانت النذر من سيرة العرب تكثر منها، فذكر تعالى النوعين ما يفعله المرء متبرعا وما يفعله بعد إلزامه لنفسه، ويقال: نذر الرجل كذا إذا التزم فعله «ينذر» بضم الذال «وينذر» بكسرها، وقوله تعالى: {فإنّ اللّه يعلمه} قال مجاهد: «معناه يحصيه»، وفي الآية وعد ووعيد، أي من كان خالص النية فهو مثاب ومن أنفق رئاء أو لمعنى آخر مما يكشفه المن والأذى ونحو ذلك فهو ظالم يذهب فعله باطلا ولا يجد ناصرا فيه، ووحد الضمير في يعلمه وقد ذكر شيئين من حيث أراد ما ذكر أو نص). [المحرر الوجيز: 2/ 80]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن تبدوا الصّدقات} الآية، ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية هي في صدقة التطوع، قال ابن عباس: «جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا»، قال: «وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويقوي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة»، وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك»، وقال سفيان الثوري: «هذه الآية في التطوع»، وقال يزيد بن أبي حبيب: «إنما أنزلت هذه الآية في الصدقة على اليهود والنصارى، وكان يأمر بقسم الزكاة في السر»، وهذا مردود لا سيما عند السلف الصالح، فقد قال الطبري: «أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل»، قال المهدوي: «وقيل المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به، فكان الإخفاء فيهما أفضل في مدة النبي عليه السلام، ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك فاستحسن العلماء إظهار الفرض لئلا يظن بأحد المنع»، قال أبو محمد: «وهذا القول مخالف للآثار، ويشبه في زمننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء»، وقال النقاش: «إن هذه الآية نسخها قوله تعالى: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرًّا وعلانيةً} [البقرة: 274]، وقوله: {فنعمّا هي} ثناء على إبداء الصدقة، ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء»، واختلف القراء في قوله: {فنعمّا هي}، فقرأ نافع في غير رواية ورش، وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل «فنعمّا» بكسر النون وسكون «فنعمّا» بكسر النون والعين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «فنعمّا» بفتح النون وكسر العين وكلهم شدد الميم، قال أبو علي: «من قرأ بسكون العين لم يستقم قوله، لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بحرف مد ولين، وإنما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الأول حرف مد، إذ المد يصير عوضا من الحركة، وهذا نحو دابة وضوال وشبهه»، ولعل أبا عمرو أخفى الحركة واختلسها كأخذه بالإخفاء في باريكم ويأمركم فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف، ذلك في السمع وخفائه، وأما من قرأ «نعمّا» بكسر النون والعين فحجته أن أصل الكلمة «نعم» بكسر الفاء من أجل حرف الحلق، ولا يجوز أن يكون ممن يقول «نعم» ألا ترى أن من يقول هذا قدم ملك فيدغم، لا يدغم، هؤلاء قوم ملك وجسم ماجد، قال سيبويه: «نعما» بكسر النون والعين ليس على لغة من قال «نعم» فأسكن العين، ولكن على لغة من قال «نعم» فحرك العين»، وحدثنا أبو الخطاب: «أنها لغة هذيل وكسرها كما قال لعب ولو كان الذي قال «نعما» ممن يقول نعم بسكون العين لم يجز الإدغام».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «يشبه أن هذا يمتنع لأنه يسوق إلى اجتماع ساكنين»، قال أبو علي: «وأما من قرأ «نعمّا» بفتح النون وكسر العين فإنما جاء بالكلمة على أصلها وهو نعم ومنه قول الشاعر:
ما أقلّت قدماي أنهم = نعم الساعون في الأمر المبر
ولا يجوز أن يكون ممن يقول قبل الإدغام «نعم» بسكون العين، وقال المهدوي: «وذلك جائز محتمل، وتكسر العين بعد الإدغام لالتقاء الساكنين»، قال أبو علي: «وما من قوله «نعما» في موضع نصب»، وقوله هي تفسير للفاعل المضمر قبل الذكر والتقدير: نعم شيئا إبداؤها. والإبداء هو المخصوص بالمدح، إلا أن المضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويدلك على هذا قوله فهو خيرٌ لكم أي الإخفاء خير، فكما أن الضمير هنا للإخفاء لا للصدقات، فكذلك أولا الفاعل هو الإبداء، وهو الذي اتصل به الضمير، فحذف الإبداء وأقيم ضمير الصدقات مقامه، واختلف القراء في قوله تعالى: {ونكفّر عنكم} فقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: «ونكفر» بالنون ورفع الراء، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: «ونكفر» بالنون والجزم في الراء، وروي مثل ذلك أيضا عن عاصم، وقرأ ابن عامر: «ويكفر» بالياء ورفع الراء، وقرأ ابن عباس وتكفر بالتاء وكسر الفاء وجزم الراء، وقرأ عكرمة: وتكفر بالتاء وفتح الفاء وجزم الراء، وقرأ الحسن: «ويكفر» بالياء وجزم الراء، وروي عن الأعمش أنه قرأ: ويكفّر بالياء ونصب الراء، وقال أبو حاتم: قرأ الأعمش: «يكفر» بالياء دون واو قبلها وبجزم الراء، وحكى المهدوي عن ابن هرمز أنه قرأ: «وتكفر» بالتاء ورفع الراء، وحكي عن عكرمة وشهر بن حوشب أنهما قرآها بتاء ونصب الراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فما كان من هذه القراءات بالنون فهي نون العظمة، وما كان منها بالتاء فهي الصدقة فاعلة»، إلا ما روي عن عكرمة من فتح الفاء فإن التاء في تلك القراءة إنما هي للسيئات، وما كان منها بالياء فالله تعالى هو المكفر، والإعطاء في خفاء هو المكفر، ذكره مكي وأما رفع الراء فهو على وجهين: أحدهما أن يكون الفعل خبر ابتداء، تقدير ونحن نكفر، أو وهي تكفر، أعني الصدقة، أو والله يكفر، والثاني: القطع والاستئناف وأن لا تكون الواو العاطفة للاشتراك لكن لعطف جملة على جملة، وأما الجزم في الراء فإنه حمل للكلام على موضع قوله تعالى: {فهو خيرٌ} إذ هو في موضع جزم جوابا للشرط، كأنه قال: وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم، ثم عطفه على هذا الموضع كما جاء قراءة من قرأ: {من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم} [الأعراف: 186] بجزم الراء وأمثلة هذا كثيرة، وأما نصب الراء فعلى تقدير «إن» وتأمل، وقال المهدوي: «هو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام». والجزم في الراء أفصح هذه القراءات، لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء. وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى، ومن في قوله: {من سيّئاتكم} للتبعيض المحض، والمعنى في ذلك متمكن، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: «من زائدة في هذا الموضع وذلك منهم خطأ»، وقوله: {واللّه بما تعملون خبيرٌ} وعد ووعيد). [المحرر الوجيز: 2/ 80-85]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ حميدٌ (267) الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا واللّه واسعٌ عليمٌ (268) يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكّر إلا أولو الألباب (269)}
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق -والمراد به الصّدقة هاهنا؛ قاله ابن عبّاسٍ -من طيّبات ما رزقهم من الأموال الّتي اكتسبوها. قال مجاهدٌ: «يعني التّجارة بتيسيره إيّاها لهم».
وقال عليٌّ والسّدّيّ: «{من طيّبات ما كسبتم} يعني: الذّهب والفضّة، ومن الثّمار والزّروع الّتي أنبتها لهم من الأرض».
قال ابن عبّاسٍ: «أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التّصدّق برذالة المال ودنيه -وهو خبيثه -فإنّ اللّه طيب لا يقبل إلّا طيّبًا، ولهذا قال: {ولا تيمّموا} أي: تقصدوا {الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه} أي: لو أعطيتموه ما أخذتموه، إلّا أن تتغاضوا فيه، فاللّه أغنى عنه منكم، فلا تجعلوا للّه ما تكرهون».
وقيل: معناه: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعدلوا عن المال الحلال، وتقصدوا إلى الحرام، فتجعلوا نفقتكم منه.
ويذكر هاهنا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا أبان بن إسحاق، عن الصّبّاح بن محمّدٍ، عن مرّة الهمداني، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «إن اللّه قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه اللّه الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده، لا يسلم عبدٌّ حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه». قالوا: وما بوائقه يا نبيّ اللّه؟. قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبدٌ مالًا من حرامٍ فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النّار، إنّ اللّه لا يمحو السّيّئ بالسّيّئ، ولكن يمحو السّيّئ بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث».
والصّحيح القول الأوّل؛ قال ابن جريرٍ: حدّثني الحسين بن عمرٍو العنقزيّ، حدّثني أبي، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ في قول اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} الآية. قال: «نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيّام جذاذ النّخل، أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلّقوه على حبلٍ بين الأسطوانتين في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرّجل منهم إلى الحشف، فيدخله مع أقناء البسر، يظنّ أنّ ذلك جائزٌ، فأنزل اللّه فيمن فعل ذلك: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} ».ثمّ رواه ابن جريرٍ، وابن ماجه، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، من طريق السدي، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء، بنحوه. وقال الحاكم: «صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: «نزلت فينا، كنّا أصحاب نخلٍ، وكان الرّجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلّته، فيأتي الرّجل بالقنو فيعلّقه في المسجد، وكان أهل الصّفّة ليس لهم طعامٌ، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه، فيسقط منه البسر والتّمر، فيأكل، وكان أناسٌ ممّن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو فيه الحشف والشّيص، ويأتي بالقنو قد انكسر فيعلّقه، فنزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو أنّ أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلّا على إغماضٍ وحياء، فكنّا بعد ذلك يجيء الرّجل منّا بصالح ما عنده».
وكذا رواه التّرمذيّ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الدّارميّ، عن عبيد اللّه -هو ابن موسى العبسيّ -عن إسرائيل، عن السّدّيّ -وهو إسماعيل بن عبد الرّحمن -عن أبي مالكٍ الغفاريّ -واسمه غزوان -عن البراء، فذكر نحوه.
ثمّ قال: وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا سليمان بن كثيرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ، عن أبيه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن لونين من التّمر: الجعرور ولون الحبيق. وكان النّاس يتيمّمون شرار ثمارهم ثمّ يخرجونها في الصّدقة، فنزلت: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}».
ورواه أبو داود من حديث سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ به. ثمّ قال: أسنده أبو الوليد، عن سليمان بن كثيرٍ، عن الزّهريّ، ولفظه: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصّدقة».
وقد روى النّسائيّ هذا الحديث من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة. ولم يقل: عن أبيه، فذكر نحوه. وكذا رواه ابن وهبٍ، عن عبد الجليل.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن المغيرة، حدّثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن معقل في هذه الآية: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} قال: «كسب المسلم لا يكون خبيثًا، ولكن لا يصّدّق بالحشف، والدّرهم الزّيف، وما لا خير فيه».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن حمّادٍ -هو ابن أبي سليمان -عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضبٍّ فلم يأكله ولم ينه عنه. قلت: يا رسول اللّه، نطعمه المساكين؟ قال: «لا تطعموهم ممّا لا تأكلون».
ثمّ رواه عن عفّان عن حمّاد بن سلمة، به. فقلت: يا رسول اللّه، ألّا أطعمه المساكين؟ قال: «لا تطعموهم ما لا تأكلون».
وقال الثّوريّ: عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن البراء {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: «لو كان لرجلٍ على رجلٍ، فأعطاه ذلك لم يأخذه؛ إلّا أن يرى أنّه قد نقصه من حقّه» رواه ابن جريرٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: «لو كان لكم على أحدٍ حقٌّ، فجاءكم بحقٍّ دون حقّكم لم تأخذوه بحساب الجيّد حتّى تنقصوه، قال: فذلك قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقّي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه!!» رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، وزاد: وهو قوله: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} [آل عمران:92]. ثمّ روى من طريق العوفيّ وغيره، عن ابن عبّاسٍ نحو ذلك، وكذا ذكر غير واحدٍ.
قوله: {واعلموا أنّ اللّه غنيٌّ حميدٌ} أي: وإن أمركم بالصّدقات وبالطّيّب منها فهو غنيٌّ عنها، وما ذاك إلّا ليساوي الغنيّ الفقير، كقوله: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم} [الحجّ: 37] وهو غنيٌّ عن جميع خلقه، وجميع خلقه فقراء إليه، وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه، فمن تصدّق بصدقةٍ من كسبٍ طيّبٍ، فليعلم أنّ اللّه غنيٌّ واسع العطاء، كريمٌ جوادٌ، سيجزيه بها ويضاعفها له أضعافًا كثيرةً من يقرض غير عديمٍ ولا ظلومٍ، وهو الحميد، أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير ابن كثير: 1/ 696-699]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا واللّه واسعٌ عليمٌ} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا هنّاد بن السّري، حدّثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السّائب، عن مرّة الهمداني، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إن للشّيطان للمّة بابن آدم، وللملك لمة، فأمّا لمّة الشّيطان فإيعادٌ بالشّرّ وتكذيبٌ بالحقّ، وأمّا لمّة الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحقّ. فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من اللّه، فليحمد اللّه، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ من الشّيطان». ثمّ قرأ: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرةً منه وفضلا} الآية. وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ في كتابي التّفسير من سننيهما جميعًا، عن هنّاد بن السّري. وأخرجه ابن حبّان في صحيحه، عن أبي يعلى الموصليّ، عن هنّاد، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، وهو حديث أبي الأحوص -يعني سلّام بن سليمٍ -لا نعرفه مرفوعًا إلّا من حديثه. كذا قال. وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عبد اللّه بن رسته، عن هارون الفروي، عن أبي ضمرة عن ابن شهابٍ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن مسعودٍ، مرفوعًا نحوه. ولكن رواه مسعر، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعودٍ. فجعله من قوله، واللّه أعلم.
ومعنى قوله تعالى: {الشّيطان يعدكم الفقر} أي: يخوّفكم الفقر، لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة اللّه، {ويأمركم بالفحشاء} أي: مع نهيه إيّاكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق، قال اللّه تعالى: {واللّه يعدكم مغفرةً منه} أي: في مقابلة ما أمركم الشّيطان بالفحشاء، {وفضلا} أي: في مقابلة ما خوّفكم الشّيطان من الفقر {واللّه واسعٌ عليمٌ} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 699-700]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يؤتي الحكمة من يشاء} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخّره، وحلاله وحرامه، وأمثاله».
وروى جويبر، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا: «الحكمة: القرآن. يعني: تفسيره»، قال ابن عبّاسٍ: «فإنّه قد قرأه البرّ والفاجر». رواه ابن مردويه. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: «يعني بالحكمة: الإصابة في القول».
وقال ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ: «{يؤتي الحكمة من يشاء} ليست بالنّبوّة، ولكنّه العلم والفقه والقرآن». وقال أبو العالية: «الحكمة خشية اللّه، فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ». وقد روى ابن مردويه، من طريق بقيّة، عن عثمان بن زفر الجهني، عن أبي عمّارٍ الأسديّ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: «رأس الحكمة مخافة اللّه». وقال أبو العالية في روايةٍ عنه: «الحكمة: الكتاب والفهم». وقال إبراهيم النخعي: «الحكمة: الفهم». وقال أبو مالكٍ: «الحكمة: السّنّة». وقال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، قال زيد بن أسلم: «الحكمة: العقل». قال مالكٌ: «وإنّه ليقع في قلبي أنّ الحكمة هو الفقه في دين اللّه، وأمرٌ يدخله اللّه في القلوب من رحمته وفضله، وممّا يبيّن ذلك، أنّك تجد الرّجل عاقلًا في أمر الدّنيا ذا نظرٍ فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا به، يؤتيه اللّه إيّاه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين اللّه». وقال السدي: «الحكمة: النبوة».
والصّحيح أنّ الحكمة -كما قاله الجمهور -لا تختصّ بالنّبوّة، بل هي أعمّ منها، وأعلاها النّبوّة، والرّسالة أخصّ، ولكن لأتباع الأنبياء حظٌّ من الخير على سبيل التبع، كما جاء في بعض الأحاديث: «من حفظ القرآن فقد أدرجت النّبوّة بين كتفيه غير أنّه لا يوحى إليه». رواه وكيع بن الجرّاح في تفسيره، عن إسماعيل بن رافعٍ عن رجلٍ لم يسمّه، عن عبد اللّه بن عمر وقوله.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع ويزيد قالا حدّثنا إسماعيل -يعني ابن أبي خالدٍ -عن قيسٍ -وهو ابن أبي حازمٍ -عن ابن مسعودٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجلٌ آتاه اللّه مالًا فسلّطه على هلكته في الحقّ، ورجلٌ آتاه اللّه حكمةً فهو يقضي بها ويعلّمها». وهكذا رواه البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ، وابن ماجه -من طرقٍ متعدّدةٍ -عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به.
وقوله: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} أي: وما ينتفع بالموعظة والتّذكار إلّا من له لبٌّ وعقلٌ يعي به الخطاب ومعنى الكلام). [تفسير ابن كثير: 1/ 700-701]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما أنفقتم من نفقةٍ أو نذرتم من نذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ (270) إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبيرٌ (271)}
يخبر تعالى بأنّه عالمٌ بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النّفقات والمنذورات وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده. وتوعّد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره وكذّب خبره وعبد معه غيره، فقال: {وما للظّالمين من أنصار} أي: يوم القيامة ينقذونهم من عذاب اللّه ونقمته). [تفسير ابن كثير: 1/ 701]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي} أي: إن أظهرتموها فنعم شيءٌ هي.
وقوله: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} فيه دلالةٌ على أنّ إسرار الصّدقة أفضل من إظهارها؛ لأنّه أبعد عن الرّياء، إلّا أن يترتّب على الإظهار مصلحةٌ راجحةٌ، من اقتداء النّاس به، فيكون أفضل من هذه الحيثيّة، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصّدقة».
والأصل أنّ الإسرار أفضل، لهذه الآية، ولما ثبت في الصّحيحين، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سبعةٌ يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة اللّه، ورجلان تحابّا في اللّه اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجلٌ قلبه معلّقٌ بالمسجد إذا خرج منه حتّى يرجع إليه، ورجلٌ ذكر اللّه خاليًا ففاضت عيناه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إنّي أخاف اللّه، ورجلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوّام بن حوشبٍ، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لمّا خلق اللّه الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرّت، فتعجّبت الملائكة من خلق الجبال، فقالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيءٌ أشدّ من الجبال؟ قال: نعم، الحديد. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيءٌ أشدّ من الحديد؟ قال: نعم، النّار. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيءٌ أشدّ من النّار؟ قال: نعم، الماء. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيءٌ أشدّ من الماء؟ قال: نعم، الرّيح. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيءٌ أشدّ من الرّيح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدّق بيمينه فيخفيها من شماله».
وقد ذكرنا في فضل آية الكرسيّ، عن أبي ذرٍّ قال: «قلت: يا رسول اللّه، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «سرٌّ إلى فقيرٍ، أو جهدٌ من مقل». رواه أحمد، ورواه ابن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذرٍّ فذكره. وزاد: «ثمّ نزع بهذه الآية: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} الآية».
وفي الحديث المرويّ: «صدقة السّرّ تطفئ غضب الرّبّ، عزّ وجلّ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا الحسين بن زيادٍ المحاربيّ مؤدّب محاربٍ، أخبرنا موسى بن عميرٍ، عن عامرٍ الشّعبيّ في قوله: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم} قال: «أنزلت في أبي بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما، فأمّا عمر فجاء بنصف ماله حتّى دفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما خلّفت وراءك لأهلك يا عمر؟». قال: خلّفت لهم نصف مالي، وأمّا أبو بكرٍ فجاء بماله كلّه يكاد أن يخفيه من نفسه، حتّى دفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما خلّفت وراءك لأهلك يا أبا بكرٍ؟». فقال: عدة اللّه وعدة رسوله. فبكى عمر، رضي اللّه عنه، وقال: بأبي أنت يا أبا بكرٍ، واللّه ما استبقنا إلى باب خيرٍ قط إلا كنت سابقا.
وهذا الحديث مرويٌّ من وجهٍ آخر، عن عمر، رضي اللّه عنه. وإنّما أوردناه هاهنا لقول الشّعبيّ: «إنّ الآية نزلت في ذلك، ثمّ إنّ الآية عامّةٌ في أنّ إخفاء الصّدقة أفضل، سواءً كانت مفروضةً أو مندوبةً». لكن روى ابن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في تفسير هذه الآية، قال: «جعل اللّه صدقة السّرّ في التّطوّع تفضل علانيتها، فقال: بسبعين ضعفًا. وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها، فقال: بخمسةٍ وعشرين ضعفًا».
وقوله: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم} أي: بدل الصّدقات، ولا سيّما إذا كانت سرًّا يحصل لكم الخير في رفع الدّرجات ويكفّر عنكم السّيّئات، وقد قرئ: "ويكفّر عنكم" بالضّمّ، وقرئ: "ونكفّر" بالجزم، عطفًا على جواب الشّرط، وهو قوله: {فنعمّا هي} كقوله: {فأصّدق وأكن}.
وقوله: {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، وسيجزيكم عليه سبحانه وبحمده ). [تفسير ابن كثير: 1/ 701-703]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة