سورة الحج
[من الآية (15) إلى الآية (16) ]
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}
قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ ليقطع.. (15) (ثم ليقضوا تفثهم (29)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا) بكسر اللام فيهما.
وقرأ ابن عامر (ثم ليقطع) (ثم ليقضوا)... وليوفوا... وليطوٌفوا) بكسر اللام في الأربعة أحرف.
وروى ورشٌ وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع مثل أبي عمرو.
وقال قنبل عن ابن كثير (ثم ليقضوا) بكسر اللام في هذه وحدها.
وقرأ الباقون بالجزم فيهن كلهن.
وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليوفوا نذورهم) بتشديد الفاء، وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هذه اللامات في هذه المواضع مكسورة في الأصل، وإنما سكنها من سكنها إذا وصلت بحروف العطف؛ لأن التسكين أخف كما قال "وهو على ذلك قدير" "وهي قالت ذلك" تسكّن الهاء إذا وصلت بحروف العطف، أعنى: الواو والفاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/176]
وأما من اختار كسر اللام في (ثم ليقضوا) فلأن الوقوف على (ثم) يحسن، ولا يحسن على الفاء والواو، وعلى أن أكثر القراءة على تسكين اللام.
وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قوله: (ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق (29).
قوله: (وليوفوا... وليطوفوا)
مجزومتان مع الواو والفاء.
فأما قوله: (ثم ليقطع) (ثمّ ليقضوا) فمكسورتان حين لم يكن لهما عماد: واو ولا فاء.
والعماد: ما يلزق باللام، و(ثمّ) لا يلزق باللام.
وأنشد لـ لبيد:
فإن لم تجد من دون عدنان باقيا... ودون معا فالتزعك العواذل
جزمت اللام بالعماد للأمر.
وقال: (وليكتب بينكم). (فليملل وليّه)، (فلتقم طائفة... ولتأت طائفة) مجزومات للواو والفاء). [معاني القراءات وعللها: 2/177] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر لام الأمر وإسكانها من قوله: ثم ليقطع [الحج/ 15] ثم ليقضوا [الحج/ 29].
فقرأ ابن كثير: (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، ولم يكسر غيرها، هذه رواية القواس عنه. وقال البزي: اللام مدرجة. قال: يعني بمدرجة: ساكنة.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: (ثمّ ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، زاد ابن عامر: (وليوفوا) [الحج/ 29]، (وليطوفوا) [الحج/ 29] بكسر لام الأمر فيهما.
واختلف عن نافع، فقال إسماعيل بن جعفر وأحمد والقاضي عن قالون وإسحاق وإسماعيل بن أبي أويس: ثم ليقطع ثم ليقضوا ساكنتي اللام، وقال ورش وأبو بكر بن أبي أويس: (ثم ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورتي اللام مثل أبي عمرو.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ثم ليقضوا وليفوا، ثم ليقطع، وليطوفوا اللام للأمر ساكنة في كلّ القرآن، إذا كان ما قبلها واو أو فاء أو ثم.
قال أبو علي: أصل هذه اللام الكسر، يدلّ على ذلك أنك إذا ابتدأت بها فقلت: ليقم زيد، كسرتها لا غير، فإذا ألحقت الكلام الذي فيه اللام الواو أو الفاء أو ثمّ، فمن أسكن مع الفاء والواو فلأن الفاء والواو يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: كتف، لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كتف وفخذ، فقلت:
[الحجة للقراء السبعة: 5/269]
وليقضوا. فإذا كان موضع الفاء والواو (ثمّ) لم يسكنه أبو عمرو، لأن ثمّ ينفصل بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فليست في هذا كالفاء والواو، ومن قال: ثم ليقضوا شبّه الميم من ثم، بالفاء والواو، فيجعل فليقضوا، من (ثم ليقضوا) بمنزلة الفاء والواو، وجعله كقولهم:
«أراك منتفخا» فجعل «تفخا» من منتفخا مثل كتف، فأسكن اللام وعلى هذا قول العجاج:
فبات منتصبا وما تكردسا ومثل ذلك قولهم: (وهي) [هود/ 42] فهي كالحجارة [البقرة/ 74].
وأما اختلاف الرواية عن نافع فإحداهما على قول من قال: (فهي) (وهي) والأخرى على قول من قال: (فهو) [الإسراء/ 97] (وهو) [البقرة/ 85] ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا لاجتماعهما في الجواز). [الحجة للقراء السبعة: 5/270] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} 15 و30
قرأ أبو عمرو وورش عن نافع وابن عامر (ثمّ ليقطع ثمّ ليقضوا) بكسر اللّام فيهما دخل القواس معهم في قوله {ثمّ ليقضوا} وحجتهم أن أصل هذه اللّام الكسر إذا كانت مبتدأة فلمّا جاءت بعد كلمة يمكن السّكوت عليها والابتداء بما بعدها كانت اللّام كالمبتدأ فأتوا بها على أصلها لذلك وزاد ابن عامر {وليوفوا} و{وليطوفوا}
وقرأ الباقون {ثمّ ليقطع} {ثمّ ليقضوا} بسكون اللّام وحجتهم أن أصلها السّكون وإنّما تكسر إذا وقعت ابتداء فإذا كان قبلها حرف متّصل بها رجعت اللّام على الأصل وأصلها السّكون ويقوّي هذا إجماع الجميع على إسكان قوله {فليعمل عملا صالحا} و{وليضربن بخمرهنّ} فإن قيل لم فصل أبو عمرو بين ثمّ والواو فكسر عند ثمّ ولم يكسر عند الواو قيل إنّما فصل بينهما لأن ثمّ تنفصل من اللّام وأصل لام الأمر الكسر إذا ابتدئ بها وسكن إذا كان ما قبلها ما لا ينفصل منها وهو الواو والفاء أما ثمّ فإنّك تقف عليها إذا شئت وتستأنف بعدها فلذلك فرق
[حجة القراءات: 473]
أبو عمرو بينهما ومثل هذا {ثمّ هو يوم القيامة} بالتثقيل وهو فهو بالتّخفيف). [حجة القراءات: 474] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ثم ليقطع}، {ثم ليقضوا}، {وليوفوا}، {وليطوفوا} قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر: «ثم لقطع» بكسر اللام، وأسكن الباقون، ومثله في {ثم ليقضوا} غير أن قنبلا معهم على الكسر. وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/116]
ابن ذكوان {وليوفوا}، {وليطوفوا} بكسر اللام فيهما، وقرأ الباقون بالإسكان، وتفرد أبو بكر بتشديد الفاء، وفتح الواو في {وليوفوا}.
وحجة من كسر أنها لامات أمر، أصلها الكسر، فأتى بها على الأصل، كما لو ابتدأ بها لم تكن إلا مكسورة، فأجارها مع حرف العطف مجراها بغير حرف في الابتداء وكأنه لم يعتد بحرف العطف، وهو الاختيار.
4- وحجة من أسكن أنه على التخفيف للكسرة، فأسكنها وكأنه اعتد بحرف العطف، وقد منع المبرد إسكان اللام مع {ثم} لأنها كلمة يوقف عليها وكذلك منع الإسكان في {ثم هو} ولم يجزه.
5- وحجة من شدد الفاء أنه بناه على {وفّى} للتكثير، كما قال: {وإبراهيم الذي وفّى} «النجم 37».
6- وحجة من خففه أنه بناه على «أوفى» الذي يقع للقليل والكثير كما قال: {وأوفوا بعهد الله} «النحل 91» هما لغتان، فأما من أسكن اللام مع الواو وكسرها مع {ثم} فإنه لما رأى {ثم} قد تنفصل من اللام ويمكن الوقف عليها قدر أن اللام يبتدأ بها فكسرها، ولما رأى الواو لا تنفصل من اللام ولا يوقف عليها دون اللام قدر اللام متوسط فأسكن استخفافًا. وقد مضى نحو هذه العلة في {ثم هو} وهو أول البقرة، فأما من أسكن معها، أو كسر، ولم يفرق بينهما، فإنه لما رآهما حرفي عطف، متصلين بلام أجرى اللام معها مجرى واحد، فأسكن استخفافًا أو كسر على الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/117] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}[آية/ 15] {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، {وَلْيُوفُوا}، {وَلْيَطَّوَّفُوا}[آية/ 29] بكسر اللام في الأحرف الأربعة:
قرأها ابن عامر.
والوجه أنه هو الأصل في لام الأمر؛ لأن الأصل في هذه اللام أن تكون مكسورة، نحو قولك: ليذهب زيد، وإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام الابتداء الداخلة على الاسم نحو لزيد أفضل من عمروٍ، وإن هذا لزيد، فإنها مفتوحة، وكسرت هذه للفرق.
[الموضح: 873]
فقراءة ابن عامر على الأصل في كسر هذه اللام.
وقرأ أبو عمرو ونافعٌ- ش- ويعقوب- يس- {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}{ثُمَّ لْيَقْضُوا}مكسورتي اللام، وأسكنوا الآخريين.
والوجه أنهم يجرون لام الأمر إذا كان يتقدمه ثم على الأصل من الكسر، وإذا تقدمه الفاء أو الواو فإنهم يجعلونهما مع اللام بمنزلة ما هو من نفس الكلمة؛ لأن كل واحدٍ من الواو والفاء لا ينفرد بنفسه، فصار مع الكلمة بمنزلة كتفٍ وفخذٍ، فكما جاز إسكان الأوسط من كتفٍ وفخذٍ فكذلك يجوز إسكان هذا اللام.
وأما ترك إسكان اللام مع ثم، فلأن ثم ينفصل عن الكلمة وينفرد بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فلا يصير بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، وليس كذلك الفاء والواو.
وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في الأحرف الأربعة، وكذلك البزي عن ابن كثير، و- ن- و- يل- عن نافع، و- ح- عن يعقوب.
والوجه أنهم جعلوا الفاء والواو بمنزلة ما هو من نفس الكلمة على ما تقدم، وأجروا ثم أيضًا مجرى الفاء والواو، فأسكنوا اللام مع الكل؛ لأنهم شبهوا الميم من ثم بمنزلة الواو أو الفاء، فكأنهم جعلوا مليقضوا بمنزلة فليقضوا، قال العجاج:
[الموضح: 874]
99- فبات منتصبًا وما تكردسا
فأجرى: تصبًا من منتصبًا بمنزلة فخذٍ، فأسكن الصاد، هذا في المتصلِ، ومثله في المنفصلِ قول الآخر:
100- قالت سليمى اشتر لنا دقيقً
أجرى: ترل بمنزلة فخذ فأسكن الراء.
وروى- ل- عن ابن كثير حرفًا واحداً بالكسر {ثُمَّ لْيَقْضُوا}، وأسكن الباقي.
والوجه أنه أراد الأخذ بالوجهين؛ لاشتراكهما في الجواز). [الموضح: 875] (م)
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}