العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 صفر 1440هـ/16-10-2018م, 09:47 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي توجيه القراءات في سورة المائدة

توجيه القراءات في سورة المائدة


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 صفر 1440هـ/16-10-2018م, 09:48 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي مقدمات سورة المائدة

مقدمات توجيه القراءات في سورة المائدة
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة المائدة). [معاني القراءات وعللها: 1/324]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي تُذكر فيها (المائدة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/141]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [ذكر اختلافهم في سورة المائدة]). [الحجة للقراء السبعة: 3/195]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [تمّت سورة المائدة والحمد لله وحده] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/284]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة المائدة). [المحتسب: 1/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (5 - سورة المائدة). [حجة القراءات: 219]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة المائدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/404]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة المائدة). [الموضح: 435]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مدنية إلا آية نزلت بعرفات قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية «3»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/404]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائة واثنتان وعشرون آية في المدني، ومائة وعشرون في الكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/404]

ياءات الإضافة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- في هذه السورة ست ياءات إضافة:
قوله: {يدي إليك} «28» فتحها نافع وأبو عمرو وحفص.
{إني أخاف} «28»، {لي أن أقول} «116»، فتحها الحرميان وأبو عمرو، و{إني أري} «29» {فإني أعذبه} «115» فتحها نافع، {وأمي إلهين} «116» فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/424]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ست ياءات هن:-
{يَدِيَ إِلَيْكَ}، {إِنِّي أَخَافُ الله}، {إِنِّي أُرِيدُ}، {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ}، {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ}، {لِي أَنْ أَقُولَ}.
ففتحهن كلهن نافع، وفتح ابن كثير اثنتين {إِنِّي أَخَافُ الله}، {لِي أَنْ أَقُولَ} وأسكن الباقي، وأسكن أبو عمرو اثنتين {إِنِّي أُرِيدُ} و{فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} وفتح الباقي، وفتح عاصم في رواية -ص- اثنتين {يَدِيَ إِلَيْكَ} و{وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} وأسكن البواقي، وفتح ابن عامر واحد {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} وأسكن البواقي، ولم يفتح حمزة والكسائي وعاصم -ياش- ويعقوب منهن شيئا.
والوجه أن الفتح في هذه الياءات هو الأصل، والإسكان تخفيف وتشبيه للياء بالألف، وقد ذكرنا ذلك فيما قبل). [الموضح: 458]

الياءات المحذوفة:
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ياءان حذفتا من الخط:
[الموضح: 458]
إحداهما: {وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ}، أثبتها يعقوب في الوقف، وهي تندرج في الوصل.
والثانية: {وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا}، (أثبتها) في الحالين يعقوب، وأثبت أبو عمرو ونافع -يل- الياء في {وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا} في الوصل دون الوقف، وحذفهما الباقون في الحالين.
والوجه أن الياء التي بعد النون في مثل ذلك ياء ضمير، والنون دعامة ألحقت ليبقى آخر الكلمة على حالها ولا يتغير لأجل الياء، فألحقت النون لتكسر لأجل الياء، ولا يتطرق التغيير إلى ما قبل النون، لكنهم أرادوا تخفيف الكلمة فحذفوا الياء، واكتفوا بالنون المكسورة عن الياء، وإذا أنهم يكتفون بالكسرة وحدها عن الياء، فلأن يكتفوا بالنون والكسرة جميعًا أولى، فحذف الياء من {اخْشَوْنِ} للتخفيف، وإثباتها على الأصل، ومن أثبت البعض وحذف البعض فأراد الأخذ باللغتين، ومن أثبت في الوصل دون الوقف فلان الوقف موضع تغيير). [الموضح: 459]

الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فيها زائدة قوله: {واخشون} الثاني «44» قرأه أبو عمرو بياء في الوصل خاصة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/424]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:26 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ الآية (1) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة الحسن وإبراهيم ويحيى بن وَثَّاب: [وَأَنْتُمْ حُرْم] بإسكان الراء.
قال أبو الفتح: هذه اللغة تميمية، يقول في رُسُل: رُسْل، وفي كُتُب: كُتْب، وفي دجاج بُيُض: دجاج بِيض؛ وذلك أنه صار إلى فُعْل، فجرى مجرى جمع أبيض إذا قلت: بِيض.
واعلم من بعد هذا أن إسكان [حُرْم] كأن له مزية على إسكان كُتُب؛ وذلك أن في الراء تكريرًا، فكادت تكون الراء الساكنة لما فيها من التكرير في حكم المتحركة لزيادة الصوت بالتكرير نحوًا من زيادته بالحركة، وكذلك الكلام في جِراب وجُرُب وسِراج وسُرُج، وكذلك القول فيما جاء عنهم من تكسير فرد على أفراد، فيه هذا المعنى الذي ذكرناه؛ وذلك أن التكرير في راء فرد كاد يكون كالحركة فيها فصار [فَرْد] وإن كان فَعْلًا ساكن العين، كأنه فَعْلٌ محركها، وقد تقصيت في هذا كتاب المحاسن وبسطته هناك ونظائره). [المحتسب: 1/205]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:30 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ الآية (2) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قول الله جلّ وعزّ: (ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ... (2)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (شنئان قومٍ) خفيفة، وقرأ حفص بالتثقيل مثل حمزة، واختلف عن نافع فروى عنه قالون وورش والأصمعي وابن جماز مثل أبي عمرو، وقد روى عند إسماعيل
[معاني القراءات وعللها: 1/324]
والمسيبي والواقدي مثل قراءة ابن عامر.
وقرأ الباقون (شنئان) مثقلاً.
قال أبو منصور: من قرأ (شنئان قومٍ) مثقلا فمعناه: بغض قوم، وهو مصدر قولك: شنأته أشنؤه شنئا وشنآئا، مثل الدّرجان والهملان.
ومن قرأ (شنئان قومٍ) فهو نعت كأنه قال: لا يحملنّكم بغيض قوم، ولا يكسبنكم مبغض قوم). [معاني القراءات وعللها: 1/325]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن صدّوكم... (2).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إن صدّوكم) بكسر الألف، وقرأ الباقون (أن صدّوكم) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (أن صدّوكم) بفتح الألف فالمعنى: لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وموضعه النصب، أي: لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء.
[معاني القراءات وعللها: 1/325]
ومن قرأ (إن صدّوكم) بالكسر فهو جزاء، المعنى: إن يصدوكم). [معاني القراءات وعللها: 1/326]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنئان قوم} [2].
قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {شنئان} بإسكان النون، وأنشد:
فأمسى كعبها كعبا وكانت = من الشنئآن قد دعيت كعابا
وقرأ الباقون: {شنئآن} محركًا، وهو الاختيارُ؛ لأن المصادر مما أوله مفتوح جاء محركًا لمحو الغليان والنزوان والهملان، والإسكان قليل، وإنما يجيء المسكن في المضموم والمكسور.
وقال آخرون: الشنآن بالإسكان الاسم، والشنئآن بالفتح المصدر، والتقدير: لا يحملنكم بغضاء قوم وبغض قوم أن تعتدوا، وتقول
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/141]
العرب شنئته أشنوه شنأ وشنأ، وشنأ، وشنآنا، شنأنا، وشنانا بغير همز وينشد:
وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي = وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
واجتمعت القراء على {ولا يجرمنكم} بفتح الياء من جرم: إذا كسب، يقال: فلان جريمة قومه، أي: كاسبهم إلا الأعمش ويحييى فإنهما قرآ {ولا يجرمنكم} بضم الياء جعلوه لغتين: جرم وأجرم، والاختيار جرم، أي: كسب. وأجاز ابن الأعرابي: أكسب، وهو شاذ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/142]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {أن صدوكم عن المسجد الحرام} [2].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إن صدوكم} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/142]
فمن كسر جعله شرطًا، واحتج بأن في مصحف عبد الله: {إن يصدوكم} والاختيار الفتح؛ لأن الصدود وقع من الكفار، والمائدة آخر ما نزل من القرآن، والتقدير: ولا يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا لأن صدوكم، وهذا بين جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/143]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وإسكانها من شنآن [المائدة/ 2].
فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن كثير: شنآن متحركة النون.
وقرأ ابن عامر: شنان ساكنة النون.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر شنان ساكنة النون، وروى عنه حفص شنآن متحركة النون.
واختلف عن نافع أيضا فروى عنه إسماعيل بن جعفر، والمسيّبي والواقديّ: شنان ساكنة النون. وروى عنه ابن جمّاز والأصمعيّ وورش وقالون: شنآن متحركة النون.
قال أبو علي: تأويل لا يجرمنكم: لا يكسبنكم أن تعتدوا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/195]
فيجرمنّكم: فعل متعد إلى مفعولين، كما أنّ يكسبنكم كذلك.
ويدلّ على ذلك قول الشّاعر في صفة عقاب:
جريمة ناهض في رأس نيق... ترى لعظام ما جمعت صليبا
وقوله: «جريمة ناهض» يحتمل تقديرين: أحدهما:
جريمة قوت ناهض أي: كاسب قوته، وقد قالوا: ضارب قداح، وضريب قداح، وعارف وعريف. والآخر: أن لا يقدّر حذف المضاف، وتضيف جريمة إلى ناهض، والمعنى كاسب ناهض، كما تقول: بديع كاسب مولاه، تريد: أنّه يسعى له ويردّ عليه. فجرم يستعمل في الكسب وما يردّ سعي الإنسان عليه. وأما أجرم ففي اكتساب الإثم، قال [جلّ وعزّ]: إنا من المجرمين منتقمون [السجدة/ 22].
[الحجة للقراء السبعة: 3/196]
وقال تعالى: فعلي إجرامي [هود/ 35] والتقدير: فعلي عقوبة إجرامي، أو إثم إجرامي، ومعنى: لا يجرمنكم شنآن قوم: لا تكتسبوا لبغض قوم عدوانا ولا تقترفوه. ومن فتح أن وقع النهي في اللفظ على الشنآن، والمعنيّ بالنهي: المخاطبون، كما قالوا: لا أرينّك هاهنا، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران/ 102]. وكذلك قوله: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم [هود/ 89] ف أن يصيبكم المفعول الثاني، وأسماء المخاطبين المفعول الأول، كما أنّ المفعول الأول في الآية الأخرى المخاطبون، والثاني قوله: أن تعتدوا ولفظ النهي واقع على الشقاق والمعنيّ بالنهي المخاطبون بها.
وقال أبو زيد: شنئت الرجل أشنؤه شنأ، وشنآنا، وشنأ، ومشنأة: إذا أبغضته. ويذهب سيبويه إلى أن ما كان من المصادر على فعلان لم يتعدّ فعله قال: إلّا أن يشذّ شيء نحو: شنأته شنآنا. ولا يجوز أن يكون شنأته يراد به حرف الجر والحذف، كما قال سيبويه في فرقته، وحذرته إنّ أصله حذرت منه. وذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/197]
أن اسم الفاعل منه جاء على فاعل نحو شانئ وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] وقال:
لشانئك الضّراعة والكلول فهذا يقوي أنه مثل: علم يعلم فهو عالم، وشرب يشرب فهو شارب، ونحو ذلك من المتعدي.
ومما يقوي ذلك: أن شنأته في المعنى مثل أبغضت، فلما كان بمعناه عدّي كما عدّي أبغضت، كما أنّ الرفث لما كان بمعنى الإفضاء عدّي بالجار كما عدي الإفضاء به.
ومما يدل على تعدّيه ما حكاه أبو زيد في مصدره في الشّنء والشنء، فالشنء مثل: الشّتم، والشنء مثل الشغل.
وقال سيبويه: وقالوا: لويته حقّه ليّانا، على فعلان.
فيجوز على هذا: أن يكون شنآن فيمن أسكن النون مصدرا كاللّيّان، فيكون المعنى: لا يجرمنكم بغض قوم، كما كان التقدير
[الحجة للقراء السبعة: 3/198]
فيمن فتح كذلك، وقال أبو زيد: رجل شنان وامرأة شنآنة، مصروفان. قال: وقد يقال: رجل شنآن بغير صرف، ولأنك تقول: امرأة شنأى. أبو عبيدة: شنان قوم: بغضاء قوم، وهي متحركة الحروف: مصدر شنئت، وبعضهم يسكن النون الأولى، وأنشد للأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي... وإن لام
فيه ذو الشّنان وفنّدا قال أبو عبيدة: وشنئت في موضع آخر معناه: أقررت وبؤت به، وأخرجته وأنشد للعجاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم وشنئوا الملك لملك ذي قدم وقال الفرزدق:
ولو كان هذا الأمر في جاهليّة... شنئت به أو غصّ بالماء شاربه
[الحجة للقراء السبعة: 3/199]
انتهى كلام أبي عبيدة. [قال أبو علي] وفي قوله:
بعضهم يسكن النون الأولى يدلّ على أنّ الشنان بإسكان النون مصدر كما أن الشنان كذلك.
فأما الشنان على فعلان، فإن فعلان قد جاء مصدرا وجاء وصفا، وهما جميعا قليلان. فممّا جاء فيه فعلان مصدرا ما حكاه سيبويه من قولهم: لويته حقه ليّانا، فيجوز على قياس هذا، وإن لم يكثر أن يكون شنان مثله، في أنّه مصدر على أنّ في قول أبي عبيدة دلالة على أن شنان المسكن العين مصدر. ويجوز أن يكون وصفا على فعلان، وفعلان أيضا في الوصف ليس بالكثير إذا لم يكن له فعلى، فمما جاء من فعلان صفة لا فعلى له ما حكاه سيبويه من قولهم: خمصان، وحكى غيره ندمان قال:
وندمان يزيد الكأس طيبا وأنشد أبو زيد ما ظاهره أن يكون فعلان فيه صفة، وهو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/200]
لما استمرّ بها شيحان مبتجح... بالبين عنك بها يرآك شنانا
ويقرب أن يكون مثل شنان في أنّه فعلان، وإن كان شنآن له مؤنث هو شنأى. فيما حكاه أبو زيد، وليس لشيحان.
فإن قلت: فلم لا يكون شاح يشيح مما يجوز أن يكون منه فعلان له مؤنث على فعلى، كما أنّ عام يعيم، وعيمان كذلك.
فإنّه لا يكون مثله، ألا ترى أن يقول: إنّ قولهم في مصدره:
عيمة، ولحاق علامة التأنيث به صار بدلا من تحريك العين، فجاء فيه فعلان وفعلى، كما جاء فيما كان مصدره على فعل، نحو:
العطش، فمن ثمّ جاء: غرت تغار غيره وغيران وغيرى، وحرت تحار حيرة وحيران وحيرى، وليس شيحان كذلك، ألا ترى أنّه قد جاء:
.... وشايحت قبل اليوم إنك شيح
[الحجة للقراء السبعة: 3/201]
وفاعل في أكثر الأمر يجيء فيما كان على فعل نحو: ضارب وضرب،
وجاء في الحديث: «أعرض وأشاح»
. فأما ترك صرف شيحان في البيت مع أنه لا فعلى له، فإنّه يجوز أن يكون اسما علما، ويجوز أن يكون على قول من يجيز ترك صرف ما ينصرف في الشعر.
فأمّا الشنان فإن فعلانا يجيء على ضربين: أحدهما: اسم، والآخر: وصف. والاسم على ضربين؛ أحدهما أن يكون مصدرا، كالنّقزان، والنّغران، والغليان، والنّفيان، والطّوفان، والنّعبان والغثيان، وعامّة ذلك يكون معناه: التحرّك، والتقلّب، فالشنان على ما جاءت عليه هذه المصادر. والاسم الذي ليس بمصدر نحو: الورشان والعلجان. وأما مجيء فعلان وصفا فنحو: الزّفيان والقطوان، والصميان، ومن ذلك ما حكاه أبو زيد [من
[الحجة للقراء السبعة: 3/202]
قولهم]: إن عدوك لرضمان، أي: ثقيل؛ إذا ثقل عدوه مثل عدو الشيخ الكبير.
وقال أبو زيد أيضا: يقال: كبش آل، مثل: عال، وأليان، وكباش ألي، مثل: عمي، ونعجة أليانة. وأليانتان، وأليانات، وكبش أليان، وكباش أليانات، مثل: أتان قطوانة، وحمار قطوان: إذا لم يكن سهل السير، وقطوانتان وقطوانات قال: وهو من قولك قطا يقطو قطوا وقطوّا، إذا قارب بين خطوه، فإن قلت: كيف لا يكون نحو رضمان وصميان، مصادر وليست بصفات، وإن كان قد جرى على الموصوف كما أنّ عدلا ورضى كذلك؟ فالذي يدل على أنّ هذه الأسماء صفات وليست بمصادر مجيئها في نحو: كبش أليان، فلا يخلو هذا من أن يكون وصفا أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون مصدرا لأنّ مصادر نحو: نعجة ألياء، لا يخلو من أن يكون من نحو:
الحمرة والصفرة، أو الصلع والفطس، ولم يجيء منه شيء على فعلان فيما علمنا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو زيد في أليان من التأنيث والتثنية والجمع، وهذا إنّما يكون في الصفات، ولا يكاد
[الحجة للقراء السبعة: 3/203]
يجيء ذلك في المصادر. وما حكي من تأنيث زور وعدل ليس بالشائع، فأما ما أنشده أبو عبيدة من قول الأحوص:
وإن عاب فيه ذو الشّنان وفنّدا فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على التخفيف القياسي كقولك في تخفيف: ملآن وظمئان: ظمان وملآن، تحذفها وتلقي حركتها على ما قبلها، والآخر أن يكون على حذف الهمزة التي هي لام، كما حذفت من السّواية التي أصلها سوائية، مثل الكراهية، وكما يذهب إليه أبو الحسن في أشياء: أنّه جمع شيء، على أفعلاء، كما قيل: سمح وسمحاء، فحذفت الهمزة التي هي لام فأما الأظهر في قوله: ذو الشنان، فأن يكون مصدرا كاللّيان، ألا ترى أنه قد أضيف إليه ذو، فلا يكون من أجل ذلك وصفا. فإن قلت: قد جاء (ذو) في مواضع غير معتدّ بها كقول الشماخ:
وأدمج دمج ذي شطن بديع فإنّ حمله على الوجه الأوّل أقرب عندنا. وأمّا ما حكاه أبو زيد من قولهم: كبش آل، على مثال: فاعل، فشاذ، وكان القياس أن يكون أليى على أفعل، مثل: أعمى. فأما ما حكاه من
[الحجة للقراء السبعة: 3/204]
قولهم: كباش ألي فيجوز أن يكون الجمع وقع على القياس الذي كان يجب في الكلمة كأحمر وحمر، ويجوز أن يكون كبزل وعيط. ومن قال: شنآن وشنأى [وقد حكاهما أبو زيد] مثل عطشان وعطشى، وحرّان وحرّى، فشنئت على هذا غير متعدّ، كما أن عطش كذلك، لأنّ هذا المصدر في أكثر الأمر ينبغي أن يكون الشنء أو الشنء مثل الشّنع، وقد حكاه أبو زيد. ومصدر هذا الذي لا يتعدّى ينبغي أن يكون الشنان، مثل الغليان والطّوفان [لأن هذا هو المصدر في أكثر الأمر]، ويجوز أن يكون الشنان بتسكين العين مثل اللّيّان، ومن زعم أنّ فعلان إذا أسكنت عينه لم يك مصدرا، فقد أخطأ، لأنّ أبا زيد قد حكى في عيمان أيمان أنّ بني تميم تنصب اللام فتقول: لويته حقه ليّانا بنصب اللام. ومن قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/205]
شنئت العقر عقر بني شليل * و: لشانئك الضّراعة والكلول وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] كان شنئت على قوله متعديا، وليس كالوجه الأوّل، ولكن تجعله في التقدير مثل شربت ولقمت، ومثل هذا أنّه جاء الفعل منه على ضربين من التعدّي.
وغير التعدي قولهم: جزل السّنام يجزل، وقالوا: جزلته. قال:
منع الأخيطل أن يسامي قومنا... شرف أجبّ وغارب مجزول
فهذا يدلّ على جزلته. ومن ذلك: القصم والقصم، فالقصم مصدر قصم. وفي التنزيل: وكم قصمنا من قرية [الأنبياء/ 11] وقال الأعشى:
ومبسمها عن شتيت النبا... ت غير أكسّ ولا منقصم
[الحجة للقراء السبعة: 3/206]
وقال آخر:
عجبت هنيدة أن رأت ذا رثّة... وفما به قصم وجلدا أسودا
فهذا مصدر قصم الذي لا يتعدّى، ومن ذلك قولهم: عجي وهو عج.
وأنشدنا علي بن سليمان:
عداني أن أزورك أنّ بهمي... عجايا كلّها إلّا قليلا
فعجايا كأنه جمع عجيّ مثل: طبّ وطبيب، ومذل ومذيل وقال:
...... فما تعـ ... ـجوه إلّا عفافة أو فواق
[الحجة للقراء السبعة: 3/207]
ومن ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: غضف الكلب أذنه أشدّ الغضفان، وقال الشاعر:
غضفا طواها أمس كلّابيّ فهذا يدل على غضف يغضف. ومن ذلك قولهم: طوي يطوى فهو طيّان. وقالوا: طويته أطويه طيّا. وقال:
فقام إلى حرف طواها بطيّه... بها كلّ لمّاع بعيد المساوف
وقال:
.... طواها أمس كلّابيّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/208]
وقال:
بات الحويرث والكلاب تشمّه... وغدا بأحدب كالهلال من الطّوى
ومن قال: شنان وشنأى، فشنئت على هذا ينبغي أن لا يتعدى، فأما من قال: شنان وامرأة شنانة، فالفعل المتعدي إنّما هو من هذا دون الأول، وكلاهما قد حكاه أبو زيد. ونظير هذا في أنّه اشتق منه فعل متعد وآخر غير متعد: ما حكاه أبو إسحاق من أنّهم يقولون: جزل السنام يجزل جزلا: إذا فسد وجزلته أجزله: إذا قطعته، فاشتق منه المتعدي وغير المتعدي، وأنشد أبو زيد فيما جاء فيه فعلان وصفا:
وقبلك ما هاب الرّجال ظلامتي... وفقّأت عين الأشوس الأبيان
وأنشد غيره: هل أغدون يوما وأمري مجمع وتحت رحلي زفيان ميلع
[الحجة للقراء السبعة: 3/209]
فحجّة من قرأ (شنآن) أنّه مصدر، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والغثيان والنّفيان والشنآن يقارب الغليان، فجاء على وزنه لمقاربته له في المعنى. ومن حجّة ابن عامر في إسكان النون أنه مصدر وقد جاء المصدر على فعلان في غير هذا [وذلك قولك]: لويته دينه ليّانا وقال:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا فهذا مخفف [من الهمزة] على قياس الجمهور، والأكثر الشنان، ألا ترى أنّه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن الذي قبلها والمعنى فيه البغضاء. فإذا كان كذلك فالمعنى في القراءتين واحد وإن اختلف اللفظان والمعنى. ومن زعم أنّ إسكان النون لحن؛ لم يكن قوله مستقيما، لأنّه يجوز أن يكون مصدرا كاللّيان، وأن يكون وصفا كالنفيان، حكى ذلك أبو زيد. [ولا ينبغي أن يحمل البيت على حذف الهمزة على غير قياس كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/210]
يابا المغيرة ربّ أمر معضل... فرّجته بالنّكر مني والدّها
وقال آخر:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا لأنّك تجد له مذهبا في الشائع المستقيم] والمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم. أي: بغضكم قوما لصدّهم إياكم، ومن أجل صدّهم إياكم أن تعتدوا، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف الفاعل، كقوله تعالى: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وبسؤال نعجتك [ص/ 24] ونحو ذلك مما أضيف المصدر فيه إلى المفعول به، وحذف الفاعل في المعنى من اللفظ، وفي التفسير فيما زعموا: لا يحملنكم بغض قوم، فعلى هذا يحمل الشنان فيمن حرّك أو أسكن. أما من أسكن فلأن هذا البناء قد جاء في الصفات، نحو غضبان وسكران، وحكى أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 3/211]
رجل شنان وامرأة شنأى فإن حملته على هذا دون المصدر فقد أقمت الصفة مقام الموصوف وإنّما المعنى على المصدر، لأنّ المعنى: لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا فإن حملته على الصفة كان التقدير لا يحملنّكم بغيض قوم، والمعنى على الأوّل.
وأمّا من حرّك فقال: الشّنان فإنّ هذا البناء في المصادر التي معناها التقلّب والتزعزع كثير، والصفة دونه في الكثرة، فإذا كثر في الاستعمال واستقام في المعنى، وعضده التفسير، لم يكن عنه مذهب إلى ما لم تجتمع فيه هذه الخلال). [الحجة للقراء السبعة: 3/212]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من قوله تعالى: أن صدوكم [المائدة/ 2].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إن صدوكم بالكسر.
وقرأ الباقون: أن صدوكم بالفتح.
قال أبو علي: حجّة ابن كثير وأبي عمرو في كسرهما الهمزة أنّهما جعلا (إن) للجزاء، فإن قلت: كيف صح الجزاء هنا والصدّ ماض، لأنّه إنّما هو ما كان من المشركين من صدّهم المسلمين عن البيت في الحديبيّة، والجزاء إنّما يكون بما لم يأت، فأما ما
[الحجة للقراء السبعة: 3/212]
كان ماضيا فلا يكون فيه الجزاء. فالقول فيه: أن الماضي قد يقع في الجزاء وليس على أنّ المراد بالماضي الجزاء، ولكنّ المراد أن ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على ما مضى، والمعنى على مثله، كأنّه يقول: إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا، وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا... جهارا، ولم تغضب لقتل ابن حازم
وعلى ذلك قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا
فانتفاء الولادة أمر ماض، وقد جعله جزاء، والجزاء إنّما يكون بالمستقبل، فكأنّ المعنى: إن تنسب لا تجدني مولود لئيمة، وجواب إن قد أغنى عنه ما تقدّم من قوله: ولا يجرمنكم، المعنى: إن صدّكم قوم عن المسجد الحرام فلا تكسبوا عدوانا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/213]
وأمّا قول من فتح فبيّن لا مئونة فيه، وهو أنّه مفعول له التقدير: ولا يجرمنكم شنان قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. فأن الثانية في موضع نصب لأنّه المفعول الثاني والأول منصوب لأنه مفعول له). [الحجة للقراء السبعة: 3/214]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي واقد والجراح ونُبَيْج والحسن بن عمران: [فِاصْطادُوا] بكسر الفاء.
قال أبو الفتح: هذه القراءة ظاهرة الإشكال؛ وذلك أنه لا داعي إلى إمالة فتحة هذه الفاء كما أُميلت فتحة الراء الأولى من الضرر لكسرة الثانية، وكما أُميلت فتحة النون من قولهم: {وإنا إليه راجعون}؛ لكسر الهمزة، ونحو ذلك. فمن هنا أَشْكل أمر هذه الإمالة، إلا أن هنا ضربًا من التعلل صالحًا؛ وهو أنه لك أن تقول: فاصطادوا، فتميل الألف بعد الطاء إذ كانت منقلبة عن ياء الصيد، فإن قلت: فهناك الطاء، فهلَّا منعت الإمالة، وكذلك الصاد.
[المحتسب: 1/205]
قيل: إن حروف الاستعلاء لا تمنع الإمالة في الفعل؛ إنما تمنع منها في الاسم، نحو: طالب وظالم، فأما في الفعل فلا، ألا تراهم كيف أمالوا طغى وقضى وهناك حرفان مستعليان مفتوحان؟
وسبب ذلك إيغال الأفعال في الاعتلال، وأنها أقعد فيه من الأسماء.
فإن قلت: فإنه لم يُحكَ في الطاء إمالة.
قيل: هي وإن لم تسمع معرضة، والكلمة لها معرضة فكأنها لذلك ملفوظ، كما أن مَن قال في الوقف هذا ماشْ، فأمال مع سكون الشين نظرًا إلى الكسرة إذا وصل فقال: هذا ماش، وكما أن من قال: أغزيت نظر إلى وجوب الياء في المضارع لانكسار ما قبل الواو في يُغزى، وكما أن من أعلَّ يخاف وأصلها يَخْوَفُ نظر إلى اعتلالها في الماضي وأصلها خَوِف، ولولا ذلك لوجب أَغْزَوْتُ ويَخْوَفُ؛ لأنه لا علة فيهما في مكانهما، وكما أن من قال في الإضافة إلى الصِّعِق صِعْقِي أقر كسرة الصاد مع فتحة العين نظرًا إلى أصل ما كان عليه من كسرة العين، ولذلك نظائر.
وإن شئت قلت: لما كان يقول في الابتداء: اصطادوا، فيكسر همزة الوصل، نظر إليها بعد حذف الهمزة فقال: [فِاصطادوا] تصورًا لكسرة الهمزة إذا ابتدأت فقلت: اصطادوا. فهذا وجه ثانٍ لما مضى). [المحتسب: 1/206]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [وَلا يُجْرِمَنَّكُم] بضم الياء [شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ يصَدُّوكُمْ] بكسر الألف.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة ضعف؛ وذلك لأنه جزم بإن ولم يأتِ لها بجواب مجزوم أو بالفاء، كقولك: إن تزرني أعطك درهمًا أو فلك درهم، ولو قلت: إن تزرني أعطيتك درهمًا قبح لما ذكرنا؛ وإنما بابه الشعر:
إن يسمعوا رِيبة طاروا لها فرحًا ... يومًا وما سمعوا من صالح دفنوا). [المحتسب: 1/206]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وابن عامر وأبو بكر (شنئان قوم) بإسكان النّون مثل سرعان ووشكان
[حجة القراءات: 219]
وقرأ الباقون {شنآن} بفتح النّون وهو الاختيار لأن المصادر ممّا أوله مفتوح جاء أكثرها محركا مثل غلى غليانا وضرب ضربانا والإسكان قليل وإنّما يجيء في المضموم والمكسور مثل شكران وكفران وحرمان قال الفراء الشنآن بالإسكان الاسم والشنآن المصدر
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {أن صدوكم} بالكسر وحجتهما أن الآية نزلت قبل فعلهم وصدهم قال اليزيدي معناه لا يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا إن صدوكم يقول إن صدوكم فلا يحملنكم بغضهم على أن تعتدوا
وقرأ الباقون {أن صدوكم} أي لأن صدوكم وحجتهم أن الصد وقع من الكفّار والمائدة في آخر ما أنزل من القرآن وقد صحت الأخبار عن جماعة من الصّحابة أن نزول هذه السّورة كان بعد فتح مكّة لم يكن حينئذٍ بناحية مكّة أحد من المشركين يخاف أن يصد المؤمنين عن المسجد الحرام فيقال لا يحملنكم إن صدكم المشركون عن المسجد بغضكم إيّاهم أن تعتدوا عليهم فلمّا كان كذلك دلّ على أن القوم إنّما نهوا عن الاعتداء على المشركين لصد كان قد سلف). [حجة القراءات: 220]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {شنآن قوم} قرأه أبو بكر وابن عامر بإسكان النون، في الموضعين في هذه السورة، وقرأهما الباقون بفتح النون، وهما مصدران لـ «شنئ» حكى سيبويه: لوتيه ليانًا، فليّان مصدر على «فعلان» والأشهر أن يكون صفة اسما، إذا أسكنت، والأكثر في فتح النون في كلام العرب، أن يكون مصدرًا نحو النزوان والغليان والغشيان، فمعنى الآية: لا يكسبنكم بعض قوم الاعتداد، فقد حكى أبو زيد: رجل شنآن وامرأة شنآن، مغضبان وغضبى، وحكاه أيضًا بالهاء والصرف فيهما، فهذا يدل على اسم صفة، فيكون معنى الآية على هذا: لا يكسبنكم بعض قوم الاعتداد، وكذلك تحتمل القراءة بفتح النون أ، يكون سامًا كالورسان، وكونه مصدرًا أحسنن لأن التفسير أتى على معنى بعض قوم، وقال أبو عبيدة معناه: لا يكسبنكم بغضا قوم، فهو مصدر أيضًا، ولم يجز أبو حاتم إسكان النون، ورآه غلطا، لأن المصادر لا تأتي على «فعلان» بالإسكان، إنما يأتي بالإسكان الصفات، وعلى ذلك تجوز القراءة بالإسكان، على أنه صفة لا مصدر، عند أكثر الناس، إلا ما ذكرنا عن سيبويه في حكايته «فعلان» بالإسكان في المصادر، وهو قليل، فحمله على الاسم أولى، ويكون صفة بمعنى: بغيض قوم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/404]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {أن صدوكم} قرأه أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة وقرأ الباقون بالفتح.
وحدة من كسر أنه جعله أمرًا منتظرًا، تقديره: إن وقع صد فيما يستقبل فلا يكسبنكم الاعتداد، فـ «إن» للشرط والصدّ منتظر وقوعه، وفي حرف ابن مسعود إن «صدوكم» فهذا يدل على انتظار صد، ويجوز أن يكون الصد قد مضى، مع كسر «إن» على معنى لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء إن صدوكم، كما جرى فيما مضى من الصد، فتحقيقه: «إن عادوا إلى الصد الذي أكسبكم البغض لهم» فيكون الشرط مستقبلا على «بأن» وهو مثال لأمر قد مضى؛ لأن معناه: إن وقع مثل الصد الذي مضى فلا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء، والتفسير والإخبار على أنه أمر قد كان، وصد قد وقع، فالكسرة في «إن» أولى على أنه مثال لما مضى، وعلى هذا أنشد سيبويه قول الفرزدق:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا جهارا = ولم تغضب لقتل ابن خازم
أنشده بكسر «إن» والذي بعدها أمر قد كان ووقع، لكنه على معنى المثال، على معنى: أتغضب إن وقع مثل حزّ أذني قتيبة.
3- وحجة من فتح أن أنه هو الظاهر في التلاوة، وعليه أتى التفسير؛ لأن المشركين صدوا النبي عليه السلام والمسلمين عن البيت، ومنعوهم دخول مكة، فهو أمر قد مضى، قال الله جل ذكره: لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عن المسجد الحرام الاعتداء، والفتح الاختيار؛ لأن عليه أتى التفسير أنه أمر قد مضى، وهو ظاهر اللفظ، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/405]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {شَنْئَان قَوْمٍ} [آية/ 2]:-
بسكون النون في الحرفين، قرأها نافع يل- وابن عامر وعاصم- ياش-.
يجوز أن يكون مصدرًا نحو: لويته ليانًا، والمعنى لا يجرمنكم بغض قومٍ أن تعتدوا، أي لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام الاعتداء، والمعنى شنئانكم قومًا أي بغضكم قومًا، فأضاف إلى المفعول، كما قال تعالى {مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ}. وقال {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}، وهذا الوجه مثل قراءة من قرأ {شَنَئآن} بفتح النون في أن كليهما مصدر.
ويجوز أن يكون {شَنْئَآنُ} بسكون النون صفةً، ومعناه مبغض قومٍ، وفعلان أكثر ما يأتي للصفات.
[الموضح: 435]
وقرأ الباقون {شَنَئَانُ قَوْمٍ} بفتح النون.
وهو مصدر لا محالة، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والنقزان، وقال سيبويه: هذا الضرب من المصادر تأتي أفعاله لازمةً إلا أن يشذ شيء.
وهذا من ذاك، والمعنى: لا يكسبنكم بغض قومٍ الاعتداء لأن صدوكم على ما سبق). [الموضح: 436]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {إِنْ صَدّوكُمْ} [آية/ 2]:-
بكسر الألف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
على أن {إِنْ} للشرط، وجوابه قد أغنى عنه ما قبله من قوله {لا يَجْرِمَنَّكُمْ} والتقدير: إن صدوكم عن المسجد الحرام فلا تكتسبوا الاعتداء.
وقرأ الباقون {أَنْ صَدُّوكُمْ} بفتح الألف.
وهو ظاهر، والمعنى: لا يكسبنكم بغض قومٍ الاعتداء لأن صدوكم عن المسجد الحرام، أي لصدهم إياكم عن المسجد، فهو مفعول له، فقوله
[الموضح: 436]
{أَنْ تَعْتَدُوا} مفعول ثانٍ ليجرمنكم، {وأَنْ صَدُّوكُمْ} مفعول له). [الموضح: 437]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:31 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ الآية (3) ]

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)}

قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [وأَكيلُ السَّبُع].
قال أبو الفتح: ذهب بالتذكير إلى الجنس والعموم، حتى كأنه قال: وما أكل السبع، ولو قال ذلك لما كان لفظ "ما" إلا إلى التذكير، والأَكيل هنا إذن يصلح للمذكر والمؤنث، وأما الأَكيلة فكالنطيحة والذبيحة، اسم للمأكول والمنطوح كالضحية والبلية في قوله:
مثل البليَّة قالصا أهدامُها
فنقول على هذا: مررت بشاة أكيل؛ أي: قد أكلها السبع ونحوه، وتقول: ما لنا طعام إلا الأَكلية؛ أي: الشاة أو الجزور المعدة لأن تؤكل، فإن كانت قد أُكلت فهي أَكيل بلا هاء، وكذلك أَكيل السبع هنا ما قد أَكل السبع بعضه). [المحتسب: 1/207]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [غَيْرَ مُتَجَنِّفٍ لإِثْمٍ] بغير ألف.
قال أبو الفتح: كأن متجنفًا أبلغ وأقوى معنى من متجانف؛ وذلك لتشديد العين، وموضوعها لقوة المعنى بها نحو تَصوَّن هو أبلغ من تصاون؛ لأن تصون أوغل في ذلك، فصح له وعرف به، وأما تصاون فكأنه أظهر من ذلك وقد يكون عليه، وكثيرًا ما لا يكون عليه، ألا ترى إلى قوله:
إذا تخازرتُ وما بي من خَزر
فصار متجنِّف بمعنى مُتَمَيِّل ومتَثنٍّ، ومتجانف كمتمايل، ومتأَوِّد أبلغ من متاوِد، وعليه قراءة عبد الله بن أبي إسحاق والأشهب العُقيلي: [يُرَءُّون الناس]؛ أي: يُكرهونَهم على أن يروهم على ما يتجمَّلون به، ويراءُون يتصنعون لذلك فربما تم لهم، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا). [المحتسب: 1/207]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:32 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (4) إلى الآية (5) ]

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رزين: [مُكْلِبين] ساكنة الكاف.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون [مُكْلبين] من قولهم: آسدتُ الكلب؛ أي: أغريته، وكذلك إكلاب الجوارح هو إغراؤها بالصيد وإسآدها عليه ليكون كالكلب الكلِب، كلِب وأكلبته كضرِي وأضريته، وغَرِي وأغريته، وأَسِدَ وآسدته، وعَرِص وأعرصته، وهَبِصَ وأَهْبَصْتُه). [المحتسب: 1/208]

قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:33 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ الآية (6) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (وأرجلكم إلى الكعبين... (6)
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وأرجلكم) خفضًا، وقرأ الأعشى عن أبي بكر بالنصب مثل حفص، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب (وأرجلكم) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وأرجلكم) نصبًا عطفه على قوله (اغسلوا وجوهكم وأيديكم)، أخر ومعناه التقديم، وقد رويت هذه القراءة عن ابن عباس، وبها قرأ الشافعي، ورويت عن ابن مسعود، وهي أجود القراءتين؛ لموافقتها الأخبار الصحيحة عن النبي عليه السلام في غسل الرجلين.
ومن قرأ (وأرجلكم) عطفها على قوله (وامسحوا برءوسكم) وبينت السّنة أن المراد بمسح الأرجل غسلها، وذلك أن المسح في كلام العرب يكون غسلا، ويكون مسحًا باليد، والأخبار جاءت بغسل الأرجل ومسح الرؤوس، ومن جعل مسح الأرجل كمسح الرؤوس خطوطًا بالأصابع فقد خالف ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ويلٌ للعراقيب من النار".
[معاني القراءات وعللها: 1/326]
و "ويلٌ للأعقاب من النار".
وأخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبى حاتم عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: المسح عند العرب يكون غسلاً، فلابد من غسل الرجلين إلى الكعبين). [معاني القراءات وعللها: 1/327]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [6].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم {وأرجلكم} بالكسر وقرأ الباقون بالفتح.
قال أبو عبد الله (رضي الله عنه) وقد اختلف الفقاء والنحويون في تأويل هذه الآية، فمن نصب نسقه على: {فاغسلوا وجوهكم ... وأرجلكم} وهو الاختيار بإجماع الكافة عليه، ومع ذلك فإن المحدود مع المحدود أولى أن يؤتيا، وذلك أن الله كل ما ذكره من المسح فإنه لم يحده، وكل ما حدَّه فهو مغسولٌ نحو {أيديكم إلى المرافق} و{أرجلكم إلى الكعبين}.
ومن كسر فحجته أن الله تعالى أنزل القرآن بمسح الرجل ثم عادت السنة إلى الغسل، وكذلك قال الشعبي والحسن.
قال أبو عبيد: من قرأ {وأرجلكم} بالكسر لزمه أن يمسح، ومن ذكر أن من خفض {وأرجلكم} خفضه على الجوار فهو غلط؛ لأن الخفض على الجوار لغة لا تستعمل في القرآن، وإنما تكون لضرورة شاعر، أو حرف يجري كالمثل كقولهم: «حجر ضب خرب» والعرب تسمى الغَسل مسحًا، قال الله
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/143]
تعالى: {فطفق مسحًا بالسوق والأعناق} أي: غسل أيديها وأرجلها من الغبار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/144]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب اللام وخفضها من قوله تعالى: وأرجلكم [المائدة/ 6].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: وأرجلكم* خفضا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: وأرجلكم نصبا.
وروى أبو بكر عن عاصم: وأرجلكم* خفضا، وحفض عن عاصم وأرجلكم نصبا.
[قال أبو علي]: الحجة لمن جرّ فقال: وأرجلكم أنه وجد في الكلام عاملين: أحدهما: الغسل، والآخر: الباء الجارة. ووجه العاملين إذا اجتمعا في التنزيل أن تحمل على الأقرب منهما دون الأبعد، وذلك نحو قوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ونحو قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ونحو قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [المعارج/ 19] وقوله: قال: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] فلما رأى العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على أقربهما إلى المعمول، حمل في هذه الآية أيضا
[الحجة للقراء السبعة: 3/214]
على أقربهما، وهو الباء دون قوله: فاغسلوا وكان ذلك الموضع واجبا، لما قام من الدلالة على أنّ المراد بالمسح الغسل.
وقيام الدلالة من وجهين:
أما أحدهما فإن من لا نتهمه روى لنا عن أبي زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، قالوا: تمسّحت للصلاة، فحمل المسح على أنه غسل. ويقوي ذلك أن أبا عبيدة ذهب في قوله تعالى: فطفق مسحا بالسوق والأعناق [ص/ 33] إلى أنّه الضرب.
وحكى التّوّزي عنه أنّه قال: قالوا مسح علاوته بالسيف إذا ضربه، فكأنّ المسح في الآية غسل خفيف، كما أنّ الضرب كذلك، ليس في واحد منهما متابعة ولا موالاة. فإن قلت: فإنّ المستحبّ أن يغسل ثلاثا؛ قيل: ذلك السنّة والاستحباب، وإنّما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون، فهذا وجه.
والوجه الآخر: أنّ التحديد والتوقيت إنّما جاء في المغسول ولم يجيء في الممسوح، فلما وقع التحديد مع المسح، علم أنّه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد. فإن قلت: فقد يجوز أن يكون على المسح، ألا ترى أنّك تقول: مررت بزيد وعمرا فتحمله على موضع الجار والمجرور، فحمله على المسح
[الحجة للقراء السبعة: 3/215]
قد ثبت وجاز، جررت اللام أو نصبته؟ قيل: ليس الحمل على الموضع في هذا النحو في الكسرة كالحمل على اللفظ.
ووجه من نصب فقال: وأرجلكم أنه حمل ذلك على الغسل دون المسح، لأنّ العمل من فقهاء الأمصار فيما علمت على الغسل دون المسح.
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما وقد توضّئوا وأعقابهم تلوح، فقال [عليه السلام]: «ويل للعراقيب من النار»
وهذا أجدر أن يكون في المسح منه في الغسل، لأن إفاضة الماء لا يكاد يكون غير عام للعضو). [الحجة للقراء السبعة: 3/216]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه عمرو عن الحسن: [وَأَرْجُلُكُم] بالرفع.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون رفعه بالابتداء والخبر محذوف، دل عليه ما تقدمه من قوله سبحانه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي: وأرجلُكم واجبٌ غسلُها، أو مفروض غسلُها، أو مغسولة كغيرها، ونحو ذلك. وقد تقدم نحو هذا مما حذف خبره لدلالة ما هناك عليه، وكأنه بالرفع أقوى معنى؛ وذلك لأنه يستأنف فيرفعه على الابتداء، فيصير صاحب الجملة، وإذا نصب أو جر عطفه على ما قبله، فصار لَحَقا وتبعًا، فاعرفه). [المحتسب: 1/208]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}
قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ وحفص {وأرجلكم} بالفتح وحجتهم أنّها معطوفة على الوجوه والأيدي فأوجبوا الغسل عليهما وعن أبي عبد الرّحمن عبد الله بن عمر قال كنت أقرأ أنا والحسن والحسين قريبا من عليّ عليه السّلام وعنده ناس قد شغلوه فقرأنا {وأرجلكم} فقال رجل {وأرجلكم} بالكسر فسمع ذلك عليّ عليه السّلام فقال ليس كما قلت ثمّ تلا {يا أيها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} هذا من المقدم والمؤخر في الكلام قلت وفي القرآن من هذا التّقديم والتّأخير كثير قال الله {اليوم أحل لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حل لكم} ثمّ قال {والمحصنات من المؤمنات} وعطف ب المحصنات على الطّيّبات وقال {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما} ثمّ قال {وأجل مسمّى} فعطف الأجل على الكلمة وبينهما كلام فكذلك ذلك في قوله {وأرجلكم} عطف بها على الوجوه والأيدي على ما أخبرتك به من التّقديم والتّأخير
وأخرى هي صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه أنه توضّأ فغسل رجليه وأنه رأى رجلا يتوضّأ وهو يغسل رجليه فقال
بهذا أمرت وقال صلى الله عليه
ويل للأعقاب وبطون الأقدام
[حجة القراءات: 221]
من النّار وعن ابن مسعود قال خللوا الأصابع بالماء لا تلحقها النّار
وقال عبد الملك قلت لعطاء هل علمت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه مسح على القدمين فقال والله ما أعلمه والأخبار كثيرة في هذا المعنى وقد ذكرناها في تفسير القرآن
وأخرى قال الزّجاج الدّليل على أن الغسل هو الواجب في الرجل وأن المسح لا يجوز تحديد قوله {إلى الكعبين} كما جاء في تحديد اليد {إلى المرافق} ولم يجئ في شيء من المسح تحديد قال
{وامسحوا برؤوسكم} بغير تحديد في القرآن
قال ويجوز أن يقرأ {وأرجلكم} على معنى واغسلوا لأن قوله {إلى الكعبين} دلّ على ذلك كا وصفنا وينسق بالغسل على المسح كما قال الشّاعر
يا ليت بعلك قد غدا ... متقلّدًا سيفا ورمحا
[حجة القراءات: 222]
والمعنى متقلّدًا سيفا وحاملا رمحا
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر {وأرجلكم} خفضا عطفا على الرؤوس وحجتهم في ذلك ما روي عن ابن عبّاس أنه قال الوضوء غسفتان ومسحتان وقال الشّعبيّ نزل جبرائيل بالمسح ألا ترى أنه أهمل ما كان مسحا ومسح ما كان غسلا في التّيمّم
والصّواب من القول ما عليه فقهاء الأمصار أن الغسل هو الواجب نحو الرجلين ويجوز أن يكون قوله {وأرجلكم} بالخفض حملت على العامل الأقرب للجوار وهي في المعنى للأول كما يقال هذا جحر ضب خرب فيحمل على الأقرب وهو في المعنى للأول
قال الفراء وقد يعطف بالاسم على الاسم ومعناه يختلف كما قال عز وجل {يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين} ثمّ قال {وحور عين} وهن لا يطاف بهن على أزواجهنّ). [حجة القراءات: 223]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {وأرجلكم} قرأه نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالخفض.
وحجة من خفضه أنه حمله على العطف على «الرؤوس» لأنها أقرب إلى الأرجل من الوجوه، والأكثر في كلام العرب أن يحمل العطف على الأقرب من حروف العطف ومن العاملين، ألا نرى إلى قوله تعالى: {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله} «الجن 7» فأعمل «ظننتم» في «أن» لقربها منها، ولم يعمل «ظنوا»، ولو أعمل «ظنوا» في «أن» لوجب أن يقال: كما ظننتموه، فالعامل في «أن» «ظننتم» دون «ظنوا» لقربها، ومثله في إعمال القريب دون البعيد: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} «النساء 176» فعلق الحرف بـ «يفتيكم» لقربه منه، ولو علقه بـ «يستفتونك» لقال: يفتيكم فيها في الكلالة، وهو كثير في الكلام والقرآن، لكن لما حمل «الأرجل» على «الرؤوس» في الخفض على «المسح» قامت الدلالة من السنة والإجماع، ومن تحديد الوضوء في الأرجل مثل التحديد في الأيدي المغسولة، على أنه أراد بالمسح الغسل والعرب تقول: تمسحتُ للصلاة، أي: توضأت لها، وقد قال أبو زيد: إن المسح خفيف الغسل، وقد قال أبو عبيد في قوله تعالى: {فطفق مسحًا} «ص 33» إن معنى المسح الضرب، فقد صار المسح، يستعمل في الغسل، وكذلك مسح الأرجل مستعمل في الغسل نفسه، وبذلك قرأ الحسن والحسين وأنس بن مالك وعلقمة والشعبي والحسن والضحاك ومجاهد.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/406]
5- وحجة من نصب أنه عطفه على الوجوه والأيدي، وكان ذلك أولى عنده، لما ثبت من السنة والإجماع على غسل الأرجل، فعجف على ما عمل فيه الغسل، وقوى ذلك أنه لما كانت الأرجل مجرورة في الآية كان عطفها على ما هو محدود مثلها، أولى من عطفها على غير مجرور، وأيضًا فإن الخفض يقع فيه إشكال، من إيجاب المسح أو الغسل، وعطفه على الوجوه ونصبه، ليخرجه من الإشكال، وليحقق الغسل الذي أريد به، وهو الفرض، وهو الاختيار، للإجماع على الغسل، ولزوال الإشكال، وبذلك قرأ علي بن أبي طالب، وروي عنه أنه أنكر على الحسن والحسين الخفض، وردَّه عليهما بالنصب، وبه قرأ ابن مسعود وابن عباس، وكان يقول: عاد الأمر إلى الغسل، وبه قرأ عروة بن الزبير وعكرمة ومجاهد والسدي وغيرهم، وهو الاختيار لما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/407]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [آية/ 6]:-
بجر {أَرْجُلِكُمْ}، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم ياش-.
هذا على أنه معطوف على {رُءُوسِكُمْ} وهو مجرور بالباء، والمراد بالمسح الغسل، وقد جاء المسح في كلام العرب والمراد به الغسل، يقال: تمسحت للصلاة أي توضأت، ويدل على أن المراد ههنا بالمسح الغسل أن التحديد واقع معه، والتحديد إنما جاء في المغسول دون الممسوح، فاختار هؤلاء الجر عطفًا على الرؤوس، ليكون محمولاً على {امْسَحُوا} دون {اغْسِلُوا}؛ لأن {امْسَحُوا} أقرب الفعلين إلى هذا المعمول فيه، وحكم العاملين إذا اجتمعا أن يحمل المعمول فيه على أقربهما دون الأبعد، نحو قوله تعالى {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} يحمل {كِتَابِيَهْ} على {اقْرَؤُا}، وكقوله تعالى {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} يحمل {فِي الكَلاَلَةِ} على {يُفْتِيكُمْ} لا على {يَسْتَفْتُونَكَ}.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {وَأَرْجُلَكُمْ} نصبًا.
على أنه محمول على الغسل دون المسح؛ لأنه هو الظاهر في الغسل الذي أجمع عليه فقهاء الأمصار). [الموضح: 437]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:35 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (7) إلى الآية (11) ]

{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}

قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}

قوله تعالى: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:49 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (12) إلى الآية (14) ]

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري: [وَعَزَرْتُمُوهُمْ] خفيفة.
قال أبو الفتح: عزَرت الرجل أعزِرُه عَزْرًا: إذا حُطتَه وكنفتَه، وعزَّرْتُه: فخَّمت أمره وعظمته، وكأنه لقربه من الأزر وهو التقوية معناه أو قريبًا منه، ونحوه عَزَر اللبنُ وحَزَر: إذا حمَض فاشتد، فانظر إلى تلامح كلام العرب واعْجَبْ). [المحتسب: 1/208]

قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجعلنا قلوبهم قاسيةً... (13)
قرأ حمزة والكسائي (قسيّةً) بغير ألف، وقرأ الباقون (قاسيةً) بالألف.
قال أبو منصور: القاسية والقسيّة بمعنى واحد، وهي: القلوب التي قست وغلظت واستمرت على المعاصي، وكل شيء يبس وذهب رقته فقد قسا، ومنه قيل للدراهم التي قد مرنت وطال عليها الدهر: (قسيّةً)
[معاني القراءات وعللها: 1/327]
قال الشماخ يصف المساحي:
لها صواهل في صمّ السّلام كما... صاح القسيّات في أيدي الصياريف). [معاني القراءات وعللها: 1/328]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {قلوبهم قاسية} [13].
قرأ حمزة والكسائي: {قسية} بغير ألف.
وقرأ الباقون {قاسية} بألف، والأمر بينهما قريب، فعلية وفاعلة مثل زكية وزاكية وكقولهم: عليم وعالم بمعنى.
وقال آخرون: قسية: رديئة، من قولهم: درهم قسي، أي: بهرج، والأصل في قاسية: قاسوة؛ لأنه من قسا يقسو، فقلبوا من الواو ياءً؛ لانكسار ما قبلها. والأصل في قسية: قسيوة فقلبوا من الواو ياءً؛ لأنه إذا اجتمع واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياءً وأدغموا الياء في الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/144]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله تعالى: قاسية [المائدة/ 13].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قاسية بألف.
وقرأ حمزة والكسائي قسية بغير ألف.
[قال أبو علي]: حجة من قرأ: قاسية على فاعلة قوله تعالى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك [البقرة/ 74] وقوله
[الحجة للقراء السبعة: 3/216]
تعالى: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم [الحديد/ 16] وقال: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله [الزمر/ 22].
ومن قرأ: قسية على فعيلة: أنه قد يجيء فاعل وفعيل، مثل: شاهد وشهيد، وعالم وعليم، وعارف وعريف. والقسوة كأنّه خلاف اللين والرقّة. وقد وصف الله عزّ وجل قلوب المؤمنين باللين فقال: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [الزمر/ 23] فالقسوة كأنّها خلاف ذلك، وقال تعالى: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد/ 16] أي: كثير ممن قست قلوبهم فاسقون. فهذا يوجب أن ممن قسا قلبه من ليس بفاسق.
فأما قول الشاعر:
ما زوّدوني غير سحق عمامة* وخمس مئي منها قسي وزائف فإنّ القسيّ أحسبه معرّبا، وإذا كان معرّبا لم يكن من القسيّ العربي، ألا ترى أنّ قابوس وإبليس وجالوت وطالوت، ونحو ذلك من الأسماء الأعجمية التي من ألفاظها عربي لا تكون مشتقة من
[الحجة للقراء السبعة: 3/217]
باب القبس والإبلاس، يدل على ذلك منعهم الصرف، فأما قوله: فإن يقدر عليك أبو قبيس فليس صرفه للضرورة، ولكن رخّمه ترخيم التحقير، فردّه إلى الأصل، فصار مثل نوح ولوط، وهذا النحو مصروف في كل قول، فكذلك أبو قبيس. وأنشد أبو عبيدة:
وقد قسوت وقسا لداتي فكأنّ معنى هذا: فارقني لين الشباب ولدونته). [الحجة للقراء السبعة: 3/218]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( (وجعلنا قلوبهم قسية 13)
قرأ حمزة (قلوبهم قسية) وقرأ الباقون {قاسية} وحجتهم إجماعهم على قوله {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} فلمّا أجمعوا على إحداهما واختلفوا في الأخرى رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
[حجة القراءات: 223]
وهما لغتان بمنزل عالم وعليم
وحجّة من قرأ (قسية) هي أن فعيلا أبلغ في الذّم والمدح من فاعل كما أن عليما أبلغ من عالم وسميعا أبلغ من سامع وهي فعيلة من القسوة
وقال آخرون بل معنى قسية غير معنى القسوة وإن معنى القسية الّتي ليست بخالصة الإيمان أي قد خالطها كفر فهي فاسدة ولهذا قيل للدراهم قد خالطها غش من نحاس أو غيره قسية وقال أبو عبيدة القسية هي الرّديئة مشبهة بالدّراهم القسية
والأصل في قاسية قاسوة لأنّه من قسا يقسو فقلبوا الواو ياء لما قبلها من الكسرة والأصل في قسية قسيوة فقلبوا الواو ياء وأدغموا الياء في الياء). [حجة القراءات: 224]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {قاسية} قرأها حمزة والكسائي بغير ألف مشددة الياء، على وزن «فعيلة»، وقرأ الباقون بألف مثل «فاعلة».
وحجة من قرأ بغير ألف أن «فعيلة» أبلغ في الذم من فاعلة، فكان وصف قلوب من حرف كلام الله ومال عن الحق، بأبلغ صفات القسوة أولى من غيره، وقيل: إنما قر على «فعيلة» لأن «قلوبهم»، إنما وصفت بالطبع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/407]
عليها كالدرهم القسي، وهو الذي يخالط فضته نحاس أو رصاص أو نحوه، وبه قرأ ابن مسعود.
7- وحجة من قرأ بألف أنه بناه على «فاعلة» قياسًا على قوله: {ثم قست قلوبكم} «البقرة 74» وقوله: {فقست قلوبهم} «الحديد 16» وقوله: {للقاسية قلوبهم} «الزمر 22» و«فعل» إنما يأتي اسم الفاعل منه على «فاعل»، في أكثر كلام العرب، وأيضًا فإن «فعيلا» و«فاعلا» أخوان، نحو: رحيم وراحم، وعليم وعالم، لكن في «فعيل» معنى التكرير والمبالغة، و«فاعل » أكثر في الكلام من «فعيل»، ومعنى «قاسية » غليظة بائنة عن الإيمان، وقد نزعت منها الرحمة والرأفة، والقراءتان متقاربتان، و«قاسية» بالألف أحب إلي، لأن الأكثر عليه وهو المستعمل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/408]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {قَسِيَّةً} [آية/ 13]:-
بغير ألف، مشددة الياء، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه في ذلك أنه فعيلة، وفعيل يأتي بمعنى فاعل كشاهدٍ وشهيدٍ وعالمٍ وعليمٍ وعارف وعريف.
وقرأ الباقون {قَاسِيَةً} على فاعلة.
وهو الأظهر في الفاعل من القسوة، وإن كانت المبالغة في الأول أكثر، ونظائره في التنزيل كثيرة، {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ} و{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله}. والقسوة في القلب خلاف اللين والرقة). [الموضح: 438]

قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (15) إلى الآية (16) ]

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)}

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)}

قوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:54 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (17) إلى الآية (19) ]

{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}

قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:55 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (20) إلى الآية (26) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20)}

قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) }
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {جَبّارينَ} [آية/ 22]:-
بالإمالة، قرأها الكسائي وحده، وقرأ الباقون {جَبّارِينَ} بالفتح. وقد تقدم في الإمالة ما فيه كفاية). [الموضح: 438]

قوله تعالى: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير ومجاهد: [قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يُخَافُونَ] بضم الياء.
قال أبو الفتح: يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون من المؤمنين الذين يُرْهَبون ويُتَّقَوْن
[المحتسب: 1/208]
لما لهم في نفوس الناس من العفة والورع والستر؛ وذلك أنه مَن كان في النفوس كذلك رُهب واحتُشم وأُطيع وأُعظم؛ لأن من أطاع الله سبحانه أُكرم وأُطيع، ومن عصاه امتُهن وأُضيع.
والآخر: أن يكون معناه من الذين إذا وُعِظُوا رَهِبُوا وخَافُوا، فإذا أتاهم الرسول بالحق أطاعوا وخضعوا؛ أي: ليسوا ممن يركب جهله ولا يُصغي إلى ما يُحد له، فيكون كقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}، وكقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}، ونحو ذلك من الآي الدالة على رهبة المؤمنين وطاعتهم، فهذا إذن من أُخِيفَ والأول من خِيف). [المحتسب: 1/209]

قوله تعالى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)}

قوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:57 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (27) إلى الآية (31) ]

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}

قوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}

قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29)}

قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بن عمران وأبي واقد والجراح، ورُويت عن الحسن: [فطَاوَعَتْ له نَفْسُهُ].
قال أبو الفتح: ينبغي -والله أعلم- أن يكون هذا على أن قَتْل أخيه جذبه إلى نفسه ودعاه إلى ذلك، فأجابته نفسه وطاوعته.
وقراءة العامة: {فَطَوَّعَتْ لَهُ} أي: حسنته له وسهلته عليه). [المحتسب: 1/209]

قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: [فَأُوَارِيْ سَوْءَةَ أَخِي] بسكون الياء في [أوارِيْ].
قال أبو الفتح: قد سبق القول على سكون هذه الياء في موضع النصب في نحو قوله:
كأن أيديهن بالْمَوْماةِ ... أيدي جوارٍ بِتْنَ ناعماتِ
وقول أبي العباس: إنها من أحسن الضرورات). [المحتسب: 1/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا ويلتى} 31
قرأ حمزة والكسائيّ {يا ويلتى} و{يا حسرتى} و{يا أسفى} ممالا وحجتهما أن النّيّة فيها إضافة الويل والحسرة والأسف إلى نفسه فكأنّه في المعنى يا ويلتي ويا حسرتي فلمّا جعل الياء ألفا أمالاها ليعلما أن أصلها كان ياء لأن الإمالة من الياء
وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أنّها ألف الندبة ولا أصل لها في الإمالة). [حجة القراءات: 224]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:58 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (32) إلى الآية (34) ]

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)}

قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} [32].
قرأ ورش عن نافع {من اجل ذلك} فنقل فتحة الهمزة إلى النون وأسقط الهمزة لفظًا، وكذلك يفعل في سائر القرآن نحو {قد افلح المؤمنون} وهي لغة فصيحة.
قال أبو عبد الله: تقول العرب من ابوك، يريدون: من أبوك. وقرأ الباقون {من أجل ذلك} مقطوعة الألف وهي ألف أصلية.
وقرأ أبو جعفر: {من اجل ذلك} فتقول العرب: فعلت ذلك من أجلك ومن إجلك، ومن جراك ومن جرائك، ومن جلالك ومن جللك وينشد:
رسم دار وقفت في طلله
كدت أقضي الحياة من جلله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/145]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: [مِنِ اجْلِ ذَلِكَ] غير مهموز والنون مكسورة.
قال أبو الفتح: يقال: فعلت ذلك من أَجلك ومن إِجْلِك بالفتح والكسر، ومن إجلاك ومن جلَلِك ومن جلالِك ومن جَرَّاك، فيجب على هذا أن تكون قراءة أبي جعفر: [مِنِ اجْلِ ذَلِكَ]
[المحتسب: 1/209]
على تخفيف همزة "إِجْل" بحذفها وإلقاء حركتها على نون مِن، كقولك في تخفيف: كم إبلُك: كم بِلُك، وفي من إبراهيم: منِ بْراهيم، وهو واضح). [المحتسب: 1/210]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ] بنصب الفساد.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ذلك على فعل محذوف يدل عليه أول الكلام؛ وذلك أن قتل النفس بغير النفس من أعظم الفساد، فكأنه قال: قال أو أتى فسادًا، أو ركب فسادًا، أو أحدث فسادًا. وحذفُ الفعل الناصب لدلالة الكلام عليه وإبقاء علمه ناطقًا به ودليلًا عليه مع ما يدل من غيره عليه -أكثرُ من أن يؤتى بشيء منه مع وضوح الحال به، إلا أن منه قول القطامي:
فكرت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومَصرَعِه السباعا
فنصب السباع لأنها داخلة في الموافقة، ألا تراها إذا وافقت السباع على دمه فقد دخلت السباع في الموافقة، فيصير كأنه قال: وافقت السباع؟ وهو عندنا بعد على حذف المضاف؛ أي: آثار السباع؛ لأنها لو صادفت السباع هناك لأكلتها أيضًا، وهناك مضاف آخر محذوف؛ أي: صادفت السباع على أشلائه وبقاياه، لأنها إذا وافقت آثار السباع على دمه ومصرعه؛ فإنما وافقت بقاياه لا جميعه.
وسمعت سنة خمس وخمسين غلامًا حدثًا من عُقيل ومعه سيف في يده، فقال له بعض الحاضرين وكنا مُصْحِرين: يا أعرابي، سيفك هذا يقطع البطيخ؟ فقال: إي والله وغواربَ الرجل، فنصب الغوارب على ذلك؛ أي: ويقطع غواربَ الرجال). [المحتسب: 1/210]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({جاءتهم رسلنا}
قرأ أبو عمرو {رسلنا} و{رسلكم} و{رسلهم} بإسكان السّين إذا كان بعد اللّام أكثر من حرف وكذلك مذهبه في {سبلنا} فإذا كان بعد اللّام حرف ضم السّين مثل {رسله} وحجته أنه استثقل حركة بعد ضمتين لطول الكلمة وكثرة الحركات فأسكن السّين والباء فإذا قصرت الكلمة لم يسكن السّين
وقرأ الباقون {رسلنا} بضم السن وحجتهم أن بناء فعول وفعيل على فعل بضم العين في كلام العرب ولم تدع ضرورة إلى إسكان الحرف فتركوا الكلمة على حق بنيتها). [حجة القراءات: 225]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قوله: {رسلنا} و{سبلنا} «إبراهيم 12» قرأه أبو عمرو بإسكان السين والباء، حيث وقع، إذا كان بعد اللام حرفان في الخط، على التخفيف لتوالي الحركات، ولأنه جمع، وضم ذلك الباقون على الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/408]

قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}

قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 10:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (35) إلى الآية (37) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)}

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:00 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (38) إلى الآية (40) ]

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}

قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}

قوله تعالى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)}

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:01 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (41) إلى الآية (43) ]

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)}

قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أكّالون للسّحت... (42)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (للسّحت) مثقلاً حيث كان، وقرأ الباقون (للسّحت) خفيفا، وروى عباس عن
[معاني القراءات وعللها: 1/328]
خارجة عن نافع (للسّحت) بفتح السين خفيفًا.
قالط أبو منصور: السّحت والسّحت لغتان، معناهما: الحرام، سمي سحتًا لأنه يسحت البركة، أي: يمحقها ويستأصلها.
ومن قرأ (السّحت) فهو مصدر سحته سحتًا، إذا استأصله، وكذلك أسحته إسحاتًا بمعناه). [معاني القراءات وعللها: 1/329]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سماعون للكذب أكالون للسحت}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ {للسحت} بضم الحاء وقرأه الباقون ساكنا وهما لغتان مثل الأذن والأذن والقدس والقدس والسحت هو الحرام سمي سحتا لأنّه يسحت البركة أي يمحقها). [حجة القراءات: 225]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {أَكّالُونَ لِلْسُّحُتِ} [آية/ 42]:-
بضم الحاء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب.
وقرأ الباقون {السُحْت} بإسكان الحاء.
[الموضح: 438]
وكلهم ضم السين إلا ما روى خارجة عن نافع {السَّحْت} بفتح السين وإسكان الحاء.
أما السحت والسحت بضم الحاء وإسكانه مع ضم السين فهما لغتان، السحت والسحت والعنق والعنق والطنب والطنب، وقد ذكرنا من أمثالهما ما فيه غنية.
وأما ما رواه خارجة من {السَّحْت} بالفتح وإسكان الحاء، فهو مصدر سحت الشيء يسحته سحتًا إذا استأصله، واللغتان المتقدمتان مشتقتان من هذا؛ لأن الحرام أذهبت بركته واستؤصلت). [الموضح: 439]

قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:06 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (44) إلى الآية (45) ]

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}

قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) }
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {واخشون ولا تشتروا} [44].
قرأ أبو عمرو بياء في الوصل، ووقف بغير ياء.
وقرأ الباقون بغير ياء وصلوا ووقفوا. فمن حذف تبع المصحف، واجتزأ بالكسرة عن الياء. ومن أثبته وصلاً فعلى الأصل، ومن حذف وقفًا اتباعًا للمصحف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/144]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله تعالى: واخشون ولا تشتروا [المائدة/ 44].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة وابن عامر والكسائي، بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل.
واختلف عن نافع فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر بالياء في الوصل وروى المسيبي وقالون وورش بغير ياء في وصل ولا وقف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/218]
قال أبو علي: القول في ذلك: أن الإثبات حسن والحذف حسن، وذلك أن الفواصل في أنّها أواخر الآي مثل القوافي في أنّها أواخر البيوت، فكما أنّ من القوافي ما لا يكون إلّا
محذوفا منه، ومخالفا لغيره، كذلك الفواصل. وكما أنّ من القوافي ما يكون فيه الحذف والإتمام جميعا، كذلك تكون الفواصل. فمما لا يكون من القوافي إلّا ما قد حذف منه هذه الياء وحذف منها غير هذه الياء قول الأعشى:
فهل ينفعنّي ارتيادي البلا... د من حذر الموت أن يأتين
ومن شانئ كاسف وجهه... إذا ما انتسبت له أنكرن
فهذا لا يكون إلّا محذوفا منه، ألا ترى أنّ هذا الضرب لا يخلو من أن يكون: فعولن، أو فعول، أو فعل، ولا يجوز تحريك الياء في شيء من ذلك، فعلى هذا يكون من الفواصل ما يكون ملزما الحذف، وأما ما يجوز فيه الحذف والإتمام فقوله:
وهم وردوا الجفار على تميم... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/219]
فهذا فعولن قد حذفه، ويجوز أن يتمم فيقول: إني. وقد أجرى قوم القوافي مجرى غيرها من الكلام فقالوا:
أقلّي اللّوم عادل والعتاب.
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل.
فعلى هذا القياس يجوز أن تجرى الفواصل مثل غير الفواصل ولا تغيّر بحذف ولا غيره كما فعل ذلك بالقوافي.
وإنّما فعلوا ذلك بالقوافي لأن اقتضاء الوزن للمحذوف وتمامه به يجعلانه في حكم المثبت في اللفظ، فصار هذا يسوّغ الحذف فيه إذ قد حذف مما لا يقتضيه الوزن، فصار المحذوف منه في حكم المثبت، مع أنّ الوزن لا يقتضيه، وذلك نحو قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني فياء المتكلم التي تزاد في بني في حكم المثبت، يدلّ على ذلك حذف النون من الجميع، كما تحذف مع إثبات الياء
[الحجة للقراء السبعة: 3/220]
في بنيّ، وإن كان الوزن لا يقتضيه، ألا ترى: أنّ: أرهن بني: مستفعلن، وإنّما خصّ القوافي والفواصل بالحذف في أكثر الأمر، لأنّها مما يوقف عليها، والوقف موضع تغيير فجعل التغيير فيه الحذف، كما جعل التغيير فيه الإبدال وتخفيف التضعيف، ونحو ذلك مما يلحق الوقف من التغيير. وقال بعض من يضبط القراءة: لم يذكر أحمد بن موسى كيف يقف أبو عمرو قال: وهو يقف.
واخشون بغير ياء ويصل بياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/221]

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنّ النّفس بالنّفس... (45).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أنّ النّفس بالنّفس) بالنصب في هذه الأسماء كلها (والجروح قصاصٌ) بالرفع خاصة،
[معاني القراءات وعللها: 1/329]
وقرأ الكسائي (أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين) بالرفع في هذه الأسماء كلها، ونصبها كلها الباقون.
قال أبو منصور: أما ما قرأه الكسائي من رفع الأسماء كلها بعد (النفس) ونصبه فإنه جعل قوله (والعين بالعين) ابتداء، وعطف عليه ما بعدها من الأسماء، وجعل قوله (قصاصٌ) خبر الابتداء، وقد رويت هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه فيما أخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبان عن أنس أن رسول الله قرأ (والعين بالعين)، قال - الفراء: فإذا رفع (العين) تبعها ما بعدها.
ومن قرأ (أنّ النّفس بالنّفس) بالنصب وأتبعها الأسماء بعدها بالنصب حتى انتهى إلى قوله (والجروح قصاصٌ) فرفعها فالجروح ابتداء، و(قصاص) خبره، قال الفراء: الرفع والنصب في عطوف (أنّ) إنما يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل، مثل قوله (وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقٌّ والسّاعة لا ريب فيها) فسهل لأن بعد الساعة خبرها، ومثله: (إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين (128).
[معاني القراءات وعللها: 1/330]
وكذلك قوله (والجروح قصاصٌ) رفعت (الجروح) بالقصاص، ومن نصب الجميع أتبع بعضه بعضًا). [معاني القراءات وعللها: 1/331]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والأذن بالأذن... (45)
قرأ نافع (والأذن بالأذن)، وكذلك قوله: (ويقولون هو أذنٌ) وقوله: (كأنّ في أذنيه وقرًا) بإسكان الذال في كل القرآن، وقرأ الباقون (الأذن) بضمتين في جميع القرآن.
قال أبو منصور: هما لغتان، وأفصحهما التثقيل). [معاني القراءات وعللها: 1/331]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [45].
قرأ الكسائي وحده: {أن النفس بالنفس} ورفع ما بعد ذلك على الابتداء، ذهب الكسائي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك فنصب {النفس} بـ «أن» واستأنف ما بعد ذلك على الابتداء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب ذلك، ورفعا {والجروح قصاص}، أي: كتب الله على بني إسرائيل في التوراة أن النفس بالنفس إلى: {السن بالسن} ثم بعد ذلك: الجروح قصاص.
وقرأ الباقون كل ذلك بالنصب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {والأذن بالأذن} [45].
قرأ نافع وحده {بالأذن} ساكنة.
وقرأ الباقون بضمتين، ففي ذلك ثلاثُ حجج:
إحداهن: أن يكون استثقل بضمتين فأسكن كما قال: {وأحيط بثمره}، والأصل: بثمره، وكما قال: {فرهن مقبوضة} والأصل: رهن. والعرب ..................... ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/222]
أن النفس بالنفس إلى قوله: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن والسن بالسن [المائدة/ 45] ينصبون ذلك كله، ويرفعون: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
كان نافع وعاصم وحمزة ينصبون ذلك كله. وروي عن الواقدي عن نافع: والجروح رفعا.
وقرأ الكسائي: أن النفس بالنفس نصبا، ورفع ما بعد ذلك كله.
[قال أبو علي]: حجّة من نصب العين بالعين وما بعده: أنّه عطف ذلك على أنّ، فجعل الواو للاشراك في نصب أنّ، ولم يقطع الكلام مما قبله، كما فعل ذلك من رفع.
فأما من رفع بعد النصب فقال: أن النفس بالنفس والعين بالعين فحجته أنه يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة، كما تعطف المفرد على المفرد.
[الحجة للقراء السبعة: 3/223]
والوجه الثاني أنّه حمل الكلام على المعنى، لأنّه إذا قال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة/ 45] فمعنى الحديث: قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين بالعين على هذا كما أنه لما كان المعنى في قوله: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] يمنحون كأسا من معين، حمل حورا عينا على ذلك، كأنّه: يمنحون كأسا، ويمنحون حورا عينا، وكما أنّ معنى الحديث في قوله:
فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة......
أنّ هناك مناخ مطية، حمل قوله:
وسمر ظماء
[الحجة للقراء السبعة: 3/224]
على معنى الحديث، كأنّه قال: ثمّ مناخ مطية وسمر ظماء وكذلك قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله... فبدا وغيّر ساره المعزاء
لما كان المعنى في:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى * إلّا رواكد..
بها رواكد، حمل مشججا عليه، فكأنّه قال: هناك رواكد ومشجّج فعلى هذا يكون وجه الآية. ومثل هذا من الحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره.
والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله والعين على. الذكر
[الحجة للقراء السبعة: 3/225]
المرفوع في الظرف الذي هو الخبر وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل كما أكّد في نحو إنه يراكم هو وقبيله [الأعراف/ 27] ألا ترى أنه قد جاء: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فلم يؤكد بالمنفصل، كما أكّد في الآي الأخر. فإن قلت: فإن لا* في قوله: ولا آباؤنا عوضا من التأكيد، لأنّ الكلام قد طال بها، كما طال
في نحو: حضر القاضي اليوم امرأة؛ قيل: هذا إنّما يستقيم أن يكون عوضا إذا وقع قبل حرف العطف ليكون عوضا من الضمير المنفصل الذي كان يقع قبل حرف العطف، فأما إذا وقع بعد حرف العطف لم يسدّ ذلك المسدّ. ألا ترى أنّك لو قلت: حضر امرأة اليوم القاضي، لم يغن طول الكلام في غير هذا الموضع الذي كان ينبغي أن يقع فيه التعويض.
فأمّا قوله تعالى: والجروح قصاص فمن رفعه بقطعه عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع: والعين بالعين.
ويجوز أن يستأنف: والجروح قصاص ليس على أنّه مما كتب عليهم في التوراة، ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك، ويقوّي أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه، فقال: والجروح قصاص.
[الحجة للقراء السبعة: 3/226]
قال: وكلّهم ثقّل الأذن إلّا نافعا فإنّه خففها في كل القرآن.
القول في ذلك أنّهما لغتان، كما أنّ السّحت والسّحت لغتان، وقد تقدّم القول في ذلك. قال أبو زيد: يقال: رجل أذن ويقن، وهما واحد، وهو الذي لا يسمع بشيء إلّا أيقن به، وقد ذكرنا ذلك في سورة التوبة أيضا). [الحجة للقراء السبعة: 3/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكتبنا عليهم فيها أن النّفس بالنّفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّن بالسّنّ والجروح قصاص}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسّن بالسّنّ} كلها بالنّصب {والجروح} رفعا
[حجة القراءات: 225]
وقرأ نافع وعاصم وحمزة جميع ذلك بالنّصب وقرأ الكسائي كلها بالرّفع
فمن قرأ {العين} أراد أن العين بالعين فأضمر أن وهذا مذهب الأخفش ومذهب سيبويهٍ نسق على قوله {أن النّفس بالنّفس}
وحجّة من رفع {والجروح} ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال رفع على الابتداء يعني والجروح من بعد ذلك قصاص
[حجة القراءات: 226]
وحجّة أخرى هي إنّما اختاروا الانقطاع عن الكلام الأول والاستئناف ب الجروح لأن خبر الجروح يتبيّن فيه الإعراب وخبر الاسم الأول مثل خبر الاسم الثّاني والثّالث والرّابع والخامس فأشبه الكلام بعضه بعضًا ثمّ استأنفوا الجروح فقالوا {والجروح قصاص} لأنّه لم يكن خبر الجروح يشبه أخبار ما تقدمه فعدل به إلى الاستئناف
وحجّة الكسائي في ذلك صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه أنه قرأ {والعين بالعين والأنف بالأنف} كلها بالرّفع قال الزّجاج رفعه على وجهين على العطف على موضع {النّفس بالنّفس} والعامل فيها المعنى وكتبنا عليهم النّفس أي قلنا لهم النّفس ويجوز أن يكون {والعين بالعين} على الاستئناف وعند الفراء أن الرّفع أجود الوجهين وذلك لمجيء الاسم الثّاني بعد تمام خبر الأول وذلك مثل قولك إن عبد الله قائم وزيد قاعد وقد أجمعوا على الرّفع في قوله {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} فكان إلحاق ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى
قرأ نافع {والأذن بالأذن} ساكنة الذّال في جميع القرآن كأنّه استثقل الضمتين في كلمة واحدة فأسكن وقرأ الباقون بالضّمّ على أصل الكلمة). [حجة القراءات: 227]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: «العين والأنف والأذن والسن والجروح» قرأ الكسائي برفع الخمسة، ونصبهن الباقون، غير أن الجروح نصبه نافع وعاصم وحمزة ورفعه الباقون وأسكن نافع الذال من {أذن} «التوبة 61» و{الأذن} «المائدة 45»، و{أذنيه} «لقمان 7» وضم الباقون.
11- وحجة من رفع أنه عطفه على موضع «النفس»؛ لأن «إن» دخلت على الابتداء، فلما تمت بخبرها، وهو «بالنفس» عطف «والعين» على موضع الجملة، وموضعها الابتداء والخبر، فهو عطف جملة على جملة، وعطف ما بعد العين عليها، ويجوز أن يكون عطف على معنى الكلام، لأن معنى الكلام وكتبنا عليهم فيها، قلنا لهم: النفس بالنفس، فعطف على المعنى على الابتداء والخبر، ويجوز أن يكون عطف «والعين» على المضمر المرفوع، الذي في النفس، وحسن ذلك، وإن لم يؤكده، كما قال تعالى: {ما أشركنا ولا آباؤنا} «الأنعام 145» ولا تكون «لا» عوضًا من التأكيد؛ لأنها بعد حرف العطف، ولو كانت قبل الحرف لحسن أن تكون عوضًا، وقد روى أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قرأ بالرفع في «العين» وما بعد ذلك إلى «قصاص».
12- وحجة من نصب أنه عطفه على لفظ «النفس» فهو ظاهر التلاوة، وأعمل «أن» في النفس، وفيما عطف على «النفس» ولم يقطع بعض الكلام من بعض، وجعل «قصاصا» هو خبر «أن» إذا نصب الجروح، فإن رفعت الجروح، فعلى الابتداء، و«قصاص» خبره، وخبر «أن» في المجرور في قوله: «بالنفس وبالعين وبالأنف وبالأذن» كل مخفوض خبر لما قبله.
13- وحجة من رفع «الجروح» أنه عطف على ما قبله، إن كان يقرأ برفع ما قبله، وإن كان يقرأ بنصب ما قبله، فإنما رفعه على الابتداء، والقطع مما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/409]
قبله، و«قصاص» خبره، فيكون إذا قطعته مما قبله ليس مما كتب عليهم في التوراة، إنما هو استئناف شريعة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعوا على الرفع، على القطع، في قوله: {والله ولي المؤمنين} «آل عمران 68» وعلى قوله: {والله ولي المتقين} «الجاثية 19» فكذلك «الجروح» وقيل: إنما رفع لأنه عطفه على موضع «النفس» وقيل: عطفه على المضمر المرفوع الذي في «بالنفس» والاختيار الرفع، للعلل التي ذكرنا، ولأنه مروي عن النبي عليه السلام، لأن خبره مخالف لخبر ما قبله من الجمل، ولمخالفته إعراب ما بعده إعراب خبر ما قبله، فالرفع في «الجروح» قوي من جهة الإعراب، والنصب قوي من جهة المعنى، واتصال بعض الكلام ببعض، فهو أيضًا قوي مختار، وإذا عطفته على ما قبله، فنصبته فهو مما كتب عليهم في التوراة، وبالنصب في «العين» , ما بعد ذلك قرأ أبي بن كعب، فأما ضم الذال من «أذن» وإسكانها فلغتان، كالسحْت والسحُت، والاختيار في ذلك كله ما عليه الجماعة؛ لأنه محمول في النصب على اتصال بعض الكلام ببعض، غير منقطع بعضه من بعض، ومحمول على أنه كله مكتوب في التوراة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/410]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {أَنَّ النَفْسَ} [آية/ 45]:-
بالنصب، وما بعدها جميعًا بالرفع، قرأها الكسائي وحده.
والرفع في هذه الأسماء المعطوفة يحتمل أوجهًا ثلاثة:-
أحدها: أن تكون الواو عطفت جملة على جملةٍ، ولم تشرك في العامل،
[الموضح: 439]
كما في قول من نصب، فعلى هذا الوجه يكون ما بعد الواو على الابتداء، ولا يتعلق بالعامل الذي في الجملة الأولى.
ويجوز أن يكون الكلام محمولاً على المعنى؛ لأن قوله {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} معناه النفس بالنفس، فحمل المعطوف على هذا، كأنه قال: النفس بالنفس والعين بالعين؛ لأن {انَّ} لا تفيد معنى إلا الابتداء والحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره، فمن ذلك قوله {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} ثم قال {وَحُورًا عينًا} في قراءة من قرأ بالنصب؛ لأن المعنى: يمنحون كأسًا ويمنحون حورًا.
والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله {والعينُ بالعينِ} على الذكر المرفوع في الظرف الذي هو الخبر، وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل.
[الموضح: 440]
وأما قوله {والجروحُ قصاصٌ} فرفعه يحتمل الأوجه الثلاثة التي ذكرنا، ويحتمل أن يكون على استئناف الكتاب ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالنصب فيها كلها إلا {الجُرُوحُ} فإنه بالرفع.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة ويعقوب بالنصب فيهن أجمع.
ووجه النصب ظاهر من حيث إنها تكون معطوفة على اسم أن، والواو للإشراك في نصب ان، والكلام غير مقطوع مما قبله، والتقدير: أن النفس بالنفس وأن العين بالعين، وكذلك في الجميع). [الموضح: 441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ} [آية/ 45]:-
بإسكان الذال، قرأها نافع وحده، وكذلك {أُذْنُ خَيْرٍ} و{أُذْنٌ واعِيَة} و{في أذْنَيْهِ}.
وقرأ الباقون {الأُذُن} بتحريك الذال في كل القرآن.
[الموضح: 441]
هما لغتان، الأُذُنُ والأُذْنُ، لغتان كالسُحُت والسُحْت، وقد تقدم مثله). [الموضح: 442]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:07 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (46) إلى الآية (47) ]

{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}

قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)}

قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل اللّه فيه... (47)
قرأ حمزة وحده (وليحكم أهل الإنجيل) بكسر اللام وفتح الميم، وقرأ الباقون (وليحكم) بجزم اللام والميم.
قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (وليحكم) فإن الزجاج قال قرئت بكسر اللام وفتح الميم على معنى: ولأن يحكم.
قال: ويجوز كسر اللام مع الجزم في الميم، ولكنه لم يقرأ به، والأصل كان كسر اللام فخفف.
قال الأزهري اللام إذا اتصلت بالفاء والواو استثقل كسرها، وكثرت الحركات فسكنها، وهما لغتان جيدتان، ومن جزم الميم فلأن اللام لام الأمر، إلا أنه لم يقرأ به). [معاني القراءات وعللها: 1/332]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إسكان اللام والميم، وكسر اللام وفتح الميم [في قوله تعالى]: وليحكم أهل الإنجيل [المائدة/ 47].
فقرأ حمزة وحده: وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام وفتح الميم.
وقرأ الباقون بإسكان اللام وجزم الميم.
[قال أبو علي]: حجة حمزة في قراءته: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه [المائدة/ 47] أنه جعل اللام متعلقة بقوله: وآتيناه الإنجيل [المائدة/ 46] لأنّ إيتاءه الإنجيل
[الحجة للقراء السبعة: 3/227]
إنزال ذلك عليه، فصار بمنزلة قوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 105] فكأنّ المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم، كما قال: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم فالحكمان جميعا حكمان لله تعالى، وإن كان أحدهما حكما بما أنزله الله، والآخر حكما بما أراه الله، فكلاهما حكم الله.
وأمّا حجة من قرأ: وليحكم أهل الإنجيل فهي نحو قوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فكما أمر عليه السلام- بالحكم بما أنزل الله كذلك أمروا هم بالحكم بما أنزل الله في الإنجيل). [الحجة للقراء السبعة: 3/228]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه}
قرأ حمزة {وليحكم أهل الإنجيل} بكسر اللّام وفتح الميم جعل اللّام لام كي ونصب الفعل بها وكأنّه وجه معنى ذلك إلى
[حجة القراءات: 227]
{وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التّوراة} وكي يحكم أهله بما أنزل الله فيه
وقرأ الباقون {وليحكم} ساكنة اللّام والميم على الأمر فأسكنوا الميم للجزم وأسكنوا اللّام للتّخفيف
وحجتهم في ذلك أن الله عز وجل أمرهم بالعمل بما في الإنجيل كما أمر نبينا صلى الله عليه في الآية الّتي بعدها بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله} ). [حجة القراءات: 228]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {وليحكم} قرأه حمزة بكسر اللام، وفتح الميم، وقرأ الباقون بإسكان اللام والميم، غير أن ورشا يلقي حركة همزة «أهل» على الميم فيفتحها.
وحجة من كسر اللام أنه جعلها لام كي، فنصب الفعل بها، على معنى: آتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل، يعني عيسى؛ لأن إنزال الإنجيل كان بعد حدوث عيسى فلا يبتدأ به.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/410]
15- وحجة من أسكن اللام أنه جعلها لام الأمر، فهو إلزام مستأنف يبتدأ به، أمر الله أهل الإنجيل بالحكم بما أنزل في الإنجيل، كما أمر النبي عليه السلام بالحكم بما أنزل عليه، فقال: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} «المائدة 49» وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه، ولأن ما أتى بعده من الوعيد والتهديد، يدل على أنه أمر لازم، إلزام من الله لأهل الإنجيل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَلِيَحْكُمَ} [آية/ 47]:-
بكسر اللام وفتح الميم، قرأها حمزة وحده.
والوجه أن اللام، متعلقة بقوله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ}، والمعنى: وآتيناه الانجيل ليحكم أهل الأنجيل به، واللام هي التي بمعنى كي، وليست بلام الأمر، وذلك بمنزلة قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}.
وقرأ الباقون {وَلْيَحْكُمْ} بسكون اللام وجزم الميم.
والوجه أن اللام لام الأمر، وذلك أنهم أمروا بما أنزل الله في الأنجيل، وهو كقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله}). [الموضح: 442]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:09 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (48) إلى الآية (50) ]

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}

قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}

قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)}

قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أفحكم الجاهليّة يبغون... (50)
قرأ ابن عامر وحده (تبغون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/332]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة/ 50] بالياء إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: تبغون بالتاء.
[قال أبو علي]: من قرأ بالياء فلأنّ قبله غيبة لقوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون [المائدة/ 49].
والتاء على قوله: قل لهم: أفحكم الجاهلية تبغون والياء أكثر في القراءة، زعموا، وهي أوجه لمجرى الكلام على ظاهره،
[الحجة للقراء السبعة: 3/228]
واستقامته عليه من غير تقدير إضمار، ونحو هذا الإضمار لا ينكر لكثرته وإن كان الأوّل أظهر). [الحجة للقراء السبعة: 3/229]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم والسلمي: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] بالياء ورفع الميم.
[المحتسب: 1/210]
قال ابن مجاهد: وهو خطأ.
قال: وقال الأعرج: لا أعرف في العربية [أفحكمُ]، وقرأ: {أفحكمَ} نصبًا.
وقرأ الأعمش: [أفَحكَمَ الجاهلية] بفتح الحاء والكاف والميم.
قال أبو الفتح: قول ابن مجاهد إنه خطأ فيه سرف؛ لكنه وجه غيره أقوى منه، وهو جائز في الشعر، قال أبو النجم:
قد أصبحَتْ أَمُّ الخيار تدَّعي ... عليَّ ذنبًا كلُّه لم أصنع
أي: لم أصنعه، فحذف الهاء. نعم، ولو نصب فقال: "كلَّه" لم ينكسر الوزن، فهذا يؤنسك بأنه ليس للضرروة مطلقة؛ بل لأن له وجهًا من القياس، وهو تشبيه عائد الخبر بعائد الحال أو الصفة، وهو إلى الحال أقرب؛ لأنها ضرب من الخبر، فالصفة كقولهم: الناس رجلان: رجل أكرمت ورجل أهنت؛ أي: أكرمته وأهنته، والحال كقولهم: مررت بهند يضرب زيد؛ أي: يضربها زيد، فحذف عائد الحال وهو في الصفة أمثل؛ لشبه الصفة بالصلة في نحو قولهم: أكرمت الذي أهنت؛ أي: أهنته، ومررت بالتي لقيتُ؛ أي: لقيتها، فغير بعيد أن يكون قوله: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] يراد به يبغونه، ثم يُحْذَف الضمير، وهذا وإن كانت فيه صنعة فإن ليس بخطأ.
وفيه من بَعْدِ هذا شيئان نذكرهما:
الأول: وهو أن قوله: "كله لم أصنع" وإن كان قد حذف منه الضمير، فإنه قد خلفه وأُعيض منه ما يقوم مقامه في اللفظ؛ لأنه يعاقبه ولا يجتمع معه، وهو حرف الإطلاق؛ أعني: الياء في "أصنعي"، فلما حضر ما يعاقب الهاء فلا يجتمع معها صارت لذلك كأنها حاضرة غير محذوفة، فهذا وجه.
والثاني: أن هناك همزة استفهام، فهو أشد لتسليط الفعل، ألا ترى أنك تقول: زيد ضربته فيختار الرفع، فإذا جاء همزة الاستفهام اخترت النصب ألبتة، فقلت: أزيدًا ضربته، فنصبته بفعل مضمر يكون هذا الظاهر تفسيرًا له.
فإذا قلت: [أفحكمَ الجاهلية تبغون] ولم تُعد ضميرًا ولا عوضت منه ما يعاقبه، وحرف الاستفهام
[المحتسب: 1/211]
الذي يختار معه النصب والضمير ملفوظ به موجود معك، فتكاد الحال تختلف على فساد الرفع، وبإزاء هذا أنه لو نصب فقال: "كلَّه لم أصنع" لما كَسَر وزنًا، فهذا يؤنسك بالرفع في القراءة.
وإن شئت لم تجعل قوله [يبغون] خبرًا؛ بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، فكأنه قال: أفحكمُ الجاهلية حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف الذي هو حكم، وأقام الجملة التي هي صفته مقامه؛ أعني: يبغون، كما قال الله سبحانه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أي: قوم يحرفون، فحُذف الموصوف وأُقيمت الصفة مقامه، وعليه قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي: فمنهما تارة أموت فيها، فحذف تارة وأقام الجملة التي هي صفتها نائبة عنها فصار أموت فيها، ثم حذف حرف الجر فصار التقدير أموتها، ثم حذف الضمير فصار أموت. ومثله في الحذف من هذا الضرب؛ بل هو أطول منه:
تروَّحي يا خيرَةَ الفَسيلِ ... تروَّحي أجدرَ أن تقيلي
أصله: ائتي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه، فحذف الفعل الذي هو "ائتي" لدلالة تروحي عليه، فصار مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه، ثم حذف الموصوف الذي هو مكانًا فصار تقديره أجدر بأن تقيلي فيه، ثم حذف الباء أيضًا تخفيفًا فصار أجدر أن تقيلي فيه، ثم حذف حرف الجر فصار أجدر أن تقيليه، ثم حذف العائد المنصوب فصار أجدر أن تقيلي. ففيه إذن خمسة أعمال؛ وهي: حذف الفعل الناصب، ثم حذف الموصوف، ثم حذف الباء، ثم حذف "في"، ثم حذف الهاء، فتلك خمسة أعمال.
وهناك وجه سادس؛ وهو أن أصله: ائتي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه من غيره، كما تقول: مررت برجل أحسن من فلان، وأنت أكرمُ عليَّ من غيرك. فإذا جاز في الكلام توالي هذه الحذوف ولم يكن معيبًا ولا مَشِينًا ولا مُستكرَهًا كان حذف الهاء من قوله تعالى: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ]، والمراد به حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف وعائده أسوغ وأسهل وأسير. وأما قوله:
[المحتسب: 1/212]
[أَفَحَكَمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ] فيمن قرأه كذلك، فأمره ظاهر في إعرابه، غير أن [حَكَمًا] هنا ليس مقصودًا به قصد حاكم بعينه؛ وإنما هو بمعنى الشِّياع والجنس؛ أي: أفحكامَ الجاهلية يبغون؟ وجاز للمضاف أن يقع جنسًا كما جاء عنهم في الحديث من قولهم: منعت العراق قَفِيزها ودرهمها، ومنعت مصر إردبها، وله نظائر.
ثم يرجع المعنى من بعد إلى أن معناه معنى: [أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ]؛ لأنه ليس المراد والْمَبْغيّ هنا نفس الحكام، فإنما المبغي نفس الحُكْم، فهو إذن على حذف المضاف؛ أي: أفحُكمَ حَكَمِ الجاهلية يبغون؟ وهذا هو الأول في المعنى، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/213]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أفحكم الجاهليّة يبغون}
قرأ ابن عامر (أفحكم الجاهليّة تبغون) بالتّاء أي قل لهم يا محمّد (أفحكم الجاهليّة تبغون) يا كفرة
وقرأ الباقون بالياء أي أيطلب هؤلاء اليهود حكم عبدة الأوثان وحجتهم ما تقدم وهو قوله قبلها {فإن تولّوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} ). [حجة القراءات: 228]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {يبغون} قرأه ابن عامر بالتاء، على الخطاب، على معنى: قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على قوله: {وإن كثيرًا من الناس لفاسقون} «49» وعلى قوله: {إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} «49» وهو الاختيار، لارتباط بعض الكلام ببعض، ولمطابقة آخره مع أوله، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [آية/ 50]:-
بالتاء فوقه نقطتان، قرأها ابن عامر وحده.
والمعنى: قل لهم أفحكم الجاهلية تبغون. وقرأ الباقون {يَبْغُونَ} بالياء.
[الموضح: 442]
ووجهه: أن الكلام على الغيبة؛ لأن ما قبله إخبار عن الغيب، وهو قوله {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}، وهذه القراءة أكثر وأوجه لجري الكلام على ظاهره من غير إضمار). [الموضح: 443]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:10 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (51) إلى الآية (53) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}

قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [فَيرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ] بالياء.
قال أبو الفتح: فاعل يرى مضمر دلت عليه الحال؛ أي: فيرى رائيهم ومتأمِّلُهم، والذين في موضع نصب كقراءة الجماعة، وقد كثر إضمار الفاعل لدلالة الكلام عليه، كقولهم: إذا كان غدًا فائتني؛ أي: إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فائتني، وهو كثير، ودل عليه أيضًا القراءة العامة؛ أي: فترى أنت يا محمد -أو يا حاضر- الحال الذين في قلوبهم مرض يسارعون في ولاء المشركين ونصرهم). [المحتسب: 1/213]

قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا... (53).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (يقول الّذين آمنوا) بغير واو في أوله وبرفع اللام، وقرأ أبو عمرو: (ويقول) نصبًا.
وقرأ الكوفيون: (ويقول الّذين آمنوا) رفعًا، وروى علي بن نصر عن أبى عمرو الرفع والنصب جميعًا.
قال أبو منصور: أما حذف الواو وإثباتها فعلى ما كتب في المصاحف القديمة، وثبوت الواو، وسقوطها لا يغير المعنى، ومن نصب (ويقول) عطفه على قوله (فعسى اللّه أن يأتي بالفتح.. وأن يقول.
ومن رفع (ويقول) فهو استئناف، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/333]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إدخال الواو وإخراجها والرفع والنصب في قوله [جل وعز]: ويقول الذين آمنوا [المائدة/ 53].
فقرأ أبو عمرو وحده: ويقول الذين آمنوا* نصبا. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه قرأ بالنصب والرفع: ويقول الذين آمنوا* نصبا ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: يقول الذين آمنوا* بغير واو في أولها ورفع اللام، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة ومكة واللام من يقول مضمومة.
[قال أبو علي]: إن قلت: كيف قرأ أبو عمرو: ويقول الذين آمنوا* ولا يجوز عسى الله أن يقول الذين آمنوا. فالقول في ذلك أنّه يحتمل أمرين غير ما ذكرت، أحدهما: أن يحمله على المعنى لأنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] فكأنّه قد قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. كما أنّه إذا قال: فأصدق وأكن [المنافقون/ 10] فكأنّه قد قال: أصّدق
[الحجة للقراء السبعة: 3/229]
وأكن، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقع في موضع قوله: لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق: هلّا أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، لأنّ هلّا للتحضيض، فكأنّه قال: أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، كما تقول: أعطني أكرمك، فلما وقع قوله: فأصدق موضع قوله:
أصّدّق حمل أكن على الجزم الذي كان يجوز في الفعل لو وقع موقع الفاء والفعل الذي بعده، كما أنّ قوله:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
حمل أزدد فيه على الجزم الذي كان يكون في موضع الفعل الذي هو جزاء، فكذلك حمل: ويقول الذين آمنوا على ما كان يجوز وقوعه بعد عسى من أن، ألا ترى أنّ جواز كلّ واحد منهما ومساغه كجواز الآخر وقد جاء التنزيل بهما [قال عزّ وجل]:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] وعسى الله أن يكف بأس الذين كفروا [النساء/ 84] فلمّا كان مجازهما واحدا، صرت إذا ذكرت أحدهما فكأنّك ذكرت الآخر، فجاز الحمل عليه.
ووجه آخر وهو أنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] جاز أن يبدل أن يأتي من اسم الله كما أبدلت
[الحجة للقراء السبعة: 3/230]
أن من الضمير في قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وإذا أبدلت منه حملت النصب في: ويقول* على ذلك، كأنّك قلت: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا.
فأمّا من رفع، فحجّته أن يجعل الواو لعطف جملة على جملة، ولا يجعلها عاطفة على مفرد، ويدلّ على قوة الرفع قول من حذف الواو فقال: يقول الذين آمنوا*.
وأما إسقاط الواو وإثباتها من قوله: ويقول الذين آمنوا فالقول فيه إنّ حذفها في المساغ والحسن كإثباتها. فأمّا الحذف فلأنّ في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها، وذلك أن من وصف بقوله: يسارعون فيهم يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله: نادمين [المائدة/ 52] هم الذين قال فيهم الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم [المائدة/ 53] فلمّا صار في كلّ واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو، كما أن قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم [الكهف/ 22] لمّا كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدّم، اكتفي بذلك عن الواو، لأنّها بالذكر وملابسة بعضها ببعض به ترتبط إحداهما بالأخرى كما ترتبط بحرف العطف، وعلى هذا قوله: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39]
[الحجة للقراء السبعة: 3/231]
ولو أدخلت الواو فقيل: وهم فيها خالدون، كان حسنا، ويدلّك على حسن دخول الواو قوله:
ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم فحذف الواو من قوله: ويقول الذين آمنوا كحذفها في هذه الآي، وإلحاقها كإلحاقها في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] فقد تبين لك بمجيء التنزيل بالأمرين أنّ هذا الموضع أيضا مثل ما جاء التنزيل به في غير هذا الموضع). [الحجة للقراء السبعة: 3/232]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم}
قرأ ابو عمرو {ويقول الّذين آمنوا} بالنّصب رد على قوله {فعسى الله أن يأتي بالفتح} و{أن يقول الّذين آمنوا} وقرأ أهل الحجاز والشّام (يقول) بغير الواو وكذلك هي في مصاحفهم وحجتهم ما روي عن مجاهد في تفسيره {فعسى الله أن يأتي بالفتح} فتح مكّة {أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} (يقول الّذين آمنوا) أي حينئذٍ (يقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم) أي ليس كما قالوا
وقرأ أهل الكوفة {ويقول} بالواو والرّفع على الانقطاع من الكلام المتقدّم فابتدأ الخبر عن قول الّذين آمنوا وقد يجوز أن تكون
[حجة القراءات: 229]
مردودة على قوله {فترى الّذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم} ويقول الّذين آمنوا أي وترى الّذين آمنوا يقولون {أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه} ). [حجة القراءات: 230]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {ويقول الذين آمنوا} قرأ الحرميان وابن عامر بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، وكلهم رفع «يقول» إلا أبا عمرو فإنه نصبه.
وحجة من أثبت أنه جعله عطفًا على ما قبله، عطف جملة على جملة، وتبع في ذلك أنها ثابتة في مصاحف الكوفة والبصرة.
18- وحجة من حذف الواو أنه استغنى عن حرف العطف، لأن في الجملة الثانية ضميرًا يعود على الاول، فذلك الضمير يغني عن حرف العطف، كما قال: {ثلاثة رابعهم} وقال: {خمسة سادسهم} «الكهف 22» وإثبات حرف العطف حسن، كما قال: {سبعة وثامنهم}، وأيضًا فإنه بغير واو في مصاحف أهل المدينة ومكة والشام، والقراءتان حسنتان، وإثبات الواو أحب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/411]
إلي؛ لارتباط بعض الكلام ببعض؛ ولأنه أزيد في الحسنات.
19- وحجة من نصب الفعل أنه عطفه على «أن يأتي» على تقدير تقدم «أن» إلى جنب «عسى» إذ لا يحسن «على الله أن يأتي، وعسى الله أن يقول الذين» كما لا يحسن: عسى زيد أن يقوم عمرو، فإذا قدّرت التقديم في «أن يأتي» إلى جنب «عسى» حسن لأنه يصير التقدير: عسى الله أن يأتي الله، وعسى أن يقول الذين، ويجوز أن يجعل «أن يأتي» بدلًا من اسم الله جل ذكره، فيصير التقدير: عسى الله أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين.
20- وحجة من رفع الفعل أنه جعل الواو عطفت جملة على جملة، لم تعطف مفردًا على مفرد، ويقوي الرفع قراءة من قرأ بغير واو فلا يجوز مع حذف الواو إلا الرفع على الاستئناف، والاستغناء بالضمير الذي في الجملة الثانية، عن حرف العطف، والاختيار الرفع، إذ عليه الجماعة، ولظهور وجهه، ولترك التكلف فيه، كما احتيج إلى التكلف في النصب، من تقديم لفظ مؤخر، وإثبات الواو وحذفها واحد، وحذفها أحب إلي؛ لأن في حذفها دليلًا على قوة الرفع الي اخترنا، وفيه ترك النصب، الذي فيه ترك التقديم والتأخير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/412]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا} [آية/ 53]:-
بغير واو في أوله، قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر؛ لأن في هذه الجملة ذكرًا من الجملة المتقدمة، فجاز عطفها عليها بالواو وبغير الواو، وذلك أن الذين وصفوا بقوله تعالى {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} هم الذين قال فيهم {الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله} فلما كان في كل واحدةٍ من الجملتين ذكر من الأخرى جاز حذف الواو لاتصال إحداهما بالأخرى، كما جاز في قوله {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} فعطف بغير الواو، ثم قال: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فعطف بالواو.
وقرأ الباقون {وَيَقُولُ} بإثبات الواو في أوله، وهو الأظهر؛ لأنه عطف جملةٍ على جملةٍ، فالأصل فيه أن يكون بالواو.
[الموضح: 443]
وأما نصب {يُقُولَ}:-
فقد قرأه أبو عمرو ويعقوب.
ووجهه أن الكلام محمول على المعنى؛ لأنه إذا قال {فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} فكأنه قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا، فعطف على المعنى، كما أنه إذا قال {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} كان محمولاً على المعنى، كأنه قال: أصدق وأكن، بالجزم فيهما، وقد قال الله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا}.
ووجه ثانٍ: هو أنه إذا قال {فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} جاز أن يبدل {أَنْ يَأْتِيَ} من اسم الله، كما فعلت في قوله تعالى {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} فأبدلت {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدلاً من الضمير في {آنْسانِيهُ}، فإذا أبدلت {أَنْ يَأْتِيَ} من اسم الله، حملت قوله {وَيَقُولَ} بالنصب عليه، فكأنك قلت: فعسى أن يأتي الله بالفتح وأن يقول.
ووجه ثالث: إن قوله {يَقُولَ} بالنصب عطف على الفتح، والفتح مصدر، وأن يقول في معنى المصدر، فكأنه قال: عسى الله أن يأتي بالفتح وبأن يقول الذين آمنوا، والمعنى بالفتح وبقول الذين آمنوا، فعطف مصدرًا على مصدرٍ.
وإنما لم يعطف {يَقُولَ} على {يأتيَ} كما يتوهمه بعض الناس؛ لأنه لا يستقيم: عسى الله أن يقول الذين آمنوا.
[الموضح: 444]
وقرأ الباقون {يَقُولُ} بالرفع.
ووجهه: أن تجعل الواو لعطف جملة على جملةٍ، ولا تجعلها عاطفة على مفردٍ، ويؤيد وجه الرفع قراءة من قرأ بحذف الواو من {يَقُولُ} ). [الموضح: 445]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:11 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من يرتدّ منكم عن دينه... (54)
قرأ نافع وابن عامر ((من يرتدد) بدالين، وقرأ الباقون (من يرتدّ)
[معاني القراءات وعللها: 1/333]
بتشديد الدال وفتحها.
قال أبو منصور: من أظهر الدالين فلسكون الدال الثانية في موضع الجزم، ومن قرأ (يرتدّ) بالنصب فلان المضاعف إذا أدغم في موضع الجزم أعطي أخف الحركات وهو النصب، كقولك: حل واحلل، وعض واعضض). [معاني القراءات وعللها: 1/334]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في إظهار الدال وإدغامها من قوله جلّ وعز: من يرتد منكم عن دينه [المائدة/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام الدال الأولى في الآخرة.
وقرأ نافع وابن عامر: من يرتدد منكم عن دينه بإظهار الدالين وجزم الآخرة.
حجة من أظهرهما ولم يدغم: أن الحرف المدغم لا يكون إلّا ساكنا، ولا يمكن الإدغام في الحرف الذي يدغم حتى يسكن، لأنّ اللسان يرتفع عن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، فإذا لم يسكن لم يرتفع اللسان ارتفاعة واحدة، فإذا لم يرتفع كذلك لم يمكن الإدغام فإذا كان كذلك لم يسغ الإدغام في الساكن، لأنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/232]
المدغم إذا كان ساكنا، والمدغم فيه كذلك، التقى ساكنان، والتقاء الساكنين في الوصل في هذا النحو ليس من كلامهم، فأظهر الحرف الأوّل وحرّكه، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، وهذه لغة أهل الحجاز فلم يلتق الساكنان.
وحجة من أدغم أنّه لما أسكن الحرف الأول من المثلين ليدغمه في الثاني وكان الثاني ساكنا، وقد أسكن الأوّل للإدغام حرّك المدغم فيه لالتقاء الساكنين على اختلاف في التحريك، وهذه لغة بني تميم. وإنّما حرّك بنو تميم ذلك لتشبيههم إياه بالمعرب، وذلك أنّ المعرب قد اتفقوا على إدغامه، فلما وجدوا ما ليس بمعرب مشابها للمعرب في تعاور الحركات عليه كتعاورها على المعرب، جعلوه بمنزلة المعرب فأدغموا كما أدغموا المعرب، وهذا من فعلهم يدل على صحّة ما ذهب إليه سيبويه من تشبيه حركة الإعراب بحركة البناء في التخفيف نحو:
.. أشرب غير مستحقب ألا ترى أنّهم شبهوا حركة البناء بحركة الإعراب في إدغامهم في الساكن المحرّك بغير حركة الإعراب، فكما شبهوا حركة البناء
بحركة الإعراب، كذلك شبهوا حركة الإعراب بحركة البناء في نحو:
أشرب غير مستحقب
[الحجة للقراء السبعة: 3/233]
وليس ذلك بأبعد من تشبيههم أفكل بأذهب، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا قال [جلّ وعزّ]: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى [النساء/ 115] وقال: ومن يشاقق الله ورسوله [الأنفال/ 13] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من يرتد منكم عن دينه}
قرأ نافع وابن عامر (من يرتدد منكم) بدالين وحجتهما إجماع الجميع في سورة البقرة {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت} بدالين وقرأ الباقون {من يرتد} بدال مشدّدة
اعلم أن الإظهار لغة أهل الحجاز وهو الأصل لأن التّضعيف إذا سكن الثّاني من المضاعفين ظهر التّضعيف نحو قوله {إن يمسسكم قرح} ولو قرئت (إن يمسكم قرح) كان صوابا والإدغام لغة غيرهم والأصل كما قلنا {يرتدد} فأدغمت الدّال الأولى بالثّانية وحركت الثّانية بالفتح لالتقاء الساكنين). [حجة القراءات: 230]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {من يرتد} قرأ نافع وابن عامر بدالين، الثانية ساكنة، وقرأ الباقون بدال واحدة مفتوحة مشددة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/412]
وحجة من أظهر دالين أن الإدغام، إنما أصله إذا كان الأول ساكنًا فيدغم الأول في الثاني، فلما كان الثاني في هذا هو الساكن أوثر الإدغام، لئلا يدغم، فيسكن الأول للإدغام، فيجتمع ساكنان، فكان الإظهار أولى به، وهي لغة أهل الحجاز، مع أن الإدغام يحتاج إلى تغيير بعد تغيير، فكان الإظهار أولى، وهو الأصل، وكذلك هي بدالين في مصاحف أهل المدينة والشام.
22- وحجة من أدغم أنه أراد التخفيف لما اجتمع له مثلان فأسكن الأول للإدغام، فاجتمع له ساكنان، فحرك الثاني، ثم أدغم الأول فيه، وهي لغة بني تميم، وهي بدال واحدة في مصاحف أهل الكوفة والبصرة ومكة، والإظهار أحب إليّ لأنه الأصل ولأنه لا تغيير فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/413]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [آية/ 54]:-
بدالين، قرأها نافع و(ابن عامر).
والوجه أن الإدغام لا يكون إلا بإسكان الحرف الأول من المثلين، وإذا أسكن الأول فينبغي أن يكون الثالث متحركًا حتى يحصل الإدغام، فأما إذا أسكن الأول، والحرف الثاني ساكن أيضًا، للجزم، لم يمكن الإدغام، بل يلتقي ساكنان، وهو غير جائزٍ، فلذلك أظهر الحرف الأول في هذه القراءة، وحرك، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، فلم يلتق ساكنان، وهو لغة أهل الحجاز.
وقرأ الباقون {يَرْتَدَّ} بدالٍ واحدةٍ مشددةٍ.
ووجهه: أن الحرف الأول من المثلين لما أسكن للإدغام، وكان الثاني ساكنًا للجزم، حرك الثاني لالتقاء الساكنين، فحصل الإدغام، واختير له الفتحة للخفة وهذه لغة بني تميم). [الموضح: 445]

قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}

قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:12 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (57) إلى الآية (58) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء (57)
قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي (والكفّار أولياء) خفضًا، وقرأ الباقون بالنصب، وروى حسين عن أبي عمرو (والكفار) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (والكفّار) خفضًا عطفه على قوله (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ومن الكفار، ومن قرأ (والكفّار) عطفه على قوله: (لا تتخذوا الذين) ولا تتخذوا الكفار). [معاني القراءات وعللها: 1/334]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الراء وخفضها من قوله تعالى: والكفار أولياء [المائدة/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة: والكفار نصبا.
وقرأ أبو عمرو والكسائي: والكفار* خفضا، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو والكفار بالنصب.
حجة من قرأ بالجر فقال: والكفار* أنه حمل الكلام على أقرب العاملين وقد تقدّم أن لغة التنزيل الحمل على أقرب العاملين، فحمل على عامل الجرّ من حيث كان أقرب إلى المجرور من عامل النصب، وحسن الحمل على الجر، لأنّ فرق الكفار الثلاث: المشرك، والمنافق، والكتابي الذي لم يسلم، قد كان
منهم الهزء فساغ لذلك أن يكون الكفار... مجرورا وتفسيرا
[الحجة للقراء السبعة: 3/234]
للموصول، وموضحا له، فالدليل على استهزاء المشركين قوله: إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر/ 95 - 96] والدليل على استهزاء المنافقين قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن [البقرة/ 14]. وأمّا الكتابي الذي لم يسلم فيدا، على وقوع ذلك منه قوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب [المائدة/ 57] وكلّ من ذكرنا من المشركين والمنافقين ومن لم يسلم من أهل الكتاب يقع عليه اسم كافر ويدل على ذلك قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البيّنة/ 1] وقال: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب [الحشر/ 11] وقال: إن الذين آمنوا ثم كفروا [النساء/ 137]، فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله: والكفار* تفسيرا للاسم الموصول، كما كان قوله: من الذين أوتوا الكتاب تفسيرا له، ولو فسّر الموصول بالكفار لعمّ الجميع. ولكنّ الكفار كأنه أغلب على المشركين وأهل الكتاب، على من إذا عاهد دخل في ذمّة المسلمين وقبلت منه الجزية، على دينه أغلب فلذلك فصّل ذكرهما، ويدل على تقدم قوله: والكفار* قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما
[الحجة للقراء السبعة: 3/235]
أنّ الاتفاق فيما علمنا على الجرّ في قوله: ولا المشركين ولم يحمل على العامل الرافع، كذلك ينبغي أن يتقدم الجرّ في قوله: والكفار أولياء.
وحجّة من نصب فقال: والكفار أولياء أنه عطف على العامل الناصب، فكأنّه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء، وحجتهم في ذلك قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] فكما وقع النهي عن اتّخاذ الكفار أولياء في هذه الآية، كذلك يكون في الأخرى معطوفا على الاتخاذ). [الحجة للقراء السبعة: 3/236]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء}
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {من قبلكم والكفّار} بالخفض على النسق على {الّذين أوتوا الكتاب} المعنى من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفّار وقرأ الباقون بالنّصب على النسق على قوله
[حجة القراءات: 230]
{لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبًا} ولا تتّخذوا الكفّار أولياء). [حجة القراءات: 231]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {والكفار أولياء} قرأه أبو عمرو والكسائي بالخفض، ونصبه الباقون.
وحجة من خفضه أنه عطفه على أقرب العاملين منه، وهو قوله: {من الذين أوتوا} فنهاهم الله أن يتخذوا اليهود والمشركين أولياء، وأعلمهم أن الفريقين اتخذوا دين المؤمنين هزوا ولعبا، ولما كانت فرق الكفار ثلاثًا: مشرك ومنافق وكتابي، وكل هذه الفرق قد اتخذت دين المؤمنين هزوا بدلالة قوله: {من الذين أوتوا الكتاب} و{الكفار} بدلالة قوله في المنافقين أنهم قالوا: {إنما نحن مستهزئون} وبدلالة قوله: {إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر} الحجر «95، 96» فقد أخبر عن الكفار بالاستهزاء، فحسن دخولهم في هذه الآية، في الاستهزاء أيضًا مع الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود، فجعل النوعين تفسيرًا للموصول، وهو قوله: {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا} ثم فسرهم بنوعين: يهود ومشركين، فوجب الخفض على العطف على قوله: {من الذين} لظهور المعنى وقوته، ولقرب المعطوف عليه من المعطوف.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/413]
24- وحجة من نصب أنه عطفه على «الذين» الأول، في قوله: {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا}، {والكفار أولياء}، أي: لا تتخذوا هؤلاء وهؤلاء أولياء، فالموصوف بالهزء واللعب، في هذه القراءة، هم اليهود لا غير، والمنهي عن اتخاذهم أولياء هم اليهود والمشركون، وكلاهما في القراءة بالخفض، موصوف بالهزوء واللعب منهي عن اتخاذهم أولياء، ولولا اتفاق الجماعة على النصب لاخترت الخفض، لقوته في الإعراب وفي المعنى والتفسير، والقرب من المعطوف عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/414]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [آية/ 57]:-
بالخفض، قرأها أبو عمرو والكسائي ويعقوب.
والوجه فيه أن الحمل على عامل الجر أولى، وهو قوله {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} من حيث كان أقرب إلى المعطوف، وحمل الكلام على أقرب العاملين لغة التنويل، كما قال تعالى {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} ولم يقل: ولا المشركون.
وقرأ الباقون {الكُفَّارَ} بالنصب، حملاً على عامل النصب، وهو قوله تعالى {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ}، كأنه قال: ولا تتخذوا الكفار أولياء، كما قال تعالى {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}). [الموضح: 446]

قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:13 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (59) إلى الآية (63) ]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وعبد الطّاغوت... (60)
قرأ حمزة وحده (وعبد الطّاغوت) بضم الباء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتحها.
قال أبو منصور: من قرأ (وعبد الطّاغوت) عطفه على قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) ومن عبد الطاغوت، وأما قراءة حمزة (وعبد الطّاغوت)) فإن أهل العربية ينكرونه، وقال نصير النحوي: هو وهمٌ ممن قرأ به، فليتق الله من قرأ به، وليسأل عنه العلماء حتى يوقف على أنه غير جائز.
وقال الفراء من قرأ (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل: حذر وحذر، وعجل وعجل فهو وجه، وإلا فلا يجوز في القراءة). [معاني القراءات وعللها: 1/335]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- .............. [60].
بضم الباءِ وفتح الدَّال.
وقرأ الباقون {وعبد الطاغوت} فعلاً ماضيًا، ولهم في ذلك حجتان:
إحداهما: النسق على قوله {من لعنه الله} ومن عبد الطاغوت.
والحجة الثانية: أن ابن مسعود وأبيًّا قرآ: {وعبدوا الطاغوت} فأما حمزة فإنه جعل «عبد» جمع عبد، والعرب تجمع عبدًا فيقولون هؤلاء عبيد الله وعباد الله وأعبد الله وعبدان الله وعبدي الله، فمن جر الطاغوت أضاف إليه العبد، ومن قرأ بالنصب جعله فعلاً ماضيًا وتلخيصه: من لعنه الله وخدم الطاغوت.
واختلف الناس في «الطاغوت» فقال قوم: يكون مذكرًا ومؤنثًا وجمعًا وواحدًا، وقد بين الله ذلك في القرآن فقال: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} فأنث وقال: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} فجمع.
وقال آخرون: الطاغوت: واحدٌ، وجمعها طواغيت، وإنما قال تعالى: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} كما قال: {أو الطفل الذين لم يظهروا} فاجتزأ بالواحد عن الجمع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/147]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الباء وفتحها من قوله تعالى: وعبد الطاغوت [المائدة/ 60].
فقرأ حمزة وحده: وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت.
وقرأ الباقون: وعبد الطاغوت منصوبا كلّه.
حجّة حمزة في قراءته عبد الطاغوت: أنه يحمله على ما عمل فيه جعل* فكأنه قال: وجعل منهم عبد الطاغوت. ومعنى جعل*: خلق كما قال: وجعل منها زوجها [الأعراف/ 189] وكما قال: وجعل الظلمات والنور [الأنعام/ 1] وليس عبد*
[الحجة للقراء السبعة: 3/236]
لفظ جمع، ألا ترى أنّه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في الأسماء المنفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع؟ وفي التنزيل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] [يريد: نعم الله] فكذلك قوله: وعبد الطاغوت وجاء على فعل لأنّ هذا البناء تراد به الكثرة والمبالغة، وذلك نحو يقظ، وندس، وفي التنزيل: وتحسبهم أيقاظا [الكهف/ 18] فكأنّ تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الطاغوت، والتذلّل له كلّ مذهب وتحقّق به، وجاء على هذا لأنّ عبدا في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، واستعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة، ألا ترى أنّ الأبرق والأبطح، وإن كانا استعملا استعمال الأسماء حتى كسّر هذا النحو تكسيرها عندهم في نحو قوله:
بالعذب في رصف القلات مقيله... قضّ الأباطح لا يزال ظليلا
لم يزل عنهما حكم الصفة يدلك على ذلك تركهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/237]
صرفها كتركهم صرف آخر، ولم يجعلوا ذلك كأفكل، وأيدع، فكذلك عبد، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، لم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة، لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على فعل نحو يقظ.
فأما من فتح فقال: وعبد الطاغوت فإنّه عطفه على مثال الماضي الذي في الصلة وهو قوله: لعنه الله [النساء/ 118] وأفرد الضمير الذي في عبد، وإن كان المعنى فيه الكثرة لأنّ الكلام محمول على لفظ من دون معناه، وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوف عليها ضمير من، فأفرد لحمل ذلك جميعا على اللفظ ولو حمل الكلّ على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى كان مستقيما). [الحجة للقراء السبعة: 3/238]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن هُرْمُز وابن عمران ونُبيج وابن بريدة: [مَثْوبة] ساكنة الثاء.
قال أبو الفتح: هذا مما خرج على أصله، شاذًّا عن بابه وحال نظائره، ومثله مما يحكى عنهم من قولهم: الفُكاهة مَقْوَدةٌ إلى الأذى، وقياسهما مَثابة ومَقادة، كما جاء عنهم من منامة وهي القطيفة، ومزادة، ومثله مزْيد، وقياسه مزاد، إلا أن مَزْيَدًا عَلَم، والأعلام قد يحتمل فيها ما يكره في الأجناس، نحو: مَحبب ومَكوزة ومريم ومدين ومعد يكرب ورجاء بن حيوة، ومنه: موظب ومورق اسم رجلين، ومَثْوَبة مَفْعَلةٌ ومَثُوبة مَفْعُلة، ونظيرها الْمَبْطَخة والْمَبْطُخة والمشرَفة والمشرُفة، وأصل مَثُوبَة مَثْوُبَة، فنقلت الضمة من الواو إلى الثاء، ومثلها معونة. وأما مئونة
[المحتسب: 1/213]
فمختلف فيها، فمذهب سيبويه أنها فَعُولة من مُنت الرجل أَمونه، وأصلها مَوُونة بلا همز، كما تقول في فَعول من القيام: قَوُوم، ومن النوم: نَوُوم، ثم تُهمز الواو استحسانًا للزوم الضمة لها؛ فتصير مئونة. وقال غيره: هي مَفْعُلة من الأَوْن؛ وهو الثِّقْل من قول رؤبة:
سِرًّا وقد أوَّن تأْوينَ العُقُق
أي: ثقلت أجوافهن فصار كأن هناك أَونَين؛ أي: عِدْلين، فمئونة على هذا كمعونة، هذا من الأَوْن، وهذا من الْمَوْن، وأجاز الفراء أن تكون من الأَيْن -وهو التعب- من حيث كانت المئونة ثِقْلًا على ملتزها، فسلك الفراء في هذا مذهب أبي الحسن في قوله في مَفْعُلَة من البيع: مَبْوُعَة، وحجته في هذا ما سمع منهم في قول الشاعر:
وكنتُ إذا جارِي دَعَا لمضوفة ... أُشَمِّر حتى يَنْصُفَ الساقَ مئزري
وهي من الضيف. والكلام هنا يطول، وقد أشبعناه في كتابنا المنصف). [المحتسب: 1/214]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما يُروى في قول الله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}، وهو عشر قراءات:
{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} على فَعَل ونصب الطاغوت. [وعَبُدَ الطاغوتِ] بفتح العين، وضم الباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت، وهما في السبعة.
ابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، والأعمش، وأبان بن تغلب، وعلي بن صالح، وشيبان: [وعُبُد الطاغوتِ]بضم العين والباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت.
وروى عكرمة عن ابن عباس: [وعُبَّدَ الطاغوتِ] بضم العين، وفتح الباء وتشديدها، وفتح الدال، وخفض الطاغوت.
[المحتسب: 1/214]
وأبو واقد: [وعُبَّادَ الطاغوتِ]، و[وعِبَادَ الطاغوتِ] قراءة البصريين.
وقال معاذ: قرأ بعضهم: [وعُبِدُ الطاغوتُ]، كقولك: ضُرب زيد لم يسم فاعله.
وقرأ عون العقيلي وابن بُرَيدة: [وعابِدَ الطاغوتِ].
وقرأ أبي بن كعب: [وعَبدُوا الطاغوتَ] بواو.
وقرأ ابن مسعود فيما رواه عبد الغفار عن علقمة عنه: [وعُبَدَ الطاغوتِ] كصُرد.
قال أبو الفتح: أما قوله: {وعَبد الطاغوتَ} فماض معطوف على قوله سبحانه: [وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ].
وأما [وعَبُد الطاغوتِ] فاسم على فَعُل. قال أبو الحسن: جاء به نحو حَذُر وفَطُن.
قال: وأما [وعُبُدَ] فجمع عبيد، وأنشد:
انسب العبدَ إلى آبائه ... أسود الجلد ومن قوم عُبُد
هكذا قال أبو الحسن، وقد يجوز أن يكون عُبُد جمع عَبْد، كرَهْن ورُهُن، وسَقْف وسُقُف، ومن جهة أحمد بن يحيى: عُبُد جمع عابد، وهذا صحيح، كبازل وبُزُل، وشارف وشُرُف.
وقال أبو الحسن: والمعنى -فيما يقال- خَدمُ الطاغوت.
وأما [عُبَّد الطاغوت] فجمع عابد، ومثله عُبَّاد، كضارب وضُرَّب وضُرَّاب، وعليه القراءتان: [عُبَّد الطاغوت] و[عُبَّاد الطاغوت]، وعليه قراءة من قرأ: [وعِبَادَ الطاغوت]، عابد وعباد، كقائم وقيام، وصائم وصيام. وقد يجوز أن يكون [عِبَادَ الطاغوت] جمع عَبْد، وقلما يأتي عِباد مضافًا إلى غير الله. وقد أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حَجْل ... أُشَاباتٍ يُخالون العِبادَا
[المحتسب: 1/215]
يريد: عبيدًا لبني آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله، لأن هذا ما لا يُسب به أحد، والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوي إحن
ما سرني أنَّ إبْلي في مبارِكها ... وأن شيئًا قضاه الله لم يكن
فيحتمل أن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كَذِكارة وحجارة وقصارة، جمع قصير.
ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرًا؛ أي: أنا عبد في طاعته.
وأما [عُبِدَ الطاغوتُ] فظاهر، وعليه قراءة أُبي: [وَعَبَدُوا الطَّاغُوتَ] بواو.
وأما [وعابِدَ الطاغوتِ] فهو في الإفراد كعبد الطاغوت، واحد في معنى جماعة على ما مضى. وعليه أيضًا: [وعُبَد الطاغوتِ] لأنه كحُطَم ولُبَد، كما أن عبُدًا كندُسٍ وحذُرٍ ووظيف عَجُرٍ، ومن جهة أحمد بن يحيى [وعَبُدَ الطاغوتُ] أي: صار الطاغوتُ معبودًا؛ كفقُه الرجل وظرف: صار فقيهًا وظريفًا، ومن جهته أيضًا: [وعبدَ الطاغوتِ] وقال: أراد عبَدَة فحذف الهاء، قال: ويقال: عَبَدة الطاغوتِ والأوثان، ويقال للمسلمين: عُبَّاد). [المحتسب: 1/216]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}
قرأ حمزة {وعبد} بضم الباء {الطاغوت} جر يقال عبد وعبد قال الشّاعر
ابني لبينى إن أمكم ... أمة وإن أباكم عبد
قال الفراء الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو رجل حذر ويقظ أي مبالغ في الحذر فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشّيطان وكذا قرأ مجاهد ثمّ فسره وقاله وخدم الطاغوت قال الزّجاج وكان اللّفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم منكم عبد العصا تريد إن فيكم عبيد العصا والنّصب في عبد من وجهين أحدهما على وجعل منهم عبد الطاغوت والثّاني على الذّم على أعني عبد الطاغوت
وقرأ الباقون {وعبد الطاغوت} ولهم في ذلك حجتان
إحداهما النسق على قوله {من لعنه الله} و{عبد الطاغوت} والطاغوت هو الشّيطان أي أطاعه فيما سوّل له وأغواه به والثّانية أن ابن مسعود وأبيا قرأا (وعبدوا الطاغوت) حملا الفعل على معنى
[حجة القراءات: 231]
من لأن من واحد في اللّفظ وجمع في المعنى فقراءة العامّة على اللّفظ وقراءتهما على المعنى كما قال {ومنهم من يستمعون إليك} على المعنى ثمّ قال {ومنهم من ينظر إليك} على اللّفظ). [حجة القراءات: 232]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وعبد الطاغوت} قرأه حمزة بضم الباء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتح الباء والتاء.
وحجة من ضم الباء وكسر التاء أنه جعل «عبد» اسمًا يبنى على «فعل» كعضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يقظ وندس» وأصله الصفة، ونصبه بـ «جعل» أي: جعل منهم عبدًا للطاغوت، وأضاف «عبد » إلى «الطاغوت» فخفضه، و«جعل» بمعنى: «خلق» كقوله: {وجعل الظلمات والنور} «الأنعام 1» والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، وليس «عبد» بجمع، لأنه ليس من أبنية الجموع.
26 – وحجة من فتح الباء والتاء أنه جعله فعلًا ماضيًا، وعطفه على فعل ماض، وهو غضب ولعن وجعل، ونصب «الطاغوت» به، في هذه القراءة غير بحذفه الموصول؛ لأن التقدير: وجعل منهم من عبد الطاغوت، فحذف «من»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/414]
وأبقى الصلة، فهو قبيح جائز على بعده، ولذلك كثر الاختلاف في هذا الحرف، فقرئ على أحج عشر وجهًا، ووحّد الضمير في القراءتين، حملا على فظ «من» وهو الاختيار؛ لأن عليه الجماعة، وهو أبين في المعنى؛ لأن التقدير: من لعنه الله، ومن غضب عليه، ومن جعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت، فهو أبين في المجانسة والمطابقة، وحمل آخر الكلام على مثال أوله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/415]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [آية/ 60]:-
بضم الباء، وخفض {الطاغوتِ}، قرأها حمزة وحده.
ووجهه أن عبدًا واحدٌ كحذر وندس ويقظ، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بعبد الطاغوت الذي ذهب في عبادة الطاغوت كل مذهبٍ، وهو معطوف على
[الموضح: 446]
ما قبله مما عمل فيه جعل، كأنه قال: وجعل منهم القردة والخنازير وجعل منهم عبد الطاغوت، أي عابد الطاغوت.
وقرأ الباقون {وَعَبَدَ الطاغوت} بفتح الباء ونصب {الطاغوت}.
والوجه أن {عَبَدَ} فعل ماضٍ معطوف على مثال الماضي الذي في الصلة، وهو قوله {لَعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ}، وأفراد الضمير حملاً على لفظ {مَنْ} دون معناه؛ لأن لفظه على الوحدة). [الموضح: 447]

قوله تعالى: {وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ (61)}

قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {السحت} قرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بضم الحاء في ثلاثة مواضع في هذه السورة، وأسكن ذلك الباقون، وهما لغتان يراد بهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بمصدرين، يقال: سحته الله إذا استأصله، فكأنه يستح بدين آكله أي يذهبه، ويقال: سحته إذا ذهب به قليلًا، وأصله أكل الرُشا في الأحكام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/408]

قوله تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {وأكلهم السحت} [63].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {السحت} بضمتين.
وقرأ الباقون: {السحت} ساكنًا، وهما لغتان، نحو والبخل والبخل. قرأ به عيسى بن عمر.
وروى خارجة عن نافع {السحت} بفتح السين وسكون الحاء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/145]
فتكون لغة ثالثة. والعرب تقول: سحتهم الله وأسحتهم، وكل ذلك قد قرئ به {فيسحتكم بعذاب} و{فيسحتكم} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/146]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الحاء وإسكانها من قوله تعالى: السحت [المائدة/ 62/ 63].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: السحت* مضمومة الحاء مثقّلة.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة: السحت ساكنة الحاء خفيفة.
وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع: أكالون للسحت [المائدة/ 42] بفتح السين [وجزم الحاء].
قال أبو عبيدة: السّحت: أكل ما لا يحلّ. يقال: سحته وأسحته: إذا استأصله، وفي التنزيل: فيسحتكم بعذاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/221]
[طه/ 61] أي: نستأصلكم به، ومن أسحت قول الفرزدق:
إلّا مسحتا أو مجلّف والسّحت والسّحت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر. فأما من قرأ أكالون للسحت [المائدة/ 42] فالسّحت مصدر سحت، وأوقع اسم المصدر على المسحوت كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير. والصيد على المصيد في قوله: لا تقتلوا الصيد [المائدة/ 95] والسّحت أعم من الربا، وهؤلاء قد وصفوا بأكل الربا. في قوله: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه [النساء/ 161] إلّا أنّ السّحت أعمّ من الربا نحو ما أخذوا فيه من كتمانهم ما أنزل عليه وتحريفهم إياه ونحو ذلك لأنّه يشمل الربا وغيره). [الحجة للقراء السبعة: 3/222]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #25  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:14 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (64) إلى الآية (66) ]

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66)}

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة