تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا خالدٌ، حدّثنا حاتمٌ، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: حدّثني القاسم بن محمّدٍ: أنّ عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تحشرون يوم القيامة حفاةً عراةً غرلًا» قالت عائشة: قلت: يا رسول الله، الرّجال والنّساء ينظر بعضهم إلى بعضٍ؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأمر أشدّ من أن يهمّهم»).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/158]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا (47) وعرضوا على ربّك صفًّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدًا}.
يقول تعالى ذكره: {ويوم نسيّر الجبال} عن الأرض، فنبسّها بسًّا، ونجعلها هباءً منبثًّا {وترى الأرض بارزةً} ظاهرةً، وظهورها لرأي أعين النّاظرين من غير شيءٍ يسترها من جبلٍ ولا شجرٍ هو بروزها. وبنحو ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، ح، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وترى الأرض بارزةً} قال: لا خمر فيها ولا غيابة يعنى شجره فيها فيها.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وترى الأرض بارزةً} ليس عليها بناءٌ ولا شجرٌ.
وقيل: معنى ذلك: وترى الأرض بارزةً أهلها الّذين كانوا في بطنها، فصاروا على ظهرها. وقوله {وحشرناهم} يقول: وجمعناهم إلى موقف الحساب {فلم نغادر منهم أحدًا} يقول: فلم نترك، ولم نبق منهم تحت الأرض أحدًا، يقال منه: ما غادرت من القوم أحدًا، وما أغدرت منهم أحدًا، ومن أغدرت قول الرّاجز:
هل لك والعارض منك عائض = في هجمةٍ يغدر منها القابض).
[جامع البيان: 15/281-282]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وترى الأرض بارزة يقول لا خمر عليها ولا غياية
). [تفسير مجاهد: 376-377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وترى الأرض بارزة} قال: لا عمران فيها ولا علامة).
[الدر المنثور: 9/563]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وترى الأرض بارزة} قال: ليس عليها بناء ولا شجرة).
[الدر المنثور: 9/563]
تفسير قوله تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وعرضوا على ربّك صفًّا} يقول عزّ ذكره: وعرض الخلق على ربّك يا محمّد صفًّا. {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ} يقول عزّ ذكره: يقال لهم إذ عرضوا على اللّه: لقد جئتمونا أيّها النّاس أحياءً كهيئتكم حين خلقناكم أوّل مرّةٍ، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السّامعين بأنّه مرادٌ في الكلام.
وقوله: {بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدًا} وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب اللّه به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنّه قد يرد القيامة خلقٌ من الأنبياء والرّسل، والمؤمنين باللّه ورسله وبالبعث. ومعلومٌ أنّه لا يقال يومئذٍ لمن وردها من أهل التّصديق بوعد اللّه في الدّنيا، وأهل اليقين فيها بقيام السّاعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدًا، وأنّ ذلك إنّما يقال لمن كان في الدّنيا مكذّبًا بالبعث وقيام السّاعة).
[جامع البيان: 15/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن منده في التوحيد عن معاذ بن جبل: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ينادي يوم القيامة يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسؤولون محاسبون يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب).
[الدر المنثور: 9/563-564]
تفسير قوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الحكم، أو أبو الحكم - شك نعيم - عن إسماعيل بن عبد الرحمن، عن رجل من بني أسد، قال: قال عمر لكعب: ويحك يا كعب، حدثنا حديثًا من حديث الآخرة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إذا كان يوم القيامة رفع اللوح المحفوظ، فلم يبق أحد من الخلائق إلا وهو ينظر إلى عمله فيه، قال: ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال العباد، قال: فتنشر حول العرش، فذلك قوله: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [سورة الكهف: 49]، قال الأسدي: الصغيرة: ما دون الشرك، والكبيرة: الشرك إلا أحصاها، قال كعب: ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، فينظر فيه فحسناته باديات للناس، وهو يقرأ سيئاته، لكي لا يقول: كانت لي حسنات فلم تذكر، فأحب الله أن يريه عمله كله، حتى إذا استنقص ما في الكتاب وجد في آخر ذلك أنه مغفور، وإنك من أهل الجنة، فعند ذلك يقبل إلى أصحابه، ثم يقول: {هاؤم اقرأوا كتابيه * إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه} [سورة الحاقة: 19-25].
ثم يدعى الكافر فيعطى كتابه بشماله، ثم يلف فيجعل من وراء ظهره، ويلوى عنقه، فذلك قوله: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه}، فينظر في كتابه، فسيئاته باديات للناس، وينظر في حسناته، لكي لا يقول: أفأثاب على السيئات؟ ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 756-757]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربّك أحدًا}.
يقول عزّ ذكره: ووضع اللّه يومئذٍ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ بيمينه وأخذ بشماله {فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه} يقول عزّ ذكره: فترى المشركين باللّه مشفقين، يقول: خائفين وجلين ممّا فيه مكتوبٌ من أعمالهم السّيّئة الّتي عملوها في الدّنيا أن يؤاخذوا بها {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها} يعني أنّهم يقولون إذا قرءوا كتابهم، ورأوا ما قد كتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب اللّه، وضجّوا ممّا قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة الّتي قد أحصاها كتابهم، ولم يقدروا أن ينكروا صحّتها، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها} اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء، ولم يشتك أحدٌ ظلمًا " فإيّاكم والمحقّرات من الذّنوب، فإنّها تجتمع على صاحبها حتّى تهلكه " ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يضرب لها مثلاً، يقول كمثل قومٍ انطلقوا يسيرون حتّى نزلوا بفلاةٍ من الأرض، وحضر صنيع القوم، فانطلق كلّ رجلٍ يحتطب، فجعل الرّجل يجيء بالعود، ويجيء الآخر بالعود، حتّى جمعوا سوادًا كثيرًا وأجّجوا نارًا، فإنّ الذّنب الصّغير يجتمع على صاحبه حتّى يهلكه.
وقيل: إنّه عنى بالصّغيرة في هذا الموضع: الضّحك
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدّثنا محمّد بن موسى، عن الزيال بن عمرٍو، عن ابن عبّاسٍ، {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} قال: الضّحك.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثتني أمّي حمّادة ابنة محمّدٍ، قال: سمعت أبي محمّد بن عبد الرّحمن، يقول في هذه الآية في قول اللّه عزّ وجلّ: {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها} قال: الصّغيرة: الضّحك.
ويعني بقوله: {مال هذا الكتاب} ما شأن هذا الكتاب {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} يقول: لا يبقى صغيرةً من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرةً منها {إلاّ أحصاها} يقول: إلاّ حفظها. {ووجدوا ما عملوا} في الدّنيا من عملٍ {حاضرًا} في كتابهم ذلك مكتوبًا مثبتًا، فجوزوا بالسّيّئة مثلها، والحسنة ما اللّه جازيهم بها {ولا يظلم ربّك أحدًا} يقول: ولا يجازي ربّك أحدًا يا محمّد بغير ما هو أهله، لا يجازي بالإحسان إلاّ أهل الإحسان، ولا بالسّيّئة إلاّ أهل السّيّئة، وذلك هو العدل).
[جامع البيان: 15/283-285]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 49.
أخرج البزار عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله عليه).
[الدر المنثور: 9/564]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزو حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اجمعوا من وجد عودا فليأت ومن وجد عظما أو شيئا فليأت به قال: فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أترون هذا فكذلك تجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجل لا يذنب صغيرة ولا كبيرة فإنها محصاة عليه).
[الدر المنثور: 9/564-565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا).
[الدر المنثور: 9/565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} قال: الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك).
[الدر المنثور: 9/565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك).
[الدر المنثور: 9/565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ويقولون يا ويلتنا} الآية، قال: يشتكي القوم كما تسمعون، الاحصاء ولم يشتك أحد ظلما فإياكم والمحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه).
[الدر المنثور: 9/565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية، قال: سئلوا حتى عن التبسم فقيل فيم تبسمت يوم كذا وكذا).
[الدر المنثور: 9/565]